القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية الحب أولا الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بقلم دهب عطيه

 رواية الحب أولا الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بقلم دهب عطيه 





رواية الحب أولا الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بقلم دهب عطيه 


11=ج1=رواية الحب أولا الحلقة الحادية عشر

استيقظت في الصباح تنوي شرب الماء والعودة للفراش لتكمل نومها…….. لكن أثناء ذهابها للمطبخ

انتبهت لوجود سلطان في ردهة الشقة……

نظر لها سلطان وعقد حاجباه متراقباً هيئتها

بدهشة… فكانت اشبه بـالداب…. الكسلان والذي يقضي ساعات يومه في النوم وان خرج من جحرة يخرج مضطراً للبحث عن طعام او ماء…..

كانت مزالت بالمنامة القطنية منذ أمس… لكن شعرها

الان مشعث ويلتف حول وجهها يكاد يرى عينيها

المنتفخة آثار النوم… بصعوبة من حول خصلاتها الطويلة…. كانت تسير ببطء شديد اشبه بساحرة مشعوذة…….

هل فزعت من الشبح في الفيلم ليلة أمس…

يجب ان تنظر للمرآة بهذهِ الهيئة لربما

اتعظت !!…..

“لا حول ولا قوة الا بالله……”

تمتم بها وهو ينظر لوجه داليدا التي القت عليه نظرة

قانطة ثم اتجهت الى المطبخ بخطى متعثرة بطيئة…

لحق بها سلطان قائلاً…..

“داليدا اسمعي…….”

اوقفته داليدا بيدها بحركة تعني….

(انتظر…… صبرك بالله…..)

سند بكفه على الرخامة مراقبا الخطوة القادمة

منها…..

فتحت داليدا المبرد واخذت أول شيء قنينة ماء مثلجة وارتشفت منها مرة واحدة…..

ضيق سلطان عيناه متابع مايحدث بارتياع….

فوجدها تغلق القنينة وتلقيها في الدرج بمنتهى الإهمال الفوضوي المعروف عنها…. ثم سحبت

قنينة من المياة غازية وارتشفت منها رشفة

كبيرة….. جعلت سلطان يجفل وهو يعقب

مستهجنا….

“على الفكرة الحاجات دي غلط على الصبح…..”

اغلقت القنينة ونظرت اليه بضيق…ولم تتحدث

بل اكتفت بنفس الحركة بيدها والتي تعني….

(انتظر… صبرك بالله…..)…

رفع حاجبٍ وبالفعل انتظر الخطوة التالية حتى تتعطف الأميرة المدللة عليه وتطربه بصوتها

المائع كمشيتها…..

فعادت داليدا للمبرد المفتوح امامها وبحثت بعينيها

عن الطعام لتجد غايتها فبدأت تمد يداها الاثنين

بعشوائية داخل المبرد وتاخذ مايقابلها وتضعه في فمها سريعاً…

حتى امتلأت وجنتيها من الناحيتين ومزالت

تاكل بنهم……. وكانها كانت تعاني من المجاعة

ليلاً…….

“دا انتي لو شايلة اللوز خالص مش هتعملي

كده…….”

قالها سلطان وهو يشيح وجهه خارجاً من المطبخ مكتفي بهذا العرض الجبار……..

عاد الى الردهة يسحب مقعداً ويجلس عليه منتظراً

معاليها……

خرجت داليدا من المطبخ بعد لحظات وقد بدات تفيق من النوم بتدريج بعدما أكلت مايكفيها…..

ارجعت داليدا شعرها الطويل للخلف ومزال بيدها

قنينة صغيرة من المياة الغازية تشرب منها على

مهل عندما رأت سلطان ابتسمت له قائلة

برقة بعيدة كامل البعد عن المرأة التي

كانت تفترس الطعام منذ دقائق…

“صباح الخير ياسلطان……..”

زم سلطان شفتاه وهو ينظر الى شكلها والى ما تشربه…….

“صباحوو…….”

جلست داليدا على أحد المقاعد وثنة احد ساقيها اسفلها وهي تقول……

“مالك قرفان مني كدا ليه……..”

ضرب سلطان على ركبته متشدقاً بسخرية

مريرة……..

“قرفان…..حد يشوف الخلقة دي على الصبح ويقرف…..دا انا يابختي بيكي…..لا بجد

يابختي بيكي….”

حركت داليدا حدقتاها مشككه…..

“شمه ريحة تريقة من بعيد….بس على فكرة…انا مبحبش اتكلم الصبح قبل ما اغير ريقي باي حاجة……”

اوما براسه سائلاً…… “وغيرتي على كده…….”

اخذت رشفة من القنينة ثم قالت بجذلاً…..

“آآه كده تمام……صباح الخير…..رد بقا خليك

جدع…….”

هز سلطان راسه امام سوداويتاها الراجية… فدللها قائلاً بحنان…… “صباح النور يادودا…..حلو كده……”

لم تفارق الابتسامة شفتيها وهي تسأله…..

“أحلى صباح……قولي بقا منزلتش الشغل ليه…ولا

انا اللي صاحيه بدري……”

اجابها بهدوء……

“هنزل كمان شويه….عندي شغل برا……..”

نهضت داليدا متسائلة باهتمام……

“فطرت……..اعملك فطار معايا… ”

أبتسم سلطان ساخراً بغلاظة…..

“هو لو فيه فطار بعد اللي عملتيه جوا ده…

يبقا الحمدلله………اعملي… “ثم استرد

حديثه متعجباً………

“بس هو كل ده انتي لسه مفطرتيش……”

اكفهر وجه داليدا بقنوط…..

“انت هتنق عليا ولا اي ياسلطان……لسه مفطرتش..

بقولك بغير ريقي بس بالقمتين كده….”

القى سلطان عليها نظرة شاملة ثم

عقب هازئاً……

“هنق عليكي ليه…. هو أصلا باين عليكي حاجه… اللي يشوف جسمك ميصدقش ان انتي بتاكلي كل ده……..”

رفعت كفها في وجهه واجمة…..

“الله اكبر…. دا انت بتقر مش بتنق بس…. هغسل وشي واعملنا فطار……..”

اوقفها سلطان وهو ينظر لشعرها المشعث

بنفاذ صبر…..

“وسرحي شعرك ده……. متبقيش منكوشة كده قدامي………”

استدارت اليه داليدا قائلة بضجر……

“واي فيها يعني…. لما أكون منكوشة مش لازم تشوفني بكل حالاتي….اغشك يعني…. ”

هز راسه مستهنياً معلقاً…….

“فات وقته الكلام ده…. انا كده كده مغشوش

فيكي من زمان……..”

رفعت داليدا حاجباها مشدوهة ثم رفعت

انفها تستعيد الثقة في نفسها وهي تقول

بترفع أهوج………

“مغشوش؟!… بذمتك فيه في جمالي وفي

حلاوتي…..”

هز سلطان راسه مجيباً وعيناه على شعرها….

“بنكشه دي مفيش………”

“ههي….ظريف……..”اخرجت لسانها بضيق شديد ثم

ابتعدت الى الحمام…..

فضحك سلطان من خلفها وهز راسه بقنوط….

بعد نصف ساعة وضعت الطعام امامه على السفرة

والذي اغلبة كان معلبات…..لكن كالعادة بعد أول لقمتين سالته بحماسية مفرطه…..

“اي رأيك في الفطار…….”

نظر سلطان للطعام ثم لعينيها وادعى السعادة

والرضا التام……..

“ماشاءالله على الفطار وجمال الفطار وحلاوة الفطار……لا لا بجد تسلم إيدك انك فضيتي الجبنة

من العلبة وحطتيها في الطبق…….”

امتعضت داليدا وهي تشير على الاطباق

امامهما……

“على فكرة قطعت خيار شرايح….. وعملت

اومليت…..”

نظر لها سلطان بعدم فهم…..

“طب مانا قولت تسلم ايدك…. اقول إيه اكتر

من كده………..”

رمقته بطرف عينيها وهي تمضغ

اللقمة بغضب….

“انت أصلا بتتريق……”

اشار على نفسه مؤنباً إياها…..

“بذمتك انا اقدر اتريق عليكي……بس انتي اللي اسالتك غريبة دا فطار يعني مش محمر

ومشمر…….”

لم ترد عليه بل اشاحت بوجهها تمضغ الطعام

على مضص…….فمد سلطان يده لها بلقمة

غمسة بالجبن وقربها من فمها….قائلاً بمزاح….

“يلا افتحي بؤك خلينا نشوف القطر رايح فين…”

لوت داليدا شفتيها من زاويا واحده ناظرة اليه بسخط……فعاد سلطان أمراً بخشونة…..

“افتحي بؤك واستهدي بالله……مش ناقصين

نكد…….”

اخذت منه اللقمة على مضض قائلة

بتبرم…..

“بطل تعاملني كاني عيله صغيرة……..”

ابتسم سلطان مداعباً اياها بعيناه…..

“كبرتي يعني……..الله يرحم زمان مكنتيش بتقومي من على رجلي…ولازم أأكلك بايدي…..فاكرة…..”

احمرت وجنتيها عند تلك الذكرى فقالت….

“وفاكره كمان انك كنت علطول بتغلس عليا وتاكل اكلي…….”

اشار على نفسه بصدمة……. “انا………”

ذكرته داليدا بتبرم وبنظرة نارية……

“آه…….فاكر رغيف الحواوشي……اللي اكلته

مني قال اي حراق عليكي……..”

اكد بضحكة خشنة….. “ماهو كان فعلاً حراق…….”

وضعت اللقمة في فمها ومضغتها بضيق….

“واي فيها يعني مانا باكل الحراق……انت غريب

أوي………”

هز راسه ضاحكاً باستمتاع…. “قلبك أسود أوي…….”

حركت كتفها موضحة…. “عادي انا بفكرك بس…….”

ثم وضعت لقمة أخرى في فمها…واتسعت عينيها

فجأه متلألأة بشكلاً أسحر حواسه فانجذب لها

اكثر ليجدها تنظر اليه قائلة بتقريع……

“وفاكر يوم خطوبتك…..وزعوا على الكل جاتوة ونسيوا يدوني…ولما قولتلك قعدت تبرقلي بعنيك…”

تعثر سلطان في ضحكة مفاجاة وهو يبراء

حالة…..

“مانتي جايه تقوليلي قدام ام العروسة وبنتها

عايزاني ارد عليكي إزاي…..”

ثم استرد حديثه متذكراً احداث تلك

الليلة………

“وبعدين واحنا راجعين جبتلك علبة جاتوة

بحالها وكلتيها لوحدك……..بتاكلي وتنكري ليه…. ”

اومات داليدا براسها مستعدة لاخراج

كل الملفات السوداء للإدانة به…..

“طب بلاش دي…..يوم ماخدتها وخرجتم روحت السينما….وانا وجنة كنا معاكم جبتلها البوب

كورن حجم كبير وانا وجنة حجم صغير…….”

رد ببساطه وهو يتابع تناول فطورة شاعراً

باللذة جوارها…..”عشان كنت باكل معاها……”

“يسلام…..عملي فيها رومانسي……”اسبلت داليدا

اهدابها مضيفة بنزق…….

“أصلا مكانتش حلوة ودمها تقيل……”

ضيق سلطام حاجباه مذكرها بلؤم…..

“تقريباً كانت صاحبتك وانتي اللي اخترتهالي…….”

ردت عليه بابتسامة متشفية……

“آآه انا اللي اخترتها…..بس انا من الاول عارفه انكم

مش هتكملوا…….”

وبخها سلطان بنبرة خشنة……

“واختارتيها ليه من الأول ….وعملتلي فيها الخطبة

ويبخت من وفق راسين في الحلال…… ”

ابتسمت داليدا بهزل وهي تنظر اليه……

“اللي حصل……شوف في الآخر بقيت فين

مراتك……..عمر جه في بالك اني اكون مراتك….”

هز راسه بنفي وهو يقول بصوتٍ أجش……

“ولا في احلامي……..حكايتنا دي بتحصل كل مية سنة مرة………”

اندمجت معه في الحديث مؤكدة بجدية…

“الحكايات اللي من نوع ده بتخوف صح…يعني

البداية مش بمزاجك…..بس ممكن النهاية تكون بمزاجك……….”

“مش فاهم……..”رفع راسه اليه منتظر توضيح….

فطرحت هي سؤالٍ يحير كلاهما منذ البداية……

“يعني……احنا هنكمل مع بعض صح…….هنكمل

كده علطول……..”

أجاب هو مؤكداً بنظرة قوية ونبرة

معبرة……

“اه احنا هنكمل علطول……بس اكيد مش هنكمل كده…….”

سالته داليدا بتردد….. “مش فاهمه……..”

بنظرة اشد خطورة اوقع قلبها اسفلها…..

“لا هي وصلالك…..بس انتي مش عايزة تفهميها….”

نهض سلطان من مكانه….. شاعراً بان معدته اكتفت

بهذا القدر من الطعام والحديث………

عندما ابتعد عدة خطوات امام عينيها الحزينتين

اوقفته مناديه……

“سلطان…..”

وقف سلطان يوليها ظهره ومالى للجهة الأخرى

ينظر لها من فوق اكتافه العريضة…….فقالت

هي بنبرة تقطر مراراً كالعلقم……….

“لو مع الأيام اكتشفت…. ان احنا مختلفين عن بعض في حاجات كتير…ومش قادرين نفهم بعض….بسبب

فرق السن والتفكير……..هتعمل إيه…. هتقرر تكمل برضو حتى لو احنا مش مبسوطين سوا……”

استدار عند تلك النقطة ناظراً لعمق

عينيها….سائلا بنبرة غريبة….

“انتي هيكون اي قرارك……… هتكملي…..”

هزت راسها سريعاً بحسم……. “أكيد لا……..”

اوما هو براسه مجيباً بحسماً يضاهيها…..

“بس انا بقا هكمل حتى لو انتي مش عايزة

تكملي…..”

تجمدت مكانها غير مستوعبة بعد وضعها

الحالي……..فاقترب هو منها مذكرها بمنتهى

القسوة………

“انتي ناسيه انا اتجوزتك ليه…… عشان تبقي تحت عيني…….مسئولة مني……..عشان احميكي من

نفسك…….”

خفق قلبها بوجع واهتزت حدقتاها وهي تقول

بغصة مختنقة……..

“قصدك اني مضطرة اقبل بالحياة دي…. حتى لو

احنا مش مبسوطين سوا…. ومش بنحب بعض….”

لماذا شعر بوخزة شديدة تداهم صدره بعد

اخر جملة لها وكانه سهم ناري أصابه……فاتكأ

على اسنانه يصرح بصعوبة…….

“ايوا ياداليدا مضطرة تقبلي…..انتي اللي اختارتي الحياة دي……. ”

رفعت سبابتها بتشنج امام عيناه

صائحة باهتياج…….

“غلطه واحده….. غلطة واحدة هدفع تمنها العمر كله……..غلطه واحدة…… ”

اظلمت ملامح سلطان وظل ينظر اليها بصمت ولم يبدي اي رايا في حديثها….فأحمر وجهها من شدة الغضب مضيفة

“طب بلاش…… انت إزاي هتكمل كده معايا….. يعني

انت راجل اكيد محتاج ست بجد تشاركك حياتك صح… وتديك حقوقك الشرعيه……وتكون ام

لاولادك…. ”

صحح سلطان بخشونةٍ……..

“وليه مخدشي حقوقي الشرعيه منك انتي…..”

انطلق رفضها في وجهه كرصاصة

طائشة…..

“مستحيل….. لاني مش بحبك…….”

بابتسامة باردة لم تصل لعيناه اجابها……

“عارف…. ولا انا بحبك…… بس الحاجات دي مش شرط خالص يكون فيها حب……”

عقدة ساعديها امام صدرها قائلة

بقوة…….

“آسفه وانا مقدرش اعمل كده من غير حب……”

سخر سلطان من تلك المشاعر الوردية

الحالمة….

“لسه بعد كله اللي حصلك بتفكري في الحب.. محرمتيش…….”

رفعت عينيها للأعلى بجزع….

“انت ليه مش فاهمني ياسلطان……”

هز هو راسه بملامح جامدة……

“انتي اللي مش فاهمه انتي عايزة إيه…..”

ثم بنظرة ثاقبة تابع بصرامة……

“بس انا هريحك….. بنسبة اني راجل ومحتاج ست في حياتي………وانك متقدريش تديني حقوقي الشرعيه……. فانا يوم ما افكر في ده…. هاتجه

لأبسط الحلول…… بنسبالي……..”

اعطاته كل تركيزها متوجسة… “اللي هي ؟…….”

بأجابة قاطعة…….. “اتجوز…….”

وكان دلوٍ من الماء البارد هبط فوق رأسها…فظلت

لفترةٍ تنظر اليه بعدم تصديق…….حتى تمتمت

متسائلة بعيون غير مستوعبه بعد………

“والله ؟!……تجوز !!…..”

هز راسه ببساطه…..وفي عيناه نظرة المتشفي

وكانه نال منها بهذا الجواب……..

فارة الدماء في عروقها…..وتوهجة سودوايتاها

ببريق مخيف نحوه صارخة باعصاب مشدودة……

“يعني انت تتجوز عليا….. وتعيش حياتك…. وتخلف

وتفرح وتنبسط….. وانا افضل كده..زي البيت الواقف

محبوسة بين أربع حيطان…. المهم اكفر عن ذنبي…”

جنت بشدة وعلى هدير انفاسها متابعة…..

“ذنبي اللي هو إيه….. اني هربت مع اللي بحبه…”

اشتعلت عينا سلطان فصرخ بها يرهبها…..

“اخرسي ياداليدا…..”

هزت داليدا راسها ونزلت دموعها ولا تعرف

لماذا كل هذا الغضب انتابها في لحظة بعد

تصريحة السخيف عن الزواج من أخرى….

“مش هخرس….. زي مانت بتكلم بكل بساطه

كده معايا عن جوازك من واحده تانيه….واني

هفضل في السجن ده مدى الحياة…. انا كمان هتكلم عن الظلم والافترى اللي بعيشه بس عشان هربت مع اللي بحبه…… انا مش ندمانه ياسلطان….”

لا تعرف ماذا تفعل انها تستفزة كي

يضربها……

تابعت داليدا وهي تبكي بحرقة…..

“لانه مأذنيش…….. انت واهلي اللي أذتوني….”

لوحت بيدها بعصبية والدموع تتسابق على

وجنتيها…..

“انتوا غصبتوني على الجواز……وبقيت معاك غصب عني…. قبلت وسكت وفضلت في السجن ده… أسلوبك معايا زي الزفت…….. تحكمات وشخط

ونطر….. دا ميتلبسش وده يتلبس….تبهدلني

وتزعقلي وتعمل مابدالك وفي الآخر ترضيني

بحاجة حلوة زي العيال………”

“داليدا…….”حذرها سلطان بعينين قاسيتين….فلم

تهابه وقاطعته وهي ترفع اصبعها بتهديد صريح

وعينين تشتعل بجنون……..

“أسمع…. لو في يوم فكرت تجوز عليا انا هقتلك

وهقتل نفسي بعديك سامع…..”

رجع سلطان براسه للخلف غير مصدقاً…..

فتابعت داليدا ببطئ شديد وهي تقترب منه خطوة أخرى وتشير له باصبعها مهددة…….

“مش انا اللي يبقالها ضرة…..وانسى ان حد يشاركني فيك…..ودا مش حب…. دي كرامتي وبحافظ

عليها…… منك…….”

لم يعقب سلطان بل ظل ينظر اليها عن كثب…….

انفعالها الظاهري المرسوم على وجهها….انفاسها المتسرعة من الغضب….ونظرات عينيها النارية..

ورغم الغضب المتأجج داخل صدره بسبب

حديثها……

مد سلطان يده ومسح دموعها قائلاً

برفق….

“اهدي…….كفاية عياط……..”

ضربة داليدا يده وهي تبتعد عنه بنفور قائلة

بدموع حبيسة في حدقتاها…..

“عايز تجوز الباب مفتوح روح اتجوز…….مش همنعك…… ”

ثم دلفت الى غرفتها تختبئ خلف بابها….فنظر سلطان لما حدث مرتابٍ…….تلك هي أول ساعات الصباح التي انتظرها معها !!…….

…………………………………………………………..

كانت تطهو الطعام بذهن شارد……تقلب الطعام في المقلى بالمعلقة الخشبية ثم تفرغ محتواه في أحد

الطواجن ولم تنتبه للمرة المائه وحرقة اصبعها

مجدداً….

فالقت المقلى في الحوض بضيق وهي تضع يدها تحت صنبور المياة الباردة متاففة بألم……..

اتت عليها خلود بعد ان انتبهت لما حدث فوقفت جوارها تسألها بحيرة….

“مالك ياشهد….. مش مظبوطه النهاردة يعني….”

هزت شهد راسها بنفياً….

“ولا حاجة ياخلود…… عادي……”

سالتها خلود بدهشةٍ….

“عادي ازاي انتي مش معايا……. علطول سرحانه حتى وانتي بتطبخي كام مرة حرقتي إيدك…..”

مسكت خلود يدها فوجدت حروق متفرقة في كفها

الأيمن وخصوصا عند الأصابع……..

“معندناش هنا مرهم حروق……..”

قالت شهد بتململ……

“مش مستاهله ياخلود………مش وجعاني…..”

نظرت لها خلود بحنق ثم عادت لكفها

المفرود……..

“ياشيخه اتقي الله…… ايدك كلها ملسوعة… شايفه

احمرت إزاي…….”

“شايفه…..بس مش وجعاني……”قالتها شهد بنبرة

غريبة تثير الشك مما جعل صديقتها تسالها مجدداً

بقلق ملموس………

“مالك ياشهد….انتي مش طبيعيه النهاردة…احكيلي

دا احنا صحاب……”

نظرة لعينا خلود ثم قالت بنبرة مثقلة

بالهموم….

“عاصم…….عايز يتجوزني ياخلود…….”

تهلل وجه خلود فرحاً…….

“ياختي ودا يخليكي تعملي في نفسك كده…

يا اختي يالف نهار أبيض…….”رفعت خلود يدها بجذلاً فاوقتها شهد بصدمة…….

“هتعملي إيه……”

اجابتها على الفور بسعادة بالغة….

“هزغرط…..دا يوم المُنى……..”

امتنعت شهد وهي تخبرها

بمخاوفها…..

“انا مش مطمنه ياخلود……مش مرتاحة……”

انزلت خلود يدها مستفسرة بحيرةٍ…….

“ليه بقا كفى الله الشر………هو المعلم عاصم يترفض..

دا بسم الله ماشاء الله…..جمال واخلاق ومال…عايزه

ايه اكتر من كده…….”

اجابة بتيه…… “شغلي ياخلود….. حياتي……”

لكزتها خلود موبخه إياها…….

“اي حياة دي….. متضحكيش على نفسك ياشهد…

دا انتي من يوم ماوعيتي على الدنيا… وانتي شايله

همك وهم اخواتك…….” ثم مصمصت بشفتيها

بطريقة شعبية اصيلة وهي تضيف بتحسر…..

“وبعدين شغل ايه اللي ماسكه فيه اوي ده…. هو المطعم بيجيب اي يعني……. اللي هتكسبيه من

المطعم بعد شقى ومرمطه هتلاقيها تحت

رجلك بعد ماتبقي مرات عاصم الصاوي…..”

تعجبت شهد معلقة باستهجان…..

“وانا بقا هتجوزه عشان فلوسه……انتي شيفاني كده…… ”

ارتفع حاجب خلود معارضة……

“امرك عجيب ياشهد….ياختي هي الواحده لم تجوز

واحد مقتدر تبقا طمعانه فيه وعايزة تسرقة……….”

تلجلجت شهد موضحة……

“انا مقولتش كده……بس انا مش عايزة دا يكون السبب اني اوفق عليها……..”

اكدت خلود بفطنة ضاحكة……

“دا سبب…والسبب الأهم انك ميالة ليه وهو كمان

شكله واقع لشوشته………ياختي انا مش عارفة

اي اللي قلقك اوي كده……”

افصحت شهد متوجسةٍ…….

“حاجات كتير……انا معرفوش ياخلود….معرفوش كويس……وحتة انه مستواه أعلى مني دي مش

مطمناني….. بالعكس دنيا جديدة وحياة جديدة

تخوف……… حتى طلقته واختها…… كل حاجة

حوليه مش مطمناني…..”

سالته خلود بدهاءٍ أنثوي…..

“طب و بنسبة لقلبك……مياله ليه ولا عادي……”

نظرة لخلود لبرهةٍ ثم قالت….. “مش عارفه……..”

ابتسمت خلود ساخرة…….

“إزاي مش عارفه بصي لنفسك في المرايه…هتعرفي

انك وقعتي…….وقعتي ياشهد……”

صمتت شهد من جديد شاردة…….فقالت خلود

بضحكة خبيثة……..

“الكلام خدنا….انا هروح اجبلك كريم للحروق…

عشان تعالجي ايدك دي……..”

خرجت خلود وتركتها في حيرتها….فوقفت مكانها للحظات…..هل حقاً وقعت في الحب….ام مزالت على

وشك السقوط……….هل هي على الحافة……ام انها

تتوارى عن الخطر………

حانت منها نظرة على مرآة الموقد الكهربائي…لتجد

وجهها شاحب ووجنتيها متوهجتين…….ام هاتين العسليتين هائمتين ضائعتين في  عالم آخر….عالم خطفها اليه عنوة عنها ومزالت تأبى الاعتراف بانها أسيرة هذا  العالم…….اسيرة عالمه !………..

……………………………………………………………

في المساء….تجمع الجميع على سفرة الطعام….

جلس والدهم على رأس الطاولة……..ام حمزة

بجواره على الناحية الأخرى وشقيقتيه بجواره

كذلك……وقمر تجلس وحيدة في الناحية الأخرى امام حمزة…………

نظر عثمان الى شهد عدة مرات…….فوجدها صامته

تقلب في طبقها بشرود…..

مضغ الطعام بقوة وهو يحرك حدقتاه الى كيان

التي تاكل بشكلاً طبيعي بهدوء….متجاهلة وجوده كالعادة….

رجعت عيناه الى شهد فوجدها على حالها فعاد

الى حمزة الجالس بجواره…..فوجده يقلب في

طبقه عابس الوجه شارداً الذهن…….

فحانت من عثمان نظرة أخيرة على قمر التي كانت

تأكل بحرج وعيناها في أغلب الأوقات تقع على

حمزة دون إرادة منها……

فابتسم عثمان ابتسامة سميكة….وهو يعود

بعيناه الى شهد من جديد قاطعاً الصمت

بسؤالٍ فاتر……

“واي اخبار المطعم ياشهد……..”

ارتفعت الأعين جميعها اليه محدقة به……حتى شهد نظرت اليه بتعجب…….فقال هو بإبتسامة حانية تتناقض مع شخصٍ مثله……..

“إيه….فكراني مش عارف انك فاتحة مطعم في شارع الصاوي……..”

بلعت شهد ريقها شاعره بشيء يطبق على انفاسها

يكاد يخنقها كلما نظرة لعيناه القاسية…..

انها ترى عزرائيل……مهما ادعى غير ذلك يظل

عزرائيل الدنيا بنسبة لها……

فإن العيون كالستار المكشوف….تكشف خواطرنا…

مهما أتقنا الدور……وهو بارع في الخداع لكن

عيناه متناقضتين فالقسوة تشتعل كالجمار

الملتهبة في حدقتاه……….

ردت شهد بهدوء…..

“المطعم شغال كويس الحمدلله…….”

سالها عثمان بنبرة تفوح منها

الحقد……

“وبتكسبي كويس على كده……..”

اومات برأسها وهي تشعر بالاختناق…..

“آآه…….لو دي بس البدايه يبقا انا بكسب كويس

اوي……الحمدلله……….”

لفظ عثمان بنبرة جافة…….. “وعاصم…………..”

نظر الجميع له بدهشة أكبر….وقد برزت خطوط الغضب على وجه حمزة وهو يضيق عيناه بشك

بعد سؤال والده………

رغم اضطرابها الظاهري الا انها ادعت

عدم الفهم……. “مش فاهمه……..”

فلانت شفتا عثمان بلؤم……….

“عاصم الصاوي اللي مأجرة منه المطعم…..اي اخباره

معاكي……..”

ردت شهد بسلاسة…..

“بنسبة للشغل تمام…….مفيش مشاكل…….”

سالها دون مواربة…….. “وبرا الشغل……….”

نظر حمزة لاخته بقوة فاهتزت حدقتيها مبررة

له………لتتابع الرد على والدها الذي يحدق بها

بهيمنة مهينة……..

“مفيش بينا كلام برا الشغل…….”

سالها عثمان بنبرة تفوح منها

الشك…. “متاكدة………”

قبض حمزة على كفه محاولاً تمالك اعصابة

حتى لا يقلب الطاولة عليهم جميعاً…….

فسالته شهد مستفسرة……

“في حاجة انت عارفها ومش عايز تقولها……”

عاد حمزة لوالده منتظر اجابته على أحر من

الجمر…..

فنظر عثمان لشهد للثوانٍ كانت أطول من عمراً

مر أمامها…… تشعر بالاختناق وألم يداهم

امعائها……

فابتسم عثمان ساخراً….وهو يبعد عيناه

عنها الى قمر التي كانت تتابع بصمت

واغلب تركيزها كان الى حمزة وانفعاله

الواضح……

“واي اخبارك ياقمر…..مرتاحة هنا…….”

اهتزت حدقتي قمر وقبل ان تبعد عيناها

عن حمزة نظر هو لها….وكانه انتبه لوجودها

بينهم الآن……فقالت بهدوء

“الحمدلله ياخالي….بس انا كنت…..عايزه اعرف هنقاعد امتى عشان نشوف موضوع الأوراق

والورث……..”

أردف عثمان بتفهم شديد……بنسبة لأبناءه

مريب !!…

“قريب…..حضريلي انتي بس صورة من الأوراق

عشان اوريها للمحامي بتاعي….ساعتها بقا هنقعد

معاه ونفهم كل حاجة……..”

قالت قمر بارتياح….

“تمام ياخالي……هبقا احضرهم…….”

نهض عثمان من مكانه امراً باحضر فنجان قهوة

الى غرفته فكانت قمر المتطوعة باعداده واحضاره له…….

زفرة شهد بعد ابتعد ابيها….وقمر…….فسالها حمزة

بشكٍ……..

“في اي ياشهد…..ابوكي يقصد إيه بالكلام ده…..”

هزت شهد كتفها…… “معرفش……..”

لم يقتنع حمزة بل سالها من بين اسنانه

المطبق عليها……

“شهد في حاجة بينك وبين عاصم……..”

امام نظرات اخيها الغاضبة…. ونظرة كيان التي

تتابع مايحدث بارتياب…… قالت مستسلمة لهذا

الخبر الحصري……….. “عاصم عايز يتجوزني………”

انقلبت ملامح حمزة بدهشة مشبعة

بالحنق الشديد…”إيه ؟!….. يتجوزك !!…….”

اما كيان فأنبسطت اساريرها هاتفه

بفرح…….

“بتهزري…..بجد هو قالك كده………”

………………………………………………………….


11= ج 2=

بعد مرور يومين………كانت تستلقي ليلاً على الفراش في غرفتها وحيدة……

تنظر للسقف في الظلام وعقلها مشغول به…… غيابة ليومين بعيداً عن عينيها  أمراً مزعج يولد الشوق واللهفة اليه مشاعر لا تحبذها……..ومزالت تنكرها…

حتى الان لا تعرف هل هي موافقة على هذا الارتباط

ام انها ستقابل طلبه بالرفض…….

وماذا ان حزن منها وابتعد اكثر عنها ؟…..

يالهي !!…..

أصبحتِ تخشي عليه من الحزن……. او الغضب

منكِ……هل حقاً مازلتِ على الحافة ولم تنهاري

وتسقطِ ؟!……….

صدح هاتفها في تلك الأوقات فجن قلبها بين ضلوعها…..هو بدون شك……

وعدها ان يبتعد عنها ويعطيها فرصة للتفكير في ارتباطهما ثم يسمع ردها عبر الهاتف…. وفى بعهده

وها هو يتصل بها الان…….

اضاءة المصباح جوارها……. ثم نهضت عن الفراش

تغلق بابها بالمفتاح……ثم عادت للفراش جالسة

والهاتف في يدها والشاشة تنير باسمه…..

متردده بالرد……حتى انتهى الإتصال…فعضت على شفتها منتظرة مرة أخرى…..فلم يعاود الإتصال

فشعرت بالاحباط والقت جسدها على الفراش

زافرة بأسى……فعاد الهاتف ينير باسمه من

جديد….

فانتفضت جالسة تفتح الخط وهي تتنحنح

بهدوء قائلة…….

“السلام عليكم……..”

لم تجد رداً لم يقابلها الا الصمت على الجهة

الاخرى فبللت شفتيها مردده بهدوء…..

“الو……..عاصم…….”

(شــهــد………)

لحناً اخر يعزف على حروف اسمها عندما ينطقها

بهذا الشكل……كيف يشبع حروفها الثلاثة بتلك الطريقة المميزة…..وكانه يعرف اهميتهم معاً….

يالهي أرحم فؤادي ياسيدي…..فانا وقلبي عذارى

في الهوى………

اتى صوته الأجش مجدداً يطرب اذانها ويسرق

انفاسها……واخيراً يسلب قلبها…….

(وحشتيني……)

اغمضت عينيها ورجفةٍ لذيذة تتخلل اصولها……

(شــهــد……مش هتردي عليا……..ساكته ليه…)

وهل ان قادرة على مواكبة كلامك ورد بالمثل…..

“عامل إيه……..”

من الغباء قولها الآن لكن هي لا تجد غيرها بديل….

سمعت منه صوت تنهيدة خشنة…… وهو

يجيب بهدوء….

(الحمدلله…. وانتي عامله اي من غيري…….)

ضائعة…… وكأنك القيت عليا سحرٍ أسود جعل

مني أمرأه بلا مذاق من دونك……….

“الحمدلله….. تمام……..”

لم يعقب فهو يعلم انها اصعب أمرأه تعامل معها

يوماً والقدر جعله مغرماً بها……

(احكيلي……حصل اي معاكي في اليومين دول…)

رمشت بعينيها عدت مرات ظنت انه سيأخذ قرارها

الأخير في ارتباطهما…….لكنه قرر تأجيل الأمر

لذا ردت عليه بفتور…….

“عادي يعني……زي كل يوم شغل واردرات….

وزباين داخله وزباين خارجه….”

سالها بخشونة…….(حد ضايقك…..)

ردت بثقة…… “لا طبعاً…محدش يقدر……..”

سالها عابسا…….(ليه محدش يقدر…….)

رمشت عدت مرات جافلة وهي تردد

كالببغاء…. “عشان محدش يقدر……..”

اجاب عاصم بثقة وهو جالساً على الفراش

يخطط في دفتره بالقلم الرصاص…….

(هو فعلاً محدش يقدر……لانك بقيتي تخصيني دلوقتي……..)

احمرت وجنتيها وجف حلقها وهي تغير مجرى

الحديث…..

“وانت اي اخبارك في اليومين اللي فاتوا…شغلك تمام……..”

اجابها بلهجة معبرة…..

(كله تمام……الا حاجة وحده……)

ادعت الغباء……. “اي هي…….”

رد بحرارة وعيناه مثبته على الرسمة التي

يخطها بقلمه……..

(اني مكنتش بعدي عليكي زي كل مرة…..بدخل الصاغه علطول……..كنت حاسس ان نقصني حاجة

مهمة في يومي……..)

زاد خجلها فاصدرت همهمات……. “مممم….”

تعجب عاصم فابتسم معلقاً…..

(هو ايه اللي ممم……بكلمك انا……ردي عليا……….)

قالت بحرج صارخ…. “اقول اي بس ياعاصم…….”

لم يرأف بحالها فقال بحرارة تربك كيانها…..

(قولي انك موفقة……… قولي اني وحشتك زي

مانتي وحشاني………)

أرحم قلبي يامعذبي……….

كان قلبها يتجاوب معه بالفطرة لكن عقلها أملى

عليها الرد بصعوبةٍ….

“مش دلوقتي………. لما احسها……..”

لفظ عاصم بزفرة ثقيلة……(آه ياشــهــد…….)

خفق قلبها فنادت عليه بضعف….. “عاصم……..”

لاسمه مذاق كالشهد عندما تلفظه

بهذه النعومة……فرد عليها بحرارة…..

(قولي ياشـهـد……… قولي انا سمعك……)

عضت شهد على باطن شفتيها وهي

تخبره…….

“انا موافقة…….. موافقة نعمل فترة خطوبة

ونقرب من بعض أكتر…….”

تنهيدة اشد حرارة اخرجها وهو يقول….

(واخيراااا…… حنيتي عليا…….)

وبخته شهد على حين غرة……

“بطل كلامك ده…. ليه محسسني اني بعذبك….”

مط عاصم شفتيه ساخراً……

(بحسسك ؟!…..لا خليكي متاكده انك بتخلصي

ذنب ناس………)

“مين هم الناس دول…….” شعرت بنيران تندلع في صدرها…..

فرد عاصم مستهيناً…..(اهم ناس وخلاص……)

اعادت شهد السؤال بتصميم…….

“احب اعرف هما مين…….”

رد عاصم بصوت أجوف…

(ناس كانت بتجري ورايا وانا كنت مديهم الطناش………)

زمت شهد شفتيها مزمجرة……

“ممم ياحرام…. وليه ما ترجع ليهم…. بدل ما انا

معذباك اوي كده…….”

ابتسم منتشياً وهو يقول

ببطء….

(متقلقيش بكرة هيطلع عليكي…….)

سالته بحاجب معقود…… “مش فاهمه……”

اجاب بغلاظة……

(لما تحبيني……..انتي اللي هتجري ورايا ….)

“مستحيل…. حتى لو بحبك مش هجري وراك….” كانت اجابتها أسرع مما جعله يصمت…….وعندما

لم تجد رداً نادت عليه…..

“سكت ليه…… سمعتني……..”

رد مختصراً بمرارة………(ماعشان كده سكت………)

صمتا معاً وقد ضاع الكلام للحظات…حتى تذكر

هو شيءٍ هام فسالها…….

(أول امبارح كانت خلود بتشتري مرهم

للحروق……. كان ليكي……)

اكدت شهد تخبره……

“آآه….. اتلسعت كذا مرة وانا بطبخ……. فخلود صممت تروح تجبلي كريم………. ”

انزعج عاصم وهو يسالها…

(ومش تاخدي بالك…… اللي واكل عقلك…..)

هزت كتفها وهي توضح……

“الحاجات دي بتحصل عادي في المطبخ… وانا واخده عليها من زمان……”

(وتحرقتي في ايديكي الاتنين……)استفسر بملامح

واجمة……فاجابة شهد بهدوء…….

“اليمين بس……”

شاكسها قائلاً بجمود……..

(كده هنضطر نلبس الدبل في الشمال…..)

ابتسمت بدهشة…….. “يسلام……”

ابتسم عاصم كذلك مؤكداً باستراتيجية

شديدة…………(مفيش حل تاني صدقيني…..)

اومات شهد براسها تناكفة كذلك…..

“مصدقاك طبعاً…. بس انا عندي حل احلى… نأجل

الموضوع لحد ما ايدي تخف….. اي رأيك….”

هز راسه مستبداً…..

(لا مش موافق….. مفيش تأجيل……انا لولا الملامه

اجي اتقدملك دلوقتي…..)

ضحكت شهد فأشرق صدره مع رنة ضحكتها

المشبعة بالرقة والحياء…….. ضحكة خجولها

تتوارى بعيداً عنه كصاحبتها……

“انت رومانسي اوي على فكرة…….”

سالها وهو يبتسم……

(وياترى دي حاجه حلوة ولا وحشة……)

ردت رده التي تحفظه على ظهر قلبها…….

“في الحالتين ترجعلك……”

عبس وجهه سائلاً وهو يترك القلم قليلاً….

(يسلام……ازاي بقا……هو انا هبقا رومانسي مع

مين غير معاكي……)

اختلج قلبها فجأه.. لذا قالت هاربة….

“على فكره الكلام ده مش اوانه خالص……”

(امتى أوانه……..)سالها فلم يجد رد فقطب حاجباه

مردداً…

(سكتي ليه ياشــهـد…….)

كانت جادة تلك المرة وهي تخبره برقتها

المعهودة……..

“انت بتحرجني بكلامك ياعاصم…..وانا مش بعرف أرد على الكلام ده………فبلاش لو سمحت……”

أومأ براسه متفهماً وضعها وتسرعه

معها………

(بلاش ياشـهـد……قوليلي ايدك لسه تعباكي….)

اجابت بنفي مطمئنة اياه……

“لا الحمدلله أحسن…… كانت شوية حروق بسيطه والكريم هداها شوية…….”

امرها برفق…….(ممكن تاخدي بالك بعد كده……)

اتى صوتها الموسيقي……. “حاضر…..”

سالها عاصم بابتسامه حانية……

(كنتي بتعملي إيه قبل ما اتصل بيكي……)

كنت افكر بك…….فالحقيقة انتظرت اتصالك

بكل شوق ولهفة………..أردت ان أطلب منك

الا تحرمني من رؤياك…..فانت اصبحت مهماً

بنسبة لي……….مهماً جداً……

أرادت قول أشياء عديدة لكن حياؤها

والوقعية إمتناعا بشدة…….فقالت بهدوء….

“المفروض اني كنت هنام……انت بتعمل إيه…..”

رد بهدوء……(برسم……)

انعقد حاجباها سائلة…..

“بجد ؟!….انت بتعرف ترسم…….”

(يعني حاجات معينة……..بس أغلب رسوماتي بتبقا

تصميم للشغل…….)اجابها عاصم ببساطه وهو ينظر للرسمة التي لا ينقصها سواء الألوان حتى تزدهر

امام عيناه فتعطي له إلهامٍ لصنعها كما يريد…….

فسالته شهد بفضولاً…. “وضحلي ازاي يعني……”

اوضح لها عاصم بهدوءٍ…….

(يعني انا برسم تصاميم زي خواتم انسيالات

سلاسل حلقان….او مش شرط ممكن طقم كامل

فبعمل بقا ديزاين معين على حسب الزبون ماعايز……وبنفذه……)

سالته شهد مشدوهة… فتلك المعلومة جديدة

بنسبة لها…… “بتصنع الحاجات دي بنفسك……”

اوضح عاصم مجدداً ببطء…..

(حاجات و حاجات…. يعني مثلاً في حاجات بتيجي جاهزه بس معلهاش شغل….فانا بشتغل فيها وبشكلها زي مانا عايز….كده يعني….)

ابتسمت شهد باعجاب ….

“طب والله دي حاجة كويسة جداً…وعندك معرض

بقا باسمك…….”

ردد الكلمة بأستغراب…….(معرض…….)

اكدت شهد بإبتسامة مشجعة….وكانه يراها !….

“ايوا…تعرض فيه شغلك….ولا أكيد بتعرض شغلك

في محل الصاغة……”

نفى عاصم موضحاً الأمر…….

(لا طبعاً الحاجات دي بتاخد وقت وبتطلع بطلب…

وبعدين موضوع المعرض ده…مفكرتش فيه قبل

كده…….يعني ملوش لازمه……)

تلبسها هذا الطموح الانثوي الذيذ رغم سخافته

في عيناه………فقالت له بحماسية حالمة….

“إزاي يعني انت المفروض تبدأ تعمل كمية كويسه من تصاميمك وتعرضها للناس  تشوفها وتتفرج عليها ولو فعلاً فيهم فكرة وابداع هتنجح…..وبعيداً خالص

عن الفلوس….بس انت ممكن مع الوقت يبقا ليك

براند خاصة بيك بأسمك ويبقا ليك زباين من

كل مكان في العالم……..”

رد عاصم بصوت أجش……

(ساعتها هسمي البراند شـهـد…….)

قالت شهد بنضالاً واضح……

“بتتريق صح……على فكرة بقا الانسان من غير احلام

ميقدرش يعيش…….لازم يكون عندك حلم وهدف

تعيش عشانه…..”

سالها عاصم بهدوء…..(انتي اي حلمك……)

تلألأت عينيها وياليته كان معها ليرى كم كان

يضوي كهرمان عينيها وهي تخبره بصوتٍ

حارٍ مشبع بالاماني…..

“انا….انا حلمي اني انجح في مجالي…..لأني

اشتغلت كتير على نفسي……..وتعبت كتير لحد ماوصلت للمستوى ده……..حلمي يكون عندي مطعم في احسن مكان في اسكندريه…..يبقا ليه كذا فرع

ويبقا عندي زباين كتير….بتحب تاكل من عندي….امممم……اي تاني ياشهد….اه اني اتعرف

وبقا مشهورة في مجالي……وطبعاً اتمنى

اطور من نفسي أكتر…… ساعتها احلامي

هتبقا أكبر وأكتر……… ”

صمتت قليلاً بحرج وهي توضح……

“بص يعني هي احلامي كتير بصراحة….بس كلها داخل اطار الطبخ…….لان دي الحاجه  الوحيدة اللي بحبها وشاطره فيها……انت بقا اي احلامك بس من غير تريقه….. ”

اجاب عاصم بصوتٍ أجش……

(لحد دلوقتي…..انتي الحلم الوحيد اللي عايز اوصله………)

سلب قلبها وخطف انفاسها فسالته

بتردد……. “متأكد…….”

انعقد حاجباه بتساؤل…..(عندك شك……..)

قلبها سيتوقف أكيد…..الرحمة……….

هربت كالعادة قائلة بتلجلج…….

“عاصم……..انا لازم أقفل… ”

اوقفها عاصم قبل ان تغلق الهاتف…..

(شـهـد…..استني……..احنا لسه مكلمناش كلمنا….)

أحمر وجهها بشدة وهي تفصح

بخجل….

“انا مش هعرف أرد على الكلام ده……”

تحلى بالصبر بالقدر الكافي وهو يقول…..

(بلاش تردي على الكلام ده…ردي عليا…..هجيلكم

البيت امتى….)

سالته بصدمة…… “تجيلنا البيت……”

اكد متعجباً ردها……

(طبيعي….انتي مش قولتي انك موافقة…يبقا لازم اجي اتقدملك……..هاجي امتى…..)

قالت بصوت خافت…….

“لم اكلم حمزة الأول……عشان يكلم بـ….بابا…..”

هز عاصم راسه موضحاً بهدوء…….

(انا كده كدا…..هاجي أول زيارة لوحدي…اتعرف على والدك واخوكي….وبعد كده في الزيارة التانيه هجيب

الحاجة نصرة وعمي…ونقرا الفاتحة ونتفق على معاد الخطوبة….. اي رأيك…….)

ردت شهد بفتور…..

“تمام……اللي تشوفوا………اكلم حمزة الأول……”

(خدي وقتك……..)صمت عاصم قليلاً ثم

سألها…..(هتنامي……)

إجابة بسؤال….. “ايوا…….وانت……”

رد عاصم وهو ينوي الإغلاق معها……

(لسه شوية……هخلص الرسمة اللي في ايدي….يلا عشان مطولش عليكي…..تصبحي على خير…)

قادها قلبها لعنده فقالت باهتمام…..

“وانت من أهل الخير…..بلاش تطول في السهر….

عشان متتعبش…….”

بغلاظه ذكورية رد عليها مذعناً……

(حاضر ياماما……..تحبي اشرب اللبن واغسل سناني قبل ما انام……)

مطت شهد شفتيها متبرمة….. “غلس…….”

سالها عاصم بدهشة حقيقية….

(ايه قولتي إيه…..سمعيني…….)

كبحت ضحكتها بشقاوة….

“ولا حاجة متخدش في بالك…….”

ردد بشفاه مقلوبة……..(جبانة……)

سالته بحدة…….. “بتقول ايه…….”

اخبرها دون مواربة……

(احلى واحده جبانه قبلتها في حياتي…..)

قالت شهد بوجوم…..

“تبقا غلطان لو مفكر انك كده بتقول كلام

حلو……..”

احرجها بفظاظة……

(ومين قالك اني عايز اقولك كلام حلو…….)

اغاظها بشدة فنادت عليه……. “عاااصم…..”

قال هو بعذوبة وببسمة دافئة تشع جاذبية…..

(هتوحشيني ياشـهـد……هتوحشيني لحد بكرة…….)

كالطفلة هي يرضيها بقطعة حلوى……وكلماتهُ العاطفية تمثل حلوتها المفضلة مهما انكرت…..

بلهفة سألته…..

“هشوفك بكرة…….”

أكد عاصم بنبرة عميقة المعاني…..

(هعدي عليكي بكرة الصبح في معادنا الساعة

عشرة….. تكوني كلمتي حمزة……اتفقنا…..)

لم ترد عليه فقال هو بنبرة رجولية

عذبة……

(تصبحي على خير……..ياشـهـد..)

“وانت من اهله…….”

اغلقت شهد الهاتف متنفسة بصعوبة…..وضعت الهاتف على صدرها النابض  بجنون…وانفاسها عالية متهدجة من شدة المشاعر المموجة بينهما……مابين شد وجذب  وتحدي أحمق…..الى انسيابية ناعمة تختبرها لأول مرة مع رجل….. كانت معه  تحلق

فوق سحابةٍ وردية ناعمة………تذوب داخلها كما

ذابت مشاعرها مع نبرة صوته المميزة………

………………………………………………………………

في صباح اليوم الثاني……

كانت تجلس على رمال الشاطئ ترتدي ثوب برتقالي اللون بشريطٍ ابيض حول الخصر…..ام شعرها

جمعته بلفةٍ أنيقة للخلف وربطته بوشاح من

اللون الأبيض تتناثر اسفله خصلات غرتها الناعمة السوداء مرتاحة على جبينها……وفي اذنيها

ارتدت اقراط مماثلة للون الثوب متدلية قليلاً

على شكل شريحة برتقال…..

كانت جميلة على نحوٍ خاص….رائعة ناعمة هادئة

هكذا هي دوماً تراها ترنيمة خالدة في الاذهان…

وردة نادرة الظهور………قطعة فنية ثمينةٍ لا تقدر

بمال……..

كانت امرأة قيمتها الحقيقية في صمتها……في

رقتها………في جمالها الهادئ……..

لطالما كان سحرها يكمن في عينيها يأسر

ضحاياها……..فكانت عسليتاها محور ايقاع

للكثيرين في الهوى لكنها لم تلتفت الى

أحد……لم يشد انتباهة غيره…..هو فقط

هو فقط……رأت في ظلام عيناه دفئاً يتسرب

إليها…….رأت في حضورة المهيب أمناً يستوطن

قلبها…….في صوته الخشن لامست الحنان……

ام في لمست يده استشعرت احتياج كلاهما

للآخر…..وكانهما اتخذا عهداً منذ زمناً بعيد…..

ضرب رذاذ الماء وجهها فابتسمت بحب تستنشق أكبر قدر من الهواء المنكه بالبحر المالح….. اترى صديقها بدأ يغار منه…….

نظرة للبحر تخبره انها ستاتي به يوماً الى مكانها المفضل كما احضرها هو الى مكانه المفضل

والذي كان أمام البحر كذلك باستثناء أماكنهما

المختلفة لكن يبقى البحر الحبل الموصل

بينهما ؟!…….

“انا جيت…….”

سمعت صوتٍ شقياً لشابٍ أصبح يتعامل مع الدنيا

وكانها صالة قمار………ام الفوز او الخسارة…..في

الحالتين سيظل يقامر مع الدنيا…..حتى تخضع

له !!……..

جلس حمزة جوارها ونظر للبحر لثانيتين ثم عاد

اليها متسائلاً…….

“كنتي عايزة تكلمي معايا في إيه……واي الموضوع اللي مش عايزانا نتكلم فيه في البيت….انتي

كويسة…….”

سحبت نفساً مضطرب ثم نظرة الى اخيها

وقالت بدفعة واحدة…….

“عاصم ………عايز يجي يتقدملي ياحمزة….”

نظرة غريبة ظللت عسليتاه

بتساؤل….

“آه………وانتي موافقة……….”

فركت شهد في يديها امام عينا اخيها الشاخصة

وملامحه الرصينة………

“هو شخص كويس………ومحترم و……….”

قاطعها حمزة بحزم……

“شهد….انا بسألك انتي موافقة عليه مقتنعة بيه…”

واجهة سؤال اخيها بأجابة واقعية…..

“انا موافقة عليه مبدئيا….انا معرفوش كويس…

فيمكن لو عملنا فترة خطوبة اقتنع بيه

أكتر………”

تصلب فك حمزة وهو يسالها…..

“يعني متفقين سوا على فترة خطوبة…..”

تهاب نظرة عيناه جداً عند الغضب فكان لها بريق إجرامي حادا يهدد بان العبث معه غباءاً….

“حمزة…….بلاش البصة دي……”لم يرد بل ظل

صامتاً بملامح متصلبة بينما الانفعال كله يصب

في عيناه المشتعلة……..

“انا هبقا صريحة معاك…..زي ماتعودنا من صغرنا نكون سند وضهر لبعض…….”

“انا اتكلمت معاه كام مرة في التلفون…..صدقني اغلبهم كان عن الشغل لكن اخر مكالمة كان مستني

ردي على طلبه……ردي مبدئياً قبل مايجي يتقدم…”

بللت شفتيها متابعة…..

“وانا اديته موفقتي………وهو عايز يجي يشوفك ويشوف بـ……بابا……ويتعرف عليكم…قبل ما يجيب اهله…….انت شايف إيه……”

رفعت عينيها على اخيها برجاء…..فلم يقسو

عليها اكثر في صمته بل أجاب…….

“شايف انك طالما موافقة وهو داخل البيت من بابه

يبقا يجي…وساعتها نشوف……..”

أرتاح قلب شهد لكن سريعاً تغضنت زاويا عينيها

مخاطبه اياه بقلق……..

“طب وابوك…..تفتكر هيوافق…..انا حتى لحد دلوقتي

مش عارفه هقوله إيه…….ينفع تمهدله انت الموضوع……..عشان خاطري ياحمزة…..”

تعجب من خوفها الملموس فقال

بيسرٍ…

“مش مستاهله كل ده….هكلمه حاضر…….”

ابتسمت شهد ممتنة له…..

“ربنا يخليك ليا ياحمزة….انا مش عارفه من غيرك كنت عملت إيه……..”

شعر حمزة بلسعة في عيناه فاطرق براسه

يسمح مابين عيناه سريعاً……قبل ضبطه

لكن شهد انتبهت له فلمست كتفه سائلة

بدهشة…..

“انت هتعيط……….حمزة…….”

رفع حمزة عيناه مبتسماً بسخرية….

“حاسس اني اناني…..مش عايز حد يخدك مني…

حاسس انك بنتي…بنتي الوحيدة اللي مش هقدر افرط فيها بسهولة………”

تلك المرة شعرت هي برغبة قوية في البكاء

وتماسكت مثله وهي توبخه بلكزةٍ حانقة….

“ومين قال ان حتى لو حصل واتجوزت عاصم او غيره هبعد عنك وانساك انت  وكيان……في حد بينسى اهله….اخواته وصحابه…….انتوا كل حاجة بنسبالي  ياحمزة……..انا اللي مستحيل افرط فيكم…..مهما خدتني الدنيا…….مستحيل تبعدني  عنكم…..بس بقااا…….”

ضحك حمزة واشاح بوجهه ساخراً

بمرارة….

“حاسس ان احنا في فيلم عربي قديم…..”

اكدت شهد مبتسمة…. “قول لنفسك…….”

صمتا معاً والابتسامة لا تزال معلقة على

محياهم تابى تركهما…..

سالته شهد بهدوء….. “وصلت كيان للشغل……”

أجاب بفتور…….. “اه وصلتها…….”

عاتبته شهد بحزن……

“مش ناوي تراضيها ياحمزة….تهون عليك…….”

تعنت حمزة مجيباً….

“مش وقته ياشهد……..سبيها شوية…….”

نهضت شهد من مكانها قائلة بهدوء…..

“انا لازم اقوم أروح المطعم اتاخرت عليهم…وخلود

زمانها محتاسه هي والبنات…..ماتيجي معايا……”

نهض هو ايضاً يخبرها بنفي……

“لا انا هرجع البيت أنام ساعتين وانزل الموقف الضهرية…..وهبقا اعدي عليكي بليل عشان

اخدك…. ولو حصل معاكي اي حاجة ابقي رني

عليا….. ماشي….. ”

طمئنة اياه وهم يرحلا معاً……

“تمام………متقلقش لو في حاجة هكلمك……”

………………………………………………………………

عندما دخلت من باب المطعم……تفاجئت بعاصم

ينتظرها على أحد المقاعد امام الطاولة……

قد اتى مبكراً……..

حتى ان المكان كان فارغاً باستثناء خلود والفتيات

اللواتي يعملوا معها….وكانوا جميعاً في المطبخ

يباشرا اعملهن…

لانت شفتيها في إبتسامة ناعمة…..وتسلل الدفئ لقلبها عند رؤيته…….فكم اشتاقت اليه بشدة…لكنها

تنكر هذا الشوق……..

ام عاصم فقبل دخولها اخبرهُ عطرها المميز انها

اتيه……عطرٍ خفيفٍ على الأنف مسكر للحواس…

لم يتحرك من مكانه بل ظلت عيناه تناديها دون حديث………

لبت الطلب واقتربت منه بخطى ثابته…..ومع كل خطوة تخطوها باتجاه سيدها تتسع عيناه وكأنه يحاول ابتلاعها بنظراته المفترسة……..

كانت جميلة أليوم على نحوٍ جذاب….فتنة ناعمة

دون ان تعي تنجذب لها عن طيب خاطر…….ازدرد عاصم ريقه بتعب……وعيناه أسيرة الشهد…..وجمالها

الأخذ……….

تلونت عينيها وشفتيها بابتسامة مسكرة……وهي

تقول بنبرة مشرقة……..

“صباح الخير يا عاصم…….”

قلبه…….قبله ياعالم يضيع…….تلك التحية الصباحية الجميلة قاردة على ادخاله الإنعاش ؟!………

استغربت شهد صمته ونظراته الغريبة عليها…

هل هناك شيء يزعجه…….

“مالك……ساكت ليه في حاجة مضايقاك……”

حقيقةٍ انتِ الشيء الوحيد الذي يستفزني…ويختبر

صبري………

“ولا حاجة….اتاخرتي ليه…….”

عندما دخلت من باب المطعم……تفاجئت بعاصم

ينتظرها على أحد المقاعد امام الطاولة……

قد اتى مبكراً……..

حتى ان المكان كان فارغاً باستثناء خلود والفتيات

اللواتي يعملوا معها….وكانوا جميعاً في المطبخ

يباشرا اعملهن…

لانت شفتيها في إبتسامة ناعمة…..وتسلل الدفئ لقلبها عند رؤيته…….فكم اشتاقت اليه بشدة…لكنها

تنكر هذا الشوق……..

ام عاصم فقبل دخولها اخبرهُ عطرها المميز انها

اتيه……عطرٍ خفيفٍ على الأنف مسكر للحواس…

لم يتحرك من مكانه بل ظلت عيناه تناديها دون حديث………

لبت الطلب واقتربت منه بخطى ثابته…..ومع كل خطوة تخطوها باتجاه سيدها تتسع عيناه وكأنه يحاول ابتلاعها بنظراته المفترسة……..

كانت جميلة أليوم على نحوٍ جذاب….فتنة ناعمة

دون ان تعي تنجذب لها عن طيب خاطر…….ازدرد عاصم ريقه بتعب……وعيناه أسيرة الشهد…..وجمالها

الأخذ……….

تلونت عينيها وشفتيها بابتسامة مسكرة……وهي

تقول بنبرة مشرقة……..

“صباح الخير يا عاصم…….”

قلبه…….قبله ياعالم يضيع…….تلك التحية الصباحية الجميلة قاردة على ادخاله الإنعاش ؟!………

استغربت شهد صمته ونظراته الغريبة عليها…

هل هناك شيء يزعجه…….

“مالك……ساكت ليه في حاجة مضايقاك……”

حقيقةٍ انتِ الشيء الوحيد الذي يستفزني…ويختبر

صبري………

“ولا حاجة….اتاخرتي ليه…….”

ردت وهي تجلس على مقعداً امامه وبينهما

الطاولة المستديرة…..

“انت اللي جاي بدري…وبعدين انا كنت بكلم

حمزة……زي ماتفقنا…….”

بانت اللهفة في صوته…… “وقالك إيه…….”

خفق قلبها مع سؤال فردت والخجل

يفترسها…….

“هيمهد الموضوع لبابا………اي اللي جابك بدري…الساعة لسه تسعة……..”

اطرق بأصبعه على سطح الطاولة…

“اللي حصل…….”

سالته بحاجبين معقودين….. “مالك ياعاصم……..”

غير مجرى الحديث وهو ينظر لأقراط

اذنيها….

“حلو الحلق اللي في ودنك ده…….”

ابتسمت شهد باستياء….

“بتقلب الموضيع في ثانية…..شكراً……”

سالها وعيناه تطوف على وجهها المحمر

والمشرق كذلك…..

“مستغرب انك بتلبسي الحاجات دي…..”

ضحكت شهد وهي تلامس القرط باصابعها

قائلة بحرج……..

“أحياناً يعني بلبسها……بحب الاكسسوارات

البسيطه……”

سالها بانتباه….. “بتحبي الدهب ولا الالماظ……..”

رغم علمها بما يقصد الى انها ادعت

الغباء… “ليه السؤال ده……..”

هز راسه بفتور……… “عادي سؤال عادي…….”

عضت على باطن شفتيها وتلعثمت بخجلاً….

“مش عارفه بصراحه بس يعني عادي….كلهم عندي زي بعض……..مش حاجه معينة….على حسب شكلهم وذوقي…….. ”

لم يعقب عاصم بل ظلت عيناه تأسرها…. حتى

ارجعت خصلة خلف اذنيها قائلة بتوتر…

“مالك بتبصلي كدا ليه……”

لم يحيد عيناه عنها وهو يجيب

بخشونة…. “بحب بسطك دي……”

ابتسمت شهد…..ففرد عاصم كف يده على سطح

الطاولة ناظراً لعسليتاها قائلاً…..

“وريني إيدك اليمين……..”

رمشت بعينيها عدت مرات متوترة…….

“ليه…….”

قال ببساطه…. “عايز اشوفها خفت ولا لا…….”

قربتها منه قليلاً دون ان تضعها في

كفه….

“اهيه……مش لازم تمسك أيدي شوفها كده…..”

انبسطت ملامح عاصم بلمحة تسلية…..

“شهد ارحميني……مش هنقصك صوبع يعني….

وريني…….”

نظرت لباب المطبخ متوجسة….

“حد يدخل……… على فكرة خفت……..”

مسك طرف اصبعها ونظر لكفها بدقة مجيباً

بعد رضا……..

“لسه شوية……ادهني من الكريم عشان تخف….

وخدي بالك بعد كده….. ”

“خلاص ماشي…… سيبي أيدي بقا……”سحبت

طرف اصبعها من بيد يده……ثم نهضت شهد من مكانها قائلة بحرج………

“بما انك جاي بدري…. اي رأيك نفطر سوا……انا

لسه مفطرتش……تحب تفطر معايا….. ”

هز عاصم راسه موفقاً بترحيب……

“احب طبعاً……. بس لو الفطار من إيدك…….”

“اكيد هعمله بنفسي………استناني نص ساعة

بظبط…….”ابتعدت شهد بخطى واسعة مبهجة

الى مطبخها……..

فردد عاصم بعد ان اختفت عن مرمى

عيناه…….

“هستناكي………مفيش قدامي غير اني استناكي

ياشـهـد…”

بعد نصف ساعة تقريباً وضعت امامه

الفطور وتشاركا الطعام وسط ثرثرة من

كلاهما…

ثرثرةٍ هادئه كنسمة عابرة بين الزهور…….فكان

بينهما إندماج يفوق الوصف….يختلقا الأحاديث

دون شعوراً منهما…..

حتى إنتهى الفطور ولم ينتهي الحديث بل طال

وطالت معه نظرات أعينهما المتلألأة بالحب…..

……………………………………………………………

صف سيارته جانباً وصعد على السلالم بعدما اخبره

البواب ان المصعد في صيانة…..

عندما وقف امام باب الشقة يخرج المفتاح من جيبه فُتح الباب واندفع جسد انثوي في احضانه…….

مسك حمزة كتفيها وابعدها عنه قائلاً

بدهشة…

“في اي يابنتي ما براحه……..”

تراجعت قمر خطوتين للخلف بوجها متخضب بالحمرة ثم قالت بحرج وهي تمرر يديها على ثوبها……..

“معلش ياحمزة مخدتش بالي…….”

نظر حمزة الى ملابس الخروج التي ترتديه….ثم لشعرها الغجري التي تتركه حراً على ظهرها……ثم

لهاتين العينين البنيتين الكحيلتين…….ولشفتيها المكتنزة القرمزية دون حمرة…….لاحظ الآن

انها جميلة ؟!…..جمالاً شعبياً مغوي يجذب

المرء من الوهلة الأولى ان دقق النظر به….

تنحنح بخشونة وهو ينظر لعينيها

مشاكساً….

“راحه فين على الصبح كده…….”

اطرقت براسها مجيبة…… “هجيب فطار…..”

انعقد حاجباه مستفسراً…..

“ليه مفيش فطار في البيت……..”

هزت راسها وهي تخبره بخجلاً….

“لا فيه…بس انا نفسي اكل فول وطعمية…….”

مط شفتاه محاولاً مناكفتها

قليلاً….

“طعمية !!….اسمها فلافل……..”

زمت قمر شفتيها مكفهرة……

“ياسيدي على ثقافة……هتفرق يعني فلافل من طعمية ماكلها واحد…….”

اوما براسه بسماجة……. “تفرق معايا……”

ثم حانت منه نظرة على معصمها والاسورة

ذات الخرز الأحمر التي ترتديها اليوم……فعقب مستهجناً كلما رأى هذا اللون الذي يذكره بالخسائر الفادحة لفريقة المفضل في كرة القدم……..

“أحمر على الصبح كده…..انا مش بتفائل بيه…..اي البتاع اللي لبساه في ايدك ده…….”

نظرة قمر للسوار بتعجب…. “دا…..انسيال…….”

بان الإزعاج على وجهه مردداً…..

“اه انسيال جايباه أحمر ليه برضو…….”

زاد تعجبها مع هذا المختال….فردت ببراءة

مصرحة……

“اي فيها يعني…….الأحمر حلو…. ”

زفر حمزة قائلاً بوجوم…..

“بنسبالي انا مش حلو…..بيفكرني بحاجات مش

عايز افتكرها……..فيها إيه لو جبتيها لونها أبيض

مثلاً او اي لون تاني محبكش أحمر يعني…….”

“ليه يعني…….”نظرت اليه بحيرة…فزمجر

هو قائلاً…..

“متجدليش اسمعي الكلام……”

مطت شفتاها مغمغمة…..

“ربنا يهديك…حاضر المرة الجايه ان شاء الله……”

وضع حمزة المفتاح في جيبه وسحب الباب من خلفها قائلاً……… “طب يلا بينا……”

سالته بدهشة……. “على فين…..”

نظر لعيناها قائلاً ببساطه……

“مش عايزة تفطري……..فول وفلافل….هفطرك…”

برقة عينيها فرحاً وهي تساله…. “فين يعني…….”

اولاها ظهره وهو ينزل على السلالم…..

“في أحلى حته فيكي يا اسكندرية…حته مبيدخلهاش غير ولاد الذوات……..”

ضحكت قمر بتشكيك…… “يا سلام……”

نداها وهو يهبط درجات السلم

قبلها…..

“تعالي بس وهتشوفي……..”

هبطت على الدرج خلفه بدرجتين ثم سالته

وهي ترافقه للأسفل……..

“ليه مخدناش الاسانسير……”

رد حمزة عليها وهو ينظر

للأمام….

“الاسانسير متعطل في الصيانة……”

شعرت بنبضات قلبها ترتفع بشدة أثناء

مرافقته لها…فحاولت فتح حديث بدلاً

من هذا الصمت…….

“افتكرت انك هتطلع على الشغل بعد ما توصل كيان……”

نظر لها لثانيةٍ ثم عاد وهبط على الدرج بخطواتٍ

واثقه………

“كنت راجع أنام ساعتين……بس لما لقيتك خارجه تجيبي فطار قولت انزل أفطر برا معاكي…تغيير…”

صمت قليلاً ثم تابع وكانه يحدث نفسه…..

“هفطر بقا ووصلك وبعدين أروح الموقف…شكلها مفهاش نوم……”

ساد الصمت بينهما من جديد ومزالوا في رحلة

النزول على الدرج………حتى شاكسها حمزة

بسؤال مرح…….

“وانتي عامله اي ياقمراية…….مبسوطه معانا….”

اومات براسها مبتسمة بتأكيد…..فأردف حمزة

بغرورٍ………

“لازم تنبسطي طبعاً…..طالما انا موجود في حياتك…..”

لم ترد قمر بل امتعضت بقرف…..فأكد حمزة

بزهوٍ وهو يدير وجهه اليها…..

“ااه والله………بذمتك في زيي……”

تعثر حمزة وهو يهبط على الدرج وكاد ان يسقط

لولا انه تماسك في اللحظة الأخيرة………فضحكت قمر عليه بشدة وقالت بتشفي……..

“حاسب بس ياللي مفيش منك اتنين انت…لحسان

لو اتكسرت رقبتك مش هنلاقيلك للأسف قطع غيار…….”

عدل حمزة ياقة قميصة بتكبر يخفي الحرج

وهو يخبرها بخشونة…..

“حصل خير قعبلت السلمه…….”

فغرت قمر فمها ساخرة…..

“السلمه برضو اللي قعبلتها…..طيب……”

خطت درجتين وكانت ستقع هي الاخرى لولا انها سندت على ظهره……. “حاسب……..”

قالتها برهبة بينما هو كان قد استدار يراى مابها

وعندما وجدها تكاد تكون في احضانه بعد ان

تعثرت قدميها واندفع جسدها نحوه فألتقت

أعينهما ببعضها وكانت عينيها البنيتان لونهما

أقرب لفنجانين من القهوة يقدما في ليلةٍ شتوية

مشتعلةٍ بالحبّ……..

تسمرت عينيها عليه هي أيضاً بضياع فكم هي

معجبه بتفاصيل وجهه الوسيم وهاتين العينين

المحتالتين……..

فقطع حمزة وصلة التأمل بتعليق فظٍ…

“انا شوفت المشهد ده في كام فيلم قبل كده…..”

ذأبت لحظة الصدمة داخلها…فاعتدلت في

وقفتها أكثر قائلة بتردد……..

“فيلم ؟!…انا بعمل فيلم…..”

اوما براسه مضيفاً بفظاظة……

“وقديم كمان………امشي عدل وبطلي مرقعه… ”

أحمر وجهها بخجل أكبر… فهي لم تقصد كل

هذا … “انت قليل الذوق…. والأدب كمان……”

اكد ببجاحة وهو يتابع سيرة…..

“مانا عارف…… حد قالك اني امام جامع……..”

عندما وصلا لأحد الأدوار تعلقت عينا حمزة باب

شقةٍ معينة…. لاحظت قمر كم ان لون عيناه بات داكناً ووجهه متصلبٍ مظلمٍ…….. وكان حزن العالم

كله وقع فوق راسه فجأه فتبدل حالة…. للاسواء…

علقت قمر عينيها على الباب لتجد في اللحظة التالية

الباب يُفتح وتخرج منه شابة قصيرة القامة بشعر اسود ناعم….وبملامح انثوية  رقيقة…ترتدي عباءة بيتي بنصف كم…….وبين يداها كيس من القمامة……

القته في السلة المجاورة للباب……

وهي أيضاً قد انتبهت لوجودهما فرفعت عينيها عليهما… نظرة نحوها لثانيتين نظرة مدققة مشبعة

بالغيرة…..ثم طارت نظراتها الى حمزة وقد تعلقت

به لوقتٍ أطول من الازم…….

نظرت قمر لحمزة والذي كان معلق عيناه عليها أيضاً

بنظرة مختلفة… نظرة لما تراها في عيناه أبداً… نظرة

خاصة…… نظرة العاشق لمعشوقته………

انها خطيبته السابقة….علمت منذ النظرة الاولى

انها هي دون شك…ونظراتهما المتبادلة أكدت…

تنحنحت قمر التي تقف خلفه عن بعد خطوتين

ام نجلاء فكانت تقف امامه على بعد خطواتٍ

بسيطة………..

نظر حمزة الى قمر بعد تلك النحنحة الخشنة……

فنظر لها لبرهة بصمت……

حتى لانت ملامح وجهه وتبسم لها وهو يمد ذراعه نحوها فارد كفه أمامها !!……

جفلت قمر من تلك الحركة لكنها لم تفكر مرتين وهي تخضع لطلبه…. وتضع يدها في  كفه… ربما أرادت ان تساعده حتى يتخطى تلك الأزمة العاطفية…. او تلبستها  روح شريرة فأرادت ان تكيد المدعوة نجلاء لسببٍ لا تعلمه ؟!……

اتكأ على يديها ساحبها معه برفق….حتى هبطا على الدرج سوياً امام عينا نجلاء الحارقة…والتي تكاد

تخرج من بؤرها من شدة صدمتها وغيرتها عليه

هل نساها بتلك السرعة….ثم من تلك التي يشبك يده

بيدها……من تلك القادرة على ان تكون دواءٍ لداء حبهما……..من؟!….

عندما اختفيا عن دائرة عيني نجلاء…ترك حمزة يد قمر بهدوء…….ثم تابع نزول الدرج بسرعة أكبر من السابق وكانه يهرب منها….او من نفسه……..

شعرت قمر بوخزة شديدة تداهم قلبها…..بعد تلك الحركة الجافة……..القاسية…….

يستغلها تعرف….ومع ذلك وافقت، ورغم ذلك انزعجت عندما ابتعاد عنها…..لماذا تهلك نفسها

في تلك القصة….ما دخلها هي به او بمن يحب….

يجب في أسرع وقت ان تنهي أمر الورث وتاخذ اموالها وتذهب الى حال سبيلها….هذا أفضل

للجميع ولها قبلهم……..

………………………………………………………………


11=ج 3=

الخيانة كالسم تظل تتوغل في العروق حتى

الموت…..الخداع كالسهم يخترق ظهر المطمئن المتغافل….اما الكذب فهو كقطعة رديئة مستعملة

في أيدينا……..

ظلت تطلع عليه من بعيد ، جالسة هي على أحد المقاعد البسيطه امام عربة خشبية بسيطه

تقدم فطور مصري أصيل……به كل مالذا وطاب

العربة كانت تقف جوار الرصيف تاخذ مساحة

بسيطه وامامها عدد قليل من المقاعد الخشبية

والطاولات البلاستيكية……..

لا يأتيه إلا أولاد الذوات !!……..

ابتسمت قمر بأسى…..هكذا هو حمزة مزاحة الثقيل ماهو إلا سخرية مريرة……ومقت غير قابل

للمراوضة داخله………

ظلت عيناها معلقة عليه للحظات…..قد طلب الفطور

من الرجل والذي يبدو انه يعرفه جيداً فقد رحب

به بحرارة وعاتبه على غيابة عن المكان…….

اتضح بعد السلامات المتبادلة انه كان يعمل معه

في صغرة….وان صاحب عربة شطائر الفول…يدعى

العم (عيسوي…..)وهو رجل كبير في عمر والده

لكنه بشوش و ودود جداً مع حمزة يعامله وكانه

أحد ابناؤه…..

قد طلب لهما الفطور ووقف جانباً يدخن بشراهة

تكره المدخنين……ولا تحبذ التعامل معهم….وحظها

السيء اوقعها مع ابن خال آله تدخين متحركة…..

زمت شفتيها تشيح عيناها عنه بضيقٍ لتجد ان البحر

قريب من هنا…..على مسافةٍ بعيدة قليلاً فابتسمت

وتعلقت عيناها في البقعة الزرقاء البعيدة لعلها

تشغل عقلها وقلبها بعيداً عنه…..

لكنه قد اتى بعد ان انهى السجارة الثالثة ؟!…..

“ساكته ليه يا قمراية….اوعي يكون المكان مش عاجبك……..”

قالها وهو يجلس على المقعد المقابل لها…..فعادت

بعينيها الكحيلة اليه قائلة بصدقاً……

“المكان حلو اوي….وعجبني…….”

ابتسم حمزة قائلاً بمزاح……

“مش قولتلك هوديكي مكان مش بيروحوا غير ولاد

الذوات……..”

زمت شفتيها باستياء….. “بطل تريقه……”

نظر للعربة ثم لعيناها قائلاً…..

“فين التريقه….تعرفي انا كنت شغال هنا وانا صغير…..تقريباً وانا عندي اربعتاشر سنة…..”

هزت راسها قائلة…..

“خدت بالي وانتوا بتكلموا……..”

شرد حمزة قليلاً وهو يخبرها بنبرة تقطر

شيءٍ مؤلمًا……..

“انا اشتغلت حاجات كتير أوي….نجار مسلح….

واشتغلت صبي في المحارة……اشتغلت مع كهربائي

وكمان وقفت في فرن عيش….. بس الحاجه اللي حبتها اكتر نجارة الموبيليا…..”

كانت كل حواسها منتبهة معه حتى انها حديثه

فسالته بتعجب……

“طب ليه مكملتش فيها طالما بتحبها…….”

اجابها بهدوءٍ…….

“عايزة صبر….وانا خلقي ضيق…..وبزهق بسرعة….

السواقة أحلى بنسبالي أسهل……”

قطبة حاجباها موضحة…. “بس ملهاش مستقبل…….”

يبدوا انه انزعج من تعليقها لذا رد عابساً…..

“ازاي يعني ناس كتير فاتحه بيوت من وراها…وفيه اللي عاش طول عمره فيها…..شغلانا زي اي شغلانه……”

وضحت قصدها بتمهل……

“عارفه بس انت ممكن تشتغل حاجة أحسن…مش شيفاها لايقه عليك…تستاهل الأحسن……”

غير مجرى الحديث قائلاً بصوتٍ أجش…..

“وانا شايف ان انا وعربيتي نستاهل بعض…..المهم

اي رايك في البحر…هو بعيد شوية بس الهوا من هنا

يرد الروح…..وفطار عم عيسوي يرم العضم……”

في اخر جملة قالها حمزة كان قد حضر العم

عيسوي بالفطور وبدأ يوزع الاطباق الصغيرة

على سطح الطاولة امامهما………لذلك رد عليه

الرجل بمحبة……

“ربنا يكرمك ياحبيبي……بالف هنا…..لو فيه اي

حاجة ناقصة ياقمر يابنتي قولي متكسفيش… ”

هزت قمر راسها بنفي وقالت بحياء…..

“لا ياعمو……كله تمام تسلم إيدك…الأكل شكله

يفتح النفس……..”

“بالف هنا يابنتي……”

قالها الرجل ثم أبتعد….. فمد حمزة يده ووضع امامها الخبز ثم اخذ حصته وبدا يأكل قائلاً……

“كلي قبل مالفلافل تبرد…. مش ببتاكل غير

سُخنه……..”

ابتسمت قمر وبدأت تاكل معه……..وكان الفطور في الهواء الطلق المفعم برائحة البحر يفتح الشهية

على الطعام ويزداد لذة………

“خدي دي……” مد حمزة يده لها بشريحة من البيض مسلوق وكانت مطبوخة ومتبلة بطريقة خاصة تسيل لعاب الجائع ولا يكتفي بشريحةٍ واحدة……….

فتحت فمها واخذتها من يده وقبل ان ترجع راسها للخلف في حركةٍ عفوية مسح أسفل شفتها السفلى

من قطرة من الفول…..

جفلت للحظةٍ ورمشت بعيناها عدت مرات وقد

خفق قلبها مضطرباً فنظرت اليه لبرهة فوجدته

ياكل بهدوء وكان شيءٍ لم يحدث…….

لماذا هي ترصد بعينيها وقلبها أقل حركة تصدر منه

سواء معها او مع غيرها وتدقق بها وتحللها ألف مرة

ام هو….. فلا يبالي……..صدقاً لا يبالي……

جزت على اسنانها تتغاضى عن هذا الأمر متابعة الأكل فالطعام شهي ويستحق ان تنسى كل شيءٍ امامه حتى ولو كان وسيم بعيون ضارية…….

وبريق اجرامي أخذ…………

انتهى الطعام وسط صمتاً من كلاهما… وقد اتت أجمل فقرة بنسبة لها الشاي بالنعناع بعد الإفطار……

مزيج من الحب مع القليل من الدفئ… يولدا كوب

شاي ساخنًا في منتصفه يقف عود نعناع أخضر

مترعرع يعزف لحنًا خاص معه…….

ارتشفت قمر من الكوب على مهل متلذذة بطعمه…

العم (عيسوي..)يجيد طهي أفضل فطور مصري

لكنه ممتاز جداً في إعداد افضل مشروب في العالم

الشاي بالنعناع…..

تنهدت قمر بسعادة وهي تخبر حمزة بجذلاً…

“حبيت المكان أوي…..أول مرة افطر وانا مبسوطه

اوي كده………”

مط حمزة شفتاه قائلاً بزهوٍ….

“عدي الجمايل عشان تعرفي قمتي……”

من زاويا واحدة ابتسمت هازئة….

“عرفاها طبعا متقلقش…..بأمارة السلمة اللي قعبلتها…….”

ضيق حمزة عيناه بخطٍ حاد….وقال بنبرة

متشفية…..

“ماهو عشان سواد قلبك اتقعبلتي انتي كمان وكنتي

هتكفي على وشك……”

تلونت شفتا قمر بابتسامة صفراء….

“بس انا قلبي مش أسود….انا قلبي أبيض وبيضخ

دم……”

“بيضخ تلج……..”قالها بغلاظة…….

فادعت هي عدم الاهتمام وهي ترتشف من

الكوب على مهل…….

“مش هرد عليك….مش هعكر مزاجي وانا بشرب الشاي……مش هعكر مزاجي…….”

شعر حمزة بالحنق فتشدق بجزع…..

“خلاص عرفنا انك مش هتعكري مزاجك…خلصي كوباية الشاي خلينا نروح……”

رفضت قمر وهي تنظر للمكان بحب…..

“لا انا قاعده شوية…لو انت عايز تروح شغلك روح….

انا قاعده شوية…….”

انقلبت ملامحه مئة وثمانون درجة…..فقال

بضراوة……..

“يعني إيه قاعده شوية انتي طالعة مع سوسن..

خلصي عشان أروحك……..وبطلي مرقعه وشربي

الشاي عدل…… مش بنصور إعلان هنا…..”

جفلت قمر من هجومة الضاري….. فامتقع وجهها

متبرمة….

“لا حول ولا قوة إلا بالله….هو انت يابني بحالات مرة

تهزر…. ومرة تتريق….. ومرة تبقا كويس… ومرة تبقا قليل الذوق وتتغاشم…..انت مين فيهم……..”

أجاب بجمود….

“انا كلهم…… خلصي عشان اروحك……”

زفرة مغتاظة من اوامره الغليظة……فقالت بقلة صبر….

“حاضر خمس دقايق ممكن……”

“ممكن…….” قالها بتهكم وهو يخرج علبة من السجائر

من جيبه…..وعندما لمحتها قمر قالت بحنق

شديد….

“بلاش تشرب سجاير بتخنقني……. وعندي حساسية……”

عند تلك النقطة تافف حمزة وهو يعيد العلبة

لجيبه قائلاً بسخرية سوداء…….

“لا إله إلا الله….. بلاش سجاير خالص… اهم حاجة سلامة الست قمر…….”

“شكراً…….”ابتسمت قمر ببرود قاصدة استفزازه…..

فقال هو بهماجية دون تردد وهو يجز على

اسنانه…

“وشك بيستفزني أوي ياقمر……حقيقي نفسي اضربك……”

لم تتراجع ولم تزول الابتسامة بل تابعت بها

مجيبة باسلوب أهدى…..

“نفس إحساسي والله من أول يوم شوفتك فيه…”

اسودت نظراته فذكرها بصوتٍ محتد

منفعل…….

“دا بجد من أول يوم…….. شكلك نسيتي اللي

عملته عشانك……..”

اسرعت قمر تقاطعه مكتفيه بهذا

القدر……..

“لا لا متبدأش…….. خلاص سكت…. سكت……”

رد حمزة بتشفي……. “ايوا كده……اتعدلي……..”

احمر وجهها بشدة وهتفت بصيحة

غضب ذاهلة…..

“اي اتعدلي دي شايفني معوجة…. لا بقولك اي ياحمزة إلا كرامتي……..”

سألها حمزة بعدم فهم…….

“هي فين كرامتك دي لمؤخذه……”

اتسعت عينيها وكانها تلقت اهانة

كبرى……

“إيه…. قصدك اني معنديش كرامة؟!…..”

كان دوره هو بان يندهش مصححاً……

“اي الهبل ده…. هو انا جيت جمب كرامتك أصلاً

انتي بتألفي…….”

قالت قمر بصرامة……

“لا مش بألف……. بس انا معدولة غصبا عن عينك……..”

اوما براسه مبتسماً وهو يراضيها قائلاً

بقنوط…..

“بهزر معاكي بلاش تقفشي كده……يلا بينا عشان نروح…..”

نهضت من مكانها حاملة حقيبتها على كتفها وهي تقول بحياء…….. “ماشي…… شكرا على الفطار……”

ادعى الدهشة مجيباً بمزاح……

“انتي لسه فكرة……. دا عم عيسوي بيلم العدة وماشي……..”

ضحكت قمر وهزت راسها باستياء من هذا الرجل والتركيبة الجبارة به…….استقلت السيارة بجواره

وانطلق حمزة بها عائداً الى البيت حتى يوصلها

ويتابع عمله……..

……………………………………………………………..

لم تصدق بعد انها اليوم تجهز نفسها لأجل استقبال

خاطب في بيتها……..آتى حتى يطلب يدها من أبيها….

استغربت جداً موافقة أبيها السريعة على الأمر

حتى انه بعد ان علم من اخيها لم يجلس معها

كي يستشيرها في الأمر او يستفسر منها عنه

كأي اب يفعل مع ابنته………بل بالعكس عجل في

طلب عاصم وطلب أيضاً منه ان يحضر اليوم ليراه ربما يتفقا ثم ياتي المرة المقبلة بباقي أفراد عائلته

لقراءة الفاتحة والاتفاق على الخطبة…….

رغم انها تشعر بشيءٍ مريب من ناحية أبيها إلا انها

ارتاحت من تسهيل أمر الزيارة…… فهذا أول شيءٍ

كان يقلقها….. لقاء عاصم بوالدها……

تتمنى ان يمر الأمر مرور الكرام….. طالما ان والدها

وافق سريعاً على طلب الزيارة……

يبدو انها بالفعل عائق كبير في حياته… لذلك يسعى

للتخلص منها مع أول خاطب يطرق بابه ؟!……

أسبلت اهدابها بحزن وخفق قلبها بوجع…….وهي

تقف متسمرة امام باب خزانتها تبحث عن شيءٍ مناسب ترتديه أليوم…….

فلم تلبث إلا قليلاً ووجدت من يقتحم الباب عليها

بالطبل والغناء والزغاريد…….مهللين بفرحاً…..

رفعت شهد عينيها مبتسمة….وهي ترى كيان تمسك

طبق بلاستيكي وتطبل عليه بينما قمر تطلق

الزغاريد وهي تغني مع كيان…..

(هو اللي خطبها، هو اللي نقاها

راح وقال لأبوها أنا دايب في هواها…..خد أبوه

وأمه وخاله ويا عمه والشبكة قدمها للي

بيتمناها…..)

ضحكت شهد بقوة وقد أحمر وجهها من شدة الخجل……..

اتجهت إليها كيان وقمر وكلا منهن سندت على

كتفيها من الجهتين…….

قالت قمر بمحبة وهي تقرص وجنتها….

“مبروك ياشوشو…….عقبال الفرحة الكبيرة….”

لم تزول ابتسامتها وهي ترد على قمر

بود….

“الله يبارك فيكي ياقمر…….. عقبالك ياحبيبتي……”

سالتها كيان بحماس…

“قوللنا بقا……قررتي هتلبسي إيه…..”

عادت شهد للخزانة المفتوح على مصراعيها….

“لسه بفكر………”

ابتعدت قمر عنها قائلة بتطوع وهي تلامس

اثواب شهد المعلقة والمرصوصة على

الشماعات……

“اي رايك اطلعلك حاجة على ذوقي……..”

جزت كيان على اسنانها بغيرة….

“نطلعلها سوا…..دي اختي برضو وانا عارفه هي بتحب إيه……..”

وقفت كيان جوار قمر بتحدي…..فاغاظتها

قمر بإبتسامة باردة…….

“ذوقي انا وشهد واحد متقلقيش…….”

رفعت كيان حاجبها ساخرة وهو تشملها

بنظرة مقيمة…….

“يسلام مش باين خلاص ان ذوقكم واحد…”

زفرة شهد الواقفة خلفهما بجزع……

“انتوا هتتعاركوا ولا إيه….بلاش صداع…هتساعدوني

ساعدوني بشويش……..انا لسه هطلع الهدوم وهكويها……”

اقتربت منها قمر تطمئنها بـ…….

“متقلقليش ياشوشو…..انا هكوي الفستان اللي هتلبسيه…….”

استحسنت كيان الفكرة لذا قالت هي

ايضاً……..

“وانا هفردلك شعرك بالمكوى……وهحطلك ميكب…”

هتفت شهد بجدية…..

“قبل ده كله…….حمزة جاب حاجة حلوى عشان

نحطها قدام عاصم…….”

ردت عليها قمر وهي تبحث عن ثوب

مناسباً…

“اه حمزة نزل من شوية……ربع ساعة وهيجي…..

وابوكي كمان زمانه على وصول…….”

ثم اخرجت واحداً ورفعته

امامها……

“يلا انتي بس عشان تجهزي……..اي رايك في ده… ”

رفضت شهد بحرج منها…..

“لا لا ياقمر…..انا عايزة حاجة هادية عن كده…”

ضحكت كيان ضحكة صبيانية خبيثة…..

“ذوقنا واحد…..باين أوي…..قولتلك انا عارفه ذوق أختي……شهد بتحب الالوان الهادية الرقيقة….”

اتجهت كيان الى الخزانة ودفعت قمر في كتفها

ثم بدات تبحث عن ثوب يليق باختها……فاخذت

واحداً منهم ورفعته امامهن قائلة بجذلاً…….

“اي رايك في ده ياشهد……”

رفضت شهد سريعاً مستهجنة…..

“لا طبعاً ياكيان…. دا هيبقا ضيق اوي عليا…..”

ضحكت قمر بشماته وهي ترمق كيان بطرف

عينيها……

“معلش أصل اخلاقه ضايقه زي ناس……”

هاجت كيان غاضبة…… “احترمي نفسك ياقمر……”

تخصرت قمر قائلة بمياعة

مستفزة….

“حد كلمك ولا اللي على راسه بطحه……”

اشتعلت فيروزيتاها فخطت خطوتين نحوها

تنوي العراك……..

“لا دا انتي عايزة تضربي بقااا………”

اتسعت عينا قمر وكانت سترد عليها باقذع الكلمات لكن صياح شهد القوي اوقفها…..

“بس انتوا الإتنين………بس……”

نظرا الفتيات لبعضهما ثم لشهد التي إشارة على باب غرفتها بنفاذ صبر……..”اطلعوا برااااا……..”

قالت قمر بدفاع…… “ياشهد هي اللي بدأت……”

اصرت شهد بصيحة قوية ووجهاً

مكفهر…..

“اطلعوا برااا انتوا الإتنين…….لو سمحتوا…..”

خرجت قمر سريعاً….ام كيان فاشارة على

نفسها بمسكنة….

“بتطردي اختك ياشهد من اوضتك……”

اومات شهد بصرامة ومزالت سبابتها معلقة على الباب في اشارة صريحة…….

“انا معنديش خيار وفقوس……براااا ياكيان……”

زمت كيان شفتيها وخرجت من الغرفة بغضب وهي تبرطم بكلمات غير واضحة…..

اغلقت شهد الباب عليها وزفرة بارتياح……مستحيل

ان يجتمعا سوياً انهما كالضرائر……..ومشاكلهن

معاً تافهة وتزعجها……..

وضعت يدها على راسها الصداع يتفاقم…يكاد يفجر

رأسها…..كثرة التفكير وقلة النوم اوصلها لهنا…..

اذا كانت اعطت كل هذا الوقت والتفكير والمجهود

في أمر الخطبة….ماذا عن الزواج……ان تم التوافق

بينهما بالفعل……هل ستتزوج فعلاً وتبقى تحت

رحمة رجلاً ؟!….

عادت الى خزانة الملابس وبعد لحظات اخرجت

ثوب انيق هادئ الالوان يليق بها وباليوم……

القت الثوب على الفراش فوجدت هاتفها ينير باسمه……. خفق قلبها وهي تمسك الهاتف

مترددة في الرد……

ماذا يريد…. هل هو قادم الآن….. مزال الموعد بعد ساعتين من الآن……..

قادها قلبها ففتحت الخط ووضعت الهاتف على اذنها……

(كنت هزعل لو مردتيش……)

ابتسمت وهي تشاكسه

برقة…….

“مكنتش ناويه أرد أصلا……..متصل ليه….خير… ”

اخرج تنهيدة ثقيلة وهو يدعي الحيرة…..

(اكيد خير…كنت محتار البس إيه بصراحة….فقولت اخد رأيك……)

نبض قلبها مستجيب له بكل

جوارحه…”في ايه بظبط……”

قال عاصم بصوتٍ رخيم مفكراً……

(يعني البس بدله كحلي ولا سوده…ولا رمادي….)

اقترحت بصوتها الموسيقي الناعم…..

“البس كاجول أحلى…..بلاش تكون رسمي اوي…”

لمعة عيناه على الناحية الاخرى

متسائلاً…..(انتي شايفه كده……)

اكدت بوجها متخضباً بالحمرة…..

“آه…..وطبعاً زي ماتحب….دا مجرد اقتراح…..”

هتف عاصم بمراوغة…….(حبيتوا أوي……)

ازدردت ريقها بتساؤل……..”اي ده…..”

ابتسم عاصم بخبثٍ…..

“الاقتراح طبعاً…….هيكون إيه… ”

عضت شهد على باطن شفتيها وتلألأت عسليتاها….فسمعت عاصم يخبرها بمرح….

(باقي من الزمن ساعتين إلا عشر دقايق….)

تلك المرة فلتت الضحكة من بين

شفتيها…..

“كويس يدوبك تلحق تلبس……”

لم يود الإغلاق معها الان لذا سالها

بتطفل….(بتعملي إيه……)

جلست على حافة الفراش جوار

ثوبها…. “ولا حاجة قاعده………”

صرح عاصم بصوتٍ أجش……

(تعرفي اني مبسوطه اوي اني باخد الخطوة دي ناحيتك……..)

ارتبكت وانعقد لسانها فلم تجد رداً إلا….

“آه……..”

هز عاصم راسه مستاءاً……..

(آه……..هو ده الرد……..ماشي….المهم تحبي اجبلك اي معايا وانا جاي…….)

رفضت سريعاً بخفوت…..

“ولا حاجة متتعبش نفسك…….”

سالها مستفسراً برفق……..

(بتحبي نوع ورد معين……يعني قصدي لون معين…)

لم ترد احراجه فقالت برقتها المعهودة…..

“جيب على ذوقك…..انا بحب الورود عمتاً…معنديش

نوع معين……….”

سالها مجدداً…..(طب بتحبي نوع شوكلاته معين……)

تلك المرة لم تجاريه في سؤاله بل قالت

بحرج…..

“عاصم…..قولتلك متتعبش نفسك بوكية ورد كفاية…….”

(تمام……هشوف الأول………..)

اغلقت معه الهاتف ثم رمته على الفراش وهي

ترجع خصلاتها للخلف بابتسامة تشع خجلاً

وسعادة………

ولم تمر الثواني وتاتيها مكالمة اخرى من رقم غريب

انعقد حاجبيها وهي تنظر للرقم قليلاً…..ثم فتحت

الخط ووضعت الهاتف على اذنها بتراقب…….

“الو…..السلام عليكم……..”

(انا مُهجة ياشهد……مراة ابوكي………”

نهضت من على الفراش واقفه وكان اصابها

ماس كهربائيّ…… شاعره بتشنج في اعصابها…..

وهي تسالها بحنق شديد…….

“جبتي رقمي منين…..وبتتصلي ليه أصلاً……..”

اتى صوت مُهجة بهدوء شديد….

(عيزاكي في موضوع مهم يخصك…….ويخص العريس اللي جاي يتقدملك النهاردة…….)

عبست شهد بنفور متمتمه بضيق …..

“انتي عرفتي منين….آه اكيد جوزك قالك…..انا مش عايزه اسمع حاجة معلش مش فاضيه…..”

قالت مُهجة بصلابة….

(الموضوع اللي هحكيهولك مهم…..مهم اوي ياشهد……….)

سخرت شهد وهي تقول بتبرم…

“مهم إزاي بقا………انتي تعرفي ايه عني…او عن العريس اللي هيتقدملي…….”

قالت مُهجة بلؤم…..

(أعرف انه عاصم الصاوي….وعرفت لما الهام جت شقة ابوكي التانيه انه ابن اخو جوزها…….)

لاحت التساؤلات على وجهها

الشاحب….

“الهام……جت عندكم…..إزاي وليه…….”

اتى صوت مُهجة بلهجة شديدة الخطورة….

(دا بقا اللي عايزة اعرفهولك………في حاجات كتير انا سمعتها بينهم…..وليكي حق تعرفيها……)

لم تطمئن شهد للامر بُرمتة لذا قالت

بتشكيك….

“وايه اللي يثبتلي ان كلامك صح…مش يمكن تكوني بتشتغليني………”

القت مُهجة اخر كارت رابح معها وقالت

بمكر…….

(براحتك انا عملت اللي عليا وحبيت احذرك من ابوكي…..لاني عارفه انكم كلكم على خلاف معاه..

ومستحيل تتفقي معاه على عاصم…….عشان تاخدوا فلوسه…….)

رمشت بعينيها مذهولة مما تسمعه……لذا تمتمت

بصدمة………

“إيه فلوسه……..اتفاق ايه وفلوس ايه….انتي بتخرفي يامُهجة……..”

زفرة مُهجة على الجهة الاخرى بنفاذ صبر……

(انا مستنياكي في *****….اكيد عرفاه…..نص ساعة

لو مجتيش انا همشي…….سلام….)

أغلقت الهاتف معها….فوقعت شهد على حافة الفراش

متسعة الأعين شاحبة الوجه…….لم تستوعب بعد

المخطط القائم من خلف ظهرها…….لذا سريعاً لم

تفكر مرتين اتجهت الى أقرب ثوب خروج من خزانتها حتى ترتديه وتذهب لمقابلتها… ربما

تفهم ماذا يحدث معها……

بعد دقائق خرجت شهد من غرفتها مرتدية ثوب خروج حاملة حقيبتها فوق كتفها….

ابصرتها كيان وكذلك قمر…..فاقتربت منها

اختها بتساؤل……

“في اي ياشهد…..راحه فين كده…….”

“مشوار…….ربع ساعة ورجعه…….”قالتها شهد وهي تتجه الى خزانة الأحذية وتخرج منها حذاءها…..

تدخلت قمر في الحديث مستنكرة….

“مشوار اي ياشهد….حمزة وخالي زمانهم على وصول…….افرضي جم قبلك…. ”

اتفقت معها كيان محذره شقيقتها…..

“ابوكي لو دخل البيت وملقكيش فيه… هيطربق البيت فوق دماغنا…….”

صاحت شهد بغضب…..

“قولتلك ربع ساعة مش هتاخر…..” ثم فتحت الباب وخرجت منه مغلقة اياه بمنتهى العصبية…….

فتحت كيان الباب خلفها ونادت

عليها بضيق…..”ياشهد….. شااااااهد……”

عندما لم تجد رداً زفرة بقوة وهي تدخل الشقة وتغلق الباب خلفها…..

“ركبت الاسانسير……. يومنا منيل بنيلة النهاردة……..”

قالت قمر بوجل….. “ان شآء الله ترجع قبلهم……”

هزت كيان راسها متوقعه الاسوء…..

“لا انا مش مطمنه ياقمر…. شكلها أصلا كانت معيطه……في حاجة وحشة حصلت.. انا مش مطمنه……..”

……………………………………………………………..

تحولت عينيها الى كورتين مشتعلتين من الجمر القاتم…..بينما تجلس امام مُهجة تسمع كل مادار

في زيارة إلهام….وكم ان والدها اخذها كطُعم لصيد الهام والوصول الى أهدافة من خلال مساومتها

بزواجها من عاصم………

أسبلت اهدابها بغضب وهي تسمع الكلمات تخرج

من لسان مُهجة كقذيفة من لهب تضربها بصدرها

بقوة…….أحمر وجهها من شدة الغضب…..

سالتها شهد بعد لحظات بملامح متجمدة…..

“واي اللي يضمني ان كلامك صح….يعني استفدتي

إيه انك قولتيلي…….”

قالت مُهجة بمسكنة…..

“استفدت اني احافظ على جوزي….ابوكي…..

وان اوعيكي…… برضو مهم كان احنا ولايه

زي بعض…. ”

لم تعقب شهد بل ظلت تنظر اليها بملامح

جامدة غير معبرة….مما جعل مُهجة تسألها

بلؤم…

“ساكته ليه……..ناويه تعملي إيه……”

نهضت شهد من مكانها قائلة بجمود…..

“ملكيش فيه بقا…..انتي مش قولتي اللي عندك….”

سالتها مهجة بقلق في جلستها……

“طيب يعني……..هتقولي لابوكي ان انا اللي قولتلك………انتي عارفه انه ممكن……”

أبتسمت شهد بببرود……مشمئزة من كل شيء

حولها ينتمي لعثمان الدسوقي……

“اطمني……….بس ياريت تكون اخر مرة اشوفك

فيها…….”

احتقن وجه مهجة وهي تنهض كذلك قائلة

بعتاب……

“بقا كده ياشهد…..دا بدال ما تشكريني…….”

فلتت ضحكة باردة من بين شفتي شهد….

وتكلمت بسخط……..

“أشكرك….هو انتي عملتي كده لله يامُهجة…مانا وانتي عارفين انك عملتي كده عشان تحافظي

على جوازك من ابويا وفلوسه……..”

لم ترد مهجة بل ظلت تنظر اليها بسوداوية…..مما

جعل شهد ترفع يدها مودعة اياها ببرود….

“سلام يامراة أبويا…….”

…………………………………………………………….

“يعني ايه خرجت……..هي مش عارفه ان عاصم

الصاوي جاي النهاردة….هي بتستهبل…….مشوار

ايه اللي تروحوا دلوقتي……..”

صاح حمزة في الفتيات بقوة……فجز عثمان كذلك على أسنانه وهو يتوعد لها بأشد العقاب……

صدح جرس الباب في تلك الأوقات….. فاشار حمزة

لهن بدخول الغرفة…….ثم نظر الى والده فاشار اليه

بعيناه القوية ان يفتح الباب……..

اتجه حمزة الى الباب بملامح مكفهرة… ليجد عاصم

الصاوي في وجهه متأنق بطاقم كاجول فخم… مصفف شعره الأسود للخلف…يقف امامه  بوسامة وشموخ وهو يحمل بين يديه باقة من الزهور الجميلة المتنوعة وعلبةٍ من  الشوكلاته الفاخرة………..

بلع حمزة ريقه بتوتر…….وحاول السيطرة على اعصابه المتشنجة وهو يقول بهدوء……

“أهلا يامعلم عاصم نورت…….”

تنحى حمزة جانباً وهو يشير له بالدخول…..ففعل

عاصم ودخل بهيئة الخاطب الوسيم……

وعندما أبصر عثمان ابتسم مرحباً به….فارتدى عثمان

هذا الوجه البشوش الودود مع كل الاغراب…….

واتجه اليه مرحباً به بحفاوة…..

“أهلا أهلا ياعاصم يابني…….نورت…..اتفضل اتفضل من هنا……….”

أشار على غرفة الجلوس فدخل عاصم ولحق به

عثمان… فوقف حمزة في منتصف الردهة لا يعرف

ماذا يفعل الآن… خصوصاً ان شهد لم تاتي وهاتفها

خارج التغطيه……….

خرجت قمر من الغرفة فوجدته يقف مكانه منحني

بغضب وكانه يحمل هموم العالم على عاتقه….

عندما ابصرها حمزة سالها بوجوم….

“مردتش عليكي برضو…….”

هزت قمر رأسها….وهي تخبره برفق…..

“زمانها جايه متقلقش………”

أمرها حمزة بصوتٍ أجوف……

“روحي اعملي قهوة ليهم……وخبطي على الباب وانا هاجي اخدها منك…..متدخليش…… ماشي……”

قال آخر كلمتين بتحذير وهو ينظر الى عينيها……

فهزت راسها خاضعة لأمره………

دخل حمزة غرفة الصالون وتشاركا بعض الأحاديث

مع عاصم…….حتى أتت اللحظة الحاسمة عند عاصم

ودخل في صلب الموضوع حيث قال بهدوء…..

“طبعاً انا جاي النهاردة عشان اتعرف عليكم…قبل ما اجيب عمي وجدتي عشان يطلبوا ليا ايد شهد رسمي منكم……”

نظر عثمان وحمزة لبعضهم بصمت….فتابع عاصم بصوتٍ خشن حازم…….

“طبعاً شهد شغاله في المطعم اللي اجره حمزة مني…

وحقيقي هي انسانة محترمة ومؤدبة…….وحاسس

ان ممكن يحصل نصيب بيني وبينها………”

اقتحمت الغرفة فجأه شهد هاتفها بصرامة

وعيناها المشتعلتين لا تحيد عن والدها في

نظرة متحدية…….

“للأسف ياعاصم بيه…..مش هيحصل اي نصيب بينا……..”

نهض عاصم من مكانه ونظر الى وجهها الباهت الحزين والى عينيها الحزينتين الحبيستين

بالدموع…. فعلم ان هنا ما يسوء… لذا لم يمنع

نفسه عن سؤالها امامهما بقلق……

“في اي ياشهد….. مالك……..”

انتفض قلبها بوجع وهي تعلم ان تهورها سيدفعها

للمزيد من الكوارث مع والدها….لكن لا بأس….ربما

اتى اليوم التي تقف فيه امامه وتخبره بـ(لا…)

حتى ان كان على حساب رجلاً تكن له القليل

من المشاعر………

تابعت شهد بنبرة باهته مهتزة……

“انا مش عايزة اتجوز…….طلبك مرفوض يا عاصم

بيه…….. انا آسفة…..”……

تعتذر؟!….

تخسف بكرامته الأرض امام عائلتها ثم تعتذر…. ترفضه بعد موافقتها…..ثم تعتذر ؟!…….

اي عبث هذا؟!….هل هي مختالة………

ظل ينظر اليها للحظات غير مستوعب بعد ما حل

بها….

كانت عينيها قاتمتين حادتين…..وكانها تحارب وحدها تحارب الجميع حتى تربح ؟!….

ماذا ستربح؟!….

ظلت النظرات النارية بينهما قائمة للحظات كانت تشتعل بحربٍ ضارية ، حرب من نوع آخر……ولكلا منهما وجهةٍ خاصة…..

حتى قطع عثمان الصمت قائلاً بحدة وهو يعنف

ابنته بقسوة…..

“اي قلة الادب اللي انتي فيها دي ادخلي على اوضتك………من امتى والحريم بتدخل في كلام

الرجالة………….وبعدين انا معنديش بنات تقول رأيها انا هنا اللي أأمر وانهي…..سامعه…. على اوضتك……”

لم تهابه بل وجهت نظراتها وحديثها نحو عاصم

قائلة بقوة بها لحمة من الجمود………

“انا قولت اللي عندي ياعاصم بيه…. ولو في اي حاجة تمت بعد ما اخرج من هنا….. هتكون غصب عني….. واكيد كرامتك مش هتسمحلك خالص

تاخد واحدة غصب عنها……. ولا إيه……”

رفعت وجهها اليه بكبرياء مسنن….لم يرى يوماً

أمرأه جافة المشاعر مثلها……فاوما عاصم براسه

بملامح متصلبة مظلمة ونظرات خالية من الحياة…..

“عندك حق…. واضح اني غلط في العنوان……….”

حاول عثمان ايقافه بكل الطرق الممكنة لكن

عاصم اصر على المغادرة وخرج من غرفة

الصالون يتخطاها دون النظر اليها وكانها لم تكن !….

بعد رحيله اغمضت شهد عينيها وتركت العنان لدموعها وقد خارت قوتها فوقعت أرضاً ودخلت

في نوبة صامته من البكاء مرير…..شاعرة بانها

فقدت شيءٍ داخلها قيم…..

ذي قيمة منحهُ لها شخصٍ رائع كان بمثابة قارب

نجاة لها فبدلاً من الصعود إليه اختارت الغرق

فهُلكت مختنقة حتى الموت ؟!…وزال كل

شيءٍ حلوٍ بعدها…….

يتبع…



رواية الحب أولا الفصل الثاني عشر 12بقلم دهب عطيه 


12=ج1=-رواية الحب أولا الحلقة الثانية عشر

وقفت في صالة الشقة بمواجهة الجميع واولهم أبيها

الذي كان يشتعل في وقفته يحاول السيطرة على نفسه حتى يفهم أولاً لماذا رفضت عاصم الصاوي

بعد موافقتها عليه……بعد ان اتى عند بابها طالبا الحلال……..

“انا عايز افهم اي اللي انتي هببتي ده…..دانتي صغرتينا قدام الراجل…….اي اللي هببتيه ده…

انطقي….. ”

انتفضت شهد بعد صرخة تفوح بالكراهية والتوعد

لكنها لم ترتد للخلف بل تماسكت…وهي ترفع عينيها

المظلمة اليه قائلة بهدوء لا يوازي الموقف برمته…

“اي اللي انا هببته….مش عايزة اتجوز…. سهله يعني…..”

صاح عثمان بسوداوية وبملامح انقلبت

لشيطان لعين……..

“حد يرفض عريس زي ده….انتي كنت تطولي

واحد زيه يبص في خلقتك…..بوز فقر زي اللي جابتك….”

اسبلت شهد اهدابها ولم ترد……..فاقترب منها

عثمان يجذبها من شعرها فجأة صارخاً……

“اي اللي غير رايك يابت…. كنتي جايه منين… كنتي مع مين ردي……..”

تدخل حمزة حائل بينهما محاول ان يخلص

اخته من بين يدي والده…..وكذلك قمر وكيان

حاولوا التدخل وهم يصرخون بفزع……..

صاح حمزة بنفاذ صبر…….والهلع واضح

في عيناه القاتمة…….

“سيبها……… سيبها خلينا نفهم…..”

هدر عثمان بمقتٍ من بين تلك الدائرة

المكتظة بهم جميعاً…….

“اخرس مفيش حد فيكم محكوم…. كل واحد فيكم داير على حل شعره……..معرفتش تربيكم كريمة…

ماتت وسابتكم انجاس……”

شدد عثمان في مسكته على شعر شهد التي كاد

ان يقتلع بين اصابعه الغليظة…….شحب وجه

شهد وشعرت بان الهواء ينسحب من بين

رئتاها وقد خارت قوتها امام صلابته….

فلم تتحرك ذرة من الرحمة والانسانية بقلبه

عثمان بل تابع جذبها اكثر وهو يصيح

بغضب…..

“كنتي مع مين…….كنتي مع مين برااا…..”

خلصها اخيها باعجوبة من بين يده فاستقامت

تصرخ بعينين حمراوان من شدة الغضب

والبكاء…

“سيب شعري حرام عليك….سبني انا حُرة…..اتجوز ولا متزفتش…. انت هتغصب عليا… انا مش

صغيرة…….سامع…”

صاح عثمان يحاول الوصول لها……

“سمعتي الرعد يابنت الكلب…بتعلي صوتك عليا…

انطقي ياعرة كنتي تحت مع مين انطقي….”

تمردت شهد في رد عليه تلك المرة بطريقة

أحرقت الدماء في عروقة…..

“مش هريحك ومش هقولك حاجة ولي عندك

اعمله…وجواز مش هتجوز…….لا عاصم ولا غيرة……”

اندفع غضب عثمان دفعة واحده فصرخ

بمنتهى القسوة……

“مش بمزاجك ياروح أمك….دا انا ادفنك هنا…اللي بوظتي ده تصلحيه………ان شاء الله حتى تروحي لحد عنده وتبوسي ايده عشان يرضى يبص

في خلقتك العكرة دي تاني……….”

تسمرت شهد بعينين متسعتين بصدمة….وكذلك

الفتيات تلبسهن قناع الحيرة والدهشة…..ام

حمزة الذي كان يقف في مواجهة والده يمنع عن اخته البطش……فارة دماؤه صائحاً بغضب

ومروءة……..

“انت بتقول إيه….تبوس ايد مين…..مافي داهية….”

“اخراااس انت كمان….اللي بقوله يتنفذ…..سامعه…”

دفعهُ عثمان لكن حمزة لم يتحرك من مكانه….بل اظلمت عيناه واشتعل صدره شاعراً بان الخطوة القادمة لن تكون سالمة مع من يُدعى أبيه !!….

كانت أول شخصٍ لاحظ انفعالاته التي تنذر

بالخطر هي قمر فاقتربت منه ومسكت ذراعه

تترجاه بعيناها ان يتحلى بالصبر فالموقف لا

يحتمل كوارث أخرى……..

خلفهما صاحت شهد بعناد والدموع تغرق وجهها

الشاحب شحوب الأموات ترمقه بعينين

غائرتين بائستين…….

“لا مش سامعه….طلعني من حساباتك…..انا مش هتجوز لا عاصم ولا غيره….دور على طعم تاني

ترميه عشان توصل للي في دماغك……”

جفل حمزة من هذا الكلام المبطن فنظر لاخته ليجدها تتابع بكرهٍ شديد ها هو ينتشر في عينيها

بدلاً من الخوف…….الكره المخبئ في جوف

اعماقها…..

“انت اي ياخي….معقول تكون أبونا….بتستغلنا عشان

توصل للقرف اللي في دماغك…….ياخي ينعل ابوو

كده…….”

اتسعت عينا عثمان تليها الجميع فلم يتوقع احد

ان تلك الهادئة المتسامحة تحمل كل هذا الكره والغضب نحو من تسبب لها باذئ نفسي وجسدي عاشت به طوال عمرها صامته خانعة ناكسة

الرأس في حضوره !!……

هاج عثمان من تمردها وقلة ادبها

أمامه………

“يانعل ابو مين يابنت الكلب……”

لم يعرف الوصول اليها بسبب ثلاثتهما…فصاح

مهدداً اياها بشرٍ……..

“بطولي لسانك عليا…دا انا هقطعهولك….وهكسرلك رجلك اللي واقفه عليها دي قصادي…مش هرحمك لو منفذتيش اللي طلبته منك……مش هرحمك….”

عاد هذا الشعور الخطير يموج في حلق حمزة

بعد تهديد ابيه لاخته…….فاوقف والده بحزم

يهدده بالمثل……

“مش هتقدر تقربلها ولا هتقدر تلمسها……المرة اللي فاتت مكنتش موجود عشان ادافع عنها…لكن المرادي

على جثتي……سامع انا معاك هنا ياقاتل يامقتول…”

اتسعت عينا عثمان سريعاً ولم يفكر مرتين وهو

يهجم على حمزة من ياقة ملابسه صارخاً

بعدائية شديدة الخطورة……

“انت بتهددني…….انت عارف اني بمكالمة واحده اوديك ورا عين الشمس……اقول انك ارهابي….

وشغال مع جماعة متطرفة……ولو دخلت أمن

الدولة ياحلو مش هتشوف النور تاني…….”

ابتسم حمزة ساخراً مؤكد على الحديث

بالمثل……..

“اعمل كده….بس قبلها هكون موصلك للخلقك…..”

جز عثمان على اسنانه وهو يوزع نظرات

الكراهية على أبناءه الثلاثة…….

“عايز تقتلني……… اه ياولاد الكلب يا أوساخ….”

تلك المرة تدخلت كيان وهي تصرخ في ابيها

باكية بحرقة…….فقد تلفت اعصابه من هذه

الحياة وهذا المشهد المتكرر دوماً بينهما…

العراك الشتائم الكره……ورغبة في

القتل !!……….

“كفايه كفاية بقاااا…..امشي وسيبنا بقا…..كفاية االلي

بتعملوا فينا……كفاية حرام عليك…….”

تقدمت قمر أيضا تربت على صدرها راجيه

اياه بدموع……..

“علشان خاطري ياخالي…….سيبهم دلوقتي لحد مالنفوس تهدى………بالله عليك…..كفاية كده….”

أومأ عثمان براسه بعصبية وبوجهاً أسود من

شدة الغضب والضعف…..الضعف بعد ان فلت لجام ثلاثتهما….ابنائه تمردا عليه واصبحوا يتوعدا له بالقتل !….صاح بصوتٍ محترق وهو يكاد

يسحق أسنانه من شدة الانفعال…….

“ماشي ياحمزة…….ماشي ياشهد……حسابكم جاي…

اصبروا………..اصبروا ياولاد*****…..اصبروا

*****……”

سبهم باقذع الكلمات فاغمضت شهد عينيها بنفورٍ

وقد هبطت دموعها بحسرة مؤلمة على النفس…..

ام حمزة فوقف متشنج الجسد متصلب الملامح يشاهد خروج ابيه من باب الشقة  بعينين شاخصتين ونظرات مجردة من الحياة……ام كيان فانحنت بضعف على الحائط  تبكي بحرقة…..

اغلقت قمر الباب واستدارت تنظر اليهم….

فرأت مشهد لم تراه يوماً في حياتها…مشهد يحكي

عن انهزام حقيقي لثلاثة محاربين لم يحاربوا شيءٍ إلا أنفسهم……..هزيمة وحسرة محفورة بخطوطٍ

عريضة مؤلمه على وجوههم البائسة………ثلاثة اخوة لم ترى يوماً أشقاء يعيشوا معاً نفس الوجع والحب وأخيراً الهزيمة !!…..

……………………………………………………………

بعد ان ظل لساعات طويلة يدور بسيارتهُ عاد للمنزل مهموماً منهكاً من شدة  التعب وكثرة التفكير بما حدث……مذاق كالعلقم المُر يموج في حلقه

يخنقه….

لم يتوقع ان تنتهي الزيارة هكذآ…..ورغم الغضب مزال يبحث لها عن الف عذر….ومن بين كل الأعذار

لا يجد عذراً يشفع لها ؟!…ويشفي غليلة…..

تم رفضة أمام الجميع…..

مزحة سخيفة ثقيلة ان كان أحد القاها عليه سابقاً

لكان سخر منه ضاحكاً بملء شدقتاه………

هل بكل ما يمتلك من مالاً وجاه ووسامة لا تنكر يُرفض بهذا الشكل السخيف ؟!….

ترفضة بهذا الشكل المهين….لماذا وافقت من البداية

ان كانت تنوي رفضه…..هل قصدت ان تهينه امام عائلتها……..

سينفجر راسه من كثرة التفكير…….الرفض وقع على

مسامعه كالسوط الحاد خدر حواسه و افقده جزءاً من ثقته في حالة ثم بها ؟!…

ماذا فعلتِ يا شهد…….هل لديكِ أسباب مقنعة…ام

ان أسباب رفضك واهيه لن تشفع لكِ عندي……

“انت جيت ياعاصم…….”

استدار الى جدته القعيدة بإبتسامة لا تمت

للمرح بصلة……”لا لسه شوية……..”

لم تبتسم الجدة (نصرة)بعد رؤية ملامحه الذابلة الحزينة….والفرحة المنكسرة في عيناه……..لم

يكن هكذا عندما خرج !!……..

كانت على علم انه ذاهب لمقابلة عائلة شهد والتعرف

عليهما قبل ان يلتقوا بهم في زيارةٍ رسمية…..

هزت نصرة راسها متسائلة…..

“مالك ياعاصم يابني…….اي اللي حصل…….”

لم يتحدث عاصم بل نظر للمكان الواقفين فيه…

فكانوا في الممر المتواجد به غرف نوم الجميع..

مما جعل نصرة تشير له بأن يسبقها على غرفتها وتحركت بمقعدها الكهربائيّ نحوها……

أغلق عاصم باب الغرفة خلفه وجلس على حافة الفراش ينظر الى جدته بصمت……

“احكيلي اي اللي حصل……..”

أجابها بوجوم…..

“مفيش نصيب ياحاجة………ماتوفقتش في مشواري…”

سالته نصرة بحيرة…….

“ليه….. ابوها رفضك هو مش عارف انت ابن

مين…”

لم يرد عاصم فقد شرد من جديد في كلمات الرفض

التي تلقاها منها كانت اشبه بسهام سامه تخترق

كبرياء رجولته……

فسالته نصرة بملامح

غاضبة…..

“اسمه إيه ابوها ده…….”

فاق من شروده ينظر الى جدته دون تعليق

فسالته نصرة مجدداً بنفاذ صبر…..

“ماتكلم ياعاصم اي اللي حصل في الزيارة دي….”

زفر عاصم وهو يخبرها بالهدوء المتبقي

داخله…….

“ولا حاجة اتكلمنا فا متفقناش…..فمحصلش نصيب….”

رمشت نصرة بعيناها بغير استيعاب……

“بالسرعة دي…..طب اتكلمت مع مين بقا……”

أجاب عاصم….. “مع أخوها وابوها….”

سالته بشك…… “وهما اللي رفضوك……”

زمجر عاصم قائلاً بصلابة…..

“محدش رفضني….انا اللي شايف ان الموضوع كله مش نافع……….”

لاح التعجب على ملامح نصرة….

“ليه بس يا ابني……دانت كنت ميال ليها اوي…”

اظلمت عيناه ثم اجابها بصوتٍ متحشرج….

“كنت بس دلوقتي…..لا……..”

سالته الجدة بمكرٍ…….

“يعني على كده…….هترجع بقا لـ……لرفيدة………”

اتى الرفض القاطع منه……

“لا رفيدة ولا غيرها….مش عايز خالص…….”

توجسة نصرة من ردة فعله المبالغة…فقالت

بعدم رضا………

“اي الكلام ده…..هتكمل حياتك كده……جرالك

اي ياعاصم……..”

يُشعر بالاختناق والصداع يتفاقم في راسه مما

جعله ينهض من مكانه قائلاً بصوتٍ مجهد….

“انا تعبان ياحاجه وعايز أرتاح في اوضتي……”

نظرت له نصرة بحزن وشفقة…وعادت تستفسر

منه بقلق الأم……

“انا مفهمتش حاجة برضو يا ابني…..انت ليه راجع

مهموم اوي كده……اي اللي حصل ياعاصم ريح قلبي…….”

رد عاصم بصبرٍ…..

“زي ماقولتلك ياحاجه…..ماتوفقتش……..”

ترقرقت الدموع في عينا نصرة فحاولت ان تراضيه

بحناناً قائلة بعطف……..

“طب ما تزعلش نفسك….هي اللي خسرانه……مع اني

شايفاها بنت كويسه ومحترمة…وتستحقك….لو بس تريحني وتقولي حصل إيه في زيارتك ليهم…..يمكن

يابني أصلح بينكم……..”

تقدم منها عاصم وانحنى يقبل قمة راسها قائلاً

برفق…….

“بلاش تتعبي نفسك الحوار انتهى من قبل ما يبدأ…

انا هروح ارتاح في اوضتي……تحبي انقلك على السرير ترتاحي……..”

رفضت الجدة نصرة وهي تمسح دمعة فارة

من عينيها…..

“متتعبش نفسك هنية طالعه دلوقتي بالعشا والدوا……اخليها تحضرلك العشا…. ”

امتنع عاصم قائلاً بخفوت….

“لا مليش نفس…..تصبحي على خير…….”خرج

من الغرفة مغلق الباب خلفه……..

تاوهت نصرة بحسرة على حياة حفيدها وعمره

الذي يضيع هباءاً بدون زوجة وأولاد يؤنسا

وحدته كمن في سنه……..

“آه ياحسرة قلبي عليك ياعاصم……ياترى اي اللي حصل قلب حالك كده……..”

عندما دخل غرفته بدل ملابسه سريعاً والقى نفسه على الفراش بتعب محاولاً النوم دون التفكير بها…..لكن كيف وعقله وقلبه يحترقا بسببها

هي !!……..

………………………………………………………………

دخلت الغرفة في الظلام واغلقت الباب سريعاً ثم تنفسة الصعداء……والابتسامة المتشفية مزالت

تزين ثغرها المنتفخ من كثرة حقن التجميل……

“كنتي فين يالهام……”قالها مسعد وهو يزيح غطاء الفراش عن وجهه……..

إبتسمت الهام وهي تقول بوداعة…..

“ولا حاجة ياحبيبي كنت بجيب مايه……..”

نظر مسعد ليداها الفارغة بشك….

“وهي فين الماية دي……”

نظرة الهام ليدها ثم لوجه زوجها الناعس

فقالت بمناورة…. “ها….آه شربتها…….”

زم مسعد شفتاه قانطاً……

“واضح انك مش معايا خالص…..انا هنام أحسن…”

عاد مسعد للنوم ودثر جسده ووجه أسفل

الغطاء….

رمقته الهام بقرف ثم غمغمت بضيق…..

“نام……..نام هو دا اللي انت فالح فيه……..”

ثم عادة تبتسم بانتصارٍ وهي تمسك هاتفها

وترسل رسالة مختصرة لاختها…..

(عندي ليكي خبر حلووو اوي يارافي……شهد

خلاص بقت بح…….)

اغلقت الهاتف وهي تزفر نفساً عميقاً بملامح

مرتخية سعيدة…..ثم حدثت نفسها

بصلف……..

“كويس انها جات منك بعدتي نفسك عن آذى

كبيييير أووي كان مستنيكي مني……برافوو ياشهد…..”اخرجت ضحكة رقيعة تليها ضحكات

أشد ميوعة وغرورٍ……….

…………………………………………………………….

كانت تجلس على الفراش تضم ساقيها الى صدرها

وترتاح براسها على ركبتيها وهي تنظر للبعيد بشرود

وحزن دفين…….

معدتها تتلوى من الوجع بينما صدرها يشتعل بقهرٍ وعقلها يحترق من كثرة التفكير به….نزلت دموعها

مجدداً بضعف شاعرة بطعم المذلة تشطر حلقها

لنصفين…..

يجب ان تفكر في مسكن اخر بعيد عن والدها…

حتى ان كان بالايجار……..عليها ان تتحدث مع شقيقيها عندما تهدأ الأمور….عليهما المغادرة

قبل ان تحدث كوارث آخر وفي لحظة تهور

فيضيع أحدهما بسبب رجلا لم ترى منه ذرة

أبوه بل كان دوماً متشبع بالقسوة والجفاء …

والمعاملة السادية وكانهما الد اعدائه…..

ارجعت راسها للخلف بتعب وبعينين غائرتين

بالحزن حاولة بجهد ان تتغلب على ذلك الألم

الذي ينحر في جوف قلبها…….

طرق حمزة على الباب ودخل عندما لم يجد منها رد

فوجدها جالسة على الفراش تضم ساقيها الى

صدرها في عناق مواسياً لمحنتها……

أغلق حمزة الباب واتجه اليها جالساً على حافة الفراش…. نظر لها بملامح متحجرة متجهمة…

ثم سالها أخيراً بصوتٍ غريب….

“فهميني ليه عملتي كده…. ابوكي للاسف عنده حق

انتي صغرتينا قدام الراجل……..”

همست شهد بملامح متجمدة…..

“اللي حصل……. غصب عني……..”

نظر اليها مقطباً الوجه ثم هتف بخشونة….

“إزاي….. انتي مش كنتي موافقة عليه ياشهد… دا انتي بنفسك اللي خلتيني اكلم ابوكي واقنعه يقابله…….”

لوت شهد شفتيها ساخرة…..

“أيوا…… بس مكنتش اعرف ان أبوك عاملني

طُعم عشان يوصل بيه لالهام……”

سألها حمزة بتعجب… “الهام ؟!…. الهام مين…….”

اخبرته بصوتٍ يقطر قهرٍ…….

“حبيبته القديمة……حبيبته القديمة تكون مرات

عم عاصم……..”

لم تتحرك عضلة واحده في وجه حمزة وكان

الخبر الحصري قديم بنسبة له !!……

“وعرفتي منين بقا…….”

اجابة بحرج….

“شوفتها يوم السنويه بتاعت جده….”

هز حمزة راسه مفكراً بصوتٍ عالٍ……

“يوم السنويه…. معنى كلامك انك عارفه كل حاجة من قبلها……”

قالت شهد بصوتٍ أجوف……

“عارفه ووفقت عليه ياحمزة….. بس مكنتش اعرف ان ابوك لسه بيفكر فيها… وان  بيساومها بجوازي من عاصم……..يا يرفضوا ويبقوا سوا….. يا يقبلوا

ويقهرها خصوصاً ان عاصم كان جوز اختها…وطلقها من فترة…..يعني عاملني لعبه في ايده عشان يوصلها…. ”

ثم تابعت بغصة مختنقة …..

“انا مش عايزه اكون لعبة في ايده… ولا عايز ادخل

عاصم في كل العك ده…. رفضته لان ده أحسن ليا وليه……. مش عايزه اكون تحت رحمة ابوك… انا مضمنش اي اللي ممكن يعملو فيا لو الخطوبة

دي تمت……..”

عاتبها حمزة برفق وهو ينظر الى ملامحها

الحزينة…..

“بس انتي محكمتيش عقلك ياشهد….. مكنش ينفع

تحرجي الراجل قدامنا بشكل ده مهم كان….كان ممكن ترفضي بأسلوب أحسن من كده….. مش

على الملأ……..”

ثم لوى ثغره هازئاً مضيفاً بوجوم…..

“وبعدين الهام مرات عمه مش امه….. هو برضو ملوش ذنب…. ولا يعرف حاجة عن حكايتنا

القديمة… ولو كنتي فعلاً بوظتي الموضوع كله عشان ابوكي….. اسمحيلي اقولك…. انك هبلة……”

رفعت شهد وجهها مشدوهة مما

سمعت…..

“هبله؟!….بعد كل اللي حكيتهولك…بتقولي هبلة…”

وضح حمزة وجهة نظرة قائلاً بهدوء….

“طالما انتي مرتاحة لعاصم وشيفاه شخص مناسب

وهو طلع راجل وخبط على بابك طالب الحلال….

اي المانع انكم تبقوا مع بعض……”

حرك كتفيه مستنكراً……

“اي المشكلة ان الهام مرات عمه….. اي المشكلة ان ابوكي بيخطط عشان يوصلها…… خليه يخطط وانتي

كملي في حياتك وسبيهم يخبطوا في بعض….”

” طالما انتي مقتنعة بقرارك…… ومرتاحة ليه

وهو مرتاحلك ومتفاهمين ومع الوقت هتبقوا متمسكين ببعض اي اللي يمنع يابنتي…..مش

فاهمك…… ”

احتد صوتها وهي تخبره بملامح مرتابه من مجرد

التخيل………

” اللي يمنع اني مش عايزة مشاكل…. انا مش زيك ياحمزة…. انا مبحبش احارب  عشان حد…. مش بحب المشاكل……. انا عايزة أبعد عن اي حاجة ممكن تأذيني…..انا  مش حمل مشاكل واذى خصوصاً من ناحية ابوك والست اللي دمرت حياتنا زمان….

اللي انا عملته صح…….وكده أحسن لكل…..”

هز حمزة راسه متعاطفا معها فهي مرت بالكثير

في حياتها ولها الحق في ان تمنع نفسها عن

الأذى…….فربت على كتفها داعماً اياها

بمحبة………

“دي حياتك ياشهد…..انا مش هغصب عليكي في حاجة…..انا جمبك ومعاك في اي حاجة عيزاها

المهم تبطلي عياط وتهدي…..”

نزلت دموعها وهي تخبره بصوتٍ متعب…..

“انا آسفة ياحمزة حقك عليا انا عارفه اني السبب

في كل المشاكل اللي حصلت دي…. بس غصب عني

مقدرتش امنع نفسي……..”

القت نفسها في احضانه فربت على كتفها بحنان

وبعد لحظات من الصمت قفز سؤالٍ في

رأسه فجاة…..

“صحيح كنتي جايه منين وقتها……..”

اخبرته وهي تخرج من احضانه تجفف

دموعها….

“كنت مع مهجة مرات أبوك…. هي اللي حكتلي…

على كل حاجة……..”

أردف حمزة بسخرية قاتمة…..

“مش لله طبعاً….. أكيد خايفه يطلقها بعد ما الهام ترجعله…”

ضيقت شهد عينيها بتشكيك…..

“شكلك كنت عارف ان الهام تبقا مرات عم عاصم…”

أكد بابتسامة هازلة….

“عارف ومن زمان أوي……كمان…….”

تبدلا النظرات بصمتٍ حتى اضاف حمزة وهو

ينتصب واقفاً……..

“الفرق بيني وبينك انك بتدي الامور اكبر من حجمها

الحقيقي……..”

فغرت شهد شفتيها فأسترد حمزة حديثة بنبرة قاتمة….

“اصلها مش فرقه اتجوز مُهجة ولا الهام… مفيش

حاجة هتتغير في حياتنا….. احنا كده كدا لا طيلين

منه لا أبيض ولا أسود.. ومشاكلنا معاه مش بتخلص…..حسبتيها غلط ياشهد… كنت فاكر ان دماغك أكبر من كده بكتير…… ”

………………………………………………………………

خرج حمزة من الغرفة ورفع عيناه جانباً ليجد كيان

تجلس وحيدة على الاريكة…….حزينة الملامح شاردة

النظرات……..

زفر وهي يخفض اهدابه بتعب…..حتى لاحظ خروج قمر من المطبخ تحمل لهما اكوب من عصير الليمون

وعندما تلاقت عيناه بها اهتزت الصنية قليلاً بين يداها……..ثم تماسكت وتابعت  طريقها امام عيناه النافذة حتى وضعت الصنية على الطاولة القريبة

من كيان…..فقالت لها برفق تحت انظارة…..

“اشربي ياحبيبتي كوباية اللمون دي هتهدي اعصابك..”

لم ترد عليها كيان بل ظلت ملامحها منكمشة

بالحزن…….

تناولت قمر بيدها كوب من العصير واقتربت منه بخطوات هادئة ثم وقفت امامه ناظرة لعيناه

وهي تقول بحرصٍ……

“أشرب دا ياحمزة……هيهدي اعصابك…….”

امتنع حمزة قائلاً…..

“مش عايز……دخليه لشهد……”

قربت منه الكوب مجدداً راجية…..

“عملتلها كوباية وهدخلها ليها دلوقتي أشرب

بس انت عشان خاطري……..”

نظرا لبعض بصمت وكم كانت بنيتاها الجميلة تبث مشاعر دافئة حنونة ربما لم  يشعر بها يوماً إلا مع أمرأه واحده…. خفق قلبه بوجع واشتعل صدره فجأه فاخذ  منها الكوب وتناولة دفعة واحده لعله

يطفئ ظمأ مشاعره……….

انزل الكوب واعطاه لها بملامح مبهمة

قائلاً….. “تسلم إيدك………”

تبسمت قمر بسمة لم تلامس عينيها وهي

تقول…. “بالف هنا……..”

اخذت قمر كوب العصير الثالث ودخلت به الى غرفة شهد امام عيناه….. حتى حانت  من حمزة نظرة على شقيقته الصغرى كيان ليجدها في عالم اخر بعيداً

كثيراً عنهما باحزانها وافكارها…….

فأخرج نفساً ثقيلا وهو يتجه اليها جالساً بقربها

على الاريكة…….

ثم ساد الصمت بينهما لدقائق ومزالت هي تجلس كتمثال مجسم بلا حياة………فزفر حمزة وهو يناديها

بعطفٍ……

“مش واخدين عليك ساكت ياكيموو…..فين اللسان الطويل وخفة الدم اللي عمرها ما ضحكتني…”

لم تبتسم كيان ولم تنظر حتى اليه فلكزها حمزة

في كتفها عابساً…..

“اي تقل الدم دا ياكيموو….آآه انتي غيران من قمر….

تكونيش عايزني اجبلك بقلاوة زيها…..ليكي عليا

اجبلك علبة أكبر منها كمان….. بس فكي

التكشيره دي خلي الشمس تنور…… ”

أسبلت كيان اهدابها ونزلت دموعها بصمت….فعقد

حمزة حاجباه مبهوتاً لبرهة…..ثم حدثها معاتباً….

“انتي غلطي….وكدبك عليا استفزني وخلاني ارفع ايدي عليكي……..”

اكدت على كلامه بوجهاً منحني بحرج….

“عارفاه……”

مد حمزة يده ومسكها من ذقنها رافعاً

وجهها اليه ونظر لها بقوة قائلاً……

“وطالما عارفه مجتيش تعتذري ليه…….”

جففت كيان دموعها كالاطفال قائلة بشجن…..

“خوفت تتعصب عليا وتضربني تاني…. الفترة اللي فاتت دي حسيتك مبقتش بتحبني….. بقيت

بتكرهني….”

تعثر حمزة في ضحكة ذاهلة وهو يجذبها لاحضانه بعطف قائلاً……

“اكرهك….. ياعبيطة دا انا أكره الدنيا دي كلها ولا أكرهك….. انتي هبلة……تعالي في حضني وبطلي عياط……”

ارتاحت كيان على صدره واعتذرت

بخجلاً…..

“انا اسفة ياحمزة…..اوعدك مش هتتكرر تاني…”

اخرجها من احضانه قائلاً بحزم حاني….

“ياريت ياكيان….ياريت نكون صحاب بجد مش كلام……ولو في اي حاجة مخبياها عني تحكيهالي…

اتفقنا……..”

اومات براسها وهي تمسح دموعها بظهر

يدها….. “اتفقنا………حاضر…….”

ربت حمزة على وجنتها برفق مبتسماً وهو

يقول….

“متزعليش مني……تتقطع ايدي لو اتمدت

عليكي تاني…..”

“بعد الشر……..”صيحة أنثوية رنانة اخترقت

جلستهما فرفع حمزة عيناه على قمر التي تقف

عند باب غرفة شهد المغلق وكانت تتابع مايحدث

للتو……..ارتبكت قمر من نظراته المتعجبة فقالت

قبل ان تهرب الى المطبخ……..

“يعني….الحمدلله انكم اتصلحتوا……..ربنا يخليكم لبعض…….”

ابتعدت سريعاً عن انظارهما وهي تلعن غباؤها

فنظر حمزة الى اخته بتساؤل…..

“مالها دي…….”

برمت كيان شفتيها بغيرة….. “مجنونة…….”

صفعها حمزة على مؤخرة عنقها برفق موبخاً إياها

وهو يشير على كوب العصير……

“بس ياجزمه….دي عملالك عصير للمون حتى…”

عقدت كيان ساعديها امام صدرها…..

ممتنعة بحنق….. “مش بحبوا أصلا……..”

“قطعتي بعيشك…… انا عجبني أوي……”مسك حمزة كوبها وشرب منه على مهل متلذذاً بطعمه الغني الرائع………..

……………………………………………………………..

في منتصف الليل بعد ان دخل الجميع الى غرف

النوم….

كانت تستلقي شهد على الفراش وجوارها قمر نائمة

ام هي فجفاها النوم….ولم تعرف مذاق الراحة منذ

ان كسرة قلبها بيدها……..

لم تتوقع ان يعني لها اكثر مما ظنت…كيف ومتى استحوذ عليها محتلا قلبها ومستوطن مشاعرها……

زفرة بتعب وهي تحاول النوم حتى تتخلص من صداع راسها ومشاعرها المتضاربة….قد تلفت

اعصابها طوال ساعات اليوم وحتى الليل اتى

كي يهلك المتبقي منها………

بعد دقائق أضاءت شاشة هاتفها فجأه وكانت تضعه على الوضع الصامت……فالتقط الهاتف ونظرة اليها

لتتسع اعينها وتزدرد ريقها وهي تنهض جالسة

على الفراش تنظر للشاشة المنيرة بأسمه…..

أخر شخصٍ تتوقع اتصاله الآن….بعد كل ما حدث بينهما ؟!…

سحبت نفساً مضطرب لرئتيها…..ثم ابعدت الغطاء عنها…….وسارت لعند الباب بخطوات بطيئة حتى

خرجت من الغرفة واغلقت الباب خلفها بحرصٍ

ثم سارت نحو الشرفة على اطراف اصابعها حتى

لا تيقظ أحد…..

دخلت شهد الشرفة واغلقت بابها عليها وهي

تسحب نفساً بارداً لرئتاها….. ناظرة للهاتف مجدداً بحيرة فهذا الاتصال الثاني منه…. يبدوا انه مصر

على هذه المكالمة…………

تشبكت في سور الشرفة بيدها الحرة وفتحت الخط

ثم وضعت الهاتف على اذنها…….

ولم تجرؤ على التحدث ولو حتى بسلاما فاتر…

كان الأمر صعب ولم تاتيها الشجاعة بل على العكس

كلما حاولت تجد الكلمات عالقة في حلقها تأبى الخروج كما يأبى قلبها الخضوع  للقرارات القاسية التي اتخذتها دون الرجوع اليه……فكان على غير هدى وهو يخفق  في حضور الحبيب…

بلعت ريقها واغمضت عينيها وهي تترجاه بصمتٍ

ان يكون هو البادي بالحديث طالما هو من أتصل

في تلك الساعة المتأخرة………

(شــهـد……)

ستشتاق بشدة للفظ اسمها بهذا الشكل المميز الذي من شدة الإحساس به تستشعر بقشعريرةٍ لذيذة

تسير ببطء على عمودها الفقري يليها جسداً

باكمله في حالة إنهيار !!…….

عندما لم تتحدث سالها بصوتٍ غريب محمل بالكثير من الأسى……..

(ليه عملتي كده….طالما رفضة من البداية ليه خلتيني

اجي لحد عندك……)

أخيراً وجدت صوتها بين طيات الوجع فقالت

بصعوبة مبررة….. “اللي حصل كان غصب عني……”

على الناحية الأخرى… قطب عاصم حاجباه

متسائلا بخشونة….

(اي هو اللي غصب عنك……مش فاهم…..)

عضت على شفتها السفلى وهي تبرر الوضع

بوهن بينما قلبها يئن بوجع…..

“مش ضروري تفهم……عاصم انت تستاهل حد

أحسن مني……انا مش هقدر اسعدك…..انا حياتي متكعبلة وكلها مشاكل…..انت تستحق  واحده تكون معاك طول الوقت بقلبها وعقلها…..تسعى انها تسعدك

وتبقا معاك…..لكن انا منفعش….صدقني منفعش…”

سالها عاصم بنبرة مظلمة المعاني….

(واي اللي غير رأيك……..)

هربت من سؤاله بعبارتها

الحمقاء…..

“ينفع مجوبش….. لو سمحت… ”

اندفع الغضب داخله فجأه فهدر متشنجاً….

(ينفع مجوبش ؟!!!….أمال مين اللي هايجوبني….انتي مش واخده بالك انك قليتي مني ازاي قدام اهلك…)

قالت شهد برفق…..

“عاصم ممكن تهدى صوتك عالي…….”

صك على اسنانه بغضبٍ متعجباً من وضعه الحالي

بسببها……..

(أهدى؟!… انتي مش عارفه انتي عملتي اي فيا….انا اترفض بعد ما جيلك لحد عندك……انا ياشهد…)

اغتاظت جداً من هذا الرد المتعجرف….فقالت

بصوتٍ حاد ولم تعلو نبرة صوتها عن الطبيعي..

بل كانت في أوج الهدوء عكسه تماماً……

“واضح انا الموضوع كله ملوش علاقة بيا…..كل

الحكاية ان ازاي الطباخة ترفضك…..ترفض عاصم الصاوي بجلالة قدره……إزاي.. واي واحده تتمنى

نظرة واحده من عنيه…..هو ده اللي فارق معاك

مش كده…. ”

سالها بصوتٍ قاتم…….(انتي شايفه كده…….)

لم ترد فأوما عاصم براسه غاضباً من نفسه بعد

ان انساق خلف قلبه وأجرى اتصال بها…….ليجد

الان ان هذا اغبى شيءٍ قام به …..

(تمام واضح اني غلط فعلاً اني أتصلت بيكي….مستكفتش بالكلام اللي سمعته في

بيتكم… حبيت اتأكد اكتر في التلفون…

تمام………)

“عااااصم…….”

قالتها بعد فوات الاوان فقد أغلق الهاتف سريعاً

دون ان ينتظر رداً منها……..

…………………………………………………………….

هبطت داليدا على الدرج ثم دخلت شقة عمها قائلة

“خلاص يامرات عمي حطتي للبط اكـ………..”

اتسعت عينيها بهلع وشحب وجهها متحولاً للون الرمادي وهي ترى والدة سلطان (حنان..) منبطحه

أرضا مصيبة بالاغماء………

وقع قلبها في قدميها وهي تهرول نحوها جاثية على

ركبتيها تديرها اليها وهي تحاول ايقاظها برهبة…

“مرات عمي……. يامرات عمي مالك فوقي……”

لكن لا حياة لمن تنادي…… نزلت دموع داليدا وهي تترك راسها على مهل وتتجه  الى هاتفها وسريعاً اجرت اتصال بسلطان الذي أجاب بعد لحظات بملل……

(عايزه اي ياداليدا مش فاضي………)

اتى صوت داليدا متهدجاً وهي تبكي

بهستيريا……

“سلطان الحقني ياسلطان……امك واقعه على الأرض

ومش بتنطق………اتصل بدكتور وتعالى…تعالى بسرعة الله يخليك………”

بعد لحظات كانت كالدهر بنسبة لهم جميعاً فقد اتى سلطان سريعاً وعجل بالاتصال بالطبيب وكذلك

والده ثم نقل والدته الى فراشها…..

وعندما اتى الطبيب وفعل الازم استعادة امه وعيها بتدريج…..ثم عندما انتهى من فحصها…..سأله

سلطان باهتمام……

“خير يادكتور طمينا……..”

انتصب الطبيب واقفاً وهو يلملم اشياؤه

في الحقيبة قائلاً بعملية…….

“خير ان شآء الله الحاجة مريضة سكر وشكلها

لغبطت في الأكل والعلاج فعشان كده حصلها الاغماء

ولولا انكم لحقتوها كان ممكن ندخل في غيبوبة سكر لا قدر الله…………”

لاحت ابتسامة مجهدة على ثغر حنان وهي تنظر

الى داليدا بمحبة……

“الحمدلله داليدا لحقتني…….”

“كتر خيرك ياداليدا يابنتي….” قالها عبدالقادر بامتنان حقيقي وهو يتخذ مقعداً جوار فراش زوجته

ثم مسك يدها مربت عليها وهو يقول بعتاب

المحب……

“جرالك اي يأم أميرة…..احنا مش قولنا ناخد العلاج في معاده ونبطل لغبطه في الأكل……قلبي هيقف

في مرة بسببك……”

“بعد الشر عليك ياعبدو…..ان شاء الله انا وانت لا….”

لمعة عينا داليدا بسعادة وتخضبة وجنتيها بالحمرة

وكانها ترى مشهد رومنسياً مقتصاً من فيلمها المفضل……

فتنحنح سلطان بحنق شديد من عاطفية والديه

المتبادلة والتي لا تتوارى أبداً بينهما بل دوماً

تُكشف على الملأ……..

فاستدار سلطان للطبيب مشيراً له بالخروج قائلاً

بالباقة….

“خليني اوصلك لبرا يادكتور….وبالمرة اجيب العلاج

اللي انت كتبته……..”

“تمام……حمدلله على سلامتها…….”قالها الطبيب وخرج من الغرفة ولحق به سلطان……

فأخذت داليدا انفاسها بصعوبة وهي تحل وشاح راسها قائلة بحمد…..

“الحمدلله انك بقيتي احسن دلوقتي يامرات عمي

انا كنت هموت من القلق عليكي….ومكنتش عارفه

اتصرف إزاي….اول حد جه في بالي كان

سلطان……”

اومات حنان بابتسامة متعبة……

“طبعاً ياحبيبتي مش جوزك لازم يكون أول واحد تلجأي ليه……..الحمدلله انك عرفتي تتصرفي…

الحمدلله………”

حاولت حنان ابعاد الغطاء عنها باعياء… فمنعها

عبد القادر عابساً…….. “راحه فين ياحنان……..”

قالت حنان بخفوت……

“الاكل…….الاكل ياعبد القادر……….زمانه اتحرق…”

ردت داليدا سريعاً…….

“انا طفيت عليه يامرات عمي………هروح أكمل تسويته خليكي انتي مرتاحه…….”

زمجر عبدالقادر معنفاً زوجته…….

“أكل اي وشرب إيه…هو مش لسه الدكتور خارج من عندك وقالك ارتاحي……..انتي غاوية تعب…..”

قطبة حنان حاجباها كالاطفال معارضة…

“بس الدكتور مقاليش ارتاحي………”

احتد صوت عبدالقادر بحزم……

“اكيد نسي…..ادينا انا اللي بقولك اهوه….ارتاحي شويه ياحنان…….”

انزعجت حنان قائلة…… “هو انت دكتور…….”

“ااه انا دكتور عندك مانع…….”ثم استدار الى ابنة أخيه قائلاً برفق……..

“روحي ياداليدا انتي كملي سوى الأكل……”

نظرة حنان الى داليدا بحرج معتذرة بقلبٍ

طيب لم ترى يوماً حماة تضاهيها نقاءاً في

معاملتها الحسنة لها وللجميع !……

“معلش ياداليدا هتعبك معايا يابنتي…بس لو في اي حاجة واقفه معاكي تعالي قوليلي بلاش تكسفي…..

انا عارفه انك مش غاويه طبيخ زي بناتي….. ”

فتابعت حنان ترفع عنها الحرج…..

“تعرفي أميرة لحد دلوقتي بتتعلم مني وبتيجي تسالني كمان ……..”

تدخل عبدالقادر بالحديث بخوفاً

عليها…..

“ارتاحي ياحنان……..او نامي شويه………”

هتفت داليدا تؤمن على كلام عمها بمحبة….

“ايوا يامرات عمي فعلاً ارتاحي شوية وبلاش

تشغلي بالك بحاجة انا موجودة……..”

وقفت داليدا في المطبخ تتابع تطهي الطعام حتى شعرت بمن يدلف الى المطبخ بهمجيةٍ معروفة

عنه….ومن سواه……هذا الضخم الهمجي زوجها……

رفعت داليدا سودوايتاها عليه لتجده يفتح المبرد

ويسحب زجاجة من الماء يشرب من فواهة مباشرة

مرة واحده…..وكانه يطفئ نيران مستعارة داخله….

ثم انزل الزجاجة ووضعها جانباً وهو يحني راسه مخرجاً نفساً مضطرب يعبر عن مدى الهلع الذي أصأب قلبه في تلك المدة القصيرة……

عند انحناء راسه شعرت بألماً ينحر قلبها لذا اقتربت

منه بتراقب تلامس ظهره الصلب…….

“مالك ياسلطان انت كويس………”

مسح عيناه وانفه سريعاً ثم استدار لها يواجه تلك العيون السوداء الشقية مجيباً بخفوت…..

“مفيش حاجة ياداليدا……بتعملي إيه……”

قالت داليدا بهدوء……

“بسوي الأكل اللي مرات عمي كانت مولعة عليه….”

ثم استردت حديثها بعينين لطيفتين كالحمل

الوديع وهي تمرر كفها على ذراعه بحنو…….

“متزعلش نفسك هي كويسه والله……وانا بعد كده

هاخد بالي منها اكتر وهديها العلاج في معاده….

متخفش ياسلطان……”

مسك سلطان كفها الذي يتحسس ذراعه بحنان

ثم اتكأ عليه برفق هامساً بامتنان وهو ينظر

إليها….

“مش عارف اقولك إيه….بس لولا انك لحقتيها كان ممكن……”

اهدته أجمل ابتسامة حانية لديها وقالت

بمحبة……

“انا موجودة متقلقش……..المهم متزعلش نفسك

ولا تخاف……..”

ذابت عيناه وسلبت قلبه بهذه الكلمات البسيطة….

فرفع كفها الرقيق الذي يحتجزه بين قبضته الى

شفتيه وطبع قبلة ناعمة كالمسات آلورد داخل

كفها………حتى ذابت مفاصلها………

“سلطان…….”همست باسمه بضعف والشوق هدم

اي مقاومة تنوي فعلها الآن……هل اشتاقت لتلك الملمسات بينهما ؟……

اشتاقت بشدة….كما اشتاق هو بجنون…..وكلاهما ينكر حقيقية الأشواق المتبادلة بينهما……..

همس سلطان بصوتٍ أجش وهو يسحبها من

كفها لاحضانه…….

“محتاجلك ياداليدا……..محتاج لحضنك أوي….”

اغمضت عينيها وهي تسحق بين ذراعيه القوية شاعره بدفئا يسري في اعماقها….بادلته العناق

بحياء معانقه خصره الصلب بيديها…وكم كانت صغيرة كالدمية النحيلة امام ضخامة جسده

والقوة المشعة منه……

ابعد سلطان شعرها للجانب الآخر على كتفها

ثم مالى عليها ودفن وجهه في عنقها يشم

رائحة آلورد من خلالها…..يسحب أكبر

قدر من هذا العطر الزَكي……ملامساً بشفتيه

عنقها المرمري ولم يمنع نفسه من طبع عدة

قبلات رقيقة عليه……..

ضاعت في احضانه الدافئة ومن للذة الشعور

تأوهت هامسة بخجل………..

“سلطان………..حد يشوفنا……….”

رفع وجهه عن عنقها ناظراً اليها بعينين مظلمة ومشاعر محمومة من عناقاً كفيل بأثارة مشاعره

نحوها اكثر من ذي قبل…….

هبطت نظراته على شفتيها الحمراء والتي تعضها

بخوفا من ان يراهم أحد…….

فمالى على شفتيها محاولا سحقها بين أسنانه لكنها ارتدت خطوتين للخلف تأخذ انفاسها بصعوبة وهي تضع يدها على صدرها بوجل وخجل…..

“سلطان…… مش هينفع…. حد يشوفنا…..”

برقة عيناه وهو يسحبها من خصرها بكفيه القويتين

حتى وقعت على صدره شاهقة برعبٍ هامسة بتهدج

“سلطان…….. سلطان……..”

هسهس سلطان بخفوتٍ مهيباً بالقرب من وجهها المشع بخجل…….

“انا صبرت عليكي كتير ياداليدا… وانتي برضو مصممة تبعدي عني….. جوزنا مش هيفضل كده

كتير….. لازم تبقي مراتي بجد… وادخل عليكي

رسمي…… سامعة…. ”

اغتاظت من أسلوبه الفظ الخالي من اي عاطفه…وكانه واجب ويجب ان يؤديه…….

“احترم نفسك مش هيحصل……”

جرت عيناه على ملامحها الجميلة المشرقة

ثم هتف بتوله بينما يداه تتحسس خصرها

اللين ….

“هيحصل عشان انتي عيزاني…. زي مانا عايزك….”

باغتها بقبلة حارة سطحية على شفتيها المكتنزة… فتأوهت بتعب وهي تحاول التخلص من وثاقه المشدد فوق خصرها……

“سلطان ابعد عني….. وبطل تتحرش بيا….”

لم يبدو عليه انه سمع شيءٍ فقد مالى عليها

يقبلها من جديد لكنها ابتعدت مزمجرة

بحدة….

“هصوت…. والله هصوت اياك تكررها تاني…..”

تلك المرة تركت عيناه شفتيها وعاد لعينيها

يلقي واقع ينتظرها معه قريباً……

“هكررها بس في شقتنا… واحنا لوحدنا…. مش

هنا……”

فك وثاقها وظلا يتبادلا النظرات للحظات كانت

بنسبة لهما كالدهر… حتى رحم قلبها ناوياً المغادرة الآن فعدل ياقة قميصة  أمام نظراتها المضطربة ثم خرج من المطبخ متنحنحاً بخشونة ينظف حلقه حتى لا  يظهر على صوته اي آثر حميمياً مر به معها…….

انهارت كل مقاومتها فور خروجه فانحنت ساندة

على الرخامة جانباً بيدين ترتجفين…. شاعره بان ساقيها رخاوتين بينما انفاسها مسلوبة وقلبها

يؤلمها في خفقانه…….تحاول بصعوبة السيطرة على مشاعرها المنهارة وجسدها المحموم….. مجرد عناق

بينهما كان كفيل بان يخرج مشاعر رغم اللذة مرهقة ؟!…

……………………………………………………………..



12=ج2=

بعد لحظات سمعت داليدا صوت ضوضاء بالخارج

فأطفأت على الطعام الذي نضج….واتجهت الى الخارج ترفع الوشاح على راسها بشكلاً عشوائي

عندما وصلت لصالون الشقة وجدت والدة سلطان

تجلس على الاريكة ترحب بـالجارة (أمال…)

الملقبة بأم دنيا والتي تجلس جوارها…..بينما

على الجهة الاخرى على المقعد يجلس سلطان….

عقدت حاجباها بحنق شديد مغمغمة

بالغيرة…..

“اي اللي قاعده مع الحريم ده ؟!…….”

اتكأت على اسنانها بقوة وهي تتقدم منهم بمشيتها

المائعة والتي لا أمل في تغيرها……تلونت شفتيها

بإبتسامة مصطنعة……

“انا طفيت على الاكل ياماما…..اي ده…..خالتي

ام دنيا….. اهلاً اهلاً وانا اقول البيت نور كدا ليه….اتاري خالتي ام دنيا عندنا…….”

جفلت آمال قائلة بدهشةٍ……

“خالتك ؟!!….اخص عليكي ياداليدا….دا كل الفرق اللي بينا سنتين…….”

جلست داليدا على مقعداً جوار زوجها……لتقول

بقلة تهذيب….

“إزاي سنتين….انا عندي عشرين وانتي بسم الله ماشاءالله داخله في الأربعين….تبقي خالتي

ولا مش خالتي………”

مطت امال شفتيها حانقة.. “ابقا ستك……”

ثم شهدت سلطان على الحديث بمسكنة……..

“اي رأيك في الكلام ده ياسي سلطان…..بذمتك

يبان عليا سن……..”

انتابه شعور شيطاني في اغاظتها فرد على

آمال باسلوب لبق سافر يتناقض مع أسلوبه

الفظ الذي يمطرها به دوماً…….

“الشهادة لله لا…… من يومك وانتي زي القمر….”

“والله………” رفعت داليدا حاجباها توزع نظرة

الاتهام عليهما بالتساوي……

ضحكت آمال بذهول….

“اي ده معقول……. انتي بتغيري………”

بنفس الضحكة والاسلوب المماثل اجابة

داليدا…..

“تصوري طلعت بغير على جوزي…….”

استلمت حنان والدته دفة الحوار فقالت

برفق…..

“داليدا بتهزر يا امال مانتي عرفاها…”ثم وجهت

الحديث كذلك لداليدا……

” وبعدين آمال مش غريبة ياداليدا دا هي

وسلطان متربيين سوا…..زي الأخوات…. ”

اكدت آمال على حديثها بلؤم وهي تنظر الى

داليدا…….

“آه اخوات…. لحد دلوقتي بس اخوات……”

لم يغلبها أحد في قصف الجبهات يوماً

لذلك كان ردها عليها قاطعاً……..

“وهتفضلوا اخوات بس اطمني…..”

ضحكت آمال بغل مكتوم وهي توجه حديثها

لسلطان كنظراتها……

“دمها خفيف اوي ياسلطان….. ماشاءالله عليها..”

أكد سلطان بابتسامة مبتذلة……

“من يومها دمها……. سُكر…….اهدى ياسُكر مش كده…….”همس باخر جملة بالقرب من اذنيها…

فالقت داليدا عليه نظرة نارية وهي تلكمه بغضب

في كتفه بقبضة يدها الصغيرة…….فبرق سلطان

بعيناه يحذرها إلا تتمادى عليه امام الناس فستكون العواقب وخيمة عندما ينفرد بها…….

بينما على الجهة الاخرى وجهة آمال حديثها

وكذلك نظراتها نحو حنان التي كان ظاهراً

عليها التعب والجهد…….

“انا أول ماعرفت انك تعبانه وان الدكتور لسه ماشي من عندك مكدبتش خبر وجيت  علطول… الف سلامه عليكي يام أميرة……..خدي بالك من نفسك ياحبيبتي

وبلاش تتعبي نفسك…. وانا باذن الله هجيلك كل يوم اطمن عليكي وشوفك لو محتاجة حاجة…..”

تدخلت داليدا ترد بفظاظة مكتومة…..

“بلاش تتعبي نفسك ياخالتي…..انا موجوده معاها..

وهعملها كل اللي هي عيزاه…. مش عايزين نتعبك..”

بلعت امال هذا القب السخيف ثم ادعت الاهتمام وهي تنظر نحو سلطان بلؤم…..

“معلش ياحبيبتي بس اصل ام اميره غالية عليا اوي

قولها ياسي سلطان……. انا بعزكم كلكم قد إيه….”

أكد سلطان على حديثها وهو ينظر الى

داليدا……

“ام دنيا….. طيبه وقلبها كبير يساع من الحبيب

ألف……..”

صكت داليدا على اسنانه مبتسمة

بعصبية…..

“ياسُكر….وانت عرفت منين بقا ان قلبها كبير…..”

تنحنح سلطان وهو يبتلع الضحكة المتسلية بصعوبة…ثم وجه الحديث لامال وهو ينظر الى أكياس الفاكهة التي دخلت بها……

“احم….. بس ليه تعبه نفسك وشيله ومحملة…

هو احنا غرب……..”

ابتسمت آمال وهي تشير الى الاكياس بتملق

اشمئزة منه داليدا…….

“دي شوية حاجات بسيطه…. كام نوع فاكهة….ووانا بشتري الفاكهة لقيت عند الفكهاني خوخ……افتكرت

انك بتحبه فقولت اجيبلك معايا……..”

تدخلت داليدا في الحوار مردده وهي ترمقه

شزراً…. “خوخ…….. دا من امتى………”

أكد لعيناها المشتعلة بتسلية تلمع في عيناه

الماكرة….

“من زمان بحبه والله….. تسلم ايدك يام دنيا… بس

انا لسه واكل منه امبارح…….”

قالت آمال باهتمام مبالغ فيه……

“تاكل تاني ياخويا بالف هنا……. خدي ونبي ياداليدا

اغسليلوا منه وحطيهم قدامه…….”

مطت داليدا شفتيها…..

“مش وقته….. دا معاد غدى……..”

قالت والدته بمودة…..

“لازم تتغدي معانا يا امال……”

امتنعت آمال وهي تتبرم بحزناً دفين……

“كان بودي والله يا ام أميرة بس البت بنتي سيباها عند جارتي من الصبح…….. هروح اخدها واروح اكمل

اليوم عند اختي…… مانتي عارفة من يوم ما اطلقت وانا وحيدة في شقتي…… مليش حد يطل عليا…..”

قالت داليدا ببرود وبشفاة مقلوبة……

“طب ما تتجوزي بدل الوحدة اللي قتلاكي دي..”

“لسه ملقتش الراجل اللي يملى عنيا…..”قالتها

آمال وهي تنظر الى سلطان تلمح بخبثٍ……..

“عيزاه كده طول بعرض هيبة…..عضلات ماشيه على الأرض….. ابقى وانا جمبه كده حسى بالامان وراحة

يبقا ميتخيرش عن سي سلطان كده………”

فارة الدماء في عروقها أكثر…تلك المراة تستفزها بكل معنى الكلمة….الوقحة  تتغزل في زوجها امامها ببجاحة وكانه حق مشروع ؟!…..لولا ذرة العقل المتبقية  داخلها لكانت نهضت وجذبتها من شعرها لخارج البيت…….ورغم كل تلك المشاعر  الهائجة

قالت ببرود مدعية الحسرة…….

“سي سلطان…..خسارة…. انتي كده هدوري كتير

اوي على ما تلاقي زي سي سلطان……”ثم عادت

بنظراتها النارية إليه……..

“ولا إيه ياسي سلطان ؟!…….”

ابتسم سلطان وهو يشيح بوجهه عنها ناظراً

الى آمال…….

“كلها هتيجي بتسهيل ربنا…..بس نتكا على الصبر…”

“ادينا صابرين……… ام نشوف……..” قالتها امال بتنهيدة حارة وهي تنهض عن مكانها قائلة…..

“طب فوتكم بعافية بقااا……”

قالت حنان بصوت متعب….

“يابنتي قعدي اتغدي معانا……”

“مرة تانيه يأم أميرة…. الف سلامة عليكي ياحبيبتي…..”مالت عليها لتقبلها….ثم

استقامت بعدها تأكد على زيارتها

القادمة……..

” هبقا اعدي عليكي تاني…….. أطمن… ”

ثم حانت منها نظرة على سلطان وهي

تبتعد…….

“سلام ياسي سلطان……”

ثم تجاهلت تماما داليدا عن عمد….فهم سلطان ناهضاً

من مكانه وهو يقترح ان يصطحبها حتى باب الشقة ذوقياً منه………

لكن داليدا نهضت خلفه وهي تقول بإبتسامة باردة……

“خليكي انت ياحبيبي….انا هوصلها بنفسي…..”

ثم نظرة الى امال الحانقة بعد تصريحها….مما

جعل داليدا تبتسم بتشفي……

“اصلك غاليه عليا اوي ياخالتي ام دنيا…تعالي تعالي……..”

اصطحبتها للخارج حتى باب الشقة…..فضحكت حنان

على تلك الشقية الماكرة…….فرغم صغر سنها والفرق الشاسع بينها وبين ابنها الا انها متأكده ان داليدا ستسعد ابنها وتحافظ على بيتها…….

فكيف تغفل عن حب ابنها لداليدا منذ ان كانت

ترقص وتتمايل في خطبته السابقة……

يومها نهض من جوار خطيبته وسحب ذراع داليدا

جانباً وظل يعنفها بالكلمات حتى سكنت ورضخت لأمره وتنحت جانباً تشاهد استعرض الفتيات بصمت

والتي كان من ضمنهن( جنة) ابنة اخته والتي لم يعترض أبداً على رقصها وصخبها وسط اصدقائها

كما فعل مع داليدا……

أسبلت حنان اهدابها مبتسمة وفي خاطرها تدعي لهما بقلب أم بأن تكون حياتهما مليئة بالرضا

وتدوم عليهما بسعادة الحب فما أجمل منها

سعادة….

ظل سلطان واقف مكانه غير مدرك بعد انه تأثر

كلياً……بكلمة فاترة خرجت من بين شفتي

غاضبة…..

حبيبي ؟!……

ولواقع الكلمة اثر جميل يستشعره فقط الظمأن

الى الهوى مثله تماماً………

………………………………………………………………

مر أسبوع عليها ولم ترى طيفه في اي مكان حولها…

يمر كل يوماً في العاشرة صباحاً بجوار المطعم بسيارته الفارهة ولا تراه ولا حتى من خلال

النافذة السوداء……….

أصبح قلبها يحترق كلما مر يوماً دون رؤياه…….

لا تفكر باي شيءٍ سواه منذ اخر اتصال بينهما

والذي لم يكرره أبداً….. حتى كبريائها منعها من

اعادة الإتصال به……..

الأمر خارج عن السيطرة هي من اختارت هذا

الوضع عليها ان تتحمل وكانه لم يكن…….

لم يكن ؟!!…..

كيف تقنع هذا القلب الملتاع شوقاً بان عاصم

الصاوي لم يكن…… كيف لم يكن وعقلها

مشغول به وخفقات قلبها تنتمي اليه…….

“شهد…… شهد انتي مش سمعاني…..”

رفعت شهد عينيها على خلود التي كانت تقف

جوارها تنظر اليها بحيرة عاقدة الحاجبين……

“بتقولي حاجة ياخلود؟…….”

لوحت خلود بيدها بتعجب…….

“بقول حاجة ياخلود ؟!!…. دا انا بقالي ساعة بكلمك… مالك…….”

هزت شهد رأسها بملامح

باهته….

“مفيش….. مفيش حاجة……”

جلست خلود امامها مستفسرة…..

“ازاي مفيش حاجة… بقالك أسبوع مش مظبوطه..

هو عاصم مجاش اتقدملك زي ما قولتيلي…..”

نفت شهد هاربة من عيناها……

“لا لسه…… لسه شوية….. كنتي عايزه إيه…..”

مطت خلود شفتيها قائلة……

“محتاجين كذا حاجة كده من السوبر ماركت…هبعت

حد من البنات يجبها………”

اومات شهد وهي تنهض من

مكانها…….

“تمام استني هجبلك الفلوس………”

“الله….. دا انا باجي على سيرتها بقا…….”هتف مرعي

بهذه الجملة وهو يدخل من باب المطعم بهيئةٍ غير

محببة للنفس…….حيثُ كانت نظراته كريهة ووقحة

وقسمات وجهه تحمل طابع همجياً خطر….ام ذراعه المكشوفة كثرة الوشوم بها كالندوب المعبرة عن حروبة الغير شريفة مع الغير…….

جزت شهد على اسنانها وهي تقترب منه بملامح

غير مرحبة بالمرة………..

“نعم عايز إيه…….”

رفع مرعي حاجبٍ متوجساً……

“لي الوش الخشب دا بس ياست البنات…..”

تدخلت خلود تقف جوار شهد قائلة بضيق

مكتوم….

“اخلص يامرعي عايز اي دا مكان اكل عيش

ومش ناقصين واقف حال……”

ابتسم مرعي هازئا ثم غمز بلؤم…….

“مش ناقصين….انتي بتبعدي العين عنك ولا

اي ياخوخه…. دا بصلى على النبي المطعم

شغال وزباين داخله وزباين طالعه……ودنيا

ماشيه معاكوا حلاوة……..”

صاحت شهد ملوحة له بنفاذ صبر……

“وانت مالك وعايز إيه أصلا…..انت مش بتاخد اللي انت عايزة كل أسبوع…..عايز اي تاني…….”

حك مرعي يديه ببعضها مبتسماً بطمع

وهو يقول….

“والله انتي وذوقك بقا….اصلي بصراحة شرقان..

ومش معايا فلوس لا انا ولا رجلتي…….”

رفعت شهد راسها اليه بحنق شديد……

“طب وانا مالي…..روح دور على شغلانه تاكل من وراها عيش بدل مانت داير تبلطج على الكل….”

اتسعت عينا مرعي قليلاً وهو يلوي شفتيه

محذراً اياها بشرٍ……..

“وليه الغبطه دي بس….انا من راي تدفعي وانتي ساكته…. عشان متخسريش اكل عيشك……..”

قالت شهد بغضب…… “انت بتهددني……..”

أكد على حديثها يتوعد لها بشرٍ…

“حاجة زي كده……بلاش تتعوجي عليا ياست البنات

عشان انا قرصتي والقبر………ما تقوللها حاجة ياخلوووود……..”

خشت منه خلود لذا ربتت على كتف شهد

تهدأها….”خلاص ياشهد……..ا.. ”

نفضت شهد يد خلود بغضب وقاطعتها

بصرامة…….

“لا مش خلاص……..مش خلاص……..”

ثم رمقته بشزراً متابعة بتجهم…….

“انا مش هديك فلوس تاني ولي عندك اعمله…فلوس

تاني مفيش…..وبيني وبينك بقا الحكومة…هي تعرف

تاخدلي حقي منك………”

رفع مرعي حاجباه بأقصى درجة بابتسامة

مستهينةٍ بها ثم سار خطوتين في صالة

المطعم يخبرها بتهديد صريح…….

“الحكومه…..دا انتي قلبك جمد اوي………ماشي

وانا معاكي…..تحبي بقا اقلبلك المكان دا على اللي فيه دلوقتي….عشان تبقا قضية كاملة من كله……..”

اغضمت شهد عينيها بقوة ثم فتحتهما وفي لحظة أقل من الثانية دخلت المطبخ وخرجت بسكيناً بين

يدها وقبل ان يلمس مرعي مقعداً كانت تشهر

السكين في وجهه دون سابق انذار…..

صرخة خلود بخوف…….”شهد……..”

لم تلتفت لها شهد بل هزت السكين امام وجه

مرعي بتهديد صارخة فيه بصرامة…….

“اطلع برا…….ياما اقسم بالله افتح كرشك دلوقتي…

واخليها قضية بحق وحقيقي…….اطلع براااا….”

رغم خوف مرعي البادي على وجهه إلا

انه ادعى العكس واستخف بالسكين بين

يدها………

“نزلي السكينة ياشاطرة لحسان تعورك…..”

هزتها شهد مجدداً بملامح متجمدة وعينين مشتعلتين خطيرتين………

“بقولك أطلع براااااااا…………..أطلع برااااااااا…….”

ابتعد مرعي خطوتين للخلف بظهره وبملامح تنبئ

بالشر توعد لها………

“ماشي……….بس مترجعيش تقولي ياريتني…انتي

اللي بدأتي…..والبادي اظلم……….”

خرج من المطعم ينوي اقتناص حقه منها….فالأول

مرة تجرؤ أمرأه على رفع السلاح في وجهه تهدد

بموته…….ستدفع الثمن غالي…….غالي…….

هتفت خلود بهلع…….

“اللي عملتي ده هيهد الدنيا فوق دماغنا وبكرة

تقولي خلود قالت……….”

تمتمت شهد بوجهاً أحمر من شدة الانفعال

وبانفاساً متسرعة….

“يعمل اللي يعملوا….المهم موطيش راسي لواحد

جبان زي ده………..”

غمغمت خلود بوجل…

“ربنا يستر……..انا مش مطمنة……..”

……………………………………………………………..

دخلت من باب المكتب امام عيناه المتربصة لها….

بخطوات مستقيمة تخطو على البساط… بل على

قلبه الذي يهفو اليها الآن كالمراهق الظمأن……

كانت مختلفة اليوم ليس لأنها جميلة… فكل يوماً

هي أجمل من سابقة بل لأنها حزينة….. وجهها رغم

انه طبيعياً إلا انه باهت قليلاً والهلات تحت عينيها تلاحظ من النظرة الأولى……حتى فيروزيتاها عند النظر كسيرتين شاردتين…..

ماذا بعصفورة الكناري الجميلة لم كل هذا الآسى..

اين صوتك المرح والثرثرة التي لا تنتهي….اشبه بزقزقةٍ صباحية مزعجة لكنها مقبولة للطافة

مغردها…….

اين حركاتك العشوائية هنا وهناك وكانك تملكِ

الكون دون قيود كعصفورٍ يحلق فوق الغيوم

يذهب أينما شاء……..

اين ابتسمتكِ ياصاحبة العيون الفيروزية…اين لطفاتكِ واشراقك الصباحِ مع كل ضحكةٍ منكهة

بالحياة تهديها إلي فـبها اتابع عملاً مضنياً ونهاراً

خانقاً……وحياة روتينية باهتة…….

هل سترحلين بعد اسبوعين فقط….لن أسمح لكِ

كيف تفعلي هذا بي……تعلقيني بكِ ثم ترحلِ

بهذه البساطه كالصوص سارقة جزء من قلبي

معك ؟!……..

كيف أهون عليكِ يا فيروزة العينين……عصفورِ الكناري اللطيف…..

عندما وصلت كيان إليه بالقرب منه بخطوةٍ مالت عليه تضع الملف قائلة……

“القضية اللي حضرتك طلبتها…..ولي بصراحة في حاجة فيها مش فهماها وعايزة اخد رأي حضرتك

فيها……..”

نزع سليم عيناه عنها بالإكراه عائداً الى صفحات الملف الذي صدقاً بقربها منه نسى أبجدية القراءة

فعلاً !!……

اغمض عيناه لثانيةٍ ثم سحب اكبر قدر من عطرها المميز…….الناعم كالياسمين……يذكره بأمه !!….

فهي كانت عاشقة لكل شيء مندمج بالياسمين

وهو مثلها !……

مالت كيان عليه تشير باصبعها المكتنز قليلاً شديد البياض على سطور عجزة عن فك شفرتها لذا تستشيرها بها وهي في حيرةٍ شديدة…….

وهو أيضاً في حيرة أشد عندما لمس وجهه شعيرات

بندقية اللون ناعمة الملمس عفوية القاء….. تسير على وجهه براحةٍ فيشم هو هذا البندق مكتشف عطره الزكي………

“ها يا استاذ سليم تتحل إزاي دي…….”

في ميلها الرقيق المفتقر لأي اغواء من اي نوعاً

مالت بوجهها نحوه فوجدته ينظر إليها بغرابة

اقرب للجمود وكانه عاد للتو من رحلة سافرة

أخذت منه الكثير…..وعاد فارغ الأيدي…….

“مش عارف…….”

نطقها وهو يبحر بين امواج عينيها الحزينة

الكسيرة……..

“امال مين اللي يعرف………دا انا قولت عندك الحل……”

ليس لدي الحل صدقيني فانا حتى هذه اللحظة

متخبط المشاعر مابين أمرأه أحبها بشدة وامرأة

اخرى منجذب لها بقوة تفوق الوصف !!…….

فأين الحل بين الحب والانجذاب……كيف اوفق

بين مشاعر تنتمي لأمرأتين ؟!……

“مالك يا استاذ سليم انت تعبان…. شكلك مش معايا…….”

افاق من شرده ناظراً الى عيناها ثم القى السؤال

في مرماها…….

“انتي إللي شكلك متغير عن إمبارح في حاجة حصلت معاكي…….”

ابتعدت عنه جالسة في المقعد المقابل له يفصلهما

المكتب الفخم……….

“عادي مشاكل في البيت….. متعودة على كده….”

تشنج فكه وهو يسالها…… “والدك……….”

تلونت شفتيها في ابتسامة

مضنية….

“اها…. والدي…. عثمان الدسوقي……….”

سالها بهدوء وكانهما يتبادلا اسرار حياتهما الشخصية منذ زمن………. “اي اللي حصل……..”

انعقد حاجبي كيان متمتمة…..

“ليه عايز تصدع نفسك بمشاكلي التافهة…..”

قال بنبرة حارة فضولية……

“اعتبريني صديق…… واحكيلي…. يمكن تلاقي

عندي الحل……..”

ابتسمت كيان ساخرة…….

“كنت حليت القضية اللي كلت دماغي دي…..”

تغضنت زاوية عيناه ليقول….

“بعدين ياكيان…… خلينا في المهم……”

ادعت الغباء…… “اللي هو…….”

“كيااان……” ناداها بحزمٍ حتى تريح قلبه المشغول

عليها……..فلم تتجاوب مع نظراته بل قالت……

“صحيح فاضل اسبوعين على وجودي هنا.. لقيت

حد يشيل الشغل مكاني…….”لم يرد سليم بل ظل ينظر اليها بملامح متصلبة….

“حاول تلحق…… الوقت بيجري…… وانا متفقه مع الاستاذ خليل اني هستلم الشغل في مكتبه أول الشهر الجاي……..”

سالها بلهجة غريبة… “يعني مصممه انك تمشي…….”

اكدت بإبتسامة جذل…..

“ايوا…… انا مش برجع في كلامي أبداً……”

أومأ براسه دون تعقيب وهو يفتح ملف القضية

ويفحصها بعيناه اما عقله وقلبه معها رغماً

عنه…….

“هو المستشار عامل إيه……..”

اتى سؤالها المتردد يطرب مسامعه فرفع عيناه عليها

مستفهماً بحاجبين معقودين……

فتابعت كيان ببسمة حياء……

“انا حبيتو اوي من أول يوم شوفته فيه…… هو كويس……..”

رد سليم بهدوء يرفع عنها الحرج…….

“الحمدلله بخير…….”

قالت كيان بابتسامة باهتة المعاني…..

“انت محظوظ اوي بيه يااستاذ سليم…..حقيقي

المستشار مصطفى اب بمعنى الكلمه…….”

أكد هو بإبتسامة مشعة بالحب والفخر لهذا الاب الرائع……..

“عارف…… على فكرة هو كمان بيسأل عنك أحيانا

وبيوصيني عليكي……..”

فغرت شفتيها بسعادة…… “بجد…….”

اكد مردداً…. “بجد……”

عضت على باطن شفتيها قليلاً ثم قالت….

“هو هيبقا طلب سخيف مني لو قولتلك اني عايزه ازور المستشار من تاني……..”

بابتسمة حانية كوالده تماماً عندما أستقبلها

أول مرة أجاب……..

“بيتنا مفتوح في اي وقت تعالي……هو كمان هيفرح

اوي بزيارتك ليه……..”

“شكراً……..”تألقت ابتسامتها بامتنان موجع للقلب

بينما فيروزيتاها تحتبس الدموع بأعجوبة….

فلم يغفل سليم عن تلك التغيرات كما لم يغفل عن حزنها ومزال هناك رغبة شديدة ملحة في معرفة

السبب…..لذا سألها مجدداً بلهجة رغم الهدوء

راجية………

“برضو مش هتقوليلي مالك…….”

“مشاكل في البيت…….” لم تمنع نفسها من

الاعتراف….لذا سالها هو بصبرٍ…….

“بسبب؟…….”

بعفوية مريرة افصحت عن الأمر……

“بابا عايز يغصب اختي على الجواز… فلما اعترضت

البيت ولع وكلنا مسكنا في بعض…….”

ارتفع حاجبي سليم بدهشة متشدقاً…..

“معقولة…….. يعني طالما أختك مش موافقة على العريس لي والدك يغصب عليها……”

قالت دون مواربة……..

“هو عايز يجوزنا على مزاجه للي يشاور عليه… من

غير ما نعترض…….”

عبس وجهه مستهجناً……

“وهو في حد لسه بيتجوز بالطريقة دي…..”

اجابت كيان بصوتٍ لا معالم له……

“أكيد مفيش……. بس كل بيت وليه قوانين… بتمشي على الكبير قبل الصغير……”

ضاقت عينا سليم ولم يمنع نفسه من السؤال…

“معنى كلامك انك ممكن تتجوزي غصب عنك

في يوم من الأيام……….”

“احتمال كبير……..”اكدت دون النظر اليه

ومن الأفضل انها لم ترى وجهه وهو يشحب

حتى قارب على الون الرمادي من مجرد تخيل

زواجها من أخر قسرا او حتى برضاها الأمر

يزعجه…. يؤلمه……. يشعله……

تابعت كيان بحاجب معقود بالألم وعينين

منكسرة وهي تنظر الى سطح المكتب باهتمام

شديد…….

“احتمال كبير انتحر….. قبل ما اسلم نفسي لراجل

مش مقتنعة بيه……..”

شعر بمخالب حادة مدببة نشبت في صدره

فجاءة وهو يقول……..

“افتكرتك هتقولي مش بحبه…….”

نظرت له كيان بمشاعر متبلده…..

“الحب اخر حاجة ممكن أفكر فيها…..”

“ليه……..” سالها باهتمام…….

فاجابت هي بمعادلة بسيطة……

“لانه مؤذي….. الحب بيأذي الشخص الضعيف…”

لم يعقب سليم فتابعت كيان بنفس المشاعر

المتبلدة………

“في كل قصص الحب هتلاقي شخص ضعيف قصاده شخص قوي…… الضعيف هو اللي بيتحمل بيكمل وبيصبر والقوي هو اللي بيقسى وبيعاند وبيقهر….

الحب مش بينصف…..الحب بيأذينا وبيكسرنا….. ”

قال سليم بخفوت دون ان تحيد عيناه

عنها……..

“لو كان الحب بالواحشا دي….مكنش ربنا زرعه في قلوبنا……..”

بايماءة بسيطه اكدت على كلامه بواقعية

شديدة……..

“صح بس البشر غيرو مفهوم الحب والحياة فبقت

كل حاجة يأما مؤذية بالمعنى الحرفي للاذى سواء

جسدياً او نفسياً……. ياما fake….”

ردد الكلمة مبتسماً بدهشة…”fake؟!!…””

بهزة بسيطه من راسها اضافت موضحة…

“تعاملتنا مع بعض… حبنا…. كلمنا…. نظراتنا…حتى تصرفتنا كل حاجة بقت fake يااستاذ سليم…

مش حقيقي……”

أطرق سليم بقلمه وهو يبتسم بتسلية مستمتع

بالحوار معها جداً……..

“مفهومك عن الحياة خطر على البشرية……”

نفت كيان قائلة بجدية……

“انا واقعية……..رغم اني بحب الهزار والضحك وواخده الحياة تخبيط الا اني واقعية وصريحة

جداً في تصريحاتي مع نفسي ومع غيري…

وهذا ما يسمى بالواقعية…….اللي للأسف

مفقوده عندك وعند ناس كتير…..”

قال سليم بفتور…….

“انا كمان واقعي بس مش لدرجة التشأم…….”

قالت بتحذلق مختصرة……

“التشأم بحد ذاته واقع ملموس يحدث بعد

ان نستشعر حدوثه…….”

اعجب بالجملة فقاده الفضول سائلاً…..

“عظيم… واي هي اكتر حاجة كنتي متشائمه منها وحصلت……..”

اندمجت اكثر بالحديث وهي تقول

بحزن….

“حاجات كتير………حسيت بيها وكنت متشائمه منها

وحصلت…..قبل ما ماما تموت بشهر كنت حسى انها خلاص هتبعد وتسبني……..فترة الثانوية والنتيجة

كان نفسي التنسيق يبقى في اي كلية غير حقوق

دخلت حقوق……”شردت اكثر وهي تتابع بندم

حقيقي……

“حتى نائل كان نفسي نفضل صحاب بس والموضوع

ميقلبش لحاجة اكبر من كده بينا لكن….قلب وحبني

هتف سليم بلهجةٍ خطرة…….

“حبك……..”

رفعت كيان وجهها مشدوهة من غباء

تصريحها…فسالها سليم بنظرات اشد

خطورة من اللهجة التي يتحدث بها..

“وانتي بتحبيه………”

نهضت عن مقعدها تقول بنبرة متعثرة

الاحرف….

“استاذ سليم احنا نسينا الشغل ونسينا نفسنا…انا هروح على مكتبي………عن اذنك… ”

فرت هاربة امام عيناه المشتعلة مريعة

النظرات كالتصريح الذي ليس له داعي

من قوله الآن…….غمغمت وهي تصل لمكتبها

لتلقي نفسها على المقعد بعنف مغمغمة من بين اسنانها المطبقة عليهم بانفعالاً…..

“اي اللي انا هببتو ده……..ليه وانا معاه بقول اي حاجة تخطر على بالي……..ليه مش حريصة في

معاملتي وكلامي معاه ليه….. ليه ؟!…….”

…………………………………………………………….

بعد بضعة ساعات دخلت الى المكتب من جديد تحمل صنية عليها قدح من القهوة….. تقدمت بخطوات شبه متعثرة وهي تحاول إلا تنظر

إليه…. وضعت قدح القهوة أمامه ثم الماء

ثم رفعت عينيها لثانية اليه تقول

بتهذيب….

“تحب اجبلك حاجة تاني يا استاذ…..”

لم تكن عيناه عليها منذ دخولها أساسا وهذا ما صدمها قليلاً ظنت انه مزال غاضباً…….لكن يبدو

انه نسى ماحدث وتجاهلها وهذا واضح وهو

يملي عليها تعلمياته……

“أجلي اي مواعيد بكره…..انا هقابل كام وكيل

وهمشي بدري……….”

سالته كيان في وقفتها المستقيمة….

“تمام اللي تشوفه……..بس خير يعني….أمورك

تمام….. “لم تمنع نفسها من الاطمئنان عليه

لذا رد هو بالامبالاة دون النظر إليها…..

“بكرة انا وايتن هنعمل بروڤل على البدلة

والفستان بتوع فرحنا………”

سقط قلبها مهشماً فألمها…..فقالت بغصة

مختنقة…….

” خلاص حددتوا الفرح……..”

اكد دون النظر لعينيها…. “آه آخر الشهر ده……..”

بلعت الغصة المسننة…..

“طبعتوا الكروت…….كروت الفرح……..”

رد وهو يترك القلم……… “قريب……..”

اغتصبت البسمة وهي تهنئة……

“مبروك يا أستاذ….أوعى تنسى تعزمني…….”

رفع عيناه عليها وها هو يواجه الوجع بوجعٍ

أكبر……….فرد بصوتٍ غريب……

“اول واحدة ياكيان…..انتي أول واحده……”

اهتزت الابتسامة على ثغرها بل ترددت

في صدرها بسخرية مريرة وهي تقول……

“دا العشم برضو…….تحب أعملك حاجة تانية

قبل ما أروح اكمل شغلي……..”

هز رأسه بنفي……فاولاته ظهرها سريعاً تجر ساقيها جراً عن الأرض….حتى ناداها هو سريعاً بصوتٍ متردد…….

“كيان……”

استدارت كيان اليه ووقفت أمامه بصمت منتظرة….

فبلع سليم ريقه بحرج وهو يرمقها بتمعن من أول

جواربها السوداء الشفافة الى التنورة السوداء التي

تصل لبعد الركبة بقليل والتي يعلوها سترة مماثلة أنيقة اسفلها قميص حريري  أبيض….ثم جرت عيناه على ملامحها المشعة بالجمال دون ألواناً تحجب  الرؤية……..حتى شعرها البندقي اللون جُمع على شكل ذيل حصان خلف ظهرها يتأرجح  بدلالٍ………

كانت جميلة….. حقاً جميلة……انها أحد حوريات

البحر……سكنت الأرض ليحظا بها…..شخصٍ

رائع مثلها تماماً……..

ربما نائل….الذي اعترفت قبل ساعات انه مغرم

بها…….وهي لا تبالي ؟!!……

لن يلومه فمن الأحمق الذي تقع عيناه على تلك العيون الفيروزية البراقة ولا يكن أسير

الهوى…..

جميعاً يا نائل…..جميعاً أسرَى للهوى….وعذاب

الهوى………..

جلى صوته أخيراً وهو يقول……

“هي حاجة ممكن تكون قلة ذوق مني…بس انا مش قادر امنع نفسي عنها……”

رجعت خطوتين جافلة…….. “اي دي…….”

تحشرج صوته قليلاً وهو يتابع….فهو على دراية

انه يتمادى معها أكثر من الازم….

“هدومك…..خدي بالك من طريقة لبسك اكتر من كده……يعني شغلك في المكتب والمحكمة بيخليكي تقبلي ناس اكتر وتتعاملي معاهم…..وطبعاً الحشمه

مطلوبة طول الوقت……..”

نظرت كيان للزي بتعجب ثم لعينا

سليم قائلة……

“بس انا مش بلبس قصير ولا ضيق…….”

قال سليم بنظرة ضارية…….

“لا ضيق يا كيان….ضيق…….خدي بالك اكتر من كده……دي نصيحة من حد أكبر منك وفاهم عنك….”

انفعل قليلاً دون ان يطلع عن السبب الحقيقي

خلف هذا الانفعال كل ما يشعر به….نيران

تتوهج داخله تتغذى عليه بالبطيء….كلما

تصور ان هناك أشخاص غيره ستنظر

الى جسدها بشهوانية بسبب هذا

الزي الضيق…..

بصوتٍ كالجليد المسنن قالت كيان……..

“جربت تنصح الانسة أيتن نفس النصيحة دي وهي

مشيرا صورتها بالبكيني………”

رمش سليم بعيناه فجأه جافلاً فقد اصابت

الهدف ببساطه ونالت منه نيلاً عظيماً….ومع

ذلك كانت اشد ضراوة وهي تتابع……….

“طب دخلت على الكومنتس شوفت كام راجل

اتغزل في جمالها……….”

صاح منفعلاً عليها بقوة……. “كياااااااان…….”

لم تهتز من مكانها حتى بل اضافت بلهجة

شديدة التحذير………..

“ألزم حدودك يا أستاذ سليم….. مش انت اللي هتحدد البس إيه واقلع إيه….. كل اللي فضلي

هنا اسبوعين وهقدم استقالتي قبلتها او

لا…….. مش فرقه كتير…….”

“عن إذنك…..عندي شغل…….”وقبل ان تتحرك

من مكانها اضافت بهدوء عكس اشتعال عينيها

بالغضب…

“وطبعاً لو عوزت اي حاجة داخل أطار الشغل انا موجودة……..عن إذنك………”

خرجت من المكتب وتركت خلفها رجلاً يشتعل

بنيران مستعارة كبرياؤه محطم اسفل قدميه..

وقد نال درسٍ قاسي من فتاة حجمها أقل منه

بمرتين وتصغره بسنواتٍ عدة…وتتدرب على يداه……يالا السخرية فقط ببضعة كلمات واقعية قلبت كيانه وشتت أفكاره……

(جربت تنصح الانسة أيتن نفس النصيحة دي وهي

مشيرا صورتها بالبكيني………طب دخلت على الكومنتس شوفت كام راجل اتغزل في جمالها…….)

هل هو أعمى…..ام ان الحب الأعمى بداخله جعل

منه شبه رجل يتغاضى عن اشياءاً لا تغتفر ، لأجل الإستمرارية في زيجة نسبة نجاحها ضئيلة

كصلاحية حبها تماما ؟!….

…………………………………………………………..

أصبحت تدرك جيداً انها تكن له مشاعر تبغضها

كما تبغض تسلطه….والانانية التي يحيا بها…

كيف لرجلا محترم متعلم نشأ في بيئة نظيفة وتربى

بين واللدان سوياً فكراً ومضموناً وقلباً……..ان يكون

بكل هذه الانانية………يريد امرأتين في حياته…

حقيقية ملموسة منذ فترةٍ طويلة تحاول ان تتوارى عن عيناها لكنها مكشوفة….لذلك اتخذت قرارها

بالفرار….العمل في مكاناً اخر افضل من السقوط

في الهاوية دون رجعة…….

“اي يابنتي روحتي فين…….”

فاقت من شرودها على صوت صديقتها يارا.. والتي ترافقها للدخول الى النادي  التي تاتي اليه بصحبة اصدقائها…. فهي للأسف لا تمتلك عضوية في

نادي فخم لا يتردد عليه الا صفوة المجتمع واولادهم…….

فـيارا فتاة مستواها أفضل بكثير منها هي وبعض الاصدقاء المقربين منهم والذين يحملون عضوية

هذا النادي وتاتي برفقتهم……..

“ولا حاجة يايارا…… مخنوقة…….”

تأبطت يارا ذراع كيان ومالت عليها

بمشاكسة….

“ماعشان مخنوقه جينا هنا… مالك ياكوكي…. حالك

مش عجبني…. اوعي تكوني بتحبي جديد…..”

مطت كيان شفتيها بمرارة……

“ولا قديم…. انتي عارفه رأيي في المواضيع دي…”

همهمت يارا تزم شفتيها باستسلام……

“مم…. ماشي اي رأيك نروح نشرب حاجة في الكافيه………”

تنهدت كيان بتعب……

” ياريت…….لحسان انا عطشانه أ…….”توقفت الكلمة في حلقها عندما خبطت بحاجز صلب…فرفعت عيناها

عليه بحنق شديد…….

“مش تحاسب انت إيه أعمى…..”

رفع الشاب نظارته السوداء اعلى رأسه معتذراً

برقة…….

“سوري جداً مخدتش بالي………”

رمشت كيان عدت مرات بعد ان نشط ذهنة سريعاً

وتذكرت ان هذا الاصطدام الثاني بينهما………

“هو انت…….”

ابتسم شادي بزهوٍ….. “معقول لسه فكراني…….”

لم ترد كيان بل تغضنت زوية عيناها بقرف…..

فمد هو يده لها معرفاً عن نفسه…..

“هاي انا شادي…. ابن خالة ايتن خطيبة استاذك…”

لم تضع يدها في يده الممدودة بل تظاهرت بالاشارة عليها وعلى صديقتها كتعريفاً……

“اهلاً وسهلاً تشرفنا…. انا كيان ودي صاحبتي يارا..”

“آه أهلاً يارا…..” قالها شادي وهو يوجه كفه المفرود

لصديقتها والتي بادلته السلام بابتسامة فاترة….

وعندئذٍ قالت كيان معتذرة وهي تخطو خطوةٍ للرحيل….. “تشرفنا يا استاذ شادي… عن أذنك…….”

اوقفها شادي وهو يختلق الأحاديث….

“استني ياكيان….. انتي عضوة معانا هنا في النادي.. أصلي أول مرة أشوفك……”

قالت كيان بنفي…….

“لا مش عضوة…… انا ساعات باجي مع صحابي

ومن ضمنهم يارا…… لي في حاجة……”

ارتبك شادي قليلاً امام نظراتها الحازمة لذا

قال بهدوء……

“يعني حابب اعزمك علي الغدى في مطعم هنا

في النادي يجنن……اهوه نتغدى ونتكلم شوية

سوا….. ”

احتدت نظرات كيان كحديثها…..

“نتكلم في إيه…. وبمناسبة إيه تعزمني على

الغدى…..”

تلبك شادي لوهلة من رفضها الغير متوقع…

فالأ احد يرفض عزيمةٍ منه…بل ان عرض

هذه العزيمة على اي فتاةٍ من محيطة

لكانت قفزت من شدة الفرح…….

ادعى اهمية الموضوع…..

“في حاجة مهمة جداً عايز احكيلك عنها……”

عقدت كيان ساعديها امام صدرها قائلة

بصرامة…..

“اتفضل احكي………انا سمعاك……”

نظر شادي لها قليلاً ثم لصديقتها التي توزع

النظرات عليهما كذلك لكن بحرج وتعجب….

فرفض شادي بصلف…..

“مش هينفع هنا ولا حتى دلوقتي لاني عندي

ميتنج مهم …….اكيد هقابلك تاني طالما بتيجي

هنا مع صحابك…..باي…….”

مطت كيان شفتيها بقرف بعد ان رحل

ثم تمتمت……

“وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته…..”

ضحكت يارا فجأه بقوة على نظرة صديقتها

وردة فعلها…… “انتي بتقولي إيه……”

قالت كيان بزفرة استياء…….

“النبي عربي…..مش ناقصة عوجت لسان……..”

ربتت يارا على كتفها قائلة…..

“طب خدي بالك بقا من نفسك… شكله عايز يوقعك……بيشقطك بالبلدي كده…. ”

اكدت كيان مستهجنة….

“واخده بالي حتى الشقط بتاعه قديم أوي… قفلني……..”

عادت يارا تضحك من جديد قائلة….

“والله انتي نكته……..مش قادرة… ”

تنهدت كيان بملل……

“بقولك إيه انا هموت من العطش…….”

رفعت يارا حاجباها قائلة…..

“انتي عندك املاح يابنتي…. كل ماتمشي شوية

تقولي عايزه اشرب……..”

سارت كيان برفقتها وهي تقول بأسى…..

“متفكرنيش يا يارا….. اخر مرة عطشت كده نيلت الدنيا……..”

سالتها يارا بمزاح…… “ليه شربتي خمرة……”

اتسعت عينا كيان بصدمة…. “عرفتي منين ؟!!…..”

“يالهووووي……” صاحت بها يارا بصدمة أكبر

فكمكمت كيان فمها سريعاً بيدها هامسة

بتوجش……

“هشش هتفضحيني……….. تعالي احكيلك واحنا بنشرب مايه….. ماية ها عشان انا عارفه دماغك

هتروح فين دلوقتي……..”

……………………………………………………………..

كيف تكون الحياة عند خصام الأحبة؟……..مضنية هي

بلا مذاق ايامها باردة والليالي حالكه……قلبٍ يحترق

شوقاً وكبرياءاً……مُنهزم هو في الفراق ويدعي الانتصار متأقلمٍ على الوضع…….

ومع مرور الأيام يزداد الحزن ويلتاع الفؤاد صارخاً

بأن الكتمان كسجن المشدد رغم الجوانب المظلمة

به تظل لديك رغبة قوية في العودة خارج الاسوار

من جديد……..

أسبلت اهدابها وهي تفتح أبواب المطعم صباح يوماً

جديد…….لأول مرة تدخل بمفردها……..فقد اتت مبكراً

وستلحق بها خلود والباقية……..

رفعت عسليتاها لتجد الاضاءة مشتعلة رغم انها تاكدت من اغلاقها أمس…….ولم تلبث كثيراً إلا

ووجدت عاصم جالساً على احد المقاعد بعينين

منتظرتين منذ مدة…..عينين شديدتين السواد

حانقتين غير متهاونتين في النظر لها……ووجهٍ

جامد متصلبٍ………

بلعت شهد ريقها وقد ذابت الصدمة من عليها

ولفظت اسمه بنبرة مشدوهة…….

“عاصم……..”

اهتزت حدقتاه قليلاً….باتت ترى تأثيرها عليه من خلال نظرة عيناه إليها……..فدوماً نظرات عيناه

نحوها استثنائية كـنبرة صوته تماماً معها……

(اشتاقت ياعاصم ولا أملك حق البوح….فلا تقسو

رجاءاً……لا تقسو أرجوك… فانا لن اتحملها منك…..)

رأى نظرة الترجي من عيناها فأخفض بصره يبحث

عن صوته بينا ظلام أفكاره……. وغضبه الذي لم

يقل بل يزداد بداخله مسبب فجوة في مشاعره نحوها….

نهض عاصم من مكانه يشرف عليها بطولة الفارع والهيبة المشعة من جسده الضخم الصلب…. كان يرتدي حلة انيقة فخمة تليق به بشدة ويزداد

وسامة بها….. ذقنة الكث غير مهندمة على

غير العادة….عيناه حمراوان قليلاً وكأنه لا

ينام لساعاتٍ كافية بادي عليه الارهاق

والتعب…..

اخرجت نفساً مضطرب…..وقلبها يخفق بوجع

لأجله……..

حالها لم يكن أفضل منه هي أيضا لا تنام جيداً

ومجهده وحزينة تشعر بالضيق بالحزن بالغضب

من أقل شيءٍ يقابلها في يومها وهذا فقط بسبب

انه اختفى عن محيطها لعشرة أيام كانوا بمثابة سنوات مضنية عليها….

بلعت غصة مختنقة وهي تسأله…..

“عامل إيه……”

اغبى عبارة ممكن ان تقال بعد ايامٍ من الخصام…

لذا ابتسم من زاوية واحدة بعصبية مكتومة ورد

بنبرة مظلمة….

“الحمدلله…..كويس أوي……”

اخر كلمتين كانوا بهم سخرية مريرة لذا نقلت الموضوع ببساطه لـ……

“مكنتش اعرف انك معاك نسخة من مفتاح المطعم…..”

رد عاصم بنبرة باردة…..

“طبيعي لاني هحتاجه كتير الفترة الجاية……”

توترت حدقتي شهد…..

“ليه يعني…….مش فاهمة…….”

دارت عيناه على المكان في لمحة خاطفة بينما لسانه يخبرها ببساطه…….

“انا هبيع المطعم….. اخر الشهر ده…..”

يبدو ان الصدمة كانت بمثابة لكمة جعلتها ترتد للخلف بعينين متسعتين قليلاً وبنبرة غير مستوعبة بعد……

“يعني اي تبيعوا….. مش فاهمة….هتبيعوا لمين…”

بصوتٍ قاسي دون النظر لعينيها…..

“لواحد محتاجة…… حاولي تلمي حاجتك دي وتشوفي مكان تاني تفتحي فيه…….”

تكاد تشعر بان اطرافها جمدت مع كلماته القاسية الجامدة مما جعلها تهمس بأسمه بعدم تصديق….

“عاصم انت بتقول إيه…….. امشي أروح فين

دا شغلي واحنا بينا عقد…….”

بنظرة مدققة اخبرها بفظاظة…..

“فسخته….. واي شروط في العقد انا هدفعالك.. خلاص……..”

اشتعلت عينيها من رده فقالت محتدة…

“مش مصدقة بجد…… ليه بتربط الأمور الشخصية بالشغل…. انت كده بتوقف حالي…  وحال الناس اللي شغاله معايا….. قولي ألاقي فين مكان في الوقت القصير  ده…….”

رد بغلاظة….

“مش مشكلتي يا آنسه اتصرفي……..”

فغرت شفتيها قائلة بذهول….

“اي القسوة دي…… معقول اللي بتقوله ده……”

ابتسم عاصم بسخرية……

“ليه مش معقول…. عادي جداً لما الواحد يرجع في كلامه من غير سبب….. دا انتي استاذه في ده…”

قالت شهد بحدة…..

“انت بتردهالي……. بتردهالي في شغلي فأكل عيشي………”

اظلمت عيناه وشعر بكبريائه يزأر…..فقال

بجمود……

“مش محتاج اردها….. ولا بقا الموضوع في

دماغي….. المطعم هيتباع…فبلاش توقفي حالي

بكلام لا بيودي ولا بيجيب….”

هوى قلبها ساقطاً اشلاء وهي تراه مصمم على

خروجها من المطعم بأسرع وقت….فلفظت شهد

بغصة مسننة في حلقها…….

“عاصم شهر قليل اوي…….. أصبر عليا شهرين

اكون شوفت مكان…….”

لم تلين ملامحه امام انكسار امالها وترجي

عينيها الحزينة بل اولاها ظهره قائلاً

بقسوةٍ….

“اخرك الشهر ده يا آنسة…..تفضي المكان

وتمشي…. ”

ذهلت من جمود قلبه والمعاملة التي انقلبت مائة

وثمانون درجة……هل هذا الشخص الفظ القاسي

كان مرجح في المستقبل ان يكون زوجها !!…

أشباه عثمان الدسوقي….لماذا ظنت انه مختلف

وأمن في الحب…….جميعهم مؤذون بأسم الحب

يلوثوا كل شيءٍ جميل بالفطرة……..وفي نهاية

يلقوا اللوم على النساء ؟!……

“استنا……”مسكت ذراعه بقبضتها الصغيرة

المرتجفة بالغضب ثم إدارته اليها بمنتهى العصبية…فنظر لها عاصم بدهشة بعد ان باغتت

بتلك الحركة….. فتابعت هي بصوتٍ جهوري غاضب لأبعد حد بينما وجنتيها وانفها عند الغضب تحولا

للأحمر القان…..

“انا كنت فكراك غيرُه…… بس طلعتوا كلكم عجينة واحده……. لا عندكم رحمة ولا ضمير……ولي يقف

قصادك رغباتكم تدوسوا عليه بأوسخ جزمه

عندكم……”

جفل عاصم بشدة ومزال ينظر لها بصمتٍ

غريب……فتابعت هي بثقة تنتقم منه…..

“انا هسيب المطعم….. وهسيب الشارع كله

وهريحك مني……وزي ما طردتني من مالك

حاول تطردني من قلبك وعقلك لو عرفت….”

سحبها لعنده فاطلقت شاهقة عالية واتسعت عيناها بغضب محاولة الفكاك منه……فهتف عاصم امام عينيها بشراسة……..

“مين قالك انك في قلبي وعقلي……جايبه الثقة

دي كلها منين……..”

اغمضت عينيها بخوف….شاعره بأنه سينطق الان شيء مهين في لحظة غضب عن اعاقتها لذا

قالت لنفسها بهمساً وصل لمسامعه ببساطه……..

“اوعي تهني…..حتى لو اللي قولتلوا مش حقيقي

اوعى تهني……….”

همسها الكسير وخز قلبه بشدة فتألم بصمت….عندما انتبه الى ما تعنيه…..شيءٍ لم يمر حتى امام عيناه

الغاضبه….

غبية……والاعاقة الحقيقية ليست في اذنها بل في عقلها…..وقلبها الفولاذي……….

“مش انا اللي أعمل كده……” لفظها بضيق وهو يتركها بحنق شديد…….

ففتحت عينيها واخذت انفاسها بصعوبة وهي

تقول بسخرية سوداء……..

“صح مش انت اللي تعمل كده…. انت بس

بتطرد…….. مش كده…….”

لم يرد بل ظل ينظر اليها طويلاً ولمحاتٍ من الغضب

بارزة على وجهه الحجري……

فصرحت شهد بصعوبة…..

“انا همشي……..همشي ياعاصم….”

لماذا كان قرارها الآن مؤلماً على قلبه….فهو من

أراد هذا…….شعر بان الهواء انسحب من أمامه

وحل الجو أكثر قتامة واشد حزناً…..فارتسم

على محياة كآبةٍ سوداء وهو ينظر لعينيها نظرة اخيرة قبل ان يرحل قائلاً……..

“ياريت….. بيقوله البعيد عن العين بعيد عن القلب..

امشي… وقدري كل اللي كان بينا محصلش…..”

خرج امام عيناها الامعة بالدموع… تارك قلبها محطم

في محجرة…. شعرت بان الأرض تميد بها فانحنت جالسة على أحد المقاعد تضع  يديها على وجهها باكية وهي تلعن تعلق قلبها به…… بل تلعن الحب الذي جعل

مشاعرها تنتمي لرجلاً يلجأ للقهر حتى يبرد نار

قلبه…..

يتبع…



رواية الحب أولا الفصل الثالث عشر 13بقلم دهب عطيه 


13=ج1=رواية الحب أولا الحلقة الثالثة عشر

صعد على الدرج بتكاسل بعد يوم شاق ومتعب في العمل…… واثناء صعودة للأعلى كان كل ما يستحوذ

على فكرة الان رؤية الأميرة المدللة……

اشتاق اليها أسبوع كاملاً تقضيه مع والدته بالاسفل

لا تصعد إلا ليلاً في وقت نومه ولا يراها إلا في الصباح الباكر عند ذهابة  للعمل واثناء وجبة الغداء والتي يتشاركها وسط والديه ومعها……

لقاءتهما معدودة رغم انهما زوجين ولا يزالا في شهر العسل ؟!!….

مالت زاويتي شفتاه بسخرية سافرة……

فيبدو ان تلك المرحلة لن يصل إليها أبداً مع تلك العنيدة المخادعة الشرسة…….

على ذكرى الشراسة…….. لأول مرة يراها جبارة وكيادة لدرجة فاقت الوصف…. فكلما تكررت

زيارات (أمال..) الشهيرة بأم دنيا تنقلب من الداب

الكسلان الى نمرٍ متوحش وشتات مابين الوصفين

بات يحب رؤيتها تغار الأمر يثير بداخله مشاعر

كثيرة ويزداد أكثر تسليةٍ……..

فتح الباب بالمفتاح و وهو على دراية بانها بداخل…

بعد ان تأكد من أمه……

دلف من باب الشقة منبسط الملامح وعيناه تبرقان

بومضٍ خبيث لمناكفة الجميلة واثارت حنقها قليلاً

لكن سريعاً تبدلت قسمات وجهه وتشنج فكه وهو يرى الشقة منقلبة راسٍ على عقب…..

اتسعت عيناه ودارت حدقتاه في المكان… السجاد

منزوع عن الأرض وملفوف ويقف جانباً …..

والأرض ممتلئة بالماء ورغاوي سائل التنظيف والمعقم… الاثاث منقلب في كل مكان ومرصوص فوق بعضه بفوضوية متعبة للنظر وتليها الأعصاب……..

انعقد حاجبي سلطان بذهول وفتح باب الشقة من جديد ينظر الى السلم الممتد فربما يكون أخفق

في شقته….

لكن للأسف عاد من جديد واغلق الباب فلا مفر من مواجهة الحقيقة القاتمة تلك هي شقته لكن لماذا

هي بهذا الحال وكانها ضربتها عاصفة قوية فاطاحت

بكل شيءٍ أرضاً……

وما هذا الماء…….ماهذا الماء والصابون….من المختال

الذي ينظف بهذا الشكل في منتصف الليل !!…..

جز على أسنانه وشتم بصوتٍ خفيض وهو يتخطى الارضية المبللة بحرص حتى لا يقع على وجهه…

فوجد داليدا تظهر أمامه حاملة سجادة كبيرة وطويلة الحجم تكاد تختفي خلفها….نظرت اليه

بتشفي وقالت بتبرم……

“أهلا ياسلطان…… انت جيت…..”

جز على أسنانه قائلاً بعصبية مكتومة….

“لا لسه بفكر اجي…..اي اللي انتي بتهببي ده…”

وضعت السجادة جانباً بمنتهى البساطه وهي تمصمص بشفتيها بتعجب لتقول

“بنضف البيت…. إيه مانضفش…….”

لوح سلطان بيده بغضبٍ غير مستوعب

بعد…..

“لا ونبي….بتنضفي البيت الساعة حداشر باليل

انتي اتهبلتي ياداليدا……..”

تخصرت داليدا بضيق وهي ترتدي عباءة بيتي بنصف كم ملفوفه على جسدها المغوي كما تلف

فوق شعرها بوشاح معقود عند الجبهة بطريقة

شعبية اصيلة تعبر عن كفاح المرأه في طرد الاتربة

عن منزلها……..

“الله الحق عليا يعني….الشقة ريحتها مكمكمة…دي طلعت كمية تراب رهيبة….تصدق ياسلطن…..”

زم شفتيه بقرف وهو يرمقها بحنقاً….

“اسمي زفت سلطان…….”

ابتسمت بلؤم انثوي…….

“بدلعك ياغالي….احلى سلطن في دنيا……”

احتدت نظرات سلطان وبلهجة شديدة

الخطورة أمر………

“داليدا اتقي شري ولمي نفسك ولمي الدربكة

دي……”

حركت داليدا كتفها بدلال مستفزٍ…….

“الم نفسي سهلة….لكن الم الدربكة دي صعبة عليا…

ماتيجي تساعدني………”

تدفقت الدماء المغلية لأوردته فهدر بانفعال…

“اساعدك…..كنتي فين طول النهار ياهانم… لما جايه تروقي وتسايقي بليل…..”

رفعت رأسها بغرور….

“كنت فوق السطح بأكل البط… وامك خبزت النهارده وعملنا فطير مشلتات….. وانا  فردت العجينة وحطيت السمنة جواها….. المرة الجايه هعمله بنفسي وهدوقك….”

كانت تتحدث بمنتهى السعادة منبهرة بانجازاتها

عن التقدم في الطهي…..

فقال هو بحنقاً غير مبالي……

“مبحبش الفطير……..لا المكرونة ولا الفطير……”

رغم غيظها والاحباط البادي على وجهها والذي انطفئ اشراقه فجأه…..قالت بتبرم تذكره…….

“آه نسيت انك بتحب الخوخ….هاا….. الخوخ……”

لم يرد عليها فتابعت وهي تتقدم منه بمهاجمة…

“من امتى وانت بتحب الخوخ….طول عمرك ملكش تقل على الفاكهة…….”

لمعة عيناه بالمكر فعقب

بخبثٍ…

“لا بس الخوخ حاجة تانية………”

أحمر وجهها من شدة الغضب وهتفت بغيرة…..

“تقصد ام أربعة واربعين صح…….طول عمرك عينك

زايغة على الأكبر منك تموت في الستات الكبيرة القرشانات…”

رد سلطان بزهوٍ…….

“على فكرة انا اللي اكبر منها مش هي……”

رقصة حاجبٍ مغتاظٍ وهي تستفسر….

“آه يعني في أمل….لا الف الف مبروك…ما وفق الا مجمع…. لايقين على بعض اوووي…. ”

سايرها سلطان في الحديث بتسلية وبلهجة

لعوبة….

“اي رأيك يادودا….. اهي آمال مننا وعلينا.. وسبق ليها الجواز يعني هتكون عارفه كويس احتيجاتي كراجل وهتعملها من غير ما أطلب…….”

اطبقت على اسنانها معقبة ببغضٍ…..

“كل اللي فارق معاك قلة الادب وبس…. بنسبة

للحب فين……..”

نظر لشفتيها سريعاً متذكر أول قبلة شهيه بينهما

فرد بحرارة صادقة….. “هيجي بعد اول بوسة…….”

“هي وصلت للبوس كمااان…….. “اشتعل صدرها كمرجل ناري وهي تتجه لاقرب زهرية وتلقيها في وجهه دون تفكير…….

تفاداها سلطان في لحظة خاطفة….ثم وجدها

تكمل طريقها مصطدمة بالحائط خلفه متحولة بعدها لأشلاء متناثرة…..عادت عيناه اليها صائحا بوجه

أنبئ بالخطر القادم…..

“يابنت المجنونة انتي اتهبلتي يابت تعالي هنا….”

ركضت داليدا من امامه تدور حول الاثاث الملقي

باهمال من حولهما…….وقد قالت له بعناد ومزالت مشاعر الغيرة تسيطر عليها……..

“مش جايه يارب تقع وتنكسر وافرح فيك… يبتاع

ام دنيا….. ياخاين…….”

كان يطاردها سلطان من كل الاتجاهات

محاول الإمساك بها لكنها كانت اشبة بفأر

صغير شقي صعب الإمساك به مهما كثرت

محاولاتك…..

“تعالي هنا ياجزمه انا لسه محسبتكيش على المرستان اللي انتي عملاه…. في واحده عاقلة

تقلب الشقة كده بحجة الترويق………”

لم ترد عليه داليدا بل كان كل تركيزها مصوب على

الافلات منه……..فتابع سلطان بغضب ومزال يحاول الإمساك بها……

“انا عارف انك قصداها….. عشان تقرفيني اكتر من قرفان منك……..”

وقفت داليدا مكانها وهو فعل المثل وانتبهت لها

كل حواسه…. فقالت داليدا بشفاة مقلوبة بسخرية

منه….

“وطالما انت قرفان اوي كده ياسُكر…. بتتحرش بيا ليه….. ها….. يبتاع الخوخ……..”

عض على شفته بغضب وهو يتحرك من

جديد للامساك بها…..

“تعالي وانا اقولك بتحرش بيكي ليه……”

عندما زاد اصراره على الحاق بها….صاحت

برعبٍ وهي تسير على الأرض المبللة…..

“كده هنقع وهنتكسر يخربيتك……..”

اتسعت عيناه وهو ياخذ انفاسه بعصبية شديد من منظر الشقة الذي يثير حنقه عليها أكثر……

“يخربيتي انا…. اه انا اللي عومت الشقة ماية وقلبت العفش على وطيه… انتي عارفه كل أوضة مصروف عليها كام ياحلوفه….”

برأت نفسها صائحة وهي ترفع كفيها

للأعلى….

“ما قولنا بنروق الشقة مكمكمة………”

هتف سلطان مستنكراً…..

“والله مافي حد مكمكم غيرك……”

وقفت داليدا مكانها ترفع اصبعها محذرة….

“عندك انا باخد شاور كل يوم بافخم وانضف الشامبوهات والعطور……”

مط سلطان شفتيه بجمود…..

“اهم حاجة نضافة القلب…. ودي بقا معدومة عندك…….”

ضحكت داليدا بعصبية…..

“حوش حوش انت اللي قلبك بفته بيضا يابتاع الخوخ……..”

طاردها مجدداً في أنحاء الصالة بين الاثاث الملقي

هنا وهناك…….

“تعالي بقولك هنفضل نلف حوالين بعض……”

من بين انفاسها وهي تركض قالت ببراءة…

“قول لنفسك انا كافية خيري شري….وبروق في امان الله……….”

احتدت نظرات سلطان وهو يهدر بصرامة….

“بتروقي دا ترويق ولا جر شكل تعالي بقولك الفازة

اللي رمتيها في وشي دي لسه هتتحاسبي عليها…”

قالت بعفوية وبنبرة اقرب للبكاء…..

“احسن عشان تحترم نفسك ومتبصش لواحده غيري……..”

رفع حاجباه متعجباً من أمرها……

“عايزاني ابصلك….مانا كنت من شوية قليل الأدب وبتحرش بيكي…..”

وقفت داليدا تاخذ انفاسها وهي تقول

بتقريع محركة ابهامها للخلف تذكره…….

“هو ياما تتحرش بيا…ياما تعاكس الستات قدامي

يبتاع الخوخ……خالتي ام دنيا ها….بتحب واحده

قد امك ياطفس……..”

“تعالي عشان اوريكي الطفاسه…تعالي بقولك….”

مسكها سلطان بقوة من ذراعها أخيراً وسحبها لعنده……

فقالت داليدا بخوف وهي تحاول الفرار

منه…

“عارف لو ضربت هصوت وهطلع اهلك على صوتي ساعتها هتبلى عليك وقول انك ملبوس وعايز تموتني……”

مسكها سلطان من عنق العباءة وكانه يمسك

شيء مقرف من شدة غضبه منها….

“اتوقع منك اي حاجة……بس برضو مش هسيبك اعملي اللي انتي عيزاه……بتحدفيني بالفازة ياداليدا

عايزة تعوريني……في وشي……وشي….”

نظرة اليه كالحمل الوديع محاولة ابتزازه

عاطفياً…….

“سلطان أهدى….دا انا مراتك…حد يعمل كده في مراته… ”

نظر لها سلطان نظرة السفاح الذي يفكر

في طريقة جديد لتعذيب ضحاياه……

“انتي خليتي فيها مراتي…..انتي عملي الردي في الحياة اعمل فيكي إيه…أعمل فيكي ايه قوليلي…..”

هتفت هي بوجوم….. “بطل تاكل خوخ……”

صاح بغضب أسود…..

“كرهته….كرهت الخوخ ارتاحتي……….”

تابعت هي ببراءة…..

“ولي جابتلك الخوخ كمان اكرها…….”

انتبه هو لما تقول….. فرد بنفياً قاصد

اغاظتها……”لا……”

صرخت داليدا في وجهه بغضبٍ هائل…..

“ليه عينك منها……تحب اخزالك عينك دي عشان تحترم نفسك………”

رفع حاجبٍ خطيراً…..

“والله خزئيها كده……يلا وريني شطارتك……..”

عضت داليدا على شفتيها وهي تشعر ان الغضب يتفاقم داخلها بدرجة لا تحتمل…….مما جعلها تميل

على ذراعه في لحظةٍ خاطفة وتقضم لحمه باسنانها

الحادة………

صاح سلطان وهو يبعد راسها

عنه……

“آآه يابنت العضاضة…….”ابعدها باعجوبة فنظرة

اليه بتشفي بعد ان نالت منه…….

“طب تعالي بقاااا……..”انقض عليها سلطان

وجذبها من شعرها…..ثم دفن وجهه في تجويف

عنقها وقضم هذ الجانب باسنانه بقوة

تضاهيها……..

بينما هي تحذره قبل ان يفعلها…….

“اياك تعض جسمي يبعلم ياسلطان………آآآآآي… ”

صرخت بها متالمة فابتعد هو عنها وكان رحيم

بها عكسها تماماً لم تتركه إلا عندما خلص ذراعه

من بين اسنانها بصعوبة وأعجوبة……

ضربته داليدا في صدره وهي تتحسس

جانب عنقها صارخة بعد ان تجمعت

الدموع بعينيها…..

“دا هزار بوابين…….هزار بوابين………”

قال سلطان بانفاساً عالية حانقة……

“روحي لمي الدربكة دي احسلك…وحضريلي عشا….”

ردت داليدا بوجوم وهي تزم شفتيها بقرف بينما

يدها تتحسس اثار الوجع…..

“معملتش عشا…….فيه فطير مشلتت……..”

اغمض سلطان عيناه لثانية ثم فتحها وهو ينظر

اليها بنفاذ صبرٍ………

“مش عايز اطفح مش عايز منك حاجة ياداليدا…

لمي الردبكة دي بسرعة….. منظر الشقة كده بيعصبني……..”

قالت داليدا بوجوم….

“دي نضافة……..نضافة على فكرة…..”

نظر للسقف بجزعٍ وهو في ذروة غضبة…..

“نضافة الساعة حداشر بليل معاد رجوعي من الشغل

ادعي عليكي بأيه…… روحي ياشيخة منك للي خلقك……. ”

قالت بضجر وهي تلقي عليه نظرة جافة….

“ماهو مني لربنا….. هيكون مني ليك…. يبتاع الخوخ……”

برق لها بعيناه لعلها تخشاه… “اتلمي ياداليدا…..”

لكنها لم تخشى شيءٍ وهي تتحداه

قائلة….

“ولو متملتش ياسلطان…… هتعمل إيه…….”

ابتسم بسادية مرعبة بعثت رجفةٍ باردة

لأوصالها…….

“اختاري انتي هتضربي بأيه…….وسيبي الباقي عليا……..”

جزت على اسنانها متاففة……

“همجي ومتوحش……..”

ضحك سلطان باستخفاف قائلاً

بهزل……

“وانتي ملاك نازل من السماء…..حاسب ياملاك الرحمة جناحتك دخلت في عيني……”

ادعت الضحك بسخط….”هاهاها خفيف اووي…..”

لم تلين ملامحه حتى الآن وقد أمرها بسطوة خطِرة………

“انجزي ياداليدا انا روحي بقت في مناخيري منك………لمي الدنيا وكل حاجة ترجع زي ما كانت…….”

غمغمت داليدا وهي تعود ادراجها

من حيثُ بدأت……

“ربنا على الظالم والمفتري………”

سالها سلطان بشك…. “بتقولي إيه……..”

“بقول لا إله إلا الله…….”ردت بإبتسامة صفراء…

فاشار هو لها بيده بغطرسة كي ترحل…..

“بطلي برطمه…… وشوفي اللي وراكي…….قدامك

ساعة وترجعي كل حاجة زي ما كانت….. سامعة…. ”

اومات براسها وداخلها تتوعد له بمكر

النساء…

(ماشي يابتاع ام دنيا…اما طلعتوا عليك خوخاية

خوخاية مبقاش انا داليدا بنت سهير……..)

……………………………………………………………..

جالساً على الاريكة بارتياح شديد كسلطان زمانه…..يشاهد التلفاز وهو يأكل من  الشطائر التي اعدتها له سريعاً وباليد الأخرى يشرب من كوب الشاي بتلذذ….  أحياناً تحين منه نظرة عليها في الخفاء وهي تمسح الارضية في الصالة  المفتوحة على الصالون……

فيسرق بعض النظرات الغير شريفة أبداً على مفاتنها المتمايلة مع كل حركة  تصدر منها……وعندما تمسك به بالجرم المشهود يبتسم باستفزاز وتعود عيناه  للتلفاز بالامبالاة فتزفر هي بوجهاً خجول غاضب متمتمه…….

“غض البصر يا محترم…….”

فيضحك بانتشاء دون تعقيب…شهيةٍ هي تثير مشاعره وقلبه…تحرك رغباته بنظرة واحدة…وتثير غضبة بعدة كلمات…….وتنعش خفقاتُ عند الاقتراب

وفي عناقها يحلق فوق السحاب يحيا في احضانها كما لم يحيا يوماً دونها !…….

كيف كانت في الماضي….. ومن اين بدأت قصة زواجهما……واين وصلت به المشاعر نحوها..

طريقٍ مسدود….

مزال يسأل نفسه هذ السؤال المظلم كالمشاعر التي تنتج من خلفه………

هل سيغفر لها خطيئتها ويتابع معها حياةٍ زوجية

طبيعية سعيدة…….

هل سيشعر بالراحة معها هل سيعطي لها الأمان

يوماً بعد ان خذلت عائلتها بفعلة مشينة لا تفعلها

فتاة في الخامسة عشر……وقد فعلتها في سن العشرون ولن نقول صغيرة فهناك نساء  تنجب جيشٍ في هذا السن وتحمل مسؤولياتُ كاملة دون ان تمل او تكل

كيف بهذا السن ترتكب هذا الخطاء…كيف ازهدت

في ثمنها حتى باتت كفتاة تبيع الهوى…..

اغمض جفناه بقوة مؤلمة….ها هو يصل تفكيرة للظلام مجدداً…….

ان كان غير قادر على تحمل هذا الخطأ معها لماذا قبل بها زوجة…….ووقف امام والدها حتى لا

يقتلها…….

كان قتلها اهون وقتها…..لكن قلبه حينها عصى

اوامره وتمرد…….

نظرت اليه داليدا من بعيد وجدته يغمض عيناه بقوة

وجسده بأكمله متشنج وهذا ظاهر على قسمات وجهه المتصلبة……

فاقتربت منه بخطوات حريصة….ثم جلست جواره

تلامس كتفه وهي تسأله بقلق…….

“مالك ياسلطان انت تعبان………”

عندما امتزج عطرها الجوري بالهواء تضخم صدره

بمشاعر مختلطه مابين ظلام مخيف ورغبات ناهمة..

أبعد يديها وهو ينهض من مكانه مشتت في أفكاره

غارق في ظلامه وكبرياؤه الرجولي…وشيطانة الذي يوسوس لهُ بكل ماهو سيء نحوها……..

لحقت به ناهضة من مكانها……

“سلطان انت رايح فين……..”

نظر لها بعينين قاتمتين محاربتين لي هواجس

الماضي…….

“رايح أنام…..طفي الشاشة دي وادخلي اوضتك ارتاحي وسيبي كل حاجة لبكرا………”

قلقت داليدا عليه من هذا الانقلاب المفاجئ

فكان منذ دقائق فقط يداعبها بعيناه بغلاظة

اين ذهب هذا الجلف العابث…

“انت كويس…..مالك قلبت كده ليه…….”

لم يرد سلطان بل ظل ينظر لها طويلاً…فقالت

بوداعه معتذرة…….

“انت لسه زعلان عشان قلبت الشقة…….انا آسفه.. ”

نظر لها سلطان طويلاً جدا متأملها بصمتٍ

مبهماً ولسان حالة يقول….

(ليت كانت كل اخطائك تافهةٍ ما كنا وصلنا لهنا

يامدلله…)

هناك اخطاء حتى الإعتذار عنها يُعد ذنبٍ لا

يغتفر….

وللأسف ياصغيرة حتى الان تلومِ الجميع عن

ابعادك عن الخطر……

وان أتاكِ الخطر سترحبِ به من جديد وهذا ما يجعلني اقف على نصل السيف…..

فلا أعرف هل يجب ان اقترب منكِ ، ام أبتعد متوخي الحذر من طعنتكِ القادمة فأنتِ

والخذلان وجهين لعملةٍ واحدة…….

ابتعد سلطان عنها بملامح حجرية فنظرت داليدا لرحيلة بعينين حزينتين مشدوهتين…….

مهما اقتربا او تحدثا او حتى هدأت عواصف غضبة

نحوها تظل خطيئتها بينهما تموج في حلق كلاهما والألم بها اشبه بشفرةٍ حادة مسننة لا تزول !……

سارت داليدا لخارج الصالون حافية القدمين على الارضية الشبة مبللة بعد التجفيف….وللأسف في لحظة شرود منها فقدت توازنها ووقعت بقوة

مرتطمة بالأرض الصلبة

وكان آخر شيءٍ نطقت به قبل ان تفقد وعيها…..

إسمه هو…….. هو وليس من كانت تسعى للهروب

معه سابقاً ؟!……

…………………………………………………………….

تركت القلم من يدها وهي تشعر بتشتت قوي يداهم

ذهنها كلما حاولت التركيز في العمل يستصعب عقلها الأمر عائدا الى التفكير به……….

من آخر يوم تحدثا معاً وأوقفته بصرامة بان يلزم حدوده معها وهو انقلب  عليها…….. بات صامت متجهماً….. بارد المعاملة والتي لا تتخطا حدود العمل…….

لماذا هي حانقة من انقلابه الجاد…. وكان الأمر

برمته يعنيها ؟!…… ما دخلها هي فكل ماتبقي

لها هنا ايام وترحل وتتركهُ للعمل وتحضيرات الزفاف……

شعرت بحرقة قوية في صدرها وكانه يحترق على ذكر زفافة الاسطوري الموقع حدوثه الأيام المقبلة…….. أسبلت جفنيها بآسى…….

تخشى ان يزيد هذا الشعور المؤلم داخلها فيكن الكتمان أصعب من البوح ……

رفعت فيروزيتاها البراقتين الى باب مكتبه المغلق…

خلف هذا الباب محتال لعين استحوذ على قلبها بقبضةٍ واحدة وبالحرة يحتجز قلب أخرى معلق خاتمها في اصبعه……

فكيف لها ان تقبل بمشاعرها ومشاعره الواضحة

وهي على دراية بانه يتلاعب بهن….. خائن…..

لعين….أشباه عثمان الدسوقي……… فماذا تتوقع

من معشر الرجال ؟!……

اخفضت عينيها على الملف من جديد تستعيد تركيزها بالاجبار…….

فلم تلبث الدقائق الا ووجدت شريكتها على قلب رجلاً نذل………تدلف الى المكتب بكامل اناقتها شعرها

القصير جداً بقصة شبابية وبنطالها الجينز الضيق مع

كنزة صيفية علوية تصل لنصف خصرها كاشفة عن الباقي فوقها ترتدي سترة زرقاء مفتوحة بشكلا عصري……..

زمت كيان شفتيها بسخرية ممتعضة عمن كان

يدعي المثالية امامها معلقا باستهجان على

ثوبها الضيق قليلاً بينما زوجته المستقبلية تسير

في الشارع شبه عارية………

وقفت كيان بأدب ترحب بها قائلة…..

“اهلاً يانسة ايتن……..”

رمقتها ايتن باتعالِ مشبع بالغيرة….فكم كانت فتاة بسيطه لا تفقه شيء في  عالم الموضة…..وقصة شعرها سيئة كما ان لونه باهت….وبشرتها بيضاء

لدرجة مقرفة وكانها تنظر لوجه كوب لبن رائب

فاسد…..حتى ان ملامحها ليست مشدودة بل

مهرولة بوجنتين ممتلئتين قليلاً تليهم شفاه

مكتنزة ورديتان اللون وانف صغير ملائماً

وعينين فيروزيتان مريعتين…….

حتى ان عطرها رخيص الثمن كحذائها والحقيبة الشعبية البسيطة والتي لا تحمل اسم اية ماركة

معروفة حالياً…….

“هاي…..سليم موجود………”

كان قد تمكن الغضب من كيان بعد نظرات ايتن المتسلطه المدققة بتفصيلها وكانها تقيمها من

منظور حقير فكم كانت عينيها شديدتا الكره والحقد……على غير هدى…….

سحبت كيان نفساً طويلا وهي ترتب افكارها في خلال ثانيتين قبل ان تقول…….

“آآه اتفضلي هو مستنيكي جوا……. وبلغني بوصولك………”

“تمام ابعتيلي قهوتي……”

رفعت ايتن انفها بترفع شاعرة بلذة الانتصار وهي

تخطو بقدميها للداخل بمنتهى الصلف….امام عينين

باردتين في التعبير عن اوجاعها……فلا تملك الا وجهين للتعامل مع البشر وهما….. المزاح….. والصمت…….

فالان ستلجأ للصمت بنفساً منهكة… تركت جسدها يهبط على المقعد من جديد بقوة  وعينيها محدقة في باب مكتبهُ المفتوح والذي دلفت من خلاله ايتن بمنتهى  الهيمنة….

“هاي يابيبي…. معقول لسه بتشتغل….” نطقت بها ايتن وهي تدور حول مكتبه  الخشبي ثم جلست بعدها بميوعة شديدة على ساقيه بمنتهى الاريحية وهي تميل  عليه وتقبلها قبلة سطحية بينما يديها النحيلة تعانق عنقه……

“وحشتني يابيبي…….”

اتى صوت سليم من أعماق الظلام يبادلها الحب

دون الشعور به…..

“وانتي كمان………”

كان هذا الأمر مستجد داخله فمتى أصبح حبها سراب ومتى اصبح تبادل الكلام العاطفي بينهما مجاملة باردة منه…..

لطالما كان يهيم بها عشقاً وحباً ويشتاق لكل لحظة خاصة وكلمة تتسنى لها وحدها……

اين اختفت تلك المشاعر ومنذ متى اصبح متبلد الإحساس هكذآ……

وكأنها شعرت بما به فمسكت فكه تديره اليها وهي

تسأله باهتمام……

“مالك يابيبي……. مش في المود ليه…….”

هز راسه بنفي وهو يتحسس خصرها العاري من أسفل السترة الزرقاء المفتوحة……

“مفيش ينفع تستنيني ربع ساعة بس….هخلص الشغل اللي في ايدي ونخرج علطوا…….”

اومات براسها برضا تام وهي تبتسم بشفاة

قانية….

“اوكي…….تعرف اني متحمسة اوي للبروڤل….بفكر اعمل سيشن على دريسات الفرح اللي هلبسها…….”

سالها سليم متعجباً….

“وانتي ناوية تلبسي كام فستان…….”

اتسعت ابتسامتها وهي تجيب بغرور…..

“مم… 3 يابيبي…..3بس….”

ابتسم هازئاً معقباً…… “بس…. لا متخليهم دسته………”

نادته بحياء مصطنع….. “سليييييم…..”

هتف سليم بجدية معترضاً…

“انتي بتهزري يا ايتن….تلات فساتين يامفترية……”

قالت ايتن باستهانه وهي تلامس لحيته

باصابعها بدلالٍ……

“اي المشكلة يابيبي طب على فكرة بقا دي أقل حاجة…….”

ابتسم سليم بجفاء…….

“انتي عارفه الفستان الواحد متكلف كام…….”

عقدت حاجباها بدهشة معقبة بمسكنة…..

“من امتى وانت بتكلم في فلوس…..وبعدين مش خسارة فيا………”

سحب سليم نفساً طويلاً ثم حاول بعدها ان يوصل

وجهة نظرة والتي دوماً لا تتوافق معها مهما

استطال في الشرح…….

“انا مش بتكلم في فلوس…… بس انتي مش شايفه ان تلات فساتين فرح هتقعدي بكل  واحد فيهم ساعة وهيتلبسوا كلهم في يوم واحد دا أوفر شويه…….”

هزت ايتن راسها بنفي معقبة بغرورٍ…..

“مش أوفر ولا حاجة….كل الناس بتعمل كده……..”

اهتزت ابتسامة سافرة بالضجر على محياه المتصلب…..مجيباً بعدها بأستنكار….

“كل الناس واضح انك مش عايشه في الدنيا…..من قريب جتلي قضية لواحده اتسجنت  بس عشان معرفتش تدفع باقية إيجار فستان فرح بنتها ولي كان ايجاره يتخطى  التلات تالاف جنية……….”

زمت ايتن شفتيها باشمئزاز…..تحاوره بمنتهى

التعالِ وهي ترفع راسها متباهية بالثراء التي

تنعم به……

“بذمتك دا كلام تقوله….وانا مالي ومالها انا ايتن الشهاوي فرحي لازم يكون  اكبر وافخم فرح اسطوري تحكي عنه الناس كلها……. ومش هتنازل أبداً عن تلات  دريسات لفرحي…….سوري ياسليم بس دي ليلة العمر……ولو مش معاك انا ممكن اتكفل  بالموضوع ده…..متشغلش بالك………”

جز على اسنانه بغضب….. “ااااايتن….”

تراجعت للخلف وهي تحاول ان تتفادى غضبة

بابتزازٍ عاطفي…….

“اوكي أوكي بلاش تقلب عليا خلاص سوري…انا عارفه انك قدها….ومستواك يسمحلك باكتر من كده…بس برضو انا هستكفى باللي طلبته وبس………بحبك……”

اشاح سليم بوجهه عنها قبل ان تقبله….فادارت

وجهه لعندها تراضية بشت الطرق……

“سليييييم…….. ايتس أوكي…….ام سوري……..”

رفض سليم وأبعد راسه للخلف….. “ايتن……..”

فمالت على احضانه أكثر تحاول ان تراضيه هامسة ببحة مغوية لاي رجل…….. “ام سوري بيبي…….. ”

لصقت شفتيها بخاصته محاولة اغواءه بكل الطرق…حتى سلم هو حصونة لها وبادلها القبلة

برغبة باردة وكأنه يهرب من شيء مريع داخل احضانها……احضانها التي لم يجد به الدفء الذي شعر به في احضان أخرى…..

كيان؟!….

نطق الإسم في عقله وهو يحاول ان يسبح بقبلاته لنقطٍ بعيدةٍ كاملة البعد  عنها…..لكنه مع كل لحظة يحاول بها يفشل فشل ذريع وتعود ذاكرته تتنشط

من خلالها وكانها اكسير الحيآة……

ويهيأ له انهُ يقبلها هي دون غيرها فيذوب قلبه وتزداد قبلاته نهم على شفتي  ايتن التي كانت سعيدة بحميمية المشاعر المشتعلة بينهما ولم تكن تعلم انه  يحيا مع أخرى في احضانها ؟!…..

تنحنح انثوي أوقف سيل القبل المتبادلة بينهما….

ففتح سليم عيناه ليجدها تقف أمامه عند الباب تحمل صنية عليها فنجانين من القهوة……

هنا الواقع…..وما عاشه كان خياله المريض

المقرف….

رفعت ايتن عيناها ونظرة الى كيان ببرود تقول بصلف دون ان تنهض من على ساقي سليم……

“مش تستأذني قبل ما تدخلي……هي وكالة……..”

بعيون باردة تلمع بومض غريب هتفت كيان وهي تتقدم منهما بخطوات مستقيمة ثم وضعت الصنية على المكتب قائلة بهدوء…….

“الباب كان مفتوح….ودي القهوة اللي حضرِتك طلبتيها….”

ابعد سليم ايتن فنهضت وهي ترجع شعرها المشعث بفعل يداه للخلف……..

رفعت كيان عيناها متبلدة المشاعر على كليهما ثم تسمرت نظراتها الساكنة على  سليم…..الذي يبعد ربطة العنق عن عنقه بتوتر شاعراً بالاختناق والحرج وقد  امتنع عن النظر إليها وكأنه محرج مما رأت……..

فلم ترحمه هي بل كانت اقوى منه وهي تحاول المواجهة بالنظرات حتى تعري له جانبة المقرف

فكلتاهما نزوةٍ لرجلا أناني……يتلاعب بهن…….

خطيبته نزوة مستمرة وهي نزوة مؤقته ومزال يسعى للوصول لها……وحمدا لله انها  كانت أقوى في كبت مشاعرها وإلا كانت مكانها الان تجلس في احضانه يقبلها كما  يحلو له على وعداً بالزواج عما قريب….

“عملتلك قهوة كمان يا استاذ سليم زي ما بتحبها……”

قالتها كيان وهي متسمرة مكانها تنتظر رده… بل تنتظر عيناه……

رفع عيناه بهدوء عليها فوجدها تبتسم بسمة باردة تعني….(ها قد انكشفت نواياك….)

اسبل سليم جفناه قائلاً بجمود……

“شكراً ياكيان…….”

شملتها إبتسامة مشرقة ماكرة وهي تقول لكلاهما

بخبثٍ…….

” العفوو يا استاذ….. هقفل باب المكتب ورايا عشان تعرفوا تاخدوا راحتكم أكتر…. ”

رفع سليم عيناه عليها مشدوهاً فوجدها تولي ظهرها له مبتعدة…….

وعندما تخطت كيان حدود مكتبه الخاص واغلقت الباب عليهما…. ركضت للحمام تتقيأ مما رأت…….

افرغت كل ما بمعدتها وهي تبكي بنحيب مكتوم حتي لا يسمعوها……..وصورت القبلات  الحارة والاحضان المتبادلة تتحرك أمامها ببطء يتلف المتبقي من اعصابها………

فتحت صنبور الماء وبدأت تلطم وجهها بقوة بقطرات

الماء وهي تبكي…… تبكي بحرقة كما لم تبكي يوماً في حياتها…. الوجع اقوى من  كتمانه مؤلم جداً ان يطعنك الحب فتجد نفسك تفتقر صلاحية العتاب

او حتى العقاب !…..

وهذا شعورها فلا يحق لها…..إلا الصمود والتجاهل فالامر لا يعنيها فليس  بينهما شيءٍ واقعي مجرد أحاسيس ملموسة ونظرات مبهمة متبادلة ومراقبات واهية  لا شيءٍ بهم يعني أبداً انه من حقها……..

وفي الحقيقة هي على درايةٍ كاملة انهُ ليس أبداً

من حقها…..والبكاء الآن ليس لأجل الخسارة فهي لم تراهن عليه يوماً….بل تبكي حزناً على حالها وعلى ما أوصلها له قلبها……

………………………………………………………………

خرجت من حجرة القياس بثوبٍ أبيض قصير مكشوف من عند الصدر والاكتاف ودارت حول

نفسها بحركة دائرية تشع اعجابٍ بالذات…..

“ها يابيبي اي رأيك……….”

نظر سليم للثوب نظرة مقيمة وسريعاً تجهم معترضاً بمروءة…….

“قصير اوي يا ايتن وعريان… مش هينفع…….”

زمت ايتن شفتيها بملل…..

“ليه مش هينفع هو موضة كده…….”

انعقد حاجباه متهجماً…….

“ايتن انتي عارفه رأيي وتحفظي من ناحية لبسك… فأرجوكي اسمعي الكلام وبلاش تقوحي……”

تاففت بوجوم وهي تحتد بتدريج….

“أوف أوف……..دا تالت دريس تشوفوا وتعترض عليه…كده كتير…….بجد كتير…..”

كان واقفاً بهدوء عن بعد خطوتين منها وهو يقول بخشونة… “لأن ذوقك غير ذوقي…..”

تاوهت ايتن بسخرية سافرة….

“أوه وانا لازم البس على ذوقك بقا…..”

رد سليم بصبرٍ وعيناه لا تبرح عيناها الحانقة…..

“دا شيء طبيعي لانك هتبقي مراتي فلازم يكون مظهرك الاجتماعي قدام الناس أرقى من كده…….”

فغرت ايتن شفتيها وهي تضيق عينيها في خطٍ مستقيم عابسة بريبة……..

“أرقى؟!…. سليم انت مش ملاحظ انك مزودها حبتين…من امتى يابيبي وانت بتعلق على لبسي….طول عمرك مديني حريتي من الناحية دي……..”

بلع غصة مسننة وهو يعلم انه تنازل كثيراً عن

حقوقه في تلك العلاقة حتى ترضى عنه…تنازل

كثيراً لأجل حبها وحاول الصعود اليها فكراً ومستوى

ورغم ان مستواه جيداً يضاهيها تقريباً إلا ان النشأه

والتربية تفرقهما…..فقال بعد صمتٍ…….

“بقيت بعلق يا ايتن….ولازم ترضي بده…..بدون اعتراض…..”

فغرت ايتن شفتاها مجدداً ويبدو انهُ يوم الصدمات

العالمي بينهما…

“بدون اعتراض….Oh my God…..هو احنا في زمن العبودية ولا إيه……فهمني…. ”

احتقن وجه سليم بالغضب قائلاً بصرامة…..

“ايتن دا نظامي واسلوبي…..مش عجبك بلاها فرح

خالص …….”

رغم صدمتها من حديثه إلا انها أخفت الصدمة ببساطه مبتسمة بعدها بهزل وهي تقول……

“أوكي ياسليم……..اوكي…….”

سالها بملامح جامدة…. “اوكي إيه…. مش فاهم……..”

بومضٍ ليس بريئاً أبداً اجابت…….

“هعمل اللي انت عايزة بس ياريت تقولي اي هو الدريس اللي ممكن يعجبك ويرضيك…….”

لانت ملامحه قليلاً وهو بخبرها

بهدوء…..

“حاجة طويلة ومقفولة…….ومحترمة…. ”

اغتصبت الإبتسامة وهي تدعي الجذل…..

“اوكي حلوو التغير ده…….بيـبين قد ايه انت بتحبني….وبتغير عليا………”

لم يرد عليها سليم بل ظل صامتاً ساكناً الملامح….فقالت ايتن وهي تبتعد عن مراى

عيناه…… “ثواني ورجعة………”

عند رحيلها أخرج نفساً مضطرباً متعباً شاعراً بانه بداخل دوامة عاصفةٍ  اعلاها متسع واسفلها ضيق تسحبه اليها بقوة وهو فاقد القدرة على الحركة او  المعافرة……..

……………………………………………………………..




تعليقات

التنقل السريع