القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية الحب أولا الفصل التاسع الجزء الثاني والثالث والعاشر بقلم دهب عطيه

 

رواية الحب أولا الفصل التاسع الجزء الثاني والثالث والعاشر بقلم دهب عطيه 




رواية الحب أولا الفصل التاسع الجزء الثاني والثالث والعاشر بقلم دهب عطيه 



9=ج 2=دخلت المطبخ بملامح متهكمة….. فرات حمزة يقف

عند الموقد يمسح سطحه بتافف…..

فاقتربت منه على مهل تسأله…..

“في ايه؟…… وقعت إيه…..”

رد وهو منشغل بتنظيف سطح

الموقد….

“القهوة فارت……موتوا بعض ولا لسه؟.. ”

مطت قمر شفتيها قائلة ببراءة…..

“هي اللي قرشه ملحتي من أول يوم…. زيك بظبط……”

نظر لها حمزة وتشدق بغرور…..

“مفيش حد زيي…. وبعدين دي غيرة بنات

….متخصنيش….. ”

“طب وسع اما اعملك القهوة…….”اشارة له قمر

بأن يتنحى جانباً………فامتنع حمزة هاكماً…….

“مستغني عن خدماتك…. انا هعملها من تاني…..”

“طب هات ياحمزة ربنا يهديك…..” سحبت منه الركوة بجزع…..

ثم اتجهت الى الحوض لتغسلها وتعد القهوة

من جديد……

فنظر لها حمزة ساخراً…..

“انتي بتتعملي مع ابن اختك….. مالك……”

اتجهت قمر الى الموقد وقلبت شفتيها

ممتعضة….. “مالك انت…..”

بابتسامة جانبية سالها بخبث……

“انتي اللي مالك بتنكشيني ليه…. تكونيش

معجبة……”

مالت بوجهها اليه مشدوهة…..

“معجبة بيك انت؟!…. دي ابوخ نكته سمعتها….”

ابتسمت بسماجة……

اغتاظ من ردها فقال بسخط…

“الله…….دانتي بتقلي مني بقا……”

مطت شفتيها قاصفة…..

“مش القصد……. بس انا شيفاك اخ…….”

ضحك حمزة واجابها بصراحة….

“وانا شايفك واحد صاحبي….”

اغتاظت منه بشدة واحمر وجهها فقالت وهي تضع معلقة البُن في الركوة…….. “ظريف اوي……..”

ثم سالته باقتضاب…..

“سادة…….. ولا زيادة….”

شاملها بنظرة ذات مغزى………

“احبها على الريحة……..”

اومات برأسها وهي تضع الركوة أخيراً على عين الموقد………..

ثم وقفت تراقبها وبين الحين والآخر ثم

تنظر لحمزة بحنق مخمر بالقرف………..

فسند حمزة على حرف الرخامة وسحب من طبق الفاكهة المجاور ثمرة تفاح……. ثم أخذ منها

قضمها ومضغها امام بنيتاها الحانقة…..

“منورة ياقمراية……”

تنهدت بقلة صبر……… “بنورك…….”

بنظرة مستفزة عزم عليها…. “تاخدي تفاح…..”

عقدت ساعديها بحدة……. “مش عايزة…..”

مضغ التفاح على مهل….. “مش هديكي أصلا…….”

عندما راته ياكل تذكرت سبب مجيئها الى هنا

فقالت وهي تتجه الى المبرد….. “نسيت أشرب……..”

مالت قليلاً…….فنظر حمزة اليها بطريقة وقحة…

وعندما استدارت اليه فجأه….. التقطت موضع عيناه….التي عادت الى بنيتاها بنظرة باردة

وكانه لم يفعل شيء…..

اغلقت قمر باب المبرد بقوة….ثم اتجهت إليه

تنظر اليه بعينين متفاجئتين مما رأت…..

اي ده…….بقا……”

هز حمزة حاجباه بعدم فهم…… “اي بقا……”

جزت على اسنانها محذرة….. “عينك ياحمزة……..”

ابتسم بشقاوة غامزاً…… “اي عجبينك……”

واجهته بجرأه……. “انت بتبص فين……”

استنكر وهو يزيد من استفزازها…..

“مش واخد بالي بصيت فين……”

زفرة بضيق وهي تعود الى الركوة بوجهاً محمر

خجلا وحنقاً……..

فابتسم حمزة متلذذاً باستفزازها….فعدما يراها

تنولد داخله رغبة سخيفة لاثارة حنقها……فزاد

احراجها قائلاً وهو يعدل ياقة قميصة بزهو….

“انا بقول نوسع الهدوم شوية عشان معاكي

رجالة…… واخده بالك…… رجالة اوووي…..”

ارتبكت أكثر وهي تصب القهوة في

الفنجان….

“حط في عينك حصوة ملح واحترم نفسك…..”

مط حمزة شفتيها ساخراً……

“جملة ملهاش علاقة بالنص خالص… انتي اتوترتي ولا إيه……اوعي تكوني بتكسفي زي البنات… دا انا لسه بقول انك شبه واحد صاحبي…. بجح….. ”

وضعت الفنجان على الرخامة جواره متمتمه

بضيق…….. “انت مستفز……. انا غلطانه اني

بعملك قهوة…… طفحتها…….”

ارتفع حاجبه ذاهلاً…….

“اي طفحتها دي…… ماتلمي نفسك يازفته انتي….”

قالت بتبرم……. “بنادم قليل الأدب……….”

اقترب منها خطوة هاتفاً بغضب

عارم…….

“تحبي اوريكي قلة الأدب اللي على حق…..”

اهتزت حدقتاها قليلاً لكنها هتفت

بشجاعه……. “هتضربني ولا ايه…….”

بعينين شاخصتين عليها قال بجسارة…..

“انا مبضربش حريم…. بس ممكن بنظرة اكرهك

في نفسك………”

اوشكت على البكاء وهي تساله

بعصبية….

“انت بتكرهني كدا ليه…. انا عملتلك إيه……”

تافف بملل وهو يمد يده لطبق الفاكهة ثم

اخذ منه تفاحة ووضعها في يدها

قائلاً بفظاظة……

“انتي هتقلبيها درما….. خدي التفاحة دي ومشي

من هنا…. سبيني اشرب القهوة على روقان…..”

اتكات على التفاحة بين قبضتها ثم هتفت بشراسة……. “مش عايزة منك حاجة…….”

مسك ذراعها قبل ان تبتعد…….

“انتي راحه فين…….”

سحبت ذراعها من بين يده

بعنف….

“هروح اقعد مع شهد في حاجة……”

اقترح حمزة بصوتٍ مرح……

“طب ماتخليكي معايا اهو ندردش مع بعض… هو

انا مش ابن خالك ولا إيه…….”

مطت شفتيها وكانها تشم رائحة فأر ميت ثم

قالت على هذا الوضع……..

“الكلام معاك بيقفلني منك أكتر… فبلاش احسن…”

استدارت راحلة وقد نست التفاحة بين يدها…

فقال حمزة من خلفها بغلاظة……

“وانا هتحايل عليكي…. روحي قاعدي مع اللي يعجبك…….تطولي أصلا تكلمي معايا….. ”

ثم تذكر التفاحة فامرها بشكلاً طفولي…..

“هاتي التفاحة بتاعتي…… خسارة فيكي…..”

استدارت اليه والقت عليه نظرة حانقة ثم رمت التفاحة نحوه بقوة……… “اتهنى بيها……”

التقط حمزة التفاحة بمهارة قبل ان تضرب

وجهه فتمتم بغضب…..

“ياجزمة…… ”

ثم مسك فنجان القهوة مغمغماً

بضيق…..

“ناقص انا….قال قمر قال……أمر بستر… ”

………………………………………………………….

كان صباح اليوم مختلف بنسبة لها…… طوال

الطريق بداخل سيارة (بشير.) تنظر من النافذة

بشرود عقلها يألف قصصاً متنوعة عند الاصطدام

الآتي من ملاك السرايا….(إلهام..)…(عاصم…)

وباقي أفراد العائلة التي لم تتعرف عليهم بعض

قلبها يختلج في صدرها بعنف……كانت تود الانسحاب

ورفض طلب المرأة…. لكنها تكره الانحناء…الانحناء

امام صورتها في المرآة يكسرها يسخر منها……ينبذها

كما نبذها والدها طوال حياتها…….

اليوم يجب ان تكون أقوى مما سبق….ستواجه مخاوفها…..وتفعل ما طُلبا منها دون تقهقر……

وفي نهاية هذا عملها….ومهما تصادفنا مع ماضينا

يظل كعملة ولى زمن تعاملها……..وحتى الاحتفاظ

بِها يُعد لا شيء ، والماضي لن يعود عهده مهما صادفنا خلسةٍ ؟!…..

أوقف بشير السيارة خارج سرايا المماليك كما

تشبهها من أول يوم وقعت عينيها عليها….

فهذا البيت ليس فقط لانه ضخم وثميناً…بل

لانه عريق الفخامة كتراث المماليك…..لهُ كنية….

لهُ روح……لهُ صيت………يكفي التحف الموضوعه

في كل ركن ولوحات التاريخية المعلقة على الحوائط……من الوهلة الأولى ظنت  انها دخلت معرض فني قديم التراث…الى ان اكتشفت ان الجدة(نصرة..)مولعة  بالتحف الاثرية والفن الرفيع………ولا تفوت قطعة جديدة من

بازار (حكيم)…..

ودوماً عاصم يهديها ما تحب………

علمت هذا في خلال الحديث الذي دار بينهما

في اليوم المشئوم……..

أحبت كثيراً جلستهما….وشعرت بالالفه والدفئ…

لكن التعاسة تلاحقها اينما ذهبت…..فتاتي الرياح

بما لا تشتهي السفن…..وتنتهي مشاعرها بلطمة

كبرى………جعلتها ترقد على الفراش لمدة

ثلاثة أيام تناجي الموت……….

ترجلت من السيارة وسارت للداخل متخطيه البوابة الحديدة بعد ان سمح لهم الحارس…اتت هي والفتيات اللواتي سيقومنا بطهي معها كمية الطعام

الكبرى التي ستحضرها…….وكذلك اتى (بشير..)حتى

يقوم بادخال اغراضهما الخاص بطهي في مطبخ آل الصاوي…….

استقبلتهم (نصرة)بابتسامة بشوشة وهي ترتاح على

مقعدها المتحرك……….

“أهلا وسهلاً….نورتوا المكان……جايه في معادك مظبوط ياشهد……..”

اكتفت شهد بابتسامة بسيطه….فقالت السيدة مقترحة بلطف…….

“الساعة لسه ستة….احضرلكم فطار……..”

امتنعت شهد بابتسامة رقيقة…..

“لا احنا مش بنفطر دلوقتي….شويه كده بعد مانحضر……..”ثم وجهت حديثها للبنات من خلفها

“مش كده يابنات…….”

اومات الفتيات بهدوء….فنظرة لها نصرة بعتاب…

“اخص عليكي….سبيهم يفطروا وبعدين يشوفوا

شغلهم……..متبقيش بخيلة….. مصيري ازورك في مطعمك….. ”

توسعت البسمة حتى ظهر صفاء اسنانها البيضاء

فقالت بشهقة ناعمة…….

“ياخبر….. تنوريني ياحاجة…..بس والله احنا مش بنفطر دلوقتي……….وصدقيني انا مش شدة عليهم…..احنا كلنا بنفطر في وقت معين……

ممكن بس تعرفيني المطبخ فين….. عشان

نشوف شغلنا…… ”

تاففت نصرة مستاءة……

“صعبه اوي ياشهد….ماشي براحتك…. تعالوا ورايا….”

تحركت نصرة بمعقدها نحو احد الزوايا وتحرك خلفها الجميع ……ام شهد فتصلبة  مكانها بعد ان داهمة عسليتاها عينين صقريتين تنظر لها من أعلى السلم الممتد  بسطوة….. بغضب……بعتاب؟!…..

هذا الوسيم شامخ الطول وسيم الملامح من النوع

الذي تخشاه بشدة ويجذبك بنظرة…..رسمة عيناه

كالصقر……مهيباً…….والمهيب دوماً يكن المرء

حريص في غرامة !……..

أسبلت اهدابها وقلبها جن بين اضلعها….الرحمة

حتى رجفةٍ خائنة اصابتها عند رؤيته……

لماذا هو مهيباً ومؤثر عليها بهذا الشكل…..تكره تلك المشاعر التي تنتمي اليه وحده……….

بدأت تحرك ساقيها بخطى مستقيمة باتجاه الزاويا التي اتجه اليها الجميع لكنه اوقفها بعد خطوتين…

وقد تسمرت هي مكانها توليه ظهرها…..

“شــهــد……..”

(اشتقت لمناداتك لي بتلك الطريقة….)

اتسعت عينيها بصدمة….همساً داخليا اصابها في مقتلها……هل اشتاقت فعلاً ام انهُ وسواسٍ ؟!…….

استدارت إليه تواجه عينين راسختين أمام

نظراتها المهتزة قليلاً……

“خير في حاجة………ياستاذ عاصم……”

جز على اسنانه بغيظ ووقف أمامها…….وهيهات عند القرب……الامر يزاداد تعقيداً…..

عبق عطرها المسكر داعب انفه فاغمض عيناه لثانية رغم الغضب البادي عليه…….

توترت شهد من تلك الحركة فرجعت خطوة وارجعت

خصلة من غرتها بتوتر خلف اذنها ثم اعادت السؤال بوجل…..

“خير…….في حاجة…….”

عاد اليها بملامح صلبة ونظرات راسخة تأسرها

عمداً فتشقيها ظلماً………..

“يوم ماجتلك تحت البيت…….أخوكي جه و……”

قالت بهدوء…. “محصلش حاجة الموضوع عدى……..”

اوما براسه وهو يجدها تغلق الأحاديث

بينهما فقال مقتضباً……..

“كويس……….عرفتي تصرفي…….”

اومات براسها….. “أيوا………”

جرت عيناه عليها في لحظة خاطفة من أول ثوبها الربيعي المحتشم الطويل…حتى شعرها الأسود الناعم القصير والذي جمعته في كعكة أنيقة مع

الغرة المنسابة بدلال تخفي الجبهة البيضاء….. وحول اذنيها خصلات ناعمة  متناثرة……..قد انتبه أخيراً لماذا تجعلهم بهذا الشكل الفوضوي…….كي تخفي  السماعة الطبية عن الأعين……..

المه قلبه لأجلها فسألها تلقائيا وقلبه يحترق

في موضعه……..

“انتي كويسة……….”

نظرت اليه بحيرة ومع ذلك ردت بعفوية….. “الحمدلله….وانت كويس……..”

هز راسه بنفي….. “لا……”

فارتجف قلبها وعيناها الصافية تتفحصة

بقلق….

“ليه كده…..”

زفر وهو يرفع راسه للأعلى……

“وبتسالي كمان….أمرك عجيب…..”

همسة اليه بصوتٍ ضعيف مفعم بمشاعر جديدة تخصه وحدة……… “عاصم……..”

نظر لها بشوق وقد ذاب قلبه مع همسها….فسالته

بنفس البحة المتعبة لاعصابة رغم لذتها………

“عايز ايه بظبط……..”

نظر لها عاصم قليلاً وكاد ان ينطق بما يجش

بصدره……

لكن اخترق الهدوء صوت انثوي كخرير القطط

من خلفهما……

“أكيد عايزك تاخدي بالك من شغلك…..وتخلصي

قبل مالناس يجوا…….”

سبه بذيئه خرجت من بين شفتي عاصم فاتسعت عينا شهد بعدها بصدمة رغم امتقع وجهها بعد روية إلهام وتدخلها في الحديث بمنتهى الوقاحة………..

اقتربت إلهام منها ووقفت بينهما قائلة بود زائف

“نورتي المكان ياشهد…. خسارة المرة اللي فاتت

مقدرتش اتعرف عليكي….. اصلك مشيتي

بسرعة…..”

لم تبدي شهد اية مصافحة ودية بل هزت رأسها قائلة……… “كنت مستعجلة……أهلاً….. ”

اغتاظت الهام من اسلوبها الفظ معها….

“أهلا بيكي…. نورتي فيلا صابر الصاوي…….حمايا

وجد ابني يزن………”

ردت شهد باقتضاب….. “ااه منوره بصحابها……..”

وزعت الهام نظراتها الماكرة عليهما وقالت

لعاصم…….

“هو انت مش عندك شغل ياعاصم ولا إيه…..”

نظر لها عاصم نظرة تعبر عن غضبة ورد

ببرود

“لا أجازة……. يوم السنوية باخد أجازة….عشان

اقف مع الناس اللي هتخدم على الضيوف….. ”

لم تعقب إلهام بل عادت الى شهد تامرها

بتغطرس…..

“وانتي بقا ياشهد وقفه كده ليه….. مش وراكي

شغل ماتروحي عليه………”

“الهااااااام………”

صاح بها عاصم بقوة…جعل الهام تجفل وهي ترجع خطوة للخلف بصدمة قائلة بلؤم…..

“في اي ياعاصم….. مش المفروض تخلص شغلها

قبل مالوقت يعدي……”

اومات شهد قائلة بجمود…….

عندما ابتعدت شهد عنهم…. واجه عاصم الهام بنظرات حادة وهتف بصرامة محذراً…..

“أسمعي…..البيت ده مش بتاعك لوحدك…… انا اللي أأمر ونهي فيه…… انتي تدخلي  في اللي ليكي فيه… زي إبنك… جوزك اللي هو عمي……اي حاجة تانيه في البيت ده  تخصني انا….. سااامعه…….”

لم تهتز إلهام بل لوت شفتيها بتبرم…..

“واضح انها مش مجرد طباخة بنسبالك…..”

رد عاصم الرد القاطع قبل ان يبتعد…….

“كويس انك فهمتي…….وعلى أثاثه

اتعملي معاها………”

عندما ابتعد عاصم خرجاً من باب البيت حيثُ

الورشة……..اتجهت الهام الى السلم تصعده بخطوات متشنجة بينما الهاتف على اذنيها….وعندما اجاب المتصل…هاجت عليه صارخة………

“انتي فين ياغبية…. تجيلي دلوقتي حالاً….. تلبسي أحسن حاجة عندك وتيجي…..بسرعاااااه……”

اغلقت الهاتف بعنف وهي تغمغم بمنتهى

الغل…..

“انت اللي تأمر وتنهي فيه…. يومك أسود يامسعد

لم اشوفك يوم أسود ياسبع البرمبة……. هو اللي

يأمر وينهي……… وانا… انااااا إيه…….”

……………………………………………………………..





9= ج 3=

اصبحت الساعة تشير للثانية ظهراً ، ثمانية ساعات

من العمل المتواصل ومزال أمامهم الكثير حتى وقت الانتهاء…..

كانت الجدة نصرة تشرف عليهم كل ساعة تقريباً

وكل مرة تخرج منبهرة سواء من انضباط العاملات بفضل شهد الحازمة والحريصة على إخراج ماهو أفضل…او بطعم ورائحة الطعام الشهي…….والذي

كان يحمل طعم ورائحة مميزة….حتى المذاق

يذوب في الفم كالشهد من اللذة……..

الغريب ان( شهد) لا تتبع توابل معينة لتخبر من

ينبهر باكلها انها لديها الخلطة السرية كما يفعل كل من يشتهر بطهي……..لكن شهد تتبع شغفها…حبها

تسعى دوماً بأن تقدم مايليق بها وتفخر به امام

نفسها في المرآى !…..فإن تكن الاحترم والتقدير لذاتك قبل ان تسمعها من الآخرين فهذا من

شيم النجاح ؟!……

فمن يهتم لآراء الاخرين أولاً يفقد رضاه عن نفسه

مع الوقت………

أثناء انشغال (شهد) بطهي وبعد ان استأذنت الجدة

(نصرة…) بان تستريح قليلاً في غرفتها وتؤدي فريضتها……

دخلت إلهام بصحبة اختها تضحك ضحكة مستفزة وهي تقول……..

“صدقيني أول ماتشوفيها هتحبيها علطول….”

رفعت شهد عينيها على الهام ومن معها… أمرأه يافعة الانوثة والجمال بشعر  كستاني طويل…أنيقة الثياب رغم جرأتها الواضحة في إنتقاء ملابسها……كذلك

عينيها زرقاويتين كعينا إلهام…….

بينهما شبه لا ينكر باستثناء لون الشعر…وحجم الجسد…..فيبدو ان تلك المرآة التي تقف جوارها

تعمل عارضة او ممثلة فهي تهتم بشكل جسدها

على نحوٍ صريح……

اشارة إلهام على شهد قائلة بنبرة غير مقروءة…..

“هي دي بقا ياستي الطباخة الجديدة….عاصم

جايبها بنفسه ومهتم بيها أوي…….”

اشتعلت عينا رُفيدة وهي تواجه شهد بنظرات عدائية

استقبلتها شهد بهدوء ظاهري فهي لا تعرف هوايتها

بعد…….

عندما رات إلهام بتادل النظرات يزداد خطورة

القت آخر شرارة نار في حديثها……

“احب اعرفك ياشهد…دي روفيدة أختي و مرات عاصم الصاوي…..”

احتاج الأمر لدقيقتين حتى تستوعب الصفة التي

تمتلكها تلك المرآة كستانية الشعر…….مغوية

القوام…..شبيهة إلهام……….

زوجة من ؟!….

وكأن إلهام قرأت افكارها فانتشلتها من الحيرة مؤكدة…….

“مرات عاصم روفيدة…..سلمي عليها وقفة كدا ليه……”

مدت شهد يدها لها قائلة بقوة تحسد عليها

وبسمة مغتصبة خرجت من تحت شفاه

متحجرة……

“أهلا يامدام روفيدة……. تحبي اعمل حاجة

معينة للضيوف……..”

لم تصافحها رُفيدة بل تركت كفها معلق وهي

تخبرها ببرود……..

“الحاجة الوحيدة اللي اتمناها…..انك تخلصي

شغلك بسرعة……. عشان تلحقي تروحي……”

سحبت شهد يدها شاعرة بالغضب والحرج في

ان وآحد

فقد فهمت مغزى حديثها… لكنها لم تعتب عليها… عليها ان تعتب وتصب كامل غضبها على من

يسير واثق الخطى نحوها مولع بمقابلتها

وملح في التحدث معها عبر الهاتف… وكانه

أعذب لم يسبق له الزواج…….

جزت على اسنانها وهي تتركهما وتعود لعملها بينما

خلود تنظر لما يحدث بعدم رضا……

ام إلهام فنظرة الى اختها بمكر فبادلتها الاخرى

بغيرة وهي تنظر نحو شهد بغضب أسود……..

فمن تلك التي لا تضاهيه جمالاً وفتون ويقع بها

عاصم…. لن يحدث… ولن تسمح له… حتى ان اضطرت لاذلال نفسها اليه من جديد !!…….

…………………………………………………………….

وقفت جوار شجرة بقلب الحديقة…وردة على اتصال

شقيقها الذي يستشيط غضباً بسبب ذهابها لهذا البيت

ومتابعة العمل به رغم رفضه……..

ظلت تخبره برفق قائلة بهمساً…..

“ياحبيبي أهدى اسمعني بس………”

قد كان عاصم على وشك الاقتراب منها…..لكن عند

تلك الجملة توقف عابس الوجه……

فشعرت شهد اثناء المكالمة انها تحت المراقبة لذا

استدارت إليه…..وعندما ابصرته اشتعلت عيناها

وهي تغلق الهاتف مع اخيها قائلة….

“هكلمك تاني ياحمزة…… هكلمك تاني……..”

لانت ملامح عاصم وتنفس بارتياح دون ان

تلاحظ…….

وضعت شهد الهاتف في جيبها والقت نظرة باردة عليه وكادت ان ترحل…لكنه اوقفها بذراعٍ ممتد

امامها….جعلها تتراجع خطوتين تنظر إليه بشراسة

تلك الشراسة والتوهج في عسليتاها…يذكرها باليوم

الذي غضبة منه لمجرد انهُ نسبها إليه…..

ماذا فعل لتنظر اليه بكل هذا الغضب……

“عايز إيه……..”

صوتها الحاد الفظ أكد ان هناك ما يسوء……..

سالها وعيناه تداهمها….

“في اي ياشهد مالك…….”

عقدت ذراعيها امام صدرها وعيناها

تشتعلان….

“وبتسأل كمان؟!…… لا ولا حاجة سلمتك…….”

“شهد انا مبحبش الطريقه دي……”احتد نظرات عاصم بشكلاً مخيف محذراً….

ومع ذلك لم تهابة بل قالت بسخط…..

“وانا مالي تحب ولا تكره……دي حاجة تخص مراتك……”

تذوق الكلمة مشدوهاً……. “مراتي؟!….”

اومات براسها وهي ترمقه بعينيها كالسهام

الحادة…….

“اه روفيدة….معقول مش فاكر انك متجوز…..”

ضيق عاصم عيناه في خطٍ مستقيم

سائلاً…..

“مين قالك اني متجوز روفيدة……”

بمنتهى البرود اجابة…. “هي قالتلي……..”

هز راسه بتساؤل……. “هي جت……”

قطبة شهد مابين حاجبيها بعدم فهم….فقال

عاصم موضحاً….

“انا فعلاً كنت متجوزها بس طلقتها من فترة…من قبل حتى ماشوفك بشهور…….”

رمشت بعينيها عدة مرات بعدم استيعاب….. ثم

سألت باستنكر….

“ولما هو كده….. ليه مقولتليش……..”

رد بوجوم وهو يأسر عينيها…..

“انتي مكنتيش مهتمه تسالي عن اي حاجة تخصني……رغم اني اديتك الفرصة…..”

تاففت بغضب….فقال عاصم بحنان

مراضياً إياها…….

“ممكن تهدي……..قولتلك مش متجوز…….”

نظرة اليه بوجه ممتقع…. “انا مش مضايقه……..”

ابتسم عاصم قائلاً بعبث…..

“تحبي تشوفي نفسك في المراية عاملة إزاي…..”

فكت ترابط ساعديها وهي ترجع خصلاتها

خلف اذنيها واجمة…….

“انا بس مبحبش حد يكدب عليا…..”

رد عاصم بثبات……

“بس انا مكدبتش انتي اللي مسألتيش…..”

اتسعت عينا شهد بتعجب……

“ودي حاجة مستنيا سؤال ؟!…….”

نظر لها عاصم بقوة وسالها باستفهام…..

“يعني انت عندك مشكلة اني مطلق……ولا عندك

مشكلة اني مطلعتش متجوز………”

“الاتنين……..كنت أتمنى اكون أول واحده في حياتك……”قالتها بعفوية وهي تنظر أمامها

بانزعاج…….

فتهللت اسارير وجه عاصم….وضحك

قائلاً برضا تام……..

“الله أكبر……..واي كمان………”

أحمر وجهها واسبلت اهدابها وهي توبخ نفسها

على هذا الرد الغبي…. فبررت بـ

“انت فهمت غلط انا قصدي……..”

“قصدك إيه انا سامع……”

عندما توقفت العبارة على لسانها دفعها عاصم للمتابعة وهو يحاول ان يجاريها في الحديث…. فاخيراً تكلمت من ارهقة قلبه وعقله طوال

الفترة السابقة في بعدها…..

نظرة له شهد وتوترت قليلاً لتقول برقة

بصوتها الموسيقي الرائع……..

“ممكن متبصليش كده……..ابعد عينك دي…..”

“حاضر أهوه…..قصدك اي بقا…….”نظر للجهة

الاخرى وهو مصر على ان تتابع حديثها…..

فعند تلك الحركة فلتة منها ضحكة تقطر شهد

من ثغرها الوردي….مما جعل عيناه تعود اليها

ويضيع في سحر الإبتسامة معقباً…….

“ايوا كده خلي الشمس تنور………”

تلاشت الضحكة تدريجياً وهي تنظر اليه

بصمت…فتبدلا النظرات قليلاً حتى قال

معاتباً بمحبة……

“انتي عارفه انك مزعلاني صح………”

عند ذكر تلك النقطة انقلب وجهها وحاولت الهروب كعادتها…….. “انا هروح أكمل شغلي…….”

اوقفها عاصم بمسكه بسيطه من اطراف اصابعها

فسبحت يدها بحرج……فسالها هو عابساً…

“قلبتي وشك ليه ياشهد ماكنا ماشيين كويس……”

“عشان عندي شغل…….”

سالها عاصم بجدية……

“انتي بتتهربي مني ليه ياشهد……فهميني… ”

اخبرته شهد بتردد….

“عشان انا…….مش بفكر في الجواز دلوقتي…..”

“حصلتلك إزاي……”

اخترق السؤال اذنيها…فنظرة اليه فوجدته يشير بعيناه بهدوء على اذنها اليمنى……فبلعت ريقها

وظلت تحدق به بصمت…..

فسالها برفق……

“مولوده بيها……..ولا حادثة…….”

قالت ببساطه مؤلمة على قلبها….. “حادثة………”

سالها بحاجب معقود….. “إزاي………”

وكان الحدث يتكرر امام عينيها الشاردة….

صوت الصراخ…… الصفعات المؤلمة…والسبات البذئية…….التوسل لقلب انتزعت منه الإنسانية

الدم على الأرض….رائحة المخدر الطبي…..رائحة العمليات….وخزة الحقن وطعم الادوية السيء..

وجوه الأطباء…وشفقة الممرضات على حالها…

بكاء والدتها بحرقة…وكسرة اخيها أمامها………

“ساكته ليه ياشهد ردي عليا…….”

افاقت من شرودها تسأله…. “وليه عايز تعرف……..”

“لانك بقيتي تهميني…….”قالها من صميم

قلبه مستشعراً بكل حرف بها……

فخطت مبتعدة عنه بقلبٍ يرفرف مع نسيم الهواء

حولهم…… “انا اتاخرت عليهم أوي…….”

اوقفها عاصم بلهفة…….. “شهد لازم نتكلم…….”

“بعدين ياعاصم……..بعدين………”قالتها وهي تسرع

الخطى لداخل هاربة من هذا الشعور المرهق رغم

حلاوة مذاقة !!…………

من أعلى مبنى الفيلا تحديداً في شرفة الغرفة الخاصة بالهام….

كانت تقف الهام في شرفة غرفتها كانت تتابع مايحدث من بعيد بدون ان تسمع شيء مجرد

رؤية لهفة عاصم على الطاهية تؤكد دون وضع

مجالا للشك انه مغرم بها بشدة !……

كانت كذلك تتابع مايحدث رُفيدة أختها التي كانت تحترق الآن على صفيح ساخن من شدة الغيرة والغل………

ابتسمت إلهام هازئة وقالت بتقريع……

“شوفتي….ملهوف عليها إزاي………شوفتي آخرة

عميلك السودة…….”

هتفت رفيدة وهي تصك على اسنانها

بغيرة……

“مش وقت الكلام دي يالهام…انا عايزة اعرف

مين البنت دي اصلها وفصلها عايزة اعرف كل

حاجة عنها……”

ضربة إلهام على سور الشرفة وهي تقول

بفحيح سام كالافاعي…..

“قريب………قريب أوي هنعرف كل حاجة عنها……..وساعتها هعرف اضربها منين…..”

…………………………………………………………..

قد بدأت الناس تهل في الخيم الكبيرة التي تم

نصبها في حديقة البيت……..وبدأ الكل يعمل

على قدمٍ وساق….حتى يقدموا افضل ماعندهم

للضيوف…..والذين كانوا ابساط الناس واكثرهم

رضا………..

تعبت جداً جداً….وضغطت على نفسها فوق تحملها..

لدرجة انها اتخذت مقعداً وجلست عليه وهي تئن

بوجع من ظهرها وساقيها وذراعها………

مالت عليها خلود قائلة برفق…..

“ارتاحي شويه ياشهد…احنا قربنا نخلص……”

اومات شهد مستسلمة وهي تقول……

“انا دماغي هتفرقع ياخلود…….معكيش حاجة للصداع…… ”

“لا هعملك كوباية شاي هتظبط معاكي……”قالتها خلود وهي تتجه للموقد…..

فدخل عاصم في تلك الأوقات قائلاً بهدوء…..

“دي اخر صنية تطلعيها ياخلود….خلاص الناس

مشت ومعدش فيه غير كام واحد……”

اومات خلود وهي تتنفس الصعداء هي ومعظم الفتيات الواقفين في المطبخ منذ الصباح…..

ام شهد فنزعت سماعتها الطبية شاعرها بالصداع

يتفاقم داخل راسها……….

فسألها عاصم بقلق وهو يتخذ مقعداً جوارها…..

“مالك ياشهد……..”

فركت باصابعها مابين حاجبيها قائلة…

“الصداع هيفرتك دماغي….مش قادرة………معاك

حاجة للصداع………..”

اقترح عاصم بهدوء…..

“خليني اقيس ضغطك الأول يمكن يكون واطي عشان كده مصدعه……….”

هزت راسها بنفي قائلة بتعب……

“الصداع بسب السماعة عشان بحطها طول

اليوم في ودني……….”

“مش مضطرة تعملي كده….مش ودنك التانية

سليمة…….”كان يسالها بحرصٍ حتى لا تُسيء

الفهم……..

فقالت شهد بإبتسامة باهته…..

“بودن واحده مش هقدر اسمع كويس ولا احدد

إتجاه الصوت……. بودن واحده مش هسمعك في

الدوشه……انا سمعاك كويس عشان مفيش

غيرك اللي بيتكلم…….الموضوع صعب شوية… ”

اخرج تنهيدة ثقيلة…. “انتي اللي مصعباه……..”

أسبلت اهدابها وهي تفهم مغزى حديثه….

فقال هو ناهضاً من مكانه…..

“هجيب جهاز الضغط عشان اقسلك ضغطك…اهو اطمن برضو……..”

نظرة شهد الى ابتعاده مشدوهة…فنظر الفتيات لبعضهن بشقاوة وانطلقت ضحكاتهن بعدها واحدة تلو الأخرى حتى خلود عقبت بمزاح……..

“حنين اوي المعلم عاصم………وطلع بيقيس

الضغط كمان………”

كشرت شهد عن أسنانها قائلة

بحزم…..

“اتلمي ياخلود….وشوفي شغلك…….”

كبحت خلود ضحكاتها وهي تشير للفتيات بعينيها بان يتابعوا العمل………

عاد عاصم وبيده جهاز الضغط…… عاد جالساً في مقعده وهو يخبرها بهدوء….

“هاتي ذراعك…….”

فعلت كالمنومة مغناطيسيّاً…… فظل يضغط هو على تلك الكرة المطاطية حتى انسحب الهواء وضغطت

تلك القطعة الملفوفة على ذراعها بقوة….. فنظر هو

للمؤشر……. قائلاً بعد لحظات…

“ضغطك مظبوط………”

ابتسمت وقد ذابت عينيها من فرط

حنانه….فقالت…..

“قولتلك من السماعة…….”

اوما براسه شاعراً بصدره يحترق شفقة وحزن

لأجلها………فسالته هي بإبتسامة رقيقة….

“امتى اتعلمت تقيس الضغط……..”

رد وهو يحل وثاق ذراعها…….

“من زمان….جدي كان مريض بيه…والحاجة نصرة

من بعده………”

سالته وهي ترفع ذراعها لعندها…..

“وتعلمته عشانهم……”

اخبرها بلهجة رجولية ذات مغزى…..

“ما عشان اللي بنحبهم بنتعلم اي حاجة…بس

هم يطلبوا……..”

اخترق الهدوء ضحكات الفتيات الصغيرات

من حولهما…..فنظر عاصم لهن بتوجس

ثم نظر لشهد التي إبتسمت بدورها قائلة

بخجل صارخ…….

“كده ضحكتهم علينا……..”

صحح هو بإبتسامة دافئة…….

“معانا مش علينا…….هروح اجبلك حاجة للصداع..

وارتاحي شوية….خلاص اليلة خلصت…….”

فابتعد عنها بخطى واثقة تشع شموخ ووقار

وفي رحيلة قد سرق جزءاً من قلبها غير قابل

للعودة وحتى ان طالبة به في المستقبل

القريب ؟!…..

…………………………………………………………….

انتهى اليوم وقد ودعها بعيناه خارج باب البيت

بعدما استقلّت بسيارة بشير هي وباقي

الفتيات……..

كان يود توصيلها لكنها رفضت….واصرت ان تذهب معهم متحججه بالاجرة التي ستعطيها لهم الآن….

حجة حتى تتهرب منه أكثر……لكنه لن ييأس سيحاول مرة واثنين حتى تلين……فتلك الواجهة

الصلبة ماهو الى حاجز وهمي تحيط به نفسها…

عندما دخل البيت بعد مغادرتها استقبلته الجدة بابتسامة مرحبة وهي تفصح باعجاب…..

“انا حبيت شهد اوي ياعاصم ماشاء الله عليها

بنت جدعه وهادية واكلها حلو ونضيفه…بسم

الله ماشاء الله عليها مفيش بعد كده……ولا

غلطه بجد……. ”

ابتسم ابتسامة لم تلامس عيناه

ليقول بصوتٍ رخيم………

“كويس انها عجبتك……..وفرتي عليا كتير….”

ضحكت نصرة بلؤم……

“عارفه…… عنيك فضحاك من أول مرة جت هنا….”

ابتسم عاصم ساخراً…..

“أمال هي ليه مش واخده بالها……”

لم تمحى ابتسامتها وهي تسأله

بجدية….

“وانت ليه مقولتلهاش……لسه عايش في فترة التلميحات…….”

هرب عاصم من الحديث…..

“مش بظبط……….المهم انها عجباكي……”

ضحكت الجدة بخبث…… “وعجباك………”

غير مجرى الحديث قائلاً بخشونة……

“أجلي الكلام في الموضوع ده…وقوليلي اي رأيك

في اليوم……..مفيش حد مشي جعان وكما ادتلهم منابهم من الدبيحة …….ها راضية… ”

اومات براسها برضا تام….

“راضيه يابني ربنا يسعد أيامك ويفرحك……..”

سالها وعيناه تنظر للسلم الممتد…..

“هو يزن فين صحيح مظهرش من الصبح…..

خلع بدري…… ”

اخبرته نصرة بهدوء….

“يزن طلع من الجامعه على واحد صاحبه……

بيقولوا بيذكروا سوا……..”

ثم تذكرت شيءٍ هام فأخرجت من محفظتها

الصغيرة……..

“صحيح نسيت اديك دول……”

نظر عاصم للمال بحاجب معقود…..

“اي دول ياحاجة…….”

اجابة نصرة……..

“لم اديت لشهد بقيت فلوسها شالت منهم دول….وقالت انهم تمن إيجار المطعم……”

قطب عاصم عن جبينه حانقاً…..

“وليه خدتيهم منها ياحاجة………”

قالت نصرة بقلة حيلة…..

“هو انا لحقت يابني…. هي ادتهملي من هنا ومشت من هنا………”

أغمض عاصم عيناه بجزع شاعراً بالدماء تفور في عروقة……….

لكل باب مغلق مفتاح واحد ، إلا بابك انتِ كثرة مفاتيحُ ، ومع ذلك لم أحصل على واحداً منهم !..

…………………………………………………………….

كانت تنحني على سطح المكتب تدرس احد القضايا

الهامة والتي كلفها بها استاذها……

تحسست رقبتها بيدها بتعب وهي تعود من جديد وتقرأ محضر القضية….متاففه بنزق…..

“حسبي الله ونعم وكيل…اي القضية اللي مش باين

منها لا أول ولا اخر دي……..”

ثم نظرت نحو مكتب سليم المغلق داعيه

عليه…….

“منك لله….مفيش مرة كلفتني بمهمة سهله

لازم تكون عويصة زيك……انا حسى انه

بينتقم مني…….”رمقت الملف بنظرة

باكية وولولت قائلة……..

“ماهو انا برضو مكنش ينفع اطلع محامية

من الأول……مالها فنون جميلة……..”

فتح باب المكتب في تلك اللحظات وخرج منه سليم

فادعت الانشغال التام في ملف القضية…بل وأيضاً

ادعت انها تكتب عدة ملاحظات في دفترها……

أقترب منها سليم ووقف جوارها…فشتت تفكيرها

في لحظة مما جعلها ترفع عينيها عليه قائلة

بتوجس…….

“خير ياستاذ…….”

التقط سليم عينيها في نظرة طويلة سائلاً…

“خلصتي شغلك…….”

انزلقت في مقعدها قليلاً وقالت بتردد……

“هو انا لسه بحاول احلها……هو حضرتك مستعجل……”

نظر لها بغرابة….. “مستعجل على إيه…….”

“القضية…”اشارة على الملف امامها…..

فهز سليم راسه قائلاً بجدية…..

“مش ده قصدي……..انا كنت نازل كمان شوية اشتري بدلة جديدة للحفلة….فقولت اخدك معايا……”

تبدلت ملامحها للدهشة….. “تاخدني؟!……ليه…..”

قال بملامح رصينة……

“تنقيها معايا….اصل انا مش شاطر اوي في

الحاجات دي……”

بعد رده نظرت كيان سريعاً الى الحلة الانيقة التي

يرتديها ثم قالت متعجبة……

“مش شاطر ؟!….. سبحان الله….حضرتك اشيك راجل انا قابلته….سواء في لبس البدل او الكاجول….بجد ذوقك حلو…..او ممكن يكون

ذوق خطيبتك…..طالما بتقول كده….. ”

كان يود ان يخبرها انه لا يحبذ مرافقة النساء عند

اشتراء شيءٍ يخصه……لكنه صمت…..فهو حتى

الان لا يعرف لماذا يريد اصطحابها هي….بل

ويعرض عليها هذا متحججاً………

“مش هنتأخر ياكيان….نص ساعة ها قولتي

إيه……”

قالت بعفوية محببة للنفس……

“مفيش مشكلة ياستاذ….انا بحب اساعد…ويارب

ذوقنا يكون واحد…..عشان نتفق بسرعة…….”

كانت تقصد الحلة لكن عقله تشتت قليلاً امام

جملتها حتى لاحظت هي ماتفوهت به

فقالت ببراءة…..

“انا قصدي البدلة اللي هتشتريها…….”

ظل سليم ينظر اليها بصمت وعيناه تجري على

حنايا وجهها حتى ارتبكت واسبلت جفنيها هاربة

مدعية الانشغال في الملف…….

لذا ابتعد سليم عن المكتب قائلاً……

“نص ساعة….و هننزل……..”

عندما دخل المكتب واغلق الباب عليه…وضعت

كيان يدها على صدرها متنفسة الصعداء….وهي

تشعر بمشاعر خطرة تستوطن عذرية قلبها……

بعد ساعة تقريباً…..

ترجلت من سيارته الى أحد محلات الملابس الفخمة……وهو برفقتها….

دلفت الى محل الملابس من الباب الزجاجي الامع

وبدأت عيناها تدور في المكان بانبهار……وهي ترى

قسم خاص بالنساء على أحد الجوانب…وقسم

بداخل للرجال….بينما تُعرض الملابس الفخمة

على هياكل مجسمه……..

ابتسمت كيان وهي ترصد بعينيها كل ركن وكل

قطعة هنا…….لم تحظى يوماً بدخول محلات

من هذا المستوى…..كل ملابسها واغراضها الخاصة

من محلات شعبية عادية جداً لا تمت للانبهار والسعادة بصلة………

أشار لها سليم على ركن الملابس الرجالي….

فاتجهت معه…وبدأت رحلت البحث…وأول شيء اخذته يداها كانت حلة سوداء فخمة قريبة من

ذوق سليم في الملابس….لكنها أيضاً تحمل طابع

مختلف بعض شيء مما يجعل على الحلة بصمة

كيان الخاصة وهذا ماكان يريده منذ البداية؟!…..

اخذها سليم منها ودلف الى حجرة تبديل

الملابس…..

فركضت كيان الى أحد الاركان الخاصة بملابس النساء….وبدأت تتفحص هذا وتلمس ذاك…وعلى

شفتيها ابتسامة جميلة……

حتى انها بدأت تجرب احد فساتين السهرة امام المرآه الكبيرة تضعهم فوق جسدها وتظل تستدير

يمينا ويساراً حتى تراهم عليها…..وظلت هكذا لفترة….

“لو في حاجة عجباكي شوري عليها وانا اجبهالك………”

اخترق للحظاتها الخاصة صوته….فارتبكت وهي تلقي

الفستان أرضا…وكانها تتخلص من سلاح الجريمة…

ثم بلعت ريقها قائلة بحرج……

“لا مش حلو……انا كنت ناويه اشتريه بس

لونه مش قد كده…….”

قطع سليم المسافة بينهما قائلا وعيناه تدور

على الملابس المعلقة جواره……..

“بسيطه شوفي حاجة تانيه……..تحبي انقي

معاكي حاجة على ذوقي….. ”

رفضت بشدة….. “لا مش عايزة……..”

اخبرها برفق…… “متقلقيش…….انا هدفع…….”

قالت كيان بكبرياء…..

“ومين قال اني عايزة حضرتك تدفع…..الفكرة اني عندي دريس في البيت ولسه جديد……”

“زيادة الخير خيرين……مقولتيش حاجة عن البدلة

يعني……..”سألها بنظرة عابسة…..

فابتسمت كيان وقد انتبهت أخيراً للحلة التي كانت في غاية الروعة عليه وكانها صممة اليه خصيصاً

حتى تلائمه هو دون غيره…….

“حلوة أوي……بس ناقص حاجة بسيطة……”

ابتعدت كيان عنه ثم عادت بعد دقائق بربطة عنق

ملائمة….ثم اعطاتها له قائلة……

“دي هتليق اوي معاها……”

وضعها سليم حول عنقه….ثم أخفق عدت مرات

وهو يربطها………حتى انتبهت كيان إليه فقالت

متطوعه….

“عنك ياستاذ…..شكلك مش بتعرف تربطها…”

لانت شفتيه في ابتسامة ماكرة…..يبدوا ان اليوم

يوم الكذب العالمي…..فكم مرة كذب وادعى

عكس شخصه…..حتى يحظى بوقتاً بسيط معها

دون ان يثير الشك داخلها………

حافظت على مسافة بينهما….ثم اعطت كل تركيزها على ربطة العنق….بينما هو ضائع في النظر اليها

عن قرب عن تفاصيلها…..وجنتيها الممتلئتين

عينيها الفيروزيتان المضيئتان….بشرتها البيضاء الناصعة وكانها متشربة من الحليب الطازج….

شعرها البندقي المموج أحياناً عندما تكون صاحبته في مذاق سيء لا يسمح بمسك مكواة الشعر………

حتى رائحة عطرها مميزة ناعمة خفيفة على الانف ورغم ذلك لا تنسى وان شممت افضل العطور

واقواها تظل الناعمة الخفيفة الأفضل دون

منازع……..كالياسمين……

عندما انتهت ابعدت يدها قائلة بإبتسامة

جميلة…..

“ها ياستاذ اي رأيك…….”

اوما براسه راضياً…ثم اتجه الى بعض الفساتين المعلقة جوارهما…….يبحث فيهم قائلاً……

“شابووو ياعصفورة………ممكن نشوف حاجة

ليكي بقا……..”

رفضت كيان بتعنت…….

“قولتلك مش عايزه ياستاذ….أصلا مفيش حاجة عجباني……..”

حاول ان يمحو الحرج بينهما فاقترح

برفق………….”اي رأيك تعتبريها مكافأة…..”

تعجبت كيان….. “مكافأة ؟!……مكافأة ليه….. ”

“عشان انتي محامية شاطره…. وساعدتيني كتير

الفترة اللي فاتت فانا لازم اكفأك…….ها هتختاري إيه……. ”

كان يتحدث بجدية قصوى……حتى تصدقه لكنها ايضا هتفت بتردد…….

“مش عايزة…….”

تافف سليم مزمجراً…..

“كياااان……انجزي مش عايزني نتأخر اكتر من كده……اختاري….تحبي اساعدك……..”نظر للملابس

بحيرة محاولاً الاختيار منهم……

فاتجهت كيان سريعاً واخذت فستان

بعينه قائلة بحرج……

“لا يعني انا هختار ده…….”

انعقد حاجبي سليم معلقاً بمكر……

“هو مش ده اللي قولتي لونه مش قد كده…..”

نظرت للفستان ثم لعينا سليم وقد أحمر وجهها

امامه وهي تقول…. “بجد….طب اشوف غيره……..”

هز سليم رأسه مستاءاً منها…..

“ادخلي قسيه ياكيان……على ماروح اغير البدلة… ”

دخلت كيان حجرة تبديل الملابس وهي تقفز من السعادة محتضنه الفستان بسعادة أكبر…….

انتظر سليم بالخارج وقد أرسل مع العاملة حذاء

أنيق بكعب عالٍ……… اختاره لها بعد ان سالها

عن مقاس قدميها……

مل سليم من كثرة الإنتظار فجلس على أحد

المقاعد ومسك هاتفه يعبث فيه حتى تنتهي….

ولم تمر الدقائق الى وسمع كعب حذاءها يقرع على

ارضية المحل…..فرفع عيناه تلقائيّا الى مصدر

الصوت ليجدها……

كيف لهذا الجمال ان يكون حراً طليق دون ان يُنسب

لأحد !!……..امرأة فاتنة بروح طفلة شقية عفوية تحب بصدق… وتكره أيضاً بصدق……..معبرة….. واضحة…..لا تشبه أحد……

كانت ترتدي فستان سهرة طويل يكشف عن نصف

ذراعيها….كشمير اللون………..مطبع من الاعلى حتى الخصر بورود من التل……..ثم من الأسفل ينزل

باتساع من الحرير………كان جميل عليها يلائمها

بشدة فقد رسم قدّها المميز باحترافيه دون ان

يبرز مفاتنها بشكلاً مبالغ فيه…….حتى كعب الحذاء التي ترتديها كان يشبه حذاء السندريلا….فكان قمري اللون يلمع بانافة…….

قالت كيان بحرج وهي تلمس اطرف تنورة الثوب

بيدها…….

“حلو ياستاذ………”

نهض سليم من مكانه وعيناه مزالت تجري على ثوبها

باعجاب شديد…..حتى قال بعد لحظات من التأمل

“يجنن ياعصفورة………لايق عليكي أوي………”

قطعت كيان اللحظة المميزة داخله وهي تقول

بتزمر….

“اي حكاية عصفورة دي….شايفني بنقل الكلام…”

ضحك سليم… ضحك بشدة….ضحكة ليس اوانها

أبداً مما جعلها تنظر اليه بتزمر عاقدة ساعديها

امام صدرها بتشنج……..

بعدها بدأت تتلاشى ضحكته بتدريج ثم صرح

من منظورة هو بمنتهى الشاعرية…….

“بتشبهي العصافير ياكيان في رقتهم وجمالهم…”

لم يبدو عليها انها لمست شيءٍ شاعري في الجملة

فقالت ممتعضة…….

“شكراً…..بس بلاش عصفورة دي….حساها شتيمه..

خليها كيان أحسن…….”

اوما برأسه موافقاً…….

“ماشي ياكيان…..ادخلي غيري يلا عشان نحاسب..”

لامست كيان اطراف تنورة الفستان مجدداً…..

“يعني بجد حلو عليا……”

اوما سليم بحرارة……. “جداً….جداً……جداً……”

قالت كيان كذلك وهي تنظر للحذاء

الناصع…

“الهيلز كمان حلو أوي…..عجبني لونه….كل حاجة

عجباني بصراحه كله……. عن إذنك…. ”

عند ابتعادها قفز صوتٍ داخله دون

سابق إنذار…….

(انتي كمان كل حاجة فيكي عجباني…..)

تجهم وجهه نافراً من ما وصل اليه تفكيرة…… فعاد للهاتف مجدداً يراسل ايتن ويطلب منها ان يتناولا

العشاء اليوم في أحد المطاعم الفخمة…..فوافقت ايتن بصيحة حماسية…..محددة معه سريعاً الساعة والمكان…….

………………………………………………………………

يوم الحفل والذي كان يقارب الرابعة عصراً…..

قد اتت العمل ككل يوم…. بملابس عملية عادية واتت

بثوب الحفلة والحذاء في حقيبتها… قررت ان ترتدي ثوب الحفلة هنا في الحمام…  بدلاً من الذهاب الى المنزل…… خوفاً من اي تصادم بينها وبين اخيها

حتى لا ينتج من خلفه شجار……يؤدي الى منعها

من النزول…….

قررت ان تتوخى الحذر…..ولا تجازف…. فهي متلهفة

بشدة لذهاب لهذا الحفل التي لم تراه الا من خلال

شاشة هاتفها……..

عند أقترب الساعة من الموعد المحدد….

خرجت من الحمام بكامل اناقتها… بثوب الكشمير

ذات وردة التل الجميلة وحريره الامع….. وقد رفعت

شعرها بلفة انيقة للخلف… ووضعت بعض الزينة المتقنة…. والتي تلائم بشرتها البيضاء وحنايا ملامحها المشعة بلطف….والطاقة الحماسية

التي تُضيئ فيروزيتيها……..

خرج سليم كذلك من مكتبه وكأن متأنق بالحلة التي اختارتها له….. كان الوضع بنسبة لسليم عادياً.. فهو

يبدل ملابسة دوماً في غرفة مكتبه التي يتخذها

عملاً واستراحة أيضاً….. واحيانا يبيت فيها كما

راته منذ أيام…….

عندما ابصرته كيان تبدلت نظراتها لاخرى هائمة حالمة، لأول مرة تخص بها رجل…. لطالما كانت

تسخر من أصدقاء الجامعة…. من الفتيات

المائعات التي تتغزل في كل ماينتمي

لذكر !!….

اما هي فلم يلفت أحد انظارها إلا هو….هذا لا ينتمي للوسامة بصلة…انه الوسامة بعينيها…هو العنفوان

والجاذبية والرجولة المجسمة عليه…….

اسبلت اهدابها…..وتلك الخفقة الخائنة شتت عقلها

للحظات تتسأل عن ان كانت لهفتها بالفعل لرؤية

حفلة مرفهة ام لانها ستكون برفقة رجلاً وسيم

ورائع كـ(سليم الجندي….)المحامي الفظ في عملة

والغير رحيم اطلاقاً بها……..ام على النحو الخاص

فهو ليس سيء بل حنون….كوالده التي اغرمت

به من أول لقاء كأب تتمناه لها ولشقيقيها !…

لو كان مصطفى الجندي والدها اين ستكون هي وشهد وحمزة ياترى….. تتوقع كانوا الان أسعد

البشر واكثرهم استقامة…….

“كيان…….”

الخفقة الثانية كانت قوية على صدرها… فقد نداها

بصوتٍ حار يشع ذهولاً……… فرفعت راسها اليه وكما توقعت….. نظرة مشدوهة متوهجة في عيناه….

وكانه لأول مرة يراها جميلة……

عفواً عند تلك النقطة تحولت ملامحها من شابة خجولة يابسة النظرات لـ…..لفتاة سواقية فظة

تسيء الظن…….

“انا حلوة طول عمري……”

فغر سليم شفتيه وهز راسه مستفهماً….

“نعم……. بتقولي إيه؟!……”

مطت شفتيها قائلة بتحذلق…….

“اصلا انا عارفه انك هتقول اني حلوة…. فقولت

أسبق وقول اني حلوة طول عمري… الرك على النظر……..”

قال سليم واجماً…… “قصدك اني مبشوفش…….”

نظرت كيان لاظافرها بغرور…….

“معرفش…. بس في النهاية الحلاوة حلاوة آلروح…….”

مط شفتيه بقرف متغاظ منها……

“بظبط….. فانا شايف انك عادية زي كل يوم…. فمكنتش هقول حاجة أصلا…..اتفضلي قدامي…”

نظرت اليه بدهشة…. “اي الاسلوب ده استاذ…”

زفر بنفاذ صبر مشيراً على باب الخروج……

“ده اللي يليق بيكي……..قدامي….. ”

قلبت شفتيها وهي تنزل على درج السلم… يبدوا انها

افسدت اللحظة بعدة كلمات سخيفة….لكن حمداً

لله انها فسدة فهي لن تتحمل خفقة اخرى من

هذا الغبي……

بعد لحظات اوقف سليم سيارته الفارهة امام فندق

فخم…مقيم بداخله الحفل……

ترجلت كيان من السيارة برفقة سليم…ثم سارا جوار بعضهما الى مكان الحفل بعد ان تكلف احد عمال الفندق بتوصيلهما……..

كانت تقفز داخلياً بسعادة وهي ترى الحفل الراقي

الاضاءة المميزة الديكور المنسق……موسيقى

أوبرا الرائعة والتي تنبعث في المكان تعطي انطباع رفيع عن الضيوف….. والذين عبارة عن بشر

يلمعان……..من شدة الرخاء على وجوههم

من اناقة الملابس ذات الماركات الغالية

من بواهظ المجوهرات والحلي التي

يتأنقوا بها……من الحقائب والاحذية التي

تكلفهم مَبَالغ مُبالغ بها……..

حانت من سليم نظرة على وجه كيان الشارد في ملكوت آخر……..فمالى عليها قليلا متسائلاً….

“مالك مسهمه كده ليه….الحفلة مش عجباكي….”

فاقت كيان من شرودها تنظر إليه بإبتسامة

حلوة………

“حلوة أوي…….دي أحلى من اللي في المسلسلات

الكوري…….”

تافف ضاحكاً……

“يادي الكوري….انزلي على أرض الواقع شوية

وركزي معايا…..مبسوطه……..”

خفقة ثلاثة أكثر حرارة والم جعلتها تنظر اليه جافلة للحظات حتى…. حتى اومات براسها ببطئ فقال سليم بابتسامة جذابة فتنتها….

“ده اللي انا عايزة……..”

اتى في تلك اللحظات وفيق المقيم للحفل والذي سلم على سليم بحفاوة….

“اهلا اهلا ياسليم بيه……..نورت الحفلة…..”

بادله سليم السلام….. “منوره بحضرتك……”

قال وفيق وهو يوزع نظراته الخبيثة عليهما…

“كنت هزعل اوي لو مجتش….بس واضح ان كيان ليها تأثير عليك……نورتي الحفلة ياستاذة…..”

أحمر وجه كيان تلقائياً وهي تهز راسها

شاكرة……

“شكراً يا وفيق بيه…. الحفلة حلوة أوي……”

اوما وفيق مبتسماً برخاء….

“دا عشان انتم بس موجودين انا عايزكم تنبسطو

وتاخدوا راحتكم…. الحفلة على شرفكم….. عن اذنكم……..”

عندما ابتعد الرجل…زمت كيان شفتيها وهي

تدور بحدقتاها حول المكان…….

“انا عطشانه أو….. هو مفيش مايه هنا…..”

اشار سليم بعيناه على احد الزوايا…..

“الركن ده بيقدم مشروبات روحي شوفي انتي

عايزا إيه………”

انتبهت كيان لم يشير اليه فقالت وهي تدير راسها نحوه……. “مش هتيجي معايا…..”

قال ببساطه وهو يشير مجدداً لاحد النساء

صارخات الجمال…….

“عيني عليكي متقلقيش….. في وكيلة هنا… بيبني وبينه قضيه…. وبتشاورلي……”

حانت من كيان نظرة سريعة مقيمة لتلك الوكيلة

التي كانت مزينة كعروسة المولد بثوب

أزرق قصير……همهمت بتقزز…..

“ممم والله طيب…..بس خد في بالك شكلها

معجبه أوي……. ”

طاف بعيناه في فيروزيتاها قائلاً

بتسلية… “انتي شايفه كده…….”

“باين عليها…….عن إذنك…….” اومات براسها بملامح جامدة ثم استدارت مبتعدة لهذا الركن الذي يقدم المشروبات الباردة…

ثم اتجه هو الى تلك الوكيلة والتي استقبلته بابتسامة لعوبة…..وعينيها هائمة في الوسامة

والرجولة المشعة منه……

وقفت كيان عند الطاولة الممتدة ثم قالت

للنادل…

“ينفع كوباية ماية…….”

اوما لها النادل وقدم كوب الماء…..ثم ارتشفت منه كيان دفعة واحده………اتت شابة ووقفت جوارها

وطلبت مشروب له اسم غريب فسالتها كيان بعفوية……..

“هو اللي انتي طلبتيه ده عصير…….”

ابتسمت الفتاة ضاحكة بلؤم….

“تقريباً…….تحبي تجربي…….”

سالتها كيان ببراءة…..

“يعني هي مش خمرة……”

ضحكة الفتاة ضحكة رقيعة ثم إجابة بنفي….

“خمرة؟!…. خالص….دا عصير تفاح….تجربي……”

اومات كيان بانتشاء…. “آآه بحب انا عصير التفاح….”

ابتسمت الفتاة بلؤم…….. “هيعجبك خاالص…..”

ثم اشارة للنادل قائلة…….

“لو سمحت خليهم إتنين…….”

ثم وجهة الحديث لكيان…. “انتي اسمك ايه بقا……”

اجابة كيان بفتور….. “كيان…… وانتي……”

قالت الفتاة بميوعة…..

“هاندا………انتي كنت دخله مع سليم الجندي….”

اومات كيان برأسها…..

“اه…… مانا شغاله معاه في نفس المكتب…..”

همهمت الأخرى باعجاب وهي تلقي عليه نظرة عن بعد……. “ممم….واي رأيك في الشغل معاه…..”

ردت كيان ممتعضة…… “عادي زي اي شغل…….”

اتت المشروبات فقدم النادل كوبا لكيان وكان عسلي

اللون كمشروب التفاح بالفعل………فقالت هاندا وهي ترتشف من كوبها باستمتاع……..

“اشربي هيعجبك أوي……”

مسكت كيان الكوب واخذت رشفة على مهل…. كان

يحمل طعم التفاح فعلاً لكن هناك شيءٍ غريب لسع

لسانها…….وكانها تشرب ماء مكوي…….فابتعدت

الكوب عنها وهي تخرج لسانها بتقزز……

“مزز كدا ليه……”

ضحكت هاندا وهي تشرب كوبها بمنتهى

البساطه…..

“طبيعي…..عصير التفاج مزز….انتي أول مرة

تشربي ولا إيه………”

هزت كيان راسها مضيفة…. “لا مش أول مرة……”

مسكت هاندا كوبها وقبل ان تذهب قالت

بمكر…….

“دا عشان مستورد بس….بس متكتريش منه…. شاووو ياكتكوته……. ”

زمت كيان شفتيها ممتعضة وهي تمسك الكوب

بين يداها….

“كتكوته…..انتي كتكوته.. وسليم عصفورة……”

ارتشفت ما في الكوب دفعة واحدة بتلذذ

وقد اعتادت لسعته على لسانها……..

عندما انهت الكوب قالت للنادل

مجدداً…..

“لو سمحت ينفع تجبلي من ده تاني……”

ثم استدارت خلفها تنظر الى سليم فوجدت مزال

غارق في الحديث مع المرأه المغوية فضحكت

وهي تهز راسها يائسة…

“كلهم عثمان الدسوقي……كلهم… ”

بعد ان انهى سليم الحديث مع المرأه وقد تخلص منها باعجوبة بداء يبحث بعيناه عن كيان…..

فوجدها مزالت تقف عند ركن المشروبات عقد حاجباه وهو يقترب منها…فكانت وقفتها غير

متوزانه تترنح قليلاً…….

أسرع الخطى نحوها وهو يدعي ان يكون استنتاجة

خاطئ……لكن عندما ادارها اليه وراى وجهها اليابس

وضحكتها الهازلة…علم انها ثملة……فاغمض عينيه شاتماً….

ضحكت كيان وهي تقترب منه بجرأة لم يتوقعها

منها……

“أخيراً خلصت مع السفيرة عزيزة بتاعتك…..”

جز سليم على اسنانه سائلاً إياها

بغضب…..

“انتي شربتي إيه ياكيان…….”

بدأت تضحك مع كل جملة قائلة وراسها تترنح

قليلاً بينما عيناها تفتحهما باعجوبة……

“عصير تفاح…..بس شكلة طلع خمرة….شكل هاندا دي كمان غيرانه عليك……اصلها  سألتني عنك…..هو انت بتعمل اي في الستات ياسليم…..استنى انت ساحر  صح……..”اشارة له باصبعها ضاحكة بقوة……

فابعد اصبعها عن وجهه وهو يوجه حديثة للنادل

الذي يتابع مايحدث بصمت……

“انت شربتها اي يابني…….”

جفل النادل وهو يقول بارتياع…..

“هي اللي طلبت ياباشا………مشروب ***.. ”

شتم سليم مجدداً وهو يمسكها من ذراعيها قبل ان تقع……ثم اشار للنادل كي يحضر مقعداً سريعاً…..

ففعل النادل…وجلست كيان على المقعد في أحد الزوايا البعيدة عن الأنظار…..ضرب على جنتيها

الناعمة بخفة قائلاً…

“كيان فوقي………اي اللي هببتي ده……”

فتحت عينيها وهي تقول بغضب…..

“متمديش ايدك عليا……انت مفكرني عبيطه…..

انت وهو متفرقوش حاجة عن بعض…….”

سالها سليم مشدوهاً….. “هو مين ده…….”

قالت بعيون تترقرق بدموع……

“عثمان الدسوقي….كان ندل وخاين زيك كده….عايز

الاتنين في حياته….واحده تكون ام ولاده وتانيه تكون عشقته…….”

وكانها صفعته على حين غرة…فارتد براسه للخلف ذاهلاً بملامح متصلبة……..

اومات براسها وهي في حالة من اللاوعي…..

متابعة…….

“انا واخده بالي كويس اوي…..من اللي بتعملوا…انت

بتحاول تأثر عليا….نظراتك اهتمامك….غيرتك ومراقبتك للاستوري بتاعي…..بتحط لايك أزرق

ليه…..اللون الازرق بيعصبني……”

اخفت وجهها في كفيها باكية بشدة….باكية بقهر

بغضب بحزن بيأس……

فلامس سليم كتفها وربت عليه قائلا بحنان

ورفق…..

“اهدي ياكيان…..كفاية عياط….أهدي……”

ابعدت كفيها عن وجهها وهي تهتف بحرقة

من أعماق قلبها…….

“انا بكرهوا…..هو اللي موتها…….الحب بيقتلنا….انا

بكره الحب…وبكره الرجالة و بكره الجواز….مستحيل

اتجوز…..مستحيل أسلم نفسي لراجل…..كلكم اندال

طفسين خاينين…..انا مش هكون كريمة…ومستحيل

أكون الهام……لأ انا مش عايزة أكون واحده منهم…

لأ….. ”

بكت أكثر حتى اغمضت عينيها تاركة الحرية

لشهقاتها……المه قلبه بشدة بينما صدره يشتعل

كأتون ملتهب…..مع كل حقيقة تخرج من لسان يهذى…..وعقل يعمل بلا وعي……تصب داخله

شعور من الخساسة فهو من أوصل لها دون

قصد هذا الشعور ؟!…..

“خلاص بلاش حب ولا جواز………اهدي….وكفاية عياط…… ”

قالت وهي تفتح عينيها الحمروان بصعوبة…..

“انا خايفة……انا حسى انه هيموتني في يوم زيها

او هيأذيني زي مآذى شهد….أو هيرميني في شارع

زي مابيعمل مع حمزة…….هو بيكرهنا ليه…وليه

كريمة قبلت من الأول تكون تحت رحمته….”

نزعت يداها من يد سليم قائلة بغضب

عارم…….

“وليه انت عايز تكون زيه…..ليه متكملش في

حياتك مع خطبتك…..ليه…….”

نظر لها سليم بصمت…فبادلته النظرة بضياع ثم

انتفضت ناهضة بقوة………وهي تصيح بجنون….

“انا عايزة أروح…….لازم أروح وقولوا في وشه اني بكرهه وان هو اللي قتلها وحرمنا منها…..لازم يموت

زيها…….”

مسك سليم ذراعها بقوة هاتفاً بنفاذ

صبر…..”كيان اهدي……..أهدي”

بيدها الحرة مسكت يده القابضة على ذراعها وتوسلت له وهي تبكي بقهر……

“سليم……سليم متبقاش زيه……بلاش ياسليم…”

نبضات قلبه وصلت للعنان….بينما رجفة لذيذة

تغلغلت جسده…..وسلبت قلبه معها…..بينما

عيناه ذابت خاضعة لفيروزيتاها الراجية….

نادته مجدداً بصوت أملس وهي تقترب منه

بوداعه……”سليم……….”

سحبها لاحضانه بجنون وهو يدفن وجهه في

كتفها هامساً بتعب……..

“اهدي ياكيان……أهدي وكفاية……..كفاية عشان خاطري…… ”

……………………………………………………………

كيف لنا ان نبدأ وقد سقطت الأقنعة وتعرياً امام

من نحب………حقائق غير مشرفة…. ومشاعر غير

متوزانة…….انكشفت امامنا فأما ان ندعي العمى

او تبصر بصيرتنا ونصلح ما يمكن إصلاحة…..

سمع صوت تقيؤها يتزايد كل دقيقة…..خلف باب حمام المكتب………فقد عاد بها لهنا واعطاها

أحد الاقراص الازمة حتى تبدأ في التقيؤ

ويبطل مفعول الخمر من جسدها…….

ساعة بأكملها تختفي خلف باب الحمام يسمع تاوهها

وتقيؤها ولا يقوى على الاقتراب…..اصبته أليوم

في صميم قلبه……..فأصبح حائراً…..هل يغضب

منها ام يحزن عليها……

كيف يكن والدها بهذه القسوة…..وكيف يوصلها لهذه الحالة….انها من كثرة الكره……تنوي قتلة؟!….

كيف لرجلا مثله ان يكره فتاه جميلة ككيان……

الم ينظر لعينيها يوماً ليرا كم هي بحاجة

اليه ؟!….

رأى احتياجها كثيراً لكنه لم يقدر على اشباعه..فمن

هو ليغمرها بتلك المشاعر…….ومن هي لتاخذ منه ماينقصها……..

هو غير مؤهل لتلك المهمة…..ولن يقبل ان يشبع

احتياجها رجلا غيرة ؟!….

خرجت كيان من الباب بعد لحظات بوجهاً شاحب

قليلاً وهي تجفف وجهها المبلل بالمنديل الورقي….

انتفض من مكانه واقترب منها…….سائلاً بلهفة…

“بقيتي احسن……..”

اومات براسها متزنة اكثر من السابق بكثير…لكن

مزال أثر الكحول عليها……تارك آثار جانبية كصداع

مزمن واعصاب مرتخية……ووجهاً شاحب وكانها

تصارع الموت……..قالت بصعوبة وهي تشيح

عينيها عنه…..

“ينفع أروح……..”

أشار له سليم على المقعد وهو يقول

بهدوء….

“ينفع…..بس قعدي شوية ارتاحي…….”

قالت باصرار وهي تهرب من عيناه

الثاقبة……

“لا انا عايزة أروح انا اتأخرت……..”

هتف هو بهدوء….. “احنا لسه بعد المغرب…….”

“انا كان المفروض اكون قبل المغرب في البيت….”

استدارت بضيق وهي تقول تلك الكلمات….

فاوقفها هو بحزم……

“انتي عارفه انك غلطي صح….”تقدم سليم منها

ووقف امامها يداهم عينيها بنظرات معاتبة

غاضبة……..

” خيبتي املي فيكي ياكيان……”

اهتزت حدقتيها وهربت من عيناه قائلة بغصة مختنقة…….. “الكلام اللي قولته……”

قاطعها بصلابة وبعينين غير متهاونتين….

“انا مش بتكلم عن اللي قولتيه….انا بتكلم عن اللي شربتيه….ووصلنا لهنا……..”

ازدردت كيان ريقها بحرج ولا تعرف بماذا

تجيب…..

فتابع هو مستنكراً فعلتها المخزية……

“إزاي بنت محترمة وعقله وفهمه زيك….تشرب

حاجة زي دي….حتى لو اضحك عليكي زي ماكنتي بتقولي….محستيش من أول مرة شربتيه انه مش عصير تفاح وان فيه حاجه غلط…….”

رفعت عينين مجهدتين اليه…..فسالها

بحدة……..

“ليه عملتي كده كنتي حبى تجربي……..”

ارتبكت بشدة وقالت متلعثمة…….

“انا مش كده ياسـلـ……..ياستاذ….انا غلطانه فعلاً

بس……….”

توقفت فازداد قسوة عليها سائلاً…… “بس إيه……”

وضعت يدها على راسها قائلة بتعب…..

“ينفع أروح…. الصداع هيفرتك دماغي….أرجوك…”

زفر سليم وهو يميل على ظهر المقعد وسحب سترته ثم ارتداها………. “يلا عشان اوصلك…..”

رفضت بضعف….. “ملوش لازمه….”

احتدت نظراته عليها قائلاً بخشونة……

“مش هسيبك تروحي لوحدك وانتي كده…..”

قالت بحماقة…….. “هاخد تاكسي……”

اغلق أزرار السترة قائلاً بملل….. “يلا ياكيان…….”

طوال الطريق لم يتحدثا…ظلا صامتاً محرجاً من بعضهما….ويبدو انهما فعلوا ما  يسيء… فظلا واجما متصلبا الوجوه….متحجرا النظرات وكانهما عادوا من عزاء  شخصٍ عزيز ذهب ولن يعود………

نزلت كيان من سيارة سليم على أول الشارع كما طلبت منه…….ثم سارت في الشارع ذات الاعمدة المنيرة على الجانبين……والعمارات الشاهقة……

ونسيم الهواء البارد يداعب شعرها الذي انحل

من عقدته وارتاح على ظهرها……

كانت سيارة سليم تقف في أول الشارع بالعرض

وقد خرج سليم منها واستند بظهره على الجانب

المطل على الشارع وعيناه تلاحقها من تسير بخطوات متزنة أمامه…..من تسير ومعها

جزءاً من قلبه يحاول استعادته منها لكن دون جدوى….تظل تستحوذ عليه حتى أصبح

ملكا حصرياً لها وحدها ؟!…..

فتحت باب الشقة بالمفتاح…. فوجدت حمزة وشهد وقمر يجلسا في الردهة ينتظرونها..

بلعت ريقها وهي ترى عينا حمزة مشتعلة بالغضب عند رؤيتها وملامحه متصلبة لا تعبر عن شيءٍ….

قالت بصعوبة وهي تتقدم منهم

بوجل…..

“سلام عليكم……”

قطع حمزة المسافات بينهما ووقف امامها يواجهها بعيناه الضارية سائلاً إياها بهدوء ماقبل

العاصفة.. “كنتي فين……”

قالت بغصة مختنقة…….

“في المكتب….كان عندنا شغل كتير و… ”

“وكمان كدابة….” صوت الصفعة التي تلقتها على وجنتها اخترقت الصمت من حولهم..

يتبع…


رواية الحب أولا الفصل العاشر 10 بقلم دهب عطيه 


رواية الحب أولا الحلقة العاشرة=ج 1=

قطع حمزة المسافات بينهما ووقف امامها يواجهها بعيناه الضارية سائلاً إياها بهدوء ماقبل

العاصفة….. “كنتي فين……”

قالت بغصة مختنقة…….

“في المكتب……كان عندنا شغل كتير و… ”

“وكمان كدابة……..”

صوت الصفعة التي تلقتها على وجنتها اخترقت الصمت من حولهما فتسمرت الفتيات  بصدمة متسعين الأعين……حتى هرولت شهد نحو اختها شاهقة بخوف عليها……تخبئها في  احضانها خوفاً من

بطش اخيها مجدداً……كذلك اقتربت قمر تقف

جوار كيان تدعمها وهي ترمق حمزة بازدراء…

فمن قال انه لا يضرب النساء…يصفع اخته

بمنتهى القسوة معرضها للمهانة أمامهم………..

صاح حمزة غاضباً وهو يقلب عيناه

بصرامة بين شقيقتيه……

“أختك اللي اتفاقتي معاها تغطي عليكي… لم

اتأخرتي قالت انك روحتي عيد ميلاد واحده صاحبتك………الكلام ده صح….ولا بتداري

عليكي في حاجة تانيه……..”

نظرت كيان لشهد مستفسرة بعينيها فأومات شهد برأسها في الخفاء…. فعادت كيان لعينا اخيها

العاصفة واكدت ويدها مزالت تخفي وجنتها

الملتهبة والتي رسم عليها اصابعه ببراعة……

“أيوا…….”

سالها بضراوة غير متهاون…..

“وليه مقولتليش……..مش مالي عينك…….”

تلجلجت وهي تقول…….

“مكنتش هترضى عشان صاحبتي عملى الحفلة

في فندق…….”

رفع حاجباه بعضبٍ هائل…..

“فقررتي تروحي من ورايا مش كده……”

لم ترد وكذلك فعلت شهد….اما قمر فظلت تتابع

بصمت فكان غضبه مهيباً قد لجمها…..

صاح حمزة مقهوراً من افعالهن المستجدة عليه….

فلم يكونوا متمردين هكذا عليه….لماذا الجام

فلت من بين يداه وأصبحت كل فرسة منهن جامحة متمردة تتحداه دون حديث…..تفعل دون الرجوع

اليه……..وكأنهما احرار ولم يكونوا يوماً الأقرب

لبعضهم…….

“مفيش حد فيكم مقدرني…..اختي الكبيرة العاقلة مشت اللي في دماغها وراحت اشتغلت في بيت عاصم الصاوي….والتانيه رجعالي من حفلة في

فندق….والكبيرة بداري عليها وبتكدب عليا…في اي تاني مخبينوا عني…….انا ***بنسبلكم…..صح…..”

ابعدت شهد اختها عنها برفق واقتربت من اخيها

محاولة تهدأته…….

“حمزة………أهدى….عشان خاطري……احنا غلطنا… بس صدقني للضروره أحكام…….واحنا مش  بنعمل حاجة غلط….. اختك راحت عيد ميلاد صاحبتها ورجعت الساعة  تمانية……..مفهاش حاجة….. ”

ابتسم هازئاً….

“مفهاش حاجة صح…..”ثم نظر الى كيان بقسوة

واقترب منها بملامح متصلبة ثم قبض على

ذراعها هاتفاً بفحيح مهيباً……..بينما عيناه

تقدح شراراً نحوها……..

” بعد كده الخروج ليكي انتي بذات هيكون بحساب…..وبنسبة لشغلك…..انا اللي  هوصلك وهجيبك منه……معنتيش هتخرجي تاني غير معايا….وهترجعي برضو معايا…..  سااامعه…..”

لكزها في كتفها بقوة…

حاولت كيان التملص من بين قبضته القوية

وهي تئن متألمة……..

“ساامعه حاضر………ساامعه…….”

القى عليها نظرة مزدية ثم دفعها بعيداً

عنه…..

“غوري في داهية على اوضتك……..مش عايز

اشوف وشك……. ”

بالفعل اتجهت الى غرفتها الخاصة واغلقت الباب عليها متجاهلة مبيت قمر بها….فهي تريدها اليوم

حتى لا ينكشف أمرها امام اختها وتعرف ماذا

حدث في الحفلة……وماذا شربت………

ضربت كيان على وجنتيها وهي تسب نفسها

بأقذع الشتائم……فبسبب غباءها……جعلت

الجميع ينظر لها بازدراء….. ويضعها في

خانة الشك…….قد خيبة امال الجميع

وهي اولهم………

……………………………………………………………

توقفت عن الذهاب للمكتب لمدة أسبوع……مكتفية

بالانعزال في غرفتها…..وعدم التحدث مع حمزة

الذي مزال منزعج منها يتجاهل وجودها….

كانت تصر شهد كل صباح عليها ان تذهب الى المكتب وتباشر عملها…..فهي في السابق سعت

لها بشدة مستغلية معرفتها ببعض الزبائن الأثرياء

حتى تجلب لها منهن وسيطاً يُمكنها من دخول

مكتب (سليم الجندي….) والعمل معه…..

لكن رغم الحاح شهد كانت كيان تتحجج بتعب…….أتصل بها سليم خلال الاسبوع اكثر  من مرة….وكل مرة ترد بحجة جديدة هروباً من مواجهته بعد هذايانها المخزي في  الحفل….

لا تتذكر بضبط ماقالته لكنها تعرف انها قالت أشياء

تكره التحدث بها بينها حتى وبين نفسها ؟!…

في صباح يوماً جديد قررت الذهاب الى المكتب وحضرت أمس ورقة الاستقالة واخفتها في

حقيبتها…..لم تخبر أحد بهذا القرار……حتى لا تكثر

الشكوك والاسئلة حولها……فمن الغبي الذي يستقيل من مكتب مشهور ، ويفر من محامي ناجح

كسليم الجندي………

لها أسبابها الخاصة……وهي تريد ان تلحق نفسها قبل

ان تنغرس أكثر به……..ويستحوذ هو عليها….. كحالة

مع كل أمرأه تقع عينيها عليه………

أوصلها حمزة بسيارته امام العمارة القابع بها المكتب……ولم يتحدث كلمة واحدة طوال

الطريق….وحتى عندما ترجلت من السيارة

متجهة الى المصعد واستقلت به… انطلق هو

بسيارته بعنف معبرٍ….

بداخل المصعد تجمعة غمامة من الدموع في

مقلتاها محجبة عنها الرؤية فانحنت براسها

منهزمة تجش من البكاء وحلقها يموج بحزنٍ

مرير ، كوردة مائلة……أهمل الجميع وجودها

في موسم الربيع ؟!……

…………………………………………………………..

أطرقت على باب مكتبة فسمح لها بالدخول وهو جالس خلف مكتبة ينتظرها بعينين  ثاقبتين متلهفتين لرؤيتها…….فلأول مرة منذ ان توظفة هنا ان تبتعد

عنه بهذا القدر…..فكم أشتاق…….وكم مولع برؤيتها

الآن…..

عندما ابصرها واصبحت تحت سطوة عيناه عقد

حاجباه وهو يراها كم كانت باهتة النظرات….حزينة

الملامح…….بعينين حمراوين……..وجسد هزيل من

الحزن……….

لم يتحرك من مكانه بل انتظر….أنتظرها بصبر السبعة

أيام الماضية دونها…..

اقتربت كيان منه بخطوات مستقيمة…..حتى وقفت

امام المكتب وانحنت تضع امامه تلك الورقة البيضاء المطوية…….

وقد خانتها عيناها عند تلك الانحاءه ونظرت اليه عن قرب…..فرأت عيناه كانت  تنتظرها وألف قصائد من العتاب تسايرها……..فبلعت ريقها بتوتر وهي تستقيم

واقفة………

نظر سليم للورقة سائلاً اياها دون ان تحيد عيناه عنها…….

“اي دا ياكيان……..”

قالت بشجاعة…… “استقالتي يا استاذ………”

نظر لها بقوة ورمش بعيناه متسائلاً….

فتمسكت بتلك الجسارة داخلها وهي تواجهه

خزيها بقوة……..

“مينفعش افضل بعد اللي حصل…. أرجوك ياستاذ

اقبل استقالتي…….”

اتقصد العناق ؟!…. هذا العناق الذي لا ينتمي للحميمية بصلة بل كان احتواء…. ظن انها بحاجة

أليه ففعلة في لحظة تهور منه….. لكن بعد ان أرتاح على كتفها علم انه هو الظمأءٍ لهذا الدفء الانثوي

….والاحتواء الفطري التي تتمتع به……

يقسم داخله انه لم يستشعر يوماً في احضان ايتن

بهذه المشاعر النادرة، بل كان كل ملامسة بينهما تنقلب لرغبة اجساد جامحة…….

مسك سليم الورقة ودون ان يفتحها قطعها امام

عينيها الحزينتين التي اتسعت بعد ثواني بذهولاً

هاتفه…….

“اي اللي بتعملوا دا يا استاذ………”

قال وعيناه تكتسحان ككلماته…

“كيان….انا نسيت اللي حصل في الحفلة…ولازم

انتي كمان تنسيه………”

اسبلت اهدابها مذعنة بينما قالت بحرج

شديد…

“اكدب عليك لو قولتلك اني هقدر انسى…وهكون كدابة اكتر لو قولت اني فاكرة كل حاجة حصلت…..”

ثم اخرجت تنهيدة ثقيلة على صدرها

وقالت بحرج……

“بس مينفعش اكمل ياستاذ كده أحسن……”

لانت نظراته قليلاً قائلاً من اعماقة….

“انا محتاجك ياكيان…….”

رفعت وجهها اكثر مشدوهة…..فانتبه هو

لتلك الجملة العفوية و التي تحمل معنى

واحد فقط……فصحح مغمغماً……

“محتاجك في المكتب…….والاستقالة مرفوضة…”

هزت كيان راسها وهي تقول

بوجوم….

“يا استاذ اسمعني……..”

قاطعها سليم بخشونة هاتفاً…..

“أنسي اللي حصل ياكيان…..وخليكي……اتفقنا…..”

رفضت عرضة السخي بصرامة…..

“انا مصممة على الاستقالة….انا اسفة مش هقدر اكمل هنا……..”

زم سليم شفتيه متعجباً بينما قال

بعنجهية…..

“مفيش حد عاقل يرفض يشتغل معايا……”

قالت بجزع…..

“قدرني مجنونة…….واقبل استقالتي…….”

سالها سليم بفظاظة…..

“طالما اعصابك تعبانه اوي كده…..اي اللي جابك…”

إجابة بنظرة باردة…..

“عشان اقدم استقالتي اللي انت قطعتها…..”

“هو ده بس اللي جابك……”سالها ببحة خاصة اوصلت الرجفة لجسدها فتلجلجت سائلة

“تقصد إيه…….”

هز راسه نافراً…… “ولا حاجة…….”ثم مسك احد الملفات وادعى الانشغال بها وهو يقول بحزم….

“اعتبريني موافق على الاستقالة مبدايا…..لحد

ماجيب محامية شاطرة او سكرتيرة تشيل الشغل

مكانك……..”

سالته بتردد… “والموضوع ده هيطول يا استاذ…..”

مط سليم شفتيه بعدم إهتمام…..

“على حسب…ممكن شهر…. اتنين….لحد مالاقي….”

قالت كيان سريعاً….

“مش هينفع يااستاذ….انا اخري الشهر ده وهمشي….”

رفع عيناه عليها بقوة…..

“شكلك شوفتي مكان جديد……”

اومات برأسها مجيبة ببساطه….

“أيوا بصراحة….هشتغل مع نائل زميلي….في مكتب المحامي خليل السواح……….”

نهض عن مقعده وتخطى المسافة بينهما… قائلاً بملامح تنذر بالشر…..

“آآه نائل……..قولتيلي……هو انتوا بتكلموا……”

ترجعت كيان تلقائياً للخلف وهي ترمش بعينيها

عدة مرات متوجسة من هجومة المفاجئ……..

“ودا يخصك في ايه يا استاذ…….”

وقف مكانه بعد ردها وأشار على الباب بنفاذ

صبر…. “على مكتبك ياكيان……..”

قالت بأسلوب استفزه اكثر من السابق….

“تمام بس انا اخري معاك الشهر ده……وهمشي..

فحاول تلحق تجيب حد يشيل الشغل مكاني….”

اشار لها مجدداً بتحذير فهو أصبح على حافة التهور… “على مكتبك ياكيان….على مكتبك…..”

لوحت بيدها بتمرد…. “انت بتزعق كدا ليه……”

قطع المسافة بينهما فواجهها بعينين عاصفتين

بينما صدره تضخم من شدة الغضب والغيرة……

هتف من بين اسنانه المطبق عليها بقوة….

” متستفزنيش كيان……”

نظرت اليه بخوف بينما صدرها كان يرتفع

وينخفض من شدة الانفعال….

“بستفزك بأيه مش فاهمة……..”

مالى عليها براسه صارخاً باسمها بسطوة

مفجعة… “كــيــااااااان……..”

فاغمضت عينيها مرتعبة منه….هامسة بضعف….

“آسفه…..آسفة خلاص……..”

لم يحتاج الأمر منه أكثر من دقيقتين حتى

انسحب ثم اولاها ظهره قائلاً بصوتٍ متحشرج

من شدة الانفعال….. “اخرجي….اخرجي ياكيان…….”

اومات براسها بخوف وهي تركض على الباب المفتوح لتجد نفسها ترتطم بشاب ذات عطر

قوي ….رفعت فيروزيتاها عليه…لتجده

يبتسم لها قائلاً بعبث…..

“خدي بالك ياقطة……..”

استدارت تنظر الى سليم العاصف فوجدته يشير

لها بعيناه ان تخرج….ففعلت متجاهلة الرد على

هذا الزج……

استقبله سليم بملامح

واجمة…..

“خير ياشادي اي اللي جابك……”

دخل شادي المكتب وتخطاه ثم جلس على

الاريكة بصلف قائلاً بسماجة……..

“اي الاستقبال ده… دا انا أول مرة حتى اجي

مكتبك……..”

رد سليم بملل وهو يمسح على وجهه

بكفه….

“جاي لي ياشادي….. أخلص عشان عندي شغل

في المحكمة كمان نص ساعة……..”

ابتسم شادي بعبث قائلاً بلهجة لعوبة…..

“اوكي… روح المحكمة وخلص شغلك وانا هستناك

هنا…. مش السكرتيرة هتفضل برضو هنا…..”

جز سليم على اسنانه والغضب يتفاقم داخله

كمن يحترق على صفيح ساخن……

“شادي…. كيان محامية تحت التدريب وبتروح معايا

المشاوير اللي زي دي……. انت بقا عايزة إيه…..”

رد شادي بابتسامة سميكة……

“انا جايلك في قضية كبيرة تخص والد واحد صاحبي…. وانا بصرحة شكرت فيك وقولت انك الوحيد اللي هطلعه من القضية دي…..”

جلس سليم على المقعد المجاور للاريكة متسائلا ببرود….. “نوعها اي القضية دي……”

رد شادي ببساطه……. “مخدرات……”

أفصح سليم برفضٍ تام……

“انا مبشتغلش في قضايا مشبوهة…..انا محامي وليه اسمي….دور على غيري ياشادي……”

“مفيش مشكلة….القضايا كتير…..وانا لازم انفعك…

مش يمكن اكون السبب في اني اشهر المحاميه

القمر اللي قاعده برا دي……..”كان غليظ بطريقة استفزت سليم اكثر من الازم مما جعله يهدر بنفاذ صبر عليه…

“شادي…..كيان خط أحمر…….”

ضحك شادي بلؤم وهو يقول

ساخراً….

“غريبه……ايتن خط أحمر….. وكيان خط أحمر….

هو انت كل الستات اللي حوليك خط أحمر ولا

إيه….أرحم ياسليم….احنا كمان لينا نفس ندوق…”

اندفع الغضب داخله دفعة واحده فسحبه

من ياقة قميصة وجذبة إليه قائلاً بصوتٍ

أشبه بزئير الأسد…….

“انت عارف لولا انك في مكتبي…..انا كنت عملت فيك إيه………”

اهتزت حدقتي شادي بخوف ولم يقدر على السؤال فتابع سليم بعينين غاضبتين…مستهينتين……

“حظك حلو اني خايف على شكلي وسمعتي قدام

الناس….اخرج برا…….برا……….”

دفعه بقوة بعيداً عنه….فعدل شادي قميصة متوعدا

له…….بينما هدر سليم ينادي عليها بقوة…..

“كيااااان……..”

اتت كيان مهرولة بقلبٍ مزعور…ووقفت امامه

شاحبة الوجه بوجل…….

فاشار لها بان تجلب له أحد كتب القانون من

المكتبه الواقفة جوارها..ففعلت بحاجب معقود

وفم فاغر….كل هذا الصراخ لأجل كتاب !!….

بينما على الناحية الأخرى أشار هو لشادي بصرامة

بأن يخرج……بعد ان ضمن تواجدها امام عيناه…..

……………………………………………………………

كانت تسير في شارع الصاوي في طريقها للمطعم

بعد ان جلبت بعض المنتجات الغذائية التي ستحتاجها أليوم……

واثناء طريقها انتبهت لمشادة كلامية بين سيدة عجوزة بائعة خضار على الرصيف وبين المدعو (مرعي…)

تاففت في سرها مستغفرة الله ثم أسبلت

هدابها متجاهلة الأمر……….

لكن بكاء السيدة أوجاع قلبها واشعل الدماء في عروقها…خصوصاً وسيدة تبكي وتقسم بانها ليس

معها إلا ثمن الخبز لصغارها…..

والمدعو (مرعي..)يهددها بمنتهى الجحود بان يلقى فرشتها خارج الشارع ويمنعها من الدخول لهنا

وكاننا عودنا لزمن النبوت وفتوة الحي…والافتراء

على الغلابة أصبح من شيم القوة والسلطة لديهم……..

جزت على اسنانها وهي تعود ادراجها إليه….ثم

وقفت امامه تسأله بهدوء…..

“في اي بتزعق للست كدا ليه….مابراحة دي قد أمك……”

لوح مرعي لشهد بيده وهو يرمقها شزراً…..

“ماتخليكي في حالك ياست شهد……وبلاش تدخلي نفسك في مشاكل انتي في غنى عنها……”

بكت السيدة العجوز والتي ترتدي عباءة سوداء ووشاح رأس مماثل لها….كانت  نحيفة الجسد قصيرة القامة……. التجعيد تملئ وجه شاب من كثرة الهموم  والفقر……..

صرخ مرعي فيها قائلاً باسلوب بذيئ…

“ما تبطلي كهن يامرا….ودفعي اللي عليكي ماهي مش تكيه ابوكم…….المكان اللي واقفه فيها يخصني

وانا خليتك تقفي فيه تسترزقي وانا كمان استرزق

هتبوقي وتتكهني….قسما بالله اجبلك الخضار دا

كله على الأرض…….وهتدفعي برضو…. ”

قالت السيدة باكية وهي تمد له يدها

بمبلغ زهيد….

“والله يابني ما جمعت اللي دول…….”

نظر للأوراق المهترية بيدها ثم صاح

بجحود…

“يعمل اي دول….. دا ميجبوش علبة سجاير….”

قالت السيدة بحسرة وهي تنظر لفرشتها….

“وانت شايفني فرشة ووقفه بأيه يابني….دا

خس وجرجير وكزبرة…..ابوس إيدك يتاخد دول

يا تفوت النهاردة وانا والله هجبلك فلوسك

بكرة…….”

“بقا كده؟!…. يبقا انتي بقا اللي جبتيه لنفسك…….”

مالى مرعي على الخضار ينوي طرحه أرضا…..لكن شهد وقفت امامه تمنع الخراب ببسالة وبنظرة

حاسمة…….

“استنى…….انا هديك الفلوس………”

توقف مرعي وهو ينظر اليها بحاجب

مرفوع…

“قد القول….. ولا اي كلام……..”

زفرة شهد بقرف وهي تسأله بحنق

شديد….

“اخلص عايز كام…….”

اخبرها بالمبالغ الذي يريده فاخرجت من محفظتها عدة أوراق مالية واعطاتها له قائلة بازدراء…..

“اتفضل وياريت تبعد عن الست وتسبها تسترزق.. خلي في عينك حصوة ملح ياخي………”

ابتسم من زاوية واحدة قائلاً بجشاعة….

“عنيه ليكي ياست شهد انتي تأمري….بس شكل الآشية بقت معدن….والبلية لعبت معاكي…..”

ارتدت شهد القناع الحازم وهي تقول

بصرامة…….

“ميخصكش………ورينا عرض كتافك……”

“ماشي مصيرنا نتقابل تاني…هنروح من بعض فين……..”قالها وهو يبتعد عن ابصارها بمنتهى

الثقة والغرور…….يمشي مشيت المفتخر

بذنوبة…….

مسحت السيدة دموعها ونظرت لشهد بامتنان..

“كتر خيرك يابنتي…….ان شآء الله لما أبيع

الخضار دا هردهملك………”

“سيبك من دا كله…وقوليلي اي الخضار الأخضر

الحلو ده…..شكله صابح…..”قالتها شهد وهي

تنحني على الخضرة لتاخذ ما تريده…..

قالت السيدة وهي تجلس امام

فرشتها البسيطه…..

“أيوا والله بجيبوا كل يوم صابح…….”

أخذت شهد ما تحتاجة ثم استقامت واقفه

تقول….. “طب انا هاخد دول…حسابهم كام…….”

ضربت السيدة على صدرها شاهقة…..

“ياخبر…..بعد اللي عملتيه…..مش عايزة حاجة دول

عشانك ولو انهم أقل بكتير من اللي دفعتيه……”

قالت شهد بامتناع وهي تخرج من محفظتها

عدة ورقات مالية…….

“لا طبعاً الشغل شغل….خدي دول…….”

اخذتهم منه السيدة باستحياء…..

“بس دول اكتر من تمن الخضار…….”

اهدتها شهد إبتسامة رقيقة…..

“بتمنهم…….صباحك ورد………”

ابتعدت فدعت لها السيدة بمحبة…….

“صباحك فل وياسمين…..ربنا يجبر بخاطرك ربنا يسعدك….وينصرك على مين يعديكي……..”

عندما وصلت المطعم دخلت المطبخ سريعاً ووضعت

الاكياس على الرخامة بعصبية…..

فنظرت لها خلود بتعجب…..

“مالك جايه قلبه بوزك كدا ليه……..في حاجه حصلت……”

رفعت شهد شعرها للأعلى بعنف….

“الزفت اللي اسمه مرعي…مش ناوي يجبها لبر…”

سالتها خلود بتعجب…….

“ماله ومالك….ماهو بياخد اللي هو عاوزه….

عايزة اي تاني…”

تحركت شفتي شهد بشراسة…..

“ماهو عشان بياخد اللي هو عاوزة سايق فيها…”

مطت خلود شفتيها بعدم فهم…. “عملك إيه؟…..”

هزت شهد راسها وهي تسرد الموقف

ممتعضة الشفاة…

“مش انا ياخلود…قعد يرزاي في ست غلبانه فرشة بشوية جرجير في الشارع…راسه  والف سيف يرمي حاجتها في الشارع…….قال ايه مدفعتش تمن وقفتها…. “برقة شهد  بعينيها بشراسة

مضيفة…….

“وهو مال اهل….. مالك الشارع واحنا منعرفش…..”

سالته خلود بحذر….. “اوعي تكوني ادخلتي……”

اومات شهد برأسها ببسالة……

“طبعاً ادخلت…..الست صعبت عليا…مقدرتش امشي

وسيبها مذلولة لكلب زي ده….خصوصاً اني اقدر اساعدها………”

عقبت خلود بسخرية……

“وطبعاً خدتي البطولة ورحتي دفعتي الفلوس

من جيبك…….”

تعجبت شهد من هذا التعقيب المعاتب في

نفس الوقت……..

“امال عايزاني اعمل اي ياخلود…ست غلبانه هيرمي

فرشتها في الشارع….هو احنا قلبنا بقا حجر كدا ليه……”

قالت خلود بالامبالاة…..

“الحياة بقت صعبة وكله بقا بياكل في كله….”

انحنت شهد بكفها على الرخامة تقول

مفكرة بجدية…….

“مش مبرر…….انا عايزه احكي لعاصم على اللي بيحصل اهو يتصرف هو وكبار الشارع…ويلموا

الواد ده…….حرام اللي بيحصل ده والله..طب

احنا معانا ندفع غيرنا مش معاه يعمل إيه…….”

اجابتها خلود باستهانه…..

“ميعملش حاجة يشوفله مكان تاني يفرش فيه….”

هزت شهد راسها مستهجنة……

“اهو نظام نفسي نفسي ده….هو اللي مخلي واحد

زي ده يتنطط علينا….لو كلنا حطينا ايدينا في ايدينا

بعض هيحرم يبلطج علينا……”

حذرتها خلود قائلة بالهجة خطِرة…….

“شهد احنا مش عايزين مشاكل خافي على اكل عيشك….واياكي تقولي حاجة لعاصم….الدنيا هتولع

في الشارع من تاني…وانتي أول واحده هتتاخدي في رجلين لانك فتنتي عليه……اتقي شر مرعي دا

ابن حرام وملوش عزيز ولا غالي………”

اصرت شهد بعناد…..

“انا برضو مش هرتاح غير لما اجيب مناخيره

الأرض انا مش عجبني اللي بيحصل ده….دا ظلم……”

زفرة خلود مستغفرة ثم اخبرتها بقلة

صبر……..

“مين بيرضى الظلم ياشهد…محدش راضي عن عمايله المهببه…. بس اللي زي دول لو وقفتي قصادهم قولي على روحك يارحمن يارحيم….”

قالت شهد بشجاعة….

“ومين قالك اني خايفه منه…….”

قالت خلود بوجوم……

“بلاش تخافي على نفسك…خافي على اكل عيشك…

عليا وعلى جوزي والبنات الصغيرة اللي شغاله معاكي

خافي على أخوكي……..”

عند تلك النقطة تاففت شهد منزعجة وهي تغلق جفنيها لثانيتين ثم نظرة اليها قائلة بجزع….

“اقفلي على السيرة دي ياخلود…….وخلينا نركز

في شغلنا…….”

تنفسة خلود الصعداء وهي تخبرها بنبرة

عادية……

“عين العقل……… اسمعي بقا … في خمس اوردرات اتصله ورا بعض……. عايزين اي بقا ياستي…….

…………………………………………………………..



10=ج 2=

كانت تتنقل بين طاولة وأخرى توصل الطلبات

لزبائن المطعم………..

كانت تتحرك بحيوية ترتدي تنورة طويلةٍ سوداء

وكنزة صيفية انيقة وفوقها المريول……….ترفع

شعرها للأعلى بفوضوية محببة للأعين بينما

تتناثر الغرة بنعومة وتغطي جبهتها بدلالٍ…..

كان يذيع الراديو حينها أغنية رائعة تتماشى بشدة

مع نشاط حركاتها المبهجة………

(سألته هل داء الولع كان الجواب صدّه

ساق الدلال ساق الدلع مفاتيح هواه صدّوا

ومشيت أوشوش في الودع ولا جاني ليه ردّه

اللي فتح باب الوجع واجب عليه ردّه…)

( يالا ويا لالا ويا لالا يالا ويالا لِلّي

يالا ويا لالا ويا لالا يالا ويالا لِلّي…)

وضعت شهد الاطباق وهي تلقي ابتسامة مشرقة لزبائنها….فدخل من باب المطعم عاصم..والذي كان

عابس الوجه يستحلف لها بان يقتص منها كل

ما تفعله به………وخصوصاً الحيرة في فهمها….

رفعت عسليتاها عليه وعندما ابصرته خفق قلبها

بشدة وهي تخصه بإبتسامة دافئة مشرقة ملكاً له واحدُ…..سرعان ما تبدل حالة  ولان قلبه اليها ولوهلة نسى مالشيء الذي كان يغضبهُ منها منذ لحظات…….

هل تلك الجميلة صاحبة العيون العسلية المتلألأة

تستحق عناء العتاب….يالك من جلف؟!……

دوى صوت المذياع من جديد والعيون متعانقة

بألق عاطفياً…………بينما القلوب تحترق

صَبَابَة…..

(بعيونه بضرب مية مثل أول ما بيطلّوا

دَوقّته من طعم الغَزَل دوقّني من ذلّه

وبحبه أنا مهما حصل طب مين بقي يقول له

ماهو لو حبيبك كان عسل متخلّصوش كلّه….)

ظلت واقفه جانباً بانتظاره حتى قطع المسافات هو بخطى ثابته نحوها….وعندما وقف امامه نظر لها

بضيق……

“اي اللي عملتي امبارح دا ياشهد…….”

تاملت ملامحه العابسة ولحيته الحالكة….

وعيناه المظلم بالدفء ؟!….فبلعت ريقها وهي

تبحث عن صوتها امام هيبة حضوره………

“طب صباح الخير الأول….مالك مضايق كدا ليه….”

رد قاطعاً…….. “منك…..”

رمشت جافلة للحظات……. “انا ؟!…. لي كده…….”

اغمض عيناه زافراً ثم عاد اليها كاظم

الغيظ………

“اي حكاية فلوس الايجار اللي ادتيه للحاجة….هو مش الشغل دا بينا….بدخلي الحاجة نصرة فيه

ليه….”

قالت شهد مختصرة…..

“ببساطه لانك مش راضي تاخد فلوس الإيجار……”

رفع حاجب ضارياً…… “تقومي تدهولها……..”

بملامح ثابته اوضحة وجهة نظرها…..

“الشغل شغل ياعاصم….وطالما انا متحرجتش وخدت حقي بعد ماليوم خلص….انت كمان متتحرجش تاخد مني إيجار المطعم……..”

زمجر عاصم….. “حد قالك اني محتاج…….”

بهت وجهها في لحظة وسالته……

“قصدك اننا اللي محتاجة…عشان كده خدت حقي..”

قال بثبات انفعاليّ…..”انت لسه قايله حقك…….”

ردت بصلابة……”وفلوس الايجار حقك انت كمان…….”

تافف عاصم بحنق شديد…..

“انا تعبت معاكي مبقتش فهمك ياشــهــد……”

خفق قلبها بشدة مع سماع اسمها بايقاع يطرب

مشاعرها……..

ومع ذلك عقدة ساعديها امام صدرها وبدت في

أوج الهدوء وهي تخبره…..

“انا اللي مش فاهمه اي اللي مضايقك……مفهاش حاجة خالص لو اتعملنا في الشغل كده…..ملهاش

علاقة باي حاجة في دماغك…….”

سالها متزمراً……. “واي هو اللي في دماغي…….”

بعفوية إجابة…….. “انا……”

نظر لها بقوة وقد اشتعلت وجنتيها بعد ردها السخيف……لكنه لم يمهل عقلها فرصةٍ للتبرير فأكد بنظرة مهيمنة……..”كويس انك عارفة…….”

رمشت عدت مرات وهي تهرب من عيناه القوية ولكن ازدادت سلطة نظراته عليها فسالته بنبرة مهتزة…..

“بتبصلي كدا ليه…….”

رد بلهجة خطِرة….. “عايز اتكلم معاكي……..”

نظرة للمطعم الذي يعج بالزبائن والتي بدأت تركز معاهما بعد تعابير وجوههما ونظراتهما المعبرة كذلك…..

“ينفع اخر النهار بعد الشغل……”

هز عاصم راسه غير مرحب بالفكرة……

“اخوكي هيكون هنا…ولي عايز اكلمك فيه مش عايز

حد يسمعه غيرنا….على الاقل دلوقتي……”

سيطر الفضول عليها لذا قالت مقترحة…

“تحب نتكلم دلوقتي…….”

رفض قائلاً بخشونة…….

“هعدي عليكي كمان ساعة…..في نفس المكان اللي

بنتقابل فيه…….”

قالت سريعا…… “هسبقك على هناك……….”

اوما لها بالموافقة وهو يتعمق في كهرمان

عينيها……..ثم اخبره بعيون مداعبة…….

“صحيح………صباحك زي الشهد……ياشـهـد…….”

ابتعد مغادراً المكان تارك قلبها يشتعل في حضورة

ويحترق في بعاده…….فأين الخلاص منك ياسيدي..

……………………………………………………………..

جلست على أحد الصخور الحجرية الموجوده على سطح البحر من ناحية اليابسة……..

مدت يدها في الماء وحركتها على مهل وهي شاردة في جمال الكون….وابداع الخالق……..والماء يداعب

يديها ويعانقها على مهل………..

بينما الجلوس امام زُرقة المياء يصفي ذهنها ويريح

بالها قليلاً وكانها في مكانها المناسب……….اغمضت عينيها تاركه احساسها يعلو  فوق السحب…..وصورة الوسيم ذات الحضور المهيب والاهتمام الحاني….. ونظراته  الدافئة نحوها…. تحرك مشاعرها الى المجهول…….

تستشعر انها تغرق معه….ومع ذلك سعيدة….بل لولا

انها نست كيف تعبر عن سعادتها لكانت فعلت….

انها نست كيف تكون السعادة…..لكنها تشعر بها معه…

وحتى ان فشلت في التعبير عن مايجول بخاطرها

هي تشعر انها تلامس نجمة من السماء معه…..

لكن الماضي….والدها ….إلهام…..الانتكاسات الكبرى التي حصلت من خلفهما…….كيف ستتخطاها….

هي وشقيقيها………

وحالياً….. شقيقة الهام رُفيدة طليقة عاصم……كيف

ستتخطى هذا الأمر…..وقد رأت في عينيها بصورة

صريحة انها لا تنوي خيراً……..

وماذا عن خطط المستقبل…..احلامها…ما تطمع اليه وتود الوصل له…الاستقلال…. البعد عن كنف الرجال من جبروة وجحود وقسوة تظلل قلوبهم………..

اين ذهبت…..المشاعر تأرجح قرارتها يميناً ويساراً

وأصبحت ضائعة……. مشتته………تاركه نفسها

للاحداث تحركها دون ان تبدي قراراً قاطعاً

بها…..

“اتأخرت عليكي…..”

اتى صوت عاصم ليطفئ نيران افكارها….ويشعل نيران مشاعرها…….فنظرة اليه بصمت وعادت تتلبسها

تلك المرأه الكارهة للحياة ، الفظة مع بني آدم….

“خير كنت عايزني في إيه…….”

انعقد حاجبي عاصم سريعاً معقبا

بارتياب…

“سؤال بس…… هو انتي ملبوسة…….”

“إيه……”اتسعت عينا شهد نحوه

بصدمة….فاكد هو بوجوم…..

“انتي مش طبيعيه ياشهد…….مش طبيعية…..”

احتدت نظراتها عليه….. “قصدك اني مجنونة…..”

رد بفظاظة عليها….

“ياريت كانوا جلستين كهربا فوقوكي…..”

“انا ماشية……” تزمرت بمنتهى الانفعال وكادت ان تنهض من مكانها…..لولا يد عاصم التي قبضة على

معصمها تمنع تحركها بينما هو يخبرها بعنف

ونظرات متوهجة………

“قعدي هنا……….اسمعي ياللي لحد دلوقتي مش

فاهم فيكي غير أسمك……كلك كلكيع ومش مفهومه

ومع ذلك عجباني…..إزاي بقا معرفش…تقريباً الواحد قُرب الاربعين مخه بيسيح  ………زي مابيقوله كده شاب وخاب…..وانا شِبت وخِبت….وعايز اتجوزك…..

يامجنونة…..”

تسمرت مكانها كتمثال مجسم لا تبدي اية ردة فعل…

فقط حدقتيها تهتز باتساع جفنيها أكثر… تنظر اليه بعينين غير مستوعبتين… غاضبتين…مرتبكتين

وعندما طالت نظراتها الممزوجة بمشاعر عديدة

سألها ببطئ……بينما عيناه تجري على تعابير

وجهها الصريح…….

“بتصيلي كدا ليه…….. موافقة…….”

هزت راسها بسرعة… “لا…….”

لم يبدو عليه الانزعاج من ردها المتسرع وكانه

فهم حالة العِته التي تزورها بين الحين

والآخر…….

“كنت متأكد انك هتقوليها…… قلبك حجر…. لا

ليه ؟!……”

حاولت ان تتجازو حالة الذهول التي تلبستها

تلك……وقد عادت الى رشدها بتدريج…

فاطرقت براسها قائلة……..

“عاصم…….. انا مش مستعده للجواز…….”

رد هو ببساطه…. “ولا أنا………”

رفعت عينيها عليه بصدمة ممزوجة بسوء

الظن…… “يعني إيه……..”

فهم مغزى نظراتها وسؤالها المرتاب فقال

بجدية…….

“اي النظرة دي…. اكيد عايزك في الحلال… بس انا قصدي نعمل فترة خطوبة… ونتعرف فيها اكتر على بعض……. ونقرب المسافات بينا…… ”

سالته جافلة……. “خطوبة؟!…….”

اوما براسه متسائلاً…. “أيوا………. ساكته ليه……..”

نظرة اليه مستفسرة…. “طب والمطعم؟……..”

سالها بحيرة…… “ماله المطعم ؟!!…….”

قالت شهد بجدية شديدة…..

“انا مش هسيب شغلي في المطعم ياعاصم… العقد

لمدة سنة…….”

ضيق عيناه في خطٍ مستقيم….. “يعني إيه……”

قالت بمنتهى العملية……

“يعني دي خطوبة…. فترة تعارف…. احتمال كبير نفشل…. فبلاش توقف اكل عيشي…. انا مصدقت

عملت زبون في المكان…….”

انزعج جداً من تعلقها بهذا الأمر فقال

بوجوم…….

“وشكلي قدام الناس ياشهد…. يرضيكي……”

هزت راسها بغير استيعاب وكانه صفعها على

حين غرة….

“قصدك إيه…… انت مستعر مني ومن شغلي…..”

اكفهر وجه عاصم وقال مستنكراً……

“اي العبط ده… لو مستعر منك هبقا عايز اتجوزك ليه……..اعقليها ياشهد… انا ليا اسمي في سوق والشارع كله… عارف مين هو عاصم الصاوي… ”

عقدت ساعديها امام صدرها…متصلبة الرأي….

“شغلي ميعبكش ياعاصم…. ودا شرط أساسي

قبل ما أرد عليك…….”

ابتسم ساخراً وهو ينظر لها بانفعال

مكبوت….

“ويترى لو ربنا وفقنا…… واتجوزنا….. هتفضلي

برضو شغاله في المطعم…….”

نظرة اليه بطرف عينيها قائلة……

“لم يجي وقتها…….واطمنلك………”

انزعج جداً من ردها فعلق واجماً……

“مش فاهم……. انتي مش حسى بحاجة ناحيتي…”

خفق قلبها بشدة…..فحلت وثاق ذراعيها حول

صدرها…..فوضعت كفيها على ساقيها وبدأت

تفركهم في بعضهما بتوتر بينما وجهها مشعٍ

خجل من نوع آخر……….

“شــهــد………”فنادها عاصم وهو يمسك كفها لأول مرة بطريقة خاصة……فعندما تمكن  منه بدأ يحرك أصابعه على ظهر يدها الناعم مداعباً اياها بحركة دائرية  حانية….

ارتجف جسدها من تلك المسة الحانية والرجفة

وصلت عبر لمسة يده فابتسم هو…..وهو يحارب

معها حتى يلتقي بكنفة الامن……عينيها……..

حاولت سحب يدها وهي تهمس بضعف استوطن

فؤادها……بلمسة…… وهمسة منه…..

“عـاصـم…….”

فنظرت اليه وقد خضعت لتوهج عيناه النابضة بمشاعر عنيفة جميعها تصب على قلبها فتزداد

الأمور صعوبة معها……..همس عاصم بصوتٍ

أجش بينما يدهُ تلمس ظهر كفها بشكلاً

عاطفي….

“انا دايب ياشهد…..دايب فيكي…. من أول مرة وقعت عيني عليكي وانتي خطفاني…….معقول مش حسى

بحاجة ناحيتي…….”

اين طوق النجاة الان….تقسم انها تحتبر معه أشياء

لم تفكر فيها يوماً طوال سنوات عمرها…….

كيف تسمح لهُ بمسك يدها هكذا…. بل كيف تترك نفسها تسمع اعتراف يُرهق قلبها نبضاً…….يُشغل

عقلها ليلاً……ويُسهر عينيها حتى الصباح………

سحبت يدها بقوة وهي تهرب منها ناهضة

من مكانها….. “عـاصم……..انا اتاخرت… ”

وقفا على الصخور معاً يمنعها عن الرحيل

قائلاً بلهفة…..

“استني ياشهد قولي انك موافقة……….”

ترددت بصدق امام لهفة

عيناه…..

“مش عارفه…. اديني فرصة…….”

اخبرها عاصم بتفهم…..

“فكري في فترة الخطوبة ومديها زي مانتي عايزة..

لحد ماتطمني…..”

تلاقت اعينهما مجدداً فاضاف بحسم….

“هستنا ردك بليل………”

رمشت بعينيها عدت مرات وقالت

بنفي مرتبكة……..

“عاصم الموضيع اللي زي…. مش بتتاخد بالسرعة دي…….”

قال بتململ وهو يرجع خصلات شعره

للخلف….

“عايزة قد ايه عشان تفكري…….”

مطت شفتيها مفكرة…… “شهر مثلاً……..”

رفع حاجباه مصدوماً…..ليرد عليها هازئاً……..

“شهر؟!!….. وليه الاستعجال ده…. ماتردي عليا السنة

الجايه……”

اومات براسها ببرود…… “زي ماتحب…….”

“متستفزنيش ياشـهـد…….”جز على اسنانه بقلة

صبر معها…..لذا قالت هي بتبرم…….

“كمان اسبوعين كده كويس……..”

هز راسه بتزمت وقال بصلابة…….

“لا…….خير الأمور الوسط…… يومين بظبط وهكلمك……. وهعرف ردك النهائية وفي اليومين

دول هبعد عنك خالص… عشان متقوليش اني

بأثر عليكي……. فكري براحتك… وردي عليا برضو براحتك…. بس مش اسبوعين كفاية يومين….. اتفقنا……..”

اومات برأسها…. “اتفقنا………يلا نرجع شغلنا…. ”

“خلينا قعدين شوية….. ربع ساعة كمان…….”أشار لها بان تجلس….فسالته بحيرة

“وليه بقا؟……”

“يمكن لانك هتغيبي عن عيني يومين بحالهم…”

رغم جمال المعنى المتخفي خلف جملته إلا انه

كان عابساً…..متجهم النظرات…….

مما جعلها تطاوعه وتجلس قائلة

بمناغشة…

“تعرف انك شاطر أوي في الكلام…….”

جلس جوارها ورد بوقاحة دون النظر

لعينيها…. “وفي الأفعال كمان……..”

احمرت وجنتيها سريعاً وتغاضيت عن التعليق…

فنظر هو لها بطرف عيناه…..ثم لانت ملامحه

وتغزل بها قائلاً…….

“بتبقي حلوة اوي لما بتكسفي فجأه….ولما

بتضحكي على غافلة…….خليكي كده أحلى

بكتير……. من….”

نظرت اليه مستفسرة…… “من إيه…..”

عاد لجمال عينيها يأسرها قائلاً……

“انتي عارفه…. لما بتسرحي وتقلبي من غير سبب

بترمي كلمتين دبش…… وبتهربي……..”

سالته بلهجة مريرة……

“ومين قالك اني بقلب من غير سبب…….”

رد رداً قاطعاً…..

“بكرة اعرف السبب واعلجه…….”

ابتسمت ساخرة…. “ملوش علاج……….”

اشار على نفسه بغرورٍ……

“عند العبد لله……… كل حاجة موجودة…….”

نظرت امامها للبحر…. بملامح باهته

كروحها…….

“حلوه الثقة دي…….. بس انت هتتعب بسرعة وهتمشي في اقرب وقت……”

رد بثقة أكبر وعيناه لا تفارق جانب

وجهها….

“أكيد يوم ما همشي هتكوني معايا….على كتافي..”

مطت شفتيها يائسة…… “دا انت مصمم بقا……”

رد بصبرٍ أكبر….

“بالي طويل……. ومصمم أوي……..”

قالت بنبرة واهية… “هتتعب……..”

رد بثقة غير منتهية….. “مصيري أتعود…….”

اومات برأسها مضيفة بأسى….. “هتزهق……..”

تغزل في عسليتاها البراقة

قائلاً….

“قدام العيون الحلوة دي…. مظنش…..”

ببسمة لم تصل لعينيها قالت

بحزن….. “مع الايام هتمل مني………”

“مع الأيام هتعلق بيكي أكتر……..”أكد بنظرة صادقة

تعبر لها عن الكثير…..فاطرقت برأسها حينها هاربة

فناداها عاصم كما تحب وكما هو يفضل متكأ على الأحرف الثلاثة وكانما يتذوقهما لأول مرة على لسانه……….

“شـهـد…….”

نظرت اليه بقلبٍ نابض بالوجع…..فسالها هو حائراً

من أمرها……… “انتي خايفه من إيه…….”

(خايفة أحبك………)

لم تقدر على ان تتفوه بها….أكبر مخاوفها ان تقع

في الحب……….وهو يجذبها كالمغناطيس لأكبر مخاوفها……دون اي رأفة بحالها………

عندما طال صمتها……حاول عاصم بث الطمأنينة بقلبها المرتاع……. فقال على مهل…..

“سبيها بظروفها…. انا معاكي للآخر……..”

……………………………………………………………..

كانت تتمايل أمامه باغواء على أوتار شعبية صاخبة

بينما هو يجلس يستريح على الاريكة ويأكل من حبات العنب بين يده بتلذذ بينما عيناه الشهوانية

تلاحق مفاتنها المهتزة بانتشاء……

اما هي فكانت تسعى لاغواءه بكل الطرق….. فربما تمكنة من قلبه ولامست نقاط ضعفة ثم تضمن

بعدها جزءاً من املاكه !…..

هذهِ هي اهدافها في العلاقة….. بعض الضمانات المادية فأذا مل منها يوماً والقاها خارج محيطه

تجد ما يعولها من بعده………

صدح جرس الباب في تلك الأوقات أوقف

لحظاتهما الخاصة……. فحلت مهجة الوشاح من

حول خصرها……قائلة بميوعة…….

“الباب بيخبط ياسيد الرجالة…….”

هتف عثمان وهو يتحسس صدره بحرارة….

“سيبك منه وتعالي…….”

ابتسمت بمراوغة….. قائلة بدلال….

“اجي فين هنا؟!…. على الكنبة……”

“تغيير يابت…. تعالي…….”سحبها لاحضانه ومالى حتى يقبلها لكن الطارق ازداد الحاحاً…. فتركها

عثمان على مضض متاففاً بنزق…..

” وبعدين بقا في وجع الدماغ ده……دي اكيد واحده من الجيران اللي فتحالهم الشقة على البحري…… ”

هزت مهجة راسها مرتعده…..

“لا ونبي ياخويا…. دا انا قاطعتهم كلهم عشان

خاطرك….”

سالها بملامح شيطانية……. “أمال مين……”

“هروح اشوف روق ياسيد الرجالة…. ثواني وجايه……..”قالتها برجاء وهي تبتعد عنه……

وقبل وصولها للباب غمغمت بحنق…..

“منك لله ياللي على الباب… هطفش الراجل

مني…..”

فتحت الباب بتجهم….. ناوية افتعال المشاكل مع هذا

الضيف الغير مرغوب به الآن………

شل لسانها وجفلت متفحصة تلك السيدة الانيقة

التي تقف على اعتاب بيتها…… امرأة شقراء

الشعر….ترتدي طاقم كلاسيكي انيق وتقف امامها باستعلاء…… جميلة الملامح لكن  عينيها الزرقاء كالجمر المشتعل تلقي نظرات نارية عدائية عليها

بدون سبب وجيه…..

عندما ذأبت الصدمة من على وجه مهجة……

سألتها باستفهام…..

“خير ياهانم…….عايزة حاجة…….”

بمنتهى العجرفة دفعتها المرأة من امامها ودخلت الشقة بخطوات متشنجة ثم وقفت في الردهة…….تنادي بعزم مافيها هائجة بجنون………

“عثماااان…….عثماااان…….”

اغلقت مهجة الباب بقوة واتجهت اليها صارخة

فيها بغضب……..

“هو اي اصله ده…….هي وكالة من غير بواب….”

زمت المرأة شفتيها مشمئزة……

“اركني على جنب…مبقاش غير الخدامين كمان اللي هتكلم معايا…….”

اتسعت عينا مهجة بغضب وسريعاً فتحت ذراعيها الاثنين شاهقة……..

“خدامين….خدامين مين ياعووووووومر…..دا انا مرات سيدك وسيد الناس كلها….مرات عثمان الدسوقي على سن ورمح……..”

لم يرف لها جفن وكأن هذه الأمور اعتادت

سماعها عنه… فمن يوم ان تركته وهو يلهو في

اجساد النساء حتى ينساها…..وهذا يرضي

غرورها…. قالت بتعالي مهينة إياها……

“مراته ؟!….يااي……ذوقه بقا بلدي أوي……”

“ماتحترمي نفسك ياوليه….هو محدش مالي عينك ولا إيه………”صاحت مهجة بنفاذ صبر وهي على وشك صفعها….

لكن نداء عثمان القوي اوقف تلك المهزلة……

“مهجة………”

لم تنظر اليه المرأه بل انتظرت بفارغ الصبر ان

تتبخر تلك الخرقاء حتى تبدأ بالتحدث معه على انفراد…..

اتجهت اليه مهجة تشتكي…….

“كويس انك جيت ياسي عثمان……الست دي داخله

كده من غير لا إحم ولا دستور…….لا وبتهزقني…”

أمرها عثمان بنظرة مهيبة….

“ادخلي على اوضتك يامهجة….ومتطلعيش منها…….غير بأمر مني…”

تعجبت مهجة من رده فقالت….

“بس ياسي عثمان……….”

بتر جملتها وهو يرمقها

شزراً ….

“مهجة…..مش هعيد الكلمة مرتين…..”

ارتعدت داخلين لذا قالت

مذعنة……

“انت تأمر ياسيد الناس……..اومرك……”

دلفت غرفتها واغلقت الباب عليها….فنظر عثمان

للمرأة من أول رأسها حتى اخمص قدميها…..

تلك المرأة التي اشتهاها قبل سبعة وعشرون عاماً

ومزال يشتهي قربها وكأن المشاعر مزالت وليدة

داخله لم تتلاشى بعد……

تلك المرأة التي اشتهاها بشدة….ترك كل شيءٍ لاجلها

زوجته أولاده….وضع كل شيءٍ تحت اقدامها….لكنها

لم تقدم تنازل واحداً ليكونوا معاً……..

كانت أنانية وحقيرة معه….ولم تكتفي بذلك بل تابعت

حياتها وتزوجت من غيره……..الأكثر سلطه ومالاً….

تلك المرأة التي اشتهاها بشدة… مزال يسعى للوصول اليها انتقاماً وحباً……وها قد اتت

بعد ان القى الطُعم لها !!…….

“متغيرتيش كتير يا إلهام…. لسه زي مانتي….”

نظرت الهام اليه فوجدته ينظر لجسدها بوقاحة

فابتسمت بغرور قائلة ببرود…..

“بس انت بقا عجزت اوي…. لا وكمان ذوقك بقا بلدي…….”

ابتسم عثمان بسماجة……. “غيرانه…….”

رفعت انفها بترفع……

“دا كان زمان…. دلوقتي انا الهانم إلهام…. مراة مسعد الصاوي……..”

ضحك هازئاً……

“آه فكرتيني…. وياترى جوزك عارف انك جيالي شقتي…”

احتدت زُرقة عينيها فقالت بتهكم….

“انا مش جايه للي في دماغك….. انا عيزاك

في موضوع مهم…… موضوع يخص شهد بنتك…

اللي رميتها في سكتي عشان تخطف…. جوز

اختي عاصم الصاوي ابن اخو جوزي ياعثمان..”

اقترح عثمان بهدوء شديد….وكان الخبر

قديم بنسبة له……….

“يبقا نتكلم جوا…….. عشان الحيطان ليها ودان…”

اتجهت إلهام بمنتهى العصبية الى الغرفة الذي أشار عليها…..بينما على الناحية الأخرى لحقت بهم

(مُهجة) ترهف السمع من خلف الباب المغلق

بحرصٍ شديد….

……………………………………………………………

عندما جلست على الاريكة نظرة اليه بعينين تقدحان

شرراً……..وهتفت بصرامة قصوى….

“بنتك تبعد عن عاصم…..سامع……”

لوى شفتيه بابتسامة بذيئة….. “والمقابل……”

احتدت النظرات وهي تهتف بشراسة من بين

أسنانها……..

“ااه دا انتوا طبخنها سوا بقا…….يعني مش صدفة

ان الطباخة تبقا بنتك أنت……..”

تحسس عثمان ركبته قائلاً بثقة….

“مفيش حاجة تفوتني يا إلهام…….وشهد من أول

يوم دخلت فيها الشارع وانا على علم بكل حاجة

بتحصل معاها….”

حركت راسها متشدقة……. “يعني إيه…..”

رد عثمان بابتسامة متشفية……

“يعني انا رميت الطُعم….وابن أخو جوزك كله……

ودا اللي خلاكي تجيلي برجلك… ”

اضطرب جسدها لوهلة وهي تساله بشك….

“انت عايز إيه بظبط…….”

رد رداً قاطعاً بملامح قاتمة…….. “عايزك……”

رجعت براسها للخلف بعينين متفاجئتين من

جرأته….. “انت اتجننت…….انا متجوزه……”

رد عثمان بالامبالاة…..

“ومالوا اطلقي……ونتجوز……..”

اشارة عليه ذاهلة……..”اتجوزك…….”ثم تشدقت ضاحكة بسخرية سوداء………..

“والله دي أحلى نكته سمعتها…….اسيب كله الهيلمان

ده…..واتجوزك….دا انا أبقى واحده مبفهمش

….انسى….. “قالت آخر كلمة بحاجب مرفوع

بتحدي………

فهز عثمان راسه مجيباً ببرود جمدها…..

“ومالوا…….يبقا انا كمان هشاركك في الهيلمان ده…وهفضل ليكي زي اللقمة في الزور انا وبنتي….”

بصيحة متهورة صرحت…….

“يبقا هحكي لعاصم على كل حاجة وهقلب المعبد

على دماغكم……..”

أومأ عثمان براسه بثباتٍ وفي أوج الهدوء

اقترح بفطنةٍ………

“ساعتها لما يسألك عرفتي منين ابقي قوليلوا روحت

شقة حبيبي القديم……وعرفت منه…. اللي بيخطط

ليه هو وبنته……..”

نهضت من مكانها صارخة بجنون… “عثماااااان…..”

قفز من مكانه هو أيضاً يواجهها بجسارة….

“الهاااام……….متلعبيش بنار….وفكري كويس…انا عايزك في الحلال…..وهسامحك على كل حاجة

عملتيها معايا زمان….قولتي إيه…….”

هاجت الهام بعينين عاصفتين……

“انت جرا لمخك حاجة……..بقولك انا متجوزه

ومخلفة منه….يزن….اللى كمان كام سنة هيكون

دكتور قد الدنيا…….يزن وريث عيلة الصاوي……”

رد عثمان ببرود…….

“وعاصم…..جوز بنتي كبير عيلة الصاوي..بعد سبع

البرومبة جوزك……..”

ضحكة بسخرية وتشدقت بلؤم……

“قوام كده خليته جوز بنتك….أفرض بيتسلى بيها……ومش ناوي على جواز…….”

اظلمت عينا عثمان ورغم ذلك رد ببرود…..

“لا من ناحية دي اطمني…….انا عارف كويس بنتي

هتعمل إيه معاه……….”

اشاحت بوجهها للناحية الأخرى

متاففه بجزع….

“واضح ان الكلام معاك….ممنوش فايدة……”

لمعة عينا عثمان بنشوة وهو ينظر لوجهها

الغاضب واقترح بخساسة……

“فكري….باشارة منك……بكلمة واحده هوقف الجوازه…..وممكن بكلمة تانيه….امضي على عقد

جوازهم………”

تلونت شفتيها بإبتسامة حاقدة…..

“لعبتها صح ياعثمان…….”

اوما لها عثمان بزهوٍ…….

“مش كده مين يصدق…ان اللي بعدتنا عن بعض

زمان تقربنا دلوقتي……..”

“بتحلم…..انا لحمي مُر ياعثمان….وبنتك مش هتسلم مني……….”دوى صوتها كالرعد اجفله لبرهة……….

لكنه رد بصوتٍ كالجليد المسنن غير

مبالي…..

“ومالوا……….راحت شهد….تيجي كيان….هو انا مقولتلكيش ان عندي بنت تانيه…..غير شهد…”

نظرة له الهام بعدم تصديق….وكأنها لم تفعلها

مع أختها من قبل !!……

“وكلهم……عملهم طُعم عشان توصل للانت عايزوا..”

رفع عثمان قبضةٍ مضمومة أمامه بشدة قائلاً

بسطوة مرعبة…….

“كلهم…..كلهم تحت ايدي…. احركهم زي مانا عايز….احركهم لصلحي……لصلحي انا يا إلهام…….”

لوهلة خافت منه……فقد تحولت ملامحه الغير مبالية

لملامح شيطانية مرعبة…..تلبسه شيطان يعرف ماذا يريد……وماذا سيفعل مع عبيدُ  !…………أولادهُ هم عبيدُ….هكذا أوضح الحديث…….مجرد عبيد يأمرهم

فيطيعوا……..

………………………………………………………………



10=ج3=

كان يقف في الشرفة يستند على السور بكفه الصلب بينما باليد الاخرى يمسك السجارة بين أصابعه…

ينفث منها بمنتهى الشراهة وكأنه يتصارع معها….

مزال منزعج غاضب ، يحترق صدره كمرجل

ناري ، اعصابه تلفت…. وأصبح على غير هدى

يشعر ان العالم كله يحاربهُ…والده…. شقيقتيه

…العمل……الحبيبة السابقة…..والتي اتضح

مع الوقت انها كذبة كبيرة عاشها لعامين

وأكثر……..

زفر الدخان الرمادي في الهواء فخرج يتراقص امام

عيناه المظلمة……..

مزال يلوم نفسه على تلك الصفعة الذي القاها على صدغ كيان……للحظة تهيأ اليه انه أصبح نسخة مصغرة من (عثمان الدسوقي….)النسخة الاشد

قسوة وصعوبة…….التي تشربة من كل ماهو

سيء وسوداوي !….

لم يكن هكذآ….. لكن خوفه عليها قادة لتلك الفعلة

وصفعها على حين غرة…. وحينها نزلت الصفعة

على قلبه كسوط حاداً….. فقد رأى في عينيها…… شيءٍ من الذنب….. من  الكذب…….من الإعتذار….من الندم….. اختلطت نظراتها نحوه بعد تلك الصفعة  بمشاعر عديدة ومع ذلك لم يفهم أياً منهم…….كان كالمغيب وهو يدفعها بعيداً  عنه حتى تتقِ شره

الآن….

دخلت قمر الى الشرفة تحمل صنية عليها قدحان

من القهوة……..ثم سعلت فجأه بعدما سحبت الى رئتاها كمية كبيرة من دخان السجار……….

فنظر لها حمزة بانزعاج فلا ينقصه وجودها الآن….

نظرة له قمر بضيق قائلة بتبرم……

“اتقي الله…….وبطل القرف اللي بتشربه ده…

الواحد شم الريحة بس اتخنق……”

رمى السجارة خارج الشرفة متاففاً

بجزع….

“قمر…….انا مش فايقلك……اطلعي من دماغي….”

وضعت الصنية جانباً على السور….وقالت

بوجوم…….

“الله……..مالك كاني بتمسح فيك…..جيبالك

قهوة انا غلطانه……..”

رد حمزة بفظاظة وهو ينظر للجهة

الأخرى…

“ااه غلطانه………خديها ومشي…….”

نظرة له بعدم تصديق…..ثم تقدمت منه بتلك العباءة البيتي الانيقة…..وبشعرها  الأسود المتراقص على ظهرها بدلال……….بملامحها الانثوية الرقيقة

والتي تحمل جاذبية ليس لها مثيل…….

وقفت جواره ونظرة للشارع بالاسفل قائلة

بسخرية……

“يخربيتك متربي عشر مرات……مش عارفة

بصراحة اودي الأدب والأخلاق والذوق بتاعك

ده فين….لا بجد تتحسد……لازم ابخرك……”

لوى حمزة شفتيه معقباً…. “اي خفة الدم دي………”

مدت يدها واخذت قدح القهوة ثم قدمتها

إليه بابتسامة صفراء…..

“من بعض ماعندكم……خد القهوة……”

جز حمزة على اسنانه وهو ينظر لوجه القدح البني بين اصابعها البيضاء النحيلة  ، والذي ينافس لونه بنيتاها الداكنة والتي تحدق به الان منتظرة…

فارة الدماء في عروقه بشكلاً مبالغ

فيه……

“مش عايز يابنتي…..انتي مابتفهميش……اطلعي

من دماغي عشان انا على أخري……….”

مطت قمر شفتيها بأسى قائلة بمسكنة أنثوية

لها تأثير فعال…….

“انا مده ايدي ياحمزة……..وعملهالك بنفسي…معقول

هتكسر بخاطري………”

رمش بعيناه بعدم تصديق….فقد تغيرت نظرتها

ونبرة صوتها في لحظة للحمل الوديع…مما جعله

ياخذهُ منها على مضض غير قادر على

كسر خاطرها……

“لا وإحنا نقدر نكسر بخاطر قمراية…….”

ابتسمت قمر بسعادة……واشرق صدرها فجأه وهي تشاركه الجلسة….احتست القهوة جواره…..تنظر

للسماء وللمباني الاماميه المحيطه بهم……والهواء يضرب وجهها ممزوج بنكهة البحر المميزة……….

تحب موقع الشقة جداً….فهو قريب من البحر ربما

لا ترى البحر بشكلاً مباشر لكن تشتشعره…..بصوت أمواجه الثائرة ليلاً مع الرياح الشديدة التي تمر عليهم بعد ان تمتزج برائحة البحر…….

بعد لحظتين من الصمت نظرة له قمر وقالت

بصوتٍ هادئ…… “بقولك يا حمزة……”

قاطعها بفظاظته المعتادة أمراً…..

“هشش….انا بحب اشرب القهوة بهدوء…..هترغي..

خدي القهوة بتاعتك ومشي…….”

توسعت عينيها بدهشة وتبدد الهدوء على

ملامحها الى امتعاض….فغمغمت بقرف وهي

تشيح بوجهها بعيداً عنه…..

“استغفر آلله العظيم…..اتكتمنا………أطفح وانت ساكت……..”

نظر لها حمزة بزهول….تلك الفتاة تطاول عليه بشكلاً

يستفزة ومع ذلك أحياناً يتغاضى عن الرد عليها…ولا يعرف لماذا………

هتف بصوتٍ متوعداً بالشر……

“أطفح ؟!…….والمصحف ارميها في وشك متستفزنيش………”

نظرت اليه قمر بنفاذ صبر….

“اعملها كده…… وانا افتح دماغك…….”

زهل حمزة من ردها……. فالوقع هو ليس مهذباً

أبداً….ويجيد الرد بأقذع الكلمات…….بل لديه

قاموس من الشتائم المتعارف عليها والغير متعارف……لكنه سيكبح غضبة ويعض على

لسانه فلا يصح الرد على النساء بأسلوبٍ

مماثل او أشد وطأة……

“اي يابت ده……..”

زمت شفتيها متعجبة…..

“اي عايز تكلم ومحدش يرد عليك…….”

هز راسه زافراً….. “والله انا غلطان…….غلطان………”

لوحت قمر بكفها بملل شديد….

“مش هنخلص بقا من السيرة دي……..”

قال حمزة باستفزاز……..

“دا هيفضل جميل متعلق في رقابتك ليوم الدين…”

قالت قمر بتهكم…….. “مصيري ارده……..”

هز رأسه ساخراً……..”آآه اما نشوف……..”

اخرجت قمر تنهيدة ثقيلة وهي تسأله

بحرصٍ….

“هو انت لسه مكلمتش كيان…….”

ظنت انه سيرد بفظاظة كالعادة…..لكنه اجابها

وهو يحتسي القهوة على مضض……

“لا……..”

عاتبتها قمر برفق……..

“على فكرة مش مستاهله كل اللي انت عملته ده…

فيها اي يعني…..لو راحت عيد ميلاد صاحبتها….ما

هي قالت لشهد وعرفتها………”

فالحقيقة هي من اقترحت على شهد تلك الفكرة

بان تخبرهُ بان كيان في حفلة ميلاد أحد اصدقائها

…فإن كان علم حقيقة الحفل….وذهابها برفقة محاميها في المكتب…لكان منعها من  الخروج من البيت مدى الحياة…….وكانت خسرت عملها في هذا المكتب للأبد…..

فالحقيقة هي لا تشكك في أخلاق كيان او نوعية

تلك الحفلة…….لكن الرجال لهم حسابات أخرى

تختلف عنا كنساء……وكثيراً يسيئون الظن…..

بل ويختلقوا قصصٍ عدة……ومن خلفها

يشددواً الحصار على من يخصهم……….

قال حمزة بحنق شديد…….

“فيها انها مقلتليش……إزاي عايزاني اعدي

الموضوع عادي كده…. وكان محصلش حاجة…..”

بررت لها قمر……. “أكيد خافت انك متوفقش…….”

اوما حمزة بمنتهى العصبية قائلاً بحدة…..

“لا كنت هوافق….كنت هوديها وهجبها بنفسي…لكن هي حبت تبقا براحتها………”

أسبلت قمر اهدابها ثم قالت بشفقة

نحوها…

“اهي عرفت غلطها….وبعدين انت برضو…..مديت

ايدك عليها قدمنا…….ودا كان اكبر عقاب ليها….”

لم يرد حمزة بل ظلت ملامحه مظلمة

متحجرة….

فسالته قمر بتردد….. “مش هتصلحها……”

أشاح بوجهه مكفهراً….. “بعدين……بعدين… ”

صمتا معاً وقد انتهى الحديث هنا…..حتى

رغب هو في مناكفتها قليلاً فنظر الى العباءة

التي ترتديها…….بدأت ترتدي أشياءٍ واسعة

بعد ان نبهها للأمر من باب المزاح…..فالحقيقية

كان الأمر مزحة سخيفها للاستفزاز فقط…..فهي

لم تجذبة بأي شكلاً كان………

عادية هي…..ككل من عبروا حياته….من

أول لقاء وهو يراها كالعابرين الذين سبقوها

اليه ورحلوا مع الوقت كما ستفعل هي يوماً…

“حلوة العباية عليكي…..عقبال الحجاب……”

تغضنت زوايا شفتيها مجيبة عليه

بنظرة باردة….

“ربنا يهديني………. ويهديك……”

نظر لها حمزة بمشاكسة….

“وانتي شيفاني متعفرت……..مالك……”

نظرة له باستفسار مقلدة صوته…… “مالي……..”

نظر لها بغرور قائلاً بزهو……

“شكلك معجبه بيه…….قولي متكسفيش… ”

لاحت الدهشة على وجه قمر فقالت

مستنكرة……..

“يسلام……اي الثقة دي……..اي اللي يثبت اني

معجبه بيك…….”

قال غامزاً بوقاحة……

“عنيكي……..هتكليني بيهم…….”

ارتبكت قمر قليلاً…ثم قالت هازئة….

“والله…….بجد صعبان عليا….واخد في نفسك

قلم….”

غمز حمزة مجدداً مضيفاً بعنجهةٍ….

“اخرسي…….دا انا مفيش مني اتنين……”

لم ترد بل مالت بوجهها للناحية الآخرى

تخفي ارتكبها….فمد حمزة يده ومسك

ذقنها يديرها اليه مناغشاً إياها…….

“بصيلي…… بذمتك في زيي….. ”

بنظرة مدققة سارت بنيتاها على قسمات

وجهه……عيناه العسلية القاتمة في لمعانهما

ترى بريق من الاجرام….وآخر من الشقاوة…

بريق يخطف كل شيءٍ في طريقة……ولا يكتفي أبداً !!…ملامحه الرجولية  الخشنة……..ولحية السوداء النابته……شعره الاسود الناعم من شدة نعومته تهبط  بعض الخصل الرفيعة على جبهته فيزداد وسامة……

ضربة يده بقوة وادعت التجهم…..

“أبعد ايدك دي…….مفيش زيك بس فيه

أحلى منك……”

ابتسم حمزة وكانه حصل على إجابة ترضي

غرورة….

“يعني انا حلو……..اديكي اعترفتي…….”

قالت بغضب زائف….

“مغرور آوي……..هات الفنجان………”

اعطاها القدح قائلاً باقتضاب…..

“خدي……… القهوة كان طعمها وحش أصلا….”

مطت شفتيها هازئة قبل ان

ترحل…..

“عشان كده شربتها كلها…….ياحرام…. ”

عندما تركته ودخلت الصالون…ضحك حمزة وأرجع

خصلات شعره للخف….مستنشق الهواء بعمقاً…وهو

ينظر للشارع بالاسفل………

ليرى آخر شيءٍ يتمنى ان يراه الآن……

رأى نجلاء تستقل سيارة سامح بعد ان فتح لها الباب

بإبتسامة واسعة فبادلته هي بضحكة رنانة……

أغمض حمزة عيناه بقوة وتقلصت ملامحه بشدة

وقد تضخم صدره بمشاعر سوداوية يشوبها

الغضب قبض على يداه بقوة جبرية محاولاً معها

تمالك اعصابة…..حتى رحلت السيارة في تلك

اللحظة التالية….فشعر بان انفاسه تغادر معها…

……………………………………………………………

دلف من باب المنزل عصراً في وقت تناول الغداء…..

وعندما دخل شقة والديه بحث بعيناه عنها…..

تهرب منه منذ أيام……بالنهار تجلس في شقة والديه

كما اتفق معها وفي المساء تنعزل في غرفتها…

أصبح لا يراها إلا صدف……

سحب نفساً حار لرئتاه……. من يوم ان قبلها وضمها الى صدره وهو يشعر بنارٍ  مستعارة تشتعل على ذكر اسمها فقط………و أن تلاقى بسوداويتاها الشقيتين

ينقلب حالة رأسٍ على عقب…….

كيف تسللت اليه بتلك السرعة… كانت دوماً في عيناه ابنة العم الصغيرة  المدلله والتي في طرفت عين أصبحت امرأته !… امرأة متفجرة بالانوثة  والشقاوة…..أمرأه بمذاق آلورد…….شهيه لأبعد حد……

كيف كانت في احضانه ذائبة كالهلام….رائعة في احضانه تعطي دون ان يطلب……

كانت عديمة الخبر نعم…. لكن كان رضاها وتناغمها

معه يفوق الوصف……..كانت ضائعة ضياع مقبول

في احضانه……..

حتى هو ضاع في تفصيلها المغوية…..مذاق شفتيها الفاتنة أثملة……أثملة لدرجة  انه أنقض عليها أكثر كالاسد الجائع دون تفكير…. فاوقعها على الفراش ينهم من  شفتيها وعنقها بجموح يفوق الوصف………

ومع ذلك كانت هي معه كقطعة السكر الذأبة أمام

نار أفعاله…..

فيزيد جموحة وتنفجر هي رغباتها معه….وفي

غفلة اللذة انتزعت نفسها من احضانه وهربت

بجبن تاركة النار المشتعلة تتغذى عليه وحدة……..

يومها تمدد على الفراش وحيداً ينفث في سجارته بعصبية شديدة ونار الرغبة تكوي جسده….وفي

منتصف الليل حينما فقد الأمل في خروجها من الغرفة نام على الفراش الذي جمعهما سوياً في لحظات حميمية لأول مرة…وللعجب كان الفراش

متشرب من عطرها الوردي………

كان الأمر وقتها بنسبة له مزعج…..لكن بعدما زال غضبه نام على الفراش يشتم عطرها المحبب

وهو يعناق الوسادة والغطاء كمراهق صغير عاد

للتو من موعد غرامي؟!……..

“واقف كدا ليه ياسلطان………”

فاق من شروده ورفع عيناه على أمه التي خرجت للتو من المطبخ وتفاجئت بوجوده…..

لانت ملامحه وتبسم لأمه ابتسامة دافئة

مشاكساً إياها….

“مفيش حمدالله على السلامة ياحنون……انا

واقع من الجوع على فكرة…… ”

ربتت على كتفه بمحبة قائلة……

“الاكل جاهز…….ابوك بس بيصلي العصر جواه….

صليت ولا لا……..”

اوما سلطان برأسه مجيباً…..

“دا سؤال…طبعاً صليت في الجامع……..بصي

جيبلك إيه…….”اخرج العلبة من الكيس الذي

يحمله منذ دخوله…….واخبرها غامزاً……

“كيلو مشاكل من الحلواني اللي بتحبيه…….”

نظرة امه للعلبة بفرحة…ومع ذلك لكزته في

كتفه موبخة اياه بلطف……..

“اي بتحبي دا ياواد ابوك يسمعك…….”

رفع سلطان حاجباه مدعي الدهشة وهو يميل

عليها بمناغشة…

“هو لسه عبدو بيغير عليك برضو ياجميل……”

ضحكت حنان بخجل والحب يشرق صدرها وكانها

شابة في العشرينات من عمرها….فالحقيقة قصة

حبهما اسطورية لأبعد حد…..فكان (عبد القادر) هو

ابن الجيران العابث الذي أوقعها في الهوى من أول يوم فتحت نافذة غرفتها على شرفة بيتهم……

وتتولى الأحداث ويقع في حبها في فترة الدراسة

ثم يتقدم لها بعد التخرج ويتزوجا……..ومن بعدها

ينجبا أربعة أولاد اكبرهم أميرة وسلطان….واصغرهما

ابنتين صغيرتين متزوجات في محافظة بعيدةٍ عنهما والزيارات دوماً تكون متباعدة…..

القريبة منهم هي الابنة الكبرى( أميرة) فهي تزوجت في( الساحة) لذلك هي  وأولادها دوماً يتواجدوا هنا كمنزل ثاني لهم وهو كذلك بالفعل…..فحنان أمرأه  حنونه تحب وتود جميع أولادها واحفادها…..

خرج والده من الغرفة قائلاً بمزاح……

“عبدو هيفضل يغير علطول……شيل ايدك من

عليها يا واد…………”

رفع سلطان عيناه على والده…..(عبد القادر)هناك

شبه كبير بينهم…….هو من يشبه والده بالجسد الضخم والطول الفارع…….ببعض الملامح الوسيمة لكن ملامحه هو أكثر خشونة وحدة ، ام والده

في على وجهه ترتسم البشاشة مثل طباعة فهو

سلسل المعاملة طيب المعاشرة عكسه تماماً……..

ربما هناك شبه كبير بينهم لكن طباعة هو لا تضاهي

أحد……فهو منفرد بطباعة الغليظة المتسلطه التي

لا تتحملها أنثى ؟!…..

أبعد سلطان يديه مدعي

الخوف….

“لمؤخذة ياحجيج مخدتش…….”

اقترب منه عبدالقادر واجماً…..

“انا عايز افهم حاجة…..هو انت مش اتجوزت….”

اوما سلطان براسه باعين عابسة….. “حصل…..”

تافف عبدالقادر بملل منه….

“طيب بتنطلنا ليه كل شوية…….”

ضحك سلطان بخبث وهو يفهم مقصد

والده….

“طبيعي ياحجيج انا ساكن فوق منك على فكرة…….وبعدين اديني بونسك انا والمدام….ولا انت عايز تستفرد بحنون…. لغيني بس انا ابنك برضو……”

لكزته حنان بحياء……. “بس ياواد عيب……..”

أحاط عبدالقادر بذراعه كتفيها قائلاً بمشاكسة

حلوة……..

“اي اللي عايبه ياحبيبتي…..أيوا انا عايز استفرد

بيكي…..”

ابعدت حنان ذراعه عنها قائلة

بتلعثم….

“جرالك إيه يابوا أميرة…… الواد……”

تجولت عينا سلطان مجدداً في الارجاء

سائلا بلهفة…….

“طب فين مراتي بقا…. عشان انا كمان عايز

استفرد بيها……”

قالت حنان برفق….

“فوق السطح بتاكل البط….. اطلعلها ياحبيبي.. وبالمرة قولها تنزل عشان تتغدوا….. انا هدخل

أسخن الأكل…….”

سالها عبد القادر قبل ان

ترحل…..

“عملتي السلطه ياحنون………”

قبل ان تدخل حنان الى المطبخ اجابته بابتسامة

شغوفة….

“لا تعالى اعملها انت…….. السلطلة من ايدك حاجة تانيه يا ابو أميرة…….”

أبتسم عبدالقادر بزهوٍ وأدار وجهه للناحية الأخرى

ليجد ابنه مزال يقف جواره…….فعندما ابصره

مط شفتيه ممتعضاً ليجد سلطان يقترح عليه

بخبثٍ…….

“مبلاش انت ياحجيج….. وسيبني انا اعملكم السلطه……”

امتنع عبدالقادر بوجوم……

“لا مش عايزين نتعبك وطلع شوف مراتك…وسبلي

انا السلطة……. ” استدار بعدها ذاهباً الى المطبخ خلف زوجته…..

فاوما سلطان براسه حاسداً والديه……

“ماشي ياحجيج……..واكلها ولعة…… ” ثم اتجه الى السلم وتخطى الدرج حتى يصل لامرأته

ومزال ماتبقى في الكيس بين يده…….

……………………………………………………………

عندما صعد أعلى السطح… بحث عنها بعيناه حتى

وجدها جالسه جوار عشة الدجاج الخشبية…….

وحولها بعض البطاط الصغيرات صفراء اللون تاكل

أمامها مصدره صوت بطبطة خفيضة لصغر

حجمها….

كانت داليدا مندمجة معهم جداً… لدرجة انها مسكت

واحده منهم وظلت تتحسس عنقها وظهرها بمداعبة لطيفة…..

لانت ملامح سلطان وهو يرى هذا المشهد فكم بدت لطيفة بريئة صغيرة…….

يذكره هذا المشهد بايام الصبى كانت هي فتاةٍ صغيرة بجديلة قصيرة على جنب….وفستان صغير رقيق……. تاتي لعندهم خلسة من خلف والديها

وتصعد على السطح لتلعب مع البط الصغير

وتظل تركض خلفه لساعات حتى تكسر أرجل الاغلبية منهم……فتصيح امه عليه حتى يصعد

وياتي بها قبل ان تنهي حياة الباقية منهم……

فياخذها عنوة عنها ويحملها على كتفه غصباً

فتبكي وتتحدث وهي فاقدة أول سنتين للبنيتين أماميتين……فتخرج الحروف مشوهة….

(تبني…..تبني ياتلطان……..العب مع البطة….)وكانت

تقصد…..(سبني…..سبني….ياسلطان……)

ضحك سلطان….ضحكة قوية عند تذكر تلك الفترة

في عمرها فكانت معظم الأحرف مشوهة ومضحكة

خصوصاً عندما تكون غاضبة وتتحدث بسرعة……

انتبهت داليدا اليه….فانتشرت الحمرة لوجنتيها وتوردت بشدة عند رؤياه…….

أصبح يربكها وجوده…..ويخيفها…..وتخجل بشدة عندما تتلاقى أعينهما…….فما حدث منذ أيام لا يفارق

عقلها لا ليلاً ولا نهاراً…….

ماحدث بينهما شيءٍ جميل لكن غريب….فهي لم تتوقع يوماً ان يكون بينهما قبلات حارة ولمسات جريئة…. حتى عندما تزوجا لم تتخيل يوماً ان

يحيا معاً كزوجين الأمر أشبه بمزحة……..مزحة ثقيلة……فكيف يحدث هذا مع من كانت تراه اخاها الكبير ؟!…

أخاكِ الكبير ؟!…

بالله عليكِ كيف تجرؤِ على نُطقها…كنتِ مسالمة معه

لدرجة تشيب شعر الرأس…….وكانكم زوجان منذ زمن بعيد كنتِ (كجيلاتين الكولا) يافتاة للينه وسهلت المضغ……

ضمك لاحضانه فانهارت اعصابك… امتزجت أنفاسه

بانفاسك فضاع المتبقي منكِ مع كل قبلة يدلل بها

شفتيكِ السخية ، احببتِ الدلال لدرجة انكِ تركتِ يده تسير باريحية على  مفاتنك……وزاد جموحة عليكِ فاوقعك على الفراش وكنتِ في غاية السعادة والرضا  منتظرة بحرارة الجولة الاكثر عمق وحميمية من ذلك……

اخاكِ الكبير ؟!….عفواً ولكن كيف كل تلك المشاعر

تكن لاخٍ كبير ؟!…….

سحبت الهواء لرئتيها باضطراب وهي تجلد نفسها مجدداً بعد استسلامها المخزي له منذ أيام….وكانها كانت تتلهف لهذا القرب اكثر منه ؟!….

نهضت من مكانها تنظر إليه وعقلها يفكر في الهروب…..أقترب سلطان منها بعينين

هادئتين…

“بتعملي اي ياداليدا……..”

زاد الاحمرار والتوتر بعد وقوفه امامها لكنها قالت

أخيراً وهي تهرب من النظر لعيناه…..

“بأكل البط…….”

اوما سلطان براسه بارتياح….

“الحمدلله انك بتأكليه مش بتجري وراه……”

عند تلك الذكرى تلونت شفتيها بابتسامة تشع حنين

لأيام الطفولة…. فكانت سفاحة صغيرة تلعب مع البط

بسادية حتى تنتهي حياة البعض منهم والاخر يكمل

المتبقي له أعرج……..

كم تشعر بذنب نحو ضحاياها من البط……حمداً لله

انها كبرت واصبحت تطعمهما بدلاً من ان تعذبهم…..

“دا كان زمان……. دلوقتي انا باكلهم……”

“كويس…… خدي…….”قدم لها الكيس…..

فاخذته منه ونظرة داخله

بفضول…..

“اي ده……شيبسي…… بالجبنة….” عادة لعيناه وقالت

بحرج………

“شكراً ياسلطان…”

عبست ملامحه قائلاً بمكر…. “شكراً حاف كده……”

فغرت شفتيها وخفق قلبها بخوف… “ها……”

راى شحوب وجهها فعقب بنبرة

مطمئنة….

“مالك وشك أصفر كدا ليه…. عايز بوسه هنا…”

اشار على خده…..فاهتزت حدقتاها بتردد

أكبر……

بينما قال سلطان وعيناه تأسرها……

“تيجي ننسى اليوم اللي فات ده وكانه مجاش….”

يكذب لن ينسى هذا اليوم أبداً فهذا أجمل شيءٍ

دافئ عاشه مع أمرأه وهي اخذت دور البطولة

أمامه فكيف ينسى ويتغافل عن البطولة المطلقة

التي خاضتها معه……

“ها اي رأيك…….”

اومات براسها وهي أيضاً تتشبث بالكذبة معه… مدعية نسيان الأمر……

فاشار سلطان على خده مجدداً منتظراً……فابتسمت

داليدا وهي تقفز عليه وتطبع قبلة سريعة على خده الخشن….

فشعر بنفحة من السعادة تضرب قلبه….فأبتسم على اثارها ونظر لعينيها المتلألأة…….

فابتعدت داليدا لأحد الأركان تستفرد بكيس البطاطا الكبير………فاقترب سلطان منها محاول

مشاكستها قائلاً……

“ماتجيبي واحدة يا دودا……”

نظرة له بطرف عينيها ثم هزت راسها

برفضٍ….

“لا هاكله لوحدي…….الكيس صغير أصلاً….”

فغر سلطان شفتيه مشدوهاً…

“صغير…… دا حجم عائلي يامفترية…….”

اومات براسها وهي تدس شريحة

منه بفمها….

“ماشي ماهو يدوبك يكفيني……”

رفع سلطان حاجبه هازئاً……

“يدوبك المرة الجاية هجبلك كرتونه بالحجم العائلي……”

قالت داليدا بإبتسامة

شقية….

“ساعتها انا بقا هديك واحدة……”

ضحك ساخراً……. “والله……”

“آآه…..”اومات برأسها وهي تضع شريحة من

البطاطا بفمها……..فخطف سلطان الكيس

منها في لحظة خاطفة راكضاً به للناحية

الأخرى……

انكمشت ملامح داليدا وكشرت عن انيابها بغضب وهي تركض خلفه……

“هات الكيس ياسلطان…..بتسرق في السن ده

مش عيب……”

قال سلطان بغلاظة…….

“مانا قولتلك هاتي واحده بذوق مش عاجبك…”

ضيقت عينيها وزفرة باهتياج متذكرة مضايقاتُ

القديمة لها…….. “من زمان وانت بتعمل كده……..”

أومأ براسه واستفزها قائلاً……

“كويس انك فكرة…….انك من زمان عينك فارغه…”

هزت راسها ببساطه مؤكدة وهي تحاول

إختطاف الكيس منه……

“اه انا عيني فارغه ملكش دعوة……هات الكيس…”

“لا…..”قالها وهو يدس شرائح البطاطا بفمه وهو ينظر اليها بعناد…..

فجزت على اسنانها وهي تمد يدها تحاول خطف الكيس مجدداً لكنه رفع ذراعه ببساطه لقصر قامة

طولها وقد اولاها ظهره قائلاً باستفزاز……

“انتي هبلة ولا إيه…….هتاخديه من ايدي……”

أحمر وجهها بشدة وهي تجن من حركاته تلك خصوصاً انه يأكل من الكيس غير مبالي بها….

وكانه اشتراه له……

لتكن في لحظة التالية وبدون تفكير يُحسب…تقفز على ظهره العريض محاولة إختطاف الكيس منه مزمجرة بحدة……

“هات الكيس كلته كله…… هات ياسلطان…….”

ضحك سلطان بشدة وهو يحاول التخلص منها

لكنها كانت متشبثه به بقوة تحيط عنقه بذراعها

تكاد تخنقه……

“يامجنونة خنقتيني انزلي…….”

قالت هائجة وهي مصممة على خطف

الكيس منه…..

“هات الكيس……..كلته كله….هات الكيس…..”

“هموت ياهبله……..انزلي…..”حاول سلطان فك

ذراعها من حول عنقه……..فصاحت هي

بتحدي…..

“هات الكيس الأول…….”

“اعوذ بالله خدي…….”اعطاه لها سلطان وهو يضحك

غير مصدق جنونها…….

كلما اغاظها بشيءٍ ولو بسيط تقفز فوقه هكذآ كالببغاء مزمجرة……..

“مينفعش الواحد يهزر معاكي…دانتي لاسعه….”

قلبت داليدا شفتيها بمقتاً….

“دا مش هزار دي رخامة……

” انا رخم ياداليدا……”رفع سلطان حاجباه وتبددت

ملامحه في لحظة….مما جعلها تقترب منه بشريحة

من البطاطا قائلة….

“افتح بؤك…….انا اللي هاكلك……”

“دا اي الحنية دي…. تتحسدي……..”فتح فمه فوضعتها في فمه مبتسمة له بدلال………

نظر سلطان لشفتاها التي تتحركان مع مضغ الشرائح المقرمشة فابعد عيناه عنها وهو يشير لأحد الأركان……….”تعالي نقعد هنا………”

لحقت به داليدا وجلست على أحد المقاعد جواره تأكل من شرائح البطاطا….وهي  تنظر الى البطاط الصغيرات ياكلوا ويشربوا في أحد الزوايا القريبة  منهما…….فعقبت بإبتسامة تقطر عسلاً………..

“حلو شكل البط أوي……..والفراخ كمان…….انا عرفت

مرات عمي بتحب التربية ليه…….”

نظر لها سلطان لبرهة ثم سالها

بفضول….

“وانتي بقا بتحبي إيه…….”

نظرة له وتفاجئت من سؤاله لكنها ردت بنظرات

حالمة……..

“انا…..انا بحب البحر اوي……..انا نفسي اتغدى في يوم على البحر………”

استغرب من طلبها….. “بس كده…….”

اضافت داليدا بعينين متلألئتين………

“واقضي اليوم كله على البحر…أجري ولعب ونزل المايه كمان…….”

قال سلطان ببساطه……

“نبقى نعملها في يوم انا وانتي….”

سألته بدهشة…… “بجد ياسلطان……”

هز راسه مؤكداً…

“أيوا نخرج سوا…….اي رأيك……”

هزت راسها بسعادة….. فهي اشتاقت للخروجات بشدة………. “موافقة طبعاً……”

“الغدى ياااااسلطان……..داليداااا…..”اتى صوت والدته من الأسفل تنادي عليهما بنفاذ صبر بعد ان تأخرا في النزول…….

ضرب سلطان على جبهته وهو ينهض من

مكانه متذكراً….

“نستيني……..أمي بتحضر الغدى تحت…وقالتلي انديلك……يلا عشان تحضري الأكل معاها…..على

ماطلع انا شقتنا أغير هدومي دي……”

نهضت داليدا بعده سائلة…..

“انت هتنزل تاني الورشة……”

أكد هو متعجباً من سؤالها…….

“آه…….زي كل يوم وهرجع بليل…….بتسألي ليه….”

يبدو ان الشوق غلبها…..فخرج السؤال

عفوي….لذا ارتبكت قليلاً وهي تخبره…..

“عادي….. سؤال عادي….انا هنزل انا بقا…….”

نزلت سريعاً قبل ان يوقفها فنظر هو لأثرها شاعراً

بقلبه يهفو معها أينما ذهبت…….

…………………………………………………………..

بعد عودته من الورشة…. في المساء……..

كان يجلس على الاريكة امام التلفاز يقلب بجهاز التحكم بملل…..حانت منه نظرة على الطاولة

ليجد أربعة اكواب من الشاي فارغة أمامه…

قد شربهم في خلال ساعة ونصف….حمل الاكواب وهو يجز على أسنانه من جديد…..واثناء ذهابة

للمطبخ نظر لغرفتها ليجد خطٍ من الاضاء يتسلل

من عقب الباب……يبدوا انها استيقظت أخيراً…

لماذا نامت اليوم مباكراً…..ام انها تدعي؟!….

وضع الاكواب على رخامة المطبخ ثم عاد وطرق الباب منادياً بخشونة…..

“داليدا…….عايز شاي……..”

مطت جسدها على الفراش للأمام بكسلاً وعلى شفتيها تلونت ابتسامة شقية……وقالت بخبث..

“وبنسبة للكوبيات اللي كانوا هتكسروا من شوية

وانت بتحطهم في المطبخ…….كانوا كوبيات ماية… ”

أكد بوجوم……. “آآه ماية………”

اتجهت داليدا الى باب غرفتها وفتحت إياه…ووقفت أمامه بمنامة قطنية رقيقة وشعر أسود ناعم كثيف منسدل على ظهرها……رمشت بعينيها عدت مرات

وهي تسأله بشك……

“ليه صاحي لحد دلوقتي……..”

نظر لها سلطان نظرة شاملة مدققة ثم سألها

باهتمام مستجد………

“انتي ليه نايمة دلوقتي….مش بتقولي انك بتنامي

سبعة الصبح……….”

هزة كتفيها مجيبه….”من الزهق نمت………”

أشاح بوجهه عنها قائلاً…..

“انا كمان زهقان…..بس مش عارف أنام……”

لمعة عينيها الشقية مقترحة……

“اي رأيك نتفرج على فيلم أجنبيّ…. رعب…..”

ادعى الاهتمام وهو يطوف على وجهها المشع


بعيناه… “تعرفي حاجة كويسة……..”

اومات براسها بحماسية مفرطة…..

“ياااه بالهبل……هخترلك حاجة على ذوقي هتعجبك…..بس هعملك شاي……وهعمل فشار

كمان اي رأيك….. ”

“ماشي……..هستناكي جوا……..”

اتجه الى الداخل بانتظارها…….وبالفعل بعد دقائق

قليلة توسطت الاريكة بجواره متمددة عليها معه

وفي حجرها طبق كبير من الفشار…..

أطفأت أنوار الشقة واكتفت بالاضاءة المنبعثة

من شاشة التلفاز الكبيرة والتي بدأت تعرض

فلماً مرعباً……..وقد ساعد الظلام المحيط

بهم الدخول في الأجواء والاندماج السريع…..

بنسبة لها……ام بنسبة له هو فكان ضائع في مراقبتها

عن قرب……لم يكن من محبي التفاصيل او مراقبة

أحد……لكن الأمر معها مختلف…….

يختلف لدرجة انه يرى التشويق الحقيقي بتلك العينين الشقيتين……..الاثارة في تلك الضحكة

الرنانة والتي اخرجتها الآن على غفلة مع أول

ظهور لصديق البطل الفكاهي……

المتعة هي مراقبتها بهذا الشكل……..هي منجذبة

الى الفيلم واحداثة وهو منجذب اليها والى تفاصيلها…..كلاهما راضياً بهذا القدر !………..

اثناء مشاهدة الفيلم ومراقبته لها…وجدها في أحد

المشاهد الحابسة للانفاس……ترجع ظهرها للخلف

منتفضة بخوف….وعندما ظهر الوحش من خلف

الظلام…….شهقت برعب والقت نفسها في احضانه

استغل سلطان تلك الفرصة فكم اشتاق لجسدها

بين ذراعيه…..ضمها بشدة وهو يهمس برفق….

“اهدي يادليدا……متخفيش……”

أغمضت داليدا عينيها براحة وهي ترتاح على كتفه

شاعره بالدفء يسري في عروقها……. وقلبها يخفق

بجنون……….لتجد سلطان يتحسس ظهرها

بحنان قائلاً بمزاح……..

” طلعتي جبانه وعملالي فيها قلبك جامد……..”

خرجت من احضانه مزمجرة……

“طبعاً قلبي جامد….. بس اتخضيت لم خرج من الضلمة……..”

نظرة داليدا لشاشة واتسعت عينيها برهبة….. “احيه…… دا كلها…….”

قال سلطان بلؤم وهو يفتح ذراعيه

لها في دعوة سخية…..

“تعالي في حضني قبل مايطلع يكلك انتي

كمان…”

ضحكت داليدا ولم تلبي دعوته بل قالت

بتردد……. “سلطان……..”

نظر لها مهتماً…. فقالت هي بحرج شديد…..

“انا آسفه…….”

سالها بعدم فهم…… “على إيه يادليدا…..”

بللت شفتيها امام عيناه ثم قالت بأسى…

“على السلسلة…… صدقني نسيت اشيل الصورة منها………”

“داليدا اتفرجي على الفيلم وانتي ساكته…..”

قاطعها سلطان بنبرة خشنة مهيبة….وقد

تبددت ملامح وجهه في لحظة وتحولت للحجر

الصلب…..ام عيناه فكانت قاسيتين منفعلتين

بشكلاً مبالغ مع ذكر السلسال…الذي ذكره

بالسبب الرئيسي الذي جمعهما كزوجين…..

شعرت داليدا بالاحباط وبغيمة من الحزن تعلو

رؤوسهما بعد اعتذارها السخيف والذي ليس

له اساسٍ من صحة……

هذا هذيان يا داليدا… فمن الغباء ان تذكري هذا

الأمر او حتى تعتذري عنه في ساعة صفاء

بينكم…..

الوضع حساس جداً…. ومزال هناك جدار يعزلكم

عن بعضكما ويبعدكما أكثر……. فكفاكِ تهور…. وتعقلِ…..

ظلا صامتين لنصف ساعة…..كلما نظرة اليه تجده

مثبت عيناه على الشاشة يشاهد بوجهاً مكفهرٍ

وتعابير صلبة غير مقروءة………

اغمضت عينيها تشتم نفسها للمرة المائة فهي تكره انقلابه عليها….. فعندما يغضب او يحزن منها

تشعر بعدم الارتياح وكان الحياة تخاصمها

معه !……

لا تعرف من أين اتتها الجرأة…. لكنها فعلت ماتشعر

انها بحاجة له…..

قد سحبت ذراعه بمنتهى البساطه واحاطت به خصرها من الخلف….. ثم اقتربت منه أكثر ومالت براسها على صدره العريض ترتاح في حضنة

ثم اغمضت عينيها هامسة ببراءة…….

“انا آسفه ياسلطان…… آسفه…..”

في اللحظة التالية من اعتذارها أغمض سلطان

عيناه….وهو يخرج نفساً متحشرج حارٍ…..

لم يبادلها العناق ولم يجد رداً على اعتذارها

الأهوج….

لكن هيهات قلبه وجسده كانوا متجاوبين معها

بكل جوارحهم….

لكنه تمالك اعصابة ولم يكشف عن ضعفه في قربها…..بل ظل صامتاً يتابع الفيلم  بنفس الملامح المكفهرة المتحجرة……بينما داخلياً كان يهمس كل دقيقة بعذابٍ  وهي ترتاح على صدره……

“الرحمة يا داليدا…….الرحمة يابنت عمي…..”

يتبع…


تعليقات

التنقل السريع