رواية بين دروب قسوته الفصل التاسع عشر والعشرين والحادي وعشرون بقلم ندا حسن
رواية بين دروب قسوته الفصل التاسع عشر والعشرين والحادي وعشرون بقلم ندا حسن
#بين_دروب_قسوته
#الفصل_التاسع_عشر
#ندا_حسن
"في لمحة خاطفة عادت من المـ ـوت إلى السعادة"
تعرق بكثرة في نومته، المياة تُسير على وجهه وعنقه ومقدمة صدره بغزارة، يضغط على عيناه بقوة وهو نائم على ظهره يشاهد كابوس بشع مر أمامه في نومته!.. فتح عينيه على مصراعيهما وانتفض جالسًا على الفراش يتنفس بصوت عالٍ وأنفاسه مسلوبة منه بغير إرادة..
مر شريط كابوسه على عقله وهو جالس على الفراش يحاول أن ينظم وتيرة أنفاسه، والتفت برأسه إلى الطرف الآخر من الفراش بقلق ولهفة ليراها تنام جواره سالمة بوجه صافٍ بريء
تنهد بضيق وهو يمسح على وجهه ثم وقف على قدميه وتوجه ناحية المقعد أمام الفراش وجلس عليه، ألقى ظهره للخلف يستند إلى ظهر المقعد وجسده مُرتخي للغاية مازال مُتأثرًا مما شاهده..
لقد كان كابوسًا بشع للغاية، لقد قتـ ـلها به وجلس يبكي جوارها؟ قـ ـتل حبيبته بعد أن أصبحت زوجته وملك له ثم جلس على الأرضية ينظر إليها باكيًا يندب حظه معها!.. يا الله.. لقد كان عذاب شديد للغاية..
شعر بذلك الشعور الذي لطالما تمنى أن لا يتوصل إليه بحياته، حتى عندما تأكد من براءتها في الحقيقة أتى المنام ليجعله يشعر بوخزة رجولته وطعنته الذي أخذها في ظهره منها.. يعتقد أن ذلك عقاب.. عقاب كبير لا يستطيع أن يعترض عليه
مسح على وجهه ثانيةً ونظر إليها وهي نائمة كملاك، والله هي ملاك لا مثيل له منذ البداية وهو يقول عنها هكذا، تنام على الفراش تأخذ حيز صغير للغاية بقميص أبيض كان رائع عليها، بعينين بريئة مغمضة وشفتين مضمومتين يالا روعتهما، تلك الأهداب ووجنتيها المُكتنزة وكل ما بها..
خيال يسبح به، صنع خالق يتأمله بتمعن وبطء وتروي، كي يفهم الحكمة من كل هذا الجمال..
وقف على قدميه وجلب علبة سجائره من على الطاولة ثم ذهب إلى شرفة الغرفة وفتحها بهدوء كي لا تستفيق ودلف إليها ومرة أخرى أغلق بابها ساحبًا إياه..
وقف في الشرفة وأشعل سيجارته ينظر إلى الخارج ورفع يده إلى فمه يشتنق الدخان بشراهة مُتذكرّا ما حدث بينهم منذ ساعات..
"نال منها ما يريد وشعر بأنه يسبح في عالم خيالي ليس موجود على أرض الواقع الذي يعيش به معها، أخذ ما طلب ونال مُراده وليته لم ينوله يومًا، هذه كانت المرة الأولى وحدث من خلالها إدمان لوجودها معه بتلك الطريقة، شعور لا يوصف مع زوجته حلاله وملكه.. شيء لم يكن يأتي على خلده في يوم من الأيام والشعور باللذة فاق كل شيء..
تأكد من براءتها وعفتها، تأكد من أنها ابنة عمه البريئة النقية التي لطالما كانت وستكون كما هي، تأكد من أن كل ما حدث ما كان سوى خطة قـ ـذرة من صديقتها وابن عمها للتفرقة بينهم بهذه الطريقة.. "إيناس" لديها عنده مفاجأة ولكن هو صبور للغاية ويحب ذلك..
ابتسم وهو يقترب منها على الفراش ناظرًا إليها بشغف وحب كبير وهناك رغبة حادة تلح عليه أن يأخذ المزيد:
-ألف مبروك.. دلوقتي بس أقدر أقولها
رفعت عينيها إلى عيناه بهدوء وخجل بتلك الحمرة المشتعلة على وجنتيها:
-الله يبارك فيك
تابع قائلًا هذه المرة بجدية:
-أنا عايز أتكلم معاكي
أجابته وهي تتابع عيناه بهدوء وتروي تهتف بنبرة خافتة:
-أنا كمان عايزة أتكلم معاك
رفع يده الذي كان يستند بها على الوسادة مقدمها إلى يدها على ركبتها، تمسك بها جيدًا ونظر إليها بهدوء وجدية بذات الوقت:
-سلمى أنا بحبك.. بحبك دي كلمة قليلة على اللي جوايا ليكي.. أنا بدمنك، مكنتش اتمنى نبعد أبدًا مهما حصل بس أنا عايز أقولك إن والله العظيم أنا مخونتكيش لما شوفتيني في النايت، أنا معرفش البنت اللي كانت معايا جت امتى وإزاي أنا حتى وأنا سكران وبقعد مع ستات ببقى أنا اللي جايبهم وبحس باللي بعمله لكن دي لأ أنا مش كداب أنا عمري ما كدبت عليكي.. أنتي حتى على طول بتقولي إني بجح بسبب إني بقول الحقيقة حتى لو وحشه
أومأت إليه برأسها وعينيها مازالت تتابع عينيه بتركيز، تود أن تستمع إلى كل حرف يأتي منه وتقتنع به، لا تريد الفراق مرة أخرى فهي قد اكتفت، قالت بعقلانية:
-أنا فهمت بعدين إن إيناس اللي عملت كده وقولتلك إن هي اللي صورتك ليا وقالتلي على مكانك
أغمض عيناه على ذكرها، لديه ماضي معها لا يريد ذكره ولا تذكره، قد يكون القشة التي قسمت ظهر البعير:
-عارف يا سلمى.. دي حاجه، لأ دي أهم حاجه واللي خلقت كل ده بينا أنا مخونتكيش.. الحاجه التانية الصور اللي هددتك بيها.. الصور دي إيناس اللي بعتتها ليا وأنا فعلًا اللي سرقت موبايلها بس علشان احميكي مش علشان حاجه تانية
تسائلت بنبرة جادة متابعة لملامحه:
-وليه فضلت الصور معاك؟
أخفض وجهه للحظة على الفراش ويدها بين يده ثم رفع وجهه وعينيه إليها قائلًا:
-فضلت يا سلمى.. لكن عمري ما كنت هأذيكي بيهم مهما حصل
عقبت على حديثه بثقة وتأكيد وهي تعلم جيدًا أنه لا يستطيع فعلها ويقوم بإلحاق الأذى بها:
-أنا كنت متأكدة من ده بس كلامك وطريقتك خوفتني وفي نفس الوقت فوقتني
أكملت ناظرة إليه بعتاب ونظرتها منكسرة من عينيها الزيتونية تجاهه تلومه على تفكيره وكل أفعاله:
-أنا كنت واثقة فيك وعارفه ايه اللي ممكن تعمله وايه اللي لأ.. بس أنت!.. أنت شكيت فيا بدل المرة كتير في حاجه مستحيل أعملها ولو على رقبتي
برر موقفه ودافع عن نفسه وهو يسرد عليها كل خطأ توجهت نحوه وفعلته وهي بعيدة عنه:
-شكيت فيكي لأنك اتخليتي عن مبادئك سهر وبقيتي بتسهري وفي أماكن وحشه أنتي كنت طول عمرك بتكرهيها، شقق وبقيتي تروحي ومتقوليش مع ناس عرفاهم.. كان معاكي راجل لو هو تمام التمام وإيناس كمان زيه أقل مسكة ايد منك كان هيبقى عايز يقربلك
تابع بحرقة وكره شديد لكل ما حدث بينهم في هذه الفترة:
-غير اللي إيناس قالته ليا وأنتي بنفسك سمعتي أول مرة أنا مصدقتش على الرغم من أن كلامها كان صح ولقيت الزفت ده عندنا في البيت بيتقدملك.. بس قولت لأ مش سلمى اللي تعمل كده، لكن هو كمان يقول ويقول على حاجه فيكي أنا نفسي معرفهاش وألاقيها لأ صعب يا سلمى صعب
نظرت له وهو يسرد حرقته ولهفته، حديثه به منطق وأي شخص مكانه لفعل، هي نفسها لم تكذب فكرة أنه يخونها ومن بعدها حدث كل هذا الخراب..
قالت بنبرة مُستنكرة وهي رافعة حاجبيها للأعلى تتحدث بجدية:
-أنا لحد النهاردة معرفش هو إزاي عرف مكان الحسنة اللي في ضهري
تابع على حديثها قائلًا باندهاش:
-أهو ده اللي جنني أنتي قولتي كمان إن إيناس مشافتهاش لما سألتك.. حتى لو كنتي كدبتي وقولتي شافتها كنت أنا هسكت وأعرف أنها هي اللي قالتله لكن أنتي قولتي لأ
صمتت للحظة وهي تنظر إليه، الحديث بهدوء كهذه اللحظات من أفضل أنواع النقاش والتفاهم، ماذا لو كان حدث ذلك قبل عامين؟..
في لحظة خاطفة طرحت عليه سؤال غير متوقع أبدًا:
-أنت ليه كنت متأكد من إن إيناس هي اللي عملت كل ده بينا.. وأنها وحشه أوي كده
نظر في عينيها مُباشرة، أيتحدث؟ لا سيكون سخيف للغاية إن تحدث الآن وقال لها ما كان بينهم، ترك يدها وحك أرنبة أنفه بإصبعه الإبهام ثم هتف:
-من أول يوم شفتها معاكي فيه وأنا قولتلك أنها بنت مش كويسه.. واحده بتسكر وتسهر مع رجالة في أماكن وحشه هتبقى ايه
أومأت برأسها مُقتنعة بحديثه ولكنها مرة أخرى قالت:
-طب هي ليه كانت عايزة تفرقنا.. ليه عملت كل ده أنا معملتش فيها حاجه أنا حتى عرفتها بالصدفة.. يعني مكانتش مرتبة أنها هي اللي تعرفني لأ أنا اللي كلمتها الأول
حرك كتفيه للأعلى والأسفل بعدم معرفة ولوى شفتيه ثم قال:
-مش عارف بس يمكن تكون مزقوقه علينا ودي كانت خطتها.. إنك أنتي اللي تعرفيها الأول وتكلميها
تسائلت وهي تحرك رأسها باستغراب:
-مزقوقه من مين
قال بعفوية كي ينتهي من الحديث عنها ويتجه إلى شيء آخر لأنه لا يضمن مدة سكوته:
-من عمها وابنه مثلًا منا قولتلك قبل كده دول منافسين كبار لينا ومش بس كده ناس قادرة متعرفش الحلال من الحرام نهائي كل شيء عندهم مباح حتى القـ ـتل
مرة أخرى تردف بغباء:
-وهما مالهم بيا
ابتسم ساخرًا من كتلة الغباء المتحركة الموضوعة أمامه:
-علشانا إحنا مثلًا.. علشان يوصلولنا
صمتت بعد أن انتهى من حديثه وعقلها كان يعمل والتفكير داخله يدور بآلات في الداخل لا تتوقف أبدًا
استمعت إليه مرة أخرى يقول بنبرة رجولية خشنة:
-أنا بحبك ومش مستعد أخسرك لأي سبب.. عيني عمرها ما فرحت بنظرة واحدة غيرك ولا قلبي عمره دق لواحدة غيرك.. من دلوقتي بقولك إني رميت كل اللي كان عندي عليكي وببدأ من جديد ومستني موافقتك
جذبت يدها منه فنظر إليها بخوف وقلق لما قد تبتعد! ولكنه وجدها هي من تتمسك بيده فارتاح قلبه وتابع نظراتها المليئة بالحب وهي تقول:
-وأنا بحبك ومش مستعدة أخسرك لأي سبب.. أنا خسرت كتير ومفاضلش غيرك نقطة ضعفي.. نفسي تتحول لقوة وأضمن وجودنا مع بعض طول العمر
أبعد يده منها وأقترب جاذبًا إياها إليه واضعًا يده الاثنين خلف ظهرها يدلف بها في عناق أبدي وكأنه ملحمة ملتهبة للعشاق وأردف بثقة وهو على هذا الوضع بجوار أذنها:
-أنا نقطة قوة ليكي مش ضعف.. معاش ولا كان اللي يضعفك، أنا جنبك وفي ضهرك طول العمر مهما حصل بينا ولحد آخر نفس فيا
عادت للخلف وهو الآخر واضعًا يده الاثنين حول وجنتيها يعيد خصلاتها الذهبية الرائعة إلى خلف أذنها وينظر إليها بعينين لامعة بالحب والسعادة..
ثم أراد أن ينهي ذلك قائلًا:
-لو عايزة تقولي أي حاجه أنا هسمعك.. مش عايز حاجه مستخبيه بينا
ترددت وهي تتابع عيناه، شعرت بقبضة داخل قلبها وقفصها الصدري يضيق عليها كلما تذكرت ذلك التهديد الذي سيأخذه منها..
تشجعت ووضعت يدها الاثنين فوق يده تبصر عيناه البُنية بشغف، وتحدثت بجدية:
-أنا بحبك وعمري ما عرفت الحب ده غير معاك، علاقتي بهشام كانت عشان أنساك.. كنت بأنب نفسي كل يوم أنا إزاي عايزة اتجوز واحد غيرك بس كان في حاجز كبير بينا.. مـ ـوت أهلي كان صعب كنت متخيلة إنه بسببك.. كنت بس عايزة اضحي وأخرجك من حياتي وكانت الطريقة دي بس اللي تنفع معاك..
أومأ برأسه وابتسم ضاحكًا:
-عارف كل ده
ابتلعت ما وقف بجوفها وتابعت تترقب عينيه جيدًا:
-أنا كنت عايزة أجل الفرح علشان حاجه أنت متعرفهاش
أبعد يده الاثنين عنها فهبطت بيدها هي الأخرى واضعة إياهم على فخذيها، تابعها بدقة وقد كان يعلم ذلك منذ أول رفض لها ولكنه غفى عنه..
-ايه هي
أردفت تسرد إليه بهدوء وشفتيها المُكتنزة تتحرك أمامه بإغراء يحاول ردعه:
-هشام جالي الجمعية.. هددني إني لو اتجوزتك هيموتك وهو يقدر يعمل ده علشان....
بترت حديثها ونظرت إلى يداها مُخفضة رأسها فاستغرب هو ورفع وجهها بيده مُتسائلًا:
-علشان ايه يا سلمى
رأت الاستغراب بعيناه، الدهشة والغيرة، العتاب والتساؤلات المستمرة:
-علشان في المرة الأولى اللي ضربك بالمطوة هو اللي زاقه عليك
تسائل باندهاش مُضيقّا عينيه عليها:
-وأنتي عرفتي إزاي
ردت بهدوء:
-هو اللي قالي
تابع عينيها التي تريد أن تبتعد عنه وقال بعد أن فهم سبب إصرارها على وضع حارسة مشددة على أبواب الفندق ومعهم إلى الآن في الخارج:
علشان كده أصريتي نعين حراسة؟
أومأت برأسها إليه فتابع الحديث:
-أنتي لسه على تواصل مع حد فيهم؟
نفت مُسرعة ذلك السؤال رافعة رأسها إليه:
-لأ طبعًا أنا غيرت رقمي ومحدش يعرفه خالص غير ناس مهمة في الجمعية وانتوا
أومأ برأسه إليها ثم جذب رأسها إليه لتميل به على صدره فقال مُمازحًا إياها:
-كنتي خايفة عليا بقى
رفعت يدها على صدره وقالت برقة وحب:
-لو مخوفتش عليك هخاف على مين
صاح بصوتٍ عالٍ وهو يبعدها عنها مُنتفضًا على الفراش:
-إلعب.. ايه الحلاوة دي
غمزها بعينه الوقحة الجريئة مُشيرّا برأسه على الفراش:
-ماتيجي
صاحت وهي تبتعد عنه للخلف:
-ايه الجنان ده بقى
قبض على يدها جاذبًا إياها يلقي بها على الفراش تنام على ظهرها وأعتلاها في لمح البصر:
-بعدين ايه.. ده حرمان سنين
مال عليها وهي تضحك بصخب على طريقته المازحة وابتلع باقي ضحكاتها في فمه بعد أن وضع شفتيه على خاصتها يقدم إليها تلك القبلة المشتعلة بالرغبة والحب مُتخفيًا في ثناياه حنانه عليها..
والذي لا يظهر في أي وقت بل له مع "عامر القصاص" مواعيد محددة كهذه الآن ليجعلها تعشق اقترابه منها..
أبعد "عامر" أنظاره إلى الساحة الخضراء الذي في الأسفل أمام الفندق المُقيم به بعد أن عاد بتفكيره مرة أخرى بعد انتهاء تذكره لما حدث مع انتهاء سيجارته، فأخذ غيرها من العلبة مرة أخرى يشعلها ويقربها من فمه..
دارت دوامات عقله مرة أخرى خلف بعضها تحاول أن تتفهم ما الذي يفعله الجميع من خلفه وما الذي عليه فعله هو الآخر، وهذا كان يعلمه جيدًا..
أول شخص عليه أن ينال ردًا رادعًا منه، "إيناس" عليها أن ترى الوجه الآخر له، تركه لها إلى اليوم ليس ضعف منه ولا خوف منها، إنه فقط تركها تفعل ما يحلو لها ليرى إلى أين ستصل بعد كل ذلك، تركها لأنها فتاة ليس لها عائلة من الأساس يراها يتيمة ويخاف أن يقوم بأذيتها فيحمل ذنب أكبر على ذنوبه الكثيرة، يخاف أن يعود الأذى إلى شقيقته أو زوجته بما كما تدين تدان.. تركها ولكن تركه لها جعلها تفكر أنه ضعيف أو خائف أو ليس لديه أفكار ليقوم بالرد عليها بها.. بل هو شيـ ـطان على الأرض ولن تتوصل أبدًا إلى مستوى تفكيره في الانتقام..
لقد فعل معها كل ما هو جيد وتركها إلى النهاية، تركها الآن ستجد الرد الصادم لكل ما فعلته به وبحبيبته، وسيكون أشد وأعنف من أي شي قد مرت به في حياتها بالكامل وعليها أن تتحمل.. "عامر القصاص" ليس بهين أبدًا.. فقط صبرًا هو لا يحب التعجل في الأمور الحازمة..
بينما ذلك الأخرق ابن عمها، هو حقًا مُتحير في أمره! لما قد يفعل ذلك به ولما قد يفعل ذلك بـ "سلمى"، ما الذي يريده منهم.. هو لا يحبها ولن يحبها إذًا ما الذي يريده، لا يتذكر يوم أنه واجهة في شيء، ولا يتذكر أنه كان عدو له أو عمل معه، تفكيره يقول إن هناك شيء لا يعرفه هو..
ويعرفه والده، كيف لا يدري ولكن هذا ما توصل إليه، والده عندما تحدث معه في وجوده كان غريب وبعد رحيله كان أغرب وعلاقته به منذ ذلك اليوم وهي في تحسن دائم، لم يرتاح قلبه لما قاله وشعر أنه يخفي شيء عنه والآن قد تأكد من ذلك حقًا..
عليه أن يعرف ما الذي حدث أو ما السبب في كون "هشام الصاوي" يكرههم إلى هذه الدرجة ويريد الأذى إليهم والذي يوصله إلى قتـ ـله، أيعقل أن يكون السبب "إيناس"! قد تكون قصت عليه ما كان بينهم؟ ولكنه لم يتقدم خطوة واحدة خطأ معها عاد عن الأمر في لمح البصر.. ويعتقد أن "إيناس" لم تقول لأي أحد بل السر بينهم هما الاثنين فقط..
ما الذي من الممكن أن يكون مخفي عنه؟! حتمًا سيعرفه الآن أو بعد عام.. سيعرف كل شيء..
انتهت السيجارة فدعسها على سور الشرفة بيده وتوجه يدلف إلى الداخل بهدوء كما خرج كي لا يزعجها، أقترب إلى الفراش مكان نومه ثم صعد إليه وأقترب إليها في نومته جاذبًا إياها في أحضانه، تلملت وهو يجذبها فأقتربت منه ونامت بالقرب منه تحتضنه كما فعل تشعر بالأمان والراحة في قربه وسكينته..
❈-❈-❈
"بعد أسبوع"
فراشات أجنحتها ملونة بألوان زاهية وأخرى بأشكال رائعة، تطير في حديقة شاسعة بها كثير من الزهور ذات المظهر الخلاب وكانت هي من بين تلك الفراشات تحلق وتعلو وتهبط على إحدى الزهور لتسريح وتستنشق عبيرها..
كانت هذه حياتها في الفترة التي عبرت بها معه الطريق بعد زواجهما..
كانت كعصفور طائر ظل لأعوام في سجن صغير تناساه من وضعه به ورحل ثم دون أي مقدمات تذكر وجوده وأطلق سراحه فحلق مُبتعدًا في السماء بين السحابة الزرقاء ينظر إلى الأرض من الأعلى ويتأمل سعادته..
كانت كمثل امرأة هواها الحب وبعد أن تركها لألامه جدد ما تركه لها بالسعادة والحب الخالص..
بعد النقاش الطويل الذي حدث بينها وبين زوجها وإيضاح كل منهما ما فعله للآخر وما سبب فعله، بعد أن أعترف كل منهما بحبه للآخر وحزنه في بعده نالوا سويًا جزءًا من السعادة التي حلموا بها
لحظة والأخرى وأكتشفت أنها لم تفرح في حياتها قد، لم تبتسم ولم ترى السعادة، كانت خطيبته وحبيبته ولكن ما هذا الشعور الغريب وهي زوجته؟
ما تستطيع قوله فقط أنها لا تريد الإبتعاد عنه بعد أن ذاقت لذة قربه، لا تريد النظر إلى اليمين وهو يقف في اليسار فقد ترهق عينيها بالنظر إلى شيء ليس له قيمة..
ذاقت قربه وحبه، حنانه ولهفته عليا، شغفه وحنينه لها، تعرفت معه على كثير من الأشياء وهي زوجته، كانت أول مرة لها أن تعلم كل ما علمته وأن ترى فيه كل ما رأته.. كان شخص آخر وبادلته ذلك..
كان كتلة من الحب المتحرك والمرح الرائع، كان زوج وحبيب وصديق وكل ما تشتهيه المرأة، في الفترة الصغيرة المنصرمة شعرت بكم من المشاعر بقربه لن تستطيع التخلي عنها بعد الآن.. وخاصه قربه الرومانسي منها.. يقتلها به ويعلم جيدًا ما الذي يفعله معها ليجعلها تود القرب أكثر منه.. خبيث كما قالت عنه
عادت معه بالأمس إلى الفيلا، العلاقة مع الجميع أصبحت أهدأ وأفضل من السابق حتى والده، "هدى" أيضًا وقد علمت منه أنه تحدث معها..
كل شيء يسير الآن كما تريد وتتمنى، فقط تطالب بدوامه من الله..
ولكن بعد كل ذلك هل غفى عقلها عن صمته بعد أن صارحته بأفعال "هشام"؟، لم يهدأ عقلها عن التفكير للحظة واحدة أنها تعلم انه ليس ذلك الشخص المسالم الذي يصمت عن حقه، ليس ذلك الشخص الذي يجعل كل هذا يمر دون العقاب الحاد منه..
تعلم أنه يفكر في شيء ما يريد فعله ولكن لم يصارحها به، لم يقول ما الذي سيفعله وما الذي أتى على عقله، وهي تخاف وتموت رهبة داخلها من أن يحدث له مكروه.. لن تتحمل ابتعاده هو الآخر، هذه المرة ستكون القـ ـاتلة لكل شيء بها أن لم تكن ذاهبه خلفه.. تخاف من تهوره المعروف دائمًا ولكن ذلك الصبر الذي يتحلى به يجعلها تفكر بجدية أكثر ما الذي يريد فعله معه؟ ولما قد يصمت إلى الآن؟
هل يريد أن يجعل الأيام الأولى لهم تمر بخير ثم يقوم بالبداية الناهية له؟ وما تفكيره من الناحية الخاصة بـ "إيناس"؟ فقط لو يريح قلبها ويقص عليها ما الذي يريد فعله ولكنه يجعلها تقلق أكثر وأكثر بذلك الصمت الذي يرهبها..
في لحظة صمت بينها وبين عقلها وجدت من يجذبها من ذراعها بحدة، التفت لتنظر خلفها فرأته هو واستمعت إليه يقول:
-تعالي عايزك
سألته مصطنعة الاستغراب بعد أن جذبت يدها منه وعلقت عينيها بعينيه:
-عايز ايه
أقترب منها خطوة فوقف أمامه لا يفصل بينهم سوى مسافة صغيرة للغاية فرفعت رأسها كي تستطيع النظر إليه بحكم طوله الفارع وقال هو بتهكم:
-هتستهبلي؟ مش قولتي لما أفطر ادينا فطرنا
مرة أخرى تصطنع عدم الفهم وتنظر إليه محركة أهدابها عدة مرات:
-هو ايه ده اللي لما أفطر
علم ما الذي تحاول فعله بالابتعاد عنه لتحاول رد له ما فعله معها بالأمس هنا، فصاح ضاحكًا بعد أن فهم مخططها وقال بجدية:
-وربنا أجيبها عليها واطيها هنا.. أنتي مش عملتي نفسك مقموصه امبارح ونمتي؟ والصبح قولتيلي أفطر؟ حصل ولا محصلش
هذه المرة أجابته بدلال ورقة:
-ماليش مزاج
ابتسم وأكمل حديثه موضحًا لها مقصده غامزًا بعينيه الخبيثة وحديثه الوقح:
-لأ وحياتك دا أنا عريس جديد وعندي طاقة مكبوته لو طلعتها عليكي دفعه واحدة هتقتلك لكن أنا بطلعها بحنيه فاهدي كده وقصري
صاحت بوجهه وهي تنظر إليه باستغراب جاد بعد أن اعتدلت في وقفتها أمامه وتركت تلك الألاعيب الخاصة بها:
-طاقة ايه يا أبو طاقة أنت.. هي لسه مطلعتش
افتعل صوت بفمه ساخرًا عليها وأردف من بعده بثقة ونظرة متأكدة واثقة من قدراته الرجولية معها:
-تؤ تؤ اللي شوفتيه خمسة في المية منها
توسعت عينيها الزيتونية عليه وأردفت مندهشة تحرك شفتيها المُكتنزة ثم قالت مقترحة عليه:
-خمسة!؟ على آخر الشهر أكون موت؟ لأ بقولك ايه أنا ماليش في الجو ده إحنا خلصنا أسبوع العسل الحلو بتاعنا نعمل جدول بقى
تابع عينيها وحديثها الأخرق وقال بجدية:
-جدول.. هو أنا كنت متجوز علشان أعمل جدول.. تعالي بدل ما اجدولك أنا
عادت للخلف خطوة رافعة كتفيها الاثنين قائلة بدلال وغنج:
-طب خلاص ابقى شوف مين هيقابل الطاقة بتاعتك بقى
أشار إليها بيده وابتسم ضاحكًا بثقة وغرور:
-أنتي وحياتك
عادت للخلف مرة أخرى بسرعة أكبر وهي تهتف بمرح:
-لما تشوف حلمة ودنك
تسأل باستنكار وهو يبتسم:
-بقى كده؟ طب قابلي بقى
وجدته يقترب منها وعينيه الخبيثة تنوي على فعل شيء ما فذهبت مُسرعة تركض في الحديقة مُبتعدة عنه تضحك بصخب وصوتًا عاليًا للغاية، تطلعت خلفها وجدته يركض ناحيتها هو الآخر ويصر على الإمساك بها..
أخذت تركض في الحديقة بأكملها من هنا إلى هنا وهو خلفها بأقصى سرعة ولكن لم يستطع الإمساك بها..
صاحت وهي تركض بعيد عنه قائلة بصوت ضاحك:
-معقول مش عارف تمسكني
-أجابها وهو يركض خلفها قائلًا بوعيد:
-وديني منا سايبك النهاردة، هوريكي الوش التاني شكل الحنية معجبتكيش نتجه بقى لحاجه أنا بحبها
وقفت حول الطاولة تلتقط أنفاسها الضائعة أثناء ركضها فوقف هو الآخر الناحية الأخرى يفعل المثل ناظرًا إليها ليستمع إلى سؤالها بنبرتها اللاهثة:
-حاجه ايه اللي بتحبها
غمزها بعينيه وضحك بشدة لأجل انتباهها لذلك وقال بخبث ومكر:
-العنف
صرخت به بضيق بعد أن كرمشت ملامحها وتوصل إليها مقصدة:
-عـامـر لم نفسك ايه ده
مازال يضحك وأجابها بعدم اهتمام لانزعاجها من حديثه:
-هو أنا قولت حاجه ولا بكلم حد غريب.. جربي بس مش هتندمي
أمسكت بالمزهرية البلاستيكية الموضوعة أعلى الطاولة ثم ألقت بها ناحيته ولكنه هو كان الأسرع وتمسك بها وألقى إياها خلفه من بعدها وقال بتوعد ناظرًا إليها بشر:
-وحياتك منا سايبك وهعمل بردو اللي أنا عايزة.. لأ بس بطل بطل يعني
تركت الطاولة عندما وجدته يتقدم منها وصرخت عاليًا بصوت مُرتفع وذهبت راكضه تبتعد عنه وهو خلفها يُصر على الإمساك بها والنيل منها وأخذ ما يريد.. وكل ما يريد..
دلفت إلى الفيلا ركضًا وقلبها يدق بعنف خوفًا من أن يقوم بامساكها، ولجت إلى غرفة الصالون التي يجلس بها عمها وزوجته وذهبت سريعّا لتقف خلف المقعد الجالس فوقه قائلة بلهاث عندما وجدت الآخر دلف الغرفة:
-بقولك ايه أنا في حماية عمي
استندار ينظر إليها عمها باستغراب ثم وقف على قدميه يبادل ابنه الآخر خوفّا من أن يكون حدث بينهم شيء:
-في ايه مالكم
لم يعلق ابنه على حديثه بل نظر إليها بغل وحرقة وأردف قائلًا بثقة:
-تعالي هنا ولمي نفسك أصل في الآخر هتعملي اللي أنا عايزة هي يعني أول مرة
أدار عمها وجهه إليها وتسائل وهو ينظر إليها باستغراب:
-عايز منك ايه ده
اندفعت تتحدث بجدية كي تشكيه إلى والده ولكنها بترت حديثها في المنتصف:
-شوف يا عمي عايز.......
تهكم عليها وابتسم ساخرًا يُشير إليها بيده وهو يقف في بداية الغرفة:
-ما تقوليله عايز ايه.. ولا علشان عارفه إنه هيقف معايا ولا تكونيش مكسوفة
صرخت عليه بصوت حاد مغتاظ من أفعاله وحديثه ونظرت إلى عمها مرة أخرى ببراءة تحاول الكذب:
-أسكت بقى.. أسكت.. ده عايز، عايز مروحش الجمعية ينفع ده؟
أتفق معها في حديثها الكاذب وهو على علم تام بالذي يحدث بينهم فحديثهم واضح للغاية ولكنه جارى حديثها قائلًا بجدية:
-لأ طبعًا بس يعني انتوا لسه متجوزين يا سلمى
تفوه الآخر بنفاذ صبر وضيق شديد قائلًا حديث خاص مسترسلًا فيه بتبجح:
-قولها.. قولها أننا لسه متجوزين وعرسان والعرسان بتقعد في اوضه النوم، وبيناموا على السرير، وبيعملوا......
قاطعه والده قبل أن يكمل حديثه الوقح أمامهم قائلًا بعنف ونبرة حادة:
-ايه ايه ما تخرس شوية
أشارت إليه "سلمى" على والده وابتسمت بشماته:
-أهو قالك أخرس
ضحكت والدته الذي كانت تتابع في صمت والإبتسامة على وجهها:
-صلوا على النبي يا ولاد الله..
عقبت "سلمى" بهدوء وأكملت بجدية وهي تتجه إلى الأمام تجلس على الأريكة بجوار زوجة عمها تتهرب منه:
-عليه أفضل الصلاة والسلام.. أنا هقعد هنا مع عمي
رفع أحد حاجبيه مُستنكرًا ينظر إليها بجدية وثقة:
-بقى كده؟
أومأت إليه وابتسمت وداخلها تعتقد أن عمها لن يتركها تذهب معه مادامت لا تريد ذلك:
-آه
تدخلت والدته ثانيةً وهي الأخرى تتفهم ما الذي يحدث ولكن أرادت أن تضيف بمرح وخبث:
-هو أنا ليه حاسه أنكم بتهزروا أو في حاجه تانية بينكم
أجابها "عامر" بسرعة ليقوم بعناد الأخرى:
-بصراحة آه أصل سلمى مش عايزة...
صرخت سريعّا عليه قبل أن يكمل حديثه فهي تعرفه جيدًا لا يوجد عنده خط النهاية ليتوقف عليه بل كل شيء مباح:
-لما نفسك يا كداب
أقترب منها وهو يصيح بتوعد وعيناه تحكي ذلك:
-أنا بردو اللي كداب طب تعالي بقى
جذبها من يدها لتقف على قدميها وأخذها تُسير خلفه إلى الخارج تحت أنظار والديه المستمعين بما يحدث بينهم والإبتسامة على وجوههم..
ضغط على يدها بقوة كي لا تفلت منه هو يرى ذلك بعينيها وهي تضحك إليه ببراءة كاذبة، صاحت بدلال وحديث كاذب وهي تصعد معه الدرج إلى الأعلى حيث جناحهم الخاص:
-مش عايزة
قلد نبرتها المتدللة عليه لتضحك هي بصخب خلفه وهو يُسير بها ثم أكمل حديثه مذكرها بكيف تكون معه:
-مش عايزة.. هي مين دي اللي مش عايزة اومال مين اللي بتدوب زي السكر في الشاي بين ايديا
استمرت ضحكاتها ولم تجيب عليه، أنه يعلم أنها كاذبة وهي تعلم أنه يمزح، وكل ذلك ما هو إلا مرح ليس له معنى بينهم لتعكر صفوه فقط ويقوم هو برد الصاع صاعين لها.. ولكنها تخاف من طريقته الأخرى حقًا..
دفعها إلى الداخل قبله ثم دلف وأغلق الباب من خلفه، أمسك بذراعيها الاثنين وجذبها إليه ومال على شفتيها المُكتنزة يأخذهم منها بعنف وقوة ضاغطًا عليهما معاقبًا إياها بطريقة لذيذة ومحبة بينهما..
رفع إحدى يداه خلف رأسها متشبسًا بخصلات شعرها الذهبية مُتعمقًا أكثر في قبلته الشغوفة الخبيثة، سار بها إلى الداخل ولم تنقطع تلك القبلة التي دامت طويلًا، وقف بها في غرفة نومهم ثم ابتعد للخلف بوجهه فقط بعد لحظات يهتف بلهاث ورغبة خوفًا من أن يكون حديثها صحيح:
-مش عايزة بجد؟
ابتسمت بخجل وسعدت لأجل أنه يريد موافقتها بالبداية، لم تجب عليه بالكلمات بل أقتربت منه مرة أخرى تكمل تلك القبلة القاتلة لكلاهما واضعة يدها خلف رأسه تجذبه من خصلاته..
أكمل قبلته الدامية وتحركت يده وتوسعت أكثر في طريقها ثم دفعها للخلف ليبدأ ما أرادها هو.. وليس هي..
ألن يقولوا كل شيء مباح في الحرب والحب؟ هو يقول كل شيء مباح في الحب والرغبة..
❈-❈-❈
طفل صغير، تعرض إلى الوحدة المُميتة بعد ترك والدته له، تخلت عنه وذهبت راحلة إلى الأبد ولم تفكر به أو جعلته يخطر على بالها، طفل في سنه الصغير ما الذي سيفعله من بعد والدته مصدر الحنان والأمان والشخص الوحيد الذي على دراية تامة بكل مطلباته..
رحلت تاركة إياه خلف ظهرها ولم تفكر في أي شيء سوى أن تبتعد عن والده فقط لأنها لم تستطع أن تكون مع حبيبها السابق.. وما ذنبه هو؟ لو كانت تكره والده وتحب غيره لما وافقت عليه من البداية؟ أم أن الأموال اغرت عينيها؟ ولو وافقت لما قد تنجب منه بعدما استمر الكره بينهما؟ لما فعلت كل ذلك به؟
لما أتت به إلى العالم القاسي هذا وتركته ورحلت غير شاعرة بأي مما يشعر به.. فضلت نفسها وذلك الخائن على ابنها، فضلت الجميع وهو لا.. كيف يلقبها بالأم هذه؟ كيف!..
شعوره الدائم بالنقص لم يكن هين عليه، شعوره بأنه وحيد قاسٍ، مخادع وخبيث، لم يكن يريد كل ذلك ولكن والده أراد الانتـ ـقام من الرجل الذي أخلف الخراب في حياته، فدفعه هو الآخر للانتقام معه وقد كان على حق.. هل هو والدته تتخلى عنه ويبقى وحيد من بعدها دون صديق أو حبيب والآخر ينعم بالسعادة مع عائلته.. العين بالعين..
استدار برأسه ينظر إلى تلك الأخرى الغبية ابنة عمه، الذي كلفه والده بها اعتقادًا منه أنها بريئة لا يعلم أن ابنة أخيه فتاة برأس حية..
وجهها على شاشة هاتفها تنظر إلى صور "عامر" و "سلمى" في الزفاف، بعد أن لعب عليها وألقاها في أقرب سلة قمامة بعد أن علم أنها على علاقة بابنة عمه ولو من بعيد.. كم كان ذكي للتخلص منها..
أقترب إلى الداخل ووقف خلفها ينظر هو الآخر إلى الصور التي تمررها، كم كانت تلك "السلمى" جميلة للغاية، أيعقل أن هناك جمال بهذا الشكل، الشيء الغريب الوحيد أنه لم يغرم بها ولم يفكر في يوم من الايام أن تكون شريكته حقًا.. على الرغم من كل ما تتمتع به إلا أنه لا يريد غير الانتـ ـقام وجعلها تبكي بقهر وذل مثل ما حدث به.. ومهما فعل لن تصل لذلك الشعور لأنه حينها كان طفل صغير يتقلب على الجمر ولا أحد يشعر به..
قالت "إيناس" وهي تترك الهاتف بجوارها بحقد وانزعاج حقيقي بسبب فساد كل ما فعلته:
-مش معقول بعد كل ده يتجوزوا.. مش معقول
عقب بجدية وتفكير صحيح:
-لأ معقول.. إحنا اللي مقرصناش الست سلمى كويس
نظرت إليه وهي جالسة رافعة وجهها إليه بجدية وأردفت تبادله قائلة ما تعلمه جيدًا:
-سلمى طالما رجعت لعامر مش هتقدر تقرصها.. اسالني أنا خلاص كده هتستقوى بيه
سخر منها وهو يلوي فمه يسير للخارج مرة أخرى:
-في لمح البصر أقدر اضيعه وتبقى توريني هتستقوى بمين
ضيقت عينيها عليه باستغراب تحاول أن تفهم ما الذي يريد فعله:
-أنت ناوي على ايه
ابتسم وأردف قائلًا بثقة وتأكيد:
-على كل خير.. ناوي على كل خير بس هما يستحملوا
رفعت إحدى حاجبيها وقالت بجدية تحاول أن تجعله يفهم تفكير "عامر" جيدًا قبل التصرف فهو إلى الآن يعتقد أنه لا وجود له:
-خد بالك عامر مش سهل وسكوته مش ضعف أنا عارفه ده كويس هو بس تقيل
رد بهدوء موضحًا ما كان في مخططه:
-ده كويس أوي.. أنا بحب العدو التقيل مش الأهبل مع أنه مكنش في دماغي بس هو وقع في طريقي عافية
ابتسمت هي الأخرى في لحظة وعقلها يدور به شرائط قديمة لهما هما الاثنين معًا، لو خرجت ستدمر الأخضر واليابس:
-فاضله كارت معايا.. بس كارت أحمر لو طلع هيجيب عليها واطيها
قابلها بعيناه بنظرة هادئة تقول لها صبرًا لكل شيء أوان:
-خليه دلوقتي هنحتاجه
ابتسمت بسعادة معتقدة أن اللعبة ستنتهي في آخر محطة بالفوز لهما لا يهم أي شيء المهم أن تكون الفائزة على "عامر" بابتعاد "سلمى" عنه إلى الأبد.. بتركها له أو ذهابها إلى عائلتها.. لأ يهمها أكثر من ذلك..
❈-❈-❈
نظر إلى الطريق جيدًا وهو يقوم بالقيادة ثم أردف مُجيبًا على زوجته عبر الهاتف:
خلاص أنا جاي أهو في الطريق
استمع إلى صوتها الناعم على الطرف الآخر تقوم بسؤاله:
-بتقول جايبلي ايه بقى معاك؟
ابتسم باتساع ولمعت عينيه في لمحة وأجابها قائلًا بخبث:
-جايبلك حاجه حمرا فرايحي كده
استنكرت جملته مُكرمشة ملامح وجهها وأردفت مندهشة:
-فرايحي!؟
أومأ برأسه ضاحكًا بصخب وصوت مرتفع في أذنها عبر الهاتف مُعقبًا عليها بلامبالاة:
-أنا بيئة عارف
أكدت حديثه قائلة بثقة:
-جدًا
ظهر أمامه على بعد مسافة أشخاص تقف في مُنتصف الطريق تقطعه عليه عمدًا واحدًا منهم يحمل بيده عصاة كبيرة، وجوههم يظهر عليها الإجرام الشديد كالذين من قبلهم..
تغيرت نبرته إلى الجدية وأردف قائلًا:
-طب بقولك اقفلي بقى
استشعرت تغير نبرة صوته مئة وثمانون درجة فتسائلت:
-في حاجه ولا ايه
أجابها بجدية كاذبًا كي لا تقلق عليه وهو يتابع اقترابه منهم:
-لأ داخل على كمين.. سلام
أغلق الهاتف دون أي حديث آخر وجذب السماعة من أذنه وألقى بها جوار الهاتف على المقعد المجاور له، ثم فتح تابلوه السيارة وهو يهدي من سرعته لدخوله عليهم وأخذ المسدس الذي حصل عليه في الفترة الماضية تحسبًا لأي ظروف.. كهذه..
وضعه خلف ظهره في البنطال ثم وقف بالسيارة أمامهم ونظر إليهم من خلال الزجاج، كانوا أربعة أشخاص يقفون متربصين له بعيون إجرامية وكل ما بهم يدعوا إلى ذلك..
فتح الباب واندفع خارجًا منه بثبات وهدوء ناظرّا إليهم بجدية..
❈-❈-❈
"يُتبع"
شكرًا لتفاعلكم وكلامكم الجميل ♥️♥️
#بين_دروب_قسوته
#الفصل_العشرون
#ندا_حسن
وقف جوار باب السيارة بعد أن أغلقه وعينيه التي تحول لونها إلى الأسود القاتم مُثبتة عليهم، واحدًا خلف الآخر ينظر إليهم بثبات وجدية والقسوة بادية على ملامحه وعدم الخوف منهم ظهر إليهم وانبعث في لمح البصر..
وجه حديثه إلى واحدًا منهما قائلّا بجدية مُصطنع الغباء:
-ايه يا رجالة.. ما تفتحوا الطريق
أجابه ذلك مُعقبًا بنظرة ذات معنى قوي قد تفهمه الآخر:
-طب ما تشخلل علشان تعدي الطريق
ابتسم "عامر" بتهكم واضح ووزع بصره عليهم قائلًا بسخرية ولا مبالاة تامة:
-أشخلل بايه طيب.. فلوس؟ مباشيلش كاش، موبايل؟ عليه شغل والله مقدرش أتنازل عنه.. العربية لأ موديل السنة دي غالية وجديدة.. مكنش يتعز والله
عدم الإهتمام الذي تحدث به وظهور لا مبالاته وعدم خوفه منهم استفز داخلهم بشدة فصاح واحدًا منهم ساخرّا مثله:
-أنت مثلًا
اتسعت ابتسامته وهو يقف غير مُعتدلّا مُوضحًا له أنه لن يعود عليهم بالنفع أبدّا:
-لأ معتقدش إني انفعكم.. انتوا عايزين واحدة حلوة مقطقطة من شارع الزنقة
تقدم ذلك الرجل المُمسك بتلك العصاة بيده ووقف أمامه قائلًا وهو ينظر إليه مباشرة بعيون إجرامية خالصة:
-لأ تنفعنا.. تنفعنا أوي كمان.. إحنا بس عايزين عاهة
لوى شفتيه وحرك رأسه من الأعلى إلى الأسفل يستمر في اللا مبالاة الخاصة به مُتسائلّا:
-قولتولي.. عاهة وهتبقى مُستديمة بقى ولا نص نص
أجابه نفس الرجل بثقة كبيرة:
-مستديمة إن شاء الله.. لو قومت منها
تحرك "عامر" وهو يستدير إلى السيارة مرة أخرى قائلًا بفتور وسخرية:
-طب يلا يا شاطر أنت وهو افتحوا الطريق
أقترب منه أول من تحدث معه ووقف أمامه مباشرة ثم ابتسم ساخرًا بسبب ذلك البرود المأخوذ منه، لكنه أدار وجهه للناحية الأخرى ثم أخرج من جيبه مدية ورفع إياها في لمح البصر أمام وجهه مُتحدثًا بعنف وشراسة:
-ولا.. أرجع كده بدل ما تزعل بجد وإحنا ناوين يبقى زعل على خفيف
رفع "عامر" عيناه على تلك المدية المرفوعة في الهواء على استعداد تام أن تهبط على وجهه:
-المفروض إن البتاعة اللي في ايدك دي هتخوفني
أومأ إليه الآخر ساخرًا
-اه تخيل بقى
تابعه "عامر" بشجاعة وهتف قائلًا:
-طب شيل اللعبة دي ولو عايز تعملي عاهة خليها بايدك
عارض الآخر وأكمل على نفس النحو قائلًا:
-لأ بقى هي بدي
ثم رفع يده إلى الأعلى قليلًا وهبط بها إلى وجه "عامر" ولكنه أمسك بمعصم يده سريعًا وباليد الأخرى قام بلكمة في وجهه بقوة وغل شديد نابع من قلبه ليرتد الآخر إلى الخلف قليلًا مُستديرًا بوجهه، تقدم الآخرين بلهفة وسرعة لينالوا منه ولكن الأول أوقفهم رافعًا يده إليهم يمنعهم من العبور إليه..
تابعه بنظرات إجرامية، وعيناه حادة للغاية ينبع منها الغل وظاهر بها رغبة الانتـ ـقام، لا تدري على ماذا ولكن كونه تعرض إليه فيجب الانتـ ـقام..
أقترب منه مرة أخرى ونظرات "عامر" إليه حادة مثله يبادله العـ ـنف والغل الذي سيجعله يخرج من جسده عليهم واحدًا تلو الآخر..
رفع المدية مرة أخرى عليه ولكن "عامر" لم يستطع الإمساك بيده فارتد هو إلى الخلف بجذعه العلوي فاقترب الآخر مكررًا نفس الحركة فعاد "عامر" بكامل جسده ثم حاول الإمساك بها ولكنه جرح ظهر يده بها، عاد مرة أخرى إلى الخلف ثم تقدم وأمسك بيده في المرة الثالثة يضربها أكثر من مرة إلى أن وقعت منه المدية..
ولكمه في وجهه عدة مرات متتالية ثم في بطنه بقدمه والآخر لم يتركه يفعل ذلك مُستسلمًا بل ضربه هو الآخر لكمة في وجهه أسفل عينيه..
ولكن "عامر" كان الأقوى حيث أن الآخر لم يكن شابًا بل كان رجل أكبر من عامر ببضع سنوات فلم يكن بنفس تلك اللياقة والسرعة التي تحلى بها الآخر..
تقدم ذلك الذي كان مُمسكًا بعصاة من خلف "عامر" حيث أنه وهو يتشاجر مع الآخر استدار مُعطيًا إياهم ظهره، وقد كانت الضربة موجهه إليه في منتصف ظهره..
خرجت منه آنه وكرمشت ملامح وجهه مُتألمًا بشدة فاضطر إلى الانسحاب من المعركة الذي ستكون خاسرة هكذا ففي أي حال الكثرة تغلب الشجاعة وهو لا يريد الخسارة ولا يريد أن يقوم باذية أحد منهم
دفع الآخر عليهم بقوة واستدار إليهم بوجهه ثم أخرج المسدس من خلف ظهره رافعًا إياه عليهم صارخًا بهم:
-وديني اللي هشوفه قدامي ما هحله
حاول الإقتراب منه بعناد اعتقادًا منه أنه مسدس يقوم بالعبث معهم به أو أنه لا يقوى على استخدامه ولكن "عامر" لم يسمح له بالاقتراب فقام بالضغط على زناد المسدس بعد توجيهه إلى الأسفل على إحدى قدميه وقد كان..
أصيب الرجل برصاصة في قدمه اليمنى فوقع على الأرض صارخًا بعـ ـنف والـ ـدمـ ـاء تخرج من قدمه بغزارة
ارتعب الآخرين بخوف ورهبة منه بعد أن رأوا أنه على أتم الاستعداد للقـ ـتل ليس فقط التهويش، تقدم أحدهم واضعًا يده الاثنين أسفل ذراعي الرجل وقام بسحبه إلى الخلف بعد أن أبتعد الآخرون ليجعلوه يمر وذاك بعد أن فشل ما يريدون منه.
صاح "عامر" بقسوة وعنـ ـف قائلًا بتأكيد وثقة:
-قولوا للي باعتكم ردي عليه هيوصله بعد يومين بالكتير.. بالكتير أوي
دلف إلى السيارة ومازال رافعًا المسدس عليهم تحسبًا لأي حركة غذر قد تصدر عنهم فهو لن يضمن خوفهم منه، ولكن عندما رأوه يقوم بإطلاق النار على من معهم رأى العرق يتصبب منهم جميعًا..
أدار محرك السيارة وأبتعد بها وهما أيضًا يبتعدون عنه بذلك الذي لا يستطيع تحمل الألم الذي لحق به وظل يصرخ بعـ ـنف غير قادر على التحمل، ولكن نظرة الانتقام خاصته ورفعه المدية عليه أتى إليه هو بالاذى الشديد والذي لن يعوضه عنه أحد إن أصابت قدمه مكروه.. وهذا سيحدث لا محال
أبتعد "عامر" وأكمل طريقه إلى البيت وعقله مشغول بما حدث، هو شجاع ولم يخاف مما حدث، يستطيع أن يتصدى لهم ولكن الكثرة تغلب الشجاعة وهو معترف بذلك لن يكون بطل خارق يستطيع أن يتحدى أربعة أشخاص مسلحون ويقوم بالفوز عليهم..
لو لم يكن معه ذلك المسدس لكان الآن كما يقولون، بعد الدفاع عن نفسه إلى آخر نفس به ملقى على الأرضية لا أحد يعرف عنه شيء ينزف إلى المـ ـوت، حمدًا لله أنه كان معه..
وذلك الأخرق، لقد خطط له شيء لن يأخذه أحد سواه، سيكون ذلك مفصل لأجله وعلى القياس المضبوط.. سيقوم بالتفريغ عن غضبه وتعويضًا عن ذلك الكتمان والصبر. الذي تحلى به، فقط هو الآخر صبرًا وسيريه ما الذي سيفعله به وإن نجى منه لن يستسلم، سيكون هناك البديل والبديل بعد البديل.. لن يعجز عن شيء هو فقط صبور إلى أبعد حد..
كرمشت معالم وجهه وهو ينظر إلى المرأة في السيارة بينما يقوم بالقيادة لقد أخذ لكمة قوية في وجهه أسفل عينيه من ذلك الحيوان، وظهره يؤلمه للغاية، ألم لا يطاق..
يحاول الصمود الخمس دقائق الباقية للوصول إلى الفيلا.. لقد أخذ ضربة قوية على ظهره في منتصفه على عموده الفقري أفقدته صوابه ولكنه تحمل أمامهم.. تحمل كي لا يعطي إليهم الفرصة للنيل منه
نظر إلى المسدس الملقى جواره ثم أعاد بصرة إلى الطريق وعقله لا يكف عن التفكير في كثير من الأمور وكلما أعادها يجعلها تزداد مرة أخرى إلى أن يؤلمه رأسه من كثرة التفكير ويطالب بالانفـ ـجار بسببه..
❈-❈-❈
فتح باب جناحهم الخاص في الطابق العلوي، دلف بهدوء بجسد يتألم ينحني إلى الأمام قليلًا غير قادر على الاعتدال بسبب تلك الضربة التي تلقاها على ظهره، يمسك جاكيت بدلته في يده المجروحه التي قام بلفها بشاش أبيض ليس إلا.. ووجه مرهق وهناك كدمة أسفل عينه..
دلف إلى غرفتهم بارهاق شديد فوجدها تدلف من الشرفة تنظر إليه باستغراب:
-اتأخرت كده ليه
تابعت النظر إليه ودققت بملامحه وهيئته الغريبة ثم أقتربت سريعًا ناظرة إليه بلهفة وخوف عندما أبصرت يده:
-ايه ده مالك.. ايه اللي عمل فيك كده
أجابها وهو يجلس على الفراش بكذب ومراوغة يلقي جاكيت البدلة:
-قطاع طريق طلعوا عليا وكانوا عايزين يقلبوني
فك رباط حذاءه بسرعة ثم ارتمى على الفراش يقوم بفرد جسده كي يحاول الشعور بالراحة أكثر فظهره يؤلمه، كرمشت ملامح وجهه وهو ينام على الفراش وأخرج آنه بسيطة تنم عن ألمه..
أقتربت منه سريعًا وجلست على ركبتيها جواره على الأرضية، نظرت إليه تحاول الفهم ما الذي حدث وما الذي يعاني منه:
-مالك طيب ايه بيوجعك.. وعملت ايه معاهم
أغمض عيناه وهو ينام على ظهره ورفع ذراعه على رأسه يخفي وجهه عنها ثم تحدث بجدية وضيق:
-قطاع طريق يا سلمى كانوا عايزين ياخدوا العربية اتخانقت معاهم طبعًا واخدت ضربه على ضهري بس ده كل اللي حصل
تسائلت بخوف ورهبة، تنظر إليه بقلق قد جال بخاطرها أنه ذلك الغبي يطاردهم:
-وأنت عرفت منين أنهم قطاع طرق ما يمكن....
قاطعها لأنه يعلم ما الذي ستفكر به حتمًا فقال كاذبًا بفتور:
-لأ مش اللي في دماغك.. دول قطاع طريق بجد أنا عارفهم
نظرت إليه بتشتُت وعقلها لا يصدق هذه الكذبة، مؤكد أنه هو من قام بفعل ذلك لاذيتهم، قالت بقلق وهي تضع يدها فوق كتفه:
-مالك طيب ضهرك بس اللي بيوجعك
أومأ إليها برأسه دون أن يُجيب، فوقفت على قدميها تتقدم من درج مفتوح بالناحية الأخرى وهتفت قائلة:
-طيب قوم بالراحه كده أنا معايا كريم كويس هيخفف الألم لحد الصبح تبقى تكشف عليه
عادت إليه بعد أن أخذته، جلست أمامه على الفراش ثم أقتربت منه بهدوء قائلة برقة وحنان:
-عامر.. قوم معايا
اعتدل في جلسته بهدوء وبطء شديد فقد اشتد عليه الألم، أمسكت بيده وجذبته إلى الأمام ثم فتحت إليه أزرار القميص واحدًا تلو الآخر وقامت بنزعه عنه تنظر إليه بحزن لأجل أنه يشعر بالألم وهذا واضح وبشدة..
وقفت على قدميها وذهبت الناحية الأخرى عائده إلى الخلف ليظعر إليها ظهره وتستطيع أن تقوم بوضع الكريم إليه بهدوء..
أخذت منه على أطراف أصابعها ثم قامت بتدليك ظهره به بهدوء وخفه من يدها وأثناء ما تفعله راسها لا يكف عن التفكير فيما حدث معه، هل هو لا يتحدث لأجل أنه يتألم أم هناك شيء آخر..
عادت وجلست أمامه بعد أن انتهت وقالت ناظرة إلى عيناه بهدوء وحزن:
-خليك كده شوية ضهرك ياخد الكريم ده وهتبقى كويس
أومأ إليها برأسه بجدية:
-ماشي
أمسكت يده بحنان ورفعت حاجبيها تتسائل بقلق:
-بيوجعك أوي؟
ابتسم بهدوء وهو ينظر إلى وجهها وهي تتسائل بهذه الطريقة الرقيقة التي تبدو بها خائفة للغاية عليه فقال هو:
-لأ يا سلمى أنا كويس ده وجع خفيف من الضربة
تهكمت على حديثه حيث أن مظهره كان يقول غير الذي يهتف به تمامًا:
-كل ده وخفيف
تابعت النظر إليه وقالت بمزاح ومرح محاولة التخفيف من حدة الموقف:
-دول شلفطوك بص وشك عامل إزاي
رد ساخرًا هو الآخر محركًا رأسه بفخر لما فعله بهم:
-ماله وشي دي يادوب ضربه واحده إنما أنا ظبطهم
نظرت إلى ظهر يده التي غفلت عنها وأمسكت بها تجذبه إليها تهتف بنبرة جادة:
-طب وريني ايدك فيها ايه.. شكلها متعورة جامد
أعترض على حديثها وجذب يده منها قائلًا:
-لأ سيبيها زي ما هي مش هتعرفي تعمليها، أنا بكرة هروح المستشفى هتحتاج خياطة تقريبًا
صمتت لبرهة والأخرى خلفها ثم نظرت إليه بجدية تحاول أن تقول ما أتى برأسها عله يتفهمها ويرى الذي تراه هي:
-عامر.. ما يمكن يكون هو، أنا كده قلقانه وبجد خايفة عليك أنا مش هعرف أعيش كده كل ما تخرج أحط ايدي على قلبي وأقول هيحصله ايه
ابتسم بهدوء حتى لا يثير ربيتها وأقترب بخفة إليها جاذبًا إياها إلى صدره تنام برأسها عليه وهتف بجدية وثقة كي يجعلها تهدأ وتطمئن لحديثه:
-أنا عايزك متخافيش وتثقي في كلامي.. أنا متأكد أنه مش هو دول ناس أنا عارفها بيعلقوا أي حد ماشي وبعدين هو مايقدرش يعملي حاجه أنتي مش واثقة في قدراتي ولا ايه
أجابته بعقلانية وتفكير مُشتت:
-أنا كل اللي عرفاه إني خايفة عليك يا عامر
ربت على ذراعها يحتضن إياها وحاول أن يكون حديثه صادق، يعلم أنه يكذب ولكن بثقة كي لا تثور وتقلق عليه وتجعل عقلها الأخرق يخاف منه ليلًا ونهارًا:
-متخافيش يا سلمى.. مش هيعمل حاجه ولو عمل ياستي أنا جامد قدامك أهو.. كده كده هو جايله يوم وهيختفي خالص من حياتنا
حركت رأسها على صدره قائلة بتمني:
-يارب يا عامر بجد نفسي أعيش معاك مرتاحه مش بفكر في حاجه غير فينا إحنا
ابتسم وهو يبعدها عنه يتحدث بلهفة وشوق ناظرًا إليها داخل تلك الزيتونية:
-وايه اللي مانع حضرتك
بادلته الابتسامة وحاولت أن تكون مثله، ستطرد تلك الأفكار البشعة من رأسها وتنعم بكل لحظة معه:
-حالة حضرتك اللي منعاني
عقب على حديثها بخبث ومكر تعرفه جيدًا وقد أصبح غير ذلك الذي كان تعرفه بالسابق:
-لأ يا بطل حالة حضرتي زي الفل ورينا أنت بس جمدانك ده
غمزته بعينيها قائلة بدلال:
-ما بلاش
تسائل باندهاش مُضيقّا عينيه عليها يحاول أن يرى أين الخطب الذي به.. وهو يعرفه جيدًا لكن يظهر العكس أمامها:
-وبلاش ليه الله ما أنا جامد قدامك أهو وبعدين حتى لو تعبان أجمدلك يا بطل
ابتسمت بخجل وهو يغمزها بطرف عينيه اليسرى وتذكرت قائلة تتسائل:
-فين الحاجه الفرايحي اللي جبتها
رد بفتور ونبرة جادة فلم يكن مبالي بأي شيء أثناء قدومه بسبب آلام ظهره:
-في العربية.. مكنتش قادر بضهري كان واجعني أوي مجبتش حاجه كنت محتاج أطلع بس
قابلته بعينيها الحنونة مُردفة بصوت أم ملهوفة على طفلها:
-حاسس بايه دلوقتي لسه بردو تعبان؟
قدم يده يتمسك بيدها جاذبًا إياها إليه ثم رفعها إلى فمه بهدوء وحنان يبادلها إياه وقام بتقبيلها بشغف ورقه ونظر إليها باتمان:
-بقيت كويس بفضلك يا حبيبتي
ابتسمت إليه وأقتربت منه ومازال يمسك يدها:
-وربنا يخليك ليا يا عامر.. حاول تكون كويس علشاني أنا ماليش غيرك
أومأ إليها برأسه وأقترب هو الآخر إليها بوجهه يطبع قبلة أعلى جبينها حنونة رقيقة وناعمة يحاول أن يبث الأمان بها وأن يجعلها تهدأ وتطمئن لوجوده الدائم معها:
-أنا معاكي يا سلمى متقلقيش.. معاكي
مالت برأسها إلى صدره تنام عليه تحاول بذلك أن تأخذ الأمان منه وتشعر بوجوده الدائم معها كما قال، تحاول أن ترى الجانب الرائع في الحقيقة المرة بينهم..
بينما هو حاول بقدر الإمكان بحديثه وأفعاله بعد ذلك أن يجعلها تطمئن ولا تفكر في أي شيء سيء قد يحدث فهو في الوقت القريب جدًا سينهي كل هذا وما بقي إلا قليل عليها فقط الانتظار معه.. وما كان به داخل عقله إلا أشياء يسعى لتنفيذها على أكمل وجه..
❈-❈-❈
"بعد مرور يومان"
جلس "تامر" مع "رؤوف" في صالون منزلهم ومعهم "عامر" الذي جلس مُستمعًا فقط واستمع إلى والده يقول بجدية:
-تمام كده يبقى إحنا اتفقنا على كل حاجه.. بس أنا عندي شرط واحد بس علشان كل ده يتنفذ
ابتسم "تامر" متابعًا إياه في اعتقاده أنه سيطلب شيء عادي يستطيع تنفيذه بسهولة:
-أوي أوي اللي حضرتك تطلبه هيتنفذ
أجابه الآخر بمنتهى الجدية والهدوء ناظرًا إليه بعمق:
-تقعدوا معانا هنا
كرمشت ملامح وجه "تامر" وتسائل باستغراب وكأنه استمع إليه خطأ:
-نقعد فين؟
مرة أخرى بجدية وهدوء تحدث قائلًا بسلاسة وهو لا يرى أي مشكلة في بقائهم هنا:
-هنا في الفيلا.. أنت شايف فيلا طويلة عريضة محدش فيها غيرنا وأنا بصراحة مش عايز حد من ولادي يبعد عني ولو أنت عايز هدى أقعد معانا هنا
استغرب "عامر" كثيرًا من حديث والده وود الاعتراض عليه بشدة، كيف له أن يقول مثل هذا الحديث ولما قد يعيش معهم هنا، هكذا لن يجعل زوجته تأخذ راحتها في منزلها وهو سيكون ضاغطًا عليها بشكل كبير خوفًا من أن يحدث نظرة أو أخرى من قبل "تامر" ولو عن طريق الخطأ.. ما هذا الذي يهتف به
استنكر الآخر حديثه واعترض بأدب واحترام محاولًا ألا يجرح مشاعره:
-أيوه بس أنا بعد اذنك يعني مش موافق على الكلام ده
أكمل موضحًا بجدية:
-أنا عندي بيت نقدر نعيش فيه
حرك الآخر رأسه إلى الأسفل والأعلى موضحًا مثله ومحاولًا نيل استعطافه:
-أنا عارف إن عندك ومقولتش غير كده بس أنا بطلب منك كأنك ابني تكون معانا هنا في البيت أنا مش عايز ولادي يبعدوا.. كفاية اللي بعدوا
لوى الآخر شفتيه ببغض وضيق ثم هتف قائلًا موضحًا أكثر ربما هو لم يتفهم مقصده بعد:
-أنا آسف بس أنا مش هقدر على كده أنا هبقى جوز هدى.. مش هقدر أعيش معاها في مكان كانت عائشة فيه مع ياسين.. حتى لو هو ميت بس.. بس كفاية الذكريات
محى المشكلة التي تحدث بها ببضع كلمات وقال مقترحًا عليه:
-هنغير المكان كله يا تامر من ألوان لفرش وعفش وأبواب حتى، كل حاجه هتتغير على ذوقكم مع بعض انتوا وتعملوا ذكريات غيرها
عارضه مرة أخرى بجدية وهو لا يعلم كيف السبيل للهرب من مثل هذا الحديث الأبلة، فكيف يكون عنده بيته ويعيش هنا في بيت زوجته:
-بس أنا مش هكون مرتاح كده
هنا تدخل عامر بعد حديث "تامر" وأعجب بإصراره وأكمل عليه هو لأنه لا يود ذلك هو الآخر فوالده يفعل اشياء غريبة هذه الفترة:
-ما تسيبه براحته.. هو من حقه يعيش في بيته مع مراته
أجابه والده بصرامة وقوة قائلّا حديث محدد وواضح:
-أنا محتاج إن الكل يكون معايا هنا يا عامر.. مش هسمح لحد منكم يبعد
أبعد نظرة إلى "تامر" وأكمل ليجعله يرتاب لأمر عدم إتمام الزيجة وهو على حافة الهاوية:
-ده شرطي علشان الجوازة تتم
نظر إلى الأرضية دون حديث ثم عاد مرة أخرى إليه برأسه يتسائل:
-هدى موافقة على الكلام ده
أجابه بفتور يدلي بموافقة ابنته على عدم تركها له:
-أيوه موافقة ومستنية رأيك
تشتت "تامر" بالأخص بعد أن تفاجئ هنا، لو كان على علم مسبق بذلك الأمر كان رتب له الحديث الذي سيقوله مع أنه لا يرى أكثر من رفضه حديث:
-بصراحة أنا.. أنا مش عارف
مرة أخرى يحاول أن يجعله يرق قلبه ناحيته واتجه إلى اللين المنكسر قائلًا:
-أنت شايف إحنا عيلة عاملة إزاي.. وبجد أنا محتاج كل ولادي جنبي، خليك معانا
نظر إليه "تامر" وأراد ألا يحدث أمرًا مكروهًا بسبب عدم قبوله، أو ينزعج والدها منه بسبب عدم احترامه وتلبية رغبته فقال بعد تفكير للحظات:
-أنا موافق، بس لو لقيت إني مش هرتاح هنا هاخد هدى وأروح بيتي
هتف الآخر بجدية موافقًا على حديثه:
-وأنا موافق يا تامر
وكان "تامر" يقول ذلك كي يكون أعطى له سابق إنذار بذهابه من هنا سواء شعر بالراحة أم لم يشعر، فقط شهر بالكثير هنا في هذا البيت معهم ثم يأخذها ويذهب إلى بيته..
ود "عامر" في هذه اللحظات أن يقوم بخـ ـنق نفسه، لما قد يجعل شخص غريب عنهم يجلس بينهم في المنزل حتى ولو كان سيصبح زوج شقيقته!؟ لما؟
❈-❈-❈
-كنتي وحشاني أوي
نطق بتلك الكلمات الرقيقة والخارجة من بين شفتيه بشغف وهو مُحتضن إياها تنام بين ذراعيه على الفراش في وقت متأخر من الليل
دست نفسها في أحضانه تخفي وجهها في صدره العاري قائلة بحب وخجل تسيطر عليه مع الوقت:
-وأنت كمان
ابتسم ضاحكًا بصوت عالي وهو يحرك يده على جسدها:
-بس ايه.. بطل بطل يعني مافيش كلام
تابعت الحديث معه بمزاح ومرح وعينيها تلمع بالحب والسعادة:
-بطل بيتفرهد من صاحب البطل
اتسعت ابتسامته وهو يضغط عليها بيده يقربها إليه من منطقة خاصة:
-وماله.. طعم السعادة غالي بردو
جذبت يده الموضوعة خلفها واعتدلت في نومتها تقوم بتوبيخه بجدية:
-لم ايدك أنا عايزة أنام مش مستعدة أقوم تاني إحنا بقينا الصبح
أبتعد بيده مرة أخرى وهو يقول بلا مبالاة متناهية:
-لمي ايدك أنتي.. إحنا عريس وعروسة اعتبرينا بنلعب
رفعت وجهها إليه وتسائلت باستنكار وبعينين متسعة بطريقة مضحكة:
-هو لعبة عريس وعروسة بتفرهد أوي كده؟
أخفض وجهه إليها عندما شعر أنها اعتدلت تنظر إليه وقال بابتسامة عريضة مازحًا معها:
-يوه دي بتفرهد أوي خصوصًا بقى لو كانت من الدرجة الأولى
أكمل موضحًا أكثر يكذب عليها وكأنها تصدق حديثه:
-تعرفي إحنا بنلعب الدرجة التانية.. تعالي بقى نجرب الدرجة الأولى وهتشوفي الفرق كبير قد ايه
رفعت إحدى حاجبيها الاثنين ونظرت إليه بتهكم واضح وسخرت منه:
-وده بقى ظهر بعد ما ضهرك بقى كويس ولا ايه علشان ابقى فاهمه؟ ما أنت مكنتش قادر تتحرك دلوقتي هتفوق عليا
ضغط بيده عليها مرة أخرى وهو يجذبها ناحيته لتلتصق به أكثر وصاح قائلًا بسخرية وثقة:
-أفوق عليكي وعلى اللي يتشددلك.. بس أنا اللي طيب وحنين
استنكرت حديثه وصاحت قائلة بصوت عالي:
-حنين! حنين مين يا أبو حنين.. الحنية ماتت من زمان كانت مرة ولا اتنين
ابتسم وجذب رأسها إلى صدره مرة أخرى ليكي يجعلها تصمت وهتف باستفزاز:
-ما أنتي اللي بطل اعملك ايه.. وبعدين نامي بقى بقينا الصبح وأنا عندي شغل نامي
-تصبح على خير
قالتها بنبرة خافتة مُبتسمة وهي تحتضنه كما يفعل المثل وأجابها قائلًا بنبرة رجولية خشنة:
-وأنتي من أهل الخير يا بطل
ثم أغمض عينه كمثلها وهو يشعر براحه غريبة للغاية ويوم رائع ينتظره بالغد.
❈-❈-❈
اليوم التالي قد أتته الأخبار التي يريدها حقًا بعد أن ذهبت عناصر الشرطة إلى شركة "الصاوي" المعروفة حيث أنها قامت بتفتيش بعض المكاتب بعد أن قد فيهم بلاغ موصى به من بعيد كي لا يظهر في الصورة أمام الناس ولكن أمامهم كان معروف من فعلها..
تم القبض على "هشام" الصاوي بعد أن وجد في مكتبة كميات كبيرة من الممنوعات والذي صرخ كثيرًا بأنها لا تخصه ولا يعلم عنها شيء.. ولسوء حظه وحسن حظ "عامر" أنه فكر في إيقاف كاميرات المراقبة جميعها قبل دلوف الشخص الذي وضع له هذه الأشياء الذي كلفته مال كثيرًا ولكن حقًا كان يستحق الدفع ولو كان أكثر لدفع..
مقابل دفع المال والتخطيط لهذا الأمر حبس "هشام" مدة ستكون قاتلة له، وفضيحة رائعة لعائلة الصاوي وهذا ما يريده ومن بعده سيأتي الدور على ابنة عمه.. فقط صبرًا لتنال شيء كهذا يليق بها وبما ما تفعله..
❈-❈-❈
"يُتبع"
#بين_دروب_قسوته
#الفصل_الواحد_والعشرون
#ندا_حسن
"نظرات تقتل بينهم، ونظرات تبعث المـ ـوت"
دق باب الغرفة من الخارج مرة واحدة ووقف في الردهة منتظرًا أن تفتح له الباب، داخله يدعوه للعودة مرة أخرى إلى المكان الذي أتى منه، ولكن شيطانه يُصر عليه أن يكمل ما بدأ..
لحظة وفُتح الباب، طلت من خلفه "إيناس" بهيئة لأول مرة يراها بها، ترتدي قميص طويل يصل إلى كاحليها، لونه أسود يعكس بياض بشرتها، ملتصق عليها مفتوح من المنتصف إلى آخر فخذيها..
نظر إليها من الأسفل إلى الأعلى، ثم دفعها ودلف إلى الداخل دون حديث، أغلقت الباب هي واستدارت تنظر إليه، رأت وجهه المُتعرق بشدة، عينيه تذوغ منه في كل مكان ويبدو عليه التوتر..
أقتربت منه بهدوء ووقفت خلفه مباشرة تضع يدها الاثنين عليه تحركهما لتصل بهم إلى الأمام وقالت بصوت ناعم جذاب:
-كل ده تأخير.. مستنياك من بدري
ابتلع ما وقف بجوفه بتوتر وتردد والعرق أصبح أكثر من السابق بكثير، لأول مرة يفكر بفعل شيء كهذا، شيء بشع ولكن مثير وشهواته تدعوه له منذ زمن وهو يرفض ويرفض لأجل أن يقترب من حبيبته في صفاء، ولكن ظهور هذه الفتاة واقترابها منه دون أي مقدمات، حتى إلقاء نفسها تحت أقدامه جعله يفكر في الأمر أكثر من المرات السابقة.. شيء لا مثيل له خصوصًا أن كنت لن تفقد شيء، وفي أثناء تفكيره بذلك نسيٰ عصيانه لربه وعقابه عنده..
تقدم للأمام خطوة نازعًا نفسه منها وعقله مازال مشوش لا يستطيع التفكير بشكل سليم ولا يدري ما الذي يريد فعله..
تقدمت هي الأخرى خلفه مرة أخرى ومالت برأسها عليه من الخلف تستند على ظهره:
-وحشتني.. أنا موحشتكش؟
لم يُجيب عليها وحاول أخذ أنفاسه بشكل سليم، فهي تتحدث وعقله مازال يحاول التفكير بجدية وهدوء في ذات الوقت كي يفعل الصواب.. ولكنه وجد نفسه يستدير ينظر إليها من الأعلى إلى أسفل قدميها..
مظهرها يجذبه إليها، ليس حب، ليس إعجاب، ليس انجذاب طبيعي بل لكونها متجهزة لأجله وتنتظره بهذه الطريقة التي تظهر رجولته ومدى هيمنته..
أقترب مرة وأخرى خطوات خلف بعضها ووقف أمامها مباشرةً لا يفصل بينهما شيء، رفع يده إلى وجنتها يتحسسها بكف يده وينظر إليها بتمعن وعمق وفي لحظة خاطفة وهو ينظر إليها رأى وجه حبيبته..
أغمض عينيه بسرعة وابتعد عنها للخلف مرة ثانيةً، فاقتربت هي وصاحت قائلة باستفهام:
-مالك؟ شكلك مش مظبوط
أجابها بصوتٍ خافت مخفي داخله وهو يفكر بالأخرى:
-ماليش.. أنا كويس
كرمشت ما بين حاجبيها وتابعته بنظرات عينيها وهو يتحرك بالغرفة بحركات غير منتظمة:
-مش باين!
وقف ناظرًا إليها بجدية وعينين حادة يتحدث نافيًا حديثها مُعترضًا عليه:
-ليه مش باين منا قدامك أهو كويس
تغاضت عن ذلك وتابعته مُتسائلة بوقاحة وعدم خجل:
-طب ايه هتفضل كده؟
حرم رأسه وهو يسألها بغباء ولم يأتي على عقله مقصدها بسبب تفكيره الغبي في ابنة عمه:
-كده إزاي يعني؟
تحركت بجسدها للأمام وأردفت مندهشة منه تفكر فيما أصابه فور رؤيتها:
-كده.. واقف متخشب ومتوتر
أردف مُجيبًا إياها بجدية وصوت رجولي أجش واضح حاول السيطرة عليه فقد فهم نظرات عينيها إلى ماذا توحي:
-أنا تمام
استمعت إليه وابتعدت للخلف، انحنت بجذعها العلوي للأمام وأخذت من على الطاولة ورقتين وقلم، ثم استدارت واقفة بجسدها الممشوق تتبادل معه النظرات وهتفت:
-طب يلا
تسأل بعينيه قبل شفتيه وهو ينظر إلى الورق بيدها:
-ايه ده؟
ابتسمت وهي تقدم الورق إليه مُعتقدة أنه سيوافق على طلبها الأحمق:
-نكتب ورقتين عرفي
استنكر كلماتها السهلة التي خرجت من بين شفتيها ببساطة وهدوء:
-عرفي!..
أجابته واتسعت ابتسامتها أكثر تفكر في الوصول إليه بأي طريقة كي تكون معه متى ما أرادت ومتى ما أراد ولم تكن تعلم ما الذي سيفعله "عامر":
-آه، علشان لما تحتاجني تلاقيني
استهزأ بها وضحك بسخرية ووقف مًعتدلًا أمامها يتابعها بتمعن:
-مين قالك إني هحتاجك؟!..
حركت كتفيها وقالت بهدوء وجدية تنظر إليه تتابع سخريته الغريبة عليها فهو هنا بسبب ما أراده وأرادته معه ليس شيء غريب تطلبه منه:
-زي دلوقتي كده
ابتسم بتهكم يحرك رأسه يمينًا ويسارًا بسخرية شديدة ثم رفع نظرة إلى عينيها قائلًا بتبجح ولا مبالاة:
-حتى دلوقتي مش محتاجك.. أنا هنا علشانك، علشان أنتي سهلة
تمسكت بالورق بيدها الاثنين بقوة وضغطت عليه بغل وهي تستمع إليه يقوم بالاستهزاء بها والتقليل منها، أردفت بجدية منزعجة بشدة:
-أنت واخد بالك بتقولي ايه!
أومأ إليها بعدم اهتمام وأكد أنه يعلم ما الذي يتفوه به:
-آه واخد بالي كويس
حاولت هي الحديث والتبرير له موضحة ما الذي تفعله على عكس ما فهمه هو:
-أنا مش مدلوقه عليك علشان تقول كده.. القصة كلها إني مبحبش اللف والدوران زيك يعني باجي على طول
تقدم خطوة منها وقال بجدية وقسوة:
-يبقى متقوليش نكتب، طالما بتيجي على طول
اعترضت على حديثه معتقدة أن هكذا سيفعل ما تريد هي لينالها وتكون إليه، لم تكن تعلم أنه من الأساس يقدم قدم ويؤخر الأخرى متردد بقوة:
-بس أنا مش هعمل كده من غير ما نكتب
تسأل بسخرية شديدة:
-وهو فيه فرق؟
أومأت إليه بجدية وتأكيد واثقة من حديثهها قائلة بهدوء:
-آه طبعًا هنبقى متجوزين
تهكم عليها بقوة وابتسم باتساع لأجل تحليلها للأمور فقط لأنها ليست فتاة صغيرة حتى لا تعلم أن هذا غير محلل:
-هو أنتي متعرفيش إن أساس الجواز إشهار، يعني حتى لو كتبنا يبقى جواز باطل
بررت له مرة أخرى حتى يوافق، وعللت بحديث آخر جعلت نفسها حمقاء كثيرًا بعد قوله:
-بس معروف الجواز العرفي وإحنا بعدين ممكن نشهر
استغرب "عامر" بشدة وابتسامته مازالت على شفتيه الرفيعة مُرتسمة، قال لها بتساؤل:
-نشهر مين؟ هو حد قالك إني ناوي اتجوزك؟
أومأت برأسها تلوي شفتيها ببساطة قائلة:
-وليه لأ!؟
ضحك بصخب وصاح بصوتًا ضاحكًا مُرتفعًا ينظر إليها باستغراب شديد لتلك الثقة التي تتحدث بها:
-دا أنتي اتهبلتي في مخك بقى! أنا اتجوزك أنتي
وقفت للحظات في صمت تام تنظر إليه هي الأخرى باستغراب لا تفهم لما يفعل ذلك؟:
-وأنا مالي؟ مش عجباك
تبجح بغرور وأكمل كما هو دائمًا يقول الحقيقة ولو كانت مُرة أمر من العلقم:
-مش ذوقي، ومش أنتي اللي اتجوزها، هو علشان كلمتين ونظرتين يبقى اتجوزك؟
صمت لوهلة وأكمل مستهزء بسخرية وبرود:
-ده أنا على كدة هتجوز البنات كلها
نظرت إليه بعمق وتمعن وصاحت قائلة تحاول أن تجعله يفهم ما الذي يتفوه به:
-أنت بتخبط في الكلام
عدل حديثها يعقب عليه بوضوح أكثر:
-أنا بفوقك.. شايف سقف طموحك عالي أوي
تسائلت وهي تضع يدها الاثنين بجانبها والأوراق بيدها اليمنى:
-يعني أنت عايز ايه دلوقتي
نظر إليه بوضوح وجدية ولم يجد شيء يفعله غير أنه تحرك ناحية الباب يقول:
-سلام
استدارت معه تنظر إلى ظهره وهو يذهب فصاحت باستغراب ودهشة غير مصدقة من الذي فعله:
-أنت هتمشي؟
استدار ناظرًا إليها من الأعلى إلى الأسفل ثم خرجت الكلمات من بين شفتيه بإهانة واضحة لها:
-منا قولتلك.. مش ذوقي
مرة أخرى استدار وذهب تاركًا إياها خارجًا من الغرفة، شكرها داخله على ذلك الأمر الذي فعلته وجعلته به يستفيق لنفسه ويعرف ما الذي كان مقدم على فعله..
كان يخون ابنة عمه وعمه، الذي أخذ دور والده وقدم إليه ابنته حتى بعد رفض والده هو..
هل هذا سيكون المقابل لهم؟ أنه حقير للغاية وهو مُعترف بذلك ولكن تلك الفتاة الغبية تلقي نفسها أسفل أقدامه وهو شاب غير متزوج العمر يمضي به كيف له أن يرفض!؟
الأمر صعب للغاية عليه ولكنه سيحاول التغلب ولن يخونها، فهي حبيبته وملكه الوحيد الذي انتشله من تلك العائلة، لم يخرج بأي شيء منهم سواها.. ولن يتركها بتلك السهولة..
لن يجعلها تبتعد عنه.. لن يفعل خطأ كهذا يجعلها تسلب منه بسببه.. سينتظرها هي! سينتظرها
بينما وقفت الأخرى والغضب يعمي عيناها، كيف له أن يفعل ذلك الأمر بها، كيف يتركها هكذا ويرحل، كيف يقوم برفضها ذلك الأحمق.. لقد تسرعت كثيرًا، هي المخطئة ولكنه مغرور وقح لا يقدر من يقف أمامه.. لا يقدر أنها تقف تطالب بالقرب منه..
قبضت على الورق بيدها بقوة كبيرة وغضب جلي بسبب فعلته الدنيئة ورفضه المُميت لها، ولكنها ليست ضعيفة لتسلم بتلك السهولة هو وافق من البداية ولم يعترض، هي هنا لأجله ولأجل أن تبدأ القصة بينهما، ولن تتركه إلا أن تبدأها وتنهيها وستكون جميع الخيوط بيدها.. سيعود، مرة أخرى سيعود..
❈-❈-❈
بعد أن تم إلقاء القبض على "هشام الصاوي" بتهمة الإتجار في الممنوعات حاول والده إخراجه بكافة الطرق، ولكنه لم يستطع، حاول تفريغ كاميرات الشركة بعد التحدث مع ابنه والتأكد من أن هذه الأشياء ليست له، ولكن من فعلها كان أذكى منهم وقام بتعطيل الكاميرات كي لا تعمل أثناء وضع هذه الأشياء له..
لم يكن أحد سواه من فعلها، دائمًا كان يقول صبرًا صبرًا ها هو الصبر حل عليه بفوائد ونفع لا نهائي ولو خرج منها لن ينسى ذلك القلم الذي صفعه له بتلك القوة الضارية..
سيجعله يتذكره دائمًا ويفكر في الشيء قبل فعله خمسة عشر مرة متتاليين كي لا يقع في نفس الخطأ مرة أخرى..
هكذا أخذ انتقامه منه، بطريقة قانونية فهو لا يحب التهور بتلك الطريقة الغبية التي يتصرف بها الآخر..
ولو خرج منها سينتظره أن يقوم بفعل الخطأ عينه مرة أخرى كي يرد عليه الرد الأكبر.. هو وابنة عمه التي ينتظرها رد لا مثيل له..
كان "هشام" على علم بأن من فعل ذلك هو "عامر"، تفهم الأمر جيدًا واكتشف الآن فقط أنه ليس سهلًا كما بدا عليه، ولكن هو الآخر ليس سهل ولن يبقى هنا إلى نهاية حياته بل سيخرج مهما كلفه الأمر وسيرد له الصاع صاعين... في زوجته..
آخر ما فكر به سيفعله ولو كان آخر يوم بعمره، سيرد عليه وعليها ويجعل كل منهما يرى من هو "هشام الصاوي"، سيأخذ حق والده وحقه منهم، لن يتركهم ينعمون بالسعادة هكذا بتلك السهولة.. سيكون قاسي للغاية هذه المرة.. ستكون هذه المرة الأعنف على الإطلاق..
والده لن يبقى صامتًا، هو يحاول إخراجه ولو لم يستطع فهو الآخر عنده الخطه التي تخرجه من هنا دون أي اتهام، يخرج إلى النور ويرى ما الذي سيقوم بفعله عندما ينفذ ما برأسه تجاههم، يرى "عامر" وهو منحني أمامه يطالب بالرحمة والمغفرة كي يتركها هو وزوجته المصون.. لأجل تلك اللحظة سيفعل أي شيء كي يصل إليها..
وهي ستأتي مهما كلفه الأمر ولن تكون بعيدة.. بل أقتربت للغاية..
❈-❈-❈
انتهى عقد قرآن "هدى" و "تامر" وأصبحت الآن زوجته وحلال له، الجميع وقع على رؤوسهم أمطار كثيرة من السعادة بألوان وأشكال مختلفة، أخيرًا دق الفرح باب هذه الفيلا مرة أخرى وفرحت العائلة من جديد بعد عامين من الحزن والأسى على فقدان كل حبيب وعزيز على قلوبهم..
تابعت "سلمى" "هدى" من بعيد وهي تجلس جوار زوجها تتحدث معه بهدوء وابتسامه والسعادة على وجهها تتحدث..
تذكرت شقيقها الراحل وكم كانت تحبه، كم كان يناسبها ويظهر بصورة الرجل الرائع معها..
الآن هناك من أخذ محله حتى في منزله، لا تلوم عليها لأنها تزوجت ولكن فقدانهم صعب للغاية، لم يمر يوم واحد ولم تتذكره، شقيقها وحبيبها، رحل إلى عالم آخر وترك كل شيء خلفه والآن زوجته وحبيبته تتزوج من غيره..
حتى ما فعله دون علم أحد لن تلومه عليه فهو لم يقوم بفعل شيء مشين إلى هذه الدرجة بل هو دافع عن فتاة كانت ستُقتل دون حق، سيضيع عمرها وتغتال روحها لأجل أنها أحبت شخص كان حقير لم تستطع التعرف عليه جيدًا..
ولأجل أن شقيقها رجل يعرف معنى الرجولة وصفاتها لم يستطع التخلي عنها بهذه السهولة وتركها لمصير قاتل.. معها كامل الحق "هدى" في أن تنزعج وتلقي بكل ما كان بينهم خلف ظهرها وتنظر إلى حياتها القادمة.. فالجميع فعل ذلك حتى هي مرة أخرى عادت إلى عامر وتناست المعاناة التي مرت بها محاولة تغير حياتها للأفضل والشعور بالفرح والسعادة..
ولكن حقًا الآن تفتقد عائلتها، تفتقد والدها وحبيبها الذي كان يستمع إليها في كل شيء، تركض إليه وتقوم بالحديث دون كلل أو ملل وهو يستمع إليها بحب ورحابة صدر، ينصحها ويقوم بالإشارة إليها بأصبعة على الطريق الصحيح الذي يجب عليها السير فيه..
شقيقها الرائع الرجل الذي لا يوجد مثله، أفتقدته كثيرًا، من علمها الحب والاحترام وقابلها بالحنان وكان لها العون والسند ورأت به الراجل العاشق ولكن لم يكن له نصيب في التكملة..
ووالدتها الطيبة صاحبة القلب الرقيق الحنون، من كانت تهون على والدها كل ما كان يحدث ولسانها يلقي ما كان يشفي الجميع..
حركت وجهها على جميع الانحاء حولها، يا الله لقد بقيٰ المنزل فارغًا عليهم، وهنا من أتى ليأخذ مكان شقيقها، لقد تركوا كل شيء ورحلوا حتى أنهم تركوها هي نفسها..
انهمرت الدموع من عينيها الزيتونية الجميلة، وذهبت إلى الخارج في الخفاء دون أن يراها أحد سواه!.. ذهبت لتستنشق هواء نظيف نقي من الخارج يعبر إلى روحها المسلوبة منها أثناء تذكر عائلتها الراحلة..
تلوم نفسها مرة والأخرى لا، لو لم تصر على الذهاب والاستماع إلى حديث "عامر" لم يكن هذا حدث وفقدت ثلاثة من أفراد عائلتها يحملون المكانة الأهم والأكبر بقلبها.. لو لم تكون تسير مغمضة العينين خلف تلك الحقـ ـيرة من كانت صديقتها لكانت الآن متزوجة من "عامر" منذ عامين وأكثر وبجوارها عائلتها بالكامل وهناك زيادة بهم من الأبناء لها ولشقيقها..
ولكن هذا القدر، وهذا ما كُتب لهم ولها وفي النهاية لن تستطيع أن تغيره أو تقوم بتبديل شيء به، كان مقدر لهم الموت بهذه الطريقة لتظل طوال حياتها نادمة على ما فعلت، نادمة على كل لحظة أضاعتها من عمرها في هذا الهراء..
لقد مر العمر وهي الآن فقط اكتشفت أنها كانت حمقاء، بعد أن خسرت كل شيء ولم يبقى سوى هو الوحيد من بينهم، تخاف خسارته وبشدة.. فلو حدث ذلك لن تبقى هي الأخرى ولو لحظة واحدة.. لن تبقى!..
احتضنها من الخلف واضعًا يده الاثنين حول خصرها وقربها منه بقوة وأسند ذقنه على أحد كتفيها مُقتربًا منها للغاية وهتف بحنان:
-البطل واقف لواحده ليه؟ وكمان مضايق
ابتسمت بهدوء عندما شعرت بوجوده وتركت كل ما كانت تفكر به، وابتعدت عن تذكرها للفقدان وآلامها وأجابته قائلة بهدوء:
-خرجت اشم هوا بس
اعتدل واقفًا وعاد للخلف وجذبها معه لتلتفت إليه تنظر داخل عينيه كما يفعل، أردف بجدية يتعمق بعينيها:
-كنتي بتعيطي؟ مالك في ايه يا سلمى؟
أخفضت وجهها بالأرض وأجابته شاعرة بالاختناق:
-مافيش حاجه.. افتكرت أهلي بس.
وضع يده الاثنين على وجنتيها يحركهما بخفة وحنان لا نهائي يبعثه إليها من خلال لمسات يده:
-هما في مكان أحسن من هنا مليون مرة أنتي عارفه ده.. الدنيا هنا وحشه أوي، عارف أنها صعبة من غيرهم بس هما في مكان أحسن وإحنا مسيرنا نروح ليهم وحياتك
فرت دمعة هاربة منها ونظرت إليه داخل عينيه تهتف بما يعبث داخلها ويحركها يمينًا ويسارًا كالدمية:
-أنا طول الوقت بأنب نفسي، لو مكنتش اصريت أمشي مكنش حصل كده.. بس برجع وأقول ده قدر
حرك إبهامه على وجنتها ومحى به تلك الدمعة الهاربة وأكد حديثها الأخير في محاولة منه أن يجعلها تتفهم أن ذلك قدر ونصيب:
-أيوه يا سلمى، مكتوب.. ده نصيبهم
النيران تحترق داخل قلبها، عذابها كبير ولا أحد يشعر بها، شقيقها أتى آخر وأخذ مكانه وتربع على قلوب الجميع، تعلم أن ذلك هو الذي حدث ويحدث وسيحدث ولكن الأمر صعب عليها تقبله:
-هدى اتجوزت.. أنا نصحتها تتجوز وتنسى حياتها مع ياسين، بس لما عملت كده بجد زعلت أوي وافتكرت ياسين وحاسه إن.. إن ده صعب أوي
رآها تزعج نفسها بقوة، تفكر بهم بشكل أصبح مزعج لأنه يضغط عليها بكثير ويجعلها تفكر أنها المُتسبب الوحيد في ذلك، حرك عينيه على خاصتها وسألها مُغيرّا الحديث:
-سلمى.. لو أنا مكان ياسين، كنتي هتتجوزي
هتفت ببغض وانزعاج شديد وهي ترفع يدها على خاصته فوق وجنتيها:
-حرام عليك ليه بتقول كدة؟
كرر حديثه بشكل هادئ:
-بسألك
أجابته بجدية وانزعاج ظهر بوضوح على ملامحها وتوصل إليه من خلال نبرتها التي تخرج بضيق:
-سؤال وحش أوي يا عامر، أنا ماليش غيرك.. ماليش غيرك يا عامر مش بعد كل ده أخسرك تاني مستحيل
مرة أخرى أصر أن يأخذ منها الإجابة:
-لو حصل!
تفاعلت بعينيها معه، لمعت بغرابة وتمسكت بيده بقوة وأجابته بقلب يشتعل بالحب المحروم منه لأعوام:
-مستحيل عيني تشوف راجل بعدك، مستحيل، أصلًا دلوقتي مش بشوف رجالة غيرك
ارتسمت ابتسامه هادئة على شفتيه وأجابها هو الآخر بنظرات عاشقة يتبادلها معها:
-أنا بحبك أوي يا سلمى
أقترب منها وأبعدت يدها واضعًا إياها حول خصرها بعد أن وضعت رأسها على صدره تحتضنه لتأخذ منه الشعور بالحب والأمان:
-وأنا بحبك يا عامر.. وفرحانه بوجودي معاك وفي حضنك ونفسي أفضل كده على طول
تفوه بخبث ومكر وهو يهبط بيده إلى خصرها بطريقة تجعلها تفهم ما الذي يريد الوصول إليه قبل الحديث:
-طب ما تيجي؟
عادت للخلف والفكرة المجنونة هذه عبثت بها فقالت بجدية متسائلة:
-والحفلة دي؟
قال بلا مبالاة وعدم اهتمام ولكن حديثه به بعض المنطق:
-هدى وتامر اللي الحفلة بتاعتهم أصلًا دلوقتي هيقوموا احنا بقى مش هنقوم؟
وجدها تنظر إليه بجدية وكأنها تفكر بحديثه، فأمسك بيدها مخللًا أصابعه بين أصابعها وتحرك إلى الداخل جاذبًا إياها خلفه يهتف ببساطة:
-تعالي تعالي
صاحت تتسائل وهي تحاول أن تتوقف ولكن من الداخل تريد ذلك:
-طب وعمي ومرات عمي استنى بس
استدار برأسه وهو يتحرك وهي خلفه، ألقى حديثها خلف رأسه وقال ناظرًا إليها من الأسفل إلى الأعلى بخبث:
-جامد عليكي الفستان ده.. مش عايز أشوفه تاني بقى
كانت ترتدي فستان ذهبي اللون يلمع من من بدايته إلى نهايته بأكتاف عريضه وذراعيها البيضاء تظهر بسخاء، يهبط إلى أسفل قدميها ملتصق عليها بشدة يوضح معالم جسدها:
-ايه الجنان ده منين جامد ومنين مش عايز تشوفه
وصل إلى الداخل وصعد على درج الفيلا وهناك من ينظر عليهم واستمعت إليه وهو يهتف بكلمات سريعة كي ينهي الأمر ويتوقف عن الحديث:
-أنا مجنون ياستي تعالي بس
تعثرت على الدرج فرفعت الفستان باليد الأخرى وذهبت خلفه سريعًا محاولة أن تجاريه في سيره:
-أنا جايه أهو أنت بالراحة الله
حاول هو الوصول إلى الغرفة بأقصى سرعة لا يطيق الإنتظار وكأنها أول مرة، ولكن الحقيقة أن معها كل مرة كأنها أول مرة، نفس ذلك الحب والعشق المتوارى خلف القرب المحبب لهم، نفس اللعبة والمسارات المشتعلة بينهم، نفس ذلك الماس الكهربائي الذي يمر بجسد كل منهما مع كل لمسة حب تمر بهم..
❈-❈-❈
"بعد مرور أسبوع"
كل شيء بينهم على ما يرام، "سلمى" منذ بداية النقاش مع "عامر" في أول ليلة لهم مع بعض كزوج وزوجة وهي فراشة تطير بين الورود تعبر عن سعادتها الخالصة بذلك العوض الذي أنزل إليها من ربها في لحظة حزن على ما مر عليها..
حياتهم خالية من أي شيء يعكرها، الجميع في تحسن دائم وهي معه أصبحت أفضل وأروع بكثير، أكتسبت قليل من الوزن الذي خسرته سابقًا دون أي مجهود فقط لأجل أن نفسيتها تتحسن يوم عن الآخر و "عامر" يقوم بتأدية دوره على أكمل وجه..
إلى اليوم تحلق عاليًا ولم تهبط ولو مرة واحدة حتى لو كان سوء فهم.. شعرت بطعم السعادة بعد مرارة المعاناة ولا تريد التخلي عنها مهما حدث..
الفرح أتى إليها وشعرت به، لحظات كثيرة مرت عليها وهي تضحك بصخب جواره، لما قد تترك كل هذا وترى التعاسة التي تركتها خلف ظهرها.. الآن السعادة هي عنوان حياة "سلمى" مع "عامر" زوجها بعد أن كانت تموت اختناقا بسبب كل ما يحدث بينهم من نزاع وخلافات كبيرة لا يتحملها أحد..
الآن تستطيع القول إنها اكتسبت شيء يستحق العذاب لأجله..
استدار "عامر" إليها ينظر على هيئتها بجدية شديدة، رآها وهي تبكي ولم يكن يعلم ما الذي عليه فعله واستمع إليها تهتف بنبرة خافتة مُرتعشة:
-أنا حاولت أعمل زي ما أنت عايز يا عامر، والله حاولت أبعد بس أنا مش عارفه أنت مش مفارقني.. أنا بحبك
أستمر في النظر إليها وعيناه لا تحكي عن شيء فقط يتابعها بحدة في انتظار أن تكتفي من ذلك:
-أنا بحبك يا عامر.. مستعدة أكون معاك من وراها والله، بس متسبنيش وتعمل فيا كده
أكملت بحزن ورفعت عينيها الباكية عليه تقول باقتراح حزين:
-لو مش عايز تتجوز أنا معنديش مانع هفضل معاك من غير جواز بس بلاش تسيبني.. ووالله مش هقول لحد وهيفضل سر بينا وسلمى هتفضل موجودة في حياتك
أجابها بقسوة كي يقتصر المسافة عليه وعليها ولكن من الواضح أنها لا تريد فعل ذلك:
-جومانا أنا قولتلك أنا بحب مراتي ومش مستعد أخسرها لأي سبب
وقفت على قدميها وأقتربت منه تبكي بشدة وتنتحب والقهر ارتسم عليها حقًا فهي تحبه إلى أبعد حد ولا تريد أي شيء منه سواه هو:
-عامر أرجوك أنا بحبك ومش قادرة أعيش من غيرك.. والله مش قادرة أنا بقولك خليني عشيقتك حتى، أنا عارفه إنك بتحبني بس مش موافق علشانها
أقترب منها وقال بقوة ضارية:
-أنا بحب سلمى.. سلمى وبس يا جومانا
تابعت من خلفه بارهاق ومازالت تبكي:
-وأنا بحبك أنت
استدار ونظر إلى الخارج ثم هتف قائلًا بصوت ثابت حاد وقد وجد أن هذا هو الحل الوحيد:
-جومانا أنا هنقلك.. مش هينفع تكملي شغل هنا
أقتربت منه وذهبت لتقف أمامه وترجته كثيرًا والدموع تنهمر من عينيها، لقد أحبته حقًا وزرع ذلك الحب داخل قلبها ولن تستطيع أن تنزعه بتلك السهولة:
-أرجوك لأ خليني معاك هنا
أقتربت منه وألقت جسدها داخل أحضانه تأخذ منه عناق حاد تعمقت به وهي تضغط عليه تأخذ القدر الكافي لها، رفع يده عليها هو الآخر وقد أشفق على حالتها لقد وصلت إلى شيء سيزعجهم هما الاثنين..
تفوه بهدوء وهو يربت على ظهرها بنبرة حنونة لأنها صديقته:
-جومانا أنتي صاحبتي وأختي أنا بحبك على الأساس ده
مرة أخرى كرر آخر كلماته بصدق وحنان فهو لا يريد خسارتها:
-والله بحبك كده يا جومانا
مع نطقه لتلك الكلمات البسيطة التي لو استمع إليها أحدهم قبل الاستماع إلى سابقها سيقول أنهما بينهما علاقة حب تجمعها، وهذا ما حدث عندما فتحت زوجته "سلمى" باب غرفة المكتب وألتقطت أذنيها تلك الكلمات وأعترافه بالحب لها..
قبضت على مقبض الباب بقوة ضارية وأتت عينيها بعينيه بنظرات قاتلة، غريبة على كلاهما أو قريبة للغاية..
استمعت إلى تلك التي تعطي إليها ظهرها تحتضنه تردف بصوت باكي يرتعش:
-أنا كمان بحبك أوي بس نفسي تبعد عنها.. تكون معايا أنا
"عامر" لم يكن بحالة تسمح إليه بفعل شيء، فقط ينظر إليها ويتعمق بعينيه داخل عينيها التي تقابله بعتاب خالص وخذلان لا مثيل له..
تقابله بالحزن الطاغي والقهر الذي ارتسم على ملامحها..
باقة من الورود المُزدهرة على يدها الأخرى وقعت على الأرضية وكأنها في حالة اللا وعي، عندما استمعت "جومانا" إلى ذلك الصوت عادت للخلف واستدارت تنظر إلى الباب ورأتها وهي تقف أسفل قدميها ورود ويدها تتمسك بمقبض الباب تنظر إليه بعينين مطعونة..
حركت عينيها إليه هو وجدته يبادلها النظرات ولكن مُبررة الموقف الذي رأته به، وكأنه يلعن نفسه ألف مرة على فعل كهذا وقع به معها، ليقوم بخسارة زوجته وحبيبته..
نظرات تقتل بينهم، ونظرات تبعث الموت..
❈-❈-❈
"يُتبع"
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق