رواية بين دروب قسوته الفصل الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر والثامن عشر بقلم ندا حسن
رواية بين دروب قسوته الفصل الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر والثامن عشر بقلم ندا حسن
#بين_دروب_قسوته
#الفصل_الرابع_عشر
#ندا_حسن
"اعتراف بالحب المكنون داخل قلب مُفتت من الحزن"
ألقاها في قاع بئر فارغ في صحراء جرداء، تركها وحيدة مع سواد الليل وصوت الذئاب البشرية التي نهشت في جسدها دون أن تدري..
منذ أن رحل وتركها وهي تبكي على عمر أضاعته في رفقة خائنة كانت تكذب عليها وتقوم بخداعها لأنها غبية..
كانت تقوم بخداع من أحبتها كشقيقة لها، جعلتها صديقة "سلمى القصاص" ابنة أحد أهم الأشخاص في البلدة بأكملها، جعلتها تدلف حياتها وتسرد عليها كل ما يحدث بها وأحيانًا تأخذ رأيها وتقوم بتنفيذه عندما يروق لها..
إلى هذه الدرجة كانت عمياء عنها؟ ولكنها لم ترى منها حقًا أي مما يثير ريبتها، لم ترى أي شيء سيء منها وإلى الآن تعترف بهذا الشيء ولكنها كانت تخفيه داخلها، تظهر إليها ورود الربيع وكأنها ملاك مُجنح.. وفي الحقيقية كانت شيطان أسود معذب لقلبها..
الآن تندب حظها العثر وعقلها الغبي الذي لم يصدق "عامر" متى كان يريد أن يؤذيها؟ متى كان يريد لها الشر؟ لقد كان الحامي الأول لها، كان كل شيء وأي شيء تريده.. لما لم تستمع إلى حديثه المُحذر إياها؟..
لا تعلم إن كان هذا تخطيط إلهي أو أنه تخطيط من هؤلاء الحيوانات المُفترسة ليجعلوها تقع في فخهم المنصوب إليها بكل ترتيب..
السؤال هنا هي لما فعلت بها ذلك؟ هي لم تفعل معها أي شيء سيء بل بالعكس، حتى أنها تعرفت عليها في البداية صدفة بحته أو ربما لم تكن صدفة كان كل ذلك تخطيط والآن كانت الفرصة المناسبة..
ربما "عامر" لم يخونها كما قال وهي من أرسلت الفتاة إليه؟ إنه قال لم يراها ولم ينادي إياها بل وجدها فجأة تقف معه وتضع يده عليها والأخرى قامت بتصويره هذا متوقع.. بل مؤكد هذا ما حدث..
وضعت يدها فوق فمها تكتم تلك الشهقات والقهر المُنبعث من داخلها، الآن فقط علمت أنها من كانت الخطأ منذ البداية، لو ابتعدت عنها لم يكن ليحدث كل ذلك، لو حتى وثقت به وقالت أنه بريء كما قال ولم تُصر على الرحيل لم يكونوا أهلها قد تركوها، لم تكن انفصلت عنه لمدة عامان وجعلت نفسها إليه القاضي والحاكم في قضية ليس له بها ذنب وقامت بالحكم عليه ظلمًا وأعطته المؤبد!..
يا الله كيف فعلت كل ذلك، كيف تركت نفسها إلى تلك الحقيرة تحركها بسهولة هكذا!.. أنه كان محق عندما قال أنها السبب الأول في موت عائلتها، لقد أتضح أنها السبب في كل شيء..
هي من كذبته فأنفصلت عنه، توفت عائلتها بالكامل بسبب إصرارها على الرحيل، تركته وحده ليعود مرة أخرى إلى معاناته القديمة وليعود إلى المشروب من جديد غير قادر أن يتحكم في نفسه..
لقد قال لها أنها الوحيدة التي يريدها في حياته، الوحيدة التي تفهمه وتستمع إلى حديثه وتداوي ألامه، لقد كانت قاسية للغاية وهي لا تدري.. كانت قاسية على الجميع وأفقدتهم كل عزيز عليهم.. إنها الوحيدة الجانية وهم المجني عليهم..
استمعت إلى صوت الهاتف يصدر صوت يقول أن هناك رسائل تأتي إليها، اعتقدت أنه هو، تركت بكائها واعتدلت سريعًا على الفراش وهي تأتي به ثم فتحته لتجده ذلك الحقير الآخر مثل ابنة عمه..
كانت رسائله عبارة عن "يارب يكون الخبر الأول وصل، التاني هيوصلك قريب بالكتير بكرة الصبح وهتدعيلي"
نظرت إلى الشاشة بعينيها المتكون عليها غمامة من الدموع وقرأت ما به كثير من المرات لتفهم ما الذي سيفعله غير ذلك.. لكنها تركت الهاتف وألقته على الفراش وعادت مرة أخرى إلى بكائها المُستمر وتأنيب الضمير الذي شعرت به منذ أن علمت الحقيقة المُرة..
ليتها كانت ماتت معهم من البداية وتركت كل شيء خلف ظهرها، أو كانت استمعت إلى حديثه وتركت صداقتها مع تلك الحقيرة ولو كان حدث هذا اليوم ربما تكون أم لطفل منها ومنه!..
ربما كانت كونت أسرة جميلة معه وعاشت أسعد لحظات حياتها وهي في أحضانه.. رفعت الوسادة ووضعتها على ركبتيها لتنحني بجذعها العلوي للأمام دافنة وجهها في الوسادة تبكي بقوة والدموع تنحدر من عينيها بغزارة ندمًا على كل ما فعلته وما قامت به منذ عامان إلى اليوم في حق الجميع ونفسها قبلهم..
❈-❈-❈
هبطت في الصباح بوجه باهت مُرهق إلى الغاية، عينيها مُنتفخة ومظهرها ليس جيد بالمرة ملامحها حزينة مُنكسرة، هبطت على الدرج بتلك الهئية الغير معتادة منها، مرتدية بنطال أبيض واسع يعلوه قميص باللون البرتقالي الهادئ بداخله نقاط خضراء بأكمام طويلة وتختفي أطراف القميص داخل البنطال، وحذاء رياضي أبيض اللون وفي يدها ساعة نسائية سوداء.. ملابسها لم تكن مُهندمة وخصلات شعرها تركت لها العنان في الإنطلاق ربما تأخذ حظ أفضل من صاحبتها..
دلفت إلى غرفة الطعام في وقت متأخر ولكنهم كانوا في الداخل، لقد كان يوم العطلة الجمعة، ألقت تحية الصباح بصوت خافت ودلفت لتجلس على مقعدها..
لاحظ عمها تغيرها ونظرتها التي كانت على سفرة الطعام منذ أن دلفت، رفع بصره عليها وتحدث بجدية:
-مالك يا سلمى
ابتسمت عنوة عن نفسها ورفعت رأسها إليه ثم أردفت قائلة بتصنع:
-أبدّا يا عمي مافيش أنا كويسه
أردف مرة أخرى يؤكد عليها مُتسائلًا:
-متأكدة؟
أومأت إليه برأسها ونظرت إليه بقوة ثم وجدت أن هذه اللحظة المناسبة لتفعل كما قال لها "عامر":
-أيوه بس في حاجه عايزة أكلمك فيها
أكمل طعامه مرة أخرى وتحدث:
-خير
أخذت نفس عميق ثم أخرجته وهي تقول بجدية شديدة:
-أنا... عامر عرض عليا الجواز وأنا وافقت
رفع نظرة إليه مُستغربًا مما استمع إليه للتو منها، حقًا وافقت على ابنه؟ تسائل بذهول واستغراب:
-وافقتي؟
أومأت إليه مرة أخرى وهي تؤكد حديثها أمام الجميع:
-أيوة
استمعت إلى "هدى" التي ظهر في نبرة صوتها الاستغراب التام والدهشة الخالصة:
-أنتي بجد وافقتي يا سلمى
توجهت إليها بوجهها ونظرت إليها قائلة مرة أخرى بتأكيد:
-أيوه
ترك عمها الطعام ونظر إليها هذه المرة بجدية وحنان في ذات الوقت وأردف دون خوف أو حتى أن يقف مع ابنه بل كان كل الدعم مُقدم إليها:
-ضغط عليكي أكيد.. لو عمل كده قولي، سلمى يا حبيبتي طول ما أنتي رافضة الجواز منه مستحيل ده يحصل
نفت حديثه وقابلته بالرفض وهي تتحدث بشيء آخر غير الذي قاله وغير الذي حدث معها وكان هذا هو الكذب بعينه:
-لأ يا عمي عامر مغصبنيش، مهو قدامك بقاله كتير بيحاول وأنا رافضة بس خلاص جه الوقت اللي المفروض أوافق فيه
سألتها زوجة عمها باستغراب:
-هو ده ليه وقت يا بنتي
أجابتها مُعقبة مُكملة حديثها الذي ربما يثير في نفوس البعض الشك:
-أيوه يا طنط.. كفاية كده أنا وافقت عليه هو كان قال إننا هنقولكم وبلاش يعني نطول بعد أسبوع نعمل الفرح
تسائل عمها حقًا بلهفة غير مصدق ما الذي تتفوه به:
-بالسرعة دي؟
اومات إليه برأسها مرة أخرى:
-أيوه
لم يشعر عمها بأن حديثها صادق، ولم يدلف عقله من الأساس، كيف لـ "سلمى" التي كانت ترفض ابنه بكل الطرق توافق عليه الآن بهذه السهولة والسرعة:
-كلامك مش داخل دماغي يا سلمى وأنا لسه بقولك قدام الكل لو عامر ضاغط عليكي قولي أنا كفيل أقف قصاده
نظرت إليهم واحد تلو الآخر ثم وقفت بعينيها على عمها وتحدثت بما أملاه عليها ضميرها وما لم يفهمه البعض:
-لأ يا عمي صدقني أنا موافقة عليه.. كان في حاجات كتيرة أوي غلط كنت أنا السبب فيها وجه الوقت اللي اصلحها فيه وأولهم إني أوافق على عامر
أومأ إليها برأسه عندما وجدها تعي ما الذي تهتف به وتتحدث عنه فقال بجدية يمدها بالدعم في أي وقت أرادت وليجعلها تشعر بالأمان:
-أنا بردو معاكي في أي قرار يا سلمى وأنا في ضهرك واللي عايزاه هيحصل ولو رجعتي في كلامك متتردديش
وقفت على قدميها وتركت سفرة الطعام واتجهت إلى مكان عمها والدموع في عينيها تترقرق بسبب ما يفعله معها وما يقوله إليها ضميرها أنها هي السبب في فقدانه عائلته، اقتربت منه مُحتضنه إياه بقوة:
-ربنا يخليك ليا.. أنا مش عارفه من غيرك كنت هعمل ايه
قابلها بالعناق هو الآخر وتحدث بحنان:
-متقوليش كده يا حبيبتي أنتي بنتي يا عبيطة
حاولت مداراة ما داخلها قد الإمكان ولكنها لم تستطع فبكيت وهي تقول بآسف:
-أنا آسفة لو كنت عملت حاجه زعلتكم مني.. أنا آسفة
جعلها تبتعد للخلف ونظر إليها بحنان أب لم يمت وأردف بنبرة هادئة:
-أنتي بتعيطي ليه يا سلمى أنتي معملتيش حاجه يا حبيبتي
لم تتحدث فقط نظرت إليه ووقفت جواره وهو مُحتضن إياها، فاستمعوا إلى صوت "هدى" ابنته المرح وهي تقول:
-طيب بالمناسبة دي بقى والجو الأسري ده أنا كمان عايزة أقول إني وافقت على تامر
أبصرتها والدتها بذهول وفرحة عارمة وهي تتسائل بعدم تصديق:
-بجد؟
أومأت إليها الأخرى مؤكدة حديثها وداخلها شيء يشعرها بالفرح والسعادة القادمة عليها غير الذي سُلبت منها:
-أيوه يا ماما
ابتسمت والدتها باتساع وهي تقول بسعادة:
-ألف مبروك يا حبايبي.. ألف مبروك ربنا يهنيكم ويسعدكم طول العمر
❈-❈-❈
استمعت إلى رنين هاتفها فأخذته من على الفراش وعادت مرة أخرى إلى شرفة غرفتها، كان من يقوم بالاتصال بها رقم غير معروف أجابت عليه ووضعته على أذنها لتستمع إلى الطرف الأخرى الذي انبعث منه صوت أنثوي ناعم:
-سلمى القصاص؟
عقدت ما بين حاجبيها وأجابتها ثم تسائلت هي الأخرى:
-أيوه مين معايا
استمعت إلى الطرف الآخر مرة أخرى تهتف بصوت ناعم يملؤه التوتر الذي ظهر بوضوح:
-أنا جومانا صديقة عامر والسكرتيرة بتاعته
رفعت يدها إلى رأسها تعيد خصلاتها للخلف بقوة عندما استمعت إلى اسمه ثم استنكرت المكالمة وهي تتحدث:
-أهلًا يا جومانا خير في حاجه
تحدثت "جومانا" من الناحية الأخرى بجدية وكأنه تردف بشيء عادي وخصوصًا إلى "سلمى":
-بصراحة أيوه.. أنا كنت محتاجه منك بس تجيبي لبس لعامر من اوضته وأنا هاجي اخده منك بس حضريه
ارتفع صوت الأخرى واشتعلت النيران داخلها عندما وصل إليها معنى ما تطلبه منها فقالت بصوت عالى مُستنكر للغاية:
-نعم؟ هو فين عامر؟ وأنتي ليه تاخديله لبس
توترت وهي تتحدث معها بعد تحول نبرتها فحاولت الإجابة:
-بصراحة يعني..
صرخت بها وقد فارت الدماء بعروقها وهي لا تدري ما ذلك العبث الذي يحدث منه:
-بصراحة ايه اتكلمي هو فين
هتفت بجدية وصوت هادئ وهي تسرد عليها ما حدث معه بالأمس:
-عامر اتخانق امبارح بالليل مع بلطجية ومضروب بالمطوة في بطنه وهو حاليًا في المستشفى
شعرت "سلمى" بالرعب فور استماعها إلى ذلك الحديث الذي يقول إنه في خطر الآن ومنذ الأمس وهي لا تعلم وتلك الفتاة تأخذ مكانها معه، صرخت بعنف وخوف شديد ظهر بنبرتها:
-ايه؟ أنتي بتقولي ايه أنتي
حاولت جومانا أن تقوم بتهدئتها فـ "عامر" نبهها بألا تقول لها شيء، قال أنها الوحيدة تستطيع أن تأتي بما يريد ولكن لا تقلقها عليه:
-متقلقيش هو كويس دلوقتي والله وهيخرج كمان بالليل علشان كده عايزين الهدوم والله متقلقيش وياريت متقوليش لحد من عندك
تسائلت وهي تدلف إلى الغرفة راكضة والقلق بدأ ينهش في جسدها عليه:
-انتوا في مستشفى ايه؟
قالت الأخرى بخوف وتردد:
-مش هينفع أقولك
صدح صوتها الصارخ عبر الهاتف وهي تستنكر أفعالها الغريبة، كيف لا تقول لها مكان تواجده؟، كيف تبقى وهو في مشفى لا تدري ما وضعه:
-أنتي مجنونة يعني ايه مش هينفع قولي
تراجعت "جومانا" وقالت بريبة:
-طيب هبعتلك اللوكيشن ومتنسيش الهدوم
أغلقت "سلمى" الهاتف بوجهها ولم تجعل الوقت يذهب هباء وهي تفكر فيما حدث بل ألقت الهاتف على الفراش وخرجت ركضًا إلى غرفته تأتي بما يريد والقلق زحف إلى قلبها والخوف تربع داخلها وأخذ وضع يليق به..
❈-❈-❈
لم تترك الفرصة لأي شيء يعطلها عن رؤيته، بل أسرعت في الذهاب إليه لاغية منطق التفكير من عقلها، وعندما كانت بالسيارة تتجه إليه هنا عاد التفكير إلى رأسها والقلق إلى قلبها وكثير من مشاعر الرهبة والخوف تربعت داخلها..
دعت الله كثيرًا في طريقها أن لا يصيبه مكروه، لا يحدث له أي شيء لا يشعر بالألم ولو كانت إبرة،
إنها لا تريد الإقتراب منه، ولكن لا تريد إلا كل الخير له، لا تريد التقدم خطوة إليه وأيضًا لا تريده أن ينظر إلى غيرها بطرف عينيه..
داخلها مشاعر كثيرة لا تستطيع تحديد وصفها أين المحل الصحيح لها.. ما حدث سابقًا والآن شتان بين كل ما يحدث.. لا تستطيع أن تقرر هل ما فكرت به صحيح وأنه كان بريء من كل شيء وهي من ظلمته أم أنه من ظلمها!.. ولكن منذ ليلة أمس وهي تشعر أنها هي من قهرت قلبه وتخلت عنه وهو كأنه وحيد دون أحد..
وصلت إلى المشفى وسارت ركضًا إليه بملامح مُتلهفة لرؤيته سليم مُعافى لا غير ذلك.. دلفت إلى الغرفة دون حتى أن تدق الباب، اعتقدت أن مكانتها كما هي لم يأخذها أحد..
فتحت الباب على مصراعيه وبيدها الأخرى حقيبة يد كبيرة قليلًا بها ملابس له وما سيحتاج إليه، فور أن فُتح وطلت بعينيها عليه ووجهها المُتلهف رأته فورًا ينظر هو الآخر إلى الباب مُستديرًا برأسه ناحيتها..
أغمضت عينيها للحظة وداخلها تقوم بشكر الله على نعمته وأنه مازال بخير، تنفست بعمق وفتحت عينيها ثم تركت الحقيبة جانبًا بعد أن دلفت بقدمين ترتعش..
سارت ناحيته بعينين خائفة، مُرتبكة عقلها يحاول أن يعيد عليها كل ما عاشته على يده بالأمس ولكنها ترفض، وهو ينظر إليها بعتاب خالص وحزن طاغي يظهر عليه أكثر من ظهور ألمه، وقفت أمام الفراش وهو جالس عليه نصف جلسة يريح ظهره إلى ظهر الفراش..
تعمقت بعينيها الزيتونية عليه وتحركت شفتـ ـيها المُكتنزة بارتعاش وتوتر ولم تكن تعرف ما الذي تتفوه به:
-حمدالله على سلامتك
تسائل بعينين حادة مُثبتة عليها وتجاهل حديثها ورؤيته لقلقها الذي من المؤكد أنه فتك بها:
-جيتي ليه؟
اقتربت منه أكثر وجلست أمامه على الفراش بخجل وتوتر، بخوف وقلق ثم عقبت على سؤاله قائلة:
-جيت أشوفك واطمن عليك
تبجح بجدية وعيناه تتعمق على عينيها ولم يخجل من أنه يرى خوفها بل أعطاه اللا مبالاة التامة:
-أمشي يا سلمى روحي.. أنا كويس
قدمت يدها إليه وتمسكت بيده الموضوعة على الفراش وهي تهتف بحزن بالغ وندم لا نهاية له:
-مش هقدر أمشي.. خليني معاك يا عامر
جذب يده منها وأصر على حديثه والموقف الذي أخذه منها:
-بقولك أمشي
ترقرقت الدموع بعينيها الزيتونية وشفتيها ارتعشت خوفًا من أن يجعلها ترحل عنوة:
-أرجوك، أنا اللي محتاجه أكون معاك مش أنت
مرة أخرى بحدة وتبجح أجابها:
-أنا مش محتاجك.. أمشي
يا الله، أنها جميلة حقًا، خصلاتها ليست مرتبة ولكنها سوداء حالكة لو رأتها من قبل فلم تراها بهذا الشكل، وجهها المستدير الممتلئ وعينيها الواسعة رائعة اللون، شفتيها المُكتنزة ووجنتيها المُكتنزة هي الأخرى، أنفها الصغير ونظرتها البريئة، ملابسها ليست مهندمة ومظهرها لا يليق بها حتى أن وجهها مع ذلك الجمال ولكنه باهت، تراه حزين أو ربما ذلك من أثر رعبها على "عامر".. نعم إنه كذلك إنها حتى لم تشعر أن هناك احد آخر معهم بالغرفة..
كانت "جومانا" جالسة على الأريكة في زاوية الغرفة لم تقع عين "سلمى" عليها ولم تشعر بوجود أحد معهم من الأساس بالغرفة، كانت تراه هو فقط.. هو فقط "سارق أحلامها الوردية" أو من أعتقدته سرقها..
عادت بيدها الاثنين تتمسك بكف يـده الذي جذبه منها، وهبطت الدموع من عينيها وهي تحاول إثبات براءتها له بلهفة وصدق:
-صدقني أقسم بالله العظيم أنا معملتش حاجه، ورحمة ماما وبابا اللي كان أغلى حاجه عندي ورحمة ياسين ولو عايزني أحلف على مصحف هحلف كمان يا عامر صدقني
شعر "عامر" أنها لم ترى "جومانا" لأنها لو رأتها لم تكن لتتحدث بشيء أمامها فصاح هو ناظرُا إليها ليعرفها بها ويجعلها تنتبه:
-جومانا.. دي جومانا صديقتي والسكرتيرة بتاعتي
شعرت بالتخبط قليلًا، هل هناك أحد معهم؟ استدارت بجسدها تنظر إلى المكان الذي ينظر إليه في زاوية الغرفة، وجدت حقًا فتاة جالسة على الأريكة تستمع إلى ما دار بينهم، أردفت بعدم انتباه:
-أهلًا..
أجابتها الأخرى والغيرة تنهش قلبها من الداخل ولكن حزنها أكبر من غيرتها عليه:
-أهلًا بيكي
عادت إلى عيناه تنظر إليها بعينين دامعة حزينة للغاية، وكأن الأيام تعيد عليها حادثة موت عائلتها، الحزن طغى على قلبها وأصبح أكبر من أي شيء، وجدته يبادلها ولكن نظرته معاتبة للغاية، حزينة قلقة وكأنه يهتف إليها بعذابة وبما مر به دونها وبسببها..
الاثنين كان جرحهم أعمق من قاع البحار، كان داخل قلبيهما براكين ثائرة بحمم بركانية تدمر كل ما مر أمامها..
عندما طالت نظرتهما لبعضهم البعض وتلك التي تجلس لم تتحرك لتتركهم وحدهم، استدارت إليها وقالت بجدية:
-ممكن تسيبينا لوحدنا
شعرت "جومانا" بالخجل الشديد منها وهي تطلب ذلك الطلب فوقفت على قدميها بارتباك وصاحت وهي مُتجهة تسير للخارج:
-أوي أوي
خرجت من الغرفة وأغلقت الباب وراءها، فنظرت "سلمى" إلى "عامر" بعد أن كانت تتابعها وتحدثت بخفوت ومعاتبة:
-أنا غلطت، غلطت لما مسمعتش كلامك بس مكنش قدامي أي دليل بيقول أنها وحشة، كانت كويسه معايا صدقني.. حتى هو كان كويس أنا محبتوش والله العظيم ولا حتى كنت عايزة اتجوزه بس ده اللي حصل
عقدت ما بين حاجبيها وتابعت بطيبة قلبها توضح له ما كان يحدث معها:
-يمكن أكون ظلمتك ويمكن أكون ظلمتك في حاجات كتير معملتهاش بس أنا كان قدامي دليل لكل حاجه علشان كده كنت بصدق
أردف بقوة وعينيه على خاصتها قائلًا:
-وأنا كمان قدامي دليل
حركت عينيها عليه وهي تهتف بحزن لأجل الاستماع إلى حديثه:
-بس أنت عارفني يا عامر
هو الآخر تسائل بنفس ذلك الحزن وكأنه يعيد ما فعلته هي به ولكن عليها أشد قسوة:
-وأنتي مكنتيش عرفاني؟
قالت بندم بعد أن اخفضت عينيها من عليه وأبصرت كف يده بين يديها:
-أنا أكتر واحدة عرفاك
تسائل بحزم مُنتظر منها إجابة:
-اومال ايه؟
رفعت عينيها عليه والدموع تهطل منها مع إتخاذ القرار بأنها ستعترف بكل ما داخلها له، وستهدم أي حواجز تقف بينهم:
-كنت غبية، والله كنت غبية مش عارفه أقولك ايه بس أنا تعبانة أوي والله العظيم صدقني يمكن ده مش وقته بس أنا.. أنا لسه بحبك يا عامر وعمري ما نسيتك ولا روحت من بالي بس اللي حصل بينا صعب.. صعب أوي وكان حاجز بينا مكنش ينفع أرجع
خفق قلبه بقوة فور الاستماع إلى الكلمات المُنبعثة من شفتيها والتي تنم عن حبها له، ولكنه بقيٰ على وضعه وثباته قائلًا:
-ودلوقتي؟ ليه بتقولي الكلام ده
وضحت له ما توصلت إليه بعد معرفة حقيقة صديقتها المخادعة:
-أفتكرت كلامك افتكرت إنك قولتلي إنك مقربتش من البنت ولا عرفت جاتلك إزاي وأنا عارفه إنك مش كداب ولما بتعمل حاجه بتعترف بيها.. في وقتها مصدقتش وقولت إنك بتعمل كده علشان مبعدش عنك.. بس
تعمق بعينيها وهو يتسائل هذه المرة بلهفة وشوق مُنتظر أن يأخذ دليل براءته منها:
-بس ايه كملي
وضحت له قائلة بجدية:
-بس لما عرفت حقيقة إيناس افتكرت أنها هي اللي كانت مصوراك ليا جمعت الخيوط ببعض وعرفت أنها هي اللي كانت عايزة تبعدني عنك..
أكملت بنفس الجدية ولكن مازالت تلك الفتاة البريئة التي يستغلها الجميع، تظن أن "إيناس" فعلًا كل ذلك حقدًا وكرهًا لها ولا تعلم ما الذي بينها وبين الماثل أمامها تقدم إليه الاعتذارات:
-صحيح هي طول عمرها مش بتحبك ولا أنت بتحبها في الأول كنت بقول إن فيه حاجه غريبة لكن دلوقتي بس عرفت أنها كانت بتكرهني أنا وعايزة تبعدنا عن بعض
حاول إخفاء توتره، ونجح في الأمر، أنه لا يريد أن تعلم ما الذي كان بينه وبينها، سيحاول جاهدًا أن يخفيه عنها كما فعل في كل هذه السنوات الماضية وإن أتى الوقت سيعترف بكل شيء ولكن عندما يضمن عدم تركها له
احتدت عينيه عليها وقال بجدية وصوت رجولي حاد:
-نمتي معاه؟
استغربته بشدة واستنكرت حديثه قائلة بعتاب وحزن لأنه إلى الآن يتسائل عن عفتها وبراءتها:
-أنت لسه بتسأل سؤال زي ده؟
بمُنتهى الجمود أجابها متغاضيًا عن حزنها ومعاتبتها اياه:
-ومستني الإجابة
أجابت بقوة وصدق منتظرة منه أن يعود إلى عقله ويتذكر من هي:
-لأ والله العظيم لأ أنا مستحيل أعمل كده أنت مش عارف تربيتي!.
صدمها بإجابته التي انتظرت تغيرها بعد كل ذلك الحديث:
-لأ مش عارف
تابع مُتسائلّا بقوة:
-هنتجوز؟
أغمضت عينيها للحظة ترمش بها وأجابته:
-أيوه أنا قولت لعمي النهاردة إني موافقة زي ما طلبت
تحرك للأمام ببطء وهدوء، رفع يـ ـده اليمنى إليها مُمسكّا فكها بقوة وأقترب بوجهه إليها ثم وهو يستنشق أنفاسها المُفتقد إياها قال بقسوة وشراسة، وعيناه لا تكذب ما قال:
-بعد الجواز لو اكتشفت إنك كدابة عارفة هعمل فيكي ايه؟ وديني وما أعبد المرة دي هقتلك بجد.. هاخد روحك في ايديا وبالبطيء لحد ما تطلعي عند أهلك.. خلينا ورا الكداب
تركته يفعل ما يحلو له ولكنها ألقت عليه سؤال تعلم أجابته جيدًا ولكن قلبها أراد التأكد:
-عامر! أنت لسه بتحبني؟
حرك عينيه على ملامح وجهها، كم كان مُشتاق إلى كل انش بها، كم كان مشتاق إلى لمسة واحدة منها، نظرة تعبر عن حبها إليه، الآن يفتقد اللهفة إليها والشعور بأنه يريد القرب منها، الشك داخله مثلما هو لن يذهب إلا على يده:
-فيه حاجز واقف بيني وبين حبك يا سلمى هيروح لما نتجوز وأشيله بنفسي
تفهمت ما الذي يقصده بحديثه فتركت الأمر جانبًا وتسائلت وهي تبتعد للخلف برأسها:
-ايه اللي عمل فيك كده
عاد هو الآخر مثلما كان وأردف بضيق شديد كلما تذكر ما حدث:
-اتخانقت في البار مع بلطجية
لم تكن مجرد حادثة أو مشاجرة بين أشخاص في ملهى بل كانت مُدبرة من ذلك الحقير وهو أكد لها ذلك برسالته في الأمس، لن تجعله يعرف بشيء كي لا يتهور، تسألت وهي تجوب ملامحه بعينيها:
-بس أنت كويس صح
أومأ برأسه مؤكدًا وهو يُجيب:
-ده جرح سطحي وهخرج بالليل
ابتسمت بارهاق وبحزن مازال معها ولن يتركها فالمشاعر داخلها متخبطة لا تدري هل هذا الصواب أم الخطأ:
-حمدالله على سلامتك
نظر إليها وهو الآخر لا يدري ما الذي من الممكن أن يحدث، وما الذي يفعله، مشاعره حتى لا يستطيع وصفها. أهو سيكون ملهوف على قربها كما كان في السابق أو سيظل هكذا يريد القرب فقط للتأكد من براءتها، لكنه مازال يحبها، يعشقها، نطقه لكلمات الكره كانت كاذبة هو بحياته لم يعشق ولن يعشق إلا هي "سلمى القصاص" ابنة عمه الفريدة من نوعها، التي لا تتكرر..
❈-❈-❈
دلف من بوابة الفيلا معها، ولكن سيرة لم يكن طبيعيًا وكانت هي قبل وصولهم أخبرت عمها بما حدث ولكن جعلته يطمئن عندما قالت له أنهم في الطريق إلى الفيلا..
وقف والده عندما رآه يدلف إلى الفيلا وتقدم منه سريعًا ومن خلفه والدته وشقيقته، كانت اللهفة تظهر على ملامح الجميع وأولهم والده أقترب منه بسرعة ووقف أمامه مُتمسكًا به بقوة:
-عامر أنت كويس
أقترب منه مُحتضن إياه بشدة، وجسده يرتعش وقد شعر "عامر" بذلك وهو داخل أحضانه، إنه يخاف الفقد، يخاف أن يفقد أحد أسرته وهو على قيد الحياة، يخاف أن يتركه ابنه الوحيد ويذهب إلى عمه الذي كان والده..
أردف عامر بجدية وثبات:
-أنا كويس
ابتعد للخلف فاقتربت والدته هي الأخرى بنفس لهفة والده وقلقه وعانقته بقوة وهي تتسائل:
-ايه اللي حصل
أجابها وهو يربت على ظهرها:
-خناقة بسيطة متقلقيش
عادت للخلف مُستنكرة حديثه بقوة وقلبها به لوعة الخوف على ولدها:
-كده بسيطة؟
بقيت "هدى" بعيدة عنه ولم تقترب لتفعل كما والديها وجدها تهتف قائلة:
-حمدالله على سلامتك
-لا يدري ما الذي فعله لها هي الأخرى، إلى اليوم تعتقد أنه السبب في موت زوجها؟
تنهد بعمق تاركًا ذلك التفكير وهو يدلف إلى الداخل بهدوء و "سلمى" تسير جواره والجميع تقدم للداخل..
قالت والدته بحزن:
-ملحقناش نفرح بيكم بابني، يادوب الصبح سلمى قالت أنكم هتتجوزو وهدى قالت موافقة على تامر قوم بالليل يحصلك كده
لم تكن تعلم أنه منذ الأمس خارج المنزل من الأساس في المشفى، بعد أن نقلوه العاملين بالملهى وهو بالمشفى طلب أن يطلبوا إليه "جومانا" وليس أحد غيرها.. لأنه من الأساس ليس له غيرها في ذلك الوقت..
بقيٰ صامتًا قليلًا وهم يتحدثون أمامه ولكنه كان في عالم آخر وهي الآخر كانت تتحدث وعقلها معه..
رن جرس الفيلا فذهبت "فايزة" العاملة بالمنزل وفتحت الباب والجميع في الصالة الخارجة ينظر إلى الباب ليروا من الذي أتى إليهم في ذلك الوقت..
كانت فتاة سمحت لها العاملة بالدخول وأشارت لها على الجميع من بعيد، فتاة شابة في سن العشرون وما بعده قليلًا، دلفت تنظر إليهم واحدًا تلو الآخر وليس هناك أي حد وجهه تحول وملامحه بُهتت وشعر بالصدمة سوى "سلمى"!..
تقدمت الفتاة إلى أن وقفت أمامهم جميعًا ثم صاحت بجدية شديدة:
-مساء الخير.. أنا آسفة إني جيت من غير معاد
استمعت إلى صوت "رؤوف القصاص" الذي تعرفه جيدًا يرحب بها ثم يتسائل عن هويتها:
-اتفضلي يا بنتي أهلّا وسهلًا.. بس أنتي مين
نظرت إلى "سلمى" بعينيها القوية وكأنها تقول لها ها قد فعلتها وأتيت.. استدارت مرة أخرى إلى "رؤوف" وقالت بنبرة جادة قوية واثقة:
-أنا غادة يُسري، مرات ياسين القصاص
نظر إليها الجميع بذهول تام ووقفت "هدى" على قدميها صارخة بعنف واستنكار:
-ايــه؟
❈-❈-❈
"يُتبع"
#بين_دروب_قسوته
#الفصل_الخامس_عشر
#ندا_حسن
"ربما البداية السعيدة، أو النهاية القاسية"
اقتحمت الصدمة قلوب الجميع في المنزل بعد استماعهم للكلمات البسيطة التي هتفت بها تلك الفتاة ذات المعاني الكثيرة، هبت "هدى" واقفة على قدميها تصرخ بها باستنكار تام ومن خلفها والدها ووالدتها، "سلمى" والجميع ينظر إليها بعينين مُتسعة رافضة ما تقوله..
بقيٰ"عامر" جالسًا يطالعها بعينين قوية من رأسها إلى قدميها يُقيم هيئتها الماثلة أمامه في محاولة منه لفهم ما الذي تتفوه به وهل هو صحيح أم مجرد افتراء على ابن عمه الراحل "ياسين" وأي شخص منهم يعرف "ياسين" جيدًا سيقول وهو متأكد مليون بالمئة أن ذلك افتراء وكذب ولا يصدق وحتى لو خرج "ياسين" بنفسه من قبره وأعترف على نفسه، إنه كان رجل حكيم، عاقل، لا تُغريه النساء وكان يحب شقيقته كثيرًا وأراد الزواج منها وفعلها ولم يكن يرى غيرها، كان يراه في عمله جاد صارم مع الجنس الآخر ولا تهتز له خصلة معهم على عكسه تمامًا مرح ويمزح مع النساء في العمل كثيرًا.. ما هذا الهراء!..
تقدمت منها "هدى" بخطوات واسعة حادة تدب في الأرضية وعينيها عليها بثبات وحدة واقتربت منها واقفة أمامها بالضبط ثم صاحت بشراسة وعنفوان:
-بتقولي ايه؟ مرات ياسين مين؟ ياسين مين ده اللي مراته ها أنتي بتقولي ايه أنتي
أجابتها بثبات ونظرت إليها هي الأخرى بقوة تبادلها الجدية والتأكيد على حديثها:
-بقول الحقيقة، أنا غادة يُسري مرات ياسين أحمد القصاص جوز حضرتك وأخو حضرتها
أنهت جملتها وهي تُشير بيدها إلى "سلمى" الذي تقف في الخلف لم تبدي أي ردة فعل فقط تنظر إليهم..
صرخت بها "هدى" بعصبية ووجهها أصبح لونه أحمر قاتم بسبب غضبها الذي شعرت به من تلك المجنونة:
-أنتي مجنونة ولا إيه أمشي اطلعي بره أنتي بتقولي ايه
تقدم والدها رؤوف منها وهو يردف بصوتٍ جاد في محاولة منه لفهم الأمر:
-اهدي يا هدى يا بنتي خلينا نفهم
عقبت بسخرية وغضب ناظرة إليها بعنفوان:
-تفهم ايه يا بابا دي بتقولك مرات ياسين
أكملت وعينيها تقابلها مُباشرة قائلة بسخرية لاذعة:
-يا ترى بقى اتجوزتي ياسين امتى امبارح ولا من شهر ولا من سنة ولا تكونيش اتجوزتيه في الجنة
وضعت الأخرى يدها الاثنين أمام صدرها ووقفت بجدية أمامها مُعقبة بوضوح:
-أنا مرات ياسين القصاص من تلت سنين، يعني قبلك ومعايا قسيمة جواز وأصلية والآنسة سلمى أخته اتأكدت منها وأهي عندكم تقدروا تسألوها
أغمضت "سلمى" عينيها بقوة تعتصرهما بألم شديد في قلبها، لقد وضعتها تلك الحقـ ـيرة في موقف لا تحسد عليه أبدًا، تعلم الآن أن الأعين تنصب ناحيتها في ذهول تام مُستنكرين كيف لها أن تكون على علم بأن شقيقها مُتزوج من أخرى غير ابنة عمه!!
فتحت عينيها لتجد كما توقعت عيون الجميع تقع عليها وأولهم "هدى" الذي قابلتها بعينين مذهولة دامعة، والخذلان يتألق في اللؤلؤ المتجمع في مقلتيها ولكنها والله لم تكن تعلم بشيء إلا عن قريب.. لم تكن تعلم!..
أبعدت عينيها عنها لتجد "عامر" هو الآخر يتهمها بعينيه ويقول كثير من الأشياء المخفية داخله، عن كون شقيقها خائن، وعن كونها أخفت ذلك الأمر أيضًا وعن كونها خائنة هي الأخرى وسيصاحبها ذلك دائمًا..
صرخت "هدى" ثانيةً بعدم تصديق وهي تتقدم من تلك الفتاة تتمسك بذراعيها بقوة:
-أنتي كدابة إزاي ياسين اتجوزك قبلي.. ولو ده حصل كنتي فين.. كنتي فين كل ده وكنتي فين لما مات
سارعت "سلمى" في سيرها لتقف جوارها ثم أمسكت بيدها الاثنين المُمسكة بهم الفتاة تطالبها بأن تهدأ وتبتعد بصوت خافت هادئ:
-هدى الموضوع مش زي ما أنتي فاهمه اهدي
نفضت يدها عنها بقوة ونفور ونظرت إليها بقهر وضعف شديد ولكنها صاحت بشراسة:
-ابعدي عني يا سلمى.. كنتي عارفه إن أخوكي متجوز، كنتي عارفه ومقولتيش.. متجوز قبل ما يتجوزني!
لم تعطِ لها الفرصة لتجاوب بل أجابت هي بسخرية لاذعة وقسوة ضارية:
-هقول ايه ما أنتي متعودة على الخيانة
بادلتها النظرات المُتألمة، لما لا يشعر بها أحد؟ إنها في الداخل تحـ ـترق لا هذا ليس احتـ ـراق هناك تخبط في المشاعر يساعد في الداخل على توليد الإنفـ ـجار الذي يتبعه إنهيار تام لكل خلية بها..
هنا تحدثت "غادة" التي تدعى أنها زوجة ابن عائلة "القصاص" قائلة بجدية:
-الموضوع مش زي ما أنتي فاهمه، ياسين اتجوزني شهامة منه مش حاجه تانية وكان هيطلقني بعد الجواز على طول على فكرة وأظن إنك طول الفترة اللي فاتت دي محستيش بوجودي قبل جوازك ولا بعد جوازك لأنه كان معاكي أنتي مش أنا.. متكبريش الموضوع
صرخت بها بقوة وضراوة والشراسة تنبعث من عينيها:
-موضوع ايه ده اللي مكبروش يا بني آدمه أنتي.. جاية تقوليلي جوزك كان متجوزني ومكبرش الموضوع أنتي مجنونة
أكدت "غادة" حديثها بجدية وثبات وهي تنظر إليهم واحدًا تلو الآخر داخل أعينهم جميعًا:
-أيوه متكبريش الموضوع.. ياسين اتجوزني شهامة قولتلك لاني كنت هموت، لو عايزة تعرفي القصة يبقى تتفضلوا تقعدوا علشان احكيلك ولو مش عايزة يبقى أقول أنا جاية ليه
أردفت "هدى" بقوة متسائلة:
-وأنتي جاية ليه إن شاء الله؟
بمنتهى البرود والجدية والثبات نظرت داخل عينيها ثم انتقلت إلى والدها "رؤوف" قائلة:
-جاية أخد ورثي
دفعتها "هدى" في ذراعها بقوة وهي تصرخ بها بعنفوان والحديث الذي قالته لا يدلف عقلها ولا تصدقه وإن كان حدث فهي أيضًا لن تتقبله:
-ورث مين يا أم ورث.. ورث مين يا بت أنتي
رفعت أحد حاجبيها ونظرت إليها باستنكار لطريقتها التي تغيرت مئة وثمانون درجة عن ابنة العائلة المرموقة:
-جاية أخد ورثي من جوزي الله يرحمه ياسين أحمد القصاص
بعد صمت دام طويلًا تحدث "عامر"وهو يستند بظهره إلى ظهر الأريكة قائلًا يتسائل بجدية شديدة وعينيه مُثبتة عليها:
-وأنتي أفتكرتي دلوقتي إنك متجوزة وليكي ورث؟ كنتي فين من سنتين؟
رفعت بصرها إليه للحظة وهي تتعمق به ثم أجابته:
-من بعد موت ياسين وأنا بره البلد ولسه راجعه من شهرين بالظبط
تسائلت والدته هذه المرة بفضول يلح عليها منذ أن أردفت أنها زوجة زوج ابنتها:
-وأنتي عرفتي ياسين إزاي واتجوزك ليه
حركت عينيها إليها هي الأخرى وأردفت:
-قولتلكم لو عايزين تعرفوا اتفضلوا
أشار إليها "رؤوف" كي تدلف إلى الداخل لتجلس وتقص عليهم الذي حدث في الماضي الذي اتضح له مؤخرًا أنه يخفي أشياء كثيرة ستخرج في الحال خلف بعضها:
-اتفضلي
صاحت "هدى" بقسوة واعتراض وهي تُشير بيدها بهمجية:
-اتفضلي فين يا بابا
تحدث بهدوء ووقار يناسبه في تلك اللحظات قائلًا بجدية:
-استني يا هدى خلينا نفهم ايه اللي حصل.. متقلقيش أنا هعرف إذا كان حقيقي ولا لأ
أشار إليها مرة أخرى فدلفت إلى الداخل وجلست على مقعد مجاور الأريكة التي يجلس عليها "عامر" تقدم الجميع من خلفها وجلس كل منهم مُنتظرين الإستماع إلى قصتها التي سترويها عليهم ليعرفوا كيف تزوج بها "ياسين"..
عندما جلست "سلمى" جوار "عامر" نظر إليها بسخرية مُميتة شامتًا بها وبأن شقيقها الذي كانت تضرب به المثل في كل عراك بينهم أصبح هو الآخر خائن..
نظرت "غادة" إلى "هدى" التي لم تود الجلوس كما الآخرين وبقيت واقفة وثبتت نظرها عليها ثم بدأت في الحديث بجدية وهي تعود بذاكرتها للخلف:
-أنا.. أنا كنت بحب واحد مكنش عليه القيمة وعيلتي مكنتش موافقة بيه بس أنا كنت مخدوعة فيه وفي حبه ليا وهو كان كداب بس عرف يرسم الدور عليا كويس وخلاني فعلًا حبيته واتأكدت إنه بيحبني وحاربت أهلي كتير علشانه وللأسف أنا أهلي ناس شديدة أوي لأبعد ما تتخيلوا و...
قاطعتها "هدى" بنفاذ صبر ولا مبالاة قائلة:
-وإحنا مالنا ومال القصة دي ما تقولي عرفتي ياسين إزاي
لم تهتم بحديثها الأبلة إنها تعلم شعورها جيدًا في ذلك الوقت لذا لن تأخد حديثها على محمل الجد وإلا لن تمر هذه الليلة مرور الكرام على الجميع وهي أولهم.. لا داعي لذلك.
أكملت مرة أخرى منتقلة بعينيها إلى عيني "عامر":
-ولما أهلي رفضوا مرة واتنين وعشرة جوازنا أنا اعتقدت إني مش هلاقي حد في حياتي يحبني زيه ومش هعرف اعوضه.. هربت معاه وسبت البيت
نظرت إلى الأرضية ثم رفعت عينيها وأكملت بخجل شديد وندم خرج ليالي طويلة على هيئة مياة مالحه تخالط الوسادة:
-حاول معايا من غير جواز بس أنا كنت رافضة بس هو كان أقوي من رفضي ده بعد كده رماني على الطريق وأنا بين الحياة والموت
تعمقت بالحديث وتجمعت الدموع بعينيها لا يدري أحد أهي مزيفة أم لا:
-ياسين كان ماشي بعربيته لقاني مرمية اخدني ووداني المستشفى وفضل معايا لحد ما بقيت كويسه ودفعلي حساب المستشفى وبعد كده حاول يكلمني ويرجعني لأهلي لما لقاني بعيط طول الوقت وبقوله معنديش حد اروحله.. حكيتله قصتي وهو اقنعني أنه هيرجعني لأهلي ومش هيعملوا معايا حاجه..
خرجت دمعة من عينها تحت نظرات الجميع المنتبهه لحديثها ما عدا "سلمى" التي استمعت إلى ذلك الحديث سابقًا:
-بس اللي حصل كان غير كده أول ما وصلنا أهلي قاموا علينا وكانوا هيقتلوني ياسين حاول يتكلم معاهم وفعلًا قدر يعمل كده لكن أول ما حكي ليهم اللي حصل أخويا قام جاب سكينة وكان مُصمم يقتـ ـلني ولو مكنش ياسين معايا كان ده حصل فعلًا... حتى ياسين يومها اتعور من السكينة وهو بيحوشه عني أضطر يقولهم أنه هو ممكن يتجوزني وهنا كلهم سكتوا ووافقوا لكن هو كان بيعمل كده جدعنه منه مش أكتر، شهامة ورجولة مكنش عايز واحدة تموت قصاد عينه
أردفت والدتهم مُتسائلة بجدية وهي تتابعها بعينيها:
-وليه مطلقيش بعدها..
رفعت نظرها إلى "هدى" بتوتر وارتباك ولم تكن تريد أن تتحدث بهذا الشيء أبدًا أمامها ولكنها ابتلعت ما وقف بحلقها ونظرت إليها قائلة:
-هو كان هيطلقني بعد الجواز بأربع شهور بالظبط وكنا رحنا للمأذون فعلًا.. بس أنا، أنا كنت في الوقت ده حامل
صدح صوت "هدى" الصارخ بانفعال شديد ووجهها يصرخ قبل شفتيها وصوتها المرتفع:
-حامل إزاي!؟ حامل إزاي يعني
أردف "عامر" بلا مبالاة وسخرية شديدة وهو يمُر بعينيه على "سلمى":
-هتكون حامل إزاي يعني! باللاسلكي
حركت "سلمى" عينيها عليه بانزعاح واضح وصريح أظهرته له من خلال عينيها وهي تعرف تمام المعرفة ما المقصود من حديثه وطريقته الساخرة ونظراته التي يلقيها عليها..
أكملت "غادة" موضحة لها بجدية:
-ياسين قربلي هي مرة واحدة طول السنة اللي اتجوزته فيها متقلقيش حتى الطفل اللي كنت حامل فيه مكملش ونزل بعدها.. مقربليش حبًا فيا هو كان متخانق معاكي أنتي وجالي وقتها
ترقرقت الدموع بعيني "هدى" مرة أخرى ونظرت إليها بقهر وحرقة لا نهاية لها يشعر بها قلبها ثم صاحت قائلة:
-قومي أطلعي بره
وقفت "غادة" على قدميها ثم فتحت حقيبتها الصغيرة ومدت يدها بها وأخرجت منها ورقة مطوية وأخرى غيرها، أقتربت ووضعتها على الطاولة في المُنتصف وقالت بجدية:
-دي قسيمة الجواز تقدروا تتأكدوا إذا كان كلامي صحيح ولا لأ وده كمان عقد شقة كتبها ياسين باسمي بعد الجواز علشان أعيش فيها وكل ده الآنسة سلمى أخت ياسين اتأكدت منه قبل كده وعرفت إني كلامي مظبوط..
تقدمت خطوتين للأمام لتذهب ثم استدارت ونظرت إلى "رؤوف" ومن بعده "عامر":
-أنا هامشي واسيبكم يومين على ما تتأكدوا وهرجع علشان أخد حقي..
رفعت عينيها إلى عيني "هدى" وهي تسير إلى الخارج ذاهبة بعد أن فجـ ـرت قنـ ـبلة بالداخل لن يشعر بانفجارها أحد سوى "هدى" المُعذب قلبها بعد اكتشافها أن زوجها وحبيبها الذي رفعت حداد قلبها عليه كان خائن ومتزوج من غيرها.. ومهما كانت الأسباب الذي دفعته لفعل ذلك الفعل المشين فهي لن تسامحه لأجل خداعه لها كل ذلك الوقت..
لن تسامحه لأنه خائن مثله مثل شقيقها الذي كان يعذب "سلمى" ليلًا ونهارًا ولكن على الأقل شقيقها لم يكن يخاف أحد وكان يفعل ذلك علنًا ولا يكذب بل يعترف بكل ما يفعله حتى وإن كان خطأ وسيحاسب عليه..
نظرت إلى "سلمى" تعاتبها متحدثة بكم الخذلان الذي تعرضت له منها هي الأخرى وكأنها تضعها في محلها عندما انصدمت في الجميع من حولها..
أقتربت منها بعينين تحولت إلى أخرى حادة صارخة بالخيوط الحمراء داخله مانعة البكاء، تسائلت بجدية:
-كنتي عارفة إن أخوكي متجوز ومقولتيش؟ كنتي عارفه كل ده وسيبتيني على عمايا
وقفت "سلمى" على قدميها تنفي ما قالته بكل جدية وتأكيد وهي تنظر إليها بثبات:
-والله أبدًا وأنا هعرف منين أنا زيي زيك على فكرة الفرق الوحيد إني عرفت من شهرين بس.. هي بنفسها قالتلك أنها راجعة من بره من شهرين ولما رجعت جاتلي الجمعية وكانت أول مرة أشوفها
صرخت بها بعصبية وغضب شديد وهي تنظر إليها باحتقار:
-بردو مقولتيش.. مقولتيش إن أخوكي خاين
أجابتها "سلمى" بصوت حاد قوي تدافع عن شقيقها الراحل أمام الجميع:
-أخويا مش خاين يا هدى قالتلك إنه اتجوزها علشان متموتش.. كانت هتتـ ـقتل قدامه، كنتي عايزاه يعمل ايه
صدح صوت "هدى" الصارخ مرة أخرى بكره وندم لما اشعرت به نفسها عندما وافقت على "تامر":
-ما تولع.. ما تولع، يعني متجوز من قبلي أصلًا وأنا الغبية رافعة الحداد عليه وبعذب نفسي وأقول إني مكنش المفروض أوافق على تامر علشان كده كأني محبتش ياسين
خرج صوت "عامر" الساخر من "سلمى" والشامت بما قد ظهر لأجل ألا تتحدث مرة أخرى عن وفاء شقيقها لشقيقته:
-يعني لو اتجوزت واحدة هتتـ ـقتل يا سلمى يبقى دي مش خيانة بالنسبالك!.. طب الحمدلله كده أقدر أعملها
استدارت تنظر إليه بحدة وهي التي أتت به من المشفى منذ قليل وحاولت البدأ معه من جديد يعود هو بها إلى نقطة الصفر:
-متدخلش نفسك يا عامر في الموضوع ده وخلينا كويسين مع بعض أحسن
هتفت شقيقته بحدة وهي تأكد لها أن شقيقها الذي خانها في السابق فعل ما فعله زوجها بها:
-ميدخلش نفسه ليه يا سلمى، مهو ده عامر الخاين بردو.. اللي سيبتيه علشان خاين هو زيه زي أخوكي بالظبط
استدارت "سلمى" برأسها إليها وأجابتها بحدة وعنف نافية أن "عامر" مثل "ياسين" ولا يجوز من الأساس التشبيه بينهم:
-عامر مش زي ياسين.. عامر حاجه وياسين حاجه
عارضتها الأخرى بقوة وأشارت بيدها بحدة وهمجية وهي تشعر بالنيران داخلها لأجل ما تعرضت له الآن:
-لأ زي بعض
مرة أخرى تنفي حديثها وتسرد عليها جزء من مميزاته:
-لأ يا هدى عامر مش زي ياسين والكل عارف كده.. ياسين مش خاين وبيحبك ومايقبلش عليكي نسمة هوا تضايقك
ترقرقت الدموع في عيني "هدى" وهي تستمع إلى هذه الكلمات البسيطة وتأكد أنها صحيحة بالفعل وهو كان كذلك ولكن ذلك لا يمحي أنه خائن وكان متزوج من أخرى غيرها:
-دي الكدبة بتاعته.. متجوزش عليه إلا الرحمة
استمر "عامر" في السخرية وهو ينظر إليهم ولا يتدخل فيما حدث إلا بحديثه الساخر:
-أحسن حاجه حصلت إني مش لوحدي اللي خاين.. مع إني مش عارف خونتك امتى بس يعني مطلعتش لوحدي
مسحت والدتهم على وجهها بقوة وطال الصمت الخارج منها أمام الاستماع إلى حديثهم سويًا ثم أردفت بنفاذ صبر:
-كفاية يا عامر قوم أطلع ارتاح يابني وأنتي يا سلمى كمان
ابتسم "عامر" بسخافة وسخرية وهو يُشير إلى "سلمى" بيده قائلًا:
-اطلع ليه ما تخلونا نتفرج.. دي سلمى بتدافع عن حد خاين لأول مرة في عمرها
أجابته "هدى" بحرقة لا يشعر بها أحد سواها:
-علشان أخوها
نظرت إلى "عامر" ثم انتقلت إلى "هدى" شقيقته وصاحت بصوت عالي وعصبية شديدة وهي تريها الجزء الذي تناساته وتجعلها تتذكر ما يفعله شقيقها وزوجها الراحل، تجعلها تتذكر أن المقارنة بينهم مستحيلة:
-انتوا هتعملوا عليا حفلة.. آه ياسين مش خاين ومش زي عامر، ياسين كان قارفك في عيشتك؟ كان بيغير عليكي من طوب الأرض؟ ولا عاقل؟ كان عصبي وأيده بتتمد عليكي؟ كسر قلبك وشوفتيه في حضن واحدة بعينك؟ عينيه زايغه وبتاع ستات؟ سُكري ياسين؟ هاا عامر بقى فيه كل الصفات دي.. إن شاء الله يغيرها لأن اللي فات غير اللي جاي
لم تتحدث "هدى" بالفعل هي معها حق، لم يكن هناك أحد مثل "ياسين" في أي شيء و "عامر" يختلف عنه كامل الاختلاف ولا يأخذ منه شيء، لن تنكر أنها رأت معه أسعد لحظات حياتها وأنه أحبها أكثر من نفسه لكنها مصدومه بما علمته، مصدومه به كثيرًا، اتضح لها أنه كان مُخادع، كان متزوج وأقام علاقة مع زوجته الأخرى قبل زواجه منها هي..
كانت تظن أنها أول إمرأة يقوم بلمسها! أول إمرأة ينام جوارها وأول مرة إمرأة تحمل اسمه وتكون زوجته واعتقدت أنها الأخيرة..
لقد أحبته كثيرًا ودابت فيه عشقًا ولم تكن تتوقع أن تعلم بشيء مثل هذا في يوم من الأيام.. كان "ياسين" بالنسبة إليها شخص لا يخطأ، كان كل شيء لطيف وجميل في دنياها!..
عندما رأت نفسها تنجذب إلى "تامر" قامت بتشغيل وضع جلد الذات وتأنيب الضمير وقاربت على العودة عن قرارها فقط لأجل أن تكون زوجة "ياسين القصاص" فقط!.. لم تكن تعلم أنه هو منذ البداية خائن مخادع لا يؤتمن..
طال صمتها ولم تستطع الإجابة على حديث ابنة عمها وبقيت تنظر إليها بعينين دامعة وقلبها يحـ ـترق من الداخل والصدمة إلى الآن تجعله يدق بعنف وحرقة..
تحدث والدها "رؤوف" بجدية شديدة وهو يُشير إليهم بوجه جامدة تعابيره:
-يلا كل واحد على اوضته.. أنا هتأكد من كلامها يا هدى
نظرت إليه "سلمى" قائلة:
-أنا اتأكدت يا عمي مالوش داعي تعبك.. هي فعلاً مرات ياسين
أكد حديثه مرة أخرى يُصر على التأكد بنفسه إن كانت زوجته أم لا:
-هتأكد تاني يا سلمى.. ولو طلعت مراته بجد يبقى تاخد حقها وتمشي
نظرت "هدى" إلى والدها بصدمة وهي تستمع إلى حديثه وصاحت بعنف وقسوة لا تناسبها:
-حق ايه ده اللي تديهولها.. لأ طبعا مش هتاخد حاجه
امتص والدها غضبها بالهدوء الذي قابلها به وتحدث بجديدة وصدق:
-لو مراته يبقى زيها زيك يا هدى وهتاخد حقها.. إحنا مش نصابين ولا ناس متعرفش ربنا.. هتاخد حقها
تركها من بعدها وصعد على الدرج بخطوات ثابتة ليذهب إلى غرفته ومن خلفه ذهبت زوجته، لحظات وقفت "هدى" تنظر إلى "سلمى" بعينين مُعاتبة إياها بقوة قائلة لها بأنها لم تتوقع أن تفعل ذلك بها.. حتى لو كانت تعلم في الأمس..
صعدت هي الأخرى خلفهم ونظرت إليها بنفور واحتقار لأول مرة بحياتها تفعلها وتقابل "سلمى" بتلك النظرات ولكن صدمتها من شقيقها وما تعرضت إليه يؤثر عليها وبقوة وجعلها تفعل ذلك وهي لن تلوم عليها..
استدارت "سلمى" تنظر إليه ووقفت مقابلة له وهو ينظر إليها بلا مبالاة تامة فاردفت قائلة:
-ليه بتعمل كده.. المفروض أننا بنبدأ صفحة جديدة
ابتسم بزاوية فمه باستخفاف بها وبحديثها ثم أجاب مُتهكمًا:
-وأنا عملت ايه.. بقول أن ياسين الله يرحمه خاين زيي
أشارت إليه بحدة وأردفت تضغط على كل حرف يخرج من بين شفتيها:
-ياسين مش خاين يا عامر وأنت عارف كده كويس، ياسين مش زيك.. عمره ما كان زيك
وجدته لا يُجيب فأكملت تترجاه أن يعود عما يفعله وإن كان حقًا يود البدأ معها حتى وإن كانت زوجته وحتى إن كان ذلك لأجل التأكد مما يشك به:
-بلاش تشتغل بمبدأ دس السم في العسل أرجوك اللي بينا هدى ملهاش دعوة بيه ولا حد ليه دعوة بيه وإحنا قادرين نعالجه وقولتلك كده في المستشفى.. انسى بقى
أقترب للأمام ببطء لأجل جرحه وأردف هو الآخر بجدية شديدة وعيناه مُثبتة عليها يبادلها نفس الجدية والتأكيد:
-مش هنسى حاجه غير لما اتأكد من اللي في دماغي ومش هتعدل بردو غير لما ده يرجع يشوفك سلمى من تاني
أكمل بقية حديثه وهو يُشير بيده إلى الناحية اليسرى من جانب صدره موضع قلبه تمامًا
نظرت إليه بعينيها الزيتونية للحظة ثم قالت:
-تصبح على خير
توجهت للصعود للأعلى دون الحديث معه بأي شيء آخر، تفكر فقط في القادم عليهم جميعًا، في الفترة الأخيرة أصبح هناك مواضيع كثيرة وأشياء تظهر لم يكن يعلم عنها أحد شيء..
❈-❈-❈
صعدت "سلمى" إلى غرفتها وقد تعمق الحزن داخلها، حتى أنها لم تعد تفهم الذي تفعله مع ابن عمها صحيح أم خطأ، لم تعد تحدد بين الصواب الذي عليها فعله والخطأ الذي عليها الابتعاد عنه، قلبها لا يساعدها بل تغمد الحزن داخله وعقله لا يستطيع التفكير بشكل صحيح..
جلست على طرف الفراش واستندت بيدها الاثنين عليه مغمضة عينيها ترفع رأسها للأعلى، تنفست بعمق محاولة أن تجعل ضجيج عقلها يهدأ لأنه يثور داخلها بلا داعي ولا يأتي بفائدة..
دق هاتفها فأخذته بعد أن فتحت عينيها عليه، وجدت أن تلك الصديقة الحقـ ـيرة التي كانت تعتبرها كشقيقتها هي من تهاتفها، أمسكت الهاتف بيدها ونظرت إلى شاشته للحظات بعينيها الزيتونية تسترجع كل لحظة مرت عليها معها لحظة طيبة جميلة وأخرى خبيثة ماكرة لم تكن تدري أنها ستكون كذلك..
أجابت عليها ثم وضعت الهاتف على أذنها ولكن لم تخرج الكلمات من بين شفتيها في إنتظار الاستماع إلى الأخرى والذي خرج صوتها بلهفة مصطنعة أصبحت تعرفها:
-سلمى فينك يا بنتي بكلمك مش بتردي
خرجت الكلمات من الأخرى بنبرة حادة قاسية مُتسائلة:
-نعم عايزة ايه
تصنعت الأخرى الاستغراب وأردفت بنبرة خافتة لينة:
-في ايه مالك
وقفت "سلمى" على قدميها وسارت في الغرفة بثبات وهي تتحدث بجدية وعنف خالص تطلقه ناحيتها:
-لأ بصي هاتي من الآخر وشيلي قناع الطيبة والحنية اللي أنتي لابساه خلاص مبقاش لايق عليكي يا إيناس
مرة أخرى تردف بنبرة مستغربة ترفع حاجبيها وكأنها تراها لترسم الدور عليها جيدًا:
-ايه اللي بتقوليه ده أنا مش فاهمه حاجه
اشتدت نبرة "سلمى" وأصبحت أكثر حدة وهي تلقي كلماتها القاسية عليها:
-لأ أنتي فاهمه كل حاجه وعارفه أنا بتكلم عن ايه وقصدي ايه فهاتي من الآخر عايزة ايه مني
لم تستسلم الأخرى بسهولة بل أكملت المسرحية التي تقوم بها لتجعلها تصدق ما تتحدث به:
-لأ بجد أنتي غريبة النهاردة.. متخانقة مع عامر ولا ايه
لم تكن تعلم أنها علمت كل شيء وبالدليل التي طالبت به كثيرًا لذا سيكون من الصعب تصديقها مرة أخرى، صرخت بها قائلة:
-متجيبيش سيرة عامر على لسانك الوسخ ده، عايزة ايه مني ومن عامر ها.. عايزة ايه انطقي
تغيرت النبرة المُتحدثة لها "إيناس" وخرجت بتهكم وسخرية:
-وأنا هعوز منكم ايه
عقبت "سلمى" على حديثها بحرقة داخل قلبها تكويه كل لحظة والأخرى فقط عندما تتذكر ما الذي قامت به معه ومع الجميع:
-لأ أنا اللي بسألك.. الغريب إني أعرفك من زمان ومعرفتش نيتك القذرة من ناحيتي والغريب أكتر إني أصدقك وأكدب عامر اللي متربية معاه وأنا متأكدة إنه بيحبني.. بجد كنت غبية
ابتسمت "إيناس" بسماجة وتهكم وهي تُجيب عليها ساخرة منها وقد كشفت القناع عن وجهها:
-ما إحنا عارفين إنك غبية طول عمرك ده مش شيء جديد عليكي
تحدثت بنبرة حادة تطالب بالابتعاد عنها ثم أخرجت كلمات مُهددة إياها لتزرع الخوف بقلبها:
-اخرسي يا إيناس وابعدي عني أنتي وابن عمك.. أنا لو سبت عامر عليكم مش هيطلع عليكم صبح وأنتي عارفاه كويس
ضحكت عبر الهاتف مُتهكمة على حديثها توصل إليها أنها لا يهمها كل ذلك ثم قامت بالقاء جزء من القنبلة المخفية عليها لتجعلها تتشوش من ناحيته:
-طب خدي بالك منه بقى وفتشي وراه.. لسه في أسرار كتيرة متعرفيهاش والأسرار دي معايا بس هدوخك شوية يمكن تخفي من الغباء بتاعك ده شوية
أكملت ساخرة أكثر من السابق وهي تقول:
-سلام يا بطل.. مش كان بيقولك كده بردو؟.
أغلقت الهاتف ثم ألقته على الفراش بعد غلق الأخرى وكلماتها تعبث بها، ما الذي يخفيه عامر عنها إلى الآن؟ ما الذي يخفيه عنها وتعلمه "إيناس" وهي لا؟ هل هناك شيء بينهم وهي الغبية المتواجدة بينهم؟
أسرعت تمحي ذلك التفكير الغبي مرة أخرى من رأسها معنفة نفسها بقوة فـ "عامر" من البداية لا يطيق الاستماع إلى اسمها ولم يكن يريدها أن تكون صديقتها منذ أول مرة وقعت عينيه عليها وأخبرها بها أنها ليست فتاة مناسبة لتكون صديقتها..
غير أن "عامر" مؤكد لن يخونها مع صديقتها هذا من أبعد الأشياء الذي من الممكن أن تفكر بها! إنه توقف عن خيانتها منذ الكثير وبهذه المرة الأخيرة كانت رأت الأمور بمنظور خاطئ وإن فعلها لن يقوم بفعلها مع "إيناس"..
خيانته لها كانت عبارة عن مهاتفة فتيات من الملاهي الليلية، والنظر بعينيه الخبيثة الوقحة على مفاتنهن في غيابها والسرقة المستلزه في حضورها.. كانت عبارة عن مكالمات قذرة يقوم بها معهن كانت كل هذه أشياء تجعلها تبتعد عنه وتطالب بالانفصال الفوري لأنه لا يكتفي بوجودها بحياته وهو يعلل بأنه يحبها أكثر من نفسه وما يفعله ما هو إلا لهو وتسلية طفيفة.. غير مبالي لمشاعر الأنثى داخلها التي تثور وتنفجر بما يفعله، ويقوم كل مرة بالعودة إليها عن طريق الوعود الكاذبة وهي الخاطئة لم تكن تتعلم أي شيء، يرق قلبها ناحيته وترى الحياة من غيره مـ ـوت فتعود مُرغمة وقلبها يضغط عليها بالاقتراب أكثر وسيكون في أفضل حال ويقوم والدها بتهدئتها قائلًا بأنها بعد الزواج ستكون المُسيطرة عليه ولن يفعل هذا مرة أخرى..
تعترف أنه قبل الزفاف كان قد توقف عن كل ذلك وما دفعها للموافقة مرة أخرى على زيجته منه هو ذلك ولكن لم تكن ثقتها به كافية لتتأكد من أنه لم يخونها وقد فعلتها "إيناس" في الوقت المناسب ثم من بعدها انقلبت حياتها رأسًا على عقب.. بسبب صديقتها المخلصة التي رأتها دومًا هكذا وقد حظرها منها مرارًا وتكرارًا ولكن العقل لم يكن واعي بالكفاية ليقوم برؤية خبثها عليها..
والآن أيضًا تقوم بفعل ذلك مرة أخرى وتريد أن تجعلها تُشتت من ناحيته بعد أن علمت بكل الحقيقة المخفاه.. لا لن تفعل ذلك ولن تجعلها تأخذ ما تريد عندًا بها وبابن عمها القذر الحقير الذي كان هو الآخر يكذب عليها ستحاول قدر الإمكان أن تصلح علاقتها بـ "عامر" وتعود إليه من جديد وتترك المعاناة إلى أحد آخر غيرها فقد اكتفت منها..
❈-❈-❈
دق باب المكتب عليها في الجمعية التي تديرها، أذنت للطارق بالدخول ورفعت نظرها إلى الباب لترى من بالخارج..
فتح الباب بهدوء وبطء وولج إليها لتقع نظراته الماكرة الخبيثة عليها ووقفت عيناه على عينيها الزيتونية الخائفة والتي ظهرت له ما بداخلها بوضوح..
أغلق الباب بيده بعد أن ولج للداخل وتقدم إلى أن جلس أمامها بغرور وعنجهية، يلقي عليها نظرات حادة ماكرة واثقة، وعقله داخله يبتسم ضاحكًا بصوت مُرتفعًا يصل إلى عنان السماء شامتًا بها مُتذكرًا ما فعله..
انتشلته من ذكرياته القذرة الحقـ ـيرة مثله وهي ترتفع بصوتها الحاد ناظرة إليه بعدم خوف والجدية تتحدث عنه:
-جاي ليه يا هشام وعايز مني ايه
ابتسم بسماجة وتهكم واعتدل في جلسته ليستطيع النظر إليها جيدًا:
-وحشتيني بس قولت اجي وأقـ ـتل الاشتياق ده
حدثته بجدية شديدة وحدة قاتلة وهي تنظر إليه بقسوة تنبع من داخلها بعد معرفة حقيقته:
-هات من الآخر وأتكلم على طول.. قول عايز مني ايه؟ وليه بتعمل معايا كدة
وجدته لم يعطيها أي إهتمام فأكملت هذه المرة بنبرة مذهولة وحاجبيها معقودان باستغراب شديد:
-دا أنا حتى مكنتش أعرفك، اللي عرفتني عليك هي بنت عمك يعني لا ليا عداوة معاك ولا عملتلك حاجه من الأصل ليه بقى بتعمل كده وعايز مني ايه.. أنا كنت صدقت إنك حد كويس بجد وفكرت في الجواز منك إزاي تطلع كده
أشار إليها بيده وعقب على حديثها بكلمات قاسية تعرفها جيدًا وقد جلدت ذاتها بها سابقًا:
-اللي حصل ده بسبب غبائك، أنتي واحدة غبية مش ذنبي ده خالص، لو كنتي سمعتي كلام ابن عمك اللي بيحبك ومربيكي مكنتيش وصلتي لهنا، بس أنتي خاينة زيه ويمكن أكتر منه واكيد أنتي عارفه كدة كويس.
ابتلعت ما وقف بحلقها ونظرت إليه بقوة قائلة بثبات:
-كل ده مايخصكش ومالكش دعوة بيه.. أنت عايز ايه وليه بتعمل كده وليه إيناس كمان عملت معايا كده أنا كنت بعتبرها زي أختي
ابتسم مرة أخرى وهو يرمي عليها بكلمات سامة وقعها عليها حاد وهو يغمز بطرف عينه لها:
-لأ سيبك من إيناس دي حكايتها حكاية وهتصدمك أوي أصلها تخص حد من حبايبك.
أكمل بلا مبالاة تامة وهدوء لا مثيل له وهو يقول بثقة ناظرًا إليها:
-أما بالنسبة ليا بعمل كده ليه؟ بكرة تعرفي مش دلوقتي خالص وبالنسبة لعايز ايه؟ فأنا عايزك متتجوزيش عامر
تهكمت عليه وعادت للخلف بالمقعد عندما رأته ينحدر بتفكيره في تلك المنطقة محذورة:
-وأنا المفروض اسمع كلامك مش كده؟
نظر إليها بثقة، عينه الهادئة تحولت إلى أخرى قاسية شديدة القسوة والحدة وهو يقول بنبرة هادئة:
-هتسمعيه، عارفه ليه؟ علشان أنا أقدر أخلي السكينة المرة الجاية تخلص عليه مش مجرد مطوة تالمه تجرحه
حركت رأسها يمينًا ويسارًا ترفض ما يهتف به ذلك الأبلة وشفتيها تتبعها:
-مش هتعمل كده أكيد
ابتسم بسماجة على براءتها الغبية التي ترفض أي فعل دنيء من أي شخص يقربها، ألا تعلم أن العالم لا يوجد به إلا ذئاب بشرية؟:
-وليه أكيد ما أنا عملتها قبل كده أصلًا أقدر أعملها تاني وتالت وعاشر واجيب أي عيل يلبسها ولا شاكه فيا ومفكره قلبي ضعيف
عارضته بشدة وهي تهتف بجدية وثقة مطالبة بالقرب من حبيبها الذي فرقتهما الليالي الخائنة:
-مش هتعمل كده، مجرد ما عامر يكون كويس هنتجوز، كفاية أوي اللي راح من عمرنا واحنا بعاد عن بعض بسبب بنت عمك الخاينة
صحح ما تتفوه به ببرود:
-بسبب غبائك وعينه الزايغة
أكمل بتوعد وجبروت ظهر في عينيه وجميع ملامح وجهه:
-ورحمة أمي لو اتجوزتيه لكون محصرك عليه العمر كله مش بس سنتين فراق
نظرت إلى عينيه للحظات خلف الأخرى تحاول أن ترى أي شيء من الذي كانت تراه به سابقًا ولكن لم تجد سوى الكبر والقسوة، الخيانة والخبث فتسائلت باستغراب:
-ليه بتعمل كدة!؟
وقف أمام مكتبها واعتدل في وقفته ثم بدأ في الاسترسال يقص عليها ما كانت تغفل عنه:
-اوعي تكوني فاكرة الشويتين اللي حصلوا بينا دخلوا عليا لأ أنا عارف كويس أوي إنك بتحبيه ومش عايزاني ولا أنا كمان عايزك ولا كنت طايقك أصلًا بس جيتي في الجون بقى أعمل ايه
أكمل وهو يتوجه للخارج بلا مبالاة ولم يفكر بها، بل يفكر في مخططه الذي حتم عليه بالنجاح أمام الجميع:
-فكري في كلامي.. لو عايزه تتجوزيه ماشي اتجوزيه بس استني عليا وهرد عليكم الرد التمام وبالهداوة واحدة واحدة
سار إلى أن وقف أمام بابا المكتب وفتحه ليخرج منه بعد أن فعل ما أتى لأجله ولكنه استدار إليها قائلًا بسخرية وتهكم داخله تهديد رأته بوضوح:
-سلام... يا سلمى هانم
نظرت إليه وهو يخرج وتابعته بعينيها، دق قلبها بعنف بعد خروجه، لقد حبست أنفاسها أثناء وجوده معها هنا في الغرفة، ظهرت بوجه جامد حاد والثقة تنبعث منه ولكنها والله والحق عليها أن تبوح به كانت تموت داخلها، والآن ازداد ألم قلبها الذي يرقص على طبول الخوف والرهبة، كيف لها أن تبعد ذلك المجنون عنهم، أو تترك "عامر" الذي افترقت عنه عامان من القسوة والعنف، عامان من الجفا والحرمان ولم تكن أبدًا أيام تمر بل كانت ليالي يقتلها بها الاشتياق والندم...
❈-❈-❈
"يُتبع"
#بين_دروب_قسوته
#الفصل_السادس_عشر
#ندا_حسن
"حبه لها كان هوس وجنون"
عادت "سلمى" من الجمعية بعد ذهاب "هشام" حيث أنها لم تستطع تكملة اليوم ولا العمل وكل ما بقيٰ في خاطرها هو التفكير في حديثه و "عامر"!..
كانت تعلم أن "عامر" في المنزل ولم يذهب إلى مكان واستمعت إليه في الصباح يكلف تلك الفتاة التي تُسمى بـ "جومانا" بكل شيء اليوم..
ورأت "هدى" أيضًا وعلمت أنها لم تذهب مثله..
بعد أن جلست قليلًا وأخذت أنفاسها صعدت إلى الأعلى حيث غرفة "عامر"، وقد كانت أخذت قرارها بعد كثرة التفكير الذي داهمها منذ أن رأت ذلك الحـ ـقير..
ولجت إلى الغرفة بعد الاستماع إلى أذنه لها بالدخول، وجدته يدلف من الشرفة إلى الغرفة ويده اليمنى على بطنه في موضع جرحه والأخرى أمام شفتاه يدخن سيجارة بها..
تقدمت وأغلقت الباب من خلفها ثم وقفت تنظر إليه بعينين هادئة مُرهقة:
-التدخين مُضر.. بلاش في الفترة دي حتى، أنت تعبان
دعس السيجارة بيده في باب الشرفة ثم ألقاها إلى للخارج وتقدم من "سلمى" ينظر إليها بعينيه البُنية الساحرة وكانت نظرته مُدققة بها ذات معنى وتسائل بصوتٍ خافت:
-بتخافي عليا؟
حركت زيتونية عينيها على جميع ملامح وجهه بتوتر وابتلعت ما وقف بحلقها ثم أجابته بهدوء:
-أكيد بخاف عليك
أقترب منها إلى الغاية ووقف أمامها يفصل بينهما الهواء المار ليس إلا، علق عينيه على عينيها وأردف مُتسائلًا:
-اومال ليه ده مش باين؟
تنفست بغير انتظام وقالت بجدية وهي تبادلة النظرات المتعطشة إلى أي مشاعر تُرى بينهما:
-أنت اللي مش شايف
وقف صامتًا ينظر إلى عينيها، متردد كثيرًا، يود البوح بكثير من الأشياء ولكنه لا يستطيع، يخاف أن تكون كاذبة وأصبحت أخرى تكذب عليه كي يتركها تعيش وتنعم بالحياة التي قتلتها..
يخاف أن تكون تخلت عنه بالفعل وألقت كل ما كان بينهم كي يتطاير متناثرًا مع النسمات الموزعة في الهواء..
ابتلعت ما وقف بجوفها مرة أخرى، انخفضت برأسها إلى الأرضية ثم مرة أخرى رفعتها تنظر إليه تحاول أن تستجمع شتات نفسها كي تبدأ الحديث معه وتقنعه بما تريد..
أردفت بنبرة جدية حازمة:
-أنا.. أنا عايزة أجل معاد الفرح، وكده كده أنت تعبان
ابتسم بسخرية وما أتى بذهنه يُلقى عليه الآن منها ويؤكد كل ما كان يكذبه:
-وأنا مش هأجل معاد الفرح.. والجرح اللي في بطني ده مش هيمنعني عن الجواز، ده جرح سطحي أوي متقلقيش أنتي
عادت للخلف خطوة والأخرى خلفها فوقفت وورآها الحائط، زفرت بضيق وأكملت على حديثه:
-طيب أنا عايزة أجل الفرح.. أنا مش مستعدة للجواز دلوقتي
أقترب منها في لحظة خاطفة ووقف أمامها بعنفوان وقسوة رافعًا يده يقبض على عنقها ولكن بخفه قائلًا بنبرة مُتألمه:
-ايه؟ لقيتي نفسك هتتكشفي مش كده؟ ما كان من الأول.. من الأول يا سلمى
رفعت يدها الاثنين تتعلق بيداه وعينيها تتحرك مع عيناه وصاحت قائلة:
-افهمها زي ما تفهمها بس أنا عايزة أجل وأنت لازم تعمل اللي أنا عايزاه
-ضيق ما بين حاجبيه وأقترب بوجهه منها مُعقبًا بسخرية:
-ليه؟ مجبور على كده؟ لأ ياست هانم أنا هتجوزك وغصب عنك وعن اللي خلفوكي.. عامر مش لعبة في ايدك أنا راجـ ـل وهعرف أتصرف معاكي كويس أوي بس صبرك عليا يا سلمى
وقفت بزيتونية عينيها على خاصته ونظرت إليه مطولًا بعمق وكثير من الحديث المكبوت داخلها لا تستطيع البوح به.. كمثله بالضبط ولكنه في لحظة استفزته نظرتها فصاح قائلًا بعنف وحرقة تلهب قلبه:
-أنتي عايزة ايه بالظبط؟ عايزة ايه؟ ليه مش حاسه بيا واللي جوايا؟ ليه مش مقدرة اللي أنا فيه؟ أنا بمـ ـوت كل لحظة.. كل لحظة بتعدي قدامي فيها بمـ ـوت من جوايا مية مرة بسببك.. بقول لنفسي يا ترى بتحبني لسه؟ يا ترى خانتني وباعت جسمها لواحد وسـ* زي ده؟ يا ترى لسه بريئة زي ماهي
وقف عن الحديث وحرك عيناه في إتجاه آخر غيرها عندما شعر أن حرقة قلبه وقهرته تصعد إلى عيناه التي ملئتها الدموع، أكمل بعنفوان وقسوة يحاول أن يبتعد عن الضعف أمامها:
-الطريقة الوحيدة اللي أقدر أعرف بيها إجابة الأسئلة دي هي الجواز منك.. وهتجوزك بردو سواء برضاكي ولا غصب عنك وهعمل اللي أنا عايزة ومش هيهمني حد.. ولا حتى أنتي.. كفاية عذاب بقى
أقترب منها بوجهه وعاد بعينيه التي مازالت بُنية لم تتغير حتى بتغير حديثه القاسي:
-عارفه لو خيبتي ظني فيكي يا سلمى.. هقـ ـتلك، قولتهالك قبل كده والله لاقتـ ـلك يا سلمى، هعيش عمري كله من بعدك وحيد ومش هشوف واحدة تانية غيرك ولا عمري عيني هتبص لغيرك، هعيش ندمان ومقهور على فراقك، بس النار اللي جوايا ساعتها مش هيطفيها حاجه غير إني اقتـ ـلك واقتـ ـله.. أقـ ـتل اللي سرقك مني ولمسك وأنتي بتاعتي أنا وملكي أنا
عادت دموع عيناه مرة أخرى ويراها تقف بعينين متسعة تنظر إليه خائفة من مجرد حديث يقوله:
-مش عارف وقتها هعملها إزاي، مش عارف إزاي ايدي وقلبي ممكن يطاوعوني واقتـ ـلك، حتى مش عارف عيني إزاي ممكن تشوفك بتروحي مني وتسكت بس بردو هعملها.. لو كنتي خونتيني يا سلمى اخرتك هتبقى على أيدي.. على ايد عامر
أمسك ذراعيها الاثنين وضغط عليهما بقوة ساحقة، وأكمل حديثه الذي كان لا يستطيع البوح به:
-أنا بحبك يا سلمى، بحبك حب جنوني عمرك ما تتخيليه.. حاسس إن الحب اللي بينا ده هيكون سبب في مـ ـوت حد فينا.. أنتي عمرك ما شوفتيني غير وأنا بقول بحبك.. وأنا متعصب وأنا مبسوط وأنا مضايق.. لكن مشوفتينيش مرة واحدة وأنا بحبك فعلًا، أنا مجنون بيكي.. مهوس بسلمى القصاص ومش شايف غيرها في حياتي ومش هشوف
رأت الجنون والهوس بعيناه حقًا، الدموع تظهر وتختفي منها، يأتي شخص ضعيف والآخر قاسي إلى ما لا نهاية، قلبها يدق بعنف وكلماته بعد أن علمت معناها جيدًا قرعت الطبول داخلها والخوف يزفها إلى بوابة النهاية بقلبها..
أهي الآن خائفة من "عامر"!.. وبكل تأكيد نعم خائفة، لقد أظهر لها الآن أشياء كثيرة تغاضت عنها في حياتها معه واعتبرتها غير موجودة أو تصنعت مع نفسها ذلك ولكنه الآن وبكل وضوح يعترف أنه مهوس بها وإن تكون له أو له.. أو للموت!..
دقق بها "عامر" ورأى الخوف بعينيها، أنفاسها غير مُنتظمة وتنظر إليه باتساع وتمعن ودقات قلبها يكاد يستمع إليها..
رفع يده اليمنى إلى خلف رأسها وأقترب منها بطوله الفارع الذي يخفيها، ثم هتف بصوت رجولي أجش:
-أنا بحبك وعايزك يا سلمى لآخر يوم في عمري ومستني الإثبات اللي بتمناه كل لحظة.. أنا عارف إنك بريئة وجوايا مقتنع بكده بس في حاجه مُصره تخليني أتأكد خايف يكونوا ضحكوا عليكي
احتدت عيناه إلى اللون الآخر، الأسود الحالك وتغيرت نبرته كليًا لتصبح قاسية عنيفة غير مرغوبة بالمرة وهو يقول:
-ولو ضحكوا عليكي.. وديني هقتـ ـلك
لم تستطع التحدث بعد كل ما قاله، لم تستطع أن تجمع أي كلمات لتتفوه بها بل لجم فمها وبقيت فقط تنظر إليه باستغراب كلي وخوف وذهول..
رأته يقترب منها منخفضًا بوجهه عليها إلى أن طبع شفتيه فوق خاصتها يقبلها بهدوء وتروي، ثم احتد قليلًا لتتجه قبلته إلى مُنحنى آخر وهو يقطف منها بنهم شديد حُرم منه لكثيرًا ومازالت تريد أن تحرمه أكثر..
فعل ما يحلو له وهي مُغمضة العينين ليست هنا، بل كانت في مكان ليس به غيرها وصوته الذي يتردد على أذنها بكل كلماته اللينة والقاسية..
عاد للخلف وعيناه تشع بالرغبة القاتلة تجاهها، ومازال يريد أكثر ولكن ليس الآن.. نظرت إليه وهي مغيبة تمامًا عن أرض الواقع ثم أخذت خيباتها وكلماته بصوته الحاد والحنون معها وهي تخرج من الغرفة لتتجه إلى غرفتها تعيد مرة أخرى ما قاله على مسامعها.. ربما أخطأت!.
ولكن الحقيقة المُرة أنها لم تخطئ، لقد جعلها ترتعب خوفًا ورهبةً منه، نظراته! عينيه السوداء، التي تتحول متى شاءت، شفتيه الرفيعة التي تتحرك بحدة لتتناسب مع قسوته ونبرته العنيفة في الحديث..
ذلك الخبيث الماكر الذي عرفته دومًا يتحول معها إلى أعنف رجل قابلته على الإطلاق، لقد أقسم أنه سيقوم بقتـ ـلها!؟ هي على دراية تامة أنه بعد ذلك الحديث وذلك القسم سيفعلها مهما كلفه الأمر وستكون نهايتها على يده.. ستكون هي من قتـ ـلها حبهم كما قال منذ قليل..
❈-❈-❈
"قبل خمسة سنوات"
صف سيارته بعيدًا عن بوابة الجامعة ثم خرج منها بعد أن أخذ المفتاح منها، وقف على الأرضية في الخارج ثم أغلق بابها ووضع المفتاح بجيبه، نظر إلى البوابة بعينيه البُنية التي تتعمد الشمس عليها في لحظة حرارة عالية فرفع نظارته الشمسية إلى وجهه وقام بارتدائها..
وقف مُعتدلًا يظهر طوله الفارع وجسده الرياضي المُتناسق ثم سار إلى البوابة بخطوات ثابتة معروف بها هنا في المكان.. حيث أنه يُعرف بأنه "عامر القصاص" البطل الخاص بـ "سلمى القصاص"..
سار إلى الداخل مُتجهًا إلى مكانها المعروف التي تنتظره به في كل مرة ليأخذها ويذهب بها إلى البعيد مُبتعدًا عن الجميع وخاصة والده..
وقف على بعد خطوات منها ينظر على المكان المتواجدة به بعد أن وقعت عينيه عليها، وقفت عينيه على الفتاة التي تجلس مقابلة لها على الطاولة يتسامرون في الحديث سويًا، وقف جامدًا وجسده تشنج ولم يتحرك.. لعب ذلك الموقف على أعصابه كثيرًا..
خلع النظارة عن وجهه بيده اليمنى وأبقاها جوار جسده ينظر إليها بدقة مُتناهية ربما هو المخطئ ويرى ملامح تلك الفتاة في أخرى..
دقق النظر بها كثيرًا واتضح له أنها هي بالفعل.. "إيناس"!. ابنة الملاهي الليلية صاحبة السُمعة السيئة والأفكار القـ ـذرة، التي تعرف عليها بمكان قـ ـذر لا يطيق أن تدلفه حبيبته أو شقيقته أو واحدة تابعه له، تلك التي يعرفها على حبيبته ويغازلها بعبارات وقحة خبيثة تتفهمها وتتقبلها جيدًا.. ما الذي تفعله مع "سلمى"!..
استدارت "سلمى" برأسها وهي تتحدث مع "إيناس" لتراه يقف بعيدًا قليلًا عنها ينظر إليها بدقة وعينيه كأنها مُثبتة تفكر في شيء ما ليس فقط ينظر إليها بل ذهنه شارد..
نطقت اسمه من بين شفتيها المُكتنزة وأعادت خصلات شعرها الذهبية إلى خلف أذنها ثم وقفت على قدميها تتقدم منه:
-عـامـر
سارت إليه بابتسامة هادئة كما المُعتاد منها عندما يذهب إليها وبعينين بها حيوية وحب لا مثيل لهم..
بينما الأخرى نظرت إلى المكان الذي تنظر إليه سلمى واستمعت إلى الاسم المألوف بالنسبة إليها بدرجة كبيرة تغيرها وتداعب أنوثتها كلما استمعت إليه.. وقعت عينيها عليه! إنه هو حقًا! إنه "عامر" ذلك الشاب الذي لا مثيل له صاحب السبعة وعشرون عامًا، ذلك الحيوي والخبيث، بنظراته الوقحة والماكرة، حديثه الخطر ونظراته التي تأتي بالنساء من الأعلى إلى الأسفل..
وقع على رأسها سؤال غريب بعد أن قامت بوصفه بكل ما تحبه به، كيف شخص مثله يعرف تلك "السلمى" البريئة وصاحبة الأخلاق العالية.. فاشلة في دراستها ولكنها تتمتع باحترام لا مثيل له هنا..
تابعتهم بعينيها ورأتها وهي تقترب منه إلى الغاية حتى وقفت أمامه مُباشرة..
أردفت بنبرة هادئة وشفتيها المُكتنزة تتحرك أمامه وعينيها الزيتونية تتابع خاصته:
-أتأخرت عليا ليه كده
رفع عينه إلى تلك الجالسة خلفها، ووقفت على عيونها هي الأخرى تقابله بنفس التساؤلات الغريبة المتواجدة في رأسه ثم مرة أخرى يعود إلى "سلمى" هاتفًا بجدية:
-الطريق زحمة
أومأت إليه برأسها قائلة بابتسامة:
-هجيب شنطتي واجي
لم يُجيب عليها وأبعد عينه إلى الأخرى ثانيةً فنظرت إليه بعفوية مُعتقدة أنه يريد معرفة من هي كما كل مرة للاطمئنان عليها بمعرفة مع من تُكون صداقات..
أمسكت يده وسارت مُتجهة إلى الطاولة المتواجدة عليها "إيناس" وهو يسير خلفها وعلى وجهها ابتسامة بلهاء، وقفت أمامها ثم قدمتها إليه مُشيرة إليها:
-دي إيناس أول مرة تشوفها معايا علشان جايه الكلية جديد
وقفت "إيناس" على قدميها وعلمت كيف تخفي تعابير وجهها وتابعت مع الأخرى مُبتسمة وقدمت يدها إليه:
-أهلًا وسهلًا
قدم يده إليها يتبادل معها التحية أمام "سلمى" فقط، حيث أن واحدة مثل "إيناس" بالنسبة إليها ليس لها قيمة من الأساس
أقتربت منه "سلمى" واحتضنت ذراعه بذراعيها الاثنين قائلة بسعادة وحب:
-ده عامر ابن عمي وجوزي المستقبلي
رفعت رأسها كي تنظر إليه بمرح وأكملت:
-ده لو مغيرتش رأيي يعني
كان متوترًا وليس خائفًا، لا يريد من تلك الأخرى أن تقول لحبيبته ما الذي يفعله من خلفها، لا يريد من الأساس أن يقول أنها تعرفه، ولكن عقله الخبيث يستطيع أن يقوم بحلها..
ابتسم إلى "سلمى" ورفع يده المُمسكة بها ليتبادلوا الأدوار وحاوطها بذراعه مقربها منه أمامها، ثم نظر إليها قائلًا بخبث ومكر:
-أنا شوفتك قبل كده في نايت
ابتسمت بسماجة وقد توصل إليها أنه لا يريد لها أن تعلم بما بينهما:
-أيوه وأنا كمان شوفتك فعلًا
أومأ إليها وقد فعلت ما يريد، الباقي دوره هو، عليه أن يقنع ابنة عمه بالابتعاد عنها لأنها لا تناسبها أبدًا فهي فتاة صاخبة ليست مثل الأخرى بل تعاكسها تمامًا وأخلاقها تالفة..
أخفض وجهه إلى "سلمى" قائلًا بابتسامة وصوت جاد حنون:
-يلا يا حبيبتي
أومأت إليه وأمسكت حقيبتها ثم نظرت إلى "إيناس" مودعة إياها:
-باي إيناس
أشارت لها الأخرى دون حديث، أخذها وذهب من أمامها فجلست هي مرة أخرى على المقعد تنظر إليهم وهم ذاهبين، ورأته وهو ينظر إليها بجانب عينه واعتقدت أنه في تلك النظرة يحذرها من البوح بأي شيء..
الوسيم الذي لا مثيل له والذي أعجبها بشدة، صاحب العنفوان المعروف في أي ملهى ليلي يذهب إليه وصديق الطاولة التي يهبط عليها كل المشروبات المحرمة على علاقة مع فتاة لا تستطيع أن تفعل أي شيء سوى أن تتحدث بصدق!.. شتان بينهما هما الاثنين..
كيف "عامر" ذلك بخبثه وجبروته، حضرته ومكره، شغفه ونظراته يحب تلك الفتاة ويريد الزواج منها!.. وهي التي ستغير رأيها أيضًا يالا السخرية!..
إنها جميلة، لأ خلاف على ذلك ولكن الجمال ليس كل شيء، أنه يريد فتاة مثله صاخبة، مفعمة بالحيوية والنشاط، فتاة تفكر بنفس طريقته تبادله كل الجنون الذي يريده ويعيشه.. إنه يريد فتاة تكون مثله تشرب الخـ ـمر وتحب السهر للصباح في الملاهي الليلة، يريد لا ترفض شيء وليس لديها مبادئ كي يتبادل معاها كل ما يحب..
فتاة تكون بعيدة كامل البعد عن شخصية "سلمى" البريئة المنغلقة تمامًا عن أي شيء آخر سوى الطيبة والصدق، أنها لا تعلم سوى الاحترام والحديث المنمق، ما هذه العلاقة الساخرة..
أم أنه يحب أن يكون المُسيطر!؟ تستطيع أن تفعل ذلك أيضًا..
كان في الطريق للعودة إلى المنزل بعد أن وقف عقله إلى هنا، إلى أن علم بعلاقتها مع تلك الفتاة الحقـ ـيرة التي لا يتمناها شقيقة أو زوجة لألد أعداءه..
استدار برأسه ينظر إليها بعينين حادة كي يستطيع رسم الدور جيدًا عليها:
-تعرفي البت دي من امتى يا سلمى
عاد برأسه إلى الطريق مرة أخرى وشعر بأنها استدارت تنظر إليه ثم استمع إلى نبرتها الجدية:
-من أسبوعين كده.. ليه السؤال
قال بحدة ونبرته لا تحتمل النقاش:
-تبعدي عنها
سألته باستغراب مضيقة ما بين حاجبيها وعينيها الزيتونية تتابعه:
-ليه؟
عقب على حديثها يُجيب بجدية شديدة وتأكيد ملحوظ وكأن حديثه صدق بالفعل، ونظر إليها في منتصف الحديث وعاد إلى الطريق مرة أخرى:
-دي صايعة ووسخـ* يا سلمى، بشوفها في أي نايت بروحه وبتقعد مع رجالة وبترقص بطريقة زبالة وبتشرب كمان.. ابعدي عنها أنتي من امتى بتعرفي ناس كده
استغربت كثيرًا من حديثه فردت بذهول:
-أنت متأكد؟
لم يُجيب عليها بل وجدته ينحرف بالسيارة إلى جانب الطريق ثم وقف، استدار بجسده ينظر إليها بعمق قائلًا:
-أكيد سمعتيني وأنا بقولها شوفتك وهي كمان قالت أيوه.. ابعدي عنها أنا مش هقول الكلام ده تاني
قالت بنبرة مُنزعجة وهي تنظر إليه بحزن:
-مكنتش أعرف أنها كده بجد
تابعها بعينيه الخبيثة الوقحة وقال:
-واديكي عرفتي يبقى تبعدي عنها ودي أول وآخر مرة اشوفك معاها.. سامعة!
أومأت إليه برأسها ثم استدارت تنظر إلى الأمام مرة أخرى، زفر بهدوء وقد انزاح عن قلبه حمل كبير كان لا يدري كيف التخلص منه، بقيٰ فقط تلك الحقـ ـيرة التي أقتربت من ابنة عمه حتى وإن كان بالخطأ.. هذه ستكون آخر مرة، عليه أن يبتعد عن الجميع فما حدث لم يكن متوقع أبدًا ومن الممكن أن تحدث مُجددًا.. تتقابل مع أخرى يعرفها فترسم النهاية بيدها وهو يعرفها جيدًا..
❈-❈-❈
دلف إلى غرفة شقيقته بعد أن دق الباب وأذنت له بالدخول، وقف أمامها ينظر إليها بعد أن دلف إلى الغرفة وأغلق الباب من خلفه..
يعلم أنها بعيدة عنه منذ وفاة زوجها "ياسين" ويعلم أنها تعتقد أيضًا أنه هو السبب في موته هو وعائلته كما كانت تعتقد حبيبته ذلك، الغريب أنه لم يحاول سابقًا في تبرير ذلك الأمر إليها وتركها تبتعد كما تريد.. بل ترك الجميع يبتعد عنه وأصبح في العامين السابقين وحيد تمامًا مجردًا من البشر سوى نفسه..
ولكن بعد أن علم بما فعله "ياسين" وحقيقة زواجه من غيرها شعر أنه يريد القرب منها، رأى الصدمة على معالمها وشعر بأن الحزن تملكها، بالأخص بعد عدم ذهابها إلى عملها.. قرر بعد ذلك أن يتحدث إليها.. يحاول أن يعود إليهم واحدًا تلو الآخر ربما تكتمل حياته على هذا النحو ولا تطعنه ابنة عمه في ظهره..
ذهب وجلس أمامها على الفراش ببطء وتروي لأجل جرح بطنه، نظر إليها بهدوء ثم تحدث قائًلا دون مقدمات:
-أنا عارف إنك مستغربه دخولي عندك وحتى كلامي معاكي، وعارف كمان إنك مفكرة موت ياسين كان بسببي.. اللي مش عارفه هو أنا ليه سكت كل الفترة دي بس يمكن علشان مكنتش قادر أقرب من حد بعد اللي حصل.. أنا جاي علشان ارجعك تاني ليا أو أرجع أنا ليكي وأقولك إني ماليش دعوة باللي حصل لـ "ياسين" وعمي ومراته كل ده قضاء وقدر
تابعته وهو يتحدث، رأت الصدق بملامحه وحديثه، نبرته لمست داخلها وشعر به قلبها، حركت شفتيها قائلة ببساطة توضح الواقع الذي كانوا به حينها:
-سمعت بابا وهو بيتهمك إنك أنت اللي قتلتهم.. وكلامه كان صح ومظبوط أنت هددت قبل ما تمشي وقت الحادثة إنك مش هتسكت وسلمى مش هتسافر.. كنت هتعمل ايه؟ أهي سلمى مسافرتش
تابع عيناها وقد تفهم حديثها والذي تُشير إليه، مازالت تصدق ذلك أو تريد تبرير، أردف قائلًا بخذلان وعتاب:
-أبوكي وأتوقع منه كل حاجه وأي إتهام يقوله ليا، لكن أنتي شوفتي مني ايه وحش علشان تقولي كده أو تصدقي كلامه
نظرت إلى الفراش وأبتعدت بعينيها عنه، إنه محق!.. أجابته قائلة بصدق ثم أكملت:
-مشوفتش.. غير إنك متهور
كرمش ملامح وجهه وضغط على نبرته لتظهر أكثر وضوح يؤكد على كل كلمة ينطق بها ويبرأ نفسه مما أُنسب إليه:
-مش لدرجة إني أقتل حبيبتي ومعاها أبويا وأخويا اللي هو جوزك وأمه.. مش للدرجة دي.. بس أنا مش هعتب عليكي أنا عارف إن اللي مريتي بيه صعب زيي بالظبط
رفعت وجهها إليه وسألته فجأة دون مقدمات:
-أنت بتحب سلمى يا عامر؟
سألها هو الآخر باستغراب:
-مش عارفه إجابة السؤال ده؟
أجابته بتشتت واضح تُشير بيدها أثناء حديثها:
-محتارة فيه! شوية ألاقيك بتحبها بجنون وشوية ألاقيك أقسى واحد عليها وشوية ألاقيك أحن واحد عليها وشوية تانية ألاقيك شمتان فيها
نظر إلى الأمام بعيد عنها وتابع على حديثها وهو يقدر أنها لا تستطيع فهم ما بينهم إن كان حب أو غيره:
-اللي بيني وبين سلمى محدش يقدر يفهمه غيرنا.. مهما حصل
عاد إليها مرة أخرى وأكمل بجدية وصدق معترف بكل ما قاله بينه وبين نفسه:
-متزعليش منها يا هدى إنها خبت عليكي، هي كمان عندها حق ياسين عمره ما كان زيي وطول عمره بيحاول يحافظ عليكي وعلى زعلك
تنهدت قائلة بحيرة من أمرها:
-المشكلة إني عارفه كده.. بقول مش هسامحه وأفتكر إن كل اللي عمله معايا كان كويس برجع تاني أحن ليه وادعيله
أومأ إليها مُكملًا على حديثها يشجعها عليه ثم تحولت نبرته إلى الندم:
-بالظبط يا هدى.. ادعيله.. ادعيله وبصي لحياتك بقى كفاية واحد فينا عمره ضاع
نفت ما قاله وأردفت تنظر إليه بحسرة حاولت أن تُخفيها:
-أنت لسه شباب وهي هتحي شبابك أكتر وأكتر
تنهد بعمق وزفر يقول بنبرة راجية:
-اتمنى يا هدى.. اتمنى
تابعها ونظر إلى عينيها مباشرة وهتف بندم وحب ظهر بنبرته تجاه شقيقته الوحيدة والمتبقيه إليه:
-أنا آسف على بعدي عنك.. وآسف على فكرتك الوحشة عني، أنا بحبك يا هدى ونفسي أشوفك أحسن واحدة في الدنيا
أقتربت منه سريعًا بعد استماعها إلى كلماته وكأنها كانت تريد فقط البداية وهي تكمل الطريق، عانقته بقوة وقالت بحنين وألم:
-أنا كمان بحبك يا عامر، بحبك وماليش غيرك.. كل ما أحط نفسي مكان سلمى واتخيل إنك أنت اللي مش موجود ببقى هتجنن.. أنا مقدرش أعيش من غيرك رغم كل حاجه بتحصل بينا
بادلها العناق مثلها بقوة وحاوطها بذراعيه ينعم بذلك بعد الحرمان منه وهو يستمع إلى نبرتها النادمه:
-أنا آسفة إني فكرت فيك بالشكل ده.. أنا عارفه قد ايه قلبك طيب وحنين.. بس عصبي ومتهور
ابتعدت للخلف فتابع وسألها:,
-هتتجوزي تامر؟
قالت بهدوء وهي إلى الآن لا تعرف الإجابة الحقيقية على سؤاله:
-عايزة اديله فرصة
قال بجدية يقدم إليها نصيحة الأخ بعد أن حرمها منها:
-التفكير الصح يا هدى حاولي تعيشي وتفرحي وتنبسطي وانسي ياسين.. ياسين في مكان أحسن من هنا مليون مرة
أومأت إليه توافق على حديثه ونظرت إليه مطولًا ثم ابتسمت بسعادة بوجهه فبادلها هو الآخر وعاد يحتضن إياها مرة أخرى فرحين هم الاثنين بما آتاهم، فرحين بتلك العودة الرائعة بعد انقطاع دام عامين وأكثر..
❈-❈-❈
بعد أن تخطت الساعة الثانية عشرة ليلًا في ليالي الربيع والجميع نائم، كانت معه في الحديقة الخلفية للفيلا بعيدًا عن الجميع، بعد كثير من المناوشات التي حدثت بينهم اليوم، تجلس على الأرضية العشبية الخضراء تمدد قدميها عليها براحة وهو كان نائم على الأرضية يضع رأسه على قدميها نائمًا على ظهره وينظر إليها بعينين يملؤها الحب المجنون..
حركت يدها على رأسه وأردفت بعقلانية وهي تنظر إليه بعينيها تتابع ملامحه بهدوء:
-مش كل يوم والتاني تتخانق معاه يا عامر حاول تطول بالك شوية
زفر بضيق لأنه يراها تقف دائمًا مع عمها اعتقادًا منه أنها تتبادل معه الأدوار لأنه دومًا يقف معها:
-بقولك هو اللي اتخانق معايا وطردني قدام الموظفين تقوليلي طول بالك ومتتخانقش
أدرفت بعدم اقتناع لحديثه الذي قاله لها:
-مهو أصل كلامك مش مقنع بصراحة
جلس فجأة وأبتعد عنها يقابلها ناظرًا إليها بحدة ثم قال بنبرة ساخرة:
-ما تقولي لنفسك يا سلمى.. ايه السبب في الخناقة دي مافيش أصلًا، كل ده علشان نسيت الملف في البيت وفي اجتماع مع مجلس إدارة الشركة طب ما كان يتأجل نص ساعة على ما أرجع أخد الملف لكن إزاي أنا مُستهتر ومش مركز في الشغل ومش في دماغي حاجه والإسطوانة بتاعت كل مرة قدام الموظفين اللي المفروض كلهم شغالين عندي
ربتت على ذراعه وهي تعلم المعاناة التي يعيشها مع والده، تعلم كيف تألم لبعده عنه، كيف يقضي لياليه بعد كل مناوشة تحدث بينهم، هي الوحيدة التي يقص عليها ما يشعر به وما يدق داخل قلبه من حب وحنين.. ألم وقسوة..
-معلش، أنت عارف إن عمي راجل كبير و....
قاطع حديثها بعنف وعينيه تقص عليها كم أنه قاسي القلب عليه قبل أن يتحدث حتى:
-لأ مش كبير، مش كبير ولسه مخرفش وحتى لو كبر هو كده من زمان وأنتي عارفه متحاوليش تبرري ليه أي حاجه.. وبعدين مبقاش يفرق معايا
عقبت بصدق محاولة التخفيف عنه وأيضًا إيضاح الصورة له:
-متنساش إن ده حصل بسببك يا عامر، هو بردو حاول معاك كتير وبعد اللي عملته اتقفل منك وبقى كده
وقف على قدميه وأبتعد عنها خطوة والأخرى ومن بعدها استدار يشيح بيده بهمجية صائحًا:
-كنت أول واحد يغلط أنا؟ ايه مافيش حد غلط في البشرية دي كلها غيري أنا؟ وبعدين أنتي ليه شايفه الجنب الحلو فيه هو، ما هو عالج غلطي بطريقة غلط أكتر مني.. بدل ما يبعدني عن اللي أنا فيه كان بيطردني بيخليني أروح ليه برجليا
وقفت على قدميها مثله وتقدمت منه تقف أمامه قائلة بهدوء محاولة امتصاص غضبه:
-طيب ممكن تنسى كل اللي فات.. إحنا ممكن نبدأ من جديد وهو لو لقاك متغير معاه هو كمان هيتغير، محتاج بس البداية
قال بتكبر وغرور:
-وليه متكونش البداية من عنده
أجابته بتأكيد وثقة تنظر إليه برجاء مطالبة بالاستماع إليها:
-علشان ده واجبك أنت.. أنت ابنه وهو اللي أبوك
نظر إلى وجهها، براءتها وحنيتها على الجميع، اشبع عيناه من ملامحها وابتسم بسخرية قائلًا:
-فكرك بقى أنا مش عارف اللي بتقولي عليه ابويا ده اتخانق مع أبوكي من يومين ليه!
اخفضت وجهها بالأرضية، كانت تعلم أن الخبر سيصل إليه، على الرغم من ذلك لم تستطع أن تقول إليه، فهذا لن يفعل أي شيء سوى أن يكبر الفجوة بينهم ويجعل قلوبهم تزداد قساوة على بعضها البعض، بالأخص قلب "عامر"..
أقترب منها خطوة ليكن أمامها تمامًا، رفع يده إلى ذقنها أمسك به رافعًا وجهها إليه ليجعلها تنظر إليه مرة أخرى كمان كانت، أتت عينيه بعينيها الزيتونية للحظة كانت تعبر بها عن كم العشق المجنون داخله لأجلها..
نطقت شفتيه الرفيعة بكلمات قاسية على قلبه، بنبرة خافتة خائفة وعيناه تتابع كل ما يصدر عن ملامحها:
-اتخانق مع أبوكي علشانا.. علشاني أنا وأنتي، مش عايزنا لبعض يا سلمى، بيدور على أكتر حاجه ممكن تكسرني وعايز يعملها، عايز يبعدني عنك
رأت الدموع تتجمع بعينيه، شعرت أن شفتيه تود البوح بأكثر من ذلك عن طريق الصراخ، ووالله شعرت أن قلبه مُحطم من أفعال والده..
رفعت يدها الاثنين على جانبي وجهه تحركها بحنية ورقة وابتسمت ابتسامة بلهاء وهي تُجيبه:
-ده عمره ما يحصل، بابا بيحبك وعارف إنك بتحبني ولو هو حتى سمع كلامه مع إن ده من رابع المستحيلات أنا عمري ما أسمع الكلام ده وأنت عارف كده كويس
خرجت دمعة من طرف عينه اليمنى والأخرى تهدد بالفرار كمثل شقيقتها وأردف مُتسائلًا بصوت حزين يقطع نياط القلب:
-طب قوليلي ليه بيعمل كده؟ سلمى هو اللي خلاني وحش معاه، هو اللي خلاني بقف ابجح فيه مافيش أب بيعمل كده يا سلمى.. الابن لو غلط أبوه يصلح غلطه ويفضل وراه لآخر يوم في عمره
أكمل بعد أن خرجت الدموع واحدة خلف الأخرى وهي تومأ برأسها إليه وتمسحها بإبهام يديها:
-أنا غلطت آه هو حاول يصلح مرة واتنين والتالته كانت الأخيرة.. ليه عايز ياخدك مني طيب!.. أنا بحبك.. أنا ماليش غيرك في الدنيا دي.. محدش قريب مني ولا يعرف عني حاجه غيرك أنتي وعمي اللي هو أبوكي.. أبوكي اللي أخد دور أبويا
مسحت دموعه بيدها أكثر من مرة وانتقلت إليها عدوى الحزن وأصبح صوتها خافت مقهور لأجل ما يشعر به:
-ممكن كفاية بقى بلاش نكد.. دا أنت نكدي أوي ياخي ما أنا معاك أهو، أنت عايزني أعيط
وضع يده اليمنى على وجنتها يحرك إبهامه عليها بشغف ورقه بالغة، ثم أخذ كفها الموضوع على وجنته هو وقربه من فمه يطبع عليه قبلة ساحرة رقيقة من شفتيه وقال بصوت رجولي أجش:
-أنا مقدرش أشوف دمعة واحدة منك.. أنتي اتخلقتي للحب والسعادة بس يا سلمى
ابتسمت إليه فابتسم بوجهها هو الآخر وجذبها بيده المُمسكة بوجهها إليه لتقترب منه بهدوء ورقه والشغف يقتل كلاهما، أقترب يضع قُبلة شغوفه على شفتيها الوردية المُكتنزة التي تقتله بالاغراء كلما نظر إليها..
وضع يده خلف رأسها يقربها بجنون ولهفة منه والأخرى على خصرها في الخفاء، بادلته العناق وتركته يقبلها كما يشاء في لحظة ضعف منه لم ترد أن تمنع عنه ما يريد..
وهو لم يبخل على نفسه في شيء بل فعل بشفتيها كل ما يريد وهو مغمض العينين يماثلها يحاول أن ينعم بالشعور المُسكر لكل عضو به، متذكرًا في خياله جسدها الممشوق ومعالمها الأنثوية التي تتمتع بها هي وتفتك به هو كلما رآها واشتهى قربها..
يفكر بشيء، والأخرى تفكر بقهرة قلبه وكسرته من والده، تفكر في ضعفه معها وحبه لها، انشغل عقلها برسم لوحة فنية جميلة في أثناء تقبيله لها، مكونه من الحب والشغف المجنون بينهم وفي الخلفية ضعف وحزن لا ينتهي..
مرآة الحب كما لقبها البعض كفيفة، لا نرى فيها إلا من نحب دون عيوب ودون أخطاء لأجل ذلك لم ترى أن حبه المجنون والمهوس بها يعادل شهوته تجاهها، ولم يأتي على خلدها لحظة المقارنة بين حبها الخالص له وحبه المجنون بها..
❈-❈-❈
"يُتبع"
#بين_دروب_قسوته
#الفصل_السابع_عشر
#ندا_حسن
هواء بارد يمر عليه ينعش قلبه وجلسته، بينما كان يتذكر ما مر عليه معاها في هذا المكان بالتحديد، كان عامر يجلس في الحديقة الخلفية للفيلا في نفس المكان الذي كان يجلس به معها..
يتذكر ما مر عليهم هنا في كثير من المرات وأكثرها كانت مليئة بالحب والشغف والعطاء، منها ومنه.
فرد قدميه على الأرضية وهو ينظر إلى السماء اللامعة نجومها كنجمته البهية التي يحاول استرادها، ضيق عينيه يرفع يده للمرة التي لا يعرف عددها إلى فمه بسيجارة غير الأخرى والأخرى يستنشقها بشرود، فقد كان عقله مازال معها..
ابتسم بسماجة وهو يتذكر ذلك اليوم الذي أغلق باب غرفتها وأخذ المفتاح ولم يجعل أحد يفتحه إليها بسبب أنها خسرت رهان معه، كانت جلسته هذه عبارة عن ذكريات لا حصر لها مع معشوقة قلبه التي دمرت كل شيء، التي جعلت الفراق يدق بابهم قبل أوانه وابتعدت عنه جاعله قلبه بشعر بالنيران داخله..
فراقها له كان بمثابة بركان على وشك أن يثور وينتظر اللحظة المناسبة لفعلها، وكانت هذه اللحظة تركها له.. فراقها وابتعادها عنه.
يتحدث الآن مع نفسه بكل وضوح وصراحة، في تلك السنوات التي تركته بها كان يعاني، لقد كانت أشد قسوة منه، يقسم أنه في أكثر الليالي لم يكن يستطيع النوم إلا عندما يأخذ أقراص مهدئة تساعده على النوم، كان يتجه إلى الخـ ـمر لينسى كل ما حدث، لينسى أنه أصبح وحيد من بعدها..
لقد كانت كل شيء له، والدته لم تكن قريبة منه ولا شقيقته، ووالده الجميع يعرف ما دوره بحياته، كانت هي الأم والأخت الحبيبة والصديقة وكل ما كان يتمناه، لم يكن يفرغ محتويات قلبه إلا لسواها، لم يكن يبكي بعد كل قسوة يتلقاها من والده إلا داخل أحضانها، ولم يكن يستقبل أي حنان من إمرأة سواها..
ووالدها، عمه "أحمد القصاص" والده الأول من تبنى حزنه وعنفه، تبنى ضعفه وقهرة، وأخذ منه كل الأشواك ليحاول تحويلها إلى ورود مزدهرة في محاولة بائسة من والده أن يبعده عنه مُعتقدًا أنه دون إحساس أو مشاعر فقط لأنه يقوم بالرد على حديثه المستفز الذي يحطم قلبه ويجعله ممزقًّا قكطعة قماش مهترئة مزقها صاحبها..
سُلب منه عمه وأتُهم فيه، وهو أول المضرورين بغيابه، ذهبت هي من بعده بموافقة كاملة منها ووجهت كل الإتهامات بإصبعها له وكأنها لم تعرفه يومًا، وكأنها لم ترى منه إلا القسوة والعنف..
تناست طيبة قلبه التي كانت تتحدث عنها دومًا، ومحت من ذاكرتها تلك الحنية والرقة الذي يستخدمها فقط لأجلها.. تناست كل شيء ولم تتذكر سوى أنه خائن قاتل، خان العهد معها ونظر لغيرها بعينه وقلبه ويده، وقتل جميع عائلتها وجردها من الحب والسعادة وترك معها كامل الحزن منذ البداية إلى أن أصبحت وحيدة..
سعل بصوتٍ مُرتفع مرة واحدة بعد أن كانت رئتيه قد نالت قدر كبير من الهواء الملوث وتلك السجائر التي تدمر الصحة، وضع يده على جرح بطنه الذي أشتد عليه كثيرًا جاعلة يكرمش ملامح وجهه من الألم وهو يسعل بقوة..
تنفس بهدوء وحاول أن يضبط أنفاسه ثم وقف على قدميه وحركاته بطيئة بسبب جرحه الذي عاد يؤلمه مرة أخرى، ألقى السيجارة من يده ودعسها بقدمه بقوة ثم سار مُبتعدًا من هنا عائدًا إلى الفيلا ليأخذ ادويته ويحضر داخله ماذا سيفعل معها ومتى سيكون موعد الزفاف المنتظر لكلاهما.. والذي سيجعله قريب جدًا حتى ينالها ويقتل الحرمان بداخله..
❈-❈-❈
أجتمع معهم "رؤوف" بعد تناول العشاء في صالة الفيلا الكبيرة، كان "عامر" لم يذهب إلى الشركة كالعادة ليأخذ أكبر قدر من الراحة كي يأتي بموعد قريب لزفافه على ابنة عمه، مدد قدمه على الأريكة وجلس معاكس لهم مُحاولًا أن يبقى على وضع مريح بعد أن أشتد جرحه منذ الأمس، جلسوا ناظرين إليه منتظرين الحديث الذي يريد قوله لهم جميعًا..
حمحم بوقار وهدوء ثم نظر إليهم واحدًا تلو الآخر في لحظات خلف الأخرى وهتف بجدية قائلًا:
-بخصوص موضوع غادة.. اللي قالت إنها مرات ياسين
ترقبته "هدى" ابنته وودت لو قال أنها كاذبة على الرغم من أنها في جلستها الصافية الأخيرة مع ابنة عمها تأكدت أنها على حق، دق قلبها بعنف في الإنتظار القاتل لاستماع بقية حديثه
وضع وجهه في الأرضية ثم رفعها إليهم يُكمل حديثه:
-طلعت على حق.. كانت متجوزة ياسين وزي ما قالت بالظبط هو ده اللي حصل مكدبتش في حاجه
استرسل في حديثه عندما وجدهم صامتون ينظرون إليه:
-أنا كلمتها النهاردة علشان نخلص كل الإجراءات وتاخد حقها في ياسين الله يرحمه بس..
تسأل "عامر" مضيقًا حاجبيه ينظر إليه باستغراب:
-بس ايه؟
أبصره والده بهدوء رافعًا رأسه إليه ثم أردف بتردد:
-عايزة تاخد حقها في أي فلوس أو أملاك لياسين وتفضل بأسهم في الشركة وتيجي تشتغل فيها
في صوتٍ واحد خرج من بين شفتين "هدى" و "سلمى" رافضين رفضًا قاطعًا لهذا الحديث:
-لأ
أكملت "سلمى" وهي تنظر إلى "عامر" بتوتر:
-لأ يا عمي.. لأ متوافقش على كده لو عايزة فلوس تاخد حقها وزيادة لكن تفضل قصادنا كده وفي مكانا لأ
عقبت "هدى" مؤكدة حديثها:
-بالظبط يا بابا.. تاخد اللي هي عايزاه وتمشي وإلا تروح بقى ترفع علينا قضية والمحاكم حبالها طويلة ده لو طالت حاجه يعني
نظر "عامر" إلى "سلمى" بزاوية عينيه البُنية يستغرب لهفتها الغريبة ورفضها الأغرب بكل هذه السرعة وهذا التردد والضيق! هل هناك شيء تخفيه؟
رأته ينظر إليها بنصف عينه وعمها يتابع الحديث لم تعطيه اهتمام ونظرت إلى البعيد معتقدة أنه يدلف على عقله هذه الحركات، لقد رأت نظرة "غادة" إلى "عامر" عندما كانت هنا وفي المرة الأولى لرؤيتها لها عندما كانت في الجمعية الخاصة بها.. في ذلك الوقت كان "عامر" ذاهب إليها وهي خارجة من بوابة الجمعية فوقفت تطلع عليها من نافذة مكتبها وهو يهبط من سيارته.. رأت الأخرى وهي تقف تلتف برأسها تتابعه وهو يهبط ثم يسير ليدلف إلى الداخل ولم تدير وجهها إلا عندما اختفى عن نظرها وفي تلك اللحظة ضحكت بخبثٍ استغربته..
ثم أعادت نظراتها إليه في المرة الأخرى في المنزل هنا ولكنها كانت أكثر هدوءًا ووقارًا لأن الجميع ينظر إليها ولكن "سلمى" لم تغفل عنها وعن أفعالها..
لو لم تكن كانت زوجة أخيها الراحل لما تركتها تتقدم وتدلف الفيلا من الأساس، لا ينقصهم شيء إلا أن تقول أنها تريد العيش هنا.. تنفست بصوتٍ مسموع مُتحدثة مع نفسها بأمل عن كون متى سينتهي كل ذلك العذاب؟!
أنهى عمها حديثه وهو يردف بجدية مُؤكدًا على حديثه:
-خلاص كده أنا هكلم المحامي وهو هيجهز كل حاجه ويديها حقها
رفع وجهه إلى "سلمى" وقال:
-بالمناسبة، أنا هوزع كل حاجه وأنتي يا سلمى هتاخدي حقك في أبوكي وياسين
تسائلت باستغراب تنظر إليه بعينين مُتسعة أكثر من طبيعتها:
-ليه يا عمي
تابعه "عامر" الذي تفاجئ من حديثه:
-كده يا بنتي كل واحد بقى ياخد حقه محدش يعرف ايه اللي ممكن يحصل بكره.. كل ممتلكات أبوكي هتتنقل ليكي واللي ليه في الشركة أنتي طبعًا متفهميش في الكلام ده لو حبيتي اعملي توكيل لعامر وهو يسويلك أمورك فيها
قالت "سلمى" بهدوء:
-ليه متسيبش كل حاجه زي ما هي
أجابها بعينين حزينة خائفًا من المستقبل القادم على أبنائه وهي:
-أنتي عارفة إن أنا وأبوكي كنا واحد في الأملاك والفلوس وكل حاجه.. أنا مضمنش هعيش لامتى ومش عارف من بعدي هتاخدي حقك ولا لأ يبقى تاخديه دلوقتي
اعتدل "عامر" في جلسته وقد اغتاظ من حديثه الفظ البشع الذي يلمح لأنه سيأكل حقها:
-قصدك ايه؟
أجابة بجدية شديدة مُثبتّا عينه عليه:
-مقصدش حاجه أنا كل اللي عايزة أضمن حق سلمى
صاح عصبية ظاهرة:
-وهو أنا اللي هاكله
أردف والده ومازال صوته جاد هادئ:
-وهو أنا جبت سيرتك
تابع نظرات عيني ابنه له، التي كانت تشتعل بالغضب لأنه لمح لكونه لن يعطيها حقها، وقد كان يريد أن يقول هذا الحديث في حضوره ليستفزه فيفعل معها العكس كما كان يفعل دائمًا معه، يتمنى أن تكون هذه العادة لم تتغير بعد..
وقف على قدميه وقال بصوت غاضب:
-أنا طالع.. الواحد بيسمع كلام سم
ثم ذهب خارجًا يصعد على درج الفيلا ذاهبًا إلى غرفته بعد أن مس حديث والده رجولته، يعتقد أنه سيأخذ منها مالها ويحلله له! إنه لو كان مجردًا حتى من ملابسه لن ينظر يومًا ما إلى مال يخصها..
ذلك الرجل سيجعله يذهب إلى الجنون قريبًا، في الفترة الأخيرة كان قد أعتاد على تغيره الذي أصبح أفضل بكثير من السابق، هل عاد مرة أخرى إلى ما كان عليه سابقًا؟.. يبدو أنه كبر في العمر وأصبح يأتي على عقله تخاريف كما كان يقول لابنة عمه.. الآن هو هكذا حقًا..
ابتسم وهو يدلف إلى غرفته بسخرية شديدة مُتذكرّا عندما كانت تعلل أفعاله بأنه قد كبر بالعمر، الآن يستطيع حقًا أن يقول أنه كبر وكبر وكبر.. يا له من رجل لا يُفهم..
❈-❈-❈
بعد أن تأكد عامر من أن الجميع صعدوا إلى غرفهم وهي من ضمنهم، توجه إلى غرفتها لكي يتحدث معها بعد أن نظم كل شيء داخل رأسه، ولأول مرة بحياته يفعلها معها ودق باب الغرفة قبل الدخول.. يبدو أن كل شيء تغير بينهم حتى أبسط الأمور العفوية..
سمحت للطارق بالدخول فدلف إليها وأغلق الباب من خلفه، وقفت على قدميها وابتعدت عن المقعد تقترب منه تاركه الحاسوب مفتوح على الطاولة، وقفت بالقرب منه مُتسائلة:
-في حاجه؟
تابع نظرات عينيها الزيتونية وأجابها بهدوء قائلًا:
-أسبوعين بالظبط يا سلمى يوم حداشر في الشهر الجاي هيبقى فرحنا، تلحقي تعملي كل اللي أنتي عايزاه وهجيب مهندس هو اللي يفرش الجناح فوق
تسائلت مرة أخرى بعد أن خفق قلبها وبقوة شاعرة أنه يود الصراخ عليه، ولكنها تحكمت بنفسها جيدًا:
-أنت خلاص قررت؟
بتلك العينين البُنية وبصوته الرخيم أجابها:
-أيوه وده أخر كلام يا سلمى ومش هيتغير
رفعت يدها إليه وكرمشت ملامح وجهها التي دلت على الرجاء مع حديثها ذو النبرة البريئة:
-عامر أرجوك اسمعلي مرة واحدة
عقب على جملتها التي بالنسبة إليها عفوية للغاية لكن داخله تسائل أهو أستمع إلى أحد غيرها طوال حياته؟:
-دي مش مرة أنا طول عمري بسمعلك
ترجته مرة أخرى والخوف داخلها يزداد من ناحية ذلك الحقـ ـير "هشام"، عقلها يقول لها أن تقص عليه كل ما حدث وقلبها يرفض ذلك بضراوة وقسوة خوفًا عليه مما يحدث فمازال جرحه يذكرها بما يستطيع فعله:
-المرة دي بس
ضيق عينيه عليها بوضوح وأردف بشكٍ لم يخفيه عن عينيها بل اذاعه إليها:
-ليه عايزة تأجلي الفرح يا سلمى إلا لو علشان اللي في دماغي
نفت ذلك بقوة وهي تتقدم منه قائلة بصوت ملئ بالحيوية والطاقة الآن كي تستطيع أن تدافع عن نفسها أمامه:
-لأ والله لأ.. أنا عايزة أجل دلوقتي بس شهر واحد حتى
بمنتهى البرود أجابها:
-يبقى مفرقتش شهر من اسبوعين
ترجته ثانيةً بعينين بريئة وشفتيها ترتعش:
-علشان خاطري
وقف شامخًا ولم يهتز لأجل الدموع المكونة بعينيها والتي رآها بوضوح ولم يهتز لأجل نبرتها المترددة المرتعشة بل قال بحدة وقسوة:
-مش هأجل.. الفرح يوم حداشر يا سلمى وأنا هتعامل على الأساس ده من دلوقتي حالًا
أكمل ناظرًا إليها بعمق محاولًا أن يتوصل إلى سبب رفضها الزواج منه في هذا الوقت:
-ياريت أنتي كمان تعملي زيي علشان متتعبيش
عادت للخلف خطوة وقالت بصوتٍ خافت تنظر إليه بعينين خائفة:
-ولو قولت إني مش موافقة؟
ابتسم بسخرية ونظرته توحي بالشر المُميت وذكرها بقليل من فمه يؤكد أنه سيفعل ما لا تطيق تحمله:
-هتوافقي غصب عنك وإلا أنتي عارفه أنا هعمل ايه مع أني مش مضطر لكده
أقتربت مرة أخرى واتجهت إلى أسلوب أخر معه إلا وهو اللين والرقة البالغة في حديثها معه:
-أنا عايزة نكون كويسين ونبدأ صفحة جديدة.. أنا فكرت... أنت هتتجوزني علشان اثبتلك أنا خونتك ولا لأ
كرمش ملامح وجهه ونظر إليها بقوة مذهولًا من حديثها الغير منطقي بالمرة، فحتى إن كان كذلك ولكن حبه لها أكبر بكثير:
-اعترافي بحبك ده ايه بالنسبالك؟
عارضت وهي تبعد وجهها عنه وتهتف بحديث كاذب فقط كي تأخذ وقت أكبر منه وتحاول التصرف مع ذلك الأبلة:
-مش كفاية..
قرب يده اليمنى دافعًا إياها بخفه على كتفها الأيسر وهو مذهولًا من حديثها الذي لا يستوعبه:
-هو ايه ده اللي مش كفاية أنتي مجنونة.. أنا تقريبًا مافيش حاجه مقولتهاش ليكي.. أنتي ايه؟
مرة أخرى للين كي تستطيع السيطرة عليه مضيقة حاجبيها وعينيها الزيتونية:
-أنا ولا حاجه.. محتاجه بس فرصة
ربت على كتفها بخفة وهو يتابع نظراتها التي تتحول من اللين إلى القوة، وهو متأكد تمامًا من أنها تخفي شيء عنه:
-أنا قولت اللي عندي.. تصبحي على خير يا عروسه
استدار وذهب تاركًا إياها تنظر في أثره تقف مكانها لم تتحرك، وبعد أن قام بفتح الباب والخروج منه استدار برأسه لها مرة أخرى بعينين بها الشغف والحنين إليها يمزقه قائلًا بصوتٍ خافت أجش:
-على فكرة.. أنا كمان محتاج بداية جديدة معاكي مش أنتي لوحدك اللي بتتعذبي يا بنت عمي
نظر إليها نظرة أخيرة ثم خرج من الغرفة وتركها تصارع مخاوفها من ذلك الحيوان الذي قام بمحاولة قتـ ـله سابقّا، هذا يعني أن تهديده ليس تهديد فقط بل يعني ما يقوله... إنه من دون شيء حاول قتـ ـله ماذا عندما يكون حذرها؟.. سيفعلها لا محال
كيف تستطيع أن توقف هذا الزواج؟ حدثها قلبها بكيف تريد أن توقف سعادتها التي تكمن في الزواج من "عامر" والبدء بحياة جديدة وهو نفس ذلك القلب الذي رفض البوح إليه.. ولكن عقلها اللعين قدم حياته على كل شيء، تستطيع باتحاد روحها وقلبها وعقلها أن تتخلى عن كل سعادة مكتوبة لها مقابل حياته، مقابل أن تراه أمام ناظريها يتنفس وهالته الفريدة تحاوطها..
جلست على الفراش تفكر بجدية كيف ستخرج من هذه الورطة وهو لا يقبل حتى النقاش في أمر تأجيل الزفاف.. ماذا إن قالت إنها لا تريد من الأساس، سيقـ ـتلها!؟
تنفست بعمق وارتمت بجسدها على الفراش تنظر إلى سقف الغرفة داعية الله عز وجل أن يساعدها في هذا المأزق الذي وقعت به..
❈-❈-❈
"بعد مرور الأسبوع الأول"
عاد "عامر" إلى العمل مرة أخرى، الآن يعمل لأجله ولأجل زوجته المستقبلية، لا ليست مستقبلية بل ستكون زوجته بعد أيام وهذا بعد أن قام والده بإعطاء "غادة" زوجة "ياسين" حقها في الميراث منه وإعطاء شقيقته هي الأخرى حقها في زوجها الراحل ثم بعد ذلك نقل إلى "سلمى" كل أملاك والدها وحقها الشرعي منهم غير ما كانت أخذته عن والدتها..
قد قامت هي بإعطاء توكيل منها إليه ليقوم بإدارة ما يخصها في الشركة، وهذا بعد أن قالت له أنها ستسلم نفسها إليه فلن تخاف على مالها معه..
دلفت إليه "جومانا" بوجه باهت حزين لاحظه منذ أن أتى ولكنه تغاضى عن ذلك، لا يود الاستماع إلى أي شيء يعكر صفو مزاجه خاصة إذا كان يعلم ما هو هذا الشيء..
وقفت "جومانا" أمام المكتب بعينين حزينة بها الدموع مُتجمعة مستعدة للفرار بأي لحظة، أردفت دون مقدمات بنبرة خافتة:
-هتتجوز؟ طب وأنا؟
تفاجئ من حديثها بهذه الطريقة، أعتقد أنها لن تقولها مباشرة هكذا، وضع عينيه على خاصتها دون خوف أو خجل وتسائل مُصطنعًا الاستغراب:
-أنتي ايه؟
حاولت أن تضبط دموعها داخل عينيها وأجابته بحزن عميق:
-أنا ووجودي في حياتك؟ أنا جومانا يا عامر
وقف سريعًا مُبتعدًا عن المقعد ونظر إليها بقوة غير مبالي لمشاعرها لأنه عارضها كثيرًا بأفعاله ولكنها هي التي تغاضت عنها، صرح بعدم حبه لها:
-علشان أنتي جومانا أنا لا عمري قولتلك بحبك ولا وعدتك بحاجه
فرت دموع عينيها بعد معاناة معها ونظرت إليه بقهر وحلم حياتها يفر من أمام عينيها بعد أن كانت نالته بابتعادها عنه:
-بس أنا بحبك وصعب عليا أقف الوقفة دي
نفى أنه مذنب في ذلك الأمر وصرح بحبه لابنة عمه أمامها دون حرج أو خجل بل فعلها كثير من المرات هي التي لم تعطي للأمر أهمية:
-مش ذنبي أنا بحب سلمى وأنتي عارفه أنها في حياتي من زمان وأنتي عارفه بردو إنك كنتي بتقاوحي في ده
تابعته بعينيها وهو يتحرك ليقف أمام نافذة المكتب يعطي إليها ظهره ينظر إلى الخارج، فقالت هي والدموع تخرج منها بغزارة وقلبها يموت من الألم بداخله:
-عارفه أنها كانت خطيبتك وبعدين سيبتها وأنا اللي كنت معاك مش هي
استدار إليها وهذه المرة نظر بعينين حادة قاسية لأنها بدأت في الكذب عليه وعلى نفسها فقال بجدية ولا مبالاة لها:
-عارفه إن سلمى هي اللي سابتني وعارفه إني من وقتها عايش على أمل أنها ترجعلي وعارفه إني محبتش غيرها ومش هحب غيرها وعارفه أن سلمى مافيش زيها ولا هيكون فيه من أول يوم بدأت صداقتنا فيه وأنتي عارفه الكلام ده يا جومانا الذنب مش عندي المرة دي
دق قلبها بعنف أكثر وشعرت بالألم داخله عن حق، ارتعشت شفتيها ومازالت تبكي أمامه تنظر إلى حلمها الذي يضيع منها ولا تستطيع فعل شيء، حاولت التحدث قائلة:
-بس أنا....
قاطعها "عامر" بقسوة ضارية وهو ينظر إلى عينيها الباكية بحدة واضحة وقال بوضوح:
-أنتي السكرتيرة بتاعتي وواحدة من صحابي المقربين يا جومانا ولو قربتي أكتر من كده تبقي أختي.. تتعاملي معايا على الأساس ده وأنا أعتبر نفسي مسمعتش حاجه ولا الحوار اللي حصل ده حصل من أصله
أشار إليها بيده إلى الخارج:
-اتفضلي يلا على شغلك
قابلت عينيه بعد أن كانت واضعة إياهم في الأرضية، نظرت إليه لحظة والأخرى والدموع تنساب منها بغزارة ثم خرجت وتركته غالقة الباب من خلفها..
وقف "عامر" أمام النافذة يفكر فيما فعله معها! هل عليه أن ينقلها إلى مكان آخر كي لا تكون طيلة الوقت في وجهه ويكبر ذلك الشعور داخلها؟ لا.. لا يعتقد ذلك أنه كان قاسي معها وأنهى ذلك النقاش هذه المرة بطريقة حازمة ليست كما المرات السابقة بأفعاله الهادئة وحديثه الدائم عن "سلمى"
هذا التصرف الصحيح عليها أن تنظر إلى حياتها بعيد عنه، أنه هو الآخر لديه حياته وهو أناني للغاية في هذا الأمر، لن يلتفت لسعادة الآخرين بل سيسعد نفسه أولًا.. فهو حرم منها كثيرًا..
جلست الأخرى على مكتبها في الخارج تبكي بقوة وتنتحب، لقد كان "عامر" بالنسبة إليها حلم صعب المنال، أحبته من قلبها، شعرت أنها لا ترى أي رجـ ـل في حياتها غيره.. "عامر" فقط من تستطيع النظر إليه.
حاولت دومًا بالحديث أن تجعله يبتعد عن ابنة عمه ولكنه يحبها حب مجنون لـ ليلى، ما هذا يا الله، أول رجـ ـل يدق قلبها إليه يريها العذاب بهذه الطريقة.. لقد جعلت نفسها رخيصة أمامه وليس لها ثمن.. واستكبر هو عليها وكان جلاد قاسي للغاية..
قلبها يؤلمها بشدة بسبب ذلك الشعور المُميت الذي أخذته منه، وبسبب أنه رسميًا سيكون لأخرى غيرها وهي التي حملت عنه كل الصعاب ووقفت جواره في كل شيء.. مؤكد لم تفعل هي ذلك معه بل هي تخلت عنه وتركته.. هي تركته..
ليس على القلب سلطان، وذلك الحب الغبي الذي يأتي لأشخاص لا تريدنا يكون هو عذاب جهنم على الأرض.. هو النهاية المحتومة لقلوب أرهقها الحب من طرف واحد..
قلبها أحبه وهو لم يبالي، من طرف واحد شاهدته ولم تستطع أن ترى أن قلبه مع غيرها مُعلق، بل هي تغاضت عن ذلك مُعتقدة أنها تستطيع جذبه إليها..
قهرة قلبها لا تساوي شيء في هذه اللحظات المُميتة، لقد كان قاسي القلب معها، لقد عامل كرامتها بلا مبالاة، بل هي من عاملت كرامتها بهذه الطريقة عندما ذهبت باكية تعترف بحبها له وهي تعلم أنه يحب أخرى.. هي من فعلت ذلك وليس أحد غيرها، "عامر" ليس مذنب بل معه كامل الحق.. أنه يريد السعادة مع من اختارها قلبه وفرقتهما الأيام والليالي الباردة..
لقد أبتعد عنها وأخذ الفراق حيز كبير بينما، تاركًا له قلبه فارغ والحياة مثله، تاركه ينام في فراشه وحده دون أن يتخيل طيفها معه..
لقد عانى كثيرًا في غيابها وفراقها، الآن يستحق أن يعيش السعادة جوارها، وهي ستحاول أن تبتعد عن حياتهما قدر الإمكان ولكن.. لن تبتعد عنه هو
ستظل جواره.. صديقته وحبيبته بالنسبة إليها، في وقت غياب الأخرى ستكون هي له، ستعيش معه ما يريد وستقبل بكل ما يقول.. ستكون ملكه هو فقط يفعل بها ما يحلو له..
فقط "عامر" القصاص صاحب الشخصية والنظرة الرائعة، ذو الجسد والنبرة القاتلة، مالك كل شيء وأي شيء، ذلك الخبيث الماكر الذي يفتت أجساد النساء بنظراته، والحبيب الوفي الذي لا يرى سوى "سلمى القصاص" ابنة عمه صاحبة الحظ السعيد..
❈-❈-❈
ذكريات الماضي المؤلمة لرجل قاسي القلب مثله لا تذهب من عقله، الانتقام كان همه الأكبر منذ ذلك اليوم المشؤوم الذي مر عليه مع زوجته الراحلة..
وياليتها كانت زوجة بل كانت إمرأة خائنة بائعة للود والحب الذي قدمه إليها فتحول عليها من رجل رؤوف رحيم إلى آخر قاسي القلب حاد الطباع.. لأنها تستحق..
عاد والد "هشام" برأسه للخلف ناظرًا إلى سقف الغرفة وهو يعود بذاكرته القوية التي تأتي بكل حرف نطق وكل حركة صدرت بينهما منذ سنوات وسنوات..
"وقف أمام زوجته ضاغطًا على ذراعيها بقسوة هاتفًا بعنف:
-أنتي عايزة ايه بقى؟ عايزة ايه دي مبقتش عيشه
ردت بوجهه صارخة بعنف وهي تنظر داخل عينيه بقوة:
-عايزاك تطلقني أنا مبحبكش
أردف هاتفًا بقسوة ضاغطًا على حروف كلماته مُستنكرًا:
-أنتي جايه تفتكري إنك مش بتحبيني بعد سبع سنين جواز وعندك عيل صغير.. كنتي فين وأنا بتجوزك ولا علشان هو كمان اتجوز
دققت بعيناه باستغراب مُتسالة وهي تعتقد أنه لا يدري بحبها لرجل آخر غيره:
-هو مين ده اللي بتتكلم عنه
ضغط على ذراعيها بقسوة أكبر وهو يجذبها ناحيته يصرخ أمام وجهها:
-هتستهبلي، بتكلم عن أحمد القصاص حبيب القلب اللي أهلك رفضوه ولبسوكي فيا
عاندت رافعة رأسها للأعلى تنفي حديثه:
-أنت اللي جيت طلبتني محدش لبسني فيك
تحدث بقهرة رجل يتعرض للخـ ـيانة الزوجية من إمرأة أحبها وأعتقد أنها هي التي ستكون شريكة حياته في الحزن والسعادة:
-كنت أعمى القلب والبصيرة، كنت شايف واحدة محترمة مش خايـ ـنة
عارضته بقوة رافعة أنفها وكأنها لم تفعل أي شيء بل هو المذنب:
-أنا مش خايـ ـنة
صدح صوته الصارخ بوجهها بعنف وعصبية شديدة بعد أن ترك يديها وقال:
-لأ خايـ ـنة وستين خايـ ـنة، كنتي قولي قبل الجواز إنك مش عايزاني بدل ما نظلم نفسنا ونظلم عيل معانا أنتي ايه يا شيخه
خرجت الكلمات من فمها تقذفه بألفاظ لا تقولها زوجة مثلها مذنبة أبدًا ولكنها كانت تبجح به:
-أنا بردو اللي ايه يا قاسي أنت.. أنت مفكر نفسك ايه دا أنت حيوان
قبض بيده على خصلات شعرها الغجرية يجذبها بقسوة ناظرًا إليها بغضب يسب إياها:
-هو مين ده اللي حيوان يا خايـ ـنة يا زبـ ـالة يا تربية الشوارع
أكمل مُتسائلًا باستنكار:
-بقى أنتي أهلك ناس محترمة المظاهر خداعة بردو
وضعت يدها أعلى يده فوق رأسها لتخفف من حدة قبضته على خصلاتها ولكن ذلك لا يعني أنها تشعر بالألم وتتراجع بل رفعت وجهها إليه وبأنف مرفوع قالت:
-محترمين غصب عنك
تهكم عليها ساخرًا وصوته يخرج منه ضاحكًا بألم:
-لأ واضح الاحترام بنتهم بتحب واحد غير جوزها.. دا أنا مش عارف أعيش بسببك.. مش عارف أعيش
نظرت إليه بجدية وكأنها تعقد معه إتفاق أو بينهم عمل موثق:
-طلقني وعيش حياتك براحتك
ابتسم بشر وغضب، والحزم لازم عيناه ولكنه يحاول أن يخفيه وقال بقهره وحرقة كبيرة داخله:
-مش هطلقك.. هزلك وأعـ ـذبك لحد ما تقولي حقي برقبتي.. مش أنا اللي يتعمل معايا كده.. مش أنا
سبته وهي تنظر إليه بتقزز وقرف:
-أنت حيوان وزبـ ـالة
صفعها على وجهها بكف يده بقوة كبيرة جعلتها تصرخ بين يده وهو يعقب على كلماتها بكلمات تماثلها:
-مافيش ازبل منك يا قـ ـذرة
عادت إليه برأسها تضع يدها على وجهها ناظرة إليه باستنكار ودهشة تقول:
-كمان بتضربني
ابتسم مرة أخرى قائلًا بسخرية وغضب:
-هو أنتي لسه شوفتي حاجه
ثم انهال عليها بالضربات الموجعة إليها والصفعات المتتالية على وجنتيها الاثنتين بقوة كبيرة والغضب يعمي عيناه عن الواقع وما فيه، لا يرى إلا أن زوجته خائـ ـنة، تخـ ـونه مع رجل آخر يعرفه جيدًا.."
عاد من ذكرياته المؤلمة إلى واقعة الأشد ألم، واقعة المُقيد بالانتقام ممن كانوا السبب في تخريب حياته، وكانت أولهم هي زوجته التي حولته من رجل حنون هادئ إلى آخر يُسمى بالذئب البشري، كانت أولهم في الانتقام منها ولكن لم يمسها بسوء هو فقط جعلها تقدم على الانتحار بقدميها من أفعاله بها والتي كانت تستحقها وتستحق أكثر منها أيضًا..
ومن بعدها أراد النيل من عائلة الخـ ـائن الآخر وقد فعل ولكن نسله بقيٰ منه فرد واحد لن يتركه مهما كلفه الأمر.. ولن يبقى على وعده مع ابنه الأحمق بل سيتصرف هو قريبًا..
لن يترك أي منهما يعيش سعيد بحياته وهو من قام بتحمل العقوبة وحده، لقد خربت حياته وهو شاب صغير في بداية عمره، لقد وقفت حياته إلى هنا على ابنه وأبتعد عن النساء جميعًا، فقط لأنه لم يكن يجعلها تريد شيء.. بدايةً من حبه وحنانه نهاية بالمال والمجوهرات وكل ما كانت تحتاج إليه ولكنها قابلته بأبشع العقوبات على الإطلاق فـ إلى هنا وقف قلبه عن العمل من ناحية الحب والتقرب إلى النساء، يكفي واحدة أتت اخلفت من بعدها دمار ليس بعده دمار..
❈-❈-❈
"بعد مرور الأسبوع الآخر على موعد الزفاف"
تحضر "عامر" جيدًا إلى يوم زفافه الذي سيكون في الغد، لقد كان على أتم الاستعداد لهذا اليوم منذ الكثير من السنوات، ولكن دائمًا كان يحدث ما لا يتوقعه أحد إلى أن وصل معها إلى هنا، أصبح جناحهم الخاص جاهزًا والذي كان من المفترض أن يكونوا ساكنين به منذ عامين، أصبح هو وضعه على ما يرام ولم يعد يشعر بآلام، وكل تفكيره الآن في يوم غد اليوم المنتظر والذي جعل قلبه يخفق ليلًا ونهارًا كلما أقترب الموعد..
الآن سعادته متوقفة على شيء واحد ألا وهو براءتها، يود أن يقول بينه وبين نفسه أن هذه البداية ستكون رائعة، ستكون زوجته وحبيبته وكل ما يملك مرة أخرى وهذه ستكون الأخيرة، دون فراق، دون بُعد، دون أي شيء يأخذها منه ولكن.. ينتظر أن يحصل على ما يريد ويتأكد من أنها مازالت له ثم بعد ذلك لن يقول هذا الحديث بينه وبين نفسه فقط! بل سيقوله لها وستكون الأيام القادمة أسعد الأيام عليهما..
جلس "عامر" على المقعد أمام مكتب والده الذي استدعاه إليه في المساء قبل صباح يوم الغد وتسائل بجدية:
-نعم مالك
تابعه والده بهدوء ناظرًا إليه بعينين هادئة يود أن يقول له حديث كثير ولكن سيقتصر كل ذلك في كلمات بسيطة كي يتفهمها "عامر" ويتقبلها منه:
-بكرة فرحك على سلمى.. أنا عارف إنك مش محتاج توصيه عليها، بس أنا في مقام أبوها وجبتك دلوقتي بصفتها بنتي وعايز اوصيك عليها
أعتدل في جلسته ونظر إليه جيدًا وعاد إليه نفس الشعور ذلك الذي أتاه عندما كان "هشام" هنا، قال بهدوء:
-أنت قولت في بداية كلامك أن أنا مش عايز توصيه على سلمى
عقب على حديثه بهدوء مُحاولًا أن يظهر له كل ما عليه فعله في الفترة القادمة مع ابنة عمه:
-ده واجبي يا عامر.. أنا مش هعيش العمر كله معاكم لازم أوصيك عليها ومهما عملت خدها بالراحة وطبطب عليها وخف من العنف اللي أنت فيه.. دي بنت رقيقة محتاجه ريشة تخفف عنها بيها ولما تبقى مراتك مش زي ما كانت خطيبتك والكل حواليها دلوقتي هي لوحدها معاك مافيش ياسين ولا أحمد تشتكيله منك
أكمل حديثه بجدية وهو يتابعه بعيناه ويرى نظراته الواضحة تجاهه وتعقبه لكلماته:
-حسسها إنك مكان ياسين ومكان أحمد وحسسها إنك عامر جوزها وصاحبها خليك ليها كل حاجه علشان ميحصلش زي اللي حصل قبل كده.. لو بقيت حاجه غير كده هتدور على غيرك.. مش راجل لأ علشان متفهمش غلط
مرة أخرى يتوقف عن الحديث ثم يكمل بعقل رجل كبير مر عليه الكثير ويعطي لابنه الأكبر نصائح ما قبل الزفاف عن كيفية التعامل مع زوجته بالمودة والرحمة:
-هتدور على واحدة زي إيناس من تاني وياعالم هتبقى كويسة ولا لأ.. تستغلها ولا لأ
وقال أخر كلماته وهو ينظر إليه بعينين تترقرق بها الدموع كلما أتى على ذكر رحيل عائلته:
-خليك ليها كل حاجه وعاملها بحنية أنت طيب وأنا عرفت ده وهي كمان طيبة و... ويتيمه
نظر إليه "عامر" بجدية وأحب ما قدمه إليه من نصائح وأراد اتباعها ووعد نفسه بداخله وهو يستمع إلى والده أن يفعل ذلك قدر ما استطاع فقط ليتبين له الحق من الباطل..
رأى والده وهو يقف مُقتربًا منه يلتف حول مكتبه ليقف أمامه باسطًا ذراعيه:
-ألف مبروك يا عامر ربنا يسعدكم
وقف "عامر" يقابله ثم بادله العناق يربت على ظهره ونطق قائلًا بهدوء ورزانة:
-الله يبارك فيك.. يا بابا
وكانت هذه الكلمة لها تأثير غير عادي على والده الذي يستمع إليها منه كل فترة زمنية بعيدة.. وكثيرًا يتناسى صوته ونبرته وهو يهتف بها
أحب "عامر" كثيرًا ما حدث بينهم الآن وأحب حديثه معه بهذه الطريقة ووجه عيناه وعقله على أشياء لم يكن يعرفها.. الآن في انتظار انتهاء الساعات القادمة لبداية حفل الزفاف الذي سيظهر هل دنس الثوب الأبيض؟ أم مازال ببراءته!..
❈-❈-❈
"يُتبع"
متنسوش اللايك ورأيكم علشان الفصل الثامن عشر ينزل بكرة على المدونة ♥️♥️
#بين_دروب_قسوته
#الفصل_الثامن_عشر
#ندا_حسن
"ومن الحب ما قتـ ـل"
في صباح يوم الزفاف، كانت جميع العائلة في فندق من الفنادق الملكية باهظة الثمن منذ الصباح الباكر للتحضير لزفاف أبنائهم الذي ستتحدث عنه البلدة بأكملها، لقد تم الإتفاق أن الزفاف سيكون هنا، في قاعة ملكية رائعة تسر الناظرين إليها بلمحة واحدة فقط..
أقتربت "هدى" تسير متقدمة من الطاولة في ساحة الفندق في الخارج والذي يجلس عليها "تامر" لتتحدث معه عن أمرهما..
بعد أن فكرت في كل شيء وتحدثت إلى "سلمى" مرة أخرى بعد آخر نقاش حدث بينهم وأخذت رأيها في كثير من الأمور التي تخصها وقررت أنه أولًا أنها تريد أن تعطي فرصة لذلك الرجل الذي يهتف بالحب إليها ويظهر ذلك في كل تعابيره المُقدمة إليها أو إلى أي شخص آخر من طرفها..
تريد أن تنعم بالسعادة بعد أن حرمت منها بموت زوجها والذي أنبت نفسها كثيرًا بعد تفكيرها بهذه الطريقة الصعبة والسيئة بحقها وحقه وكادت أن تعود عن قرارها وتكمل بقية حياتها على ذكراه كما كانت تريد منذ البداية..
ولكن فعلته التي علمت بها مؤخرّا وخزت قلبها وجعلتها امرأة مجروح كبريائها ومخدوعه به وبكل ما كان يفعله حتى ولو كانت متأكدة من حبه لها..
وحتى لو كان ما فعله بدافع شهامته ورجولته فهي الآخرى تستحق فرصة ثانية لتنعم بما حرمت منه وستفعل ذلك وتحاول قدر الإمكان أن تتناسى كل شيء فقد قالت والدتها مثال شعبي لتشجعها على ما أرادت في النهاية بعد معرفتهم لما فعله هو "الحي أبقى من الميت"
وستكون كذلك.. أنها أبقى منه
جلست أمام "تامر" بابتسامة وهدوء ناظرة إليه بعينيها قائلة بتساؤل:
-ازيك عامل ايه
أجابها مُبتسمّا باتساع يبادلها النظرات الهادئة:
-أنا بخير طول ما أنتي بخير
ابتسمت قائلة:
-شكرًا
قد قالت له ليلة الأمس أنها قد قررت شيء ما تريد أخباره به بعد كل تلك المدة التي كانت مُشتتة بها تعود وتبتعد، تسائل قائلًا:
-قوليلي بقى ايه اللي قررتيه وكنتي عايزه تقوليلي عليه
أقتربت من الطاولة رافعة يدها الاثنين عليها متشابكين ببعضهم وقالت بجدية وهدوء:
-أنا كنت عايزة أقولك إني موافقة نتجوز مش بس تعارف ولا خطوبة
تابعها بعينيه وهي تتحدث هكذا ببساطة شديدة فنظر إليها مستنكرًا مذهولًا يقول:
-بجد؟
أومأت إليه برأسها قائلة بابتسامة عريضة وهي تتابع حركاته المُستغربه:
-آه بجد
مرة أخرى بعدم تصديق يقترب هو الآخر من الطاولة ليقابلها بالقرب منها قائلًا بنبرة خافتة مرتعشة:
-قولي والله العظيم!
ابتسمت أكثر باتساع وقالت كما يريد:
-والله العظيم وافقت
اندفع قائلًا بقوة ولهفة عاشق ينظر إليها بعينين لامعة للغاية:
-أنا بحبك أوي.. بحبك جدًا
وضعت عينيها على الطاولة تنظر في الفراغ بها بعيد عن عينيه بعد نطقه لهذه الكلمات التي من المفترض أن تبادله بمثلها ولكنها إلى الآن لم تشعر بذلك..
رفعت وجهها قائلة بهدوء وبساطة:
-طيب بص.. بعد فرح عامر نكتب الكتاب بس، أنا مش عايزة أعمل فرح إحنا نعمل كتب كتاب عائلي وبس
اندفع مرة أخرى بلهفة موافقًا على حديثها بجدية:
-وأنا موافق طبعًا.. أصلّا الأفراح ملهاش لازمه
عاد مرة أخرى ينفي حديثه السابق يستثني شقيقها ناظرّا إليها:
-ماعدا فرح أخوكي طبعًا
أجابته ساخرة محركة رأسها للأمام باستنكار بعد عودته في حديثه:
-ياشيخ!
أومأ إليها قائلًا بجدية ثم مرة أخرى أعاد عليها السؤال بلهفة أكبر غير مُصدق لما قالت من حديث:
-آه والله.. أنتي بجد موافقة خلاص كده هتنجوز؟
أومأت إليه مرة أخرى برأسها مُستمتعة بحركاته وعدم تصديقه ذلك وكأنه فاز بشيء ثمين ولا يصدقه:
-آه
ابتسم هذه المرة بجدية وتحدث بصوت رجولي واضح وصريح إليها وهو يتابعها بنظراته المُحبة:
-مش هتندمي أبدًا إنك وافقتي تديني فرصة يا هدى.. أنا هشيلك في عنيا
ابتسمت قائلة بمجاملة بعد حديثه ذلك:
-تسلم عيونك
جلست معه كثير من الوقت تتحدث في أمور عدة ببعض المرح منه والخجل منها، تهتف بكل ما يخطر على بالها مع التحفظ الشديد على الحديث الآخر الذي ربما يصدر عفويًا منها مثله، وتحفظت أيضًا على كل ما علمته عن زوجها الراحل لأنه لا يخص أحد غيرها هي وعائلتها ولا تريد أن يظهر أمامه بأي صورة قد تخدش صورته الأصلية الأولى لدى الأشخاص القريبين منه والذي يعرفونه جيدًا..
بعد ذلك ذهبت إلى "سلمى" التي كانت تتجهز منذ الصباح مع فريق كامل لفستان الزفاف وزينة وجهها ومصففي الشعر الذين جلبهم "عامر" خصيصًا لأجلها.. لأجل أن تكون ملكة متوجه في ذلك اليوم الذي لا يعرف كيف ستكون نهايته عليهم..
❈-❈-❈
بعد أن طلبت "سلمى" من جميع العاملات معها أن تستريح قليلًا جلست على الفراش في الغرفة تعبث بالهاتف الخاص بها تبصر كل هذه المواقع التي تعلن عن حفل زفافهم الليلة، إلى هذه اللحظة قلبها لم يسكن داخل قفصها الصدري لحظة واحدة..
في البداية وحتى بعد أن قرر "عامر" موعد يوم الزفاف ظلت تحاول وتحاول في الفترة الماضية أن تؤجل ذلك، افتعلت المرض، والانشغال، وتحججت بنفسيتها السيئة ولكنه كان على علم أنها كاذبة فقط تريد تأجيل الموعد ويجهل السبب في ذلك..
حاولت كثيرًا وهو لم يرضخ ولو مرة واحدة، كان الخوف ينهش قلبها كلما تذكرت وتزقزق عصافير معدتها من التوتر والقلق.. لكن ما بيدها أي حيلة كي تفعلها، لقد يأست وتركت الأمر إلى الله بعد أن حاولت معه كثيرًا..
ثم بعدها حاولت في التفكير لفعل شيء بعيد عن "عامر"، فكرت في "هشام" الذي يقلق منامها ويوتر قلبها وعقلها، ذلك الذي هددها أنه لن يتركه لو تزوجت منه، ما الذي تستطيع فعله معه؟ ما الذي من الممكن أن يوقفه عن حده ويبعده عنها إلى الأبد..
تستغرب كثيرًا، هي لم تفعل به شيء، كان الممكن أن تقول أنه يحبها وهي من ابتعدت عنه بعد أن وعدته أنها ستتزوج منه ولكنه أعترف أنه لا يحبها من الأساس إذًا لما كل ذلك؟ لما ينتقم منها بهذه الطريقة!..
قلبها كان كشمعة مشتعلة في الأيام المنصرمة، تحترق كل لحظة والأخرى وتتأكل تاركة من خلفها بقايا قلقها ورهبتها..
استسلمت لواقعها المرير بعد كثير من المحاولات مع عقلها والاثنين، قطعت علاقتها بذلك الحقيـ ـر وابنة عمه وابتعدت نهائيًا كي لا يصلها منه أي معلومات تزعجها أو يحاول تعكير صفوها وتركت الأمر بأكمله إلى الله داعية إياه أن يمر اليوم على خير ويخرج الجميع من هنا سالمين ثم بعد ذلك تفكر فيما سيحدث..
لأ يشغلها أكثر من ذلك، حتى ما سيحدث بينها وبين "عامر" لا يشغلها نهائيّا لأنها متأكدة من أنها مازالت ذلك الملاك البريء الذي كان دومًا يتحدث عنه ويقول إنه يخصه هو وحده.. مازالت نفسه..
وقفت عن الفراش وابتعدت عنه واقفة أمام المرآة تنظر إلى هيئتها الجديدة، لقد اكتسب شعرها في الفترة الأخيرة طولًا ملحوظًا ولم تكن تقوم بتقصيره كما كانت تفعل منذ وفات والديها بل فعلت المفاجأة الكبرى ألا وهي قامت بصبغة باللون الذهبي وهذا كان لون خصلات شعرها الأصلية منذ البداية ولكنها كانت تحب التغيير الدائم جعلته أسود حالك، وجعلته بني يخالطه الذهبي وجعلته بني فقط وقامت بتقصيره ومرة أخرى بترك خصلات قصيره على جبهتها وهذا ما كان يكرهه "عامر" كان يطالبها دائمًا بترك خصلاتها طويلة بلونها الأصلي لذا بعد وفات والديها ومعرفتها خيانته قامت بتقصيره إلى نهاية عنقها ملامسًا أكتافها.. واليوم أرادت أن تجعله سعيدًا.. مقررة أنها حقًا ستكون بداية جديدة
تابعت هيئتها في المرأة بابتسامة، لقد كانت الخصلات الذهبية رائعة على ملامح وجهها الخلابة، البريئة والجريئة بذات الوقت..
نظرت إلى جسدها المخفي معظمه داخل ثوب أبيض حرير يصل إلى ركبتيها، لم يبقى سوى أن تعود ذلك البطل الذي كان يناديه وتستقبل وزن آخر غير الذي فقدته لتبرز معالم أنوثتها من جديد بعد أن فقدتها قليلًا بفقدان وزنها..
نظرت إلى الساعة ووجدتها تقترب من الموعد بسرعة، فذهبت إلى الخارج لتستدعي الفريق المتكامل الذي كان معها لتبدأ بالاستعداد إلى الحفل المنتظر والمقام على شرفها..
دلفت إلى الداخل بعد أن قامت باستدعائهم من الغرفة المجاورة وجلست على المقعد أمام المرآة للاستعداد لما هو قادم..
تشعر أنها في اللحظات القادمة عليها ستكون كفراشة أخذها أحدهم قاسي القلب وقام بوضعها في علبة محكمة الغلق لمدة عامان وما كان منها إلا أن تستسلم، والآن أتى آخر رقيق القلب وقام بفتح العلبة لتخرج بأجنحة مُهترئة تحاول الصمود وتتطاير فوق الورود المزدهرة في حديقة ليس بها إلا أشواك.. تحاول أخذ الجميل منها فقط..
وعدت نفسها أنها ستبذل كل جهدها لتكون سعيدة معه وبقربه، وعدت نفسها أن تعوضها عن كل ما مر عليها، عن فراق عائلتها التي تفتقد وجودهم في يوم كهذا، تفتقد والدها كثيرًا فقد كانت تتمنى أن يقدمها إلى "عامر" بيده ويقوم بتوصيته عليها، فهو يستمع إلى حديث والدها ولو كان سيف على رقبته، كانت تود والدتها أن تراها بثوب الزفاف، شقيقها يراقصها على الأنغام..
تنهدت بصوت مسموع وتمتمت بالدعاء لهم بالرحمة تصبر نفسها بأنهم في الأعلى بأفضل حال وأنها في يوم من الأيام ستذهب إليهم..
الآن لتتناسى كل ما يعكر صفوها وتبتسم لما هو آت مع رفيق دربها..
❈-❈-❈
تابع اقترابه من والده الجالس على الأريكة بوجه مكفهر قاسٍ يظهر عليه الغضب الشديد..
رآه وهو يجلس على الأريكة المقابلة له بوجه خجل ناظرًا في الأرضية مُبتعدًا بوجهه عنه بعد فشلة الذريع الذي كان لا يتوقعه..
عاد للخلف برأسه وظل يتابعه بعيناه القاسية ولم يتركه إلا وهو يردف بنبرة ساخرة:
-ايه.. شايفك باصص في الأرض، فين اللي أنت تعمله وواثق منه
تابع حديثه ساخرًا أكثر مُستهزءًا به يعزز عقدة النقص بداخله أكثر وهو يجعله يشعر بمدى فشله:
-آه دا أنا نسيت أن فرحها النهاردة، يلا تعوضها المرة الجاية بقى
اندفع الآخر يهتف بعصبية وحرقة ظاهرة بوضوح على ملامحه وفي نبرة حديثه:
-هعوضها.. هعوضها وهتشوف
تهكم عليه والده في بداية حديثه ثم أكمل ساخرًا:
-يا واثق أنت.. بلاش فشخرة كدابة هو أنت عارف تعمل حاجه يا خايب
صاح "هشام" بصوتٍ عالٍ وغضب شديد يتبعه لاجل حديث والده الذي يقلل منه:
-متقولش خايب.. هو ابن عمها ده اللي لحقها مني
اندفع للأمام على حين غرة وهو ينظر إليه بقسوة داخل عيناه المتشابهه معه وقلل منه وهو يكبر في الآخر:
-علشان ناصح.. طول عمره وهو ناصح بيعرف يلتقطها في الوقت المناسب
هذا ما كان ينقصه، أن يُقارن بذلك الأبلة السكير من قبل والده الذي من المفترض أنه يعرف بكل ما عاناه:
-تمام قول براحتك، بكره تشوف هعمل ايه
عاد والده للخلف مرة أخرى وابتسم قائلّا:
-بكرة بقى لما تتقابلوا في الجنة
عقب على حديثه الآخر بثقة:
-لأ على الأرض وحياتك
ضيق ما بين حاجبيه واستهزأ به مرة أخرى ساخرًا:
-ايه هتخليها تخون جوزها معاك! دا أنت معملتهاش قبل الجواز
تابع الآخر بنفس الثقة والتأكيد الذي لا يعرف من أين يأتي بهم:
-هتشوف أنا هعمل ايه
قال والده بلا مبالاة وعدم اهتمام لحديثه الذي استمع إليه كثيرًا من المرات:
-لأ ابقى شوف أنت لوحدك.. ده لو لقيتها عيشالك
نظر إليه بجدية واعتدل في جلسته بعد حديث والده الذي عبث بأذنه فسأله بجدية:
-أنت عملت ايه
ابتسم والده بغل وحقد كبير، لم يكن يومًا يعرفه ولكن قسوة الأيام عليه هي من قادته إليه:
-النهاردة هتسمع خبرها.. في الفرح هنسمع الصويت بدل الهيصة ويبقى مات نسل أحمد القصاص
انتفض واقفًا بلهفة وخوف وصرخ بوالده عاليًا والغل انتقل إليه في لحظة واحدة ليظهر كذئب يريد الانتقام من فريسة هاربة:
-اوعى تعمل كده.. اوعى أنا لسه معملتش اللي أنا عايزة.. أنا ليا حق عندها لازم اخده بايدي
وقف والده أمامه هو الآخر يجادله في الحديث مذكرة بعدد المرات التي تركه بها يفعل ما يشاء ولم يستطع:
-أنا اديتك الفرصة مرة واتنين ومعرفتش
لم يهتم بما قاله بل تابع عيناه مُتسائلًا بلهفة:
-وصيت حد يعمل كده؟
أومأ إليه والده بالإيجاب مؤكدًا حديثه:
-آه
أشار إليه بيده بعصبية وغضب وصوته عالٍ وهو يقدم قدم منه ويؤخر الأخرى:
-إلغي.. إلغي ده سلمى ماينفعش تموت دلوقتي.. لازم انتقم.. لازم أخد حقي
عارضه والده وقال بجدية وقسوة مُعترفًا بخيبة ابنه الوحيد الذي لازمه الشعور بالنقص:
-مش هلغي حاجه.. أنت خايب مش عارف توقعها بقالك كتير المرة دي جه دوري
أقترب منه ووقف جاعلًا عينه بعين والده بقسوة شديدة تماثله، لازمه الشعور بالانتقام منذ الصغر على يد والده، ليس الآن وقت التخلي، هدده بجدية شديدة وقسوة في الحديث:
-لو مرجعتش هروح القسم دلوقتي حالًا وأعترف بكل اللي عملناه
صرخ عليه والده وهو يتقدم منه مُمسكّا بذراعه بقسوة وعنف متابعًا عيناه بعينين مُتسعة مذهول مما يفعله ولده:
-أنت اتجننت
نفض ذراعه منه وأردف صارخًا بجنون وعنفوان وعقله رافضًا التخلي عن فكرة الانتقام بيده:
-اه اتجننت إلغي بقولك
وقف والده ناظرًا إليه بجدية وعيناه لا تتحرك من على خاصته والآخر بادله ذلك مُقررًا أنه لن يتراجع مهما كلفه الأمر وحتى إن وقف أمام والده بهذه الطريقة، لحظات والأخرى ولم يتراجع فلم يجد والده حل آخر غير أن يتراجع هو عما أراد فعله، لا يريد خسارة ابنه بهذه الطريقة وتكون ابنة "أحمد القصاص" هي السبب بذلك كما كان والدها السبب في كل شيء سابقًا..
عاد للخلف وأخذ الهاتف من على الأريكة ثم عبث به وهو يرفع نظرة إلى ابنه كل لحظة والأخرى بغضب لأنه جعله يفعل ذلك رغمًا عنه..
وضع الهاتف على أذنه وأردف بعد لحظات بجدية ووضوح:
-إلغي اللي اتفقنا عليه النهاردة
أخفض الهاتف من على أذنه بعد حديثه ثم نظر إلى ابنه وتابعه بعيناه بشك وقلق وهتف بما جال بخاطره بتسائل:
-أنت حبيتها ولا ايه
استنكر "هشام" حديث والده الغير منطقي بالمرة، ألا يعلم أنه لا يريد منها شيء غير الانتقام! الانتقام الشديد الذي يجعلها تتمنى الموت ولا تراه، قال بقسوة وغل والحقد يسير بدمه:
-حبيت مين دا أنا هشرب من دمها.. مش هموتها كده بالساهل.. لازم تتعذب، تتعذب زي ما أنا اتعذبت
أكمل بقهر وداخله يخطط أن يجعلها تشعر بذلك الشعور الذي لازمه طوال حياته بسبب والدها ووالدته!.. أليس من العدل أن تشعر هي الأخرى مثله!:
-لازم تتمنى الموت على أيدي.. لازم تحس باللي حسيت بيه بسبب أبوها.. لازم تشوف الويل مش تموت كده بالساهل
ردد بكره وقسوة وهو يجلس على الأريكة تحت بصر والده الذي يرى الانتقام والعنف يشعان من عيناي ابنه:
-مش بالساهل أبدًا
❈-❈-❈
أتت اللحظة الحاسمة، بعد كثير من الوقت الذي مر عليها في الغرفة تتحضر إلى ليلتها الأولى وبداية دلوفها عش الزوجية، بعد أن أصبحت أجمل عروس على الإطلاق قد يراها أي شخص..
انبهر الجميع بها وبمظهرها الخلاب بعد أن انتهت من كل شيء ووقفت أمامهم عروس ملاك خارجة من الجنة، ذهب الفريق الذي كان معاها خارجين من الغرفة إلى الأخرى، لن يذهب منهم أحد حتى إذا احتاجت لهم تلقاهم..
دلفت "هدى" ومعها والدتها والاثنتين عندما وقعت عينيهما عليها حل عليهم الانبهار الفظيع، لقد ظهر ذلك على ملامحهم بوضوع ورأت كأن الصاعقة حلت عليهم..
اتسعت عيني زوجة عمها وهي تقترب منها بلهفة قائلة بحنان وقلق:
-بسم الله ما شاء الله.. يغذي العين قول أعوذ برب الفلق
تقدمت من خلفها "هدى" ناظرة إليها باتساع كوالدتها تهتف:
-ايه ده يا سلمى ما شاء الله ولا شوفت ولا هشوف عروسة في حلاوتك يا بخته عامر والله
كانت تعلم أن مظهرها رائع لقد انبهرت هي نفسها بعد أن تجهزت، تعلم أنها ملامحها بريئة وجميلة ولكن زينة الزفاف الهادئة والثوب وكل ذلك جديد عليها فظهرت به في احسن صورة..
تسائلت تنظر إليهم بتوتر:
-بجد؟..
أجابتها "هدى" بثقة وتأكيد:
-آه والله العظيم
تسائلت ثانيةً تتابعهم بعينيها:
-فين عمي؟
عقبت على سؤالها زوجته تشير إلى الباب:
-واقف مستنينا على آخر الطرقه عند السلم.. والفرح مليان معازيم من كبارات البلد
أردفت بنبرة قلقة وعينيها تلتفت من هنا إلى هنا:
-الحراسة واقفة واللي بيدخل بالكارت بس صح؟
أومأت إليها "هدى" وقالت:
-يلا بينا عامر وبابا والناس مستنية
تحركت "سلمى" خطوة للأمام فاوقفتها زوجة عمها وهي تضع يدها فوق رأسها قائلة:
-استني لما أقرأ عليكي قرآن أخاف من الحسد
وقفت "سلمى" مُبتسمة تبادلها "هدى" منتظرة أن تنتهي زوجة عمها مما تفعل..
لحظات ثم انتهت وأخذتها تسير بها إلى الخارج، ذهبت بالرواق المؤدي إلى درج السلم والذي يقف في بدايته عمها لكي يأخذها ويسلمها بيده إلى ابنه الذي أوصاه عليها في الأمس وسيفعل اليوم أيضًا..
لم يكن معاها أي شخص آخر سوى زوجة عمها وابنته، لم تفلح يومًا في تكوين صداقات قوية على الرغم من أن الجميع يتمنى ذلك، ولكن لم تستطع هي فعلها كانت فقط لديها صديقة قامت بتخريب حياتها..
وقفت أمام عمها الذي وصلت إليه وعندما نظر إليها تتالت الدموع خلف بعضها من عينيه وهو يراها بتلك الهيئة الفاتنة التي تخطف الأنفاس..
ذكرته بوالدها، شقيقه ورفيق عمره الذي ذهب وتركه وحده وترك له أمانه في رقبته إلى يوم أن يذهب إليه، وكم كانت هذه الأمانة رائعة جميلة مطمع للجميع..
أخذها في عناق طويل وهو يبكي كثيرًا ويهتف مُعترفًا بجمال صنع الله بها:
-سبحان الخالق.. سبحانه يا سلمى
قالت مازحة والدموع ترفرف بعينيها الزيتونية:
-عمي أنا هعيط والميكب آب بتاعي هيبوظ
أبتعد عنها ضاحكًا ثم مسح على وجهه يزيل دموع عيناه ونظر إليها:
-لأ وعلى ايه.. ألف مبروك يا حبيبتي
ابتسمت إليه وبادلته كل الحب الذي يلقيه عليها قائلة:
-الله يبارك فيك
سارت زوجته وابنته في الخلف وهبطت هي من أعلى الدرج تتأبط ذراع عمها "رؤوف" مرتدية ثوب زفافها الأبيض ذو المظهر الرائع الخلاب، يلمع من الأعلى إلى الأسفل وكأنه مرصع بحبات اللؤلؤ والماس، يتناسب مع قوامها الممشوق يلتصق عليها ضيق من الخصر يظهر قوام جسدها جيدًا ويهبط فقط من الأسفل باتساع طفيف يلتف حولها على الأرضية بطوله الملحوظ، ومن جانبيه مع ظهره من الخلف طبقة أخرى رائعة المظهر تعطيه الشكل المنفرد من الخلف بشدة، ذراعيه من القماش الشفاف اللامع كما مقدمة صدره، يعلو خصلات شعرها الذهبية طرحة الثوب الأبيض الذي تهبط من فوق رأسها إلى الأرضية بشكل دائري رائع..
كل هذا وأكثر تحت نظرات العاشق الملهوف الذي يقف في نهاية الدرج ينتظر إياها تأتي إليه، كل هذا وأكثر مؤثرًا على عينيه، لقد رأى عروسه ولكنها خارجة من الجنة مُتنكرة في هيئة أجمل ملاك متواجد بها..
عينيه رأت خصلات شعرها الذهبية، متى فعلت ذلك؟ متى قامت بتغير لون خصلاتها إلى الذهبي المفضل إليه؟ تركت العنان لخصلاتها في الخلف مع دبوس شعر به لؤلؤ وماس كما الفستان يسلب أنفاسه منه..
يعلم طوال حياته أنها لا مثيل لها بجمالها الطبيعي والخلاب ولكن إلى هذه الدرجة؟ قلبه هكذا لن يتحمل!.. لقد بدت رائعة المظهر، جميلة وبريئة، كيف له أن يكون قاسٍ على ريشة بريئة كهذه؟ كيف له أن يفعلها..
هي الآخرى تهبط الدرج وتنظر إلى وسامته، شعره الأسود اللامع المصفف بعناية، ذقنه النابتة الذي لا يقوم بحلاقتها فقط عدل عليها، هيئة ككل وبدلته السوداء الرائعة عليه، لم يكن هذا جديد بل هو هكذا دائمًا، وسيم ورائع وفارع الطول لن تنسى هذا..
وصلت إليه ووقفت امامه مع والده، نظرت إليه تبتسم بخجل وكأنها فهمت كل ما يقوله داخله، لقد أطال النظر بها حقًا..
استمع إلى والده يقول بجدية:
-سلمى معاك يا عامر مش هوصيك عليها أنا قولتلك كل اللي عندي امبارح
نظر إليها بانبهار ومازال في حالة تخبط من هيئتها ثم عاد إليها مُقتربًا منها يقبل أعلى رأسها بحنان بالغ وشغف لا نهائي يدعوه لترك الزفاف الآن، أردف بصوتٍ مبحوح داخله:
-سلمى في عيوني
أخذها من ذراعها بعد أن أعطاها باقة الورود البيضاء التي كان ينتظرها بها ثم ذهب بها ليدلف إلى قاعة الزفاف الكبيرة والشاسعة، ومن هنا بدأ العرس وليلة الزفاف الرائعة تحت أصوات الموسيقى والأغاني التي تعبر عن كل لحظة تمر عليهم مع فرحة الجميع وسعادتهم..
لقد كانت القاعة في أكبر الفنادق في البلدة، مرتبة ومنظمة وهيئتها رائعة بها ورود ومفروشات وأضواء لا مثيل لها، حتى الطاقم المتواجد بها رائع ويؤدي واجبة بحب، لم يكن بها أي شيء ملحوظ تستطيع أن تقول لقد غفلوا عنه..
لحظات تمر والأخرى عليهم والجميع في حالة سعادة لا نهائية، كل المتواجدين هنا من الأهل الأحباء والأصدقاء والمشاركون لهم في عملهم، لم يقوموا بدعوة فرض واحد يعلمون أنه لا يكن لهم الحب وللحق كان لهم التوفيق في ذلك.. كل من هنا سعيد لأجلهم.. إلا شخص واحد!..
رأتهم وهم يقفون وتمسك بيدها يعدل معها ثوب زفافها وأخذها إلى ساحة الرقص لتتراقص بين يده مُقتربة منه على أصوات الموسيقى الهادئة التي تدلي بالكلمات الرومانسية وهي تدندن معها وتنظر داخل عينيه وتلمسه بكل حرية وهو يفعل المثل بعد أن قاموا بعقد قرآنهما قبل لحظات..
كانت "جومانا" الوحيدة التي تتابع ما يحدث بحزن شديد، وحرقة قلب لم تشعر بها إلا عندما تعرفت عليه وأحبته.. هو من أخلف كل ذلك بها ولكنها لن تصمت، لن تترك حبها يذهب هكذا لو مهما كلفها الأمر، لن تخرب حياته وتكسر سعادته فقط ستجعله يحيي سعادتها هي الأخرى..
وهو يرقص معها ويده تلامس خصرها مُحاوطًا إياها رفع عينيه البُنية الملهوفة عليها يقول:
-شكلك خطفني.. مشوفتش ولا هشوف عروسة بالجمال ده
ابتسمت بخجل وكأنه أول مرة يغازلها وقالت متابعة عينيه:
-أنت كمان شكلك عريس بجد
تناسى كل ما كان يهتف به ورأى نفسه يريد قول هذه الكلمات والآن:
-سلمى أنا عايز انسى كل اللي فات، كأنه محصلش كأننا لسه زي ما إحنا وده معاد فرحنا من سنتين.. أنا بحبك أوي يا سلمى
اتسعت ابتسامتها بقوة ولمعت عينيها بتلك المبادرة الذي خفق لها قلبها وقالت:
-أعتبرني نسيت يا عامر.. أنا كمان بموت فيك
لحظة فقط كان ينظر إليها بها ومن بعدها وجدت نفسها في عناق حاد يكاد أن يكسر أضعها ومن خلفه أخفى صوت التصفيق الحار صوت الموسيقى العالية..
ابتسمت بسعادة شديدة وبادلته العناق متناسية كل شيء قد حدث سابقًا..
❈-❈-❈
دلف خلفها من باب الجناح الخاص بهم، الذي كان مُجهز منذ عامين لاستقبالهم فيه كزوجين، انتهى العرس الذي خطف أنفاس الجميع، لقد كان مجهز على أعلى مستوى وهو من حرص على فعل ذلك، لقد كان عرس رائع بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بداية من المكان الذي كان أكبر فندق في البلدة، وتصميم القاعة والتجهيزات المتواجدة بها، وما جعل العرس أجمل وجودهم مع بعضهم البعض وظهورهم في أحسن صورة..
وقد حدث كل ذلك بعد أن تأكد من براءتها وعلم أن كل ما حدث كان مجرد خطة قذرة رسمت من قبل صديقتها وابن عمها ليفترقوا عن بعضهم ولتكن هي وحدها منفصلة عنه، لتقترب منهم ولينالوا ما أرادوا منها..
وقد علمت هي الأخرى أنه بريء ولم يخونها، لم يفعل أي شيء وحاول طيلة الوقت أن يجعلها تتفهم ما الذي تفعله صديقتها من خلفها لكنها لم تستمع إلى حديثه.. إنما الآن كل شيء اختلف وعادت الأمور إلى طبيعتها وأفضل من السابق، الاختلاف الوحيد هو عدم وجود عائلتها معها ولكن كان هذا قضاء الله ولا تستطيع الإعتراض عليه.. رحمة الله عليهم..
أغلق باب غرفة النوم بعد أن دلف إليها معها، استدارت تنظر إليه مُرتدية فستان عرسها الرائع عليها، مظهره يخطف الأنفاس مع جمالها الغير طبيعي بالمرة بعد أن أعادت لون خصلاتها الطبيعية مرة أخرى وأصبح لونها ذهبي..
بعينيها كانت تُلقي عليه النظرات المصاحبة للخجل المُميت خصوصًا بعد تصالحهما معًا وعودت الأمور إلى طبيعتها واعترافهم بالحب لبعضهم من جديد، اخفضت عينيها الزيتونية عن خاصته إلى الأرضية بخجل واضح وابتسامتها مهزوزة ولكنه رأى القلق واضح أكثر من كل شيء على ملامحها الرقيقة..
أقترب منها بخطوات ثابتة وعيناه عليها لم تتحرك، وقف أمامها وأمسك بيدها الاثنين بين يده، عينيه تهتف بالحب الموجود داخله لها، ملامحه توزع تبسُمات رائعة خلابة إليها..
حمحم بخشونة ثم ضغط على يدها الاثنين مُحركًا شفتيه وعيناه البُنية عليها قائلًا بحنان مبالغ فيه:
-ألف مبروك يا بطل.. أخيرًا بقيتي ليا وبرضاكي
ارتعشت شفتيها المُكتنزة وهي تُجيبه قائلة وعينيها تنظر في الأرضية:
-الله يبارك فيك.. مسمعتش يا بطل دي من زمان أوي
ترك يد من يديها الاثنين وقدم كف يده إلى وجهها أسفل ذقنها ليرفعه إليه ويجعلها تنظر إليه بعينيها دون خجل وبحنان خالص وشغف لا نهائي ناحيتها:
-اتعودي عليها بقى من يوم ورايح
ابتسمت بخجل وقلق أكثر منه، وخوف أتى من بعده لتقع في موقف لا تحسد عليه، زقزقة عصافير بطنها وهي تراه يقترب منها ويده مازالت تتمسك بوجهها..
زحف الخوف ببطء إلى قلبها وتربع داخله، القادم لا تطمئن له!!..
ترك يدها وعاد بيده اليسرى إلى خلف خصرها يتمسك به ضاغطًا عليه مُقربها منه ويده اليمنى مازالت تتمسك بوجهها ليجذبها ناحيته أكثر، استنشق عبير أنفاسها الساخنة التي تخرج بلهاث لا يدري ما سببه..
أقترب منها بشفتيه واضعًا إياهم على خاصتها بحنان ورفق، بشغف وجنون وكل الكلمات مضادة لبعضها في ذلك الموقف.. قلبه لا يطيق الإنتظار وجسده يحترق شوقّا للمساتها الحنونة الذي حُرم منها منذ زمن.. لن يستطيع أن يكون هادئ أكثر من ذلك..
أقترب منها بلهفة عاشق قتله الإنتظار للتمتع بأحضانها وقربها منه، أقترب بشغف مجنون عاش بعيدًا عن حبيبته في حين أنه كان يحترق بالنيران المُلتهبة وهو يراها أمامه ولا يستطيع الإقتراب وكأنها منطقة محظورة..
لحظات وأخرى مرت، أخرى وغيرها مرت، أصبحت دقائق وخلفها دقائق لتكون وقت ليس بقليل أبدًا، نهش القلق قلب الاثنين، بل كل منهم وضع قلبه على كف يده في الإنتظار المحكوم عليه بالإعدام قبل بداية العد..
بعد كل هذا كان "عامر" يقف في شرفة الغرفة بعد أن ارتدى بنطال بيتي وقميص داخلي فوقه، بيده سيجارة لا يعلم ما عددها أهي الخامسة أم السادسة التي لا تأخذ دقيقتين بيده وتنتهي!..
عينيه كان الشرر يتطاير منها، قلبه مطعون بخجنر ليس بحاد ولم يكن خنجر من الأساس بل كان سيف من السيوف الذي تستخدم في الحـ ـروب، تأتي على رأس الشخص من بعيد تحتم عليه بالقـ ـتل..
الغضب أعمى عيناه والكره احتل قلبه المقـ ـتول، أصبح السواد يملؤه وبشدة إلى نهايته، رجولته مطعونة كقلبه تمامًا، واسمه مدهوس بالأقدام الموسخه..
ألقى السيجارة الأخيرة على الأرضية أسفله ودعسها بقدمه دون أن يكون مُرتدي حذاء بها، لم يشعر بحرقة أو جرح في قدمه بل شعر بالحرقة هذه في قلبه، وقف شامخًا، بجسد مُتشنج ووجه مكفهر غاضب بشدة، ملامحه الآن ملامح مجرم قـ ـاتل لا مثيل له..
استدار ودلف إلى الغرفة بعينين سوداء ليست بُنية، حادة قاتـ ـلة، وقف أمامها بثبات وهدوء ورأها مُرتدية روب أبيض اللون!! كان من المفترض أن يكون أسود كالذي سيحدث الآن..
تخفض وجهها في الأرض وتبكي بقوة كان يستمع إليها في الخارج ولكن هذا لن يغفر لها، أقترب منها ببطء وهدوء ما قبل العاصفة، إلى أن وقف أمامها بجوار الفراش، أمسك بذقنها وجعلها تستدير بوجهها إليه ليرفعه ناظرًا إلى عينيها ثم قال بجدية شديدة وقسوة لا نهائية:
-مش قولتلك لو اكتشفت إنك كدابة هاخد روحك؟ ولا أنتي مكنتيش مصدقة إني أعملها!..
نظرت إليه بعينيها الباكية المقهورة مما حدث، تبكي وتنتحب بقوة وشفتيها ترتعش بل جسدها بالكامل يرتعش خوفًا منه وهو ليس بهين أبدًا هذه المرة..
جعلها تنظر إليه وفي لحظة صمت لا يستمع بها إلا لشهقات بكائها لطم وجهها بكف يده بقوة شديدة جعلتها ترتمي بجسدها على الفراش، فازدادت في البكاء أكثر وهتفت بقهرة وخوف وقلبها يرتعد منه:
-وأقسم بالله ما عملت حاجه.. والله مخونتكش يا عامر صدقني
ضحك بسخرية شديدة وتعالت ضحكاته في الغرفة وهو يجذبها من ذراعها مرة أخرى قائلًا بحرقة:
-أصدقك آه.. اومال لو مكنتش اتأكدت بنفسي كنتي هتقولي ايه
مرة أخرى هبط على وجهها بصفعة غير الأولى فصرخت بعنف وخوف شديد وهي تبتعد عنه زاحفة بجسدها إلى الناحية الأخرى من الفراش وصوتها يعلو ببكاء حاد لكنه لم يستمع إلى كل هذا ولم يراه هو فقط الآن يراها وهي تخونه وتلقي شرفة وعرضه في أحضان ذلك الحقير القذر التي تركته وركضت إليه..
استند بقدمه اليُمنى على الفراش وأقترب منها جاذبّا إياها من خصلات شعرها القصيرة التي تغير لونها إلى ما يُحب ولكنه كاد أن يقتلعه بيده وهو يجذبها بعنف وقسوة شديدة:
-تعالي.. قولتلك هقـ ـتلك ولا لأ؟ ها
تحكم بخصلاتها بيده بشراسة وهو يجذبها إلى أسفل الخلف كي يستطيع رؤية وجهها بوضوح، ورمت وجنتها من أثر صفعاته، رآها تبكي بعنف شديد للغاية وتنتحب أكثر والخوف على ملامحها يحكي بكل ما اخفته عنه، لقد كان مظهرها يثرى له..
صفعها مرة أخرى بيده بقوة وأخرى خلفها تحت صراخاتها ويدها التي تحاول أبعاده عنها وصوتها الذي يستنجد بأي أحد ولكن لا يوجد.. خرجت الدماء تسيل على جانب وجهها من شفتيها المُكتنزة بغزارة واختلطت مع دموع عينيها الباكية بارتعاد..
دفعها للخلف فاصطدم ظهرها بالفراش تنام عليه، ظهرت ساقيها من ثوبها الذي لم تحكم إغلاقه ولكن هذا لم يكن إغراء بالنسبة إليه فهو يشعر بالنفور منها، نظر إليها، إلى رعبها منه وخوفها الظاهر بقوة، واستمع إلى حديثها الذي يُكذب ما حدث منذ قليل ولكنه الآن في حالة اللا وعي، نظراته كانت ثابتة حادة عينيه عليها بقوة لم تشفق على أي مما صدر منها.. أقترب ينحني فوقها ثم في لحظة لم يشعر بها إلا بشراسة حبه وقسوة غرامة عليها لف يده الاثنين حول عنـ ـقها كالسابق ولكن هذه المرة لن يستفيق سيفي بوعده ويقـ ـتلها.. سيغسل عاره بيده الاثنين هذه..
سيجعلها تصعد إلى بقية عائلتها فهو لا يحتاج إليها بعد الآن، توسلته وصرخت كثيرًا إلى أن ضاعت أحبالها الصوتية، حاولت بيدها المُرتخية أن تبعد يده عنها.. نظراته نحوها لم تكن حزن أو عتاب كما المرة السابقة بكل كانت كره خالص.. كراهية لا مثيل لها ولم تراها بعينه سابقًا، شراسة وقسوة لم تتعامل معهم من قبل هذه المرة الأكثر عنفًا على الإطلاق..
لم تستطع فعل أي شيء معه، ذهب صوتها بعد البكاء والصراخ، جفت الدموع من عينيها واقتربت النهاية، ارتخت يدها كليًا ووقعت جوارها على الفراش، انقطع نفسها في لحظة واحدة لم تكن اثنين.. وبقيت عينيها مفتوحة على وسعيها كما هي دائمًا..
هنا انتهت "سلمى القصاص" زوجة "عامر القصاص" هنا انتهى الحب الذي كان بينهم.. انتهت العلاقة السامة التي كانت تجمعهم سويًا.. انتهت وهو مُتأكد من أنها خائنة دنست حبهم وقتـ ـلت البراءة داخلها بقذارة أفعالها..
نظر إليها بعينين دامعة خائفة، عاد للخلف بخوف وارتعاب مما قد حدث، أيعقل أنه قتـ ـلها؟.. قـ ـتل حبيبته؟ زوجته؟ قـ ـتل "سلمى" مُناه الوحيد من الدنيا، ضرب وجنتها بيده بخفه وهو يهتف باسمها بخفوت والرهبة تقتله بعد أن دق قلبه بعنف:
-سلمى!.. سلمى؟ أنا مكنش قصدي.. سلمى قومي
حاول معها كثيرًا ولكنها أمامه جـ ـثة هامدة، تنام على ظهرها عينيها مُتسعة مفتوحة إلى آخرها وقد توقف قلبها عن النبض وهو سلب منها أنفاسها، وجهها متورم من ضربه لها والدماء على جانب وجهها، والدموع على جانبيها تترك أثر يقتله..
تركها وعاد للخلف بجسد يرتعش، وقف على قدميه على الأرضية ولكنها لم تحمله فوقع على الأرضية جالسًا عليها ينظر إليها بعتاب خالص وخوف ورهبة، بحب وعشق، ينظر إليها بندم وقهر.. حرقة قلب لرجل عاشق خانة الحب ومن حبه..
خرجت الدموع من عينيه وكانت هذه المرة الثالثة والمُتسبب الوحيد بها هي كسابقها.. جلس ينظر إليها باكيًا بصوت ارتفع عاليًا ليملئ المكان من حوله، انتحب بعنف وقوة وتتالت شهقاته القاسية العنيفة وهو يهتف:
-ليه يا سلمى ليه.. أنا كنت بحبك أكتر من نفسي.. ليه
ارتفعت شهقاته وازداد بكائه وهو ينظر إلى جـ ـثة حبيبته التي وعدها بالقـ ـتل وقد قام بتنفيذ وعده، كانت علاقتهم سامة ولكن الحب بها عميق، قتـ ـلهم الحب، قتـ ـلهم الحب وأبعدهم الفراق وابتعدت الأرواح عن بعضها لأسباب غريبة لا يصدقها أحد.. ماتت "سلمى القصاص" على يد زوجها وحبيب عمرها، سارق أحلامها "عامر القصاص" وكتبت بالجرائد جريـ ـمة "ومن الحب ما قـ ـتل"
❈-❈-❈
"يُتبع"
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق