رواية بين دروب قسوته الفصل الأول والثاني بقلم ندا حسن حصريه
رواية بين دروب قسوته الفصل الأول والثاني بقلم ندا حسن حصريه
بين_دروب_قسوته
#الشخصيات
#ندا_حسن
❈-❈-❈
شخصيات الرواية
عامر القصاص: بطل الرواية، يبلغ من العمر اثنان وثلاثون عامًا
سلمى القصاص: بطلة الرواية، ابنة عم "عامر القصاص" تبلغ من العمر ستة وعشرون عامًا
هدى القصاص: شقيقة البطل، وزوجة "ياسين القصاص" ابن عمها
إيناس الصاوي: صديقة "سلمى القصاص"
هشام الصاوي: ابن عم "إيناس"
#بين_دروب_قسوته
#الفصل_الأول
#ندا_حسن
"طفولة مُرهقة بالحب والقسوة"
نظر إليها بعينيه البُنية الخلابة وفي لحظة تعامد الشمس عليها تصبح عسلية صافية، مد يده يُشير بإصبعه على شاشة الحاسوب الذي تحمله على قدميها بعد أن انتقل بنظره إليه وهتف بنبرة واثقة مقترحة:
-أنا شايف إن ده أحلى
بعد أن أبصرت الصالون الذي أشار إليه وقد كان حقًا بشع بالنسبة إليها عادت ببريق عينيها الزيتوني الواسعة إليه وهتفت باستنكار وضجر وشفتـ'ـيها المكتنزة تتحرك أمامه:
-يع وحش أوي يا عامر.. طول عمرك ذوقك بلدي
أقترب بوجهه يُميل بجسده عليها ناظرًا إليها بعينيه الوقحة الجريئة يحرك شفتيه الرفيعة قائلًا بخبث ووقاحة:
-وحياتك مافي حاجه حلوة في القعدة دي غيرك.. وبعدين ذوق ايه اللي بلدي دا أنا منقي بطل..
أبصر ابتسامتها الرقيقة، عينيها الواسعة المرسومة بدقة طبيعية ووجنتيها مع شفتيها المكتنزة غير خصلات شعرها المتطايرة حول أكتافها وصاح بحماس وشوق:
-وديني بطل
صدحت ضحكاتها في المكان وهي تعود للخلف برأسها مُتمسكة بالحاسوب، فالنظر إليه وهو يهتف كلماته المتلاعبة يجعلها تضحك بصخب..
منزل يظهر من الخارج كـ الفيلا، شاسعة المساحة رائعة التصميم، كبيرة للغاية بتصميم عصري حديث، في المنتصف بوابة حديدية كبيرة تجعلها تنفصل لجزئين مكونه من طابقين، الطابق الأرضي والأول علوي ثم الثاني، لونها رائع وفريد لا تستطيع تحديد ماهو وما اسمه، عينيك تنبهر بجمالها وروعة مظهرها وكأنه تُسر أعين الناظرين إليها كمن يقيمون بها، وهذا في الظاهر!..
حول هذه الفيلا مساحة كبيرة واسعة للغاية من الأرض الخضراء المحاطة بسور عالي يتوسطه بوابة حديدية كبيرة أكبر بكثير من الأخرى في الداخل وفي الجانب الخلفي للسور هناك واحدة مثلها..
حديقة جميلة ورائعة بها ألوان زاهية بفعل الزهور المتناثرة في نباتها في كل مكان، هناك طاولة كبيرة ومن حولها المقاعد الخاصة بها وتفصلها البوابة عن الناحية الأخرى من الحديقة حيث أنه في المنتصف طريق يتسع لسيارة واحدة من البوابة الخارجية إلى الداخلية يفصل الحديقة إلى ناحيتين..
بينما في الناحية الأخرى والجانب الظاهر منها أرجوحة كبيرة رائعة كشكل البيضة الملتفة حول نفسها، يجلس بها ذلك الشاب الثلاثيني صاحب الخصلات السوداء الحالكة، والعينين البُنية رائعة المظهر، خلابة وساحرة عندما تأتي أشعة الشمس عليها تتحول إلى لهيب صافي يُسرك فقط لأنك تنظر إليه، أنفه شامخ حاد يتماشى مع بقية ملامح وجهه وشفتيه رفيعة يعلوها شارب نابت خفيف ولحيته أيضًا نابته بينما وجهه بالكامل نحيف قليلًا يأخذ المظهر الطويل ولكنه يتمتع بقدر عالي من الوسامة والحدة المُرتسمة على ملامحه، يتمتع بجسد رياضي، ليس كثيرًا ولكنه جسد رشيق وطويل أيضًا، يظهر وكأنه شخص يتلاعب بالحديث والخبث ينبعث من حديثه بعد أن تحدث بجملتين معها..
بجانبه فتاة رقيقة لا تستطيع قول غير ذلك ولكنها أيضًا شرسة، مظهرها لن يدعوك لقول أنها رقيقة للغاية بل تظهر وكأنها جريئة قليلًا، خصلاتها تهبط إلى بعد كتفيها بقليل ليست طويلة لونها بُني رائع يختلط مع الذهبي يتدلى منه من الأمام خلصتين على جانبي وجهها لونهم ذهبي لامع، عينيها واسعة مرسومة بطريقة رائعة ليست هي من فعلتها بل هذا صُنع الخالق، لونها زيتوني رائع ككل ما بها، أنفها صغير ووجنتيها مكتنزة إلى حد ما ومثلها شفتيها ذو اللون الوردي الطبيعي دون أي مجهود منها، جسدها يبدو رشيق ليس نحيف وليس ممتلئ ولكنها تتمتع بالقدر الكافي لتكون أنثى متكاملة، لون بشرتها بيضاء ناعمة فقط من نظرتك إليها تشعر بذلك..
بعد أن توقفت عن الضحك نظرت إليه مُبتسمة بهدوء تطلب منه وعينيها تتقابل مع خاصته:
-ممكن تركز معايا شوية بقى
أقترب بجسده أكثر إلى أن التصق بها قائلًا بحرارة ونظرة شغوفه مشتاقة إليها بقوة:
-أكتر من كده؟ المرجيحه هتولع بينا
عادت برأسها للخلف مُتذمرة تبتعد عنه ومازالت تنظر إليه بقوة منادية اسمه بحدة ليتوقف عما يفعله بها في كل ركن بهذه الفيلا:
-عامر! الله
تلاعب بها وهو يضع كف يده العريض على وجنتها المكتنزة مُردفًا بهدوء وتروي ماكر:
-عيون عامر وقلب عامر وروح عامر
أبعدت يده عنها صائحة بقوة:
-والله هقوم واسيبك بطل بقى
لم يتراجع عما يفعله ولن يتراجع بهذه السهولة وهي تعرف ذلك، إنه يجعلها تود خنق نفسها من كثرة الإلحاح الرومانسي في أي موقف يمر عليهم:
-أبطل ايه هو حد هنا بطل غيرك
تذمرت بضيق محاولة أن تجعله يبقى لدقيقة واحدة من دون مغازلة وقحة لينهوا أمر هذا الزواج في أسرع وقت:
-ياخي خلينا نخلص الله.. مش عايز تتجوز ولا ايه؟ شكلك كده بتخلع
عاد للخف كما كان في البداية واتسعت عينيه مُستنكرًا ذلك الحديث الذي خرج منها يصيح بقوة ثم أكمل مقترحًا:
-ايه؟ اخلع؟ اخلع مين أنا فيها يا اخفيها.. ما تيجي نتجوز دلوقتي ونقعد في اوضتي لحد ما نخلص الجناح... أو اوضتك أنا معنديش مانع
أجابته بعقلانية شديدة وقد محت الابتسامة من على ثغرها الوردي نهائيًا لتظهر بشكل جدي لكي يفعل المثل:
-شوية جد بقى.. لو ركزت معايا هنتجوز في المعاد
قد نجحت هذه المرة، اعتدل في جلسته وعاد إلى الجدية قائلًا بنبرة جادة واضحة:
-يا سلمى ما أنا قولتلك ماليش في الحاجات دي ما تختاري أنتي
نظرت ببريق عينيها الزيتوني إليه قائلة برقة تحلت بها وهدوء قد أصابها عندما أتى الحوار بينهم إلى حياتهم الزوجية:
-مش ده هيبقى بيتنا يا عامر الله.. أنا عايزة نختار سوا
أردف قائلّا ما يحدث معه عندما يختار معها شيء، لا يُعجبها ولا يليق بها إذًا فلتختار ما تريده، أشار بيده قائلًا ثم أكمل بجدية:
-وكل ما اختار يبقى ذوقي بلدي.. حبيبي اختاري كل اللي أنتي عايزاه وأنا موافق عليه
معه حق إنها تفعل ذلك، حديثه صحيح ستأخذ بنصيحته هذه المرة فهي تعلم أنه لا يُجيد اختيار هذه الأشياء بذوق رفيع، إن ذوقه منحط للغاية في كل شيء ماعدا هي من المؤكد:
-طيب خلاص ماشي يكش نخلص
أقترب مرة أخرى عائدًا إلى نبرته وملامحه المتلاعبة المنتظرة أى حركة منها ليقوم باستغلالها وهتف بحماس ونبرة خبيثة:
-أيوه أنا عايز يكش نخلص دي
نظرت أمامها والحاسوب بيدها، لم يأخذها خلدها هذه المرة إلى تفكيره الوقح بل تحدثت بما ينقصهم لإتمام الزفاف في الموعد المحدد:
-هو كده يعتبر خلاص يعني، فاضل نفرش الجناح بس والفستان طبعًا أهم حاجه هسافر أشوفه والباقي بقى قاعة وحاجات كده تبعك أنت
نظر إليها مطولًا بشغف وعينيه تجوب على وجهها بالكامل وكل انش به، يروقه للغاية جسدها الأنثوي الفاتن الذي لا يستطيع المقاومة في حضوره، هتف وهو يضغط على شفتيه في نهاية حديثه:
-ياه يا سلمى فاضل شهر... شهر كده وتبقي تحت ايدي يا بطل وأعمل كل اللي أنا عايزة... دا أنا هفرمك
تركته وهبت واقفة على قدميها مرة واحدة مُبتعدة عنه تنظر إليه بحدة بعد أن تركت الحاسوب في مكانها تُشير إليه بإصبعها السبابة قائلة:
-بطل يا قليل الأدب بدل ما ألغي كل حاجه
لوى شفتيه بسخرية وتحدث بجدية مُميتة تهابُها دائمًا، يبدو أنه لعوب مرح ولكنه في الحقيقة ليس هذا الرجل أبدًا:
-أنتي عارفه وقتها هعمل ايه ماهو مش هستنى تلاتين سنة علشان سيادتك وبعدين تلغي كل حاجه
أردفت بكلمة واحدة وهي تبصره باشمئزاز وضيق:
-سافل
وقف على قدميه ببرود وأقترب منها ثم في لحظة لم تنتبه بها وضع يده الاثنين خلف خصرها جاذبًا إياها إليه وجعلها ملتصقة به للغاية وتحدث بحرارة:
-تعبان قدري يا مفترية
وضعت يدها الاثنين على ذراعيه المحيطة إياها وعادت للخلف برأسها عندما وجدته يقترب منها بوجهه تصرخ به بقوة وخوف:
-يخربيتك اوعى حد يشوفنا
شدد بيده عليها أكثر ناظرًا إلى جمالها الأخاذ وعقله يدعوه لفعل أشياء خطرة لا يستطيع الإنتظار حتى الحصول عليها بعد شهر من الآن:
-طب ياريت علشان نكتب الكتاب دلوقتي هو أنا لسه هستنى
اتسعت عينيها أكثر مما هي عليه وهتفت باستنكار وضجر وهي تحاول أن تبعده عنها:
-عامر بلاش جنان اوعى كده
تحدث بلين ونبرة خافتة وهو يتقرب من وجهها:
-يابت استني هبسطك
كاد أن يقترب من شفتيها المكتنزة يُقبلها ويصل إليها ليشعر بالراحة التي يريدها فهي لا تسمح له بفعلها كثيرًا بل كل مرة يفعل كل هذه الأمور ليصل إليها ولا ينال ما يريد، على حين غرة استمع إلى صوت شقيقته "هدى" وزوجة ابن عمه شقيق خطيبة التي تقف أمامه تنادي عليهم بصوت عالي من على بوابة الفيلا:
-سلمى!.. عامر!.. انتوا فين
دفعته بقوة وهو شارد ينظر إلى خلفها ويرى شقيقته تخرج من البوابة لتبحث عنهم، قائلة بضيق وانزعاج:
-يخربيتك أبعد
ضغط على شفتيه بأسنانه بقوة وهو يراها تبتعد عنه وصاح بضيق وضجر شديد:
-دايمًا كده يا هدى قاطعة كل لحظة حلوة عني
أجابت هي بصوتٍ عالٍ لتجذب انتباه شقيقته:
-أيوه يا هدى إحنا هنا
نظرت إليهم من على درج البوابة ثم هتفت داعية إياهم إلى الداخل في جلسة عائلية تخص عائلة "القصاص" والتي كانت هكذا دائمًا:
-طب يلا
أردفت مُجيبة إياها بايجاب:
-جايين
بعد أن دلفت شقيقته للداخل عادت مرة أخرى تلك الخطوات التي ابتعدتها عنه لتأخذ حاسوبها من خلفه على الأرجوحة، نظر إليها بقوة وهو يراها تتحرك أمامه ثم أقترب يحاول أن يتمسك بيدها ولكنها استدارت بعد أن أخذت الحاسوب ورأته فركضت بعيد عنه وهي تضحك بصخب قائلة:
-بعينك يا عامر
نظر إليها وهي تركض للداخل بذلك الثوب الوردي، بأكمام طويلة، ويصل إلى أسفل ركبتيها ولكنه ملتصق عليها بشدة يبرز مفاتنها وجمالها الخلاب، هتف بعد تنهيده طويلة قائلّا:
-هتروحي مني فين يعني.. كلها شهر ومش هتعرفي تتنفسي حتى
ثم سار خلفها بخطوات ثابتة بعد أن هندم ملابسه المكونة من بنطال كلاسيكي أسود وقميص مثله نفس اللون، ظهر طوله الفارع وجسده الرشيق وكم بدى واثقًا من نفسه وشامخًا حتى في سيرة.. يبدو أنه ليس كما قالت مرح ولعوب، إنه في هذه اللحظة يظهر قاسي للغاية بلامح حادة وعنيفة..
❈-❈-❈
خطى إلى داخل الفيلا من بعدها، ومن هنا نتحدث عن المساحة الكبيرة والمظهر الرائع، كم أن هناك اختلاف كبير بين الداخل والخارج، كيف هذا؟.. في بداية دخولك تقابلك صالة كبيرة شاسعة، تلمع أرضيتها بفعل ذلك الرخام الأبيض الرائع، وفي الداخل صالون يجلس به الجميع في منتصف اثنين من الدرج، واحد على اليسار والدرج الآخر على اليمين..
وفي المنتصف في الأسفل صالون به الجميع جالس، وعلى الجانبين بجوار الدرج غُرف مغلقة، على اليمين واحدة أخرى تنشغل كصالون آخر، وجوارها غرفة الطعام بها سفرة كبيرة للغاية لتجمع العائلة بأكملها..
والأخرى جوارهم بها شاشة كبيرة تأكل عرض الحائط وكأنها شاشة سينما وبها أريكة كبيرة وبعض أكياس القطن غير باب آخر داخلها يؤدي إلى مرحاض..
وعلى الطرف الآخر كان يوجد باب يؤدي إلى مدخل آخر ياخذك إلى المطبخ الكبير، وكأنه مطبخ أحد المطاعم.. وفي نفس هذا المدخل عرفة للخدم العاملين بالبيت وبها مرحاضها الخاص بينما جوار باب المدخل في الخارج غرفة للضيوف القادمين عليهم بها كل ما يلزم..
بينما خلف الدرج من الناحيتين هناك غرفتين مكتب..
وبعد كل هذه المساحة الكبيرة والوصف المبسط كان هناك ألوان زاهية على حوائط الفيلا غير تلك اللوحات المعلقة والتي تبدو غالية الثمن ورائعة المظهر، غير ما وجد من تماثيل تقف على أعمدة في المنتصف أمام كل درج..
وصف الروعة والجمال في هذه الفيلا لن يكفي حتى يصل كم هي رائعة، لا نستطيع وصفها بالشكل الصحيح ولكن المؤكد في كل هذا الحديث أنها مكان ساحر لا مثيل له يليق بعائلة كعائلة "القصاص"، عائلة من أغنى عائلات البلدة..
جلس جوارها أمام الجميع والذين كانوا أفراد العائلة، والده "رؤوف القصاص" ذو النظرات الحادة على ابنه من كل إتجاه وقد كانت ملامحه تشبه ابنه "عامر" كثيرًا وزوجته "عزة القصاص" ابنة عمه هي الأخرى تبدو سيدة محتشمة، ترتدي ملابس فضفاضة وحجاب كبير للغاية يغطي رأسها وصدرها وبداية ظهرها من الخلف وجوارها ابنتها "هدى" زوجة ابن عمها "ياسين" وشقيق خطيبة ولدها الآخر، جميلة هي الأخرى بجسد نحيف قليلًا، عينيها سوداء لامعة، بشرتها بيضاء وتبدو مرحة للغاية وابتسامتها بها حياة أخرى..
وعلى الأريكة الأخرى يجلس عمه "أحمد القصاص" ذو العيون المشابهه لابنته الساحرة وجواره زوجته "سعاد" الغريبة عن العائلة وليست كوالدة "عامر" بل كانت غير محجبة وتظهر خصلات شعرها السوداء بوضوح وأيضًا ترتدي ملابس ليست كالأخرى وجواره على الناحية الأخرى ابنه "ياسين" وقد كان ذو نظرة هادئة، ملامحه تشبه والده، عينيه سوداء، وسيم إلى حد كبير، بينما هو استولى على الأريكة الجالس عليها معها، ليشعر بالراحة أكثر وفي منتصف كل هذا طاولة كبيرة تحمل أصناف شهية من الحلوى والعصائر الطازجة الذي أتت إليهم بعد تناول طعام الغداء..
كان الحديث بين الرجال عن العمل فهتف "ياسين" بجدية ناظرًا إلى ابن عمه قائلًا:
-ورق المناقصة دي مع عامر يا بابا
أجاب "عامر" يومأ برأسه بثبات وهتف بنبرة واثقة:
-آه آه معايا
أردف والده بجدية هو الآخر وهو ينظر إليه:
-ابقى هتهولي عايز أشوفه وأبص عليه
-حاضر
تحدث عمه "أحمد" ووالد خطيبته قائلًا بمرح ومزاح وهو ينظر إليه مُشيرًا بيده إلى ابنته الجالسة جواره:
-عملتوا ايه يا عامر خلصتوا الفرش اللي سلمى صدعتنا بيه ولا لسه
أردف نافيًا ما قاله عمه ثم نظر إليها يكمل حديثه وعينيه مثبتة على عينيها ذات اللون الزيتوني الخالص:
-لأ والله يا عمي.. هي بقى تختاره وتخلصه مع نفسها تعبتني بصراحة
لكزته في ذراعه بقوة مُستنكرة حديثه ناظرة إليه بذهول تهتف بنبرة حادة:
-تعبتك؟ وأنت عملت حاجه أصلًا
مال عليها برأسه يهتف بنبرة خافتة خبيثة وعينه الوقحة الماكرة تنظر إليها بثبات وقد لاحظ الجميع أن هناك شيء آخر يتحدث به معها:
-آه عملت... انكري بقى
أجابته بنبرة خافتة مثله مضيقة عينيها عليه بقوة ولكن الضيق يشتد عليها بسبب أفعاله الدنيئة أمامهم:
-عملت عملت أخرس بقى
استمعت إلى صوت شقيقته تهتف بنبرة متسائلة تنظر إليها بهدوء وابتسامة صغيرة:
-هتروحي تشوفي الفستان امتى يا سلمى
أجابتها بهدوء هي الأخرى ثم استدارت تكمل حديثها إلى والدها الذي تريد أن تأخذ إذنه في السفر مع عامر إلى "لبنان" وحدهما لرؤية فستان عرسها الذي يصمم خصيصًا لها:
-اسبوعين بالظبط وهسافر وعامر معايا بعد اذنك يا بابا
أومأ إليها والدها بهدوء واستكمل حديثه مع شقيقه، تقدمت للأمام بجسدها تأخذ قطعة بسكويت لتأكلها فنظر إليها مُطولًا وهو يراها تأكل بنهم وبطريقة تجعله يموت داخله ألف مرة..
استدارت تنظر إليه عندما شعرت أنه أطال النظر عليها والجميع مُلتهي بالحديث والهواتف، أشارت له بعينيها فأشار لها هو الآخر على البسكويت دليل على أنه يريد مثلها، تقدمت وأخذت غير الذي اكلتهم وقدمتها إليه ولكنه أبعد نظره يبصر الجميع ليراهم منشغلين بعيد عنهم فأشار لها أن تطعمه بيدها.
أبعدت نظرها مثله ترى الآخرين ثم عادت إليه مُبتسمة بحب وقدمت إليه القطعة بيدها الناعمة، أمسك معصم يدها وهي تطعمه وتذوق إصبعها مع البسكويت فاغمض عينيه بقوة مُستمتعًا بتلك اللمسة الفريدة من نوعها..
جذبت يدها سريعًا وابتسمت بسعادة كبيرة وهي تراه واقع بها إلى هذا الحد، كم يحبها؟.. هذا لا يقدر إنه يحبها منذ أيام طفولتهم وإلى الآن ينتظرها للزواج منها بعد أن وضعت شروطها، أن ذلك لن يحدث إلا عندما تنهي دراستها بالكامل، تراه يحبها إلى حد كبير لا تستطيع معرفته أو وصفه، تراه يحبها كما تحب النجوم وجودها في السماء وتبادله ذلك الحب بالعشق الخالص الذي كان يشعرها بكونها تحبه كحب الأسماك لوجودها في المياة.. حياتها ومكانها الوحيد..
تراه مُتملك، قاسي إلى درجة كبيرة، وجديًا للغاية مع الجميع إلا هي، يكون شخص آخر معها غير ذلك الذي يعرفه الجميع، يكون معها طفل صغير يهوى معرفة المزيد عن العشق والغرام ليرسمه على ورقة من ذهب ويهديها إليها..
في لحظة ما استمعت إلى صوت هاتفها يعلن عن وصول مكالمة وقد كان على الطاولة قبل لحظة خروجها إلى الحديقة، تقدمت إلى الأمام في جلستها ثم أخذته بين يدها لترى اسم صديقتها المقربة يُنير الشاشة، وقفت على قدميها بنعومة ورقة ثم سارت في هدوء إلى الخارج مرة أخرى لتتحدث معها..
استند إلى ظهر الأريكة وفرد ذراعيه وعينيه مُثبته عليها وهي تسير للخارج، كم كان وقح في نظراته لا يعير أي أحد أدنى اهتمام أو حتى احترام، أتى بها من بداية حذائها ذو الكعب العالي الذي كلما خطت خطوة أصدر صوت مرتفع، إلى ساقيها البيضاء المغرية ومن بعدها إلى أعلى جسدها وصولًا إلى خصلات شعرها البُنية المختلطة مع اللون الذهبي...
اختفت عن عينيه البُنية وبقيت ما يقارب العشر دقائق في الخارج ولم يكن يعلم مع من تتحدث، وقف على قدميه بعد أن نظر إلى ساعة يده للمرة الخامسة وذهب خارجًا إليها ليرى مع من تتحدث ولما كل هذا الوقت..
وقف على بوابة الفيلا ليراها تهبط بالهاتف من على أذنها وانحنت برأسها قليلًا للأمام تنظر به، تعطيه ظهرها وتقف أمام شجرة كبيرة من التي في الحديقة..
ذهب بخطوات ثابتة إليها ويده الاثنين في جيوب بنطاله الكلاسيكي الأسود، وقف خلفها وأردف مُتسائلًا بجدية واستفهام:
-كنتي بتكلمي مين؟
استدارت إليه بعد أن استمعت صوته خلفها، وقفت أمامه ثم أجابته على سؤاله الجاد بجدية هي الأخرى وعينيها عليه:
-بكلم إيناس
أخرج يده من جيبه وأشار بحدة وعصبية احتلت كيانه عندما استمع إلى اسم صديقتها التي لا تريد الابتعاد عنها وعقب قائلًا:
-تاني؟ دين أم البت دي تاني؟
أبصرته بقوة مُجيبة بحدة هي الأخرى بعد الاستماع إلى نبرته الحادة الشرسة:
-ممكن تتكلم معايا عدل وبلاش الأسلوب ده
أقترب منها يهتف بنبرة حادة ناظرًا إلى عينيها بثبات وقوة، فقد قال لها كثير من المرات أن تبتعد عن هذه الفتاة ولكنها لا تبالي بحديثه:
-أسلوب ايه اللي بتكلم بيه أنا قولت مليون مرة ابعدي عن البت دي
عاندته مُجيبة بقوة ناظرة إليه بعمق:
-البنت دي صاحبتي من زمان
نفى حديثها بنبرة واثقة مما يقوله وكأنه يعلم شيء عنها هي لا تعلمه:
-مش صاحبتك يا سلمى أنا عارف أنا بقولك ايه
رفعت حاجبها للأعلى ونظرت إليه بحدة أكثر وأردفت قائلة بقوة تثبت إليه حديثها وتؤكد أنه الصحيح:
-لأ صاحبتي يا عامر ونظرية المؤامرة اللي في دماغك دي غلط
أقترب خطوة على حين غرة وهو يصيح بها بصوت حاد عالي ناظرًا إليها بعصبية وعينيه تحولت للسواد الحالك في لحظات:
-لأ مش غلط وهتبعدي عن البت دي غصب عنك طالما الكلام معاكي مش بيجي بفايدة
نظرت إليه بسخرية تلوي شفتيها المكتنزة واضعة يدها الاثنين أمام صدرها قائلة بتساؤل ساخر متهكم:
-والله؟ غصب عني ده اللي هو إزاي هتضربني مثلًا
عاد للخلف خطوة مرة أخرى كما الذي تقدمها في لحظة، نظر إليها بعمق ثم أعترف أخيرًا ولكن بخطئه في أسلوب الحديث:
-تمام تمام أنا غلطان في أسلوبي زي كل مرة افهمي أنتي بقى مرة واحدة في حياتك
كرمشت ملامح وجهها مُتسائلة بقوة:
-أفهم ايه؟ إنك عايزني أبعد عنها بدون وجه حق
عقب على حديثها بجدية محاولًا التوضيح لها ما الذي يدور بخلده:
-لأ مش بدون وجه حق قولتلك إن عمها رفعت الصاوي هو أكبر منافس لينا في السوق
اخفضت يدها من على صدرها وأشارت إليه باستنكار واضح وصريح قائلة:
-وايه يعني هو علشان منافس تبقى هي وحشه وهو وحش
أومأ إليها برأسه بجدية وأكمل حديثه بتأكد:
-آه وحشين... هو منافس آه لكن مش شريف وممكن يقضي على أي حد علشان مصلحته
نظرت للبعيد لحظة وهو عينيه مُثبتة عليها بقوة، ثم عادت إليه مرة أخرى قائلة حديث آخر بمنظور آخر تراه هي صحيح وهو يراه خطأ كبير:
-ماشي ياسيدي هعتبر إن كلامك صح.. أنا أصلّا معرفش أي حاجه عن الشغل يعني أنا مش هفيدها وبقالي كام سنة مش بفيدها ليه لسه صاحبتي
صاح مرة أخرى بصوت عالي وهو يراها تُصر على موقفها ولا تسمتع إلى حديثه، يعلم أنها عنيدة ولكنه عنيد وحاد أكثر منها:
-أنتي مصممة ولا ايه.. أنا عندي نظرة في الستات الكويسه والوحشة وبقولك دي هتخرب الدنيا ولازم تبعدي عنها
تفهمت ما الذي يقوله عندما خص الأمر النساء التي يتحدث عنهن، ولأنه "عامر القصاص" وهي خطيبته وابنة عمه فهمت إلى ماذا يشير فهتفت بحدة وضيق:
-آه قولتلي.. نظرتك بتاعت الستات دي خليها للستات إياهم ماشي؟ لكن أنا وصحابي برا النظرات دي يا عامر علشان إحنا مش شبههم
تهكم عليها بوضوح وتبسم بسخرية مُتسائلًا باستنكار ثم أكمل حديثه هازئا بها:
-إيناس مش شبههم!.. دا أنتي نايمة في العسل خالص
انزعجت من أسلوبه الساخر وحديثه المخفي عن أخلاق صديقتها الذي يشبهها هو بالنساء الذي يعرفهم، لوحت بيدها أمامه بحدة وأردفت بصوت عالي منزعج بشدة:
-بقولك ايه بلا عسل بلا بتاع مالكش دعوة بيها هي صاحبتي وأنا بحبها خلصنا يا عامر وده شيء مايخصكش أصلًا
أمسك يدها التي كانت تلوح بها وأردف بقوة وعصبية موجودة معه في جميع الأوقات حتى اللحظات الرومانسية تكون معه على أتم الاستعداد للخروج فقط أن قيلت كلمة واحدة لا تعجبه:
-اتكلمي كويس بلاش تخليني اتغابى عليكي بأسلوبك الوسـ* ده سامعه
نفضت يدها منه ولكنه ظل متمسك بها، نظرت إليه بقوة وأردفت بضيق وانزعاج من الذي يحدث بينهم، إنه عصبي إلى حد كبير ومتهور أكثر من اللازم ولا يندم على فعل شيء خطأ سريعًا وهي عنيدة ولسانها سليط وهذا يزعجهم أكثر:
-سيب كده هو فيه ايه وبعدين مش كل ما أتكلم قصادك تتعصب إحنا بنقعد خمس دقايق كويسين وطول اليوم خناق
ضغط على يدها وأردف بتأكيد ناظرًا إلى ذلك الزيتون داخل عينيها الجريئة المتحلية بها الآن:
-مهو بسببك
احتدت نبرتها مرة أخرى بعد أن نسب الأمر لها وهو من بدأ به:
-أنت هتستهبل؟
ترك يدها ووضع يده الاثنين بجيوب بنطاله كمل كان، استدار وأعطى لها ظهره ثم مرة أخرى نظر إليها وقال بجدية:
-ماشي.. ماشي أنا اللي غلطان وأسلوبي وحش متزعليش بس خليكي عارفة أنا مش هغير رأي في البت دي ودايمًا هحظرك منها
سألته بوضوح وجدية تقارن بينه وبينها ربما تجعله يصمت عن الحديث عنها بهذا الشكل:
-هو أنا بتكلم على حد من صحابك؟ أنت...
لم يجعلها تكمل ما بدأت الحديث به وصاح بغضب وقسوة قائلًا بعد أن أخرج يده من جيوبه مرة أخرى واهتاج جسده وتشنج:
-وأنتي مالك ومال صحابي أصلًا
يتمتع بغريزة التملك، تعرف ذلك جيدًا ويغار من الملابس الذي ترتديها تعرف ذلك أيضًا ولكن الأمر فوق كل طاقة تتحلى بها، رسمت الهدوء على وجهها وأردفت مُجيبة إياه:
-خلاص يا حبيبي خلاص ممكن نقفل الحوار الأسود ده؟
تنهد بعمق أخذًا نفس عميق وحاول أبعاد الفصل عنه، أقترب منها ووضع يده خلف رأسها جاذبًا إياها إليه يقبل جبينها بحنان وهدوء ثم قال وهو يبعدها عنه ناظرًا إليها:
-مش ببقى عايز ازعلك بس أنتي عنيدة ومستفزة
تحدثت بجدية مقدرة أنه يحاول لأجلها أن يكون أفضل من هذا ويتخلى عن تهوره وحديثه البغيض وكل ما به من عيوب:
-خلاص يا عامر وأنا أوعدك إني لو شوفت منها أي تصرف وحش هبعد عنها
جذبها من خلف رأسها مرة أخرى يقربها من صدره محتضن إياها بهدوء ووضعت هي الأخرى كف يدها على عضلات معدته الظاهرة بوضوح تنعم بذلك الدفء المنبعث منه بعيدًا عن أي شيء آخر، أردف قائلّا:
-ماشي يا سلمى
❈-❈-❈
"في المساء"
وقفت "هدى" أمام المرآة تعدل من هيئتها، كانت ترتدي فستان أسود بحملات رفيعة للغاية ذو فتحة صدر واسعة يصل إلى أسفل قدميها ولكنه ملتصق عليها وبشدة، وكم كان مظهره فاتن للغاية عليها، أطلقت خصلات شعرها السوداء للخف وبعضًا منها على جانب عنقها..
دلف زوجها "ياسين" إلى الغرفة، حيث أنه كان في غرفة الملابس الصغيرة الخاصة بهم يرتدي هو الأخرى حلة رسمية سوداء رائعة، مصفف خصلات شعره الأسود للخلف بعناية، ملامحه حادة واضحة شامخة ونظرته ثابته أمامه، يبدو وسيم للغاية..
وقف خلفها وأردف قائلًا بصوت حاني وهو يبصرها من خلال المرآة:
-ايه الحلاوة دي يا موزة
نظرت إليه عبر المرآة، ورآته كم بدى وسيمًا رائعًا فتحدثت قائلة بابتسامة عريضة وفرحة:
-أنت اللي ايه الحلاوة دي.. هتتخطف مني كده
استنكر حديثها متسائلًا بمزاح ومرح:
-يا شيخه؟
استدارت تنظر إليه مُتحدثة وعينيها السوداء تلمع قائلة:
-آه والله.. أنت مش حاسس بنفسك ولا ايه؟
أقترب يطبع قبلة سريعة على شفتيها يخطفها من رحيق الأزهار ليستمتع بها ثم عاد قائلًا:
-الصراحة لأ مش حاسس
ابتسمت إليه بسعادة كبيرة لم تشعر بها يوما إلا عندما أصبحت زوجته ونصفه الآخر:
-لأ حس بقى
نظر إليها مطولًا وقد كانت نظرة ذات مغزى تعلمه جيدّا، تنهد مرة واحدة وسريعًا بصوت عالي ثم أردف بجدية مقترحًا:
-طب يلا بينا علشان منتأخرش على الحفلة
-يلا
قدم إليها يده فأمسكت به بقوة وحب كبير بينهم، حب خالص لا مثيل له، تعتبره من حب الأساطير على الرغم من بساطته ولكنه يشعرها بأن لا هناك مثلهم في الوجود على الإطلاق ولن يكون هناك فـ القدر يخفي الكثير والكثير وما هي إلا أيام ويحكى كل ما خفى...
❈-❈-❈
قبل منتصف الليل بساعة واحدة كانت "سلمى" تجلس أمام الحاسوب الخاص بها تحاول أن تنتقي كل ما يلزم منزل الزوجية الخاص بها و بـ "عامر" الذي تخلى عنها في هذا الأمر مدعي أنه لا يعرف.. لا لم يكن إدعاء هو حقًا لا يعرف..
ولكن في لحظة صمت وهي مندمجة في النظر إلى الحاسوب أطلق الهاتف أصوات خلف بعضها تعبر عن وصول رسائل عبر تطبيق تواصل "الواتساب" أمسكت به وكانت الراسلة هي "إيناس" صديقتها المقربة الذي يريدها "عامر" أن تبتعد عنها..
فتحت الرسائل التي أرسلتها إليها وكانت عبارة عن مجموعة صور، صور غريبة عليها للغاية!.. ليست غريبة بل مذهلة! عقلها لم يستوعب ما الذي تراه أهو حقًا أم لا.. هل هي تمزح معها؟ ولكنها مزحة بشعة للغاية..
لا هذه ليست مزحة إنها تعلم لقد مرت بهذا الشعور سابقًا ولكنها الآن أشد قسوة وضراوة..
أرسلت إليها كلمة واحدة فقط إلا وهي "موجود" يتبعها علامة استفهام لتتلقى منها الإجابة بسرعة مؤكدة ما تسائلت عنه فطلبت منها شيء أخرى وقامت الأخرى بالإجابة عليها وفي لحظة كانت تقف على قدميها.. أبعدت عنها ذلك التيشرت البيتي سريعًا وخلفه البنطال هو الآخر ودلفت سريعًا تركض إلى غرفة ملابسها ثم لحظات فقط وخرجت مرتدية بنطال أسود يعلوه قميص أسود به رسمه بسيطة من الأمام على صدره وحذاء رياضي أبيض اللون..
أخذت الهاتف الخاص بها ومفاتيح سيارتها ثم ذهبت إلى الخارج لتتأكد مما رأته.. والذي وقع أمامها سابقًا مرتين ولكنها تمثل الشخص الأبلة الذي لا يفقه شيء..
وقفت بسيارتها أمام ملهى ليلي موجودة به صديقتها، دلفت إلى الداخل وعينيها تدور في المكان بحثًا عن أي شيء يدلها عنه... يدلها على "عامر"
وقد كان، نظرت إلى تلك الطاولة الكبيرة وجدته يجلس عليها وبجانبه فتاة!.. فتاة لم تستطع الجلوس على مقعدها فوقفت بين قدميه!..
يضع يده اليمنى أسفل ظهرها والأخرى خلف خصلات شعرها وأيدي الفتاة الاثنين فوق يديه وكأنها تثبتهم، تقف بين قدميه وتبتسم إليه بطريقة لعوب مقززة كان هو معتاد عليها..
انشق قلبها نصفين!.. استمعت إلى صوت انشقاقه، أو كان هذا كسر به!.. للمرة الثالثة بطرق مختلفة تراه يفعل أشياء دنيئة كهذه!.. ولكن لتعترف هذه المرة الأصعب على الإطلاق..
وقفت الدموع في عينيها حائرة، تود الهبوط وهي لا تساعدها.. تود الصراخ ولا تسمح بذلك، مشاعر كثيرة ثائرة بداخلها تود الخروج في وسط هذه الضجة والصخب المحيط بالمكان ولكنها لا تستطيع إلا النظر إليه ورؤيته وهو في هذا الوضع المقزز الوقح..
أقتربت بجمود واضح وكل خطوة تخطوها إليه ثابته قوية، نظرتها عليه حادة واضحة، وقفت أمامه مباشرة، تنظر إليه بعمق ولم تتحدث ولم تبعد هذه الوقحة عنه ولم تثور بل فقط نظرت إليه تنتظر أن يشعر بوجودها..
وقد كان بعد لحظات يشعر أن هناك من يقف جواره فاستدار برأسه ينظر ليراها أمامه!.. أبعد الفتاة عنه بسرعة وبحركة لا إرادية منه، بشكل عفوي للغاية فقط عندما أدرك وجودها.. وقف أمامها وحاول التحدث ولكن لم يستطع قول كلمات مترابطة مفهومة.. لقد كان ثمل!..
ضحكت بطريقة ساخرة للغاية ثم في لحظة خاطفة تخطت كل الحدود الذي عرفتها معه القاسي العنيد ورفعت كف يدها تهبط على وجنته بكل ما بها من قوة، صفعة مدوية هبطت على وجنته جعلته يستدير للناحية الأخرى وقد رآه البعض في هذه الحالة المزرية، تصفعة امرأة!.
❈-❈-❈
"يُتبع"
#بين_دروب_قسوته
#الفصل_الثاني
#ندا_حسن
"قسوة الأيام ومرارة الفراق قادمة"
لم يشتهي القلب سواه، أعوام وأشهر، أيام وليالي داخلها ساعات ودقائق وبين كل هذا لم يكن هناك سواه، قد عشق القلب والتهبت الروح بشدة بعد أن علمت بالخطر المحيط بها لأجل ذلك العشق..
منذ أن كانت طفلة صغيرة تحبه، مراهقة تحبه، شابة تحبه، فتاة راشدة تحبه، وإلى الآن تحبه، كان هناك خطر دائم كمثل أمواج البحر الثائرة، تهبط وتهدأ ثم على حين غرة تأتي إليها من دون ميعاد لتدمر كل ما بنته.. ولم يكن هذا الخطر إلا هو..
كان صبي مشاغب وفتى مرح يحب خوض تجارب كثيرة في الحياة والآن هو رجل ناضج عاقل ومن حين أن أصبح كذلك يفعل كل ما يحلو له، دون أخذ أمر من أحد أو الاستماع إلى نصيحة من أحد، يلهو كثيرًا مع فتيات الملاهي الليلية، يعبث معهم بكل جوارحه، يشرب الخـ ـمر وما حرم عليه..
يفعل كل ما يخطر على البال، وهي تعرف كل ذلك، تعرف أنه قاسي، عنيد وحاد الطباع، عندما يرغب أن يكون محب ومرح يفعلها ويكن لأجل نفسه وللاستمتاع قليلًا، وبقية الوقت يكن الرجل الذي يريد أن يكون عليه وهي تدري.. متملك يغير وبشدة، يغضب ويثور في لحظة..
تعرف أنه لا يستمع لأبيه ولا يستمع لأي أحد من أفراد العائلة، حديثه يأتي من عقله ومهما كان خطأ فلا رجوع عنه..
تعرف إنه لعوب خبيث، ماكر وما بعد المكر شيء أسوأ من هذا، مهلًا هناك الأسوأ عندما يمارسه على من يحب.. كيف يحب؟..
مع كل ذلك أحبته، وظلت تحبه وستحبه إلى الأبد البعيد، قلبها عنيد غبي غريب لا يستجيب إليها، يعلم أنه سيواجه كثير من المتاعب، يمكن أن تكون جسد'ية لأنه في كثير من الأحيان يتطاول، يمكن أن تكون نفسية وهذا أكيد..
قلب غبي لا يستمع لأحد مر عليه سابقًا الخيانة وعاد إليه مرة أخرى غافرًا له ما فعله بعد كثير من الاعتذارات، بعد كثير من الندم والقهر الذي ظهر عليه بسببها..
ولكن الآن هذه الأخيرة، لن يكون هناك مانع أن تحبه إلى الأبد وما بعده ولكن المانع في كونها معه..
وضع كف يده اليسرى على وجنته التي تلقى الصفعة عليها، أغمض عينيه بقوة مُستنكرًا ما فعلته بطريقة حادة وقاسية ضاغطًا على أسنانه بقوة وبعنف شديد..
استدار بوجهه ينظر إليها بعد أن فتح عينيه وظهر من خلفها سماء سوداء حالكة ليس بها أي نجم معتم حتى ينير ولو ضوء بسيط بها، أخفض كف يده من على وجنته ونظر إليها بقوة ومن حولهم ينظرون إليهم..
"عامر القصاص" إنه شخص معروف هنا، المكان ملئ بالموسيقى العالية وأصوات الغناء الصاخبة ولم يرى أحد أو ينتبه لما حدث إلا القريبون منه في الجلسة وللأسف كانوا على معرفة به وبخطيبته..
عينيها لم تهبط من على عينيه، بقيت تنظر إليه بقوة وثبات، يرى الدموع تترقرق خلف الزيتون القابع داخلها ولكنها تحاول الثبات بقوة، يرى العتاب واضح بعينيها وجميع ملامحها تتحدث وهي ترفض الخضوع لكل هذه المشاعر..
وضع يده اليسرى على البار خلفه وأمسك بمفاتيحه، وضعها في جيبه وعينيه مازالت عليها دون حديث، ثم بيده اليمنى أمسك معصمها يعتقد أنه من هنا سيأخذها ويذهب للخارج ثم يعود كل شيء إلى طبيعته بكلمتين وظهور الندم عليه..
لم يحذر أبدًا نفضت يدها منه بعنف وقوة والتقزز مُرتسم على ملامحها ثم دفعته بيدها في بطنه بقوة ليعود للخلف ولكنه لم يفعل بل وقف ثابتًا..
استدارت بهمجية تُسير للخارج وهي تندب حظها وتعنف قلبها الضعيف الذي لا يتعلم من أخطائه أبدًا، خرج ورائها سريعًا يحاول الإمساك بها لكي يتحدث معها ويجعلها لا تقود السيارة وهي بهذه الحالة.. تبدو قوية ولكن هشة.. ضعيفة..
كل هذا كان تحت أنظار صديقتها "إيناس" التي ابتعدت عنهم ووقفت تشاهد بهدوء..
رآها وهي تنطلق بالسيارة ولم يستطع اللحاق بها ولكن سريعًا أحضر سيارته وذهب خلفها بأقصى سرعة، عنيدة وغبية، لسانها سليط وتتطاول بيدها لا يعلم كيف هم الاثنين يحبون بعضهم البعض.. كيف اثنين كالبنزين والنيران يعشقون بعضهم؟..
ولكنها طيبة القلب وهشة من الداخل خائرة القوى، جريئة وعنيدة ولكنها بريئة، تتمتع بمزيج غريب من الصفات التي لا تتطابق مع بعضها ولأنه تعيس الحظ وقع في حبها منذ أن كانت طفلة وكبر على أنها له هو وحده.. ملكه ومملكته.. ولن تكن سوى ذلك..
يحب كل ما بها ولكنه شخص شهواني غريب.. يعترف بذلك، يحبها هي ويهوى الغرام الأبدي معها، يحب أن يراها انثى متكاملة الأركان وهي للأسف تتمتع بهذا في جميع الأوقات.. تُرهقه..
لكنه يعترف أيضًا أنه غبي، لما قد يثمل الآن؟ لما قد يضع هذه الفتاة بين يده بهذه الطريقة الغريبة!.. لأ يتذكر من الأساس متى فعل هذا؟ هو فقط وجدها تقف أمامه وقبلها جذبته إلى ساحة الرقص دون حديث بينهم.. لما قد يفعل ما تريد تلك الغبية وزفافه بعد شهر واحد منها هي..
وقف أمام بوابة الفيلا الداخلية بالسيارة، خلف سيارتها التي هبطت منها للتو، وسارت إلى الداخل بسرعة، كم حادث حاول أن يتفاداه لأجلها، عقله ليس به إنه إلى الآن ثمل.. دلف خلفها ركضًا ليمنعها من الحديث مع أي أحد، يعلم أنها أيضًا غبية ولن تصمت كما المرات السابقة وتجعل الجميع يعلم بأشياء تخصهم وحدهم..
خيبت ظنه وراها تصعد متجهة إلى غرفتها، تنهد بقوة وتقدم إلى المرحاض في الأسفل، دلف إليه ووقف أمام حوض الغسيل يأخذ من صنبور المياة الذي فتحه ويلقي بقوة على وجهه لكي يستفيق أكثر ويستطيع التحدث معها والإجابة عن كل ما ستطرحه عليه والتحدث عما يريد..
أغمض عينيه بقوة شديدة وهو يلقى المياة مرات كثيرة ثم أخيرًا أغلق الصنبور وأمسك بالمنشفة يجفف وجهه..
خرج إلى الصالة الكبيرة ولم يكن هناك أي أصوات في الفيلا.. نظر إلى الأعلى حيث مكان غرفتها، تقدم يسير بثبات ثم صعد على الدرج بخطوات سريعة..
دلف إلى الناحية الخاصة بهم، لقد كان الطابق العلوي منقسم نصفين، كما في الأسفل تمامًا، النصف الأيسر من الفيلا يخص "أحمد القصاص" وزوجته وأولاده به غرفة نوم له، وأخرى إلى ابنته "سلمى" وأخرى كانت تخص "ياسين" قبل الانتقال للأعلى مع زوجته "هدى"، وغرفة بها شاشة تلفاز وصالون والناحية الأخرى مثلها تمامًا، غرفة نوم لـ "رؤوف" وزوجته وأخرى لـ "عامر" وأخرى لشقيقته قبل الانتقال للأعلى مع زوجها وكل غرفة بها حمامها الخاص..
وقف أمام باب غرفتها ثم أمسك المقبض وفتحه، طل من الخارج ينظر إلى الداخل ليراها تجلس على الفراش منحنية على نفسها تضع وجهها بين كفي يدها ولم تكن تتوقع أنه سيصعد إليها هنا في غرفتها..
وقفت سريعًا عندم استمعت إلى صوت الباب، نظرت إليه بقوة صارخة:
-أمشي من هنا
لم يستمع إليها ودلف إلى الغرفة وأغلق الباب خلفه، رآها تتقدم منه بعنف فأغلق الباب بالمفتاح وأخذه في جيبه، استدار ينظر إليها بقوة، بعينين لونهما أسود حالك واستمع إلى صراخها الحاد:
-أطلع بره يا عامر
وقفت أمامه ثابتة ومحت كل ما رآه منذ لحظات، وأصبحت أخرى أمامه، لم ينسى ما الذي فعلته لذا أول ما قاله كان بصوت جاد قوي:
-أنا هفوت القلم اللي أخدته منك بمزاجي
نظرت إليه ساخرة بشدة، لوت شفتيها بتهكم وأردفت مُجيبة إياه وهي ترفع إحدى حاجبيها:
-لأ متفوتوش.. أنا مش عايزاك تفوته وريني هتعمل ايه؟ هتضربني ولا هتردلي القلم؟ ولا يكونش هتعاقبني وتروح تتوسخ مع واحدة من الأوسا* بتوعك
بلل شفتيه بلسانه، أخذ نفسٍ عميق ثم عقب على حديثها بجدية محاولًا السيطرة على الوضع الذي بينهم:
-سلمى إلزمي حدك معايا.. بلاش الأسلوب ده علشان أنتي عارفه أنه بيعك عليكي في الآخر
صاحت بشراسة وعنف مُردفة:
-لأ دا كان زمان.... دلوقتي مافيش الكلام ده ويلا أطلع بره من هنا
أقترب منها بهدوء ناظرًا إليها بقوة وهتف بنبرة مُنزعجة متضايقة بشدة:
-سلمى أنتي فاهمه غلط.. محصلش حاجه لكل ده
صاحت بعنف وشراسة وهي تعود للخلف ملوحة بقوة بيدها مُتهكمة على الحديث الذي يهتف به:
-آه صح محصلش.. ايه يعني لما ألاقيك سكران وإيدك على واحدة وسـ** في وضع وسـ* زيكم
أقترب هو خطوة وكرمش ملامح وجهه محاولًا التعلق بأي شيء ليقنعها أن تنهي ما يحدث:
-اديكي قولتي كنت سكران وبعدين معملتش حاجه لكل ده هي جت جنبي وكل اللي حصل اللي أنتي شوفتيه والله حتى معرفش حصل إزاي
أبصرت عينيه السوداء بفعل غضبه مما يحدث وتسألت بجدية ثم أجابت على نفسها تُهينه:
-بجد؟ أنت كداب
نفى ما قالته عنه وهو يشيح بيده مثلها بقوة:
-لأ مش كداب
ذهبت إلى الفراش ثم أخذت الهاتف من عليه، وقفت لثواني تفتحه وتأتي بتلك الصور التي كانت في رسائل صديقتها "إيناس" والتي كانت عبارة عنه هو ومعه تلك الفتاة في وضعيات صعبة للغاية عليها كـ خطيبته وحبيبته وزوجة المستقبل القريب للغاية..
أقتربت منه ووضعت الهاتف أمام وجهه على إحدى الصور تتحدث بغل وكراهية لا تدري من أين حلت عليها، تزيح غيرها وهي على نفس الحال:
-طب وده ايه؟. مش بترقص معاها هنا؟ إيدك الزبالة فين؟ ودي شايف دي بتعمل ايه؟.. بتقولها كلمة سر في بوقها مش كده
أخفضت الهاتف من أمام وجهه وألقته بعنف على الفراش مرة أخرى، نظرت إليه وتحلت بالقوة دون الضعف، أجبرت نفسها على الصراخ والظهور في وضع قوي ليس ضعيف وأجبرت عينيها على الصمود إلى حين مغادرته:
-أطلع بره أنا مش عايزة أشوف وشك ده تاني
أقترب مُمسكّا ذراعيها الاثنين ضاغطًا عليهما بكفي يده، تحولت ملامح وجهه للين والهدوء راجيًا منها السماح مؤكدًا على حبه لها:
-سلمى أنا بحبك وأنتي عارفه كده ومش بشوف أي واحدة تانية غيرك، أنا كنت سكران وعارف إني غلطت بس أنا معملتش أكتر من كده
أبصرت عينيه بقوة، تود لو تصدقه ولكنها لن تفعلها، يكفي إلى هنا عذاب منه وإليه، يكفي إلى هنا غفران له، عليه أن يتحمل نتيجة ما يفعل ويرى أنها ليست مضمونة القبول دائمًا:
-المطلوب مني ايه؟ أسامحك؟ واستنى المرة الجاية لما تكون نايم في سريري مع واحدة منهم مش كده؟..
ضغط على يدها أكثر وهتف برجاء أكبر لا يراه أحد أبدًا ولم يخرج يومًا لأي أحد سواها، هي فقط من رأت المرح به والصدق والمكر والخبث والضعف، هي من رأت كل الصفات وهو بغبائه يضيعها من بين يده ولكنه صدقًا لم يفعل هذا بإرادة منه:
-سلمى أنا آسف أوعدك مش هتتكر تاني وهبطل شرب خالص
نفضت يدها الاثنين منه بقوة وعنف وعادت للخلف صارخة به مُتهكمة عليه وكل ما يخرج من بين شفتيه يذكرها بما فعله سابقًا وهي غفرته ولكنه لم يتعلم الدرس:
-يا سلام على الصدق والحنية.. نسيت إني سمعت الكلام ده قبل كده؟. أفكرك؟ تمام مرة قبل كده لقيت صور قذرة أقذر ما يكون على موبايلك!.. وياترى المرة التانية كانت ايه! كانت ايه! آه كنت بتكلم واحدة عليا بردو في القذارة مش كده!.. بقينا في تقدم ما شاء الله أهو استمر
مسح على وجهه بكف يده بضيق وضجر شديد نظر إليها ووضع يده اليسرى في جانبه والأخرى يلوح بها بنبرة جادة قوية بعد أن ارهقته في اللين والهدوء:
-الموضوع مش مستاهل كل ده يا سلمى.. غلطه صغيرة محصلش حاجه وأنا أهو بعتذر وبقولك مش هتتكرر تاني ولا أنتي عايزة مشكلة تانية تأجلي بيها الفرح تاني
عقبت بشرود وعينين ذائغه:
-الفرح!.. صح الفرح
أبصرت عينيه مُطولًا ولكن هذه المرة تخلت عن القوة والشجاعة، أبصرته بعتاب وضعف، عيون مُرهقة وشفـ ـتين ترتجف، نظرت إلى بنصر يدها اليمنى والذي به خاتم خطبة من الألماس، جذبته من إصبعها ثم تقدمت ممسكه بكف يده ووضعته به تغلقه عليه وعادت للخلف خطوة وكأن شيء لم يكن..
فتح كف يده ينظر إلى الخاتم به بذهول، ثم رفع عينيه عليها يتسائل بقوة:
-ايه اللي بتعمليه ده
أردفت تُجيبة بنبرة خافتة ووجهها يحمل ألم ومعاناة لن يستطيع أن يفهمها مهما حدث:
-مافيش فرح ومافيش جواز ومافيش أي حاجه تربطني بيك غير إنك ابن عمي يا عامر
أقترب منها على حين غرة يضرب جانب رأسها بأصابع يده بقوة وعصبية بعد أن أغضبته بحديثها الغير مقبول بالمرة:
-أنتي اتجننتي.. لأ فوقي كده وركزي معايا الفرح في معاده يا سلمى والهبل ده تنسيه
دفعته في صدره بعنف شاعرة أنها تود التقيؤ فقط بسبب رؤيته:
-أبعد عني وأطلع بره أنا أصلًا مش طيقاك.. أطلع بره
صرخ بصوتٍ عالٍ وحاد غاضب للغاية، خطأ ويعلم أنه مُخطئ ويعترف بذلك وستكون آخر مرة لما تفعل هذا؟:
-يعني ايه مش طيقاني؟ يعني ايه.. أموتلك نفسي ما قولت غلطة ومش هتتكرر تاني
إنه إنسان مُذهل حقًا كيف له أن يكون هكذا؟ هل يرى أن ما فعله شيء عادي تستطيع أن تنساه هكذا بسهولة! وحتى لو أنه لا يتعلم من خطأه بل هو يحبها ويهوى أن يكون مع غيرها.. إنسان لم ترى مثله أبدًا..:
-أطلع بره يا بجح يا حيوان.. بره
نظر إليها بقسوة شديدة وتقدم منها مُمسكًا بكف يدها الأيمن بقوة يعتصره بين يده واضعًا بإصبعها البنصر خاتمها مرة أخرى، في تلك اللحظات كانت تحاول دفعه بيدها الأخرى بقوة هشة قائلة بعناد:
-بردو مش هتجوزك يا عامر.. ملعون أبو الحب اللي يعمل فيا كده ويخليني مستحملة القرف ده
لم يكن يستمع إليها من الأساس، ترك يدها بعد أن وضع بإصبعها الخاتم ثم أمسك رأسها بيده الاثنين بكامل قوته على حين غرة وفي لحظة خاطفة بينهم لم تكن متوقعة أن يفعل هذا وأقترب منها بشدة واضعًا شفتيه على خاصتها بعنف وقوة كبيرة يثبت لها ولنفسه أنها حبيبته ملك له وحده تحلو له وتكن معه متى ما أراد..
ضربته في ذراعيه بقبضة يدها الاثنين بقوة محاولة دفعه عنها، ولكنه لم يفعل بل استمر في تقبيلها بطريقة مُرهقة للغاية جعلتها خائرة القوى وكان هو معتاد على ذلك ويدرك الأمر جيدًا، يده الاثنين تتمسك برأسها بقوة وعنف وشفتيه لم تترك لها الراحة بل كان هذا بمثابة عذاب..
تركها في لحظة بعد أن شعر أن قبضة يدها تثقل وأنفاسها تنقطع، عادت للخلف تلهث بعنف وقوة مُنحنية على نفسها ووجهها أحمر قاتم بسبب انقطاع الهواء عن رئتيها..
رفعت رأسها وهي تلهث بعنف وأقتربت منه تضربه بقبضة يدها في صدره صارخة بغضب شديد:
-أطلع بـره
هتف هو ببرود مستفز وهو يتوجه للخارج:
-سلمى القصاص مرات عامر القصاص من يوم ما عينه وقعت عليها وطلبتها غير كده أنتي عارفه إنه مش مقبول وأنتي أكتر واحدة عارفه مين هو عامر يا سلمى فمش محتاجة إني أتكلم كتير
صرخت بعنف وبصوت عالي وهي تتقدم منه تضربه بقبضة يدها الاثنين في أي مكان يقابلها بجسده:
-بره يا عامر
أخرج المفتاح من جيبه وفتح الباب تحت ضرباتها على ظهره وذراعيه ثم خرج وتركها، أغلقته هي من خلفه بالمفتاح وجلست على الأرضية خلف الباب تبكي بقهرة، تبكي كما لو أنها لم تبكي من قبل، وتلك الفتاة التي كانت تصرخ عليه منذ لحظات اختفت وأتى أخرى غيرها لأول مرة تحضر الموقف الآن..
لما قد يفعل بها ذلك! لما يخونها! أهي ليست كافية بالنسبة إليه! ولكنها تعلم وتتأكد أنه يحبها إلى أبعد ما يكون، لماذا إذًا! حاولت كثير من المرات أن تبعده عن ذلك المشروب الذي يدمر حياتهم ببطء ويدمر صحته كل يوم أكثر من السابق ولكنها لم تستطع فعلها!..
هل عليها أن تتقبله بكل هذه العيوب أم تحاول تغيره؟. لن تحاول تغير أحد بعد الآن فهي ملت منه ومن أفعاله الدنيئة الحل الوحيد بينهم هو الابتعاد عنه إلى الأبد.. أحيانًا يكون السم في الدواء وعلاقتهم هكذا بالضبط..
بكيت بقلب مفتور وعينين ذائغه، لقد أحبته كثيرًا ولم ترى غيره طوال حياتها، بُنيت أحلامها عليه هو، حبيبها وزوجها والنصف الآخر لها كيف الآن تتخلى بهذه السهولة، كيف تفعل ذلك..
قلبها مفتور، مُنقسم إلى نصفين، مُحطم تمامًا، تخيل الأمر صعب للغاية وهي قد شاهدته ووضعت به، شعورها الآن لا يصف، خيبة كبيرة حلت عليها مزقت ما بداخلها..
عرسهم كان بعد شهر من الآن!.. لقد تم الانتهاء من عش الزوجية في الطابق الأعلى! لم يبقى سوى أن تقوم بفرشه.. كانت ذاهبه لتحضر فستان زفافها!..
كيف له أن يفعل بها ذلك ويسرق فرحتها منها!.. لم يستطع تمضية بعض الوقت كرجل نظيف عاقل يكتفي بامرأة واحدة بحياته!..
مشاعر غريبة تصف بالخيبة والخذلان، الضعف والإنكسار وكل ما كان يعادل هذه الصفات الآن هي تشعر به مع كثير من البكاء الحاد النادم على كل ما مر بها معه..
❈-❈-❈
"اليوم التالي"
الجميع يجلس على سفرة الطعام لتناول وجبة الإفطار، الجميع يتحدث بمرح كالعادة وفي المنتصف حديث عن العمل إلا هما الاثنين، كانت عينيها مُنتفخة يظهر هذا بوضوح، ملامحها مُرهقة للغاية ووجهها شاحب بشدة، يجلس مقابل لها ينظر إليها من الحين إلى الآخر يحاول أن يفهم ما الذي تفكر به..
إنه غبي لقد أخطأ كثيرًا، ليته لم يخضع للمشروب ليلة أمس وليته لم يرى تلك الفتاة، وضع الطعام في فمه ورفع رأسه ينظر إليها بعمق والتفكير داخل رأسه لم يقف إلى الآن..
هذه أول مرة له يفعلها، كيف علمت هي! كيف علمت بمكان وجوده ومن أين أتت بتلك الصور التي جعلته يراها في هاتفها!؟..
هل هناك من رآه وقام بتصويره لها؟ أم أنها لم تثق به من آخر موقف قد حدث وراقبته؟.. لأ لأ الإحتمال الأول هو الأكثر حدوثًا هي تثق به كثيرًا وتعلم أنه يحبها حتى أكثر من نفسه.. صديقتها الخبيثة الحقيرة هي من فعلت ذلك.. لقد ظهر إسمها وهي تجعله ينظر إلى تلك اللقطات
ما حدث كان خطأ عليها أن تغفره يعلم أنه الخطأ الثالث وهذه المشكلة الأكبر والذي تصعب غفرانها ولكن لن ييأس فهي حبيبته وزوجته رغم عن أي أحد حتى هي.. هي ملك له وحده، هي من ممتلكات "عامر القصاص"
استمع إلى صوت عمه "أحمد" يتوجه بحديثه إليها قائلًا بتساؤل:
-مالك يا سلمى مش على بعضك النهاردة وشكلك تعبانه
أبصرت والدها بعمق وتركت ما بيدها، رفعت يدها على سفرة الطعام، والذي نظر إليها وكانت فارغة من خاتم الخطبة الذي ألبسها إياه بالأمس، أردفت بنبرة خافتة:
-أنا عايزة أسافر يا بابا
مضغ والدها الطعام في فمه وأبعد نظره عنها إلى الطاولة قائلًا:
-ماشي يا سلمى منا قولتلك تمام
أغمضت عينيها للحظة ثم فتحتهما قائلة بقوة هذه المرة:
-بس أنا مش هسافر علشان الفستان
نظر إليها مرة أخرى مُتسائلًا باستغراب وعينيه عليها:
-اومال علشان ايه
أجابته بقوة ناظرة إلى الآخر الذي يجلس مقابلًا لها وأردفت بجدية شديدة غير مبالية به:
-أنا عايزة أسافر امريكا عند خالي ومش راجعه
استدعت انتباه الجميع، الجميع نظر إليها باستغراب جلي وقع عليهم بعد الاستماع إلى كلماتها الغير محسوبة بالمرة، ولكنه الوحيد الذي تدارك ما قالته ووقف على قدميه يصيح بقوة وعنفوان وعروقه بارزة في جسده:
-اللي بتقوليه ده مش هيحصل.. على جثتي
وقفت قبالته بعنف وهمجية تصيح بصوت عالي مثله وأكثر وقد كانت مقررة من الأساس أن هذا الذي سيحدث:
-أنت مين أصلًا علشان تتكلم.. أنت آخر واحد ممكن أسمع منه حاجه
بكامل الغضب أجابها وصوته صارخ حاد يشير بيده اليمنى بتأكيد:
-هتسمعي غصب عنك والفرح هيتعمل في معاده يا سلمى ومافيش زفت سفر
كادت أن تُجيب عليه تحت أنظار الجميع ولكن شقيقها وقف على قدميه وتقدم منها سائلًا إياها بجدية واستغراب بعد أن توصل إليه أنها تريد التأخير مرة أخرى:
-أنتي عايزة تأجلي الفرح تاني يا سلمى!.. أظن كفاية كده عامر عنده حق
أجابت على شقيقها بتأكيد مُتهكمة ثم أكملت بجدية شديدة لا تحتمل النقاش:
-عنده حق آه.. طب أسأل اللي عنده حق هو عمل ايه وبعدين تأجيل ايه ده اللي بتتكلم فيه.. الفرح ملغي ومافيش جواز وعلشان تحط سلمى وعامر في جملة واحدة ده مستحيل
لف "عامر" حول السفرة وتقدم ليقف جوارها جاذبًا يدها لتستدر وتنظر إليه ثم صاح بحدة وبوجه ملامحه حادة:
-لمي الليلة دي وأعرفي أنتي بتقولي ايه
نفضت يدها منه بعنف مُجيبة بقوة:
-أنا عارفة كويس أنا بقول ايه الدور والباقي عليك أنت
نظر "أحمد" إلى شقيقه "رؤوف" الذي بادلة نفس النظرات لقد حظره من الموافقة على زواج ابنه من ابنته، كان على دراية بما سيحدث في المستقبل بينهم، كان يعلم أن ابنه ليس جدير بالثقة الذي أعطاه إياها عمه وأعتقد الجميع أنه يقف أمامهم..
وقف "أحمد" بينهم ونظر إلى ابن شقيقه مُتسائلًا بجدية ونبرة ثابتة:
-عملت ايه يا عامر
لم ينظر إلى عمه بل بقيٰ ناظرًا إليها، عينيه السوداء الذي اختفى لونها الحقيقي منذ أمس تقابل عينيها في صراع بينهم:
-معملتش حاجه يا عمي دا سوء تفاهم بيني وبينها بس هي مكبرة الموضوع شوية
صرخت بعنف وهي تدفعه في صدره أمام الجميع بقبضة يدها اليمنى تقول بهمجية:
-سوء تفاهم!.. لما أشوفك في وضع زبالة مع واحدة ده بالنسبة ليك سوء تفاهم؟
صرخ مقابلًا لها فبعد كلماتها الجميع سيظن شيء آخر:
-هو أنتي شوفتيني في السرير اومال لو مكنتش وسط ناس... وبعدين أيوه سوء تفاهم وموضوع تافهه كل اللي حصل إني شربت ورقصت مع واحدة واتسليت شوية فين المشكلة
أردفت شقيقته متخذة دور "سلمى" وهتفت بتقزز واستنكار لتلك السهولة التي يتحدث بها، واضعة نفسها محل شقيقة زوجها متخيلة أن هذا الحديث المستفز لها:
-بجح
تحت أعين الجميع وبعد كلماته الأخيرة نظرت إليه مُطولًا ولم يجرؤ أحد في تلك اللحظات على الحديث، حقًا الوضع سيء بين شخص يرى أنه لم يفعل شيء مشين وآخر تحطم قلبه لأجل خيانة مقررة من الطرف الآخر..
وضعت يدها في جيب بنطالها وأخرجت الخاتم الخاص بخطبتهم ثم وضعته أمام الجميع على سفرة الطعام قائلة بجدية وثبات واضح وصريح بعد الاستماع إلى كلماته والذي بدى منها أنه غير نادم:
-أنا فسخت خطوبتي بيه.. ومش عايزاه.. مش مستعدة أعيش مع واحد نسوانجي
استدارت برأسها إليه مُكملة بقوة:
-تقدر تشوف واحدة تانية غيري تستحمل قرفك ووساختـ* لكن أنا لأ... خلاص خلصت كده وهسافر يا عامر وغصب عنك
خرجت من الغرفة بعد أن نظرت إليه بحدة وقسوة غريبة عنها، لم تنظر إليه هكذا يومًا، لم تقف قبالته هكذا يومًا حتى في المرات السابقة لم تفعلها، ولكنه لن يصمت ولن يجعلها تفعل ما يحلو لها، ستكون زوجته رغمًا عن أنف الجميع وهي أولهم، لن يترك هذا الخطأ الصغير يبعدها عنه بهذه الطريقة الموجعة، لن يجعلها تهدم كل ما بناه في تلك السنوات الماضية.. ولن يترك حبه يذهب هدرًا
خرج من الغرفة هو الآخر بعصبية شديدة ووجه قاسي ملامحه مخيفة، بعد أن أخذ الخاتم من على السفرة مقررًا داخله أن كل شيء سيكون كما هو مهما حدث..
جلس والدها مرة أخرى وعينيه على شقيقه بطريقة غريبة، وكان الآخر يقول له أن هذه البداية فابنه ليس كأي شخص عادي بل إنه عنيد قاسي يستطيع أن يدمر كل من حوله فقط لإسعاد نفسه..
جلس "ياسين" مرة أخرى في مكانه تحت صمت وفراغ مُميت من الجميع.. فقط نظرات تتحدث وتقول كل ما لا تستطيع أن تقوله الألسنة..
❈-❈-❈
دلفت إلى مكتب والدها بهدوء وأغلقت الباب خلفها، سارت إلى الداخل وجلست أمامه على المقعد بصمت وجدية، رفعت عينيها عليه وتحدثت قائلة بصوت جاد:
-أنا عايزة أسافر عند خالي يا بابا
أبصرها للحظات دون حديث يفكر فيما تقول جيدًا، مُحاولًا أن يرى الأمور من كل الاتجاهات، أردف مُشيرًا بيده:
-القرار متاخد في وقت غضب
عقبت بجدية واضحة ليتفهم عقل والدها ما الذي تتحدث عنه وتفكر به، وما الذي ستفعله مهما حدث ولن تعود عنه:
-لو كان قرار السفر غلط فأنا أقدر أرجع في أي وقت أما قرار انفصالي عن عامر فده مستحيل يكون غلط
لأن والدها أول مرة له أن يستمع إلى هذا الحديث تسائل باستغراب:
-وايه اللي خلاه مستحيل يا سلمى
كرمشت ملامح وجهها بطريقة مُرهقة تسرد بوضوح وكأنها تعاتبه وهو يجلس أمامها:
-عمايله!.. من زمان أوي كان لازم أخد القرار ده وأبعد عنه.. علاقتي بيه علاقة سامة يا بابا عامر عايز كل حاجه على مزاجه حتى لو غلط وآخر حاجه كنت أتوقعها منه إنه يقف يبرر اللي عمله بالطريقة دي.. إنه بيتسلى!..
تسائل والدها مرة أخرى ليتأكد من ثبات ابنته بعد اتخاذها تلك القرارات المصيرية بحياتها:
-يعني أنتي مش هتندمي على القرارات دي
أشارت بيدها موضحة بجدية وعقلانية وكأنها كانت تحت تأثير منوم مغناطيسي والآن قد استفاقت منه:
-حتى لو هندم المهم إني حاولت أنقذ نفسي من وجودي معاه.. أنا مش مستعدة أكون مجرد واجهه في حياته.. اشمعنى ياسين محافظ على أخته
أكمل مُجيبًا قائلًا بنبرة جادة هادئة بنفس الوقت لينة على مسامع ابنته:
-إحنا مش بنختار اللي بنحبهم يا سلمى ولا بنختار صفاتهم وعامر كده من زمان وأنتي عارفه
استدارت تنظر إليه واعتدلت بكامل جسدها على المقعد لتواجهه مُتحدثة بقوة تثبت له أنها كانت تود المحاولة ولكنه لم يفلح معها:
-عارفه وحاولت أغيره بس هو متغيرش
لم يبخل عليها بقول الحقيقة الذي يدور حولها من بداية النقاش وهتف بنبرة واثقة:
-بس بتحبيه!..
نظرت إليه بعينين مُتسعة بفعل ذاتها، تحبه!.. كانت تحبه وتحبه وستحبه ولن تحب أحد غيره، يا لك من قلب غبي لقد فهمت الآن كيف القلب معذبه، أجابت بجدية بعد أن جعلت كل خلية بها تصمت سوى عقلها:
-هيفيد بايه الحب لما نتجوز ويخوني يا بابا؟.. هيفيد بايه إنه يقف يبجح فيا ويقولي بتسلى؟ هيفيد بايه لما يرجع سكران قدام ولاده؟
أومأ إليها برأسه وقد فهم أنها قررت والقرار صحيح وليس به أي ثغرة تجعلها تعود عنه، معها كامل الحق في كل كلمة هتفت بها ليس عليها أن تتحمل منه أكثر من هذا، تسائل بهدوء:
-ناوية تقعدي هناك قد ايه
تجهل إجابة هذا السؤال، متى من الممكن أن تعود هل بعد شهر يمر عليها بالاشتياق ومرارة الفراق أم بعد عام استطاعت فيه أن تتخلى عنهم جميعًا:
-مش عارفة يا بابا
شعر أن عليه التحدث بالآسف لأنه وافق على علاقتهم على الرغم من أنها كانت موافقة والجميع كذلك سوى والده:
-أنا آسف
وقفت على قدميها وتقدمت منه، انحنت بجذعها عليه وهو جالس على المقعد ثم قامت باحتضانه بقوة كبيرة تجذب منه الأمان والسند الأكبر، تتمتع بوجودة الذي ستحرم منه مدة لا تعرف كم هي ومن الأفضل ألا تعرف:
-متتأسفش أنا اللي عملت في نفسي كده
❈-❈-❈
جلست على الأرجوحة في حديقة المنزل، لم تجف عينيها ذات اللون الزيتوني عن البكاء، لا تستطيع أن تصف الشعور الذي يراودها، لا تتخيل أن هذا حدث بالفعل..
منذ ليلة أمس وعينيها الواسعة المرسومة بدقة لم تكف عن البكاء الحاد، على شخص أحبته بكل جوارحها، غفرت له كثير من المرات هفوات سابقة له، تحملته في جميع الأوقات بكل تقلباته وفي النهاية تكن هذه المكافأة الخاصة بها!.. يخونها مرة أخرى ويدعي أن الأمر ليس بهذه الصعوبة بل كان يمرح قليلًا وكأنه شيء طبيعي مفروغ منه وهي من افتعلت كل ذلك!..
مشاعر غريبة تعصف بها منذ لحظة دخولها ذلك المكان ورؤيته بهذه الحقارة تجعلها تود البكاء أكثر، في البداية شعرت بخيبة أمل به، خذلان لم تشعر به من قبل، وقد كسر قلبها وحطمه تحطيمًا، وذلك الحزن الذي ينهش كل عضو وخلية بها، حزن وقهر وبكاء ومرارة الفراق تعذبها من الآن.. من قبل أن ترحل وتتركه..
لا تستطيع أن تتخيل أنه من الأساس فعل هذا، تحزن وتعود تقول أن هذا كابوس "عامر" لن يفعلها مهما حدث فهو مُكتفي بها منذ الصغر وإلى الأبد، ولكن في لحظات تستفيق على ضربات موجعة تأكد أنه فعلها وتناسى كل ما بينهم..
لا تدري حقًا أهذا قلب أم شيء آخر؟.. بعد كل ما يفعله تحبه وتهواه، قاسي وحديثه بغيض، متهور وعصبي وأفعاله دنيئة، خائن ومتملك وإلى الآن تحبه، الشيء الوحيد الذي تستطيع أن تفرح لأجله أنها استطاعت أن تأخذ قرار الإبتعاد وحتى لو كانت روحها معلقه به، لن تتكيف مع التعايش بهذه الطريقة، ستتركه وترحل، لن تستطيع أن تمنع قلبها عنه ولكن تستطيع أن تمنع نفسها، ستبتعد وإلى الأبد إلى حين أن ترى غيره أو يرى غيرها!!... يرى غيرها!..
لا لن يفعل هذا، هل حقًا سيرى غيرها!، يحبها ويريدها أن تكون ملك له وزوجته كما هي!.. يغازلها بكلماته وعينيه الوقحة!.. يهوى غيرها ويتركها ويجعل الفراق يدلف بينهم!..
لما قد تفعل هذا يا "عامر" لما تسمح لنفسك بالإبتعاد، لما قد تدمر هذه العلاقة وتجعلنا نشتت بهذه الطريقة!..
وجدت بوابة الفيلا الخارجية تُفتح لمرور سيارة عبرها، وكانت سيارته وجدته ينظر إليها من خلال النافذة فور دخوله ومعرفته أنها هنا..
وقفت على قدميها تسير بخطوات واسعة لتدلف إلى الداخل كي لا تتقابل معه، أوقف السيارة سريعًا عندما أدرك أنها تفعل هذا وتحتمي بمن في الفيلا مبتعدة عنه غير سامحة له بالحديث معها..
خرج من السيارة ركضًا إليها وأمسك معصم يدها عندما أقترب منها جاذبًا إياها إليه:
-سلمى استني
استدارت تنظر إلى سواد الليل داخل عينيه قائلة بانزعاج وضيق:
-نعم؟
بهدوء سيتحدث هذه المرة، لن يخرج عن شعوره مهما قالت ومهما فعلت وسيحاول باللين أن يمرر الأمر ويجعلها تعود عما في رأسها:
-عايز أتكلم معاكي
صاحت بقوة وثبات:
-مافيش كلام بينا
نظر إلى شفتيها المكتنزة التي تحركت بقوة تدلى برفضها له وتحدث هو بلين ونبرة هادئة:
-معلش هما كلمتين
جذبت يدها منه ووقفت أمامه تعطي إليه جانبها ووضعت يدها الاثنين أمام صدرها تنتظر منه الحديث:
-قول يا عامر
كرمش ملامحه وأظهر عليها الضعف الشديد مع القليل من الحزن والندم الكثير ولم نقل أنه كان بارع في التمثيل:
-أنا آسف.. أنا آسف بجد، اللي حصل كله كان غلطه معقول تنهي كل حاجه بينا علشان غلطه يا سلمى، هتسيبيني وتمشي علشان غلطه
استدارت بعنف وأخفضت يدها الاثنين إلى جانبيها تتقدم منه بوجهها بعنفوان صارخة:
-غلطه!.. دي اسمها خيانة
أمسك يدها مرة أخرى ووضح إليها الأمور من منظورة الخاص والذي كان خطأ بالنسبة إليها وقرارها ليس به أي نقاشات ستجرى:
-لأ يا سلمى مش خيانة.. الخيانة دي لما أكون عايز غيرك لكن أنا عايزك أنتي ومافيش واحدة غيرك تهز مني شعره.. اللي حصل إني كنت شارب بس وغلطت لما سمحتلها تقرب وأنا اتماديت
أردفت بقسوة وثبات واضح، وبنظرة حادة قوية:
-سيب ايدي وأبعد عني لأنك مش هتعرف تغير رأي، أنا أخدت قراري وخلصنا ومبقتش عايزاك
سيحاول لآخر مرة أن يكون هادئ ويستمر في ذلك النقاش المرهق إليه وإلى تمثيله الذي لا يحب أن يستمر في فعله:
-لأ عايزاني وأنا وأنتي عارفين كده كويس.. أرجوكي كفاية لو حتى عايزة تأجلي الفرح ماعنديش مانع ولو عملتها تاني موتيني مش بس أبعدي عني
نظرت إلى عينيه بقوة مُثبتة عليهما وحركت شفتيها بحديث حاد قوي مزقه من الداخل إلى أشلاء وعبث برجولته بعد الاستماع إليه من بين شفتيها المكتنزة الخاصة به:
-أنت أخر واحد ممكن أكمل حياتي معاه.. أنا محتاجة واحد يكون مكتفي بيا.. مكتفي بوجود سلمى في حياته والواحد ده مش أنت
نفضت يدها منه بعنف وسارت في طريقها إلى الداخل، أقتربت من درجات سلم البوابة وهي تسير جوار حائط الفيلا وهو وقف ينظر إليها بذهول ويفكر في حديثها القاسي والذي أخرجته بكل برود وعنف..
سار بخطوات واسعة ولم يكونوا إلا ثلاث خطوات ووصل إليها أمسكها من يدها الاثنين دافعًا إياها إلى الحائط فـ اصطدم ظهرها به بقوة وعنـف، نظرت إليه بعد أن تأوهت بألم بفعل ذلك الاصطدام لتراه في حالة القسوة الشديدة والخروج عن السيطرة المعهود منه وصرخ قائلًا في وجهها:
-ومهما حصل مش هتكوني غير ليا... أنتي ليا غصب عن عين أهلك
استفزته بضحكتها الساخرة وسؤالها المُتهكم ببرود واضح وصريح:
-ودي هتعملها إزاي
أبصر وجهها بالكامل وأخذ لحظات يفعل ذلك وهو يسير بعينيه على ملامحها، ثم آخر شيء فعله أنه وقف بعينيه على خاصتها قائلًا بنبرة قاسية حادة متناسيًا كل الود الذي كان بينهم ويده تضغط على يدها بقوة مؤلمة:
-مش هخليكي تنفعي يا سلمى... ووقتها هنشوف مين اللي هيطلب الجواز من التاني
تبادلت معها النظرات، نظراتها نحوه كانت ذهول وصدمة خالصة بينما هو حدة وقسوة لا نهائية..
❈-❈-❈
"يُتبع"
تكملة الرواية من هناااااااا
تعليقات
إرسال تعليق