القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

اسكريبت قسمةالشبينى_طيف_السلطان 4_5_6_الاخيره

الحلقة الرابعة


شعرت بالأمان للمرة الأولى منذ أمد بعيد ، منذ تناول منها العصى بصمت و أشار لها لتتابع طريقها ثم غاب عن ناظريها لكنها تعلم أنه هناك ..


كم هو شعور ممتع أن تشعر بشخص مهتم لأجلها هى .. وهى قد اعتادت تهميش الجميع والحياة أيضا .. كانت أوقاتا تظن أنها لا ترى للأعين وأن هؤلاء الناس لا يرونها إلا وقت حاجتهم لعملها الذى يسخرونها فيه لقاء القليل من المال .

كثيرا ما رأت اسمها مطابقا لحياتها ؛ طيف لا يرى ولا يشعر أحد بوجوده .. تسير بين الناس لا تتربص بها سوى الأعين الجائعة لجمالها والذى مهما حاولت اخفاءه يراه من يشتد جوعه لها .


للمرة الأولى تقطع هذا الطريق وتتمنى ألا ينتهى فقط لتشعر أنها بعنايته لفترة أطول .


كادت أن تصل لتدور على اعقابها تبحث بعينيها عنه لتراه على مقربة منها ، بادلها ابتسامة صافية لم تر مثلها على وجه رجل منذ الأزل .. رأت بعينيه نقاء لم تره بعينى رجل غير أبيها .. استشعرت بقربه طمأنينة لم تشعر بها مطلقا .


هل يمكن أن تشعر بكل هذا وهى قد رأته منذ ساعات ؟؟

كيف ومتى تبدلت مشاعرها تجاه الرجال ؟؟

ربما لأنه أول من رأت من الرجال !!


تقدمت نحو منزلها المتهالك بنفس مطمئنة ولم تنظر للخلف فهى تثق أنه لازال هناك .


**********


دخل سلطان للمنزل الهادئ كالعادة ليتجه نحو غرفة أمه ، فتح الباب وأطل عليها وكانت على نفس وضعها الذى لم يعد يتغير سوى فى مرات معدودة .


تقدم نحوها بمرح : السلام عليكم .. عاملة إيه يا حجة 

نظرت نحوه براحة : عليكم السلام يا نور عيني .


وضع الطعام أمامها لتمسك الأرغفة متسائلة : انت چايب العيش ده منين ؟

ابتسم سلطان : خابر إنه هيعچبك .. واحدة بتبيعه على الطريق .


اقتطعت قطعة ورفعتها تشم رائحتها لتبتسم ثم تضعها بفمها فورا .. أستلذت المذاق : تسلم يدها .. ابجى هات لى منها علطول .


اتسعت ابتسامة سلطان : بس كده من عنيا .. دوجى السمك كمان .


هزت رأسها رفضا : لاه هات لى حتة چبنة من الزلعة .


ابتسم واسرع يلبى رغبتها بل وشاركها وجبتها التى طلبت .. تذكر فورا تلك الوجبة التى كانت فى الماضى لأياما عديدة كل ما يملكون .. أصبحت اليوم تشتهيها الأنفس وتتمناها احيانا .


********


دخلت طيف لتتجه نحو أبيها فورا : مش هتصدق يا أبا اول مرة فى حياتى اكسب مبلغ كبير كده .. انا لازم النهاردة اعملك فرخة .


ابتسم عبيد بضعف : فرخة مرة واحدة !! لا يا بنتى وفرى الفلوس هتنفعك وانا هاكل شوربة خضار زى كل يوم وانت نامى شوية انت سهرانة اغلب الليل 


انتفضت واقفة : لا هتاكل شوربة فراخ و انا هنزل السوق اجيب دقيق هجيب فرخة معايا .


غادرت من جديد بعد استراحة قصيرة وعادت مسرعة .. أعدت الطعام الفاخر الذى لا يتناولاه سوى على فترات متباعدة ثم خلدت للنوم سريعا فهى أمامها ليلة طويلة .


كانت ليلتها تشابه البارحة لكنها اليوم تعمل بحماس اكبر فقد وثقت فيما ستجنى من ربح بفضل تلك الأرغفة .


***********


اغمض سلطان عينيه أمام فرشته يبغى بعض الراحة بعد يوم مهلك .. تراءت صورتها خلف اجفانه المغلقة ليفتح عينيه وينظر إلى حيث كانت جالسة منذ ساعات .


عاد يرخى اجفانه مبتسما مرحبا بصورتها التى تعلن الاستيلاء على تفكيره فلا يملك إلا استسلاما غير مشروط .


*************


وقف فى الصباح التالى أمام بضاعته يراقب موقع ظهورها الذى شعر أنه تأخر لكنه يشعر ببعض الراحة لوجود نمر الذى يرمقه بنظرات منكسرة منذ ظهر صباحا  .. اقترب منه حكيم متسائلا : مالك يا سلطان ؟ سرحان من ساعة ما رجعت .


رفع سلطان عينيه نحوه : ابدا مش سرحان هات قهوة يا حكيم .


اقترب حكيم برأسه منه : مش البت طيف اتأخرت ؟


نهره بعينيه : إيه البت دى ما تحترم نفسك يا حكيم 


اعتدل حكيم ضاحكا : امال هى واد !! لما تتجوز هقولها يا ست طيف .. مبسوط يا سيدى ؟


زفر سلطان : حكيم انت فاضى شكلك وانا مش رايق روح هات القهوة 


هز حكيم رأسه أسفا وتحرك نحو القهوة لتظهر أمامه تسير بخطى ثابتة لينتفض قلبه  : ولا اقولك بلاش . بلاش .


تحركت عينيه معها وهى تراقب الطريق لتعبر نحو القهوة التى ستقف بجوارها . رفعت كفها بالتحية ليهلل حكيم بلا مناسبة : صباح الخير يا طيف .. اتأخرت كده ليه ده واحد واخد عيش امبارح سأل عليك ؟؟


وضعت حمولتها بسلاسة : معلش كله نصيب .. كنت بملى ميه واطمن على ابويا .


نظرت نحوه بطرف خفى : يسعد صباحك يا سلطان .


لانت ملامحه فورا : وصباحك يا طيف .. امى عجبها العيش اعملى حسابنا كل يوم .


تهلل وجهها الظاهر له وقلبها الخفى عنه دون أن تحمل نفسها عناء معرفة سبب تلك النبضات القوية وهى تجيب بهدوء : بس كده من عنيا الاتنين .

لم يتحرك عن مقعده الذى وضعه منذ الصباح الباكر بالقرب من المكان الذى جلست به أمس ليكن على مقربة منها قدر الاستطاعة .. ورغم أنه حفظ تلك القسمات فى سويعات بالأمس لم يمنعه ذلك من استراق النظر عله أغفل أحد تفاصيل براءة وجهها الذى أسلم قلبه رايته لها فور رؤيتها وقبل أن يعلم أنه قد يحظى بقرب منها .


شرد سلطان فى يوم امس .. حين ظهرت طيف على الاتجاه المعاكس من الطريق .. أسرته تلك البراءة بملامحها .. تساءل فور ظهورها عن سبب تواجد مثلها على قارعة الطريق الذى لا يخلو من الوجوه القاسية والقلوب الأشد قسوة .


وحين رأى هذا الهمجى يتعرض لها أسرته مرة أخرى بتلك القوة التى رأها تتحداه بها رغم أنها ليست ندا له .


المرأة القوية ..

صورة مبهرة أشعلت حواسه ليسمع حوارها مع حكيم عن الزواج .. لم يهتم سوى بأنها غير متزوجة اما رفضها الزواج فمجرد فكرة يسهل تغيرها .


عاد من شروده على صوت أحد زبائنه ليتحرك مبتعدا عنها ببدنه فقط .


**********


تحرك ياسر نحو باب المنزل لتوقفه أمه : يا بنى رايح فين وانت تعبان كده ؟ 


نظر لها مدعيا الهدوء : هتمشى شوية وراجع .. ما تخافيش عليا انا راجل مش بت لكل حركة بسؤال يا اما !؟


ربتت فوق صدره بحنان : يابنى مش قصدى .. انا خايفة حد يتعرض لك ما انت ياسر ابن الشيخ يونس وبردو مطمع للحرامية .. اديك شايف راسك لسه مافكتش الرباط .


تقلصت ملامحه : جرى إيه دى حادثة ممكن تحصل لأى حد ؟؟ مش حكاية علشان كل شوية نتكلم فيها .. انا ماشى .


غادر فورا لتضرب كفيها بحزن : اكيد عين وصابتنا لازم ابخر واطلع حاجة لله


تحرك ياسر فورا نحو منزلها ، سينزل بها أشد انتقام ويطيح بها .. ستأتيه ذليلة خاضعة يمن عليها .


اخترق الزراعات نحو المنزل الوحيد القابع بتلك البقعة .. أولئك الفقراء البؤساء تتنافر منازلهم عن بعضها بفضل أصحاب الأراضى الذين لا يدخرون جهدا لتشريدهم كلما سنحت لهم الفرصة . هو نفسه سيفعل ذلك بعد أن يستلم اراضى والده ..


نفخ بضيق وهو يتذكر ما يقوم به والده تجاه هؤلاء المتطفلين برأيه .. تلك الفتاة وأبيها ومنزلهما البائس يحتلون ارض أبيه الذى لم يمانع ذلك .. 


وصل ليطرق الباب بكل ما بقلبه من أحقاد تجاه تلك التى تجرأت ورفضته بل وتطاولت عليه أيضا واصابته تلك الإصابة التى ستجعله يذكرها مدى الحياة ويكرهها لمدى الحياة ايضا لكن تلك الكراهية ستكون النيران التى يحرقها بها ولن يكتفى بنيلها .. لم يعد ذلك خيارا متاحا لها بعد فعلتها الشنيعة تجاهه .. بل لم يعد نيلها مقصده الأول سيدهسها بقدمية حتى تنزوى كرامتها المزعومة وتزهق روح مقاومتها الشرسة ثم لن يبذل جهدا لنيلها فستكون متاحة له ومن بعده للجميع .


وقف متأففا بضيق لدقائق حتى فتح أبيها الباب وهو يستند لإطاره بضعف . احتلت الدهشة ملامح الرجل : ياسر بيه ؟؟ اتفضل اهلا وسهلا .


وقف ياسر مكانه ونظر ل عبيد بغضب : اتفضل فين ؟ انا ادخل الزريبة دى ؟؟ اففف 


شعر الرجل بحرج شديد وظهر عليه ذلك ليبدأ ياسر تسديد نصاله السامة : بص يا عبيد انا جيت لك على السكت اهو يا تحوش بنتك عنى يا افضحها 


قاطعه عبيد بلهفة : بنتى ؟؟ مالها طيف جرى منها حاجة ؟


سكنت احقاده قليلا وهو يرى كلماته تأتى بما تمنى فيتابع : انا مش هكدب واقول ماكنتش معاها مرتين تلاتة لكن ده طيش منى مش اكتر لكن ترمى بلاها عليا وتفكر انى ممكن اتجوزها ادفنهالك تحت رجلك .. انا ياسر ابن الشيخ يونس كبير الناحية وكل البنات يتمنوا إشارة منى ..


عاد عبيد يقاطعه بأنفاس لاهثة ووجه شاحب : كنت معاها ازاى يعنى ؟؟ انت قصدك ايه ؟؟


اجاب ياسر بنفس الحدة : هو ايه اللي ازاى هتستهبل ؟؟ زى اى راجل وست وبعدين فكرها انى ماكنتش اول واحد يعنى تتلم بدل ما يلمها القبر .. انا حذرتك انت راجل كبير وغالى على ابويا لكن لا انت ولا هى اغلى منى فى ساعة العشة دى تنهد على دماغكم .. انا ماشى .


وتحرك مغادرا وقد رأى أثر كلماته ليبتسم بخبث فبعد ساعات سيعلم بمقتل تلك الفتاة أو على أقل تقدير نزوحها وأبيها عن البلدة .. لن يضطر أن يواجه نظراتها القوية المتشفية مجددا ولن يفعل .


أغلق عبيد الباب وقد أختنق صدره .. بدأ السعال يهاجمه بضراوة .


طيف !!


لا لن يصدق ادعاء هذا الفاجر .

طيف !!


تعالت وتيرة الألم ليرفع رأسه نحو السماء التى تظهر له من سقف منزله المهترئ .. أعين باكية وقلب ذبيح توجها إلى السماء بينما عجز لسانه عن النطق لتسارع أنفاسه التى بدأت تشق صدره .


#طيف_السلطان_قسمةالشبينى


الحلقة الخامسة


أنهت بيع أرغفتها جميعا وصرت نقودها الغالية التى فاقت أمس لتبدإ جمع متعلقاتها استعدادا للرحيل .. اقترب منها فورا : انا جاى اوصلك .


ابتسمت له وهى تستشف مشاعره القلقة من نبرة صوته لتجيب بثقة : ماتخافش عليا .. انا افوت فى الحديد ..خليك جمب فرشتك 


اتسعت ابتسامة سلطان وهو يؤكد بثقة : عارف يا طيف بس عاوز اطمن عليك بنفسى .


نظرت أرضا ليظهر تخضب وجهها الذى يزيدها فتنة ويزيده انبهارا ، فهم أنها تخجل من صحبته لها .. كما أنها محقة فى ذلك .. 


تسربت بشاشته وهو يتراجع : ماشى يا طيف بس خلى بالك من نفسك .


حملت وعائها الخاوى وعادت تبتسم وهى تتجاوزه ليدور مع خطواتها مراقبا مغادرتها .. عبرت الطريق لتغيب عن ناظريه دون أن تغيب صورتها عنه .


اقترب منه حكيم الذى كان يراقبهما معا طيلة اليوم .. وقف بمحاذاة سلطان الذى لم ينتبه له ليبتسم هو شاعرا بالراحة لأجل صديقه .. دفعه بكتفه ليلتفت له : فى حاجة يا حكيم ؟؟


اجابه مبتسما : ايوه فى حاجة ضاعت منك ماتخافش طيف هتجبها معاها الصبح .


قطب جبينه ليضحك حكيم : يا عم يا تروح وراها يا تروح وراها بردو هههههه


وكزه سلطان ليضحك مغادرا فيوقفه : خد بالك من الفرشة على ما اتغدى مع امى وارجع .


************


دخلت طيف للمنزل بوجه بشوش وقلب راض لينقلب حالها بلحظة واحدة وهى ترى أبيها منكبا على وجهه أرضا .


ألقت ما تحمله واسرعت تتفقده بفزع : أبا .. مالك يا أبا ؟؟ أبا رد عليا .. 


كان شاحبا وقد خلا صدره من أنفاسه .. هزته مرات ونادته مرات أخرى لكنه لم يعد قادرا على إجابتها .. ضمته لصدرها وهى تصرخ ألما انشق له هذا الصدر الذى يرفض التخلى عن الجسد الذى بلى .


ظلت تبكى لا تعلم كم مر عليها من وقت .. لكنها فى النهاية حملته لفراشه كما اعتادت فى سنواته الأخيرة التى كان رفيقه فيها المرض العضال .. نظرت لوجهه نظرة أخيرة وغادرت فورا نحو مسجد القرية لتسأل شيخ المسجد عن اللازم فعله فهى رغم أن الحياة قد طحنت عظامها شقاءا إلا أن مصيبة الموت تدركها لأول مرة فحين غادرت أمها كانت اصغر من أن تعى ذلك .


عادت بعد وقت يرافقها الشيخ ورجلان من القرية قام الأخير بطلبهما .. دخلا لغرفة أبيها البالية يتفقدوه ثم أعلنوا لها ما كانت ترفض تصديقه وتتمنى أن يكون وهما من نسج خيالها .


طلب شيخ المسجد الطبيب الشرعى للقرية ليستخرج تصريحا للدفن ثم سمعته يطلب من صاحبيه العودة للمسجد والاتيان بلوازم الغسل والكفن لتنتفض وتضع بين يديه كل ما جمعت من مال .. حاول الرجل أثناءها عن ذلك ليفشل فيرضخ لها بقلب متألم للحال الذى ستؤول إليه .ورغم أنها تعلم أنها تفقد مع هذا المال مقومات الحياة إلا أن هذا لن يدفعها لتقبل تصدق أحدهم على أبيها بالكفن .


***********


وضع بكف أمه كوب الشاى الذى تشربه بعد الغداء يوميا لتبتسم له بود .. جلس بالقرب منها يشرب كوبه أيضا لتتساءل : مالك يا سلطان ؟ 


حاول أن يبتسم : ولا حاچة يا أما أنا بخير .


شردت ببصرها عنه : خابرة انك بخير بس كن حاچة نجصاك ؟

نظر لها لتعد بنظرها نحوه فتتابع : مأنش الأوان تتچوز يا سلطان ؟

ابتسم مرغما فها هي أمه ترى دواخله كما كانت تفعل طيلة عمره .. نظر أرضا ثم نظر لها : كانك زهجتى من سلطان يا أم سلطان 


ضحكت لتبرز تجاعيد وجهها التى يعشق .. كل خط من تلك الخطوط شاهد على ألم تحملته ، على ايامها السعيدة ، على كفاحها الطويل .


ارتشفت بعضا من كوبها لتنظر نحوه بحنو منتظرة افصاحه عن مكنون قلبه ولم يطل انتظارها فقد تحدث فورا : اسمها طيف .. بتبيع عيش على الطريج .. شوفت دارهم امبارح شكلهم ناس على كد حالهم .


تابع حديثه عن رؤيته طيف وعما حدث بالأمس دون أن تغب بشاشة أمه لوهلة ودون أن تهتز ثقة عينيها التى تخترق رأسه .


اخيرا تحدثت بعد أن صمت منذ لحظات : ابجى جولها ونروحوا نخطبوها الراچل الزين مايبصش لحرمة مش حلاله يا سلطان .


*************


مر الوقت عليها سريعا لتجد الرجال يحملون جسد أبيها بعد تكفينه إلى المسجد . كان وقت الصلاة ونودى لصلاة الجنازة فاجتمع أهل القرية أجمع لتشيع أبيها الذى رحل عنها فى غفلة منها .


بعد دفنه غادر الجميع وحاول إمام المسجد أن يعيدها للمنزل لكنها رفضت وظلت واقفة أمام قبره بإجلال حتى رحل الجميع لتبدأ تحدثه وكأنه أمامها .


لم تحص الوقت الذي قضته بجوار القبر لكنها شعرت بالخدر يسرى ببدنها من شدة الإجهاد .. نظرت نحوه نظرة أخيرة مودعة وغادرت تجر قدميها جرا .


كانت أطول لياليها على الإطلاق .. استمعت لحفيف الأشجار وأصوات الحشرات حتى الحيوانات الضالة شاركتها ليلتها الحزينة التى غاب عنها البشر أجمع .


سكبت احتراقها دمعات ناعية أبيها وحياتها التى ستتشح بالسواد مستقبلا .

كانت تعانى بوجوده مرات وستعانى بغيابه ألاف المرات .


رأت الشمس تشق قلب الظلام معلنة عن يوم جديد وما الجديد ؟؟ 


الجديد أنها زادت وحدة ..


زادت غربة ..


زادت بؤسا ..


**************

بعد يومين..


وقف سلطان يتأكل قلبه قلقا ، ثلاثة أيام لم ير طيفها .. اقترب حكيم شاعرا بالأسف لأجل صديقه الوفى ، ربت فوق كتفه ليلتفت له بأعين فزعة كما كانت منذ غيابها : وبعدين يا سلطان ؟؟ ما انت عارف بيتها تعالى نروح نعرف على الأقل حصل ايه ؟ 


ردد سلطان : خايف يا حكيم .. أول مرة فى حياتى اخاف بالشكل ده .خايف تكون فى ضيقة ومحتجانى جمبها وخايف اروح اقول لابوها إيه !! 


تنهد حكيم : نصاية ونروح ولو على ابوها انت كنت هتحدد معاد وتروح تخطبها .. قوله الكلمتين دول وخد منه معاك تاخد الحجة وتروح . استنى شوية وجاى .


غاب حكيم وظل هو بين أفكاره المتوحشة التى تمزقه بين براثن الاحتمالات التى يراها سوداوية ومقبضة .


***********


طرق بابها لترفع رأسها المثقل بالهم والحزن عن وسادة أبيها التى تضمها منذ رحيله ، تحركت بتثاقل ؛ لابد أنه إمام المسجد جاء يحاول منحها مالا لا تحتاجه وسترفضه ورغم ذلك لم ينقطع عن المحاولة . 


فتحت الباب لتطالع وجها بغيضا بأعين تلمع شماتة وتصرخ حقدا .


تخصرت تنظر له بتحدى : انت ماحرمتش من بطحة راسك يا ابن الشيخ يونس ؟ ولا فكرت ابويا مات انكسرت وهتقدر عليا ؟ 


عقد ذراعيه وحاجبيه : ابوك مات والدور عليك يا طيف ومش هسيبك غير لما اخلص منك حقى وبعدين ادهسك برجلى زى الحشرة .


علا صوتها : حقك !! حق إيه يا واطى يا خسيس دا انا اللى ليا حق هاخده من حباب عينيك .


ضحك ياسر على غير عادته ونظر بعينيها مباشرة ونفث احقاده : انا قولت لابوكى انك مرفقانى وبترمى عليا علشان اتجوزك .. انا قتلته ودلوقتي حالا هكسرك واقتلك .


اتسعت عينيها فزعا وضربت صدرها وظلت عينيها متعلقة بعينيه لحظات .


****


اقترب سلطان برفقة حكيم الذى يتلفت حوله مستنكرا المكان ، مد سلطان ذراعه ليتوقف حكيم بينما يهمس سلطان متسائلا : مين اللي واقف مع طيف ده ؟؟


اقتربا بحذر ليهمس حكيم : سلطان فى واحد تانى مستخبى هناك اهو .


نظر سلطان بالاتجاه الذى أشار إليه حكيم ليرى شخصا يقف يستمع للحوار بين طيف وهذا الغريب الذى أشعلت كلماته نيرانا بصدر سلطان لن تخمد إلا بدماء هذا الحقير .


عاد حكيم يهمس : انت مستنى إيه ؟ بينا نلحقها من الواطى ده .

هز سلطان رأسه : ده عاوز اللى يلحقه منها .


وفى اللحظة التالية قفزت طيف متخطية فرق الطول بينها وبين ياسر لتمسك برأسه الذى انخفض معها بتلقائية لوهلة قبل أن يحاول المقاومة لكنها كانت اسرع منه وقفزت فوق ظهره لتتمكن منه اكثر صارخة : انا هشرب من دمك .. موتك على أيدى النهاردة يا ابن الشيخ .. 


لوح بذراعيه للخلف محاولا امساك ملابسها أو إسقاطها لتصرخ وتغرز أسنانها برقبته ليصرخ هو فورا .


سقط شيئا ما بالقرب لتتجه الأنظار جميعها إليه ، صرخ ياسر وألجمت الصدمة طيف لينفلت من قبضتها مع تقدم سلطان وحكيم نحو الرجل الذي سقط .


كانت عينيه شاخصة وانفاسه لاهثة .. يعانى اختناقا واضحا ليرجوه ياسر : بابا رد عليا .. قوم معايا قوم 


حاول رفعه ليحول رفض الشيخ دون ذلك ويتحدث بألم : يا خسارة تربيتى فيك .. هو ده العلام اللى اتعلمته .. تنهش اعراض الخلق وتجور عليهم .. ربنا ينتقم منك .. اه .. اه .. غور من وشى ..اه .. انا متبرى منك .. اه .. قالوا لى فى المركز إنك عارف اللى ضربك .. اااه .. ماكنتش فاكرك .. اااه


جلس حكيم : بالراحة يا عم خد نفسك بالراحة ماتخافش هنوديك مستشفى .. ايدك معايا يا سلطان .


لكن سلطان اكتفى بالوقوف فى الخلفية فهو إن اقترب اكثر سيطبق على رقبة هذا الحقير حتى يلفظ أنفاسه 


رفعت عينيها الباكية نحوه لتذبح دمعاتها قلبه فينعى دموعها بدمائه .


لم ير السواد الذى اتشحت به بل رأى السواد الذى يلتهم روحها مهددا بتدنيس براءة تصدعت من كثرة لطمات الحياة .


اقترب متناسيا كل ما يحدث ليقف أمامها مباشرة : ماتخافيش هو فى دار الحق واحنا فى دار الباطل .. هو عرف كل حاجة ماتضيعيش تربيته ليكى يا طيف .. ماتضيعيش عمره 


وأضيع حقه 


تساءلت بقهر ليشير بإبهامه للخلف : حقه ربنا ماسابوش .


نظرت نحو يونس لتصمت وهى تراه يعانى ولا احد قادر على مساعدته .. رأت صورة أبيها حين عانى أيضا لكنها لم تكن بالجوار .


علا صوتها : هاته يا حكيم بسرعة الوحدة عشر دقايق أنا عارفة الطريق من هنا .


حمله حكيم وسلطان بينما ظل ياسر موضعه عاجز عن اللحاق بأبيه الذى أعلن أمامها تبرأه منه 


#طيف_السلطان_قسمةالشبينى


الحلقة السادسة والأخيرة


تم إسعاف يونس لكن لم يعلم الأطباء أن ما أصابه اليوم يصعب الشفاء منه .


غادرت طيف سريعا بمجرد إلحاقه بالمشفى لقد فعلت هذا إكراماً لأبيها لا له .. لم تعد للمنزل بل اتجهت إلى المقابر ووقفت أمام قبره تبكيه كأنه غادرها للتو .


بحث عنها سلطان فى المشفى لكنها اختفت وفشل فى العثور على أثرها أيضا . توجه وحكيم عائدين إلى منزلها الذى يقع بطريقهما المختصر لكنها لم تكن هناك أيضا ليعود للطريق وقد زادت هواجسه ونمت مخاوفه .


******


عاد سلطان للمنزل فى وقت الغداء ليخبر أمه كل ما حدث فيزداد إعجابها بهذه الفتاة التي لم تعرفها بعد وتصر على لقائها فى اليوم التالى مباشرة .


عادت طيف ليلا منهكة القوى لتغرق فى سباتها حتى استيقظت صباحا على طرقات الباب .


مسحت وجهها بكفيها ودون أن تتفقد مظهرها اتجهت إلى الباب ، فتحته ليطالعها وجه غريب لكن بشاشته مريحة .


ابتسمت تلك السمراء التى تقف ببابها متسائلة بود : كيفك يا بتى ؟ 


قطبت طيف جبينها بدهشة لعدم قدرتها على التعرف على الزائرة الودودة أو تذكرها لتنطق بصوت مبحوح : اهلا يا حجة عاوزة مين ؟ 


أجابت الزائرة بثقة : رايداك انت يا طيف .


أشارت إلى صدرها بإستنكار : انت تعرفينى ؟ 


اتسعت ابتسامة الزائرة : انا ام سلطان وهو واجف جريب وانى جولت له يهملنا لحالنا .


عادت تلك الخفقات بصدرها تنبئ بثورة قادمة بينما لم تبد طيف اى تأثر وهى تفسح الطريق بود : اتفضلى .. معلش البيت مش قد المقام .


تقدمت المرأة تستند لعكازين لتشعر طيف بالحرج وتسرع نحوها تساعدها حتى اجلستها .

تلفتت حولها بفزع هى لم تشتر اى طعام منذ وفاة أبيها واكتفت بتلك الأرغفة الجافة التى تقتات عليها .. كما أنها تملك ما تضايف به الزائرة .. تذكرت فورا المشروب الذى لا يخلو منه المنزل نهائيا وهى تتحدث بثقة : دقيقة واحدة هعملك شاى .


اتجهت نحو الركن المفترض كونه مطبخها ومن الجيد صغر المكان الذى ساعد على عدم ترك المكان لتتحدث بود : نورتينى والله .


تحديث المرأة : البقاء لله يا طيف ربنا يصبر جلبك الواحدة منينا بعد بوها بتبجى ريشة يلعب بيها الهوى .


دارت طيف تنظر لها : ونعم بالله .. بس انا مش فاهمة ريشة ازاى يعنى ؟


اومأت بإبتسامة شاحبة ثم قالت : سلطان حكى لي على كل حاچة .. اوعى تفكرى إن الولد ده هيرفع يده عنيكى  .. العفش بيضل عفش مايهموش غير روحه .. واللى اتنزعت الرحمة من جلبه عمره ما يتغير .. هو وجعة بوه چت رحمة ربنا بيكى 


ظهر الغضب على طيف وتحدثت بقوة : خليه يجى جمبى تانى وانا اجيب خبره واريح الخلق من شيطان هم فاكرينه ملاك .


ابتسمت المرأة : مين جال أكده !! وتضيعى عمرك على واحد مايسواش ؟ لاه يا بتى حتى بوكى الله يرحمه مايرضاش بإكده 


جلست طيف فوق المقعد المجاور للموقد بحيرة تنظر نحو تلك المرأة التي ابتسمت مجددا : هو ماتشيليش همه لكن همى دلوك انت وجعدتك لحالك فى بيت بعيد عن العمار عرضه ليه ولغيره .. جعدتك اهنه ماترضيش حد واصل .


لم تجب طيف فهى لا تملك مكان يمكنها النزوح إليه ولا تقبل أن تنزل ببيت أحد أقاربها والذين تعلم جيدا رقة حالهم جميعا وضيق منازلهم مثلها تماما .

شردت قليلا لتنتبه لصوت زائرتها الذى علا قليلا : ها جولتى إيه ؟ 


هزت رأسها : نعم !!


عادت المرأة تتحدث : انى افهم فى الأصول زين ماهنعجدش دلوك لكن نطمن عليك چارنا 


تساءلت طيف بدهشة : نعقد إيه ؟؟ 


ضحكت المرأة : انت ماسمعتيش حديتى خالص .


وضعت طيف الكوب الساخن فوق صينية متواضعة واتجهت نحوها لتجلس بجوارها فتقول : معلهش انت معذورة .. انى جولت إن سلطان ولدى رايدك فى الحلال وكنا متفجين ناچو جبل اللى حصل ده كلاته .. بس كله نصيب .. انى شوفت لك اوضة فى البيت اللى چارنا هى اوضة على السطح بس أمان ماتخافيش .


شعرت طيف بالهذيان ولم تجد ما تجب به على تلك المرأة التي أتتها صباحا تريد أن تأخذها من كل ما تملك وليس البيت هو ما يحزنها فراقه بل الذكريات .. لقد قضت عمرها كله فى هذا المنزل المتهالك الذى كان لها سترا ومأوى وملاذا .


عادت المرأة تتحدث : اتكلمى يا بتى بتفكرى فى إيه ؟ 


تاهت منها الكلمات لتفتح فمها عدة مرات بلا جدوى .. الغريب أن المرأة لم تتحدث مرة أخرى بل فتحت ذراعيها وقالت بود : تعى يا بتى .


وكأن هذه الدعوة هى ما كانت تنتظره منذ فقدت أبيها .. كانت بحاجة لمن يضمها واحزانها وتخبطها وحيرتها وكل الألم الذى يمزق صدرها .


احتوت تلك الغريبة فى لحظات ما عجزت هى عن التعبير عنه .


طال الوقت بها حتى شعرت أنها أثقلت على صدر تلك التى لم ترها إلا  هذا الصباح ورغم ذلك لم تتذمر من تحمل تلك المشاعر التى عجزت هى عن التعبير عنها .. لم يحاول اى ممن خدمتهم طيلة عمرها أن يتفقدها أو يواسيها أو يرفع عنها الغربة والوحدة ..


تلك القرية التى تبكى على الذكريات بها !! أولئك الناس الذين قضت بينهم عمرها !!


رفعت رأسها اخيرا تكفف دموعها : حاضر انا هسيب البيت بس مش علشان خايفة من حد لكن علشان البلد دى بقت تخنقنى .. بكرهها وبكره ناسها .


ربتت فوق كفها وتفهمت تعليقها كل الأمور لوقت لاحق فهى تقدر التخبط الذى هى واقعة به ولن ترغمها على إتخاذ قرار مصيرى وهى بهذه الحالة .


جمعت طيف الملابس التى تملكها وجمعت أغراض أبيها أيضا وحملتهم لخارج المنزل قبل أن تدخل مجددا تساعد ام سلطان على الخروج ، حين خرجتا معا كان هناك يحمل كل ما أخرجته سابقا .


تقابلت الأعين لتصرخ اللهفة بالأشواق المنكرة والمستترة والخجلة من الإعلان عن وجودها .


تحرك ثلاثتهم نحو سيارة قريبة أتى بها سلطان فأمه عاجزة عن السير بشكل كبير .


لم يكن طريقهم طويلا ووصلوا لمنزل بالنسبة ل طيف فخم للغاية مكون من أربعة طوابق والأخير يحوى الحجرة التى ستسكنها . 

دخلت الحجرة بصحبة صاحبة المنزل التى تساءلت : عجبتك الاوضة ؟


اومأت طيف : حلوة اوى بس أجرتها كام ؟ 

أجابت المرأة : مية وخمسين جنية علشان خاطر ام سلطان .


كانت طيف فى تلك اللحظة لا تملك مالا ولا تملك من تعتمد عليه لذا تنهدت واعلنت عن موافقتها على أن تبحث عن عمل بداية من اليوم .


أغلقت الباب وبعد ساعة واحدة قضتها فى تفريغ ملابسها وتنظيف الحجرة طرق الباب مجددا وكانت تلك المرأة تلهث بإرهاق لصعودها الدرج بحالتها الصحية تلك لتقول طيف : تعبتى نفسك ليه بس ؟؟ نادى عليا وانا اجيلك .


ابتسمت المرأة ونظرت للخلف فإذا بشابين يضعان فوق السطح موقدا غازيا للخبز واسطوانة أيضا  . عادت بعينيها ل طيف وقالت : اشتريته بحر مالى وهتسدى تمنه بنص اللى ربنا يچود عليكى بيه ولما يكمل تمنه يبجى حلال عليك .. والطحين ده هدية منى .


اقترب الشاب الذي صعد للتو متسائلا : هنا يا اما ؟

أشارت له ليضع الچوال الذى يحمله ثم عادت تنظر لتلك التي تغلبها الدهشة : من الصبح بدى اشوفك نازلة بالعيش 


أشارت بالعكاز : هبجى جاعدة فى الشباك ده .


كانت طيف جائعة لدرجة الإعياء لذا فضلت أن تعمل فورا حيث يمكنها تناول بعضا من الخبز الذى ستصنعه .


اكلت ثلاثة أرغفة من شدة جوعها قبل أن تشعر بتحسن .. هذه الحجرة فخمة تحوى صنبورا للماء لن تضطر لملء الماء وحمله مجددا . اغتسلت وارتدت جلبابا اسود وحملت خبزها متجهة إلى الطريق .


وقفت أمام الباب ونظرت نحو الشباك الذى أشارت له ام سلطان لتجدها هناك .. تلك الابتسامة المشجعة والتى تمنحها القدرة على المتابعة ، أشارت لها لتبدأ السير نحو الطريق .


كان الوقت عصرا وظلت حتى أرخى الليل ستارا اسود دون أن تنفد ارغفتها وكان هناك .. يراقبها لتشعر بالأمان .


اخيرا أنهت بيع حمولتها لتقفل عائدة ولم تصعد لغرفتها بل اتجهت إلى ام سلطان واقتسمت معها المال الذى جنته لكن منحتها ثلثيه واحتفظت بثلث فقط فهى لا تحتاج للكثير من المال ستحتفظ بما تبقى لتغير اسطوانة الغاز ويمكنها أن تتناول الخبز فقط لفترة أطول كما يمكنها الحصول على وجبة من الفول أو الفلافل حيث يعتبران وجبة متوفرة ورخيصة الثمن .


مرت الأيام وبدأت طيف تجمع مبلغا كافيا لدفع الإيجار ومتابعة الحياة وتناست ما حدث بالقرية دون أن تهمل زيارة قبر أبيها الذى لم يعد يربطها بهذه القرية سواه .


***


يجتمع شباب القرية بذلك المقهى الذى يجدون فيه الملذات المحرمة فى خيفة عن الأعين فتهوى بهم إلى البؤس دون أن يدرك أحدهم سبب بؤسه .


دخل من الباب ليجد من يقصده بأحد الأركان مستلذا بما يتجرعه وما يستمع إليه من فجور رفاقه .. كانت أمه محقة فهذا الوضيع جاهر بفجوره بعد أن كشفه أبيه ولم يعد يهتم سوى لملذاته .

كان يخاف أبيه فقط !!

الفكرة وحدها تدعو لاحتقاره .


اقترب سلطان بخطى ثابتة ووقف مستندا لعصاه ليسأله أحدهم : فى حاجة يا اخينا ؟؟

اقبل العامل نحوه مسرعا : انت مين ودخلت ازاى محدش هنا يعرفك 


دار سلطان بعينيه فى المكان : انا مااعرفش الأشكال دى .


وجه عصاه لصدر ياسر الذى نظر له دون أن يتعرف عليه : انت اتعديت على حد يخصنى وانا هاخد حقى وقتى .


دفع ياسر العصى التى لم تتزحزح بغضب : اوعى يا جدع انت .. انت مش عارف انا مين ؟

اجاب سلطان بثقة : عارف طبعا .. ياسر ابن الشيخ يونس .. اوطى نفر فى الجيهة .

انتفض ياسر ورفاقه وبدأت مشاجرة كانت عصى سلطان تقوم فيها بدور البطولة وكان ترنح ياسر ورفاقه هو اعظم مساعد لهزيمتهم .


وقف سلطان بينهم بعد أن اسقطهم جميعا ليقول : الكلام ليك وللكل طيف السلطان تخصنى واى حد هيفكر يدوس على خيالها هجيبه تحت رجلى .


تحدث ياسر اخيرا : كل ده علشان بنت عبيد .. يا عم بالراحة على نفسك شوية الحكاية مش مستاهلة .


جذبه سلطان ليقف أمامه : انت قولت ايه ؟؟


تلعثم ياسر لتلقمه قبضة سلطان بعضا من دمائه .. دار سلطان على عقبيه ناظرا إلى العامل : انت شوفت حاجة ؟؟


هز الشاب رأسه نفيا ليغادر سلطان فهذا المكان يغلق بابه على كل ما يحدث بالداخل فليس من مصلحة صاحب المكان أو رواده أن يعلم من بخارجه ما يحدث فيه .


****


بعد عدة أيام

جلست طيف برفقة ام سلطان التى قالت : انت خلصت اللى عليكى دلوك الفرن حلال عليك .


تهلل وجه طيف فقد حصلت على مأوى ومصدر رزق واهم من ذلك حصلت على قلب حنون يحنو عليها ويهتم لكل تفاصيلها .


طرق الباب ليدخل سلطان الذى توقفت خطواته لتتعانق النظرات ، بدلت نظرها بينهما وابتسمت ثم تساءلت : ما تتچوزى الواد ده وتريحينى منيه .


نظر لها سلطان بصدمة : بدك ترتاحى منى يا اما ؟ 

ضحكت : ايوه عنديك مانع ؟ 


***


توجهت طيف فى الصباح التالى لزيارة قبر أبيها كما اعتادت وقفت بجواره تقص عليه ما استجد فى حياتها الخاوية وتحدثه عن سلطان وعن طلب أمه الذى تكرر مرارا دون ضغط .. ثم تحدثه عن مخاوفها من الزواج ومن العقبات التى قد لا تتمكن من تذليلها وهى بدون رعايته وامها .


غادرت بعد فترة تلاحظ اقتراب بعض الشباب .. هيأت نفسها لصد تحرشهم بها الذى هو مؤكد لها .. أصبحت بمحاذاتهم لتسمع همس أحدهم : امشى يا عم بعيد عن البت دى 


رأته يجذب رفيقه الذى هم بالاقتراب منها لترهف السمع واحدهم يقول : دى بنت عبيد يا عم تعالى نتسلى عليها .


 ليعلو صوت الشاب بفزع دون تعمد : دى طيف السلطان .. ده عدم ياسر العافية علشانها ومحدش قدر يقوله بتعمل ايه .


نظرت للأمام واشرق وجهها الذى عبر عن إشراق الأمان بصدرها . رفعت رأسها وسارت بشموخ .. لقد انتهت من عمرها المخاوف . 


اتجهت فورا إلى ام سلطان لتعلن عن موافقتها التى أعلنت عنها العجوز بسرب من الزغاريد حلق من شباكها الذى طال صمته ليرفرف فى عنان السماء يحمل نبأ السعادة المرتقبة التى ستظلل بأجنحتها هذا المنزل قريبا .


***


بعد شهرين 

دخلت طيف لغرفة حماتها التى تجلس بقرب الشباك : صباح الخير يا اما 

نظرت لها ببشاشة معهودة منها ترى تفتح براعم السعادة بثناياها لتبتسم : صباح الفل يا مرت الغالى .. تعالى اجعدى چارى .


جلست طيف وقبل أن تبدأ حماتها حديثها جاء نداءه الناعس : طيف 


ابتسمت أم سلطان : روحى شوفى چوزك وماتغبيش عليا 


تحركت بخجل نحو غرفتهما حيث كان متسطحا بالفراش لم يزل اثر نعاسه أو أثرها هى .. أغلقت الباب برفق : وبعدين يا سلطان قولت لك بطل تنادى وانا مع امك بتكسف 


رفع حاجبا واحدا : يعنى مااصبحش عليكى .. خلاص ابقى أصبح عليك قدام امى 


كتمت شهقتها بكفها ليتحرك فيجذبها نحوه .. رفعت كفها محذرة : امى قالت لي مااغبش عليها .


تحركت شفتيه تقتطفان ما تصلا إليه من ينع قسماتها ليهمس بدفء : يعنى امى ماتهونش عليك وانا اهون ؟؟ يرضيكى انزل وقلبى ملهوف كده ؟؟ يرضيكى أقصى طول اليوم من غير ما ادوق حضنك ؟؟ 


دفعته بتمنع ليس بمانعه .. تعلم أن أمه لن تغضب لغيابها عنها مادامت برفقته بل لن تشير إلى غيابها من قريب أو بعيد .

لحظات وكانت تستزيد أشواقه لها التى لا تنتهى لتروى اشواقها له التى تنمو فعمله الشاق يمنعه عنها طيلة النهار وهى لم تكتف من فيض شغفه بها ولا تظن أنها ستفعل .


تمت بحمد الله

طيف السلطان

 

رأيكم مهم جداً 




 

تعليقات

التنقل السريع