طويله القصه بس عيطت كتيرمنها
بَعدِ الفرح ما خلص، طلبت منه نصلي العشاء جماعة مادام فاتته صلاة الجماعة في المسجد.
لقيته بيهرب من طلبي دا وبيقولي: أنا فرحان الليلة وعايز أقعد مع مراتي شويا.
=طب والعِشاء؟
_ هصليه بعدين
=كيف بعدين؟ أنا مصدومة! مش أنت ال كنت مش بتسيب فرض في المسجد! إزاي بعدين؟ وقت العشاء قرب يخرج!
_ قولتلك بعدين يا حور!
دخلت صليت قبل ما وقته يخرج وفضلت أبكي لأن شكوكي طلعت في محلها وأنا ال مرضتش أحكم على نيته وقولت إني ماليش الحق التدخل فيها.
اتخانقنا في أول ليلة لينا وقضيت الليل كله بُكاء، كنت أتمنى أتزوج واحد صالح.
بعد آذان الفجر بعشر دقايق خبطت عليه عشان أصحيه يصلي، قالي: خلاص يا حور، روحي صلي أنتِ.
وقتها افتكرت لما واحد قال قدامي: في واحد جيرانا كان عايز يتقدم لبنت لكنه وحش السمعة جدًا، قبل ما يتقدم لها بشهر بدأ يواظب على الصلاة في المسجد فرض بفرض وبطل شتايم وسباب وحكم نفسه لغاية ما خطبها وسألوا عنه كل الناس محبتش تجيب سيرته القديمة وقالت دا اتغير خلاص وربنا يستر على عباده، المهم لما اتمكن منها، رجع لعادته القديمة، مش بيصلي، بيسب الدين وبيشتم ورجع زي ما كان.
روحت صليت الفجر وبصيت على فستان فرحي ال معلّق في الشماعة بحسرة وبكيت من كل قلبي وعرفت إني في حضرة القضاء والقدر، فوجِب عليا التأدب مع الابتلاء دا لغاية ما يمر، تحول دعائي ل: اللهم ارزقني الرضا بعد الصبر.
كلمته بعد ما هديت وقولتله: لي عملت كدا يا أحمد؟ كنت عارف حرصي الشديد على اختيار زوج مُلتزِم، لي خدعتني وفهمتني إنك ملتزم؟
_................
= أرجوك يا أحمد، رد عليّا، أنا عمري ما أذيتك ولا تمنيت ليك الشر، ولو أنت كنت ملتزم وأنا لا، وعرفت إنك حريص على الحصول على زوجة صالحة، كنت هبعد عنك بالمعروف وأتمنى ليك كل خير يا إما أحاول أتغير ولو فشلت كنت هبعد والله! لي كدا يا أحمد لي؟
وبدأت أبكي.
_ يا حور اهدي، كفاية الليلة ال فاتت قضتيها كلها بكا وكأن حد ماتلك.
هقولك الحقيقة، بصراحة لما سمعت عنك قولت هي دي الزوجة لل يتمناها أي حد، هي دي ال هقدر أأمنها على بيتي وعيالي وشرفي وأنا قلبي مطمن، من كتر البنات ال كلمتها وشوفتها فقدت الثقة في كل البنات، لغاية ما ظهرتِ أنت، مسكت فيكِ بإيدي وسناني وقولت هي دي خلاص.
= البنات ال كلمتها؟ أنت كنت بتكلم بنات كمان؟
_ بصراحة آه، عشان كدا فقدت الثقة في البنات كلها!
= بس أنا إي ذنبي؟ ماهو زي ما أنت عايز واحدة تصونك، أنا كمان كنت عايزة واحد يصوني ويعوضني عن كل حاجة فاتت!
مش مسامحاك يا أحمد!
فضلت عايشة معه سنة كاملة، محدش يعرف عن مصابي دا من أهلي ولا صحابي ولا أي حد، إلا الله عز وجل.
فضلت أدور على حل غير الإنفصال، خاصةً إنه كان بيصلي شهر، وبيوقع منه شهرين.
الوضع كان صعب على قلبي، عمري ما كنت أتخيل إني أتزوج واحد مش بيصلي! عمرها ما كانت في الحُسبان.
الصدمة كانت صعبة على قلبي وبسبب قلة الأكل والحزن فضلت أسبوعين مريضة وأُصبت بالحُمى.
وقتها شوفته وهو قلقان عليّ وبيقولي قومي بالسلامة ووالله هصلي وهلتزم ومش هسيب فرض، ردي عليا يا حور؟ كلميني طيب؟
لما يئس إني أتجاوب معاه وأكلمه، قولتله: اتصل بأُمي تجيلي بالله عليك.
نزل يجري واتصل بأمي وقالها اجهزي يا حماتي مع بال ما أجي أخدك.......لا مافيش حاجة حور بس عايزاك.....متقلقيش خير والله.
فضلت أمي معي طول فترة مرضي، كانت الحُمى تقيلة عليّ جدًا لدرجة إن عملية الوضوء كانت صعبة جدًا فكانت بتساعدني، وكنت بلاحظ إن أحمد بدأ يصلي فعلًا وينتظم وكمان في المسجد ال جنبنا.
فترة مرضي عدت على خير وبدأ أحمد يتغير فعلًا وبدأت أفرح بيه ومعاملتي تتغير معاه للأحسن.
لكن مازال حظي من الابتلاء واقِع ولم ينتهي.
اكتشفت إني مُصابة بورم حميد في الغدة الدرقية أدى إلى عُقم للأبد عندي، عقم مالوش عِلاج والدكتورة صارحتني بكدا حتى لا أكون ضحية للأطباء الذين يُتاجِروا بمرض مرضاهم، قالتلي بنبرة حزينة: للأسف يا مادام حور، ولكن متيأسيش هنعالِج الورم دا إن شاء الله، وأمر الإنجاب دا اتركيه لله فلا شِفاء إلا شفاؤه.
أحمد فضل ساكت طول اليوم، أما أنا فالحمد لله الذي ربط على قلبي واحتسبت عند الله مصابي ودعوته سبحانه أن يرزقني الرضا بعد الصبر.
بعد شهر رجع تاني لحياته الأولى وترك الصلاة، وقتها استخرت ربنا وخدت قرار الإنفصال عنه.
= أحمد لو سمحت عايزة أتكلم معاك في موضوع.
_ خير
= دلوقتي أنا شايفة إنه مافيش أي داعي نكمل مع بعض، أنت عارف إني مستحيل أكمل معاك وأنت مش بتصلي.
لقيته اتعصب وحسيت إنه طالع من عنيه نار مش بس غضب وقام مزعق وقالي: مافيش داعي لإي يا ختي؟ مش كفاية صابر وسكت وحنيت عليكِ وأنت زي الأرض البور ما بتخلفيش وسبتك تعيشي؟
قرفاني مش بتصلي مش بتصلي، أنت ال هتحاسبيني ولا إي؟ طلاق إي يا ماما؟ مافيش طلاق إنسي!
= هتنازل ليك عن مهري ال كتبتهولي، مش عايزة حاجة، بس أرجوك خلينا ننفصل بالمعروف وروح تزوج وخلف عيال وعيش حياتك وسيبني أنا كمان أعرف أعيش حياتي.
_ تتنازلي؟ سبيني أقلبها في عقلي وهرد عليكِ.
بعد أسبوع بالضبط قالي: أنا قررت إني أتزوج.
فرحت وقولت الحمد لله يبقا هننفصل.
لكنه وقعني على جدور رقبتي وقالي: بس هسيبك على زمتي أول شهر جواز بعد كدا هطلقك.
_ لي؟ اشمعنا يعني؟
= هحتاجك في أول شهر جواز، عايز أعيش شهر عسل زي الناس مش كفاية نكدتِ علي أول سنة جواز ولا كأني متنيل على عيني متزوج!
_ طيب هتحتاجني في إي؟
= تخدميني أنا وهي.
صُعِقت من رده وحسيت إن نبضات قلبي بتقل ومش عارفة أتنفس، لكنه كمل كلامه
_ بعد الشهر دا ما يعدي وتعملي لينا أكل ما لذّ منه وطاب وتنضفي البيت في الوقت ال هنخرج فيه أنا وهي نتفسح وأعيش شهر العسل ال بحلم بيه، أوعدك هطلقك، دا طبعًا بعد ما تتنازلي عن مهرك لي، لأن دا يعتبر خُلع، ولا متعرفيش؟ أنا عن نفسي مش عايز أطلق وعايزك تكوني في البيت تساعدي مراتي الجديدة في شغل البيت خاصةً لما تكون حامل، مش هتقدر تعمل حاجة.
لكنك أنتِ ال عايزة تطلقي.
سبته ومشيت وفي قلبي ألف حُزن وكسرة نفس، أنا كمان كان نفسي أخلف ويكون عندي أولاد وأربيهم أسودًا للدعوة، دا أنا عاملة جدول وخطة أمشي عليها من قبل ما أتزوج عشان كل واحد من عيالي يختم القرآن وهو عنده ٦ سنين، كل دا راح!
اللهم لك الحمد، وإنَّا لله وإنا إليه راجعون، وحسبي الله ونعم الوكيل.
كانت أول مرة أقولها: حسبي الله ونعم الوكيل، واستنيت عدل ربنا وحقي ال اتسلب مني من غير حول مني ولا قوة.
مر الشهر ال اتفقنا عليه والحمد لله الذي هونه علي، تزوج امرأة لا تعرف عن دينها شيء إلا قطعة القماش التي تضعها على رأسها!
كنت أشمئز منهما وما يفعلانِه، كانوا بيخرجوا كل يوم ويقولي كأني خدامة فعلًا: حضري العشا يا بت ونضفي البيت لغاية ما نيجي.
مكنش بيقولي غير يا بت!
عرفت بشكل أو بآخر إن دي كانت خطة صاحبه، صاحبه فهمه وقاله إن دي عيبة في حقه إني أطلب الطلاق، وإنه لازم يزلني ويكسرني قبل ما ننفصل عشان أعرف إني كنت متزوجة واحد حنين وأنا ال استدعيت غضبه بإيدي لما مكنتش بسمع كلامه!
كتم المُصاب بيكون أصعب من المُصاب نفسه، حياتي الكئيبة ال كنت عايشة فيها ومكنش بيعدي علي يوم من غير بكاء وحسرة، حتى علاج الورم ال عندي بطل يجيبه ليا وقالي: خلي بابا يجيبهولك.
مكنش حد يعرف عني حاجة، لكني قولت لأهلي لما تزوج علي، إنه عندي مرض بسببه جالي عقم ومش هخلف، وإنه حقه يتزوج.
قبل ما يطلقتي بيومين، روحت عند أهلي ومهدت لهم الأمر وإني مش عايزة مشاكل ولا محاكم ولا فلوس ولا مؤخر ولا أي حاجة، بس عايزة أطلق بالمعروف وبكل هدوء.
الحمد لله طلقني ورجعت تاني لبيت أهلي بشكل دائم وشاع في البلد عندي إن بنت فلان اتطلقت عشان مش بتخلف.
رجعت أدي دروس في المساجِد من تاني، ورجعت لحياتي الدعوية بعد ما توقفت فترة كبيرة من تاني، وأهلي عالجوني والحمد لله تم شفائي على خير من الورم الحميد ال كان عندي.
بدأ مشواري الدعوي يكبر، كنت بروح كل المساجد في محافظتي أعلم النساء أمور دينهنّ، الناس كانت تعرفني بشكل كبير، فكانوا بيسمعوا بخبر إني هاجي مسجد كذا يوم الجمعة، فكان كل رجل في المنطقة ال بروح عندها يبعت مراته وبناته، وال مش بيقولها أبوها كانت بتقوله: المعلمة حور جاية يوم الجمعة يا بابا لو سمحت بعد إذنك هروح معك لصلاة الجمعة وهقعد أحضر درسها.
هكذا كانت النساء تخبرني وتحترمني.
كانت أطفال البلد بتيجي عندي كل يوم اثنين أحفظهم قرآن وأدرس لهم علوم شرعية، كنت بشعر فيهم شعور الأم اتجاه أولادها، يمكن لأنني حُرمت الأطفال للأبد!
كان منهم طفل يُدعى عُمر، أرسلته أمه لي وهو عنده خمس سنين.
وكانت منهم طفلة اسمها عائشة عندها ٦ سنين.
بسبب نبوغهم وسرعة حفظهم وفهمهم بدأت أركز عليهم دونا عن باقي الأطفال، اعتبرتهم أولادي اللي اتحرمت منهم، وبدأت أفتش في كتبي عن الجدول والخطة ال كنت حطاها عشان كل واحد من أبنائي يختم القرآن وهو عنده ٦ سنين.
الحمد لله لقيتها وبدأت أطبق كل حرف كتبته من ٦ سنين مع عمر، وعائشة.
وأضفت للجدول دراسة باقي العلوم الشرعية، فبدأت أشرح لهم تفسير، لقيتهم مستوعبين جدًا جدًا، فزدتهم في علم الحديث!
قولت لعُمر: يا عمر أنت من الأن اسمك عندي ولقبك هو "شمسُ الدين"
طلبت من أهلهم إنهم يجيولي البيت ثلاث أيام في الأسبوع، غير باقي الأطفال يوم واحد فقط.
شمس الدين ختم القرآن وحصل على الإجازةَ فيه وهو عنده ٧ سنين، حفظ بالتفسير.
وعائشة كذلك وهي عندها ٨ سنين، حفظوا القرآن بتفسيره في سنتين، كانوا بيحفظوا زي بعض، ونفس المقدار، ولما واحد منهم يتهاون في الورد بتاعه، كان التاني بيشجعه وعلمتهم حاجة يقولها لبعض لما حد فيهم يفتر ويتهاون، فكان شمس بيفتر كتير وكانت عائشة بتقوله: يا أخي شمس، لا تتركني أسبقك.
أهلهم عملوا ليهم وليمة كبيرة في البلد لما ختموا، وأصروا إني أحضر الوليمة دي، فروحت حضرتها ورأيت مالم يسر عيني أبدًا!
رأيت أحمد يحمل ابنًا له في عمر ٤ سنوات تقريبًا، وبجواره زوجته كما تركتها، متبرجة كما هي.
حاول الشيطان يقولي: شوفي هو ظلمك أهو ورغم ذلك ربنا أعطاه ال هو عايزه، وأنت يا مسكينة بتطيعي الله شوفي بقالك كام سنة، وحرمك من الأطفال وعمرك ما هتخلفي!
في اللحظة دي اتعلق في رجلي طفلين، لما نفضت الأفكار دي عني ونظرت لهم، لقيتهم شمس وعائشة، كل واحد فيهم عايز يمسك إيدي يقبلها وقالوا مع بعض: أعطينا يدك يا أماه نُقبِلُها، فإن كانت الأمُ تُقاس بالفضلِ فأنتِ أمُنا، نِعم الأم أنتِ.
وأخذا يدي يقبلانها.
فجلستُ على الأرض، أحتضنهما وأُقبلَهُما وأبكي.
شمس وعائشة، لما كان عندهم ١٢ سنة، وعائشة ١٣ كانوا حافظين المتون، والقرآن بالقراءات العشر، و٣٠٠ حديث!
كانوا بيدخلوا مسابقات شتى، وكل مرة بياخدوا المركز الأول، وكل مرة أحس بفرحة في قلبي وكأني أسعد واحدة في العالم أجمع!
فكرت أجمعهم وأقولهم إنهم كبروا خلاص والحدود ال لازم تتحط بينهم.
لقيت شمس جاء لي قبل ميعاد الدرس بنص ساعة قبل ما عائشة تيجي، ولأول مرة أشوفه حاطط عينه في الأرض وهو بيكلمني وبيغض بصره عني
_أمي لو سمحتِ، عايز أكلمك في موضوع قبل ما تيجي الأستاذة عائشة.
قولت في نفسي (اممممم، بيغض بصره وأستاذة عائشة وجاي بدري! خلاص فهمت)
=اتفضل يا شمس، سمعاك.
_ لازم تفهمي عائشة إننا كبرنا خلاص ومعدش هناخد دروس مع بعض تاني خوفًا من الفتنة وغير كدا دا مينفعش، أنا في سادسة ابتدائي دلوقتي وهي دخلت أولى إعدادي، يعني لازم نحط حدود، أنا مش هنادي عليها باسمها بدون ألقاب تاني، ومش هسألها في الحفظ بتاعها تاني، ولا هقولها: لا تتركيني أسبقك دي تاني، ولا ههزر معاها تاني، لأنها أجنبيه عني.
= بوركت يا شيخ شمس، وأنا كنت هجمعكم مع بعض وأكلمكم في الموضوع دا ولكنك سبقتني، بالمناسبة عائشة لبست النقاب.
_إي دا بجد؟ من آخر حصة هنا في الأسبوع ال فات ومشوفتهاش.
= دا لأنها قررت متخرجش كتير عشان الفتن ال أنت شايفها دي.
_ طب كويس فرحتيني والله، أنا نفسي أكبر بسرعة عشان تطلعلي دقن وأكون زي النبي صلى الله عليه وسلم.
= إن شاء الله يا شمس، قولتلي أهل البلد طلبوا منك تصلي بيهم التراويح اليوم؟
_ أيوا، وبصراحة خايف.
= من إي؟ أنت حافظ كويس وبتراجع وردك خمس أجزاء كل يوم، يعني أظن مافيش مشكلة؟
_ لا يا معملة، خوفي مش من الحفظ، أنتِ عارفة القرآن مطبوع في قلبي قبل عقلي، وعارفة إنك لو سألتيني عن أي آية دلوقتي هقولك تفسيرها وسبب نزولها ومدنية ولا مكية وأقولك الآية ال بعدها وال قبلها، الفضل لحضرتك بعد ربنا طبعًا، بس خايف من الرياء، خايف أحب مدح الناس في صوتي واجتماعهم حولي فنيتي تتغير، وبدل ما أتعلم لوجه الله، أتعلم عشان أكسب مدح أكتر من الناس.
كلام شمس كان كلام رجل عنده على الأقل ٢٥ سنة عشان يفكر بالطريقة دي، بس شمس العلم هذبه وعلمه، مافيش حد بيحفظ القرآن بتفسيره، والعدد الهائل دا من الأحاديث، ال وعقله يكبر ويسبق الأحداث وسنه والمنطق ذات نفسه، لكني مكنتش متوقعة بردو يفكر بالطريقة دي.
كنت شايفة إن شمس الدين هيكون له من اسمه نصيب، خاصةً الحرب القائمة على الإسلام من كل جهة، حتى من بعض المسلمين أنفسهم!
فكنت بقوله وهو لسه بيدرس عندي لما كان عنده ٥ سنين: يا شمس، أنت شمس الدين ال هتخرج تنور من تاني وتمحي الظلام والفساد وجهل الناس بدينها، أنت لازم تكون عالِم يا شمس وتمسك راية الإسلام وتدافع عنه.
شمس كبر وعنده ١٢ سنة وبيفكر في الإخلاص في العمل وخايف! ودا لأنه بيقرأ كتير في سير أعلام النبلاء وسير السلف الصالح كله وصولًا للنبي صلى الله عليه وسلم.
=اممممم، طيب يا شمس.
بس عمرك شوفت واحد بيسرق وبيقول جوا نفسه: خايف السرقة تكون حرام؟
_ لا طبعًا، السارق بيكون له حال من اتنين، يا إما مُستحل ال بيعمله دا، والإستحلال دا مش هيجي غير لأنه ضميره ونفسه اللوامة عليه ماتت خلاص، يا إما الحال التاني وهو إنه بيعمل كدا وهو عارف إنه حرام.
= طيب حلو، إذًا مستحيل تشوف مرائي بيقول خايف!
خوفه دا دليل على إخلاصه، لأن المُرائي دا مش بياخد باله يا بني إنه مرائي أصلًا!
_ طيب أعرف إزاي إني مش مرائي فعلًا؟
= سؤالك وهمك ال ظهر عليك دلوقتي وأنت بتتكلم في المشكلة دي، لأنك لو مرائي مكنتش جيت ولا سألت، خاصةً إن المُرائي دا، لو حد قاله إن ال بيعمله دا رياء، هينكر تمامًا، فما بالك واحد بيتهم نفسه!
وعايز تعرف إنك مش مرائي، لما تلاقي نفسك مش بتهتم بمدح الناس ولا قدحهم وبتقول الحق ولو على رقبتك، وليرضى من يرضى وليسخط من يسخط، ومش بتدلس على دينك، وإياكِ في يوم يا شمس تكون من شيوخ السلطان!
سفيان الثوري فضل هربان ٢٥ من السلطان عشان كان عايزه معه!
ودي فتنة عظيمة يا بني.
= هو لي مكنش ينفع تكوني أمي بجد! أنا بتغم وبحزن كل ما أفكر إنه لما أكبر من هقدر أقبِّل يدك وهتكون بيننا حدود ومسافات.
نهرته بسرعة وغضبت عليه وقولت له:
=شمس! إي ال بتقوله دا؟ كان نبيك الكريم لا يقول: لو كان كذا كان حدث كذا ولو لم يكن كذا ما كان كذا.
ما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن يا بُني، التزِم حدود الأدب مع ربك ولا تقل له: لي المعلمة بتاعتي مكانتش أمي!
وبعدين شويا كدا وهدورلك على شيخ ثقة هتكمل معاه، فاهم؟
عينه اتملت دموع فبص بعيد عني وحاول يهدأ من نفسه، فرّق له قلبي وتفهمت وضعه الذي هو أيضًا وضعي! فشمس مهما يكن عندما يكبُر سيكون أجنبي عني!
في اللحظة دي وهو بيمسح دموعه بكف إيده الصغيرة، جاءت عائشة تجر خلفها عباءتها الطويلة، فلما دخلت ألقت السلام ونظرت لشمس نظرة سريعة وقالت لي وقد أقبلت علي تقبل يدي ورأسي: كيف حالك يا أمي؟ عساكِ بخير.
ولم توجه أي كلمة لشمس الذي كان يضع رأسه في صدره متحاشيًا النظر لي ولها.
فاستأذن ومشى.
كان الله وحده يعلم كم كنت أحبهما:"))
=عائش، تعالي عايزة أكلمك.
_نعم معلمتي؟
= مكلمتيش شمس يعني النهاردة؟
سألت السؤال دا وكنت منتظرة تقولي إنه خلاص لازم نحط حدود زي ما قال شمس، لأني اتعودت عليهم في تشابه أفعالهم وأقوالهم وحركاتهم وكل شيء، ولم تخيب ظني.
_ عشان مينفعش خلاص نتعامل زي الأول، وأنت علمتينا في الفقه مين هما المحارم، ومين هما الأجانب عني، وأنا فكرت من أسبوع ولقيت إن شمس مش من محارمي، فلازم أتعامل معاه على الأساس دا، أنا عايزة أكون زي الصحابيات أقل حاجة دا لو عجزت إني أتشبه بأمهات المؤمنين يعني!
فأنا هكمل دروسي معك لكني هاخد مع باقي البنات.
=طب كويس، هو كمان قبل ما تيجي كان بيكلمني في نفس الموضوع.
_سبحان الله، عشان كدا كان بيعيط؟ هو أخي والله وله في قلبي كل الإحترام، بس مينفعش يكون أكتر من كدا.
= لا يا حبةَ الفؤاد، مكنش بيعيط عشان كدا، كان بيبكي لسبب تاني، روحي جهزي الغدا وتعالي عشان نكمل دروسنا في الميراث يالا.
عائشة كان بيتها قريب من بيتي، فكانت معظم الوقت عندي، جزى الله أمها كل خير، إذْ كانت رحيمة بي لما تركت لي عائشة عندما أحتاجها أجدها بجواري، فكانت تأتيني وتقوم بأعمال البيت عندي حتى لا أشقى أنا، وتذهب تُجهز الطعام لي ولها وتقول لي: أمي عندها أختي في البيت بتنضف البيت وتجهز الأكل ليها ولبابا، و خليني أنا عندك هنا، هو مينفعش أجيب هدومي واقعد هنا؟وضحكت
وضحكتُ لضحكتها الطفولية وعقلها الناضج وكأنها صاحبة ثلاثون عام!
كنت أحبها حُبًا شديدًا وتعلق بها قلبي هي وشمس بعدما ماتت أمي وذلك بعد موت أبي بسنة واحدة فأصبح البيتُ فارغًا من روحهما، وكان مصاب فُقدهما عظيم، ولكن الحمد لله الذي علمني ورباني كيف أتأدب مع قضاءه وقدره.
فصبرت وتحملت، وكان أخي يسكن هو وزوجته وعياله في بيت مجاور لبيت أبي، فأراد مني أن أنتقل للعيش معه عن العيش بمفردي ولكني رفضتُ فتركني جزاه الله عني خيرًا، وكانت عائشة تؤنسني كثيرًا بل وأحيانًا كانت تبيت معي بجواري وفي حضني.
أصبح عُمر شمس ٢٣ عامًا، وعمر عائشة ٢٤، وتخطيتُ أنا ال ٥٥ عام.
سمعة شمس كانت بتتنقل من بلد لبلد، وكل الناس تقول عنه الشيخ شمس الدين، والبلد ال بيبعت مرسال إنه هيخطب فيها الجمعة، كانت الناس بتتجمع عشان تسمعله من كل حدب وصوب، كان معلم في نفس الوقت وبيدي دروس في المسجد وله طلبة علم وطلبة العلم بتوعه كان بيبعتهم للقهاوي والنوادي عشان ينصحوا الناس ويذكروهم بالله، وتاب على يده الكثير فضلًا عن الذين أسلموا على يده.
خرج في لقاء تلفزيوني ذات مرة، ولما علمت قفز قلبي من صدري فرحًا به وروحت أشاهده، وجلست أبكي إلى ما شاء الله لي أن أبكي فرحًا وفخرًا به وشوقًا إلى أن أحتضنه ولو لمرةٍ واحدة!
لما كان عمره ١٥ سنة، قولتله: يا شمس الدين، تواصلت بمعارفي في الدعوة وكلمت شيخ كبير جليل ثقة منهجه سليم نحسبه والله حسيبه أنه على خير ولا نزكي على الله أحد، وكلمته عنك وهتروحله تكمل عنده.
وقتها بكا مرة تانية وبكيت معه ولم أتمالك نفسي وقولت له: يا بني، أنت مني بمنزلة الابن من أمها، لن أنساك ولن تنساني، وأكيد هتيجي تزورني وتجيبلي هدايا زي ما بتعمل صح؟
= أكيد يا أمي، ال علمتهولي مكفيني أكمل مشوار الدعوة وحدي، أنا واثق إني هوصل وهحقق حلمك وهكون شمس الدين ال هتخرج تمحي الظلام ال حاصل في بلاد المسلمين وفي عقيدة المسلمين إلا من رحم ربي، ولما أوصل لكدا مش عايز الناس تقول: أصل شيخه اللي علمه الشيخ فلان.
مش عايز الفضل ال هيرجع ليكِ بعد ربنا بسبب ال وصلت له، وال هوصله يتقاسمه معك حد.
هتكوني أنتِ الأولى والأخيرة ال علمني في الدنيا وربنا أرسله ليا.
_ بس يا شمس أنت لسه عندك ١٥ سنة، لازم تكمل عند شيخ يا بني!
= وأنا بقولك يا أمي إن العلم ال زرعتيه فيا مكفيني عشان أقدر أكمل لوحدي ومش هحتاج لشيخ.
وصدق شمس، وصدق ظني فيه وأكمل مسيرته الدعوية بمفردِه بدون شيخ!
كان كل أسبوع بيجيلي يسأل عن حالي فقط ويمشي.
وأحيانًا كان بيجي يسألني عن مسألة في الفقه مش قادر يفهمها، أو مسألة ميراث مش عارف يحلها.
لغاية ما تخرج من كليته من الأزهر الشريف كلية شريعة إسلامية.
أما عائشة، فمن أول سنة لها في الجامعة كانت بتخطب في المساجد وكانت بتدي دروس للبنات في مسجد الجامعة وكان كل ال في البلد بيتكلم عنها وعن حسن حياءها واحتشامها وخجلها.
لغاية ما تخرجت وفضلت في البيت بتقضي معظم وقتها معي وفي الدعوة للنساء، وأنا بدأت أضعف وصحتي تضعف.
جات عائشة في مرة كانت تبيتُ معي فيها وقالتلي بعد ما لاحظت عليها التوتر والإرتباك.
= ماما، عايزة أقولك حاجة.
أول ما بصيت عليها وسبت المصحف، لقيتها بتهرب مني بنظراتها وبتبص في كل حتة عدا إنها تبص في وشي!
فرجعت قفلت المصحف وقولت لها: من غير ما تقولي، أنا عارفة عايزة تتكلمي في إي.
= بجد؟ عرفتِ إزاي طيب؟
_ يا بنتي أنا مربياكِ بقالي ١٥ سنة، كل يوم بتكوني معي فيه، فلو معرفتش بنتي بتفكر في إي، أبقا بئس المعلمة والمربية أنا.
= متقوليش على نفسك كدا طيب خلاص أسفة، طيب هو قالك حاجة؟
_ لأ مقاليش، وشمس عمره ما يقول حاجة زي كدا، هو ابني بردو وربيته زيك وعلمته كيف تكون عنده مروءة ونخوة، فعمره ما يبوح بحاجة زي كدا إلا لما يجي وقتها.
= طيب أنا محرجة أتكلم أكتر من كدا، بس أنا بطلت أدعي بيه من وقت ما سألتك أخت في درس قبل كدا هل ينفع الواحدة تدعي إن ربنا يرزقها بزوج معين، وأنت قولت لها: مينفعش، ممكن الشخص ال بتدعي بيه دا يكون إنسان سيء الخلق في الباطن وبيخفي دا وأنت متعرفيش كدا لأن الظاهر بتاعه قدامك كويس، لكن ربنا علمه غير محدود، ويعلم ما نُسِرُ ونعلن، فهو يعلم سبحانه مدى صلاح حال فلان من عدمه ودا من الباطن بتاعه ال ربنا بيعرفه وإحنا لا، فأنت تدعي بصفة عامة وتقولي: اللهم ارزقني زوجًا صالحًا ترضاهُ لي.
غير كدا يا حبيبة لما بتدعي بشخص معين، كدا الشخص دا الشيطان هيمكنه منك وهينصرف حبك له بدل ما كان لله وحده!
ولما ينصرف حبك للعباد بتنسي بعد كدا رب العباد وقلبك هيبدأ يتعلق بالدنيا، وإحنا اتفقنا إننا مش بنفكر في الدنيا أبدًا وكل همنا فيها الإصلاح ما استطعنا لأننا خليفة الله في الأرض، بعد ما نُصلح الأرض بنروح لمكاننا الحقيقي والأصلي وال هو الجنة.
_ أحسنتِ يا عائش، دا أنت حفظتِ الإجابة كمان^^
= يا معلمة، كل همسة منك بحفظها^^
بس أنا أكبر منه بسنة، وأكيد دا ممكن يكون عائق أو ممكن يكون هو كمان مش بيفكر فيا زي ما بفكر فيه كزوج صالح ومناسب، عارفة يا أمي، أنا مش عايزاه عشان شهوات ودنيا وكدا، أنت ربتيني على عدم حب الدنيا والحمد لله ربنا نزعها من قلبي، لكن نفسي أنا وهو ننجب ذرية صالحة إن شاء الله، ونربيها زي ما ربتينا أنا وهو وتطلع تمسك راية الدين من بعدنا وتحارب وتُناضل عن دينها.
وهسمي ابني سُفيان إن شاء الله راجية من الله إنه يكون زي سفيان الثوري رحمه الله ورضي عنه.
كنت بشوف في عيون عائشة نفسي لما كنت في سنها وشغفي وأحلامي ال ببنيها وإنه كان نفسي لما أتزوج وربنا يرزقني ذرية صالحة اسمي ابني "شمس الدين " وابنتي عائشة أو خديجة وحفصة.
فضلت أدعي الله الليل كله وعائشة نائمة، أن يجمع بينها وبين شمس الدين في الحلال وأن يرزقهم الذرية الصالحة ويجعلهم ذخرًا للإسلامِ والمسلمين وأن لا تمر بما مررتُ به أنا، ولما تذكرتُ ومر عليّ شريطُ حياتي وما عانيته بكيتُ حتى رحمني الله وأغشاني النُعاسُ فنمتُ حتى أيقظتني عائشة لصلاة الفجر.
جه شمس الدين يزروني، كل الناس نسيت إن اسمه عمر، لقبه المعروف في كل حتة هو شمس الدين ولو حد قال عمر محدش بيعرفه.
جاب معه هدية كالعادة وكانت هدية مختلفة! تذكرة سفر لأداء عمرة في شهر رمضان!
وقال لي: أرجو أن تقبليها مني يا أمي، متضيعيش تعبي وأنا بعملك باسبورت السفر وبجهز لكل حاجة من غير ما تاخدي بالك، واستعنت بالأستاذة عائشة عن طريق أخوها وكانت بتجيبلي صورة لبطاقتك وكل ورق بحتاجه عشان أخلص لك أوراق السفر.
كانت رجلي مش شيلاني من الفرحة عندي ٥٧ سنة، فقلبي لم يتحمل أني هزور بيت الله الحرام وأطوف بالكعبة في آخر أيامي.
شمس عنده ٢٥ سنة، وعائشة عندها ٢٦ سنة كل ال يتقدم لها كانت تحطه تحت المجهر وتشوف هو دا ال هتكمل معاه الدعوة ويساعدها تربي دُعاة وعلماء ولا لا، وكانت بترفضهم كلهم:"))
قبل ما أسافر جه شمس يسلم علي وقالي: أمي، خلي بالك من نفسك، أم فلان وأم فلان وأم فلان هنا من البلد رايحين عمرة هما كمان، خليكِ معهن عشان يونِسوكي.
= يا بني طول السنين ال فاتت دي، كان مؤنسي الله، وهيفضل مؤنسي الله إلى أن ألقاه.
_ طيب عايز أفاتحك في موضوع قبل ما تسافري.
وبدأ يتوتر ويتحاشي نظراتي له.
= اتفضل قول يا شمس، مع إني عارفة عايز تقول إي
_ طب ما تقولي وتوفري عليا لحسن الكلام مش راضي يطلع.
= متقدمتش لي الفترة ال فاتت؟
_ كنت بجهز نفسي والله وغير كدا كنت بربي قلبي إنه ميتعلقش بالعباد، وينسى رب العباد، فمكنتش عايزه يتعلق غير بالله، أنا عايز أتقدم لعائشة وأنا عندي ١٥ سنة، بس مكنش ينفع وقتها.
_ طب وفرق السن؟
= مش هيفرق طبعًا، ولو كانت أكبر من ب ٢٠ سنة، أنا مش هلاقي زوجة صالحة والله حسيبها، زي عائشة تساعدني في مسيرتي الدعوية.
بس في مشكلة....
_خير إن شاء الله يا شمس.
= في واحد اسمه محمد أحمد، حاطط عينه عليها مع إنها أكبر منه بسنتين، والولد دا أنا أعرفه سيء الخُلق وبذيء وسليط اللسان، من شهرين بدأت أشوفه في المسجد وبيصلي خلفي كل فرض في وقته وبدأ يلتزم يعني، ولما سألت حد من صحابه عن السبب خاصةً إني ملاحظ تعامله مع أبو الأستاذة عائشة، فقالي إنه عايز يتقدملها.
وأنا خايف يكون اتقدم بالفعل بس لسه في البداية ومحدش قال حاجة قدامك وعائشة توافق عليه خاصةً إنه التزم وتاب.
_ مين محمد أحمد دا؟ أعرفه؟
= محمد دا يكون ابن طليقك.
من الصدمة مقدرتش أقف وقعدت على الكرسي لأني دوخت لما سمعت كلمة طليقك!
= أمي أنتِ كويسة؟
_ كويسة كويسة، أنا مش هسمحله يعيّش بنتي نفس العذاب ال عيشهولي، نفس ال عمله معايا عايز يخلي ابنه يعمله مع بنتي، متابش ولا اتعظ، حسبي الله ونعم الوكيل.
= مش فاهم حاجة.
_ راح يخلي ابنه يلتزم شهرين تلاتة لغاية ما الناس تفكر إنه التزم بجد وتاب، عشان عيشة توافق عليه وتوقع في فخه.
= طيب بطلي عياط وامسحي دموعك أرجوكِ، الإنفعال دا مش كويس على صحتك، فهميني بس! هو أنا ال أعرفه إن سبب طلاقك هو إنك ما....ما ...ما....
_ مابخلفش، دا السبب ال أهل البلد عارفينه لكن السبب الحقيقي يا بني محدش يعرفه حتى أبويا وأمي، رفضت أحكي لهم ال حصلي مع زوجي عشان قلبهم ميتفطرش عليا، كفاية عليهم خبر إني عقيم وعمري ما هخلف.
وحكيت لشمس ال محكيتهوش لمخلوق، وإزاي كان زوجي معيشني خدامة رغم تواجد الورم فيا والمرض، وإزاي كان بيهني ويذلني ويضربني أحيانًا.
شمس طلب ليا الدكتورة وراح كلم صاحبه أخو عائشة وقاله: ابعت الأنسة عائشة عند أمها حور لأنها تعبانة وأنا اتصلت بالدكتورة ال متابعة معاها وهتيجي تشوفها.
٥٧ سنة مش كبيرة للدرجة، ولكن جسمي كان ضعيف وصحتي ضعيفة، كنت بمشي على عصا اشتراها لي شمس وبتعكز عليها بسبب خشونة المفاصل ال كانت عندي، وتوقفت عن الخروج للمساجد من ٧ سنين أدي دروس واكتفيت بمجالس البيت عندي والدروس ال بعملها فيه وكانت عائشة بتساعدني في فرش البيت وتوضيبه للطالبات ال بتيجي تحضر.
مكنش عندي حاجة غير بس ضغطي وطي وحصلي هبوط.
أما شمس فراح مباشرةً لأبو عائشة يطلب إيدها، أبوها وافق على طول لأنه كان بيتمناه لبنته من زمان.
بعد كدا خرج وراح لأحمد طليقي!
= شوف يا أبو محمد، فاكر من حوالي ٣٠ سنة وال عملته مع أمي حور؟
_ يا بني الكلام دا فات عليه سنين ومش وقته دلوقتي.
= لا دا وقته يا أبو محمد، دا وقته أوي، لأن ابنك بيعمل نفس الأسطوانة بتاعتك ونفس الخدعة بتاعتك عشان يعرف يتجوز عائشة ال هو حاطط عينه عليها، بعد الجواز يرجع زي ما كان لا بيصلي ولا يعرف ربنا.
وبعد كدا يتجوز عليها ويعيشها خدامة ليه هو ومراته الجديدة.
أنت لسه متوبتش من الظلم ال ظلمته ليها؟ الشيب في راسك غطاها كلها، يعني الموت قريب منك، مستني إي عشان تتوب قبل ما تقابل ربنا!
توب وأدي واجبك ولو لمرة واحدة اتجاه ابنك وربيه كويس بدل ما هو عامل زي التعبان بيتمسكن لغاية ما يتمكن.
أنا مش هسمح للعته دا إن يتكرر تاني، وقول لابنك يتعدل ويبعد عن بنات الناس سواء عيشة أو غيرها وإلا و الله خطبة الجمعة الجاية هتكون عليك وعليه، ووريني مين من البلد هيرضى يجوزه بنته.
والست ال أنت ظلمتها، بعد السنين دي كلها، كنت أنا أول واحد يعرف بظلمك ليها!
أنت ظلمت وقهرت واحدة نحسبها من أولياء الله الصالحين.
لأخر مرة، قول لابنك يتوب بجد، ويقرب من ربنا بجد، مش يعبده على حرف! يقرب ويصلي لغاية ما ياخد مراده بعد كدا يرجع لعادته!
خرجت وسبته يفكر في كلامي، لقيت ابنه واقف على الباب وسامع كل حاجة والغضب ظاهر على وشه.
مسكني عشان يضربني، تحكمت في غضبي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه واقف أمامي ويقول لي: "لا تغضب"، فلت إيده من هدومي وسبته ونزلت السلم عشان أمشي.
دخل لأبوه وبعد كدا خرج بسرعة يجري ورايا وكنت أنا عديت الشارع، ومن غضبه مشي خلفي بدون ما ينظر على العربيات، فخبطته عربية!
وقتها تذكرت الأخوة في الله وكنت أول واحد بجري عليه وبطلبله الإسعاف، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
محمد وصل للموت، وأبوه كان هيموت عليه، ودا كان سبب توبتهم هما الاثنين.
أحمد عرف ربنا ولجأله عشان يشفي ابنه وتاب، ومحمد تاب بعد ما فاق من غيبوبته وأول ما فاق قال عايز أصلي!
معرفش إي حصله، بس سمعت إنه كان بيشوف النار كل ما يغمض عينه وإن العذاب مستنيه عشان كان بيلعب ببنات الناس.
_ورق السفر بتاع أمي حور جهز، واتخطبت لشمس الحمد لله ودعوتي استجابت، ولكنه بعد أسبوع قال لوالدي إنه عايز يعقد ومش عايز فترة خطوبة.
روحت أجري على معلمتي حور أبلغها، وحزنت عليها، كل ما تكبر وأشوف تجاعيد وشها وشعر رأسها الأبيض، قلبي يتقبض بس هي علمتني إن قلبي مينفعش يتعلق بالدنيا وناسها، وأن اللقاء في الجنة.
كان عقد قراني بعد سفرها، لكني أصريت يكون قبل ما تسافر عشان تحضره، والحمد لله استجابوا لرغبتي وكتب كتابي كان في نفس يوم سفر معلمتي حور^^
بعد عقد القِران جمعتني أنا وشمس وحضتني وقبلت رأسي، ونهض شمس لها واكتفت بالإشارة إليه من بعيد.
بالرغم من أن معلمتي هي التي علمت شمس، وربته، وأطلقت عليه اسم "شمس الدين" ولكن، منذ أن أصبح شابًا وهي تعامله معاملة الرجل الأجنبي عنها من أجل هذه اللحظة علِمت، لماذا كانت تحتضنه وهو صغير عندما كان في الخامسة والسادسة من عمره وكأنها تريد أن تكتفي منه، الآن وهي تقف بعيدةً عنه تشير له بيدها وتلقي عليه السلام، وأنا أنظر له وأرى لمعة عينه وهو نشأ على يديها وكان ينام على حجرها وهو يقرأ عليها حزبه اليومي.
بعد سفرها سألته لماذا هذه النظرة؟ قال لي: وددتُ لو أنني قبلتُ يديها يا عائشة، لها فضلٌ عليا كبير بعد الله، هي مربيتي وشيختي التي أفتخر بها.
وقتها نصحتنا وقالت لنا " نحن في زمن الغربة الثالثة، أنتما أمناء هذا الدين، ومن بعدكما ذريتكما، أنجِبوا لنا خالدًا بن الوليد في الشجاعة والقيادة، والشافعي في علمه وتقواه"
ثم تركتنا وغادرت هي وشقيقها، وراتميت في حضنها فاحتضتني كما لم تفعل من قبل، شعرتُ بشيءٍ غريب في نظرتها وسيرها، هذه أمي التي ربتني منذ أشهر وهي تمشي على عصا، والأن تهرول لكي تسافر!
شعرت أنها تودعنا"((
تركتنا أمي للأبد!
ماتت وهي تعتمر وتطوف بالكعبة، حلقت بصرها للسماء ثم ابتسمت وفاضت روحها، هكذا أخبرنا شقيقها، دُفنت في بلدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت تحبه وكلما جاء ذكره فاضت عيناها شوقًا له.
ماتت أمي وتركتنا ولم أستطع أن أودعها.
عندما سمعتُ الخبر رددتُ بثباتٍ كما علمتني "إنا لله وإنا إليه راجعون" ثم بكيتُ كثيرًا وشعرتُ أن قلبي خرج من بين ضلوعي يبكي معي.
أما شمس، فاسترجع وحوقل ورأيته يمسح دمعه ويذهب للمسجد في محرابه، ولم يخرج إلا بعد ثلاثة أيام، هكذا كان يفعل عند تذكره للموت وعندما يدعو لأحد مات عزيز على قلبه.
كان الرجال يتقدمون للزواج منها، وكانوا كُثر وجميعهم يعلم أنها لا تُنجب، ولكن كانوا يقولون: لا نريد أطفالًا يكفي أن تحون لنا زوحة صالحة نحسبها على خير مثلك.
لكنها كانت ترفض مكتفية بتجربتها الأولى وتقول: مالي والدُّنيا؟ لا أريد من حطامها شيئًا، إنما أعِد نفسي للرحيلِ منها، فكيف أتعلقُ بها؟
تركت معلمتي فينا شيئًا لا يُنسى أبدًا، أصبح شمس زوجي كما رجت من الله، عالمًا فقيهًا، وأصبحتُ أنا كذلك، أعلم النساء أمور دينهن حتى ما عادت امرأة في قريتي تجهل كيفية الصلاة و الدعاء!
أصبحت أُعلِم وأربي ألاف النساء، ورزقني الله وشمس، بخالدًا، والزُبير، والشافعي ومالِك وسُفيان، وحفصة وأم كلثوم، وفاطمة وزينب وخديجة.
كان يقول لي شمس، أريد أن أنجب أولادًا كُثر، أعلمهم ليكونوا صالحين وينفعوا دينهم، ذكورًا وإناثًا.
رحم الله أمنا يا شمس، رحِم الله ملعمتنا ومعلمة الناس الخير.
"الحمد لله الذي أبدلني خيرًا وأخلف عليّ في مصابي خيرًا".
هذه كانت آخر جملة قالتها معلمتي حور في مذكراتها التي نقلت منها قصتها.
#تمت
تعليقات
إرسال تعليق