القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية جبر السلسبيل البارت التاسع والعاشر بقلم ساره بكرى في موسوعة القصص والروايات جميع الفصول كامله

الفصل التاسع.والعاشر.

جبر السلسبيل...

 

صباحكم رضا ورضوان و نسائم من جنة الرحمن 💐..


انقبض قلب "عبد الجبار" حين رأي ملامح الطبيب المتأثرة فور خروجه من غرفة "سلسبيل" برفقة الطاقم الطبي الخاص به، يبدو أن حالتها تُبشر بخطر قادم، يخشي حتي أن يتوقعه فأوهم نفسه أنها لربما تزيد من دلالها حتي ينتبه لها، و يكف عن التظاهر بتبلد مشاعره تجاهها..


غير مدرك أنها لا تفقه أي شيءٍ عن الغنچ، كانت القسوة تحاوطها من كل جانب أنساتها أنوثتها..

تتغلل بداخلها أمور موجعة، تراكمت بأعماق قلبها يومًا بعد يوم حتي أصبحت قاتله..


وقف أمام الطبيب بملامح صلبه، جامدة و قد تفنن في إخفاء فزعه، و ارتعاد قلبه عليها، حل الصمت للحظات قبل أن يتحدث الطبيب قائلاً بأسف..

"مخبيش عليك يا عبد الجبار بيه الهانم الصغيرة حالتها مطمنش أبدًا!!!"..


ساد الصمت ثانيةً، فقال "عبد الجبار" بنفاذ صبر.. 

"اتحدد طوالي يا دكتُور الله يرضى عنِك"..


"واضح أنها اتعرضت لعنف شديد لفترات طويلة أدى لشروخ في معظم ضلوعها، و جروح في جسمها كله تقريبًا، و متعلجتش بطريقة صحيحة منهم و دا مسبب لها ألم شديد جدًا حاليًا خصوصًا شرخ الضلع دا لو متعلجش صح بيكون ألمه أقوي من ألم الكسر"..


صمت لبرهةٍ يلتقط أنفاسه و من ثم تابع..

" كمان لون شفايفها أزرق، بتغيب عن الوعي رغم المحاليل اللي في ايديها، نبضات قلبها بطيئة بدرجة تقلق و دي علامة غير مبشرة على الإطلاق.. علشان كده الأفضل أنها تتنقل المستشفى حالاً يا عبد الجبار بيه"..


حديثه هبط على سمعه كالصاعقة زلزلت كيانه كله دفعه واحدة،أنعقد لسانه و بخاطره يدور ألاف الأسئلة لم يحصل لهم على أي إجابة،


رغم الضجيج و الصراع القوي الذي بداخله، إلا أن ملامحه هادئة، تنحنح بصوتٍ عالٍ كمحاوله منه لإيجاد صوته و هو يقول مستفسرًا..

" هي حالتها خطرة قوي أكده !!!"..


أومأ له الطبيب مردفًا بتحذير..

"و أي تأخير مش هيكون في صالحها.. فاسمحلي أكلم المستشفى تبعتلنا عربية أسعاف"..


كانت "بخيتة" تستمع لحديثهما بترقب، و حين وصل لسمعها الجملة الأخيرة اقتربت منهما و تحدثت بغضب قائلة..

"أسعاف أيه، و مستشفى أيه يا عبد الچبار.. قولتلك هي بقالها فترة على أكده.. تتنيها نعسانه يومين و بعدها بتفوق و بتبقي زي القردة"..


" يعني كمان الحالة دي مش أول مرة تحصلها!!"..

أردف بها الطبيب مدهوشًا.. لتجيبه "بخيتة" بلا مبالاه..

"أِيوة.. حُصلت ياما قبل سابق و كنا بنهملها تفوق لحالها"..


نظر الطبيب ل" عبد الجبار " الذي ينظر لوالدته بأعين منذهلة، عقله غير قادر على استيعاب أفعالها، و جحود قلبها، تقف بكل بجاحة و تخبرهم أن حالتها الخطيرة تكررت مرات متعددة، و هي على علم أنها سبب أساسي فيما يحدث مع تلك الصغيرة!!! 


رباه!!!!..


لقد وصل غضبه لزروته من قسوتها الجبارة فنفجر فجأة صائحًا..

"الرررحمة يا أمه أحب على يدك"..


نظر للطبيب، و تابع بأمر..

"أعمل اللي هيكون صالح ليها يا دكتور"..


الطبيب بتوتر من غضبه العارم.. "أمرك يا عبد الجبار بيه.. هكلم المستشفى يبعتوا الإسعاف حالاً"..


بينما هرول "عبد الجبار" تجاه غرفة "سلسبيل" تحت نظرات "بخيتة" المغتاظة، و طرق على الباب المغلق مرددًا بلهجة هادئة لم تخفي غضبه، و قلقه الظاهر بنبرته الحادة..

" چهزي سلسبيل يا خضرا"..


جملته وصلت لسمع" خضرا " الجالسة بجوار تلك الغائبة عن الدنيا تبكي بصمت على حالها، أسرعت نحو الباب و فتحته بحذر، طلت له برأسها و أردفت مستفسرة..

"أچهزها لأيه يا خوي؟!"..


قبض على كفه بقوة عل قلبه يفهم إشارته و لا يفلت منه أي تأثرًا أو خوفًا و هو يجيبها..

" الإسعاف چاية في الطريق.. هننقلها المستشفي"..


أجهشت "خضرا" بالبكاء و هي تقول..

"تبجي حالتها خطرة.. يا جلبي يا خيتي..قولتلك البنتة قاطعة النفس يا عبد الچبار، و ماعوزاش تفوق واصل"..


"همي يا خضرا چهزيها على ما أغير خلجاتي و أعَود"..

قالها و هو يسير بخطوات واسعة نحو الدرج، كان سيره حثيثًا أقرب إلى الهرولة، لا يري أمامه من شدة إنفعالاته المتضاربة، صعد كل ثلاث درجات معًا حتي وصل لباب غرفته و دفعه بقوة، و دلف للداخل بأنفاس متهدجة..


رفع كلتا يديه و مسح على وجهه و شعره بعصبية مفرطة، و هو يدور حول نفسه مرددًا أسمها بلهفة..

"سلسبيل.. أيه اللي صابك يا حبة الجلب!!!"..


صدح صوت سيارة الإسعاف معلنة عن أقترابها، فقفز تجاه الخزانه، و جلب أول شيء وقعت عليه يده، و خلع جلبابه بلمح البصر، و ارتدي سروال أسود، و قميص أبيض، و حذاء كلاسيكي أسود،اندفع لخارج الغرفه راكضًا و هو يغلق أزرار قميصه ، و يرتدي حزامه الأسود الجلدي..


" چهزتيها يا خضرا".. قالها قبل أن يخطو لداخل الغرفة المفتوحة، حركت رأسها له بالايجاب، فحبس أنفاسه قبل أن يدلف للداخل،


أقبل عليهما بخطواته الواسعة ، كان القلق واضحًا على مرآي تعابير وجهه الغضوب، عينيه لم تنظر تجاه تلك الراقدة و لو بنظرة خاطفة رغم أنه أصبح واقفًا بجوار فراشها.. كان يثني أكمام قميصه لمرفقيه، خلع ساعته و أعطها ل "خضرا" فعلمت حينها أنه لن يدع أحد غيره يحملها..


أبتلعت غصه مريرة بحلقها، و أخذت منه الساعة وضعتها على طاولة صغيرة جوارها، و همست  بتقطع من بين شهقاتها..

" أني مههملهاش.. هچي معاها يا عبد الچبار"..


تكلف "عبد الجبار" الابتسامة و هو يرفع رأسه و ينظر لها مغمغمًا.. 

"طول عمرك أصيلة يا ست الناس"..


"جاهزين يا عبد الجبار بيه؟"..

كان هذا صوت الطبيب صدح من خارج الغرفة.. لم يأتيه رد من "عبد الجبار" الذي كان يتطلع لزوجته بنظرة تفاهمتها هي جيدًا .. ينتظر موافقتها ليحمل" سلسبيل" بنفسه..


"هم يا خوي خلينا نطمن عليها"..

قالتها و هي تعدل من وضع" سلسبيل " ليتمكن من حملها، و أخيراً استدار تجاهها، و هبط بعينيه حتي وقع نظره عليها، حينها تمزق قلبه لأشلاء عندما رأي مدي تطور حالتها للأعياء الشديد..


أخذ نفس عميق قبل أن يميل عليها ويحتويها بين ذراعيه، و يحملها بمنتهي الخفة كريشة يتخطفها الهواء، ارتخي جسدها البارد على عضلات صدره التي تنبعث منها دفئ صارد من نيران تتأجج داخل قلبه،رغم جمود و صلابة قسمات وجهه..


سار بها بخطي واثقه لخارج الغرفة، و من ثم لخارج المنزل بأكمله بجواره تسير "خضرا" متعمدة رفع رأسها بشموخ أمام نظرات "بخيتة" الساخطة.. فالمرأه بطبيعتها أكثر من الرجل استمساكاً بالقيم الأخلاقية، 

كالغصن الرطب تميل إلى كل جانب مع الرياح، ولكنها لا تنكسر في العاصفة..


.............................................صلِ على الحبيب 💐....


مرت ساعات طويلة بالمستشفى بين الكثير من الفحوصات الدقيقة،  الأشاعات، التحاليل،


فريق طبي كامل متكامل مشرف على حالتها بأمر من "عبد الجبار" الواقف أمام غرفتها مستند بظهره على الحائط عينيه تطلع للباب المغلق ينتظر على مضض خروج أي شخص يطمئن قلبه عليها و لو قليلاً،


بينما "خضرا" تجلس على مقعد أمامه تتابع ما يحدث بقلب مرتعد، و نظرات مذعورة، تضرب على صدرها تاره، و على ركبتيها تاره، و تبكي تاره أخرى مرددة..

"يارب سلم.. يارب أقلبها مقلب سلامة"..


كان الجميع يعمل على قدم وساق، و قد صدح صوت الإنذار معلنًا عن حالة طوارئ حرجة، و تدافع طاقم أخر من الأطباء نحو غرفتها بحالة من التوتر و الأرتباك .. 


لهنا ولم يعد قادرًا على التحكم بأعصابة أكثر من ذلك، و انفجر صائحًا و هو يقبض على إحدي الأطباء أمسكه من تلابيبه..

"حد يرد على يقولي أيه اللي بيُحصل!!!"..


أجابه الطبيب على الفور بخوفٍ ظاهر.. "للأسف الحالة حرجة جدًا عضلة القلب متضخمة، و النبض ضعيف جدًا و لازم تدخل العناية حالاً"..


"يا مري..يا مري. يا مري"..صرخت بها "خضرا" و هي تطلم خديها، بينما وقف "عبد الجبار" بملامح جامدة، لم يبدي أي رد فعل سوي الصمت، الصمت التام،


لينفتح باب غرفتها و خرجت "سلسبيل " الممددة على سرير يدفعوه الأطباء بهرولة راكضين من أمام عينيه المتحجرة التي تتابعها بهدوء مريب، لتزداد صرخات "خضرا" أكثر جعلته يخطفها داخل حضنه دون أن ينطق بحرف واحد، يستمع لنواحها تردد بقلب يعتصر على تلك الصغيرة..

"اسم الله عليكِ ياللي الوچع كادك..مالك تشيل عينك تكب دموع ياريتني حكيم ومعايا دوا الموچوع".. 


تطلعت لزوجها بقلب ملتاع على حالته، انهمرت العبرات من عينيها، و هي تشد أزره قائلة..

"هطيب بإذن المولي .. سلسبيل هتبقي زينة يا عبد الچبار و هتعقد عليها و تچيب منِها بدل الواد عشرة يا خوي"..


نظر لها كالتائهه فرفعت يدها و مسحت على جبينه بكفها مسحة حنان حين همس لها بخفوت بصوت يملؤه الألم..

"سلسبيل.. سلسبيل يا خضرا"..


انتهى الفصل..

هستني رأيكم يا حبايبي انا تعبت في كتابة الحلقة والله و عايزه أقولكم متستعجلوش في الحكم على الحدوتة لأن اللي جاي بمشيئة الله هيعجبكم♥️..

واستغفرو لعلها ساعة استجابة..


الفصل ال10..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


بعتذر عن التأخير النت فصل عندي و لسه مقلبة أبو فوزي في النت حالاً 🤭..


مر الوقت بثقل و بطء شديد،كان استعاد "عبد الجبار" رباطة جأشه سريعًا،عاد وجهه لصرامته، و قسماته

الهادئة بعدما تحكم في إخفاء مشاعره ببراعه يُحسد عليها،


رغم أنه يحيا ليلة من أصعب الليالي التي مرت عليه في حياته بأكملها، يتمزق قلبه وجعًا على تلك الصغيرة التي تصارع الموت داخل غرفة العناية المركزة ، منذ أول مرة رأها بها و التقت عينيه بعينيها حينها طار اللُب من عقله، انتفض قلبه انتفاضة جديدة عليه كليًا لأول مره يشعر بها،


كأنها ألقت تعويذة سحرية عليه فخشي من تأثيرها الشديد الذي غمره أن يجعله يظلم "خضرا" صديقة دربه، رفيقة أيامه، صاحبة عمره، فقرر عدم الزواج منها، فما يربطه بزوجته أقوى من الحب،و لن يجازف بخسارتها حتي لو كلفه الأمر أن يفقد قلبه الذي عشق رغمًا عنه تلك ال "سلسبيل" .. 


"الحمد لله حالتها بقت مستقرة يا عبد الجبار بيه"..

قالها الطبيب الذي خرج للتو من غرفة العناية، تنفس "عبد الجبار" الصعداء، بينما تهللت أسارير "خضرا" مرددة بفرحة حقيقة..

"ونبي صُح يا دكتور.. يعني أقدر أفوت عنِدها"..


"لا للأسف الزيارة دلوقتي ممنوعة،و كمان هي لسه مفاقتش"..


عقد" عبد الجبار " ما بين حاجبيه، و تحدث بتساؤل قائلاً..

"لساتها غميانة لحد دلوجت!!"..


 "لا هي تحت تأثير العلاج اللي خدته.. أنا هكون صريح مع حضرتك.. مدام سلسبيل هتحتاج جراحة عاجلة في قلب"..


" يا جلبي عليكي يا خيتي ".. قالتها" خضرا" و هي تنفجر في نوبة بكاء أخرى..


ساد الصمت للحظات، قطعه الطبيب ثانيةً بعدما حثه "عبد الجبار "بنظرته على استكمال حديثه..

" تضخُّم قلبها نتيجة مشكلة في أحد صمامات القلب،و كده هتحتاج لجراحة ترميم الصمام المعيب أو استبداله"..


حاولت "خضرا" السيطرة على شهقاتها و هي تقول..

"خطرة العملية دي يا دكتور؟"..


أجابها الطبيب قائلاً .. "هي هتبقي في نسبة خطورة طبعًا.. بالذات لو الصمام مستجبش للترميم أو قلبها مقبلش صمام بديل و عجزَت الأدوية عن التحكُّم في أعراض تعبها.. كده هتبقي محتاجة زراعة قلب.. ادعولها أن قلبها يستجيب للعلاج، و أول ما نهيئها نفسيًا و جسديًا للعملية هنعملها على طول بإذن الله.. بس هتبقي مكلفة شوية يا عبد الجبار بيه"..


رمقه" عبد الجبار " بنظره غاضبه مغمغمًا.. "الفلوس حاضرة بعون الله يا دكتور ..الصالح ليها أعمله المهم هي تبقي زينة"..


تنحنح الطبيب، و سار من أمامهما و هو يقول بحرج..

" طيب عن أذنكم، و لو في أي جديد هبلغ حضرتك بيه".. 


بينما"خضرا" الحنون التي لم تكف عن البكاء، و الدعاء ل "سلسبيل" من صميم قلبها، جلست بجواره على المقاعد المخصصة للانتظار، أمسك هو بيدها بين كفيه، يربت عليها برفق و يتحدث بنبرة راجية قائلاً..

"كفايكِ بكي عاد يا خضرا.. صلِ على الحبيب في جلبك، و ادعيلها تقوم بالسلامة "..


اجهشت "خضرا" ببكاء مرير، و تمسكت بيده بقوة مرددة..

"البنتة صعبانة عليا قوي يا عبد الچبار.. جلبي بيقطع يا خوي كل ما أفتكر حديتها وياي قبل ما نيچي على المستشفى"..


أطلقت آهه حارقة، و تابعت بنواح كان كالقلم المسنون يطعنه في عمق قلبه.. 

" ساعة تكلمني وساعة تميل، و ساعة تقولي قلبي عليا تقيل.. ساعة تكلمني وساعة تقع،و ساعة تقولي أني اتمليت وچع"..


يا الله !!!!


كادت دموعه أن تخونه و تتجمع بعينيه شديدة الأحمرار،لكنه كعادته دفن شعورة بين طيات قلبه الملتاع، رفع ذراعه و ضمها لصدره بعناق قوي، كان هو أحوج منها لهذا العناق..


ظل محتضنها لوقت طويل حتي توقفت عن البكاء، ثقلت رأسها على صدره، و أنتظمت أنفاسها فعلم أنها قد غلبها النعاس، مال بوجهه قليلاً، و لثم جبهتها بعمق و هو يقول..

"خضرا.. جومي يا غالية خليني أرچعك الدار"..


"و نهملها لحالها!!!"..همست بها "خضرا" و هي تبتعد عنه، وتعتدل بجلستها مكملة..

"دي ملهاش حد واصل دلوجيت غيرنا.. لا عنِدها أب زي بقيت الخلق يراعيها و لا قريب يسأل عنِها"..


"قعدتنا أهنة ملهاش عازاه يا أم فاطمة"..أردف بها بتعقل، و هو ينتصب واققًا أمامها مكملاً..

"الدكتور قال الزيارة ممنوعة عنِها دلوجيت، و لو چد چديد هيحددني على المحمول، و كمان البنتة الصغار لحالهم في الدار.. طلِ عليهم و أني هشوف مصالح الشركة و أعاود أخدك ونيچلها طوالي"..


قال الأخيرة و هو يجذبها من معصها برفق حتي واقفت بجواره، وضع ذراعه على كتفيها، و سار بها بخطوات متثاقلة، عينيه معلقة على باب الغرفة المتواجدة بها معشوقة روحه، ذهب من المستشفى تاركًا قلبه بحوزتها.. 


................................ لا حول ولا قوة الا بالله 💐.......


كانت "بخيتة" تجلس بأريحية تشاهد التلفاز، بيدها طبق مملوء بأنواع مختلفة من الطعام تتناول منه بشهية، و تضحك بملئ فمها غير عابئة لأي شيء، ضحكاتها وصلت لسمع "خضرا" التي وصلت للتو بأعين منتفخة من شدة البكاء،حركت رأسها بيأس من قساوة قلبها، و سارت ببطء من أمامها متجهه نحو غرفة صغارها و هي تقول بصوت حزين..


"سالنور عليكِ يا أمه"..


رمقتها "بخيتة" بنظره ساخرة، و تابعت تناول طعامها بتلذذ مدمدمة..

"امممم.. مالك حزينة أكده ليه.. هي المحروقة لساتها عايشة و لا أيه ؟"..


"خضرا" بعتاب.. "وه.. ليه بس أكده يا أمه.. الشر برة و بعيد عنِها.. ربنا يقومها بالسلامة.. دي لساتها شابة صغيرة"..


" ووالدي كان زينة الشباب.. و مات في غمضة عين من دعي بنت المركوب عليه.. طب ساكت محطش منطق"..

نطقت بها" بخيتة " بغضب عارم، و صمتت لبرهةً و تابعت بحقد دفين..

"أني مستنية اليوم اللي يچيني خبرها فيه.. وقتها هعمل ليلة كبيرة كلها مغني ووكل ياما"..


تطلعت لها "خضرا " بنظرات منذهلة، و أردفت بتساؤل قائلة..

" و لما أنتي بتكرهيها أكده، و بتتمني لها الموت رايده تچوزيها لوالدك ليه!!!!"..


ابتسمت لها "بخيتة" ابتسامة مصطنعة و هي تضع طبق الطعام على الطاولة أمامها، لعقت أصابعها بصوت مقزز، نظرت لها مدمدمة بجحود..

"جولت أضرب جنزورتين بحچر واحد.. اكسر شوكتك اللي قوية لحد ما فكرتي حالك ست الدار، و تبقي سلسبيل معون تچيب الواد ل" عبد الچبار"، و قصاد عيني أخلص منِها حق ولدي"..


هبت واقفه و اقتربت من "خضرا" التي تستمع لها بملامح جامدة بدت جديدة عليها، أثارت الريبة في نفس "بخيتة" التي تابعت حديثها المثير للاعصاب قائلة..

"متكيدش الحُرمة إلا حُرمة زيها.. و سلسبيل صغيرة و نغشة خطفت جلب عبد الچبار منكِ من وقت ما و قعت عينه عليها.. و أنتي جلبك هتقيد في النار يا بت نفسية"..


ضحكت ضحكة شريرة مكملة.. 

" رايده أشوفكم أنتو لاتنين بتقطعوا بعض من الغيرة على رچلكم.. لحد ما ولدي يزهق منِكم و يجلعكم من أهنه بلا راچعة"..


حديثها كان صادم ل" خضرا" التي ذُهلت من كم السواد الذي يغلف قلبها، تطلعت لها قليلاً بأعين جاحظة تحاول استيعاب كلماتها السامة التي ألقتها على سمعها، و من ثم أخذت نفس عميق زفرته على مهلٍ و هي تقول بأسف..

" أنتي جلبك ده حچر.. رايده تخربي دار ولدك بيدك.. واحدة غيرك شافت بعينها دعوة سلسبيل اللي ظلمتيها أنتي وولدك ربنا استچابها، و انقصف عمر ولدك قصاد عينك.. ده مش كافي لاچل ما يكون عظة ليكي!!!.. جلبك منشقش بعد موت ولدك!!!!.. ظهرك منكسرش من بعده!!! " .. 


"أني مرّه صعدية شديدة يا بت نفيسة.. مافيش حاچة تقدر تكسرني واصل".. أردف بها" بخيتة " بجبروت أشعل غضب"خضرا" و ايقظت الأنثى الشرسة بداخلها جعلت ملامحها تبدو مخيفة خاصةً حين نظرت لعين" بخيتة" بتحدي و هي تقول..

" لتكوني فاكرة إن طيبة جلبي دي ضعف مني.. لع إني كُمان مّرة صعدية شديدة.. بس شديدة في الحق.. و اللي أنتي ريداه مهيحصُلش يا بخيتة"..


حملقت بها" بخيتة " بصدمة من طريقتها الجديدة معاها، لتتابع" خضرا" بابتسامة هادئة..

"أني خابرة زين أن عبد الچبار جلبه مال للبنتة، و مانع نفسه عنِها لاچل خاطري.. و عشان أكده أيه جولك أني هچوز عبد الچبار ل سلسبيل بنفسي.. و هبجي أني و هي سند و عزوة لولدك.. و إن شاء المولى و خلفت منه الواد هيبجي ابني قبل منِها.. ابني اللي مخلفتهوش.. كفاية عندي أنه ولد عبد الچبار"..


أشارت على المنزل من حولها بيدها مكملة بصوت عالِ دب الذعر بأوصال "بخيتة"..

" و ربنا يقدرني و اچعل الدار ده عمران بحس راچلي و ضحكته و فرحة جلبه طول ما في نفس"..


صمتت لوهلة و تابعت بأنف مرفوعة بشموخ..

" چهزي حالك يا أم العريس.. كتب كتاب ولدك هيتم بكرة أول ما يوصل قناوي"..


....................................سبحان الله العظيم 💐......


انقضت ساعات النهار، و خيم الليل بستائره..

 أنهى" عبد الجبار " عمله على أكمل وجه رغم قلقه و أرتعاد قلبه الشديد، كان يحدث الطبيب المشرف على حالة "سلسبيل " طيلة الوقت، يتابع تطور حالتها أول بأول..


و أخيرًا أخبره الطبيب أنها بدأت تستعيد وعيها، ترك كل شيء، و هرول نحو منزله لكنه لم يدلف للداخل، لا يريد رؤية والدته و سماع حديثها الذي يثير غضبه حد الجنون الآن، يكفيه ما هو فيه، ظل جالس بسيارته ينتظر زوجته "خضرا" لتذهب معه..


لتخرج "خضرا" حاملة بيدها حقيبة جهزتها بنفسها بها ثياب و طعام و كل شيء يمكن أن تحتاج إليه هي و "سلسبيل"، فقد أصرت على المبيت معاها ، فقام زوجها بدفع مبلغ ليس بقليل حتي يتمكن من حجز غرفة خاصة لها بالمستشفى ..


أسرع "عبد الجبار" بمغادرة السيارة، و هرول نحوها يحمل عنها الحقيبة و يضعها داخل السيارة مغمغمًا..

"أيه الشيلة التقيلة دي كليتها يا بت الناس!!!.. قولتلك لو احتاچوا حاچة أني هچبهلكم لحد عندِكم"..


"متشليش هم يا خوي.. الحمد لله ربنا قدرني و چهزت كل حاچة.. هم قوام خلينا نطمن على البنتة" 

قالتها و هي تجلس على المقعد المجاور له، لينطلق "عبد الجبار" بسيارته أمام أنظار" بخيتة " التي تتابعهم من شرفة المنزل بملامح تستشيط غضبًا و غيظًا..


دقائق معدودة، و كانت" خضرا" تسير برفقة زوجها بخطوات شبه راكضه داخل الممر المؤدي لغرفة"سلسبيل"..

" طمنا يا دكتور الله لا يسيئك.. كيفها خيتي دلوجيت"..

قالتها "خضرا" فور رؤيتها للطبيب..


أجابها الطبيب بابتسامة قائلاً..

"اطمنو الحمد لله هي بدأه تفوق و عماله تنادي على اسم حضرتك أنتي و عبد الجبار بيه"..


تزلزل كيان ذلك العاشق و قد وصل ندائها لقلبه المُتيم، رغم جمود ملامح وجهه إلا أن أنفاسه كانت مهتاجة تعبر عن النيران التى تتأجج بأعماقه..


"خليهم يهملوني أشوفها يا عبد الچبار أحب على يدك"..

قالتها" خضرا " بنبرة متوسلة و هي تضرب على صدرها بكف يدها بحركة استعطافية..


نظر "عبد الجبار" للطبيب مغمغمًا..

"هطل عليها و تخرج طوالي يا دكتور"..


اومأ له الطبيب و هو يشير على غرفة بجوار العناية..

"مافيش مشكلة بس خلي الممرضة تعقمها الأول، و بلاش تخليها تتكلم كتير علشان متتعبش"..


هرولت "خضرا" نحو غرفة التعقيم، ارتدت الثياب الخاصة لدخول غرفة العناية، و سارت بخطي مرتجفه لداخل غرفة"سلسبيل " حتي وقعت عينيها عليها ممددة على الفراش لا حول لها و لا قوة، و الكثير من الأسلاك الطبية موصله بجسدها الصغير..


كبحت عبراتها بصعوبة، و قد اعتصر قلبها من هيئتها حين  خُيل لها أنها تري إحدي ابنتيها مكانها، رسمت ابتسامة حانية على ملامحها البشوشة، و اقتربت منها وقفت بجوارها مباشرةً، مدت يدها تمسح على وجهها مسحة حنان مدمدمة..

"سلسبيل.. كيفك دلوجيت يا خيتي"..


رمشت  "سلسبيل" بأهدابها الكثيفة، تجاهد لفتح عينيها، و بهمس متقطع مُتعب قالت..

"أبلة خضرا"..


"يا نن عيني يا بتي.. سلامة جلبك يا ضناي"..

قالتها و هي تميل على جبهتها و تطبع قبله عميقة بشفتيها المرتعشة..


تطلعت لها "سلسبيل" بامتنان، و همست بخفوت..

"عايزه أطلب منك طلب"..


" اؤمريني أمر يا ست البنتة"..قالتها "خضرا" بلهفة و هي تنظر لها باهتمام.. ابتلعت "سلسبيل " لعابها بصعوبة، و همست بغصة مريرة..

"لو مت أدفنوني جنب أمي في المنصورة"..


لم تستطيع "خضرا" السيطرة على عبراتها التي انهمرت بغزارة على وجنتيها، و تحدثت بغضب مصطنع قائلة..

" متقوليش أكده مرة تانية.. أزعل منِك و أني زعلي واعر.. أنتي هطيبي يا خيتي و هتبقي زينة العرايس"..


صمتت لبرهةً و نظرت لها نظرة راجية مكملة..

" جومي يا خيتي.. أني محتچالك چاري.. متهملنيش لحالي ويه بخيتة.. جومي حطي يدك بيدي و نقف في وشها ندافع عن رچلنا"..


"رچلنا!!! "..همست بها" سلسبيل " بتعجب، لتحرك"خضرا"

رأسها لها بالايجاب مرددة بابتسامة و عبراتها تهبط على وجنتيها ببطء..

"أيوه يا سلسبيل.. عبد الچبار هيتچوزك و أني موافقة"..


يَا مَنْ حُبُّك سَكَن الرَّوْحَ وَ الْفُؤَاد 

أُحِبُّك ذَلِك الْخَائِنُ فِي غَفْلَةٍ مِنِّي 

فتغلغل هواكي بَيْن ثَنَايَا قَلْبِي 

حاربته فهزمني و اجبرني عَلَى الِاسْتِسْلَامِ 

فَجِئْتُك مُجْبَرًا رَافِعًا الرَّايَةَ البَيْضاءَ 

فَهَل سَيَكُون لِقَلْبِي الملتاع مُرْسًى عَلَى شاطىء هواكي . 

 

خاطرة إهداء من الجميلة سلوي بنهلال..

متابعه من هنا 

انتهي الفصل..

هستني رأيكم يا حبايبي..

واستغفرو لعلها ساعة استجابة

تكملة الروايه من هنا





 

تعليقات

التنقل السريع