رواية القرية الميتة البارت الثاني بقلم مونت كارلو في موسوعة القصص والروايات جميع الفصول كامله وحصريه
#القرية_الميتة
٢
ودعت السباك المرتبك علي باب المنزل وانا أحاول ان أوضح له بعد أن لاحظت اضطرابه، أنه ليس لدي مشكله بالانتظار حتى الغد، رمقني السباك بنظره مطوله وتمني لي ليله سعيده
حدقت في ساعتي الكاسيو، كانت تشير للرابعه عصرآ مما آثار دهشتي، لازال هناك وقت طويل حتي يهبط الليل من فوق قمة الجبل لكن لأهل هذه القريه عاداتهم التي علي ان احترمها
رتبت بعض الأغراض وصنعت فنجان قهوه وضعته على طاوله تتوسط الرواق وشرعت في إخراج ملابسي من حقيبه قديمه وضعتها علي الاريكه وسمحت لنفسي بجلسه لألتقاط الأنفاس وانا ادخن سيجاره
كانت جلستي أمام الباب المفتوح باطلاله علي الحديقه الكبيره، هنا لاحظته مندفعا نحوي من بين الحشائش الطويله التي نمت في الحديقه، رجل خمسيني نمت لحيه شعثاء من ذقنه غير المشذبه
شفته السفليه متورمه أثر ندبه ناتجه عن أصابه قديمه وكان حاجباه كثين، بدت عيناه الغائمتان وهو يقترب كأنهما تدمعان بشكل دائم من المؤكد انه لم يكن وسيمآ، بوجه غزته التجاعيد بشكل غير اعتيادي
وذقن بارزه عريضه، وانف كبير بدا انه كان يتمتع بحضور في مضي
مرتديآ قميص مطوي الكمين وقد تدلي الغليون من فمه وكان يعرج علي قدمه التي من المحتمل انها تعرضت لأصابه كبيره في الماضي
نهضت من مكاني للقياه، لكنه توقف على باب المنزل، قال هل يمكنني مساعدتك ايه السيد؟
ولما لاحظ ترددي قال لن اكلفك مبلغ كبير!
رفعت يدي بقلة حيله وانا امسح رواق المنزل الذي رغم جهدي ظل غارق في الفوضى، قلت تفضل
قال إذآ انت تسمح لي بدخول بمنزلك؟
قلت ليس منزلي علي وجه الدقه، لكن تفضل، تمتم الرجل بكلمات من تحت شفته المتورمه وطوي ذراعيه ليحتضن صدره كأنه يدخل مكان مقدس او معبد بوذي ثم قفز على ساق واحده نحو الداخل
من أين ترغب ان ابداء؟ سألني وهو يرمق الرواق
من اي مكان تحب المهم ان نتخلص من تلك الفوضى التي تزعجني
رغم كبر سنه بدا الرجل نشيط وكان يعمل بقوة شابين فتين، يرفع الأثاث وينظف اسفله ثم يعيده لمكانه، كان يعمل ضعفي في نفس الوقت حتي انني فكرت ان هذا الرجل يستحق الأجره التي يطلبها، بل وأكثر، كان يعامل المقاعد، الطاولات، المزهريات بحذر وانتباه بطريقه تشعرك انه يقدر قيمتها ويرغب ان لا يصيبها اي خدش
كان يتحرك بسرعه وينفخ التراب بفمه من علي افاريز الشرفات والنوافذ، إذآ لم يفتني شيء فهذا الرجل متمرس في تلك الأعمال ويعرف عمله جيدآ
اشفقت عليه حتي انني دعوته لفنجان قهوه، تصلب الرجل في مكانه لحظه بآمتنان قبل أن يقول سأصنعه بنفسي اذا لم يكن لديك مانع
لا مشكله قلت
قبل أن أشير على اتجاه المطبخ مشي الرجل من تلقاء نفسه تجاهه كأنه يعرف مكانه من قبل
تأملت المكان لحظة اختفائه والذي بدا منظما، نظيفآ ومرتبا حتي انني لم الحظ انه فعل كل ذلك في وجودي
كانت الشمس قد مالت جهت الغرب تلك اللحظه وظهر شفق قرمزي خلف التله رحت اتأمله وانا مستلقي علي الأريكه
يجب أن أغادر الان، قال الرجل فجأه وهو يضع فنجان القهوه امامي على الطاوله
اشرب قهوتك علي الأقل؟
يجب أن أرحل الأن ردد الرجل بملامح ثابته
قلت لحظه واحده ومشيت تجاه حقيبتي لاحضر النقود، عندما التففت كان قد رحل
هرعت تجاه باب المنزل المفتوح لألحق به في الحديقه لكنه كان اختفي
ناديت بأسمه، فكرت انه ربما اختفي بين الأشجار ولم افلح في رؤيته لكني لم اتلقي اي رد
شبكت كفي بضيق كان يمكنك الانتظار حتي تتلقى اجرتك قلت وانا اهم بالدخول للمنزل
لكني تذكرت انني لا أمتلك طعام، الشمس علي وشك الغروب وستغلق كل أبواب الدكاكين في وجهي
نفضت الاتربه التى علقت في ملابسي، اغلقت باب المنزل وأخذت الطريق تجاه القريه
للقريه شارع واحد يتوسط المنازل، بدا انني تأخرت فقد كانت الأبواب تصك علي الجانبين حتي انني فكرت في الركض
تمكنت اخيرا من الوصول لبقال القريه وانا الهث كان يعد نفسه للرحيل
طلبت منه تبغ وجبن وسكر، حدق بي الرجل بتركيز قبل أن يقول شطبنا يا استاذ، قبل أن افتح فمي لاتوسله صك باب الدكان واولاني ظهره بلا أهتمام مواصلا طريقه نحو منزله.
بخطي متكاسله عدت ادراجي خالي الوفاق بمعده تكركر واحدا عشر سيجاره لن تصل بي حتي منتصف الليل
بطريقي راودتني فكرة ان اقصد استراحة العاملين بالبريد لأستعير بعض الاطعمه لكني شعرت بالحرج.
حل صمت محدق عندما وصلت المنزل ورغم ان الشمس للتو غربت الا ان ظلام حالك استوطن المنزل
شغلت مصابيح النور وسمحت لنفسي بجوله في الطابق الأرض، حتي تلك اللحظه لم اصعد للطابق العلوي
كان هناك حمام، مطبخ، غرفة ضيافه، ينتهي الرواق بباب قبو مظلم ببممر طويل تكدست فيه أكوام من الخرده، الأثاث والملابس القديمه
تركت القبو خلفي، بطريقي نحو المطبخ اخذ ضوء المصباح يزداد خفوتآ وظلام الليل يزداد حلكه حوله، ومضت دائرة الضوء على الرفوف الخاويه، كانت هناك طاوله أسفل نافذه تطل على ما بدي حظائر مهجوره، لمع ما يشبه ظل متوجه ناحية المطبخ سرعان ما انمحي في العدم
همست هل من احد هناك؟
ولاني أدرك عبثية الافتراض تابعت سيري مجتازآ الممر القصير الي غرفة الضيافه الوحيده لاري إمكانية نومي داخلها
ما ان فتحت باب الغرفه حتي قابلتني روائح عطنه جعلتني انحي الفكره جانبآ، بل وأغلق الباب أيضا.
عاود المصباح وميضة المتقطع ولانه ليس المصباح الوحيد الذي قمت باستبداله اقتنعت ان مصباح المطبخ به عطب وعلي استبداله في الصباح.
اقتنعت بفكرة نومي في الرواق علي أحدا الارائك الواسعه الي جانب طاوله استقرت فوقها مزهريه تركيه بديعه
افترشت بطانيه علي الاريكه، كان الجو معتدل ولن احتاج لغطاء، اخرجت سيجاره، اشعلتها وانا احملق بالجدار كانت هناك صورة مجعده بالأبيض والأسود بخلفيه صفراء تلطخت بشيء ما ربما يكون قهوه لأربع فتيات شابات يقفن في مرعي يحملن بأيديهن مذاري جمع القش
التقطت الصوره في يوم صيفي جميل وقفن مبتسمات أمام الكاميرا وقد ارتدين جميعهن اثوابآ ووضعت اثنتان منهن غطاء علي رأسيهما
كن مصطفات أمام المصور بالرغم من ان ذلك كان منذ زمن طويل
نهضت من مكاني لاتبين ملامحهن غير الواضحه، راحت المصابيح تومض بضوء متقطع كأنها لا تسمح لي برؤيتهن
ليس مصباح المطبخ وحده بل كل المصابيح
كان وجوهن تظهر وتختفي علي ضوء المصابيح المتقطع فتزداد ابهام
للحظه بدت لي عيونهن تنز دموع سالت علي الصفره التي في خلفية الصوره
تراجعت للخلف بأرتياب، ما ان ابتعدت حتي عادت المصابيح تعمل بطريقه عاديه وتوقف الوميض المتقطع.
تعليقات
إرسال تعليق