رواية وهبني القدر بدرا البارت الاول بقلم نسمه مالك جميع الفصول كامله وحصريه في موسوعة القصص والروايات
الفصل الأول..
وهبني القدر بدرًا..
✍️نسمة مالك✍️..
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
اقتحمت شمس نهار جديد غرف أبطالنا معلنةً عن بدأ يومًا مليء بالأحداث..
فتح "بدر" عينيه التي يضوي منها بريق العشق، إبتسامة مشرقة تزين قسمات وجهه الوسيم، استيقظ للتو من إحدي أحلامه التي دومًا تكون بطلتها أميرته الحزينة التي جعلته يقسم بأنه سيمحي بعشقه لها حزنها هذا للأبد..
تنهد بلوعة يملؤها الإشتياق مغمغمًا..
"هبة.."..
الليلة يحيا فرحة عمره بأكمله، فاليوم يوم زفافه على معشوقة قلبه و روحه بعد سنوات طويلة سعي خلالها ليكسب ثقتها فيه حتى حصل أخيرًا على موافقتها، فقد كانت رافضة رفضًا قاطع فكرة الارتباط من جديد بعد كم الظلم و الألم التي تعرضت له على يد طليقها..
رفع يده ينظر في الساعة التي تزين معصمة و التي تزين خلفيتها صورة لزوجته المستقبلية ظل يتأملها بأعين تفيض منها أنهار من الشوق، يستعيد بذهنه لذة الحلم الذي جمعه بها و يتمنى بنفاذ الصبر تحقيقه..
هكتب حبي لكِ رواية غلافها من ملامحك، مهداة إلى تلك الصدفة التي جمعتني بكِ، الأوراق من عطرك،
الأسطر من قبلاتي المتناثرة على ثغرك،
تعالى أَقرأ عليكِ السطور، اقتربي ففي الليل الهمس يُفرض،و أطمئني يروقني كثيرًا الخجل بين أهدابك، و يثير جنوني دلالك حين تركتي مسافة ورقة بيننا،
اقتربي و ضعي رأسك على كتفي هنا مكانها.
تعالى إلى ضيعتي الصغيرة بحدود ذراعي لأغلقها عليكِ بإحكام،
و حاولي انتزاع المفتاح من كفي لتهربي،
حاولي أكثر، حاولي حد عناقي،
حاولي حد الاستسلام مني فيطيع كفي أناملك،
و أهرب أنا حينها لكن لكل أنحائك،
دعينا نرتب أرفف الأولويات المبعثرة لديك،
فلنضع
أنتي ثم أنتي ثم أنتي وليأتي من بعدك
نحن معًا..
يا امرأة نبتت جذورها في ثنايا قلبي، قوافل من النساء لن تغنيني عنكِ..
....................... سبحان الله وبحمده.........
بغرفة العروس "هبة"..
لم تغمض عينيها طيلة الليل..ملتزمة فراشها ،وملتزمة الصمت كعادتها..
تحدق بسقف الغرفة والكثير من الأسئلة تدور بخاطرها..
هبطت دمعة حارقة من جانب عينيها حين شعرت بالخدر الشديد بأطراف مشاعرها، برودة لهفتها، و إرتفاع حرارة غضبها من نفسها تعلو و تعلو ، تضغط بكل قوتها على جرح قلبها الذي مازال ينزف لعلها تفيق من تهكم مشاعرها و تخبطها..
تراكمت السحب عند عينيها معلنةً عن هطول الدموع، الضجيج بقلبها، وتضارب الأفكار برأسها، ناهيك عن آلام جسدي التي ترد بقسوة على كل ما سبق،
"خايفة.. خايفة أوي عليك مني يا بدر"..
غمغمت بها بتقطع من بين شهقاتها الخافتة، و تابعت بغصة مريرة يملؤها الأسى..
"خايفة أجرح قلبك و أنت متستحقش مني كده أبدًا"..
ضمت وسادتها دافنة وجهها بداخلها حين داهمتها إحدي ذكرياتها المؤلمة، تختبيء بداخلها بخوف أختفي تمامًا حين شعرت بأنفاسه و دفء عناقه حولها..
جئتك بكل هذا اضغط على شفتي لتبتسم، وأصك الدمع بحدقتي، وأمسك ارتعاشة ضعفي بقبضتي، لأفصح بتفاصيل مقبضة..
لماذا أميل لمن جرحني وتسبب بألم حاد بقلبي لم ولن يتوقف نزيفه حتي بعد مرور سنوات طويلة؟!..
بل و الأكثر من هذا إني أشتاق لذلك الألم!.. ربما لأنني تأقلمت عليه، وأصبح جزء كبير من حياتي البائسة؟!.. أم لأنني لم يمر بدربي شخص مشاعره صداقه، وخالص بحبه ليِ من قبل!!..
وبعدما شاء القدر و وهبني ذلك الشخص هل يستطيع أن يمحي تلك الوخزات المؤلمة التي تجعل قلبي يصرخ من شدة ألمه؟..
أطبقت جفنيها لتهبط دموعها بغزارة على وجنتيها ، و فتحت عينيها ليظهر مدي كسرة قلبها وحزنها الشديد، ورغم كل هذا اعتلت ملامحها شبه إبتسامة ساخره حين تردد بأذنها أسم "سيف" معذبها الذي منذ خروجه من سجنه لم يتوقف عن محاولاته حتي ترضي عنه وتعود له..
انتفض قلبها انتفاضة لم تستطيع تفسيرها هل هي خوف، كرهه..
أم مازال هناك بعض الحب تكنه له بقاع قلبها الذي لم تشفي جراحه بعد؟!..
غادرت فراشها بتكاسل، وسارت بخطوات متثاقله نحو المرآه وقفت أمامها تنظر لهيئتها المزرية..
فقد خسرت الكثير من الوزن، وجهها انطفئ رونقه وأصبح دائمًا شاحب، والهالات السوداء ظاهرة بوضوح أسفل عينيها الجميلة ..
رفعت يدها وفكت عقدة شعرها الذي أصبح ضعيف،مجهد و يتساقط بكثره حتي دون تمشيطه..
غزت عبراتها عينيها و أغرقت وجهها ثانيةً و هي تحدث نفسها بدهشة..
"هتتجوز فيا أيه يا بدر !.. انا بقيت بقايا ست، ومعنديش حاجة أقدمها لك!"..
صوت طرقات على باب الغرفة يليها صوت "نجوى" والدتها تقول بلهفة..
"هبة.. أنتي لسه نايمه يا عروسة ولا أيه ؟" ..
مسحت دموعها سريعًا، و رسمت إبتسامة على محياها، وقالت بصوت مرتجف..
"ادخلي يا ماما أنا صاحيه"..
فتحت" نجوى" الباب، و دلفت للداخل بفرحة ظاهرة على وجهها، اقتربت منها و ضمتها بحب متمتمة ..
" مبروك يا بنتي.. ربنا يجعلك "بدر" أسم على مسمي، ويكون عوض ليكي عن كل اللي شوفتيه في حياتك"..
ابتعدت عنها قليلاً ونظرت لها، وتابعت ببوادر بكاء..
"و يعوضك حتي عني وعن قسوتي عليكي في يوم من الأيام يا هبة"..
"مافيش حاجة في الدنيا تعوضني عنك أنتي و بابا و حبيبة أختي يا ماما"..
أردفت بها بلهفة، وهي تقبل يدها بعمق مكملة..
" ربنا ميحرمنيش منك أبدًا يا حبيبتي"..
رسمت "نجوي" الجديه على ملامحها، وتحدثت بغضب مصطنع قائلة..
"يله يا بت أدخلي خدي دش و تعالي علشان أفطرك قبل ما أختك تيجي توديكي الكوافير.. أنا مش فاضية للرغي دا، ورايا حاجات كتير عايزه أعملها"..
أنهت جملتها وسارت لخارج الغرفة ساحبة "هبة" بيدها حتي وصلت بها للحمام.. دفعتها برفق،و أغلقت الباب مكملة..
"انا جهزتلك غيارك في الحمام خلصي و أخرجي أوام على ما أصحى أبوكي علشان يفطر معاكي"..
استندت "هبة" بظهرها على الحائط، ونظرت للفراغ بشرود، وبذهول همست..
"معقول أنا هتجوز تاني، و أبقى لراجل غيرك يا سيف؟!"..
شهقت بقوة ، وقفزت بفزع حين استمعت لرنين جرس الباب، و طرقات قوية بنفس الوقت، وصوت"سيف" المتحشرج بالبكاء يصرخ قائلاً بتوسل..
" أفتحي يا هبة..أفتحي كلميني..أفتحي أبوس أيدك ما تسبيني"..
..............................سبحان الله العظيم...
"بدر"..
أمسك هاتفه و أرسل رسالته اليومية لمن أمتلكت قلبه منذ الوهلة الأولى التي رآها بها، عينيه تُشع فرحة، و سعادة لا تُصف..
"صباحك ورد وريحان ونسايم من جنة الرحمن يا أحلى وأجمل هبة في الدنيا كلها"..
أنهى رسالته، و فتح صورة لها على هاتفه، و ظل يتأملها بابتسامة هائمة غافلاً عن والده "أحمد" الذي طرق على باب الغرفة وخطي للداخل و وقف يتابعه بنظرات منذهلة..
"بقيت نحنوح أوي يا واد يا بدر من ساعة ما حبيت"..
قالها" أحمد" بنبرة مرحة أثناء سيره نحو باب الشرفة و فتحه على مصرعيه مكملاً ..
"صباح الخير يا واد يا عريس"..
قهقه "بدر" بصوته كله، وبعتاب قال..
"بقي انا نحنوح يا أبو بدر؟! "..
أقترب منه "أحمد" وجلس بجواره على الفراش، ونظر له وتحدث بتساؤل قائلاً..
"أنت حبيت أيه في هبة دي يا أبني؟! .. أعذرني في سؤالي دا بس أنا ليا غرض منه"..
أخذ "بدر" نفس عميق، ونظر لوالده وتحدث بابتسامة عاشقة تزين محياه..
"هتصدقني يا أبو بدر لو قولتلك أني حبيت كل حاجة فيها حتي حزنها.. اللي بتمني من ربنا أنه يتحول لفرحة على أيدي، وتتخيل كمان أني لحد الآن مقولتلهاش انا بحبك يا هبة"..
ربت" أحمد" على كتفه، وتحدث بتعقل قائلاً..
" أنت فعلاً مقولتش.. بس بتعمل بيها.. لأن الحب يا ابني مش مجرد كلمة بتتقال لا ده أفعال متعملهاش إلا الرجال يا بدر يا زينة الرجال ، و غرضي من سؤالي ليك دا علشان عايز أقولك إن البنت دي أنا سألت عليها و عرفت أنها قاست وتعبت في حياتها كتير أوي ، و ربنا رزقها بيك علشان تعوضها عن كل اللي شافته يا بدر يا خيرة الشباب"..
جذبه لصدره وضمه بقوه مكملاً ببكاء من شدة فرحته..
"مبروك.. ألف مبروك يا ابني"..
بادله " بدر" عناقه بحب أشد مغمغمًا ..
" الله يبارك فيك يا بابا.. ربنا ما يحرمني منك ويديمك دايمًا فوق رأسي"..
ابتعد فجأه عن حضن والده حين ارتعد قلبه على حبيبته دون معرفة السبب..وأسرع بمغادرة الفراش وركض نحو ثيابه يرتديها على عجل أمام أعين والده المتسعة بذهول..
"بسم الله الرحمن الرحيم..في أيه يا واد أنت .. مالك نطيت من حضني مرة واحدة ليه كده؟!"..
تبدلت ملامحه لغضب عارم، وبأنفاس متهدجة من شده غضبه اجابه وهو يركض نحو الخارج بعدما انتهي من ارتداء ثيابه..
"رايح ل هبة.. قلبي بيقولي إن فيها حاجة"..
.......................... لا إله إلا الله وحده لا شريك له....
"أيوب"..
أو كما يلقب " الأسطي الدكتور أيوب"..
ذلك الرجل الذي يمتلك من الشهامة ألالاف الأطنان..
لم يستطع ترك عمله الشاق بالبناء و المهن الحرة الذي يتقنها بمهارة حتي بعدما ذاع صيته و اشتهر بمهارته العالية في مجال جراحة القلب والأوعية الدموية، مما جعل زملائه ومرضاه بالمستشفى العسكري الذي يعمل بها يطلقوا عليه
"طبيب القلوب"..
عاد إلى منزله بعد عمل شاق بإحدى البنايات الحديثه أستمر أكثر من ثمان ساعات..
وضع يده بجيب سرواله القديم للغاية والمملوء بالكثير من الغبار..
حاول فتح الباب بحرص ظنًا منه أن "حبيبة" زوجته ووالدته "زينب" وصغاره "أحمد ، أيمن" ينعمون بنومٍ عميق..
سار للداخل بخطوات هادئة متجه نحو غرفة والدته، طرق الباب برفق مغمغمًا بصوته الرجولي الرزين..
"أمه أنتي صاحية؟"..
"أدخل يا ضنايا أنا صاحية، ولو حتي نايمة أصحى مخصوص علشانك يا أيوب"..
هكذا اجابته "زينب" بصوتها الدافئ الحنون، وهي تعتدل جالسة بلهفة على الفراش..
خطي للداخل واقترب منها مال على يدها يقبلها بحب شديد وهو يقول بابتسامة..
"صباح الخير يا ست الكل"..
ربتت "زينب" على شعره الحريري بحنو مردده..
" صباحك صباح الهنا والرضا يا حبيبي"..
اعتدل "أيوب" بوقفته،ومد يده إلى جيبه الخلفي، سحب جزدانه الجلدي، أخرج منه حفنة سخية من الأوراق النقدية ذات الأرقام العالية.. ثم قدمهم إلى والدته قائلاً بابتسامة بشوشه..
" اتفضلي يا أم أيوب فاضلة خيرك.. هاتي كل اللي نفسك فيه،ولو احتاجتي اي حاجة تانية قوليلي وأنا اجبها لك لحد عندك"..
"زينب" بفرحة غامرة.. "اللهم زد وبارك..بس هعمل بيهم أيه دول.. دا كتير أوي عليا يا ابني، وأنت مش مخليني عايزه حاجة "..
قبل جبهتها،وتحدث قائلاً..
مافيش حاجة في الدنيا تغلي عليكي يا أمي"..
قالت "زينب".. بصوت تحشرج بالبكاء من شدة سعادتها..
"راضية عنك، وقلبي دعيلك تتهني وتفرح في حياتك ويرزقك من وسع يا أيوب يا ابن زينب بحق لا اله إلا الله"..
أمن على دعائها، وهو يدثرها جيداً بالغطاء مكملاً بنبرة مرحة..
" أسيبك تكملي نومك، وأروح أنا أراضي مرات ابنك اللي مخصماني ومش راضية تصالحني من إمبارح"..
اعتلت ملامح" زينب"غضب مصطنع فجأه ولكزته بكتفه برفق مردده..
" انت فكرتني يا واد انت صحيح.. مزعل حبيبة حبيبتي ليه يا أيوب؟"..
هم "أيوب" بالرد عليها.. لتستطرد هي دون إعطائه فرصه للرد..
" انت شكلك هتحصل أخواتك الحلوين، و أقعد أنا هنا مع بناتي و احفادي حبايبي"..
"دا أنا أيوب ابن قلبك ههون عليكي يا زينبو"..
قالها "أيوب" بصعوبة من بين ضحكاته على عبوس والدته الطفولي..
زمت" زينب" شفتيها ، وبأسف قالت..
"لا متهونش عليا أبداً لا أنت ولا واحد من أخواتك اللي كل واحد منهم نصيبته تقيله"..
عقد" أيوب" حاجبيه، وبقلق قال..
" عملو ايه المرادي يا أم أيوب؟"..
تنهدت "زينب" بصوت مسموع وهي تقول..
"أيمن أخوك الحلو اللي معاه تلت عيال أكتشف أنه اتجوز بدري وملحقش يحب ولا يعيش سنه زي باقي الشباب، ورمي "ليان" مراته الجوهرة بنت الأصول، ورايح يدور على واحده يحبها،والفالح أخوك أحمد الصغير هيتجنن على خلفة البنات ،و بيقولي مراتي مبتخلفش إلا صبيان و بيدور هو كمان على عروسه علشان يتجوزها على "هنا" ويكسر خاطرها، ونفسها أكتر ما هو مكسور من عمايله السودة يا حبة عين أمها "..
"يعني ليان و هنا قاعدين مع حبيبة علشان كده.. مش علشان فرح هبة زي ما بيقولوا ؟! "..
قالها" أيوب" بدهشة ، وقد بدأ الغضب يظهر على ملامحه الجذابة الهادئة..
حركت" زينب" رأسها بالايجاب، وببكاء قالت..
"أخواتك هيخربوا بيتوتهم بايدهم يا أيوب، وأنت كمان بقيت مهمل في مراتك، وبقيت تفضل شغلك عليها والبت ساكتة ومستحملة.. لكن كمان تنزل يوم إجازتك وتشتغل في الفاعل وتهد حيلك من قبل الفجر وترجع تعبان وهلكان وعايز تنام طبعاً وهتسبها تروح بعيالك فرح أختها لوحدها زي ما بتروح في كل مكان بيهم لوحدها"..
اعتلت ملامح" أيوب" الحزن، وخفض رأسه يخفي حزنه عن والدته مغمغمًا..
"اطمني يا أمي انا هشد أخواتي وارجعهم لعقلهم، ومتشليش همي أنتي عارفه أني هراضي حبيبة وهروح معها فرح أختها وعمري ما أكون قاصد ازعلها أبداً"..
رفع رأسه ونظر لها بأعين تلتمع بعشق حقيقي نادر الوجود مكملاً..
" دي حبيبة قلب أيوب يا أمه"..
" وأنت حبيب وحياة حبيبة يا أيوب"..
همست بها "حبيبة" التي خطت لداخل الغرفة بعدما استمعت لصوت زوجها برفقة والدته..
استدار ينظر لها بلهفة وقد تبخر حزنه واعتلت ملامحه الشوق الشديد وهو يتأملها بنظراته التي تبعثر مشاعرها..
انتفض قلبها انتفاضة اشتياق وارتجف بدنها وهي تقترب منه بابتسامتها التي تُذيب قلبه، وتحدثت برقتها قائلة..
"صباح الخير يا ماما زينب"..
"زينب" بحب.. "صباحك نادي يا ضنايا".. ابتسمت بفرحة حين رأت ملامح "أيوب" اختفي منها الحزن والتعب وأصبحت مشرقه مليئه بالحب والشوق مما جعلها تتحدث بخجل قائلة..
"يله يا بت يا حبيبة خدي جوزك وعلى اوضتكم، وأنا هقوم أحضر الفطار وإياكي تقوليلي أساعدك.. أنا مش نغة و بعرف أعمل فطار و غدا و عشا كمان لوحدي"..
توردت وجنتي "حبيبة" بحمرة الخجل حين أمسك "أيوب" كف يدها بقبضة يده الخشونة جعلت قلبها يطرق كالطبول بين ضلوعها، وسحبها خلفه وسار لخارج الغرفة على عجل وهو يقول..
"خليكي مرتاحه يا أم أيوب مافيش حد هيحضرلكم الفطار غيري انهارده .. بس هاخد دش متين يضيع تعب اليوم وهعملكم أحلى فطار"..
أطبق جفنيه بعنف وتابع محدثاً نفسه..
"يا تري هتسبيلي البيت زي مرتات أخواتي ، ولا هتعملي معايا أيه أنا كمان يا حبيبة لما تعرفي اللي أنا عملته"..
..............................صلِ على محمد....
"بدر"..
صف سيارته أمام منزل "هبه" وارتجل منها بخطي مهرولة،ملامحه لا تبشر بالخير أبدًا بعدما رأي سيارة يبغض صاحبها كثيرًا تقف بالجهة الأخرى من الطريق..
تلك السيارة التي دوماً تتابع "هبة" أينما ذهبت،وكم تمني أن يلحق بها ويلقن من يقودها درسًا قاسي حتي يتوقف عن أفعاله الحمقاء التي تثير جنونه..
اندفع لداخل المنزل، وصعد الدرج كل درجتين معاً..
كانت "هبة" تقف داخل الحمام تختبئ به من "سيف" الذي عاد يعكر صفو حياتها.. لم تمتلك القدرة على مواجهته.. شعرت أنها ستضعف أمامه خاصةً عندما استمعت لصوته الباكي يتوسل لوالدها قائلاً..
"ابوس جزمتك يا عم محمد خليها تخرج تقابلني.. عايز أشوفها وأطلب منها السماح"..
صك" محمد" على أسنانه متمتمًا بسره..
" استغفر الله العظيم وأتوب إليه"..
نظر له نظره حارقة، وبغضب قال..
"هو أنت صنفك ايييه.. بقولك بنتي بقت مكتوب كتابها على راجل تاني غيرك، ومش عايزه تشوف وشك.. اتكل على الله من هنا شوف حالك بعيد عننا وسبنا في حالنا، وكفايا اللي شوفناه منك ومن عمايلك السودة يا أخي"..
ابتلع"سيف" غصه مريره وبندم تحدث قائلاً.. "عاميلي السودة ربنا عاقبني عليها أشد عقاب، وأنت راجل مؤمن وعارف إن ربنا غفور رحيم.. يبقي إحنا البشر مش هنرحم بعض"..
أنهى جملته ونظر ل" نجوي" يستجديها أن تساعده حتي يسترد "هبة" كما كانت تفعل معه دومًا..
لكنه صعق، و جحظت عينيه على أخرها حين رمقته "نجوي" بنظرة استحقار، وتحدثت بتحذير قائله..
" أمشي من هنا يا جدع أنت بدل ما اتصل على "بدر" عريس بنتي يجي يكسرلك رجلك علشان يحرمك تقرب من مراته ولا حتي تنطق اسمها على لسانك تاني"..
"أنا جيت من غير ما تتصلي بيا يا أمي"..
كان هذا صوت "بدر" الذي خطي من باب الشقة المفتوح و بلحظه كان هجم على "سيف" و قبض على عنقه ، و سدد له لكمة قوية جعلت الدماء تنفجر من أنفه وفمه بغزاره..
صرخت" نجوي" صرخة مدوية، وأسرع" محمد" بابعاد "بدر" الذي يقبض على عنق "سيف" بقبضة من حديد ، وهم بلكمه مره أخرى بقوة أكبر ليوقفه "محمد" و هو يقول برجاء..
"كفايه يا بدر يا ابني ليموت في إيدك "..
حاول "بدر" الوصول ل "سيف" وهو يقول بغضب عارم..
"سبني يا عمي انا عايز أخلص عليه الحيوان اللي ماشي ورا هبة في كل حتة ؟"..
"بدر !!".. كان هذا صوت "هبة" التي ركضت مسرعة لخارج الحمام وخطت داخل غرفة والدتها ارتدت إسدال للصلاه فوق منامتها القطنية ، وهرولت بخطي مرتجفه نحو الخارج..
نظر لها "بدر" بأنفاس مهتاجة، متلاحقه من شدة انفعاله..
بينما نظر لها" سيف"بلهفة، و أعين تترقرق بها عبرات الخزي والندم..
وقفت هي بثبات وملامح بدت جامدة لا تحمل أي مشاعر، رغم عينيها التي تلتمع بها عبراتها.. إلا انها استطاعت السيطره عليها..فبكائها الآن سيظهر مدي ضعفها..
إذاردت لعابها بتوتر، وهي تتنقل بنظرها بين ماضيها ، ومستقبلها..
أطلقت زفرة نزقة و هي تتطلع ل "سيف" ماضيها الأسود،و تنقلت بعينيها نحو "بدر" حاضرها، ومستقبلها الذي انتظرها أكثر من ثلاث سنوات دون كلل أو ملل حتى أخيراً أصبحت زوجته..
ليظهر ذلك ال "سيف" الذي دوماً يعكر عليها صفو حياتها،ولكن هناك جزء بقاع قلبها شبه مرحب بظهوره، يجعلها تنهر نفسها بشدة.
انتفض قلبها بخوف حين لمحت ملامح "بدر" الغاضبة و مع ذلك عينيه ترمقها بنظراته الحانية حتي أثناء غضبه..
بينما "سيف" نظرته لها تشتاقها دون أرادتها فهو نسخة مطابقه لصغيرها المتوفي، أنتبهت على حالها سريعًا فأطبقت جفنيها بعنف وهمت بالحديث..
لتقفز بفزع حين لف "بدر" يده فجأة حول خصرها و جذبها بمنتهي اللهفة و الحرص خلف ظهره، و وقف أمامها كالسد المنيع صائحًا بصوته الأجش..
"غور من هنا يا سيف الكلب أحسن لك قبل ما أرميك من البلكونة"..
وقفت هي خلفه تختلس النظر تجاه "سيف"
وقد تراقص قلبها فرحاً، وظهرت شبه ابتسامة على ملامحها الحزينة جعلت وجهها يستعيد رونقه قليلاً مما أشعل غضب، وغيرة "سيف"، وهو يري نظرتها الفخورة بعدوه اللدود ..
بينما نظرتها له كانت دومًا يملؤها الخزي، والأسف، وكثيراً الاشمئزاز..
صك على أسنانه، ونظر ل "بدر" بشرر يتطاير من عينيه، قطع المسافة بلحظة بينهما حتى أصبح أمامه مباشرةً ، وتحدث بهدوء ما قبل العاصفة قائلاً ..
"أوعى تفكر سكوتي على ضربك ليا دا ضعف مني، ولا أنا خايف منك مثلاً"..
حرك رأسه بالنفي، وأشار على" محمد" والد هبة مكملاً..
" أنا عامل حساب للراجل الكبير اللي واقف وسطنا"..
"والراجل الكبير دا يبقي حمايا أبو مراتي اللي أنت بتحاول تكلمها وهي على زمتي لأنك واحد ***وفاكر كل الناس زيك، وعم محمد أكيد مش هيلومني على اللي هعمله فيك"..
قالها "بدر" وهو يهجم عليه فجأه دو سابق أنظار.. يسدد له لكمات متفرفة..
استجمع "سيف" قوته، ودفعه بعيداً عنه بعنف وهو يقول..
" هبه لسه عايزاني بدليل إنك كاتب عليها بقالك أكتر من خمس شهور وهي رافضه تروح بيتك لحد دلوقتي، وأنت عارف كده كويس بس بتكدب نفسك"..
كلماته كانت كالخناجر تطعن قلب "بدر" و تمزقه دون رحمة، لكنه تجاهل حديثه، وهم بالهجوم عليه مره أخرى وهو يقول بوعيد..
"انا شكلي هخلص عليك انهاردة"..
" لا يا بدر"..
صرخت بها "هبة" وهي تركض نحوه، وبلحظه كانت ألقت نفسها داخل حضنه.. ملتفه بكلتا يدها حول خصره تضمه بكل قوتها دافنة وجهها بصدره تبكي بنحيب بصوتٍ مكتوم..
شعر بأن الوقت والعالم قد توقف من حوله..
فعلتها هذه جعلت جميع جروحه تشفي، اثلجت قلبه، واشعلته بأنٍ واحد خاصةً حين وصل لسمعه صوتها الباكي تهمس له من بين شهقاتها بتوسل..
"كفايه عشان خاطري"..
رفعت وجهها الغارق بالعبرات، ونظرت له.. كان هو يرمق "سيف" بنظرات جامده عكس فرحته الغامرة بفعل زوجته التي تستكين داخل حضنه لمرتها الأولى..
فكت هي إحدى يديها من حول خصره، وسارت بها على جسده ببطء حتي لمست أناملها المرتجفة لحيته،تحثه على النظر لها غافلة عن حركتها هذه التي بعثرت مشاعره،وجعلت قلبه أوشك على مغادرة ضلوعه من عنف دقاته..
على الفور خضع لنداء قلبه، ومال برأسه عليها، وألتقت أعينهما بنظره تحمل الكثير من المشاعر المختلطة،
ومن بين دموعها التي تهبط بغزارة على وجنتيها..
أهدته ابتسامتها النادرة متمتمة بلهفة ظاهرة على محياها، وكأنها تخبره أنه منقذها الوحيد من حزنها..
"أنا مش مستغنية عنك"..
لهنا، ولم يحتمل أكثر.. على مضض أبتعد بعينيه عنها، ونظر ل "سيف" الذي تسمر مكانه من شدة صدمته.. ينظر ل "هبة" المحتضنه زوجها بحسرة وندم، وحقد بدأ يظهر بعينيه تجاه "بدر" ..
ليرفع "بدر" يديه حولها، وحاوطها بهما بحماية، و ذاد من ضمها داخل حضنه بقوة وكأنه يريد إخفائها بداخله..
"خلصت كده يا سيف، ويله اتكل على الله من هنا ورينا عرض كتافك"..
كان هذا صوت "محمد" الذي أقترب من "سيف" ودفعه بحده لخارج المنزل مكملاً بتحذير..
" لو فكرت تتعرض لبنتي وجوزها تاني هبلغ عنك"..
هبطت دمعة حارقة من أعين "سيف" مسحها سريعًا،ورسم ابتسامة مصطنعة على محياه، وتحدث بثقه قائلاً..
" بنتك هتطلق من اللي بتقول عليه جوزها دا، وهترجعلي"..
نظر ل "بدر" وتابع بتأكيد..
"والأيام بنا، وبكره أفكرك"..
تصلب جسد "بدر" بقوة مما دفع "هبة" لضمه لها أكثر كمحاوله منها لتهدئة وتيرة غضبه التي شعرت بها من أنفاسه اللاهثة..
"دا هيحصل فعلاً بس في أحلامك، وفي خيالك المريض..يله غور في داهيه من هنا"..
قالتها "نجوي"، وهي تغلق الباب بوجه "سيف" بغضب، وغيظ..
تنهدت "هبة" براحه بعد ذهاب "سيف"، وحاولت تبتعد عن "بدر" بخجل.. لكنه لم يترك لها مجال للبعد، وجذب رأسها لصدره، ومال على جبهتها لثمها بعمق مغمغمًا..
" انتي كويسة ؟ "..
زاد خجلها، وارتباكها أضعاف جعل والديها يغادران المكان تاركين لهما بعض الخصوصية ، لتهمس له بصوتٍ يكاد يسمع قالت..
"اممم.. الحمدلله كويسة.. بس عايزه أسألك على حاجة"..
رفع كف يده، ومسح عبراتها العالقة بأهدابها بأصابعه..
"قولي كل اللي في قلبك يا هبة، وأنا سامعك"..
صمتت لبرهةً، وبتساؤل قالت..
"البنات في الكليه هيتجننو عليك، و يتمنوا إشارة واحده منك، و أنت سبتهم كلهم و اختارتني أنا .. اشمعني أنا بالذات يا بدر؟!"..
أنتهي الفصل..
نكمل بأمرالله تعالي بعد قليل .
واستغفروا لعلها ساعة استجابة
جميلة تسلم ايدك❤❤
ردحذف