القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية سجينة جبل العامرى الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم ندا حسن (جميع الفصول كامله)

 رواية سجينة جبل العامرى الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر  بقلم ندا حسن (جميع الفصول كامله)



رواية سجينة جبل العامرى الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر  بقلم ندا حسن (جميع الفصول كامله)



الفصل السادس

"أتى المستحيل الذي هددها به، لازت بالفرار وانتهت روايتها مع عائلة العامري"


نظر إلى عيونها الزرقاء وتابع بعينيه هو البحث في ملامحها، النظر إلى شفتيها التي هتفت اسمه برقة لا مثيل لها وكأنه قطعة من قماش الحرير لمسه الهواء والهوى بكل رقة ونعومة..


أومأ إليها برأسه للأمام يؤكد أنه هو:


-آه عاصم


وجدها تنظر إليه ببلاهة ولم تتحدث فأردف مرة أخرى يسألها:


-بتعملي ايه هنا دلوقتي 


نظرت إلى الهاتف بيدها ثم إليه وتحدثت بصوتٍ خافت والملل يتأكل منها:


-أصل بصراحة الدنيا ملل أوي هنا والجزيرة مافيش فيها شبكة نزلت اتمشى في الجنينة أحاول أجمع شبكة 


ابتسم وهو يتابع ملامحها المُنزعجة وكأنها طفلة فاقدة أصدقائها الذي تلعب معهم، قال بجدية:


-الجزيرة فيها شبكة في كل مكان على فكرة اومال احنا بنتكلم إزاي


أكملت بعد حديثه موضحه له مقصدها وهي ترفع الهاتف أمامه:


-أقصد شبكة نت 


أقترب خطوة بقدميه فأصبح جسده العريض أمامها يخفيها لمن نظر من خلفه:


-فيها كمان شبكة نت تحبي افتحهالك؟


نظرت إليه بسعادة مُتسائلة عن صحة حديثه:


-بجد؟ ياريت أوي


أومأ إليها برأسه للأمام يهتف بصوته الرجولي المميز بالنسبة إليها بهدوء:


-حاضر 


نظر حوله في الظلام الدامس في هذه المنطقة المتوارية عن بوابة القصر والقصر نفسه والحرس جميعًا وقال لها بجدية بعد أن استقر بعيونه عليها من جديد:


-متبقيش تنزلي تحت في وقت متأخر كده 


رفعت أحد حاجبيها الشقراء وتركزت بعينيها عليه تسائلة باستفهام:


-ليه؟


ضحك واتسعت شفتيه تبتعد عن بعضها ظاهرة من خلفها أسنانه وفي رأسه أشياء عديدة يعبث بها ليست هي من تعبث به:


-لمصلحتك 


حركت رأسها بخفة وهي تنظر إليه لا تستوعب حديثه:


-مش فاهمه 


ابتسم أكثر وهو يتابعها قائلًا بجدية:


-أحسن بردو إنك مش فاهمه.. شكلنا هنبقى صحاب أوي


مرة أخرى تسأله بدون فيهم:


-اشمعنى 


تحدث بغرور وعنجهية وهو يقترب منها برأسه قائلًا:


-أصلي بحب العلاقة اللي أبقى أنا بس اللي فاهم فيها 


ضيقت عينيها الزرقاء عليه واستنكرته وهي تهتف:


-مُتكبر!


ضحك هذه المرة بصوت مرتفع ينظر إليها وإلى تعابير وجهها الذي تثبت إليه في كل حركة منها أنها طفلة وليست فتاة ناضجة كما تدعي فتراجع عن حديثه قائلّا:


-ياستي بهزر معاكي 


نظرت إليه للحظات وهي تستنكر ما يفعله بحديثه أو حركاته التي تصدر عنه أردفت بجدية وهي تبتعد للخلف:


-طيب عن اذنك بقى 


تمسك بيدها سريعًا قبل أن ترحل وتسائل بلهفة غريبة عليه:


-رايحه فين 


نظرت إليه وإلى يده التي تمسك بيدها فتنحنح هو وابتعد للخلف تاركًا إياها، فأجابته قائلة بجدية وهي تنظر إليه بعبث:


-طالعه.. مش قولتلي بلاش أنزل في وقت متأخر 


استنكر ما فعله وتلك اللهفة الغريبة التي تأتي منه إليها هي فقط دون الجميع، ولكنه يستطيع تفسير ذلك جيدًا، أردف بسخرية:


-وأنتي مطيعة أوي كده


وجدها تنظر إليه باستغراب لم تجيب عليه ولم تبدي أي ردة فعل على حديثه وكأنها تقف مستغربة للغاية مما يفعل ومما يقول فتابع مرة أخرى باقتراح:


-مافيش مانع نفضل مع بعض شوية.. أضيعلك الملل وتعملي صحاب ولا ايه 


فكرت للحظة في حديثه فهو محق للغاية، أنها تحتاج لتكوين صداقات، لا الحقيقية هي لا نحتاج لذلك ولكن الهوى يلقيها عليه لتستكشف ما به ذلك الرجل العملاق:


-عندك حق 


أشار إليها بيده ناحية الحديقة في الأمام عند القصر أمام الجميع من الحرس وغيرهم:


-طيب تعالي نقعد.. تعالي


سار معها ليجلسوا سويًا وهي جواره، تسير بخجل وفراشات معدتها تعبث بها في الداخل لأجل تلك الفكرة الغبية التي وافقت عليها.. كيف تجلس معه وتتحدث وتنظر إليه وهو يباغتها بنظراته الجريئة الحرة!.


من الأعلى رصدتهم فرح من داخل شرفتها بعيون تشتعل بالغضب والبغض الشديد تجاه "عاصم" الغبي الذي يسير خلف جمالها ورقتها المصطنعة وتلك الفتاة الغبية التي تدعي الخجل مع الجميع وتزداد به معه وتتصرف كأنها طفلة في الثامنة من عمرها كابنة شقيقتها..


ظلت تنظر من الأعلى بغضب يشتعل داخلها يجعلها تتحرك في الشرفة بعنف وضراوة غير قادرة على المكوث في مكانها لحظة فقد نشبت النيران داخلها بسبب غيرتها من تلك الغبية الماكرة المتصنعة..


ظلت تأتي من بداية الشرفة إلى نهايتها وعينيها عليهم بعد أن جلسوا وأصبح "عاصم" جوارها يعطيها وجهه وجسده بالكامل يسترسل معها في الحديث وهي ترد عليه بخجل تارة وبغضب تارة والآن ضاحكة!..


جعلها تضحك بصخب تضع يدها على فمها لتكتم ضحكاتها بعد أن استمع إليها الحرس في محيطهم ونظرت بخجل بعد تلك الفعلة المباغتة..


يا لك من فتاة غبية وضيعة سارقة، لقد سرقته بتلك الرقة المصطنعة والخجل الكاذب، خدعته بجمالها الغير طبيعي وسرقته في لحظات وهو كان كالغبي..


رجل كأي رجل غبي يرمي بشباكه وأحباله إلى أي فتاة جميلة تمر من جواره وقد كان معها، يا الله تعابيره غير مسبوق لها أن تراها..


أنه يتحدث بود، ينظر إليها بهدوء ويتودد إليها!، يتابع عيناها الزرقاء ويدقق في ملامحها بهيام وانسجام خالص لها..


يا لك من ماكر يا "عاصم" يا لك من ماكر مخادع غبي.. 


ضربت بقبضة يدها على سور الشرفة وهي تتابع ما يحدث بينهم وفي لحظة رفعت الهاتف من على المقعد بينهم وفتحته لتوريه به شيئًا فاقترب منها وهي تشير بإصبع يدها على الهاتف وتضحك بصخب؟!


متى تعرفت عليه إلى هذه الدرجة متى! لا أنها من فتيات المدينة لا تحتاج لوقت حتى تتعرف عليه فقط يلقي عليها سلام الله فتلقي عليه شباك الخبث الضارية...


رفع "عاصم" وجهه إلى الأعلى بعفوية والإبتسامة مُرتسمة عليه ليقابل وجهها، نظرات عينيها الحمراء الغاضبة وملامح وجهها بالكامل التي تجعلها تبدو مخيفة وهي تنظر إليهم بهذه الطريقة الغريبة..


نظر إليها لحظة والأخرى اعتقادًا منه أنها ستدلف للداخل أو يصدر منها أي ردة فعل فقط خجلًا من نظراته نحوها ولكنها كما هي فتاة مغرورة، متكبرة عليه وعلى الجميع.. والأهم من كل هذا لا تخطئ وكأنها قديسة لا تعرف طريق للخطأ..


أبعد عينه مرة أخرى وعاد بها إلى "إسراء" الماكثة جواره ولم تلاحظ نظرات عينيه المرتفعة للأعلى بسبب انشغالها بهاتفها بعد أن قام هو بفتح شبكة الإنترنت داخله كي يساعدها أو يقتصر الطريق إليها قليلًا ويصبح صديقها جديًا وبعد ذلك يتسلل للأكثر من هذا..


في الناحية الأخرى وقف جلال على أعتاب غرفة الحرس الصغيرة بجوار بوابة القصر، نظر إلى "عاصم" و"إسراء" الفتاة الجميلة، فاتنة الجمال التي ليس هناك مثلها على الجزيرة وكأنها من أصول أوروبية أتت إليهم ليتأملوا في جمالها..


تمتم بينه وبين نفسه بغيظ وسخرية:


-طول عمرك واقع واقف يا عاصم يا ابن المحظوظة 


أبتعد بعينه إلى الأخرى التي تقف في الشرفة عيناها ستنقلع من مكانها عليه وقلبها سينقبض منها بسبب شدة النيران المشتعلة به من غيرتها التي أخذتها في صميم قلبها بسبب "إسراء" وجمالها الخلاب الذي لم تراه في حياتها..


تموت على "عاصم" يعلم ذلك جيدًا وهي تُجيد المكر والخبث، ونقل الحديث من مكان إلى آخر، ابتسم بسخرية أكثر وهو يتابعها ويراها تود لو تلقي نفسها من الشرفة كي تصل أسرع إلى الأسفل وتقوم بجذب خصلات تلك المسكينة من مكانها..


نظرت إليه من الأعلى فتابع يدقق داخل عينيها من على بعد مسافة ثم غمز بعينه اليسرى بغرور فنظرت إليه بضيق وانزعاج وضربت مرة أخرى على سور الشرفة ثم استدارت تدلف إلى الداخل مرة أخرى دافعة الباب من خلفها بقوة ليصدر صوتًا استمع إليه كل منهم..


❈-❈-❈


مر يومين آخرين غير الأيام الذي مرت عليهم منذ أن أتوا إلى الجزيرة، وفي اثنائهم لم تكن تحسن التدبير ولا التفكير ولا تعرف ما الذي ستفعله معه ولا حتى كيفية الهروب من الجزيرة.. أو بالأحرى القصر فهو الخطوة الأولى للهرب..


ولكن ما توصلت إليه مع نفسها أنها إن خرجت من هنا وابتعدت عن الجزيرة ومن بها ستلقي بهم جميعًا خلف ظهرها وأولهم "جبل العامري" وستلقي تهديدها له خلف ظهرها معه لأنه للحق لن تكون قادرة على مواجهته..


ولكن أن بقيت هنا وهذا من رابع المستحيلات فلن تكن نهايته إلا على يدها وهذا وعد منها، وعد من إمرأة حرة ليست للترويض وإن كانت فلن تكن امرأة تروضت على يده..


ابتعدت عنه تمامًا في هذان اليومان، لم تكن تتقابل مع وجهه إلا بالصدفة البحتة فهي لم تكن مستعدة أن تتقابل مع رجل قاتـ ـل مثله وتلطخ نفسها وعينيها بالنظر إليه أو تجعل لسانها يتسخ ويدنس بالحديث معه.. قللت كل شيء تشاركه معه إن كان حديث أو نظرات أو طعام.. رجل مثل هذا لا يشاركه أفعاله إلا الشياطين مثله 


بقيٰ خوفها الأكبر على شقيقتها وابنتها الصغيرة، كيف ستهرب بهم وإن لم يكن فكيف ستجعل حياتهم هنا!..


تراقص الخوف على أعتاب قلبها، ولكن زجره الكبرياء مُعلنًا نصرها وبين هذا وذاك لم يحسن التدبير عقلها ففقدت نفسها بينهم وتشتت تفكيرها وبقيت سجينة جبل العامري غير راضية عن قدرها..


بينما هو ترك لها الفرصة في التفكير والإختيار على الرغم من أنه يعلم ما الذي سيحدث بالنهاية..


ترك نظرات عينيه المخيفة تعبث بها كلما وقعت عليها، يستشعر دقات قلبها العالية كلما تقابلت تلك النظرات، فيبتسم بخبث وقسوة لأجل إشعال الخوف والرهبة داخلها مسببة ارتعاش لجسدها كلما رأته..


إلى الآن هو صامت وتركها الأيام الماضية مبتعدًا عنها سامحًا لها بالفرار منه وهو على علم أن الأيام القادمة ستكون على عكس السابقة عندما يكون مقرها داخل غرفته..


دقت على باب الغرفة بيدها بقوة تحاول أن ترسل له من خلالها أنها ليست ضعيفة هشة.. فتحت لها الباب والدته فولجت للداخل بهدوء وجدية رافعة رأسها للأعلى بشموخ تدلف بثبات تقول من عبر نظراتها وحركاتها المحسوبة أنها قوية للغاية.. وما كان في الداخل سوى الخوف 


أغلقت والدته الباب بعد أن دلفت هي وسارت خلفها للداخل وهو يقف بجوار الفراش يستند على العمود بذراعه..


أشارت لها والدته أن تجلس على الأريكة ولكنها رفضت قائلة بجدية:


-اتفضلي أنتي يا طنط.. خير 


جلست "نجية" على الأريكة أمامهم وبقيت الأخرى واقفة على قدميها تبعث إليه النظرات المشمئزة ولكنه بادلها بالبرودة التام


تحدثت والدته بكل جدية وهدوء وهي تنظر إلى "زينة" تسألها:


-ها يا زينة قوليلنا قرارك.. موافقة تتجوزي جبل


رفعت يدها الاثنين أمام صدرها ووقفت بزاوية جسدها تنظر إلى البعيد قائلة بضيق:


-لأ مش موافقة 


ضيقت والدته عينيها عليها وحاولت أن تتحدث بعقلانية معها على الرغم من أنها تدرك أن رفضها قاطع:


-ليه كده يا زينة فكري في مصلحة بتك


هبطت بيدها من أمام صدرها وصدح صوتها تنفي ما تقوله بعنف:


-مصلحة بنتي أنها تمشي من هنا وامبارح قبل النهاردة 


أجابت الأخرى بفتور وهدوء تريها الحقائق التي تغاضت عنها:


-ليه؟ هنا كل حاجه بتاعتها وكل حاجه هتبقى تحت رجليها ورجليكي أنتي كمان 


تسائلت "زينة" بسخرية وبلهجة متهكمة ساخطة:


-هنا فين؟ في جزيرة وسط الميه محدش يعرف عنها حاجه؟ في مكان مليان سلاح واللي حاكمه تاجر سلاح؟ إحنا لو موتنا محدش هيدري بينا 


وقفت سريعًا بعدما استمعت إلى حديثها الذي كشف كل شيء يحدث على الجزيرة وأردفت بذهول:


-أنتي جبتي الكلام ده منين


أشارت إلى "جبل" بيدها متحدثة بانفعال وعصبية:


-اسألي ابنك.. ولا هو مقالكيش إني عرفت كل حاجه؟ مقالكيش إني شوفته بعيني وهو بيقتل؟


استدارت إليه والدته تنظر إليه باستنكار شديد لما تقوله "زينة" فهي إن كانت رافضة مرة قبل أن تعلم بكل ذلك الآن ستكون رافضة ألف مرة.. نطقت اسمه بذهول:


-جبل!..


أبتعد هو عن العمود وتخلى عن الصمت الذى تحلى به بينهم، نظر إليها بجدية وجمود قائلًا:


-ده شيء كويس علشان تبقى عارفه هي بتتعامل مع مين 


استنكرت حديثه متهكمة عليه بسخرية لاذعة قائلة بضجر وانزعاج:


-هكون بتعامل مع مين يعني؟ واحد قـ ـاتل وتاجر سلاح يعني راجل عصابات 


ابتسم إليها بكل عنجهبة وبرود وقال بثقة وتأكيد:


-بالظبط.. الكلمتين اللي قولتيهم بكل بساطة دول كان المفروض تفكري فيهم بعقلك أكتر من كده


لوت شفتيها ببرود واختناق في ذات الوقت من حديثه وسألته:


-ولو مفكرتش؟


أجاب بصرامة وقوة:


-هتخسري 


تركته ونظرت إلى والدته عندما علمت أنه سيقوم بتكرار حديثه مرة أخرى وهي سئمت من الاستماع إليه فقالت بجدية:


-اسمعي لو سمحتي بقى.. أنا مش محبوسة هنا أنا عايزة أمشي ومع بنتي وأختي


تابعت النظر إليها بعمق تتحدث بكل جدية وقوة توضح لهم أنها ليست غبية:


-لما جيت مفكرتش إن ده هيحصل عارفين ليه؟ علشان يونس لما مات من خمس سنين مافيش حد فيكم فكر بس أنه يسأل على وعد اللي الكل دلوقتي عايزها أنا فاهمه كل واحد فيكم عايز ايه 


تركتها وذهبت بعينيها إليه تُكمل ما بدأته بشراسة وعنف:


-اللي في دماغك مش هتاخده مني مهما حصل إلا على جثتي.. والميراث مش عايزاه خلاص، حتى الشنط اللي جينا بيها مش عايزاها عايزة نخرج من هنا وبس أظن كده أنا اتخليت عن كل حاجه ليكم 


وكأنه لم يستمع إلى أي من حديثها تقدم للأمام وقال ببرود ولا مبالاة بها:


-حلو نكتب الكتاب الخميس الجاي 


صاحت بغضب وهي تتقدم ناحيته خطوة تشيح بيدها بعصبية وانفعال:


-أنت مجنون بقولك مش موافقة ومش عايزة منكم حاجه خلاص لا ميراث ولا غيره خليهولكم


أكمل بنفس البرود واللا مبالاة وهو ينظر إليها مُبتسمًا باستفزاز:


-إحنا بقى عايزين.. وعد العامري.. وزينة العامري 


وقفت قبالته بشموخ وعزة أردفت بثقة ووضوح وهي تعني كل كلماتها:


-أنا إسمي زينة مختار ووعد اسمها وعد يونس العامري إحنا الاتنين مننتميش ليك ولو ننتمي هنتبرى منك 


استفزها أكثر وهو يردد حديثه مرة أخرى:


-يبقى على خيرة الله كتبت الكتاب الخميس الجاي 


صرخت به بعصبية وجنون منفعلة للغاية:


-أنت عايز تجنني ايه الاستهبال ده أنا بقولك مش موافقة 


نظر إليها هو مُبتسمًا باتساع وهو يراها ستجن بسبب حديثه فقط.. مظهرها رائع للغاية ستكون حياته معها مُسلية أكثر من هذا الملل الذي يشعر به واللعب معها سيجعله يتحمس أكثر فـ إلى اليوم لم يستطع أحد التغلب عليه.. هل هذا الغزال هو من سيتغلب!


أقتربت منها والدته وقالت بهدوء:


-فكري تاني يا زينة ده كله لمصلحتكم


نفت حديثها وأكدت بقسوة وهي تجيبها بحدة:


-مصلحتكم انتوا.. وخوف البيه من إني أبلغ عنه


نظر إليها بعينيه المخيفة ثم استمعت إلى ضحكاته العالية التي طالعتها بغرابة وهتف بسخرية:


-لأ بلغي.. تحبي اوصلك المديرية


نظرت إليه مُطولًا وحقًا لم تعد تدري أهو مجنون أو مختل أو أنه قاسي قاتـ ـل أم أنه رجل عادي غريب يبتسم ويضحك بسخرية! ولكن ما تعرفه أنها عليها الانتقام منه قبل الابتعاد عنه 


ظلت تتابعه بعينيها بشراسة وخرجت الكلمات من بين شفتيها بحدة وتهديد واضح له:


-اسمعوا أنا مش موافقة وعلى جثتي إني اتجوزك وأنا سبق وحذرتك بس أنت مهتمتش بكلامي.. قابل بقى 


انتهت من تهديدها وهو ينظر إليها بلا مبالاة وتقليل شديد منها وكأنها غزالة تحاول وتحاول ثم عندما يأتي الصياد تقع فريسة من أول محاولة.. ثم بعد ذلك النظر أكمل على نفس الوضع:


-قولتلك قبل كده مستني 


نظرت إليه بسخط وكره شديد وملامح وجهها ممتعضة للغاية ثم استدارت واتجهت إلى الباب دون اي حديث آخر وعقلها يحثها على إنهاء كل شيء الليلة، جذبت الباب من خلفها بعد أن خرجت بعنف وقوة أصدر صوت ينم عن غضبها منهم..


اتجهت والدته إليه وتسائلت باستغراب:


-زينة شافتك إزاي وأنت بتقـ ـتل وعرفت منين إنك تاجر سلاح 


أجابها بهدوء وبساطة وعينه مازالت على باب الغرفة وعقله مع تلك الغزالة التي خرجت..


-شافتني في الجبل وأنا اللي قولتلها إني تاجر سلاح 


صرخت عليه والدته بقوة:


-اتجننت.. افرض مشيت توديك في شربة ميه 


أخذت الكلمة انتباهه فنظر إلى والدته وابتسم قائلًا:


-مش هتمشي


هدأت قليلًا ونظرت إليه برفق ثم قالت متسائلة وهي على علم مسبق بالإجابة:


-ايه دخلت مزاجك 


أومأ إليها برأسه وأكملت شفتاه بتأكيد:


-آه.. دخلته ومش هسيبها تمشي 


سألته باستياء:


-هي من البداية مش موافقة تفتكر هتوافق بعد ما عرفت بكل ده؟ 


أومأ إليها مرة أخرى بتأكيد:


-هتوافق


قالت والدته بصوت جاد ونظرة واثقة:


-الطريقة غلط.. افتكر إني قولتلك، مش هي اللي تيجي كده


اتجهت هي الأخرى إلى باب الغرفة وخرجت منه وتركته وحده في الداخل يتذكر كل موقف مر عليه معها وهي تقف به أمامه تتابع بنظرات عينيها الواثقة وحركاتها الشرسة.. يتذكر كلماتها وعنفوانها الواثق من كل كلمة تخرج منها وكأنها ستفعلها لا محال وحتى لو كان السيف على رقبتها..


يا لها من إمرأة صعبة تحتاج إلى الترويض، كيف عاشرها شقيقة وهي بهذا الطبع؟ كيف كان رجل وهو معه امرأة كالرجل في كل شيء إلا مظهرها.. وكيف يشعر الرجل بأنه رجل إلا عندما يفرض سيطرته على امرأته ويكن هو بالنسبة إليها الرجل والبيت والأمن والأمان.. ويكن مالكها وكل ما تملكه.. فتجعله محور حياتها والأمر الناهي لها.. كيف كان يعيش مع هذه وهي بكل هذا التكبر والغرور، امرأة "قادرة" أمام نفسها؟..


ستكون امرأته وستتروض على يده، سيجعلها كما يشاء وكما يحب إن كان بالرضا أو.. بالقسوة فلا مجال هنا للحب..


❈-❈-❈


خرجت الصغيرة "وعد" من غرفة الصالون ركضًا وخلفها خالتها "إسراء" تركض قائلة بصوت مرتفع وهي تضحك بصخب:


-هاتي الموبايل والله ما هسيبك 


سارت الأخرى وأبتعدت وصوت ضحكاتها البريئة يرتفع معها مثل الأخرى:


-لأ.. مش هتاخديه


بينما وهي تخرج من الغرفة خلفها تركض ضاحكة اصطدمت بـ "فرح" بقوة حيث أن الأخرى كانت تدلف إلى الصالون..


وقفت "فرح" تصرخ بعصبية وغضب:


-مش تحاسبي أنتي عميا


أجابتها "إسراء" بتروي وهدوء كي تمتص غضبها الظاهر عليها دون سبب واضح:


-مشوفتكيش 


تهكمت الأخرى عليها وصاحت بسخرية وهي تنظر إليها ببعض وكراهية شديدة:


-يبقى عميا بقى 


حركت "إسراء" رأسها بنفي وقالت بجدية:


-لأ مش عامية 


نظرت إليها "فرح" بشر وعنف ووجدت أن الفرصة المناسبة للنيل منها حتى ولو ببضع كلمات تبرد نار قلبها قد أتت:


-يبقى قاصدة تعملي كده 


حركت كتفيها بهدوء وبساطة ونظرت إليها بعينيها رائعة الجمال ذات اللون الأزرق الساحر قائلة برقة وهدوء:


-لأ أكيد مش قاصدة أنا خارجة بجري وأنتي داخله من جنب الباب مشوفتكيش 


رفعت "فرح" يدها تشيح بها بعصبية وغضب عارم وهي تنظر إلى جمالها ورقتها التي تخرج منها بعفوية:


-هو أنتي كمان هتقفي تبجحي 


أجابتها باستغراب ونظرتها نحوها غريبة وكأنها تحدث نفسها بأنها مجنونة:


-أنا مبجحتش أنا بقولك اللي حصل


صدح صوت الأخرى أكثر وأعلى وهي توبخها دون سبب:


-أنتي هتقلبي القصر ملاهي طول النهار لعب وتنطيط ما تبصي لطولك 


أكملت والنيران تنهش داخل قلبها من شدة الغيرة وضراوة الحقد:


-بالنهار لعب في القصر وبالليل سهر مع الحرس في الجنينة 


نفت قولها بنفس الهدوء الذي هي عليه:


-أنا مش بسهر مع حد 


عارضتها وهي تفشي بالحديث بصوت عالي لعل هناك أحد يستمع إليها:


-لأ بتسهري أنا شيفاكي بعيوني وأنتي قاعدة مع عاصم 


تذكرت "إسراء" ذلك وأتى على خلدها تلك اللحظات والحديث الهامس الجاد الحاني العنيف بينهم، وتلك المشاعر المتخبطة وهوجتها الغريبة فقالت بصوت خافت والذكريات تأثر عليها:


-دي كانت صدفة 


أغتاظت منها ونظرت إليها بحدة وهي تريد لو تمد يدها الاثنين إلى عنقها لتقوم بخنفها في الحال:


-بلاش السهوكه دي متعمليش فيها عبيطة 


وكأن "إسراء" مصرة على أن تجعلها تخرج كل ما عندها بتلك الطريقة الهادئة البسيطة، ولكن في الحقيقة هذه كانت طريقتها العفوية تخرج منها بكل رقة ونعومة:


-أنا معملتش عبيطة أنا برد عليكي بالحقيقة


أردفت مُعقبة بغيرة اشتدت أكثر وأكثر بسبب كل ما يصدر منها فقالت بقسوة وإهانة:


-لأ الحقيقة دي تخليها ليكي أنتي والزمي حدك هنا أنتي مش في ملك أبوكي 


كانت الصغيرة تقف بينهم صامتة والآن أتى دور أن ينفرج فمها بالحديث الهادئ وهي تنظر إلى الأعلى لتأتي بوجه شقيقة والدها:


-خلاص يا عمتو إسراء معملتش حاجه


أبعدت "فرح" نظرها إلى "وعد" بعد لحظات وهي لا تستطيع أن تترك تلك الفتاة واقفة هكذا أمامها وقامت بتوبيخ الأخرى بتهكم وسخرية:


-وأنتي عرفتي منين يا قلب عمتو.. وبعدين بتدخلي في كلامنا ليه هي زينة معرفتش تربيكي


أجابتها الصغيرة بهدوء وتودد إليها ليست قاصدة شيء:


-أنا متربية يا عمتو بس كنت بقولك إن إسراء مش قصدها 


نهرتها بعنف ورفعت وجهها إلى الآخر تلقنها الحديث القاسي إليها وكأنها التي تأمر هنا:


-وأنتي مالك اخرسي خالص ومش عايزة أشوف الهبل ده في القصر تاني 


ذهبت من أمامهم إلى الداخل بعد أن دفعت "إسراء" في كتفها لتعبر إلى الغرفة قائلة بغيظ وضيق:


-جاتكم القرف.. مش عارفه ايه البلوة اللي اتحدفت علينا دي 


نظروا إليها الاثنين بذهول بعدما عبرت إلى الغرفة، لقد تابعتها "إسراء" بعفوية ناظرة إليها وهي تتسائل أهي مجنونة أم مُختلة الأمر يختلف..


ابتسمت بسخرية بعد أن نظرت إلى وعد وحركت رأسها يمينًا ويسارًا غير قادرة على استيعاب تصرفات وحديث تلك الغريبة..


❈-❈-❈


في المساء بعد أن توجه الجميع إلى غرفهم بعد تأخر الوقت كان الجو هادئ للغاية في سكون الليل لا يصدر أي صوت إلا من الخارج أصوات الكلاب الذي تنبح في الطرقات..


وصوت ذئب مزعج للغاية يأتي إليهم ليمر عبر أذنهم من الغابة.. ككل يوم الحرس كل منهم في موضعه..


لا يوجد اختلاف في هذه الليلة سوى تفكير من هم داخل القصر وأولوياتهم، لا يوجد سوى مخططات لكل فرد بينهم كي يحصل على ما يريد..


بداية من أكبر امرأة بهم وهي والدته التي أصبح وجود "ابنة" ولدها أمر حتمي لن تتنازل عنه وليحدث فعلى والدتها أن تتزوج بابنها الآخر.. كثير من الأمور داخل عقلها تدور حول هذا الأمر من مخاوف قادمة بسبب "زينة" ووجودها معهم بعد أن علمت بعمل ولدها.. ومخاوف أكبر من تصرفات "جبل" القاسية..


"جبل" وتذكره لها ولشراستها، عنفوانها وحدتها وتلك القوة الهشة التي تمثل أنها عليها، تفكيره كله كان حولها.. حول امرأة وضعها في رأسه كي يكسر أنفها ويجعلها راضخة له


وهي "زينة" ولم تكن تفكر في أي شيء سوى الفرار والهرب، تركت كل ما خططت له وكل ما كان يعكر صفو تفكيرها وتلك التدابير التي لم تحسنها ووضعت كل تركيزها في طريقة للهرب من هنا الآن قبل الصباح..


بينما تغير تفكير شقيقتها البريئة للغاية هي الأخرى، "إسراء" تحول كل ما تريده في يوم وليلة بعد أن تقابلت مع ذلك الجسد الصلب الطويل الذي يبتلعها كلما وقفت أمامه، ذلك الصوت الرجولي المميز ذو البحة الغريبة التي أصبحت تميزها من بين الجميع.. لا تدري لما ذلك التفكير به وما الذي فعله بها!.


وأخيرًا وليس أخرًا هنا "فرح" هي الأخرى من الأشخاص الذين يعيشون داخل القصر وتغير تفكيرهم، وهذا حدث بعد أن نهشت الغيرة قلبها بسبب تلك الجميلة الرقيقة التي تتصنع كل ذلك كي تستحوذ على تفكيره.. وتفكير غيره.


والصغيرة التي لا تفقه أي شيء مما يدور حولها بين الجميع وأولهم والدتها وعمها القـ ـاتل الذي يهددها بها، تفكيرها تغير وتحولت أولوياتها بعد أن عانقتها جدتها والدة والدها وطالبت بالقرب منها والمكوث معها ولكنها أيضًا تريد العودة إلى مكان نشأتها وتلك الحياة التي اعتادت عليها...


لحظة واحدة كانت هي الفاصلة بين ذلك السكون وحالة المرج تلك، حدثت عندما صرخ أحد الحراس على البقية وهو يرى النيران المُشتعلة خلف القصر تصعد للأعلى مصحوبة بالدخان الذي صعد معها وسبقها..


لقد شعروا أن هناك نيران وعبرت رائحة الدخان إلى أنفهم ولكن هذا عاديًا يحدث فلا خوف ولا رهبة 


كانت النيران نشبت خلف القصر وارتفعت للأعلى ولم يلاحظ أي حد منهم إلا عندما رصدها واحدًا منهم بعينيه من الأمام بعد أن تعالت للغاية بدخنتها فصرخ عليهم جميعًا وحدثت حالة غريبة من الهرج والمرج بينهم وكل منهم ترك سلاحه في غرفة الحرس الصغيرة وسارعوا بالركض للنيران كي يخمدوها بالمياة..


استمع من في القصر جميعهم إلى ما يحدث وقد خرج جبل معهم هو الآخر والتفكير ينهش عقله كيف حدث ذلك يصرخ عليهم من كل إتجاه خوفًا من أن تتصاعد أكثر ويحدث ما لا يحمد عقباه


كانت قد اشتعلت ببنزين وتصاعدت للأشجار الذي سكب عليها هي الأخرى بنزين وتأكلت الأسلاك المتواجد وكل ما كان في محيط خلف القصر وجانبيه..


بينما في الخفاء وتلك الدوامة تأخذهم للقضاء على النيران في الخلف هبطت "زينة" مع شقيقتها وابنتها الدرج برفق دون إصدار صوت حتى لا ينتبه إليها أحد من الداخل وهم لم يخلدوا للنوم بعد إلا عندما يسيطروا على النيران..


ترتدي بنطال من الجينز الواسع وتيشرت بنصف كم أبيض اللون وخلف ظهرها حقيبة صغيرة ليس بها إلا جوازات السفر وقليل من النقود والهواتف..


لم تأخذ أي شيء آخر، وقفت خلف البوابة الداخلية للقصر وهم خلفها تنظر إلى الخارج لترى أن كان هنا أحد يراها فلم تجد فسارعت معهم للخارج تركض إلى أن وصلت إلى البوابة الخارجية.. بوابة قصر العامري.. نظرت إليها بابتسامة واسعة وقلبها يدق بعنف وقوة.. مزيج من المشاعر كالخوف والسعادة يمكثون داخلها..


فتحت البوابة وأخرجتهم استدارت تنظر إلى الخلف لترى النيران تبدأ بأن تخمد فابتسمت أكثر وهي تراهم من بعيد والجميع يركض ثم خرجت خلفهم سريعًا..


خرجت من قصر العامري! خرجت بابنتها وشقيقتها؟ الآن تراقصت السعادة والفرحة على أعتاب قلبها بدلًا من ذلك الخوف الذي أرهبها.. الآن تحررت من سجن جبل العامري.. الآن فقط تستطيع أن تقول إنها امرأة حرة قوية لا أحد يستطيع ترويضها..


كان الهروب أمر صعب للغاية، الفرار من جزيرة العامري مستحيل ولكنها امرأة قوية نالت منها الصعاب ونالت هي من المستحيل..


قم بالتسجيل أيها التاريخ داخل كُتبك "زينة مختار" هربت من سجنها قصر العامري، ونالت من العائلة بأكملها، أكتُب أنها لازت بالفرار من جزيرة العامري ولن تكن مرة أخرى "سجينة جبل العامري"


❈-❈-❈


"يُتبع"

الفصل السابع

"أشعلت النيران بقلب الجميع تتخذها سبيلًا للهرب من سجنها، تحلم بالفرار فانقلب كل شيء على رأسها وأشتعلت النيران بقلبها"


"وقفت "زينة" في مُنتصف الغرفة بين ابنتها وشقيقتها تنظر إليهم وهم يبادلونها النظرات المستغربة بعدما استمعوا إلى حديثها الذي لم يدلف عقلهم..


تقدمت منها "إسراء" تنظر إليها بغرابة تتسائل:


-قصدك ايه أننا هنمشي دلوقتي؟ وبعدين فين حقك وحق وعد اللي جينا علشانه؟


تابعت النظر إليها هي الأخرى وقالت بجدية:


-أنا مش عايزة أسمع أي أسئلة ولا أي كلام 


أشارت شقيقتها بيدها إليها وهي تود حقًا أن تفهم ما الذي تريد فعله فتابعت:


-يعني ايه.. زينة إحنا جينا هنا علشان كده مش علشان نتمرمط ونرجع تاني 


أكملت "زينة" مؤكدة على حديثها بقوة كما كانت:


-قولتلك لازم نمشي من هنا وكلامي يتسمع لحد ما نخرج من الجزيرة 


تسألت "إسراء" باستغراب تحت أعين الطفلة الصغيرة التي تتابع ما يحدث:


-طب ليه كل ده


نظرت إلى ابنتها التي تقف معهم، لا تريد أن تتحدث أمامها أو تشرح أي شيء لا يجب أن تعرفه.. عادت بالنظر إلى شقيقتها قائلة بجدية:


-هما مش ناويين يدوني حقي.. عايزين نقعد هنا ووعد تقعد معاهم لكن ناخد حقنا ونمشي لأ 


تسائلت مرة أخرى بعين مُتسعة:


-يعني ايه؟


أردفت "زينة" بعد أن تنهدت بعمق:


-يعني لازم إحنا نمشي من هنا لأنهم مش هيسمحولنا نعمل ده 


أقتربت منها "إسراء" ونظرت إليها بقوة.. تفوهت قائلة بجدية:


-زينة بس إحنا لو رجعنا دبي تاني هنعيش إزاي


تقدمت "زينة" من الفراش تجذب حقيبة ظهر صغيرة ثم أجابتها:


-هتصرف.. أنا هتصرف متقلقيش 


نظرت إليها وتابعت قائلة بصوت جاد:


-يلا.. سيبي الهدوم مش هناخد حاجه غير الموبايلات والشواحن وجوازات السفر.. مش هنعرف نطلع من الجزيرة بحاجة


تذكرت "إسراء" أن لا طريقة للخروج من الجزيرة سهلة عليهم فسألتها:


-هنخرج من طريق النيل ولا الغابة 


تنهدت الأخرى بضيق كبير وهناك ثقل تشعر به على صدرها ولكنها بدأت بفعل ذلك الشيء فعليها الانتهاء منه:


-النيل.. أنا مضمنش الغابة دي فيها ايه ولا هنخرج منها إزاي


أكملت وصلة الأسئلة الذي وقعت بها قائلة وهي تتابع حركاتها بعينيها الزرقاء:


-ومين هيعدينا النيل 


ابتسمت بارتياح وهي تحاول أن تجعلها تطمئن مردفة:


-أول ما نخرج من القصر ونقرب على النيل هكلم عماد صاحب يونس يقرب مننا أنا اتفقت معاه أنه هينقلنا.. يارب بس محدش من الحرس اللي هناك يشوفه


تابعت وهي تتقدم من باب الغرفة بحزم:


-حطوا الحاجة في الشنطة أنا هنزل أعمل حاجه وطالعه


هبطت "زينة" على الدرج مُتجهة إلى الأسفل تتلفت هنا وهناك بعينيها لترى أي أحد من العائلة ولكن الجميع كانوا متواجدين في غرفهم بالأعلى..


توجهت إلى المطبخ وهي تسير سريعًا، دلفت إليه ولم تشعل الضوء داخله بل أكملت المسير في العتمة إلى أن وصلت إلى الباب المتواجد به لتعبر منه إلى خلف القصر مباشرة دون أن يراها أحد من الحرس..


فتحت الباب بهدوء وبطء شديد.. أخرجت رأسها لتنظر إلى الخارج ربما يكن أحد هناك ولكن لم ترى أحد فخرجت إلى خلف القصر تختلس النظرات بعينيها في كل إتجاه وقد كانت أحضرت من قبل ما ستحتاج إليه في مهمتها..


سارت بهدوء دون أن تصدر أي صوت إلى شجرة كبيرة متواجدة أمام سور القصر كان خلفها جردل كبير قليلًا فتحت الغطاء ونزعته من عليه وهي ترفع رأسها تنظر إلى الأعلى خوفًا من أن يراها أحد.. ثم حملته على يدها الاثنين وسارت تسكب ما به في كل مكان يقابلها.. على الأرضية والأشجار بأوراقها حتى جدران القصر من الخلف.. لقد كان بنزين سريع الاشتعال سيساعدها في الهروب من هنا.. تركته في الأرض ثم ألقت بعض الأخشاب وفوقهم قطعة قماش كبيرة..


توجهت لتحمل الجردل مرة أخرى وسكبت فوق الأخشاب ورائحته النفاذة تدلف إلى أنفها بقوة.. تركته مرة أخرى على الأرض..


عادت للخلف خطوة وتقدمت من باب المطبخ.. نظرت إلى كل ما فعلته ثم أخرجت القداحة من جيب بنطالها الجينز أشعلتها وألقت بها على الأرض فنشبت النيران سريعًا دون أي مجهود.. نظرت إليها بعينين واسعة وهي تراها تصعد إلى الأشجار وتتأكل في الأرض مُتجهة إلى الجانبين وترتفع مع تلك الأخشاب الذي ألقتها في الأرض.. اتسعت شفتيها بابتسامة واسعة وهي ترى أن ما رغبته بات قريبًا للغاية منها وستبتعد عن هنا في الحال..


دلفت إلى الداخل سريعًا وأغلقت الباب كما كان وكأنها لم تفعل شيء وسارت بهدوء وبطء لتخرج إلى ردهة المنزل تتلفت ثم عندما أدركت أن المكان أمن تحركت سريعًا وقدميها تبتعد عن بعضهم بقوة لتصعد إلى الأعلى تنتظر ما سيحدث من مرج وهرج بعد قليل لتتخذ هذه الفرصة سبيلًا للهرب"..


مر كل هذا على ذاكرتها وهي تبتعد عن قصر العامري فقد حدث كل هذا قبل قليل، قبل أن تخرج من القصر وتحصل على الحياة.. تود لو تصفق لنفسها لأجل حصولها على الفرار منه..


سارت بسرعة هي وشقيقتها وابنتها بيدها تبتعد عن هنا بفرحة كبيرة والإبتسامة على وجهها مرتسمة باتساع.. تتابع وهي تسير بخطوات اشبهت الركض البيوت الخاصة بهم الغريبة ككل المناطق النائية..


يالا الفرحة.. أكان يريدها أن تستمر معه هنا؟ على هذه الجزيرة الغريبة هي وكل سكانها.. الذين يضعون الثوم والبصل مربطين بأحبال في شُرف المنازل؟ 


لقد لازت بالفرار وما بقيٰ إلا دقائق كي تكون خارج الجزيرة وهم في الخلف يحاولن إخماد النيران.. خرجت ضحكة مباغتة منها وهي تشعر بالانتصار فوجدت تلك اليد القوية تقبض على ذراعها فجأة دون سابق إنذار..


نظرت إلى شقيقتها مُعتقدة أنها هي من أمسكت بيدها ولكن يد شقيقتها كانت جوارها فاستدارت واقفة تنظر إليه!!..


إنه هو! وقع قلبها بين قدميها واختفت تلك الضحكة التي كانت على شفتيها منذ قليل وذراعها في قبضة يده يضغط عليه بقوة وغل شديد وملامح وجهه لا تنذر بالخير أبدًا..


وقفت إسراء جانبها تقترب منها تحتمي بيها وفي نفس الوقت تحاول أن تحميها من نظرته إليها وقبضة يده التي استشعرت قوتها.. 


شعرت بالخوف وهي ترى "عاصم" يقف خلفه والسلاح بيده ونظرات عينيه موجهة إليها بقوة وكأنه يتوعد لها وبجواره ذلك "جلال" يقف مثله خلف جبل ينتظر الإشارة منه والجميع في حالة صمت..


ضغطت "زينة" على يد ابنتها بقوة تتمسك بها خوفًا من أن يأخذها منها عنوة.. عيناها تنظر إليه بحدة تتابع نظرات عيناه الخضراء المخيفة..


ضغط على يدها بقوة ونظر إلى شقيقتها بطرف عينه ومرة أخرى إلى ابنتها التي تمسكت بوالدتها فابتسم هو بشر ينظر إليها قائلًا بجمود:


-مش كنتي تقوليلي إنك عايزة تمشي علشان اسهلك الطريق!


تابعت النظر إليه دون حديث وقد شعرت أن سمائها انطبقت على الأرض من أسفلها ودمرت كل شيء.. لم تقوى على الحديث بل تنظر إليه بصمت تام لا تعلم ما الذي من المفترض أن تقوله ولا حتى تفعله.. ولا تدري ما الذي سيفعله هو بها..


أكمل وهو يجذبها من ذراعها بعنف وقسوة:


-تعالي.. الوقت دلوقتي ميسمحش أنكم تنزلوا النيل 


تحطمت أحلامها وذهب كل ما فعلته لأجل الفرار هباء فلا شيء أتى بنفع مع ذلك الجبل الصلب الذي احتارت في وصفه..


بعد أن جعلت الحريق ينشب في القصر ويلتهي به الجميع وهو من بينهم.. وذهبت على أول الطريق وخرجت من القصر وأقتربت من الوصول إلى النيل والخروج من الجزيرة.. أتى هو لينهي كل هذا كأنه لم يحدث من الأساس.. لقد أتى في الوقت المناسب حقًا..


شعرت بالسخرية الغريبة لأجل كل ما عاشته هنا إلى الآن أهو إلى هذه الدرجة مسيطر ومتحكم ليفهم ما حدث ويأتي خلفها بهذه السرعة..


سارت معه وهو يجذبها عائدين إلى القصر استدارت برأسها تنظر إلى الخلف ترى النيل كان على بعد خطوات منها يبدو أنها كُتب عليها أن ترى وتعلم الكثير عن الجزيرة وأهلها.. لم يكن مقدر لها الخروج بهذه السهولة..


وقف "جبل" أمام بوابة القصر بعد أن عادوا إليها مد يده إلى حقيبة ظهرها جذبها منها ثم أعطاها إلى "عاصم" الذي أخذها منه وأشار إليه قائلًا:


-دخل الآنسة إسراء ووعد وخد بالك منهم كويس 


أقتربت "إسراء" من "زينة" تقف جوارها وفعلت ابنتها المثل تتمسك بيدها بقوة وصاحت قائلة:


-وزينة هتروح فين؟


ابتسم إليها بسماجة وبرود قائلًا:


-متقلقيش أنا هاخدها معايا مشوار وراجعين..


تسألت مرة أخرى بجدية وقلق:


-مشوار فين.. خدنا معاها 


نظر إليها بقوة وتابع يُجيبها بخشونة:


-ادخلي.. شوية وهترجع 


تركت "زينة" يد ابنتها ونظرت إلى "إسراء" بجدية وهدوء حتى لا تجعلهم يشعرون بالقلق وقالت:


-ادخلي متقلقيش عليا 


لم تكن تكمل رفع شفتيها عن بعضهم البعض لتتحدث مع شقيقتها إلا وكان هو تحدث بصرامة وقوة موجه حديثه إلى "عاصم":


-عاصم.. دخلهم 


أشار "عاصم" إلى "إسراء" أن تدلف فنظرت إلى شقيقتها ودلفت على مضض وهي قلقة للغاية مما يحدث الآن وبيدها ابنة شقيقتها...


بعد أن دخلت من بوابة القصر نظرت إلى "عاصم" بعينين بريئة قلقة للغاية تدعوه أن يطمئنها فشعر هو بذلك بعد أن دلف وأغلق البوابة ناظرًا إليها


تقدم منها قائلًا بجدية:


-متقلقيش شوية والهانم هتيجي 


ضغطت على يد الصغيرة التي تتمسك بها وهو يتابع النظر إلى عينيها بعمق وهدوء وكأنه يحكي أشياء لا تستطيع شفتيه الحديث بها.. استمع إلى صوت "جلال" وهو يخرج حمحمة رجولية فحمحم هو الآخر من بعده وهبط إلى أسفل ينظر إلى الصغيرة..


ابتسم إليها قائلًا بود وحب:


-اطلعي فوق اوضتك ارتاحي شوية وماما هتيجي


أومأت إليه برأسها فسارت مع "إسراء" متجهين إلى الداخل وهو معه حقيبتهم الذي تحوي أغراضهم..


بينما في الخارج نظر "جبل" إلى زينة بعد غلق البوابة نظرة ارعبتها شعرت أنها ترى شيطان في هيئة انسان من بعدها.. تحدث قائلًا بقسوة:


-أما إحنا عندنا مشوار مهم هيخليكي تفكري مليون مرة قبل ما تعملي أي حركة زي دي..


جذبها من يدها خلفه وهو يسير يكمل الطريق يتخطى القصر وكأنه يتوجه إلى الجبل؟..


نظرت إلى الطرف الآخر ورصدت بعينيها الجبل من بعيد ثم نظرت إليه هو ولم تستطع أن تستنتج ما الذي يريد أن يفعله معها!..


يطبق يده القوية على يدها بقوة وعنف شديد يجذبها خلفه عنوة عنها يُسير هو بسرعة وهي تحاول خلفه أن تجاري حركات قدميه ولكنها لا تستطيع ليس لأنه سريع بل لأنها أعصابها قد خارت منها منذ أن قبض على يدها في أول مرة.. يحطم كل أحلامها بتلك القبضة القوية التي أشارت لها أنها "في قبضته"..


كان ظنها صحيح وجدته يُعبر بها الجسر الفاصل بين طريق القصر والجبل، نظرت إليه بعينيها لم ترى إلا عنقه من الخلف وهو يُسير بها يجذبها بحدة، تذكرت تهديده لها وتلك الكلمات التي خرجت منه في المرة السابقة أنها لم ترى ما يحوي الجبل بعد.. ما الذي كان يقصده وما الذي يريد أن يفعله بها!..


سار بها إلى أن وصل إلى مقصده ولم يكن غير "الجبل" ترك يدها ووقف ينظر إليها بعينيه الخضراء التي أصبحت مخيفة أكثر من السابق بكثير أسفل ضوء القمر..


بقيت تنظر إليه مباشرة داخل عينيه لا تدري كيف تحملت ذلك وكأنه هو الآخر أخذ نظرتها إليه تحدي فتابع واستمر ينظر إليها يُخيفها فأبتعدت بعينيها السوداء تنظر في الفراغ المحيط بهم والسكون الذي بعث بقلبها الرعب والفزع.. وتلك الصحراء المخيفة كمن يقف أمامها..


وجدته يبتسم بزاوية فمه يبتعد عنها خطوات بسيطة للغاية وقف أمام منطقة معينة هبط بجسده العلوي للأسفل ينحني إلى الأرضية.. تابعته باستغراب شديد فوجدته يزيح بعض الرمال بيده ليظهر غطاء خشبي صغير مثبت بالأرض الرملية رفعه بيده ثم وقف شامخًا.. وقفت هي مذهولة لم تكن تدري ما الذي عليها فعله الآن يبدو أن القادم أسوأ بكثير مما سبق.. تنفست بعمق والرهبة تكاد تقضي عليها..


تابعت نظراته الشامتة لها ورأته وهو ينظر إليها ثم وضع قدمه أسفل ذلك الغطاء يضغط بها على شيء ما لم تراه جيدًا ثم استمعت إلى صوت عالي يصدر من الجبل فنظرت إليه سريعًا لتراه وهو يُفتح!..


لم تكن أي كلمات أو معاني تعبر عما تشعر به في هذه اللحظة من الذهول والخوف والتردد الذي أصابها والندم الذي احتل كيانها بسبب عودتها إلى هنا ووقوفها بوجهه.. لما أردت أن ترى ذلك الجبل لما؟!


الآن فقط علمت أن حديث "يونس" كان صحيحًا مئة بالمئة وهي الوحيدة الغبية الفضولية عندما رأت العتمة تخرح من الداخل وجانب كبير منه أبتعد عن الآخر ليفتح مرر إليه..


ابتسم باتساع وهو يتابع نظراتها وتعابير وجهها المزعورة فتقدم منها يقبض على يدها قائلًا بكبر:


-ولسه مشوفتيش حاجه


دفع الغطاء الخشبي بقدمه ليعود كما كان وجذبها من يدها بعنف وقوة وسار إلى الداخل في الظلام الدامس وهي بيده تسير خلف لا ترى أي شيء وفجأة اشتعلت الأضواء لا تدري كيف.. هناك ضوء في الداخل كأي بيت عادي رأته وهو يضغط بيده على زر في الحائط أعاد إغلاق الجبل مرة أخرى مع استمرار ذلك الصوت العالي المزعج..


نظرت إليه فابتسم بشر إليها ثم تابع في جذبها من يدها إلى الداخل تسير وهي ترى حوائط الجبل من الداخل ذات اللون الأصفر الرملي معلق عليها في كل جانب وكل أنش سلاح مختلف الشكل والهيئة عن سابقه..


لم تكن تركز في أي شيء ولا حتى الطريق الذي يُسير به معها بل كانت تنظر إلى الأسلحة المتواجدة بكل مكان.. بينما وهي تعبر معه من المرر إلى الآخر الأكثر اتساعًا استدارت بوجهها تنظر إلى الأمام بعد أن رأت عينيها القدر الكافي من الأسلحة ولكنها فزعت وصرخت عاليًا تلتصق به متمسكة بذراعه وهذا بعد أن رأت رأس ذئب معلقة أمامها في بداية الممر الأخر ولم تكن تراه..


تحدث بخشونة قائلّا وهو ينظر إليها:


-قلبك خفيف للدرجة دي.. اتقلي


حاولت أن تتنفس بهدوء وانتظام بسبب تلك الفزعة وابتعدت عنه تاركة يده تنظر إليه باستغراب جلي وإلى الآن لم تعلم ما الذي سيحدث..


دلف بها إلى الداخل ووقف في ساحة كبيرة وكأنها منتصف الجبل لم تختلف كثيرًا عن الخارج كانت مليئة بالأسلحة والصناديق الخشبية الموضوعة في كل مكان وهناك أبواب حديدية على بعد مسافات منتظمة..


دارت بعينيها في كل إتجاة ثم عادت إليه بهما فنظر هو إليها ثم سار يخطو خطواته ببطء شديد جوارها يُسير حولها صانعًا دائرة يمشي عليها بانتظام..


أردف بكلمات بسيطة ببطء وهدوء ولكن الكلمات هذه لا تحتوي إلا على القسوة:


-أنتي عارفة أنتي عملتي ايه؟


لم يجد منها رد فأعاد السؤال مرة أخرى بخشونة أكثر:


-عارفة ولا مش عارفة 


لم تكن تعلم ما الذي ينتظرها بعد فتحدثت بقوة وعنفوان تدفعه إليه بلا مبالاة:


-عارفة كويس أوي وأنا قولتلك قبل كده مش خايفة منك ولا من عشرة زيك وهامشي يعني هامشي


تقدم منها ناظرًا إليها بهدوء وعينيه مثبتة عليها ثم دون أي إنذار منه قبض على خصلات شعرها صارخًا:


-لأ مش عارفة أنتي عملتي ايه.. الحريقة اللي عملتيها دي لو كانت زادت ولا محدش شافها كانت كلت الجزيرة كلها المخزن اللي ورا القصر مليان متفجرات يا غبية


استمرت في النظر إليه بعينيها المتسعة بعد صدمتها فيما قاله، وجهها قريب من وجهه للغاية حيث أنه يتمسك بخصلات شعرها يجذبها نحوه:


-الله وكيل لو حصل حاجه مكان هيكفيني اقتلك وارميكي للديابة 


ضغط على شفتيه السفلية بعصبية وغضب شديد يسألها بعنف وشراسة:


-أنتي عايزة ايه بالظبط مش قولتلك هتجوزك غصب عنك.. قولت ولا مقولتش 


صرخت بوجهه بشراسة أكثر منه وكرهها له وبغضها على هذه الحياة هو من يقودها:


-أنا مش هتجوزك لو هتقتلني 


أشتدت قبضتة على خصلاتها وهو يصرخ بوجهها:


-أنا مش هقتلك أنتي هخليكي تتمني الموت ومش هتطوليه سامعة 


رفعت يدها الاثنين تدفعه بهم ليبتعد عنها بعد أن ألمها رأسها بسبب قبضته القوية عليها:


-أبعد عني 


أشتد أكثر وأكثر وهو يحركها من رأسها قائلّا بتأكيد وثقة قاسية:


-هو أنتي لسه شوفتي حاجه.. خروجك من الجزيرة دي مش هيحصل 


نفت حديثه وما يقوله معترضة على بقائها معه قائلة بجدية وصوت عالي:


-لأ هيحصل غصب عنك يا جبل أنت عايز مني ايه قولتلك مش هبلغ مش هعمل حاجه هنسى خالص إني جيت هنا 


تابعها بنظرات وقحة يبعثر نظرات عينيه على جسدها:


-أنا بقى عايزك.. أرملة أخويا وأنا أولى بيكي وببنته 


بصقت بوجهه بشراسة وغل بعد أن رأت نظرته الطامعة بها وحقارة عيناه في النظر إليها:


-أنت قذر 


طمس بيده على وجهه يغمض عينيه ومازال مُمسكًا بخصلاتها فأبعد يده عن وجهه ورفعها عليها صافعًا وجنتها بقوة هائلة وعنف ضاري ثم أجاب بسخرية:


-ما أنا عارف 


دفعها للأمام من خصلات شعرها المُمسك به متوجهًا نحو إحدى الأبواب الحديدية وقام بوضع يده على الزر في الحائط ليُفتح فوقف أمام الباب ودفع رأسها للداخل..


تحدث بقسوة وشراسة وهو يضغط على خصلاتها:


-هنا مخزن للسلاح وفي واحد كمان زيه 


جذب رأسها وعاد بجسدها إلى الخلف ثم سار دافعًا إياها إلى باب آخر بعد أن فتحه بنفس الطريقة أدخل رأسها مرة أخرى يكمل بقوة وعنف:


-هنا متفجرات 


مرة أخرى يجذبها ويعيد ما يفعله ولكن هذه المرة اختلفت حيث دفعها إلى غرفة بها أشخاص وهو يقول بغلظة وتكبر غير مبالي بأي شيء:


-هنا اللي عصوا أوامري ومافيش بشر يعرف يوصلهم


مرة أخرى وأخرى وهي ترى أشياء لم تتخيل أن تراها في حياتها مذهولة وتشعر بالزعر والرعب الشديد قلبها ينتفض داخل أضلعة عقلها يصرخ بالهرب وجميع حواسها تبكي قهرًا على حالها وتندب حظها العثر الذي أوقعها مع ذلك الذئب البشري والذي عرفته على حقيقته الآن فقط وكل ما سبق ما كان إلا لهو معه وما هو قادم سيكون أصعب من المستحيل..


وقف عند آخر غرفة تراها عينيها فتحها ثم لم يدفع بها رأسها بل دفع جسدها بالكامل في الداخل بقوة وعنف لتقع على الأرضية في الظلام المعتم لا ترى شيء إلا عندما دلف هو الآخر وأشعل الضوء..


وقف أمامها شامخًا تنعكس صورته عليها وكأنه وحش كاسر، حيوان بري شرس لا تستطيع وصفه، وضع يده بجيب بنطاله وقال بهدوء وبرود:


-هنا بقى مكان للتعذيب.. المكان ده مخصص للي زيك تقدري تاخدي فكرة 


أشار إليها بعينيه كي تنظر حولها، وقفت على قدميها ومازال لسانها ملجم لا تستطيع الحديث، سارت بعينيها ببطء شديد وريبة لا مثيل لها، تعبر من أصفاد إلى سلاسل إلى أدوات تعـ ـذيب لم تراها من قبل، تعبر إلى مقعد ليس به إلا مسامير في كل إتجاه، جحظت عينيها وهي ترى الأداة المسماة بكمثرى الألم وذلك كاسر الأصابع وكسارة الأعناق وغير ذلك من أدوات بشعة المظهر..


استمرت في الاستدارة تنظر من هنا إلى هناك حتى عادت بعينيها مرة أخرى إليه، وقفت قليلًا تنظر إليه بعمق تتذكر غرفة الأسلحة وغيرها من المتفجرات والأشخاص المتواجدين في الداخل وهذه الغرفة.. من هو! يستطيع أن يفعل كل ذلك دون أن يهاب أحد 


الشرطة لا تعلم بكل ما يفعله؟ لا تعلم أنه مهرب أسلحة لا تعلم أنه مجرد قـ ـاتل عليه أن يكون بالسجون لا تدري أنه حاكم ظالم.. لا تدري بوجود تلك الجزيرة الغريبة كليًا..


وجدته يقترب منها بهدوء ومازالت يده في جيوب بنطاله وقف أمامها مباشرة نظر إلى داخل عينيها وارعبتها تلك النظرة وقد علمت حجم الخطر الذي وقعت به.. ما كان في السابق ماهو إلا غنج..


أردف بصرامة قائلًا:


-اللي شوفتيه ده نقطة في بحر جبل العامري 


نظر إليها بشماتة أتى بها من الأعلى إلى الأسفل ينظر إليها بكل غرور وعنجهية وما دفن داخل نظرته كان خبث وقذارة:


-لسه عايزة تمشي من الجزيرة؟


حاولت أن تستجمع شتات نفسها، زفرت بقوة وبدأت في التنفس بانتظام محاولة منع التوتر والتردد من حديثها ثم تفوهت بتعلثم:


-جبل لو سمحت أرجوك.. سيبني أمشي أنا بجد دي مش عيشتي ولا ده مكاني.. أنا وأنت مستحيل ننفع مع بعض أنا متنازلة عن كل حاجه واعتبرني مجتش


أجابها بنفس النبرة الواثقة القوية:


-بس أنتي دخلتي مزاجي بقى يا غزال.. وأنا بحب اللي زيك وترويضك عندي


اعترضت على كلماته وصاحت بعنف:


-أنا مش بتروض.. أنا حرة 


يعلم أن حديثها السابق ما هو إلا استعطاف لأجل أن يتركها فقال بقوة وجدية شديدة:


-كنتي حرة ولا فاكرة إن بكلمتين ناعمين يبقى خلاص لا الجو ده ينفع مع يونس مش جبل العامري


صرخت بوجهه عاليًا وهي تبتعد عنه: 


-يعني عايز ايه 


أغمض عينيه الخضراء جزئيا بنظرتها المخيفة يسخر منها:


-كنا اتفقنا جوازنا امتى؟ آه الخميس الجاي 


صرخت به مرة أخرى وهي تقترب منه تشير بيدها بكل الشراسة القابعة داخلها وضرواة عنفها يخرجان عليه:


-مش موافقة سامع مش موافقة وهعمل المستحيل علشان أمشي من الجزيرة الملعونة دي


أومأ إليها برأسه مع تحركات شفتيه بكلمة واحدة بمنتهى السهولة:


-ماشي..


أخرج هاتفه من جيب بنطاله لحظات يضغط على بعض الأيقونات به ثم رفعه على أذنه يهتف بجدية:


-عاصم.. هات الآنسة إسراء


وقف لحظات ثم نظر إليها ساخرًا يكمل بمكر:


-آنسة ايه بقى هات المدام إسراء واتنين من الرجالة وتعالى 


أقتربت منه سريعًا بعد أن أصابها الذعر تصرخ بعنف تدلي بكلماتها الموافقة لما قاله:


-خلاص.. خلاص موافقة 


نظر إليها شامتًا مُبتسمًا باتساع وهتف إلى "عاصم" على الطرف الآخر:


-خلاص يا عاصم أجلت الموضوع


أمسك بذراعها يجذبها منه لتتقدم إليه وصدح صوته قائلًا:


-عايزك تفهمي إني أقدر أعمل اللي عايزة في أي وقت.. الله وكيل ادفنك هنا ولا حد هيسأل فيكي فاهمه؟


لم تجب عليه فأراد أن يستمع إلى صوتها:


-ردي


أجابته وهي تنظر إليه ذليلة تبتعد بعينيها عنه:


-فاهمه 


ضغط على يدها وأكمل حديثه بتهديد صريح وبين يتابع نظرات عينيها المنكسرة:


-اللي جاي ده بتاعي.. أوامري وكلامي هو بس اللي بيمشي أي حركة كده ولا كده أنتي عارفه أنا هعمل ايه 


رفعت عينيها إليه تنظر إلى معالم وجهه التي تشعر أن عليها غضب من الله تنظر إلى جمال عينيه الخضراء ولكنه فقدها بسبب تلك النظرة البغيضة، تفوهت بإسمه:


-جبل


نظر إليها بعناية ينتظر أن تتحدث فتابعت بقوة ومقت له وشراستها لم تقتل داخلها رغم أنه يرى انكسارها:


-أنت أقذر واحد شوفته في حياتي 


صفعها بقوة وقسوة ضارية ليلتف وجهها للناحية الأخرى بسبب قوة صفعته إليها واستمعت إليه يقول بغلظة:


-أنتي لسه مشوفتيش القذارة بتاعتي بس اوعدك في أقرب فرصة يا غزال


وضعت يدها على وجنتها تنظر إليه بغل وبغض لا نهاية أو مثيل له فابتسم باتساع وهو يجذبها من يدها مرة أخرى قائلًا:


-هرجعك القصر ومش هوصيكي يا غزال.. اجهزي كويس 


تضاربت أمواج حياتها وثار بركان حزنها فاختفت السحاب من سمائها ليحل محلها الظلام الدامس الذي كوى نيران قلبها فما كان منها إلا أن ترضخ لمعذبها ومن سحب منها روحها لتقع سجينة له ولكل ما يهوى..


كلما مرت على إحدى نجوم السماء تسألها بعينيها متى الخلاص من سجنه وعذابه ترى السماء دامسة الظلام كحياتها لا يُنيرها إلا بعض النجوم تتمثل في  الذكريات الراحلة..


دقت باب عقلها تحاول أن تأخذ منه فكرة أخرى للهرب ولكنه هابه وانطوى خوفًا من طيشه الشرس وأفعاله المشينة.. لم يبقى سوى قلبها تطالبه بأن يدلها فما كان منه إلا أنه رضخ كما عقلها يبتعد أميال عن ذئب بشري عذبها فقط بنظراته المخيفة..


كان قلبها وعقلها وكل حواسها منذ لحظات فقط يرفرفون من كثرة السعادة بعد الاقتراب من الخروج من تلك الجزيرة الملعونة الآن كل منهما تفرق خوفًا من بطش جبل العامري فوقعت سجينة له وبقيت داخل قبضته ليمسك بها من ذلك المعصم المتألم فترضح لشهواته وكل ما يهوى..


❈-❈-❈


بقيت يوم كامل تحاول أن تفكر في كيفية الخلاص من ذلك المجرم القـ ـاتل، عينيها أتت بالقصر وبكل زاوية به تحاول أن تحدد مكان تستطيع الهرب منه.. تفكر بطريقة أخرى للخروج من الجزيرة ولكن كل محاولتها باتت فاشلة ولم تستطع أن تحصل على الطريقة المناسبة..


غدًا اليوم الموعود، اليوم الذي حدده ليعقد قرآنه عليها وهي تبغضه وتبغض كل ما يأتي منه.. كيف تتخلص من هذا العذاب وهو يضغط عليها بشقيقتها، لا تستطيع أن تخاطر بها إنه شخص لا يعرف للرحمة طريق ولم تدق بابه أبدًا رأت ذلك بعينيها أمس وهي ترى الأشخاص المكبلين في الغرفة لا حول لهم ولا قوة ورأت ذلك من قبل خلف الجبل وهو يقـ ـتل بدم بارد ولم يرف له جفن 


يستطيع أن يفعل ما هددها به فلن يكون أمامها سوى ما أراد.. لن يكون أمامها أي اختيار سوى أن تكون سجينته بإرادتها وأن تكون امرأة قابلة للترويض على يده بعد أن تصبح زوجته..


الأمر ثقيل للغاية عليها أن تُكتب على إسم رجل آخر غير زوجها الراحل "يونس" الرفيق والسند الذي كان في حياتها فهو لأمر أصعب من المستحيل..


ولكن ان تضحي بحياتها أهون بكثير من أن تضحي بشقيقتها وابنتها.. هي تعلم كيف تكون صلبة وقوية وكيف تكون امرأة لا تنحدر للرياح..


دلفت من شرفة الغرفة إلى "إسراء" و "وعد" ابنتها جلست على الفراش أمامهم تنهدت بهدوء تنظر إليهم بتردد..


ثم ابتلعت ما وقف بجوفها وقالت بجدية:


-في حاجه لازم تعرفوها 


انتبهت إليها "إسراء" وأقتربت منها تجلس أمامها بهدوء:


-ايه يا زينة 


تنفست الأخرى بعمق وأخرجت ما كان بصدرها ثم ألقت قنبلتها فجأة دون سابق إنذار:


-أنا هتجوز جبل 


اخترقت الكلمات هذه أذن الطفلة الصغيرة فنظرت إلى والدتها بينما وقفت "إسراء" على قدميها مرة أخرى تنظر إليها باستغراب كلي ودهشة صارخة:


-ايه؟ تتجوزي جبل؟ البني آدم اللي مش معروف هو حيوان ولا إنسان ده 


حركت كتفيها ونظرت بهدوء محاولة التماسك أمامهم:


-مافيش حل تاني غير ده 


تابعت النظر إليها باستفهام وتسألت بحدة غير معتادة عليها:


-حل تاني لإيه أصلا أنا مبقتش فاهمه تصرفاتك أنتي حتى مقولتيش اخدك فين امبارح 


بمنتهى البساطة أجابتها قائلة بهدوء وجدية:


-اخدني نتمشى وعرض عليا الجواز وأنا وافقت


أشارت إليها بيدها إلى حوائط القصر وهي تتحرك أمامها بعنفوان لا تصدق أن شقيقتها ستفعل ذلك بنفسها:


-وافقتي إزاي.. أنتي مستعدة تقعدي هنا في المكان ده، ده إحنا يعتبر محبوسين أصلًا أخرنا سور القصر


تنهدت "زينة" بعمق وأكملت تهتف بحزن كي تجعل شقيقتها تصدق ما تقوله:


-ده الحل الوحيد علشان أخد حقي أنا ووعد.. بصراحة أنا فكرت في الموضوع هتصرف إزاي لو رجعت دبي من غير فلوس 


أشارت إليها بكف يدها قائلة بتسرع وقوة تكمل باشمئزاز واضح:


-نشحت أنا مستعدة نشحت ولا أننا نفضل هنا أنتي مش شايفة طريقتهم ولبسهم ولا شايفة أخته دي عامله إزاي ومامته بتبص لينا إزاي غير الطريقة المريبة اللي عايشين بيها والسلاح اللي في كل مكان


حاولت أن تستمر في الكذب الذي تقوله تقنعها بحديث هي من الأساس ليست مقتنعة به:


-أنا هتجوزه علشان أضمن حقنا لأننا مش هناخده غير بالطريقة دي هو قالها صريحة.. هما محتاجين بس وعد تقعد معاهم شوية 


وجدت الأخرى تنظر إليها لا تصدق ما تقوله عينيها الزرقاء تتسع عليها تتابع ملامحها وحركاتها العفوية فضبطت حركاتها وتابعت بهدوء:


-وبعدين أنا فكرت في الموضوع وعرفت احسبها خلاص أنا قررت 


وقفت "إسراء" مستقيمة وسألتها تنظر إليها بتعمق:


-أنتي متأكدة من اللي بتعمليه ده


أومأت الأخرى إليها وأجابتها بثقة وتأكيد كاذب:


-آه طبعًا متأكدة 


أقتربت منها وجلست أمامها مرة أخرى تضع كف يدها على يد شقيقتها وتحدثت بلين وهدوء تحسها على أن قرارها خطأ:


-زينة أنا قلقانة وخايفة.. أنتي مش شايفة حتى هو نفسه نظراته عامله إزاي


بدلت الأدوار ووضعت هي يدها عليها تربت بهدوء وحنو قائلة بصوت خافت خارت كل قواه:


-إسراء أنتي خايفة من ايه وأنا معاكي.. متخافيش 


نظرت إلى ابنتها "وعد" التي لم تتحدث منذ أن تفوهت بذلك القرار الغبي الذي تود أن تموت ولا تفعله فسألتها بهدوء مبتسمة:


-مالك يا وعد 


نظرت إليها الطفلة ببراءة وقالت بصوتها الرقيق تتسائل:


-أنتي هتتجوزي عمو جبل بجد 


أومأت إليها والدتها وهي تشعر بغصة داخل قلبها تتعمق أكثر كلما ذكرت أنها ستتزوج منه عنوة عنها فأكملت الصغيرة بحزن:


-طب وبابا 


أقتربت منها والدتها أخذتها تضمها بضراوة تشعر أنها تود لو تجعلها تدلف إلى داخل قلبها كي ترحمها من بطش عمها القـ ـاتل.. أجابته بهدوء وعقلانية:


-بابا الله يرحمه يا وعد واللي بيحصل ده يا حبيبتي مش حرام ولا عيب 


وقفت "إسراء" مرة أخرى تقول باعتراض:


-افتكري إني قولتلك لأ 


ابتعدت "زينة" عن الطفلة وأجابت شقيقتها بحدة وعنف فقد خارت قواها وذهبت كل تبريرات هذا القرار الفاشل:


-حتى لو.. فين جوازات السفر؟ فين الفلوس ولا حتى موبايلتنا كل حاجه معاه لو خرجنا من هنا هنتشرد 


أجابتها بقوة وثقة:


-أحسن من جوازك منه 


نظرت إلى البعيد بعينيها وهي تعلم أن حديث شقيقتها صحيح مئة بالمئة.. شقيقتها تقول كل هذا دون أن تعلم أي شيء عنه ماذا أن علمت بما يفعله!..


❈-❈-❈


"اليوم التالي مساءً"


تم عقد القرآن وهي مغيبة عن الواقع تمامًا، كانت في ذلك الوقت تجلس تنظر في الفراغ تفكر في حياتها القادمة معه وما ستواجهه وكيف ستكمل في هذا المكان ومع هؤلاء البشر...


أجابت على المأذون بعد أن ربتت والدته على قدميها وهي مغيبة تمامًا عن جلستهما قالت موافقة فقط بعد أن نظرت إلى شقيقتها وابنتها حيث أنها كانت تود التراجع في آخر لحظة فحثها على النظر إليهم وقد وقعت أسفله..


تنهدت وهو يقول بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير.. سخرت من حديثه قائلة أي خير هنا؟ ومع قـ ـاتل؟


بينما هو ذلك الرزين العاقل كان يشعر بالسعادة لأنه جعلها تأتي أسفل يده وترضخ لما أراد رغمًا عن أنفها..


أظهر إليها قوته وجبروته فعادت إلى الخلف تتقهقر مطالبة بالرحمة والغفران وهو لا يعرف طريق للرحمة..


يتشوق لجعلها ترى تلك القذارة تخرج منه على حقها فهي عندما نعتته بذلك الاسم لم يكن قد فعل به شيء ولكنه الآن سيكون على حق..


ينظر إليها وإلى انكسارها بتشفي وسعادة والإبتسامة ترتسم على زاوية شفتيه وهي تبتعد بعينيها عنه..


شقيقتها تنظر إليها وترى الخوف والكسرة بعينيها لا تفهم لما فعلت بنفسها ذلك فقط حتى تأخذ مالها منه أو لأنه من الأساس حكم بالسجن المؤبد عليهم داخل الجزيرة لذلك حاولة الهرب؟


ابتعدت بطرف عينيها إلى عاصم الشاهد على هذه الزيجة فوجدته ينظر إليها بكل قوته تخترق نظراته جسدها وعينيها فأبتعدت عنه تنظر إلى البعيد بتوتر لا تفهم ما دخله الأن بما يحدث..


بينما فرح التي لعنت ما حدث بين شقيقها وزوجة الآخر الراحل، تلعن الساعة التي دلفت بها إلى منزلهم، تنظر إليها بمقت وكراهية فلم تكن تريد لهم أن يكونوا معهم هنا في القصر وخصوصًا تلك الفتاة ذات العينين الزرقاء التي تتصنع الدلال والرقة فهي تراها حية كبيرة تلتف حول العنق.. تراها وهي تود أن تخطف "عاصم" منها وتتابع نظراتها إليه ونظراته إليها.. أنها فتاة قذرة تود لو تخنقها بيدها الاثنين حتى تزهق روحها وترحل إلى الأبد أو تعفو عنها وتبتعد عن الجزيرة وكأنها لم تكن.. 


كانت السيدة "وجيدة" أسعد من في تلك الجلسة، لقد نالت ما أرادته وخططت إليه وأخذت ابنة ولدها وفلذة كبدها إلى أحضانها للأبد حتى وإن كانت والدتها تجلس رغمًا عنها ولكنها تثق في قدرات "جبل" ابنها وتعلم أنه إن أرادها سيجعلها تجلس هنا بينهم بكل إرادتها ومحبة منها..


بينما الخدم والحرس وكثير من الفضوليين لم يعلموا ما السر وراء هذه الزيجة وكيف تمت بهذه السرعة...


وقف خلفها حيث أنها كانت تقف أمام فراشه بعد أن صعدت معه إلى الغرفة وضع يده على كتفها من الخلف يحركها ببطء وتروي على طول كتفها..


ثم تحدث قائلًا بقوة وعنف يخرجان من بين كلماته:


-أهلًا بيكي في سجن جبل العامري 


جعلها تستدير وتنظر إليه، وضع عيناه الخضراء أمام عينيها السوداء مباشرة ثم تسائل بقسوة ساخرة:


-فاكرة لما قولتي إني أقذر واحد شوفتيه في حياتك.. وقتها قولتلك إنك لسه مشوفتيش قذارتي بس في أقرب فرصة هخليكي تشوفيها 


نظرت إليه باستفاهم وتابعت حديثه غير قادرة على استيعابه أو فهم مقصده..


فلم يعطي إليها الفرصة حيث دفعها على الفراش في الخلف على ظهرها وتقدم منها قائلًا بعنف وشراسة:


-جه الوقت تشوفي قذارتي 


نظرت إليه بخوف ورهبة كبيرة ولكنها حاولت التغلب عليها وتظهر إليه تلك المرأة القوية.. لكنه لم يعطي إليها الفرصة لفعل ذلك بل تمثل إليها في صورة الذئب البشري حقًا الذي شبهته به من قبل لكن الآن لقد تعاملت معه وشعرت به وبكل ندبة تركها عنوة على جسدها.. تمثل في هيئة حيوان مفترس اغتال ما بقيٰ من شقيقه واستحله بالقوة والعنف فقط ليشبع غرائزه الحيوانية وليرها أنه "جبل العامري" المتحكم الوحيد في كل شيء على هذه الجزيرة.. حتى هي وإن كانت صعبة الترويض..


❈-❈-❈


"يُتبع"


الفصل الثامن

آن القلب بألم وكسرة بعد أن أُرغم على الموافقة بالزواج من ذئب، صرخ بعنفوان وشراسة مكبوتة يحاول الرفض..


دب خنجر في قلبها في المرة الأولى عندما كسرها وكسر كبريائها جاعلها ترضخ لطلباته بعد تهديداته وأفعاله القذرة، ثم سلب روحها وهو يغتال جسدها قسرًا وقهرًا..


سماء الليل السوداء ونسمات الهواء الباردة شهدت على كل دمعة خرجت قهرًا من عينيها السوداء بعد أن استجمعت شتات نفسها..


شعور بالكراهية والغل يملأ قلبها النقي تجاهه، فما فعله بها لم تتعرض له طوال حياتها، كان زوجها الراحل رجل حنون قادر على اسعادها ولم يقم بفعل شيء كهذا من قبل.. كانت الرقة والهدوء عنوان لكل لسماته..


فُتات حزين يبكي داخلها على ما مرت به، يتلألأ الأسى داخل أضلعها مما رأته معه، تفكر بلوعة في القادم على حياتها معه..


لقد فعل أبشع شيء بها على الإطلاق في أولى لحظاتهم سويًا فقط ليثبت لها أنه يستطيع فعل كل شيء وأي شيء وقد نمى الحقد والغل داخلها أكثر وأكثر واشتدت ضراوة مقتها له وبقيٰ عقلها الخائن الذي تخلى عنها سابقًا يأتي إليها بوفرة من الأفكار للتخلص منه..


انسابت دمعاتها على وجنتيها بغزارة دون صوت وبصمت تام وهي تنظر أمامها ترى خارج أسوار القصر من شرفة غرفته وكم بدا المظهر مغري لهربها منه حتى وهي زوجته ولكن كيف السبيل؟


دلفت إلى الغرفة وأغلقت الشرفة خلفها، انقضت معظم ساعات الليل وهي تجلس بالخارج تبتعد عن نظراته ورائحته الكريهة، كانت تود لو تخرج من غرفته نهائيًا ولكنها خافت من أن تراها شقيقتها وتبدأ أسألتها الذي لا توجد لها إجابة عندها فبقيت في الداخل تحاول تفادي التعامل معه حتى ولو بالنظرات 


فهي لا تطيق حتى التفكير به فقد تغلب على كل فكرة أخذتها عنه وأظهر لها مدى بشاعته وإجرامه وتوصل إلى مرحلة لا تستطيع أن تتخيله بها..


وقفت أمام الفراش الخاص به تنظر إليه وهو نائم يغمض عينيه يرتاح على ظهره ويده الاثنين الأسفل رأسه على الوسادة..


تابعته بنظرات عينيها الشريرة وودت لو مدت يدها الاثنين على عنقه وقامت بخنقه إلى أن تزهق روحه ولكنه سيكون أقوى منها ويستيقظ ينقذ نفسه من بين يديها..


تحولت نظرات عينيها للكره الشديد والبغض الذي لو تركته سيغرق حياته بالكامل..


استدارت تنظر إلى الطاولة الموضوع عليها طبق كبير يحمل أصناف مختلفة من ثمار الفاكهة وسكين حاد كبير يتناسب مع أسلحة هذه العائلة..


حركت عينيها أكثر من مرة إلى "جبل" النائم والسكين الموضوع على الطاولة، عينيها كانت ملئية بالشر وقلبها يدق بعنف يكاد يخرج من أضلعة لهفةً غريبة لما هي مقدمة عليه بينما عقلها كان يحسها على الإمساك بالسكين ودبها في منتصف قلبه أو تقطع بها نحره أو في منتصف بطنه..


ذكرياته السيئة جميعها منذ أن أتت إلى الجزيرة مرت على عقلها بداية من وقفته أمامها تهديده لها، ضرباته الموجعة ارهابها وذلك التوجس الذي جعلها تشعر به خوفًا على شقيقتها وابنتها.. الإقتراب منها قسرًا بمنتهى العنف والهمجية فقط ليثبت أنه كل شيء وما يريده يحدث وليأخذ ما أراده منذ أن وقعت عينيه عليها.. 


لقد شعرت بنظراته الخبيثة في ذلك اليوم الذي أتت به الشرطة إلى الجزيرة، لقد رأت نظرته القذرة إليها ورغبته الشديدة التي ظهرت بعينيه، رأت شهوته تحركه تجاهها..


أقتربت من الطاولة ببطء وقد إتخذت القرار في لحظات مرت سريعًا وعلمت ما الذي عليها فعله، انخفضت بجسدها لتأخذ السكين من على الطاولة وقد كان، تمسكت بها في يدها تنظر إليها بتشفي وفرحة لأنها ستنال منه حتى وإن كانت ترمي نفسها في التهلكة..


أقتربت منه بهدوء وعينيها لا تتحرك من على وجهه، صعدت على الفراش والسكين بيدها جلست وقدميها أسفلها أمامه تنظر إليه بحدة وكره قد ظهر على كافة ملامحها..


أمسكت السكين بيدها الأخرى ثم رفعتها عاليًا ونظراتها صوب عينيه وانخفضت بيدها والسكين بها على بطنه مباشرة ولكنها وجدت نفسها في لمح البصر تنام على ظهرها عكس امتداد الفراش وهو فوقها يمسك بيدها الاثنين المحاوطين للسكين بقوة..


لم تدري كيف أمسك بيدها وهي تهبط بها عليه وكيف دفعها للخلف تكون مُمددة وهو فوقها ينظر إليها هكذا! لقد كان نائم وهي رأت ذلك كيف شعر بها وبما ستفعله؟


ينظر إليها يُخيفها بعينيه الخضراء فابتلعت غصة حادة وقفت في جوفها وهي تنظر إليه ومازالت السكين بيدها وهو يتمسك بها..


تحدث بسخرية وتهكم:


-عايزة تقتليني


أجابته بحدة تأكد على حديثه بقهر وذل تعرضت له على يده عندما امتلكها عنوة:


-أيوة يا جبل هقتلك.. موتك هيبقى على أيدي 


سألها باستفهام ساخرًا من تفكيرها يعيد رشدها إليها بجعلها تتذكر ابنتها الصغيرة وشقيقتها التي لا تستطيع التصرف بشيء:


-طب مفكرتيش مين هيربي بنتك لما تعملي كده؟ أصل أختك العيله دي متعرفش تاخد بالها منها ولا حتى من نفسها


نظرت إليه بعينين متحيرة بالفعل فلم تفكر في أي أحد قط وهي تقدم على قتله فقط فكرت بالانتقام منه وجعله يشعر بكل وغزة دلفت قلبها بسببه..


تابع النظر إليها وفهم تعبيرات ملامحها فأكمل يتهكم عليها شامتًا بها:


-فـ قوليلي بقى لما تقتليني وأنا أموت وأنتي تدخلي السجن مين يربي بنتك؟ معقول بعد كل اللي عملتيه ده علشان تخرجوا من هنا وفي الآخر تتربى في الجزيرة لأ والله عيب 


نظرت إلى عينيه مباشرة دون خوف وتحدثت بعنفوان وشراسة تعلمه أنها ستكون المرأة التي هزت عرش الملك:


-عايزاك تعرف أني أنا هبقى الست اللي هزتك، أنا اللي هغير حاجات كتير وأنا اللي هعصى أوامرك ومش هتعرف تعملي حاجه 


ابتسم يكمل على حديثها بعجرفة ولا مبالاة:


-ياه بموت في التحدي ده.. من زمان أوي مافيش حد وقف قصادي اينعم مش مقامي بس أحب اللعب مع القطط الشرسة 


صاحت بوجهه بغل شديد وكراهية لا مثيل لها تعبر عنها بالكلمات ونظرات عينيها تحاكي أكثر من ذلك:


-أنا بكرهك... ومازلت أقذر واحد شوفته في حياتي


صدحت ضحكاته بصوت عالٍ في الغرفة وهو يستمع إلى حديثها فجعل غيظها يأكل قلبها وهو يُشير إلى الفراش برأسه مُبتسمًا يتحدث بشماتة:


-تحبي ناخد جولة كمان اثبتلك إني أقذر من كده 


حاولت التحرر من قبضة يده والابتعاد عنه فصاحت قائلة:


-أبعد عني 


سألها بسخرية وبرود:


-ايه مش عايزة تعرفي أنا قذر قد ايه الله!


صرخت بوجهه وهي تتحرك أسفله وتحاول جذب يدها منه بعنف:


-أبعد بقولك 


أبتعد للخلف وهو وهو يجذب منها السكين يأخذها:


-طب هاتي دي ومتلعبيش بيها بعد كده 


أبتعد عن الفراش ووضعها على الطاولة مع ثمار الفاكهة كما كانت فاستمع إلى صوتها وهي تهتف ببغض:


-قذر 


استدار ينظر إليها وملامح وجهه مكرمشة بسبب ضحكاته يقول بتشفي وبرود:


-عارف


استمرت ضحكاته وهو يبتعد عنها يدلف إلى المرحاض تاركًا إياها تأكل من عقلها أفكار كيف استيقظ ورأى ما نوت فعله ولكن لحسن حظه هو لم ينم من الأساس بل مَثل أنه خلد للنوم وظل يتابعها من أسفل جفونه المغلقة..


شعر بها تدلف إلى الغرفة ففتح عينيه ينظر إليها ورأها وهي تأخذ السكين وتتقدم ناحيته به.. لو لم يكن فعل ذلك لكان الآن مع الموتى..


ابتسم وهو أسفل صنبور المياة التي تتدفق على رأسه هبوطًا لجسده ويتذكر تلك اللحظات التي قضاها معها بالعنف والقوة..


لقد شعر باشياء عدة ماتت داخله منذ وقت كبير والآن أحيت من الموت مرة أخرى لتعود إلى حياته ولا يعرف أهي ستأتي بالنفع أو الضرر..


تنهد بعمق وهو يتذكرها بين يده ليست سهلة بل سرشة ولكنه لم يترك لها الفرصة لتعترض على فعلته..


كان عليها أن ترى أنه هنا "القادر" على فعل كل شيء..


الآن هناك من سيفرغ بها رغباته وينال منها ما حرم منه كثيرًا.. لقد كانت فكرة والدته صحيحه، على الأقل يكن لها شيء من النفع في هذا البيت.. 


تلك الشرسة صعبة الترويض..


❈-❈-❈


"بعد مرور أسبوعين"


في أحد شوارع الجزيرة المتوارية وقفت إمرأة تُدعى "فتحية" في الثلاثينات من عمرها خمرية البشرة ذات جسد ممتلئ قليلًا بيدها طفل صغير ومعها والدتها يقفون أمام منزل صغير يصرخون هم الاثنين بألفاظ بذيئة وبشعة..


وقع الحجاب من على رأسها ولم يكن محكم من الأساس وتركت الطفل من يدها تشير بيدها الاثنين بحركات شعبية غريبة تصرخ بعلو صوتها:


-تعالوا شوفوا يا ناس شوفوا يا أهل الجزيرة حماتي مش عايزة تفتحلي الباب 


الشارع بطوله يقف به نساء ورجال في شُرف منازلهم يتابعون فضيحة هذه السيدة ووالدتها فهي هكذا كل يوم والآخر تتشاجر مع حماتها وتسبها بأفظع الألفاظ..


صاحت والدتها بصوتٍ عالٍ هي الآخر تساعدها قائلة بشر وكراهية:


-افتحي يا وليه يا وسخـ* دا أنتي رجل بره ورجل جوه 


بينما الأخرى ارتفع صوتها وهي تشير إلى الطفل:


-الواد بيموت مني يا عالم مش عايزة تفتحلي أخد هدومه منك لله ربنا ينتقم منك 


أجابت والدتها تكمل ما بدأته بكلمات سوقية بذيئة:


-يا وليه يا بت الكلب يا خرفانه افتحي 


لم تجد أي واحدة منهم إجابة من داخل المنزل بل الباب محكم الإغلاق والجيران يتابعون هذا الشجار من شُرف منازلهم في الأعلى يعلمون أنها هي ووالدتها من شمال الجزيرة منطقة قذرة بكل من فيها ومن يسكنها أبشع البشر ليس بهم كبير أو صغير يحترم الآخر يتلفظون بكلمات سوقية بذيئة كهذه ولا يستطيع أحد أن يقف أمامهم سوى "جبل العامري"


يعلمون أيضًا أن السيدة "ليالي" حماتها امرأة طيبة القلب سريعة نسيان الخطأ الذي يُرتكب في حقها، مغلوبة على أمرها فولدها لم يقف في صفها يومًا أمام زوجته بل يكن ضدها وهي التي قامت بتربيته والإحسان إليه بعد وفاة والده وهي من قامت بجعله يتزوج حيث كانت تضع كل مدخراتها في سبيل زواجه وتأتي إليه من هنا وهناك بكل ما يريد ولكنه خذلها بوقوفه أمامها وجعل زوجته تطاول عليها كل يوم والآخر أمام جميع الجيران وليس هناك من يردعها عما تفعله..


كانت السيدة "ليالي" تجلس داخل المنزل تستمع إلى صراخ زوجة ابنها ووالدتها عليها يقومون بتشويه صورتها أمام الجميع في الخارج لم توافق على فتح الباب لها لتدلف إلى المنزل فهي رحلت منه بعد أن أعتطها وصلة سابقة من التوبيخ كهذه التي تحدث في الخارج..


وضعت كف يدها على وجنتها وهي تحاكي حزنها وألمها إلى نفسها، اشتعلت نيران قلبها بالحزن والشفقة على حالها والتهبت ملامحها بالأسى والحسرة فقد قامت بتربية رجال كل واحدًا منهم أطول وأكبر منها وهي من تعبت عليهم ليصبحوا في النهاية يقفون في صف زوجاتهن لا يستطيع أحد منهم العدل إلا واحدًا أكلت الغربة عمره في سبيل الحصول على حياة كريمة لأجله ولأجل أولاده وزوجته.. 


قد أحسن إليها هو وزوجته واحدًا فقط من ثلاث رجال هو من يحبها ويهتم بها ويخشى حزنها هو وزوجته بينما الآخرين كل منهم يركض خلف زوجته ابتغاء في رضاها ورضاء أهلها عنه بينما والدتهم حتى وإن ذهبت إلى الجحيم فلا بأس..


إنها السيدة "ليالي" مثال واحد فقط لكثير مثلها يعيشون نفس تلك القصة الحزينة، إنها صاحبة الأمراض المزمنة يحمل قلبها ألمًا لا مثيل له ولا يُحكى عنه وعقلها مازال يتسائل هل هم أولادها؟


تطالب بالرحمة والمغفرة من ربها، تطالب بأن يرحمها ويسلب منها روحها لتذهب إليه فاليوم لا ينفع مال ولا أبناء.. اليوم هم هكذا! ماذا سيفعلون عندما نواجه وجه رب كريم!..


هبطت زوجة ابنها الآخر من الأعلى على صوت الصراخ في الخارج دلفت إليها الغرفة وتسائلت باستغراب:


-في ايه يما ليالي افتحيلها الباب دي هتجرسنا 


أجابتها بقوة وحزم وهي تقف على قدميها:


-الله في سماه ما هي دخلاها لما تبقى تتأدب وتعرف تتكلم معايا كويس ابقى ادخلها 


استدارت تفتح نافذة الغرفة التي تجلس بها وتطلع على الشارع بالخارج وصاحت بقوة وصرامة قائلة:


-أنا مش فاتحة الباب يا فتحية ريحي نفسك


صرخت والدتها وهي تتمسك بشالها تحركه كأنها تبكي على ميت تقول بغل: 


-شوفوا يا عالم المرا الناقصة بتي مش عارفه تعيش منها 


ساعدتها ابنتها وهي تصرخ قبالتها بعنف وقوة تشوه صورة المرأة تقول أشياء لم تحدث:


-تسع سنين مش عارفه أعيش في الدار معاها طفشت مرات ابنها التاني بس على مين 


وضعت السيدة "ليالي" يدها على النافذة التي تطل منها وصاحت قائلة بجدية وثقة:


-أنا مطفشتش حد انتوا اللي قلالات الأدب متربتوش، لفي يابت واسألي الجيران وقولي مين هي ليالي 


أجابتها والدتها وهي ترفع عباءتها بطريقة مقززة:


-مرا ناقصة وشايبة ياختي هتكون مين


أردفت "فتحية" بشماته وتشفي وهي تنظر إليها بكره دفين:


-أفتحي يا مرا ياللي كلك مرض وعيا 


أجابتها بهدوء قائلة:


-المرض من عند الله عقبالك يارب 


ردت على حديثها بحرقة وتلهف:


-أنتي بتدعي عليا يا ناقصة.. روحي ربنا ياخدك ونرتاح من قرفك 


فما كان من السيدة المتألمة إلا أن تُعيب في ولدها الذي لا يستطيع السيطرة على زوجته:


-العيب مش عليكي العيب على النطع اللي متجوزك 


صرخت والدتها عليها:


-أفتحي الباب يا ولية 


لم تُجيب عليها وبقيت واقفة تنظر إليهم وهم يتبادلون الأدوار كل واحدة منهن تأخذ الدور مرة وهي تهتف عاليًا وتصرخ تسبها بألفاظ سوقية قذرة..


أخذت "فتحية" الأحجار من على الأرضية بالشارع وبدأت في رميها على الباب بقوة حجارة خلف الأخرى وأقتربت والدتها من الباب تدفعه بقدمها حتى قارب أن يُكسر 


صرخت والدتها بعنف وشراسة:


-أنا هوريكي يا ليالي أنا هجبلك نسوان الشمال يقطعوكي حتت 


سار شاب في الشارع يأتي من بدايته، تقدم إلى المنزل وأتى يقف أمام الباب وصاح قائلًا:


-افتحيلها يما تاخد اللي عايزاه وتمشي 


هذا ولدها الآخر الذي لا يستطيع السيطرة على زوجته أيضًا ويقف في وجه والدته لأجلها بعد أن رتبت له كل تجهيزات زواجه ودفعت به كل ما كانت تملكه وهو لم يخسر على هذا الزواج ربع ما خسرته..


صرخت به قائلة:


-الله في سماه منا فاتحه 


تدخلت إحدى السيدات التي أتت من الشارع الخلفي لهم على قرابة وصلة بالسيدة "ليالي" عندما رصدتها "فتحية" صاحت قائلة:


-شايفة.. شايفة الوليه قريبتك بتعمل ايه 


تقدمت السيدة من الشباك التي تقف به "ليالي" وقالت بهدوء: 


-افتحيلها يا خالتي ليالي بلاش فضايح كل يوم معلش افتحي 


-روحي يا صالحة.. روحي دارك دي قليلة الأدب شتماني ومبهدلاني قليلة الرباية.. روحي يا صالحة 


انسحبت بهدوء بعد أن صرخت بوجهها أنها تعلم أن هذه "فتحية" ليس لديها رقيب ولا أحد يحاسبها على خطأها


تفوه ولدها الذي يقف أمام زوجة أخيه قائلًا يحاول أن يتوصل لحل وسط:


-هاتي يا فتحية المفتاح وأنا اجبلك اللي أنتي عايزاه من فوق 


تشدقت وأصدرت صوت مزعج من فمها تشير بيدها إليه تقول بحدة وسخرية وهي تُهينه:


-أنت عايز تدخل شقتي يا حرامي الهون يلا يا حرامي 


لقد أهانته حقًا في منتصف الشارع والجيران تنظر إليه. لقد كان هذا ماضي ولا يعلمه أحد والآن هي جعلت الجميع يتسائل ما الذي سرقه منها..


أشار إلى نفسه قائلًا:


-أنا حرامي طب وريني هتدخلي إزاي


أجابته بتأكيد وثقة تسخر منه:


-حرامي وستين حرامي يا ابن الكلب


أشار بيده وهو يتقدم من باب المنزل ليدلف فقد جعلته لا يستطيع الرد عليها من الأساس:


-غوري من هنا يلا يا بت 


استمع إلى صوت والدتها وهي تقول بحرقة:


-تغور.. مافيش غيرك يتكلم يا حرامي والله لاخليك مرا زي أمك 


نظر إليها وابتسم بسخرية وتهكم يهتف:


-ودي هتعمليها إزاي


تشدقت هي الأخرى تفعل كما فعلت ابنتها تصيح بغضب:


-هي لسه هتتعمل ما أنت مرا يا ولا.. 


نظرت إلى الجيران في شرف منازلهم ثم صاحت بعلو صوتها:


-يلا يا شارع مفيهوش راجل 


وأخذت تسب الناس وشقيق زوج ابنتها، لا تخاف من أحد تعلم أن ليس هناك من يردعها عما تفعله فاستمرت في الصراخ وضرب الباب بالحجارة بعد أن دلف شقيق زوجها.. 


بقيت تهتف بألفاظ لا يوجد رجل يتفوه بها ووالدتها تقوم بمساعدتها على فعل ذلك تسب السيدة "ليالي" في الداخل بعد أن دلفت من النافذة وأغلقتها خلفها..


تركتهم في الخارج يفعلون ما يشاؤون وجلست على الأريكة تضع يدها على وجنتها تفكر بحالها..


سيدة بهذا العمر وبعد كل هذه السنوات التي مرت في شقاء وتعب تأتي فتاة بعمر بناتها وأصغر تفعل بها هكذا في منتصف الشارع وتجعل الجزيرة بأكملها تتحدث عما فعلته معها ويتناقلون الألفاظ والكلمات التي نعتتها بها..


سيدة من مليون سيدة تمر بهذه الظروف بعد التربية والتعب، بعد الشقاء عليهم ومواجهة حياة صعبة لأجلهم، بعد أن تجعل كل واحدًا منهم يصل إلى مرسى يبدأ منه أسرة سعيدة يقومون برميها بالحجارة وسبها أمام العالم..


هذه كانت مكافأة نهاية الخدمة لها!..


رفعت بصرها إلى سقف الغرفة التي تجلس بها وتمتمت بهدوء وخفوت تخرج الكلمات من شفتيها دون ملامح:


-حسبي الله ونعم الوكيل فيكم 


الإبن لا يعلم ما أثر دعوة كهذه تخرج من قلب أم مفتور على حياتها الضائعة بينهم، قلب يحترق بالنيران الملتهبة لأجل ذالك العطاء الوفير والمستمر الذي يخرج منها إليهم دون أي مقابل فقط لأنهم أبنهائها وهي والدتهم..


شعور بالضيق والحسرة أحتل كيانها وهي تجلس وحيدة تفقد أبنائها وكأنها لم تُنجبهم من الأساس..


أتى على خلدها ولدها الآخر الذي تغرب بعيدًا عنها وترك زوجته وأولاده معها فقد أحسن إليها فوجدت نفسها تتمتم بنفس الخفوت:


-ربنا يديك ويرضيك ويوقفلك ولاد الحلال يابني 


هذه الدعوة أيضًا لا تدري ما السر بها لتجعل السعادة تحل عليك من كل جانب، وتأتي بالرزق الوفير والمستمر إنها دعوة من قلب أم بات مجبورًا من ولدها ففُتحت له أبواب السماء تستقبل دعوتها بصدر رحب لتكون دعوة واجبة التنفيذ..


شتان بين هذا وذاك ولكن أنت الوحيد الذي يقرر ما الذي تريده من شفتاي والدتك دعوة تدوم العمر بأكمله بالحياة والرضا والصلاح أو دعوة تقضي على حياتك ومماتك أيضًا تقابل بها ربك وتكن سبب كافي غير كافة ذنوبك لتمنعك من رائحة الجنة..


❈-❈-❈


منذ أن أتت إلى هنا وهي تراه ذلك الحيوان الذي لا يرتضي أبدًا، يفعل ما يشاء وما يحلو له حتى ولو كان على حساب الجميع لا يهمه الأمر..


اغتال ما بها عنوة اعتقادًا أنه حقه ويحل له، هدد وقـ ـتل وفعل أشياء لم تراها بحياتها قط..


ولكن أيعقل أنه يجرح ويداوي؟ يقتل ويحيي؟ في الآونة الأخيرة تأقلمت بنسبة واحد بالمئة أنها أصبحت زوجته سجينة هذا القصر معه ومع عائلته بدأت ترى به أشياء لم تعتقد أنها به تكذب نفسها وتقول أن كل هذا خيال أو اعتقاد من رأسها الذي لا يكف عن التفكير..


رأته وهو رجل حكيم بين أهل الجزيرة يحكم بالعدل حقًا؟ أهو هذا الرجل العادل بينهم أم القاتل الذي يعرض حياتهم للخطر؟ يالا التناقض والسخرية حقًا لم تعد تعلم هو أي شخص بينهم..


رأته يقترب من طفلتها بحب وحنان لا يليق به ولكنه حاول، يتودد إليها بابتسامات وألعاب وطعام تحبه..


يحاول أن يكون الأقرب إليها وهي ترى ذلك.. تُرى ما الذي ينوي فعله هل يريد أن يجعل الطفلة تحبه هو وعائلته حتى إذا قتـ ـلها لا تكون تربيتها صعبة؟ أو يريد أن يأخذها منها..


في هذه الفترة الصغيرة جعلها بدلًا من أن تناديه "بعمي" أن تقول "بابا جبل" ما الذي يريد أن يتوصل إليه هذا الجبل الصلب..


تابعته بأعين لا تعلم أهو ذلك الحق أو الباطل، يأتي بذكراها وجهه الشرس وهو يقـ ـتل دون رحمة وتناقضه ذكرى أخرى وهو يحكم بالعدل والحكمة، أي شخص منهم هو الحقيقي هذا الجبل؟


يأخذ منها الهاتف منذ ذلك اليوم المشؤوم لا تستطيع أن تفعل أي شيء ويبدو أنها بدأت في التأقلم على الحياة هنا.. ولكن الحقيقة أنها حياة مريبة وتتسم بالغموض أثارت فضولها أكثر أن تبقى وتعلم الحقيقة خلف كل شيء يحدث ربما يحدث التغير على يدها كما قامت بتهديده..


استمعت إلى صرخة طفلتها الفرحة وهي ترمي بالكرة بعيدًا لتتخطى "جبل" الذي كان يلعب معها:


-كسبتك.. كسبتك يا بابا جبل 


وقف مُتذمرًا يشير إليها بحزم قائلًا:


-لأ لأ أنتي كده بتغشي أنتي خليتي عاصم يرفعك وحدفتيها 


عارضته وهي تقترب من "عاصم" تصيح قائلة بنبرة طفولية للغاية:


-لأ مش بغش أنا هخلي عاصم معايا في الفريق.. أنت طويل أوي وبتكسبني هو هيساعدني أكسبك 


نظر إليها واحبطها عندما قال بجدية شديدة:


-عاصم مش هيوافق 


أمسكت بيد "عاصم" ورفعت رأسها تنظر إليه نظرة طفولية بريئة تتودد إليه بها كالقطة وهتفت بصوتٍ رقيق:


-لأ هيوافق إحنا صحاب.. مش كده؟


حملها "عاصم" فجأة بين يده يرفعها للأعلى قائلًا بصوت عالي:


-آه طبعًا صحاب وهرفعك علشان تكسبيه 


ابتسمت الصغيرة تنظر إلى الآخر بسعادة قائلة:


-أهو يا بابا جبل 


أمسك "جبل" بالكرة وأقترب قائلًا بابتسامة:


-ماشي بس من غير غش 


أومأت إليه برأسها:


-ماشي 


ألقى الكرة مرة والأخرى وهي لا تستطيع أن تتابع رميته لها فصاحت بعصبية غاضبة منه:


-ايه ده أنت اللي بتغش كده 


رآها "جبل" وأبصر نظرتها له مع صوتها الذي حاولت جعله غاضبًا فلم يتمالك نفسه هو و "عاصم" يسألها بمرح:


-أنا عملت ايه بس 


قالت بتذمر وضيق:


-بترفع نفسك أوي وترمي الكرة 


أجابها مُبتسمًا:


-كل واحد وشطارته أنتي مش عارفه تصدي 


اعترضت قائلة بانزعاج وهي تطلب من "عاصم" أن يتركها:


-لأ ده غش مش هلعب.. نزلني يا عاصم 


تركها تهبط إلى الأرضية فأبتعدت عنهم ذهب "جبل" خلفها يناديها:


-استني بس غش ايه تعالي


لم تُجيبه فأمسك بيدها وهبط إلى الأرضية ليكون في مستواها محاولًا التحدث معها:


-استني هنتفق


وقف معها قليلًا يتهامسون سويًا يبدو أنه استطاع أن يجعلها تسعد أكثر من السابق يُنسيها ما حدث منذ قليل عندما عانقته بقوة وابتسمت بسعادة..


منذ لحظات و "إسراء" تقف جوار "زينة" في الشرفة تتابع ما كان يحدث تنظر إليهم بعيون تشع بالحب والشوق.. 


عيناها تتابع ذلك الشاب فارع الطول الذي يبتلعها كلما وقفت أمامه.. مشاعرها تجاهه أصبحت متخبطة أكثر وأكثر ففي الآونة الأخيرة بدأت تفهم أشياء تحاول أن تكذبها بخصوص مشاعرها تجاهه..


وجدته ينظر إليها وقد كان هو الآخر يحاكيها بعينيه يهتف إليها بمنتهى الشوق واللوعة يقول متى اللقاء والاعتراف بالعشق المكنون داخل قلبيهما..


سمائها أزهرت باللون الأزرق المخالط الأبيض ووجدت السحاب تتموج بها كموج البحر وعينيها الزرقاء تماثلها تتشابه معها تدق الطبول في القلب معبرة عن قدوم حياة أخرى جميلة ستنعم فيها بالغرام ولهفة الاشتياق..


اطالت النظر إلى عينيه وهو بالمثل، فنظرت إليها "زينة" باستغراب كلي ودهشة صارخة بأن لا يحدث ما في رأسها..


أعادت النظر إليه وإليها مرة بعد الأخرى ولم تفهم ما الذي يحدث بينهم، تبتسم بهدوء وخجل وهو ينظر إليها بقوة غير خجل مما يفعله مغيبين عن الواقع تمامًا هم الاثنين..


نغزتها في ذراعها فجأة تنظر إليها بعبث فصاحت الأخرى خجلة من شقيقتها قائلة بتوتر:


-سرحت 


أردفت "زينة" بقوة وحزم قائلة:


-أبعدي عن أي حد هنا.. فاهمه؟ ملكيش دعوة بحد يا إسراء لا في القصر ولا الجزيرة دي 


أومأت إليها الأخرى برأسها بهدوء ثم تركتها ودلفت إلى الداخل..


تابعت "زينة" "جبل" الذي يحمل ابنة شقيقه يتسامر معها في الحديث بهدوء وابتسامة وهي تماثله وعقلها مازال يعمل في كل إتجاه وطوال الوقت يفكر في كثير من الأمور إلى أن قاربت على الجنون..


❈-❈-❈


أرسلت السيدة "ليالي" مرسال إلى "جبل العامري" بما حدث بينها وبين زوجة ولدها ووالدتها فحدد موعد للجلوس في جلسة عرفية يحكم فيها بينهم بعد أن يقص عليه كل منهم ما حدث وقد حان وقتها..


استمع إلى الطرفين والذي لم يتجرأ أحد منهم على الكذب فنظر إليهم بهدوء وجدية فأضافت السيدة "ليالي":


-اللي خلاها تمشي يا جبل بيه وأنا طالعه سطح بيتي عديت على شقتها.. الباب كان مفتوح تو ما شافتني راحت قفلاه في وشي بآخر ما فيها كل اللي قولته أنا حسبي الله ونعم الوكيل العيب مش عليكي العيب على اللي قانيكي 


أكملت بعد أن أزالت بوشاحها دمعة خائنة هبطت على وجنتها:


-أنا قولت كده من غُلبي يا جبل بيه من غُلبي دي داري.. داري أنا ويتعمل فيا كده أنا اللي كبرت وعلمت وجوزت وفي الآخر يتعمل معايا كده من عيله 


لم تتجرأ الأخرى على الكذب قالت كل ما فعلته منذ البداية هي ووالدتها فظهر كوضوح الشمس من الظالم ومن المظلوم..


نظر إليها بجدية شديدة وأردف بحزم قائلًا:


-امسحي دموعك يا حجة ليالي أنتي قولتي أنها دارك واللي هيقعد فيها اللي أنتي هتطلبيه أما دلوقتي كل واحد لازم يتحاسب 


أشارت له بيدها ترفض حديثه بطيبة قلب قائلة:


-لا يا جبل بيه أنا مسامحة في حقي دي مهما كانت أم عيال ابني أنا مسامحة 


سألها بعقلانية ونظرته نحوها حنونه مشعة بالحب لامرأة عجوز أكل من عمرها الشيب والسنوات:


-ايه اللي يرضيكي


أشارت بأصابع يدها الأربعة أن تبتعد عنها وهي تقول بحرقة:


-جوزها مسافر تمشي تقعد عند أهلها


أبعد بصرة إلى الأخرى قائلًا بصرامة وقوة:


-قومي يا فتحية بوسي راس الحجة ليالي ووطي كمان على رجلها بوسيها 


وقفت على قدميها وأقتربت منها على مضض ولكنها لا تجرأ على الاعتراض فهذا أمر من "جبل العامري"، كادت أن تنخفض لتقبل قدمها ولكن الأخرى ابتعدت قائلة برفض:


-لا متبوسيش رجلي أبعدي 


وقفت مُستقيمة تود لو تخنقها بيدها تراها تتمسكن أمام كبيرهم..


نظر إلى والدتها وأشار إليها بقسوة وهو يعلم أنها سيدة تأكل من يقابلها:


-قومي يا أم فتحية بوسي راس الحجة ليالي وحقوا نفسكم ليها 


أردفت "فتحية" بجدية تنفذ أمره:


-حقك عليا يما أنا غلطانه 


ومن خلفها والدتها الذي تحدثت ببغض قائلة:


-حقك عليا يا حجة ليالي مصارين البطن بتتعارك  ياختي


تابعها "جبل" وتفوه بالكلمات بجدية تامة لا تسمح بعدها بالنقاش يملي عليها ما الذي ستفعله:


-جوزك النطع ده يدورلك على بيت بره تسكني فيه متقعديش عند اهلك، معاكي مهلة يومين اتنين بس وعفشك يطلع من عند الحجة ليالي خلينا نشوف هيصرف عليكي وعلى ايجار البيت إزاي ولما يتعلم يحترم أمه يجيلي


تحولت ملامحها إلى أخرى منزعجة وقالت بضيق:


-بس يا جبل بيه أنت عارف البير وغطاه 


صرخ بها بقسوة وعنف:


-يبقى كنتي تحترمي نفسك 


نظر إلى والدها وشقيقيها الشابان هتف بغلظة وشدة مُهددًا إياهم:


-المرة دي أنا مش هعمل حاجه علشان خاطر الحجة ليالي إنما المرة الجاية انتوا عارفين اللي هيحصل.. ربي مراتك وبنتك وإلا هربيهم أنا


أومأ إليه والدها يُجيب بتأكيد على حديثه لأنه يعلم أن هذا ليس تهديد فقط بل واجب الفعل مع وقف التنفيذ:


-حاضر يا جبل بيه حاضر 


أكمل بنفس الغلظة التي تحدث بها:


-بكرة الصبح الكل عند دار الحجة ليالي تحقوا نفسكم ليها قدام الكل زي ما بهدلتوها قدام الكل 


مرة أخرى يؤكد حديثه بخوف راهبًا ما يستطيع فعله بهم:


-ماشي كلامك يا جبل بيه 


أشار إليهم بيده ليبتعدوا عن هنا قائلًا بصرامة:


-أمشوا.. 


صرخ على أحد الحراس الذي فتح البوابة ليتقدم منه فقال بجدية:


-مسعود وصل الحجة ليالي لحد دارها


أبتعدت عنه المرأة وهي تصيح بصوت عالٍ تردد بالدعاء إليه:


-ربنا يخليك يا جبل بيه.. يا ناصر الغلابة ربنا يديك الصحة ويرزقك بالذرية الصالحة 


وقف عند آخر دعوة قالتها، هل سيأتي يوم من الأيام ويكن له طفل من صلبه يحمل اسمه، يكن ولده يربيه كما يشاء على الخير والحب!..


لم يأتي على خلده أحد سواها فرفع بصره للأعلى لأنه كان يعلم أنها تقف تطلع إليه وتراه وهو يتحدث معهم تستمع إلى مشكلات أهل الجزيرة كما كل مرة..


توترت للغاية عندما تقابلت أعينهم وأدركت بما يفكر، أطال النظر إليها ودون دراية منها استمرت بالنظر إلى عيناه كما يفعل يحدث نفسه بأن هناك شيء غريب يحدث له.. لما فكر بها هي عندما أراد الإجابة على سؤاله؟


ولما هي تابعت النظر إليه هكذا بهذا الشغف وكأنها تحبه؟


في الأساس هي تقف تفكر أهذا هو الشر أو الخير؟!.. 


حقًا لم تعد تستطيع أن تفرق بين شخصياته الغريبة إحداهما يقتل والآخر يحيي، لم تعد تستطيع فهم أهو شخص واحد لديه فصام الشخصة أو شخصين مختلفين للغاية!


❈-❈-❈


"بعد مرور يومين"


دلف إلى الشرفة ليقف جوارها، نظر إليها بهدوء وتساءل:


-بتعملي ايه


سخرت منه تنظر إلى البعيد قائلة بتهكم:


-بشم هوا.. أصل هوا الاوضه يخنق 


ابتسم باتساع فهو يفهم أنها تقصده فتابع في اغاظتها قائلًا:


-ماشي شمي هوا براحتك 


أردفت بجدية واستدارت تنظر إليه:


-أنا عايزة اروح الصيدلية اشتري كام حاجه ده لو عندكم صيدلية هنا 


أجابها يهتف مؤكدًا لأنها تسخر من الجزيرة وما بها:


-عندنا كل حاجة هنا.. اكتبي اللي عايزاه في ورقة وهيجيلك لحد عندك 


رفضت قائلة بسماجة:


-لأ دي حاجات خاصة بحب اجبها بنفسي 


خرجت ضحكاته من فمه عندما وجدها تريد أن تذهب هي فقال بسخرية:


-اوعي يكون سم


ثم أكمل بيقين مُتأكدًا:


-مع إني عارف إنك مش هتعمليها تاني 


كرمشت ملامح وجهها ببغض وغضب تنظر إليه:


-لأ اطمن مش هعملها فكرت في كلامك 


مرة أخرى أردفت تطلب منه:


-أنا عايزة موبايلي وموبايل إسراء وتابلت وعد 


أومأ إليها برأسه يوافق على ما أرادت ولكنه قال بجدية شديدة وخشونة:


-ماشي.. هديكي الأمان يا غزال بس متحاوليش تغدري 


صاحت بوجهه بعصبية وغضب:


-أنا عمري ما كنت غدارة.. أظن إحنا عارفين مين فينا الغدار 


أومأ إليها يقول:


-عارف 


أقترب منها يدفعها إلى سور الشرفة وأمسك بها من خصرها يضغط بيده الاثنين عليها يقترب بوجهه ينوي تقبيلها فهو بات يفعلها عنوة عنها..


وجد كف يدها يهبط على عنقة مع صوتها الذي هتف بجدية:


-دي نموسة 


على أثر ضربتها له أبتعد وجهه قليلًا.. أحمرت عيناه من الغضب لأجل تطاولها عليه وما كاد إلا أن يفعل بها ما لم تتخيله إلا أنه رصد شيء بعينيه حمد الله في لحظتها أنها فعلت ذلك..


لم يعطي لنفسه الفرصة في التفكير بل أمسك بها يستدير بسرعة كبيرة جاعلًا نفسه هو أمام سور الشرفة وهي تختبئ بجسده وصرخ عاليًا بصوت جهوري يهتف بإسم "عاصم" استمع إليه كل من داخل القصر..


ولكن تزامنًا مع تلك الصرخة خرجت طلقة نارية لتستقر في جسد إحداهما فوقعوا هما الاثنين داخل الشرفة واهتاج الجميع من بعد ذلك وخرجت الدماء تسيل على الأرضية بغزارة تعلن عن أن هناك من قارب على فقد حياته.. "جبل العامري" أو "غزالته"


❈-❈-❈


"يُتبع"

الفصل التاسع

ارتجف جسدها بعنف وقوة وهي تقع على الأرضية يتردد صدى الطلقة النارية في أذنها وهو يحمل ثقل جسده عليها بعد أن هبط معها على الأرضية..


سارت القشعريرة في بدنها بالكامل تنظر إليه وخصلاتها السوداء متبعثرة حول وجهها، يدق قلبها بسرعة ضارية ولوهلة شعرت بالخوف والهلع عليه معتقدة أن الطلقة أصابته..


شعرت بالدماء تسيل من جسده على ذراعها انتفض قلبها بين أضلعه وتأكدت من ظنها فقد فداها بعمره وأخذ الطلقة مكانها..


لم تستطع التحدث فقد لجم لسانها وهي تنظر إلى خصلات شعره السوداء القابعة فوق صدرها، لا تدري هل شعر قلبها بالهلع خوفًا أن يصيبه مكروه أو تتركه ينزف إلى أن يموت وتستطيع الهرب من سجنها!..


رفعت يدها عليه تهتف بشفتين ترتجف خوفًا:


-جبل! أنت كويس؟


رفع وجهه إليها بملامح مُتألمة فقد أخذ الرصاصة في ذراعه الأيسر، أومأ إليها برأسه دون حديث وعيناه تجوب وجهها مستقرًا على عينيها ينظر إلى الخوف بها الذي استشعره بمنتهى السهولة.. الخوف عليه ليس منه!..


-متخافيش


قالها بصوت حانٍ رقيق لأول مرة يخرج من بين شفتيه لها وهو ينظر داخل عينيها السوداء


نظرت إلى ذراعه الذي ينزف عليها وتفوهت بقلق بالغ ظهر في نبرتها الخافتة:


-أنت بتنزف


أغمض عينيه بألم وأجابها بإيجاز:


-بسيطة


وضعت يدها على جسده لأول مرة أمامه دون خوف، تلمسه بكل أريحية ولم تشعر بأن هذا خطأ بل شعرت أنه من الواجب عليها مساعدته لأنه "زوجها"


-طيب قوم


وقف ببطء يبتعد عنها وذراعه جوار جسده لا يستطيع تحريكه تخرج الدماء منه بغزارة تتساقط على الأرضية بعدما وقف على قدميه.. 


نظر إلى الخارج فوجد الحراس يركضون خلف بعضهم البعض يحاولون الإمساك بمن تجرأ وفعل ذلك..


مد يده اليمنى إليها وهي ممددة على الأرضية، نظرت إليه للحظات تحاول أن تجمع شتات نفسها تفكر في الأمور من زاوية أخرى ترى ما الذي يحدث معها وما الذي يريده منها بعد ذلك.. لما عقلها مشوش للغاية!


مدت يدها إليه فسحبها منها لتقف على قدميها أمامه تعدل من ملابسها وخصلاتها الثائرة..


وقفت تنظر إليه بعيون لا تفهم ما مضمون حديث لمساته وهمساته، تتسائل إن كان حنون أو غليظ القلب ليس به رحمة كما قال.. 


هي امرأة متحيرة بين هذا وذاك لأنها رأت قسوة قلبه وعنفوان أفعاله الذي أشتد بها عليها ورأت رحمة أحكامه وحنان نظراته لأي شخص بات مظلوم غيرها..


تابع النظر إليها يتوه داخل عينيها، يبادلها نفس الغرابة في الشعور فلا يدري أهو أراد جسدها وتربية ابنة شقيقة أو تغير شيء ما داخله ليقف الآن معتوه لسانه ملجم وحركاته مشلوله أمامها..


لم يستفق أي منهما إلا عندما دلفت والدته الغرفة تدفع الباب بقوة تتقدم منهما داخل الشرفة..


وجدت الدماء على ذراعها فاعتقد أن "زينة" المصابة فهلعت إليها تقول بخوف:


-زينة اتصابتي فين يا بتي ادخلي 


نظرت إليها بتوتر خائفة من أن تدلى بأن ولدها من أصيب وليست هي، تحدثت بخفوت قائلة:


-مش أنا.. ده جبل 


ابتعدت عنها تتقدم منه في الداخل بذعر وخشية من أن يكون أصاب ولدها مكروه وهو وحيد عمرها ومن تبقى لها:


-ابني.. جبل 


أومأ إليها برأسه ينظر إليها بحنان يبعث إليها الأمان والاطمئنان من نظرات عينيه:


-أنا بخير يما متخافيش جات سليمة 


رأت "زينة" نظرته لوالدته ونبرته الحنونة الخافتة المنبعثة لها، ودت لو كانت هذه النظرة والكلمات الرقيقة إليها فقط ليجعل قلبها يطمئن..


اعترضت والدته بقوة والدموع متحجرة بعينيها تنظر إليه بقلق وخوف:


-إزاي يابني الدم نازل منك سيل 


خرجت "زينة" من الشرفة وعادت إلى الداخل وهو يتحدث مع والدته


تابع يحاول تهدأتها ولكنه يتألم لا يستطيع مواساة أحد الآن فقال بجدية:


-قولتلك بسيطة متخافيش خدش في دراعي


دلفت إليهم مرة أخرى وتقدمت إليه بقطعة من القماش تهتف برفق:


-اربط ايدك بدي علشان النزيف لحد ما نروح الوحدة


أخذها من يدها وحاول لفها باليد الأخرى فلم يستطع أقتربت منه هي واخذتها منه مرة أخرى تقوم بلفها على ذراعه وربطها بأحكام تحت نظراته الفاحصة لها ونظرات والدته المتعجبة لما تفعله معه.. تتسائل هل لان الحديد وارتخى؟


قال بخشونة وجدية:


-الدكتور هيجي هنا مش هروح الوحدة مش مستاهلة 


رفعت بصرها إليه وأشارت إلى ذراعه قائلة بتوجس:


-إزاي دي رصاصة دخلت دراعك 


أجابها مُبتسمًا بزاوية فمه لا يدري هذه سخرية أو ابتسامة حقيقة بعد أن مس اهتمامها به:


-جرح سطحي.. وإلا إزاي بكلمكم وواقف كده 


أشارت إليه بيدها وهي تنظر إلى وجهه وابتسامته التي لا تدري لما تواجدت الآن بين حديثهم:


-طيب أدخل ارتاح


أكدت والدته على حديثها وهي تجذبه من ذراعه الأيمن ليدلف إلى الداخل:


-ادخل يابني ادخل


دلفت خلفهم إلى الداخل فتسائلت بعد أن جلس على الفراش:


-فين رقم الدكتور أكلمه


أجابها وهو يكرمش ملامح وجهه بألم شديد أصابه، هتف بجمود يُجيبها:


-شوية عاصم يجي يجيبه 


استشعر خوفها حقًا ورآه الجميع والدته وشقيقته عندما هتفت بانفعال وخوفها يظهر على ملامحها:


-شوية ايه ايدك بتنزف 


كانت شقيقته دلفت إلى الغرفة منذ لحظات فصاحت تتسائل وهي تتقدم منه:


-أنت بخير يا جبل؟


أومأ إليها برأسه وجد "وعد" تتقدم منه بخوف وذعر رُسم على ملامحها وتسائلت بخوف ونبرة قلقة مرتعشة:


-بابا جبل حصلك ايه 


أقترب بوجهه يقبلها مُحتضن إياها بذراعه وقال بحنان وحب:


-أنا كويس يا حبيبتي متخافيش 


بنظرات طفلة أشارت إلى ذراعه وقالت بخفوت:


-في دم عليك 


أردف بجدية والألم يشتد به يقول:


-دي شكة صغيرة.. روحي روحي مع خالتك دلوقتي


أخذتها "إسراء" التي كانت تقف على أعتاب الغرفة وخرجت وخلفها شقيقته لم يبقى معه سوى والدته وزوجته "زينة"..


لحظات والأخرى وأتى "عاصم" بالطبيب بعدما علم بأن "جبل" من أصيب بالطلق الناري بينما رأته "إسراء" وهي تسير في الخارج يتقدم إلى الأعلى مع الطبيب والعاملة "ذكية" التي تسير أمامهم لتفسح لهم الطريق.. 


تبادلت النظرات معه، لقد كانت نظرات محملة بالحب والاشتياق، ولوعة الغرام المخفي بينهم تحرقهم هما الاثنين، تحدثت الأعين تدلي بكل ما يشعر به القلب دون حركة واحدة من الشفاة..


دلف "عاصم" بالطبيب إليه فخرجت والدته ولكن "زينة" بقيت معه..


تقسم أنها لا تدري ما الذي يحدث لقلبها الخائن، لقد عذبها، سجنها، أخذ ما يحق لها، هددها بأبشع الأشياء وآخر ما فعله انتهك جسدها بكل غلظة وعنف والآن هي تشفق عليه وتشعر بالخوف والهلع بعدما حدث له؟.. 


لا تدري هذا حدث لأنها رأت الجانب الآخر منه أو ماذا؟ رأت ضعفة مع صغيرتها، حنانه عليها وعلى الآخرون غيرها، حكمته في العدل بين الناس ورد الظالم عن ظلمه وأخذ الحق للمظلوم..


لا تدري تغيرت لأنه أصبح يعاملها أقل خشونة وأكثر هدوء ورفق؟ ولكن كل هذا لا يشفع له عندها..


كل هذا لا يشفع حتى وإن تساقطت منه الرحمة والحنان حتى وإن اعترف بالحب وأراد الغفران على قلبها تتبع القسوة وأن يدلي بحرمانه الرحمة والغرام..


نظرت إليه وهو يتألم أسفل يد الطبيب الذي قال أنها لم تغوص داخل لحمه بل كانت سطحية للغاية، لم يأخذ المخدر لأنه من الأساس لا يوجد فتحمل وملامحه تصرخ بالألم ولكن لسانه لا يقدر على نطقها..


أقتربت منه، جلست على الفراش عندما شعرت بتألمه المكبوت قدمت يدها إليه تتمسك بيده بحنان تشدد عليها تحاول أن تجعله يطمئن.. ما تفعله من المؤكد نابع عن تربيتها الأصيلة فما فعله بها لا يستحق بعده أن تعامله هكذا..


شدد من مسكته ليدها وهو يتألم بقوة وخرجت آنة من بين شفتيه المضمومة على بعضها.. يشعر بالخجل والضعف لأنه يتألم أمامها ويشعر بالخجل من نفسه لأنها تقابل كل سيئاته بالحسنى..


هل هي تشعر بالشفقة تجاهه أو تشعر بشيء آخر مثله؟..


انتهى الطبيب وقام بربط يده وترك لهم روشته الأدوية المطلوبة فأبتعد "عاصم" لاحضارها لكن "جبل" أوقفه وهو يهتف بخشونة متألمًا:


-مين عمل كده؟


استدار "عاصم" ينظر إليه بتوتر لأن الرجل الذي فعلها هرب منهم ولم يستطيعوا الإمساك به:


-لسه مش عارف


اعتدل "جبل" في جلسته يتغاضى عن الألم الذي يشعر به وسأله باستفهام:


-يعني ايه مش عارف اومال هو راح فين 


قال بجدية شديدة يُجيبة وعيناه في الأرضية:


-هرب يا جبل 


كان يعتقد أنهم أمسكوا به فاستغرب بشدة وهو يسأله:


-هرب؟ يعني ايه هرب اومال انتوا بتعملوا ايه 


تحدث الآخر وهو يشير إليه بيده يقول ما حدث ولكنه يعلم أنه لن يصمت على هذا:


-دخل الغابة واختفى فيها معرفناش نمسكه وأنا رجعت على طول أشوفك لكن سبت الرجـ ـالة يدورا عليه 


سخر منه قائلًا:


-يا راجـ ـل؟ وفكرك هيلاقوه


صرخ بعنف وصوت عالي اهتز له جسد تلك الواقفة جوار الفراش:


-أنا اللي هقولك تشتغل إزاي يا عـاصـم


نظرت إلى عينيه التي عادت مُخيفة وتشنج ملامحه فقالت برفق:


-اهدى 


صرخ بها بقسوة شديدة يخرسها فلا يحب أن يتدخل أحد بحديثه:


-اسكتي 


تحدث يُكمل بصوته العالي، ونبرته تحمل الهمجية والعنفوان الشديد تجاة "عاصم":


-لولا ستر ربنا كان زمان مراتي ميته فاهم يعني ايه وتقولي هرب 


نظرت إليه باستغراب، إنه يقول زوجتي؟ لقد دافع عنها ووقف أمام المدفع وهو يعلم أنه على وشك الموت؟ ما الذي كان يفكر به عندما فعل ذلك؟


هل هي رجـ ـولة زائدة منه ولكنها تشك بهذا لأن الرجـ ـل الحقيقي لا ينتهك جسد امرأة عنوة عنها، أم لأجل ابنتها وابنة شقيقه أو هناك سبب أكبر من كل هذا هي لا تعلمه..


أكمل بكلمات مُهينة وهو ينظر إليه بغضب وعصبية شديدة:


-لو مشغل معايا رجـ ـالة مكنش هرب 


اغتاظ "عاصم" وشعر بالإهانة خاصة أنه يقول كل هذا أمام زوجته فأردف بعنف يعلمه بما يقول:


-جبل 


صرخ هو الآخر أمامه دون توقف وصوته يعلو أكثر بعد أن شعر بالعجز الشديد والبغض تجاة نفسه وحراسه:


-جبل ايه وزفت ايه.. القصر بقى حمام عمومي أي حد بيدخله ويعمل اللي عايزة الحرس كانوا فين.. فين اللي قولت يقفوا بره القصر 


تحدث "عاصم" بتذمر:


-كانوا بيلفوا حواليه 


أردف بصرامة وحزن وكلمات لا تحتمل النقاش:


-وقف حرس أكتر على مدخل الجزيرة مش عايز حد يدخل ولا يخرج منها لحد ما نلاقيه وهو لو في الغابة يا إما نلاقيه يا إما الديابة تاكله


أكمل بمنتهى القسوة والعنف على حديثه السابق:


-والحرس على القصر من بره يزيد واللي يقرب تدولة مكافأة نهاية الدنيا 


أومأ إليه عاصم وخرج من الغرفة بينما هي وقفت تنظر إلى عيناه المخيفة الذي عاد بريقها مرة أخرى وتعود كلماته مرة خلف مرة على أذنها بقسوة ضارية..


يأمر بالقتل ويدرك أنه إن بقي في الغابة ستأكلة الذئاب وقلبه لم يرق أو يلين بل بمنتهى العنفوان أمر هو بذلك..


نظرات الخوف منه عادت إلى عينيها وألجمت شفتيها عن الحديث فبادلها القوة بنظراته وكأنه يقول لها أن سقوطه ليس سهل ورحمته ليست دائمة بل قسوته وجبروته هم الدائمين وما تراه ليجعل قلبها يرق ناحيته ما هو إلا لحظات تمر على حياته كالهفوة السريعة أو لمسة الرياح المارة بسطحية..


❈-❈-❈


"بعد بضعة أيام"


أحاطت قلبها بسلاسل وأغلقته بأصفاد حديدية، خوفًا من اقتراب الجوى منه ليحترق بلوعته ورغبته الملحة في الاقتراب منه والغوص داخل أمواجه لمعرفة أسراره المكنونة في أعماقه..


دومًا ما كانت سريعة الفهم، جيدة التركيز، ولكن الآن سرعة الإدارك لا تعمل عندها، ترى كل شيء وتستغرب حدوثه، تبصر بعينيها أفعاله ولا تصل إليها أهدافه..


تخبطت أمواج قلبها الثائر بجسدها الهزيل الذي اعتبرته شاطئ هوى يغوي قلبه كلما نظر إليها وشاهد حضورها..


تنهدت بعمق تخرج زفرة حادة من صدرها المكبوت تستغرب أفعاله تجلس الآن جلسة صافية مع حالها لتحاول إدارك ما الذي يحدث وما الذي يريد فعله..


هل تعيد على عقلها كل ما حدث منذ بداية الأمر لتحاول الفهم أم ماذا!..


نعم ستفعل ذلك.. بداية الأمر أنه كان باردًا معها مُتجبر ومتكبر، أشعرها بأنه لا يبالي وجودها.. حضورها أو غيابها لا يعينه


ثم في الخطوة التالية أظهر إليها قليل من حقيقته فقط ليجعلها تهابه.. لم تخضع له ولم ترتوي بحديثه فازاح القناع عن وجهه وأظهر إليها ما بداخله لتقع خائفة والرهبة تزحف إلى قلبها وعقلها وارتجاف جسدها ما كان إلا رعبا منه..


رأت وجهه الحقيقة قتلة للبشر، تحديه لها، عنفه معها، وتهديده الصريح والواضح، والأسوأ والأسوأ من كل ذلك مرة بعد مرة إلى أن بغضته، شعرت بالكراهية الشديدة تجاهه لو كانت نالت الفرصة لقتله لفعلتها وهي بالفعل حاولت..


عندما قام بانتهاك ما لا يحق له، أنه فعلها مرة واحدة منذ أن كتبت زوجته والآن أدركت لما فعلها، فقط ليريها أنه يستطيع فعل أي شيء وبأي وقت ليجعلها تعلن أنه الأمر الناهي والمتحكم الوحيد، والقاضي الذي يحكم وينفذ 


عندما عارضته ورفضت هيمنته عليها علم كيف يستطيع أن يجعلها تنظر إلى عيناه الخضراء القاسية بكل قهر وكسرة، علم كيف يشعرها بالمذله والضعف ولم يبخل عليها في فعل ذلك بل منذ أول لحظة لها معه نهب أنوثتها وحريتها..


أقترب منها مرة واحدة فقط! ولم يفعلها ثانية ثم من بعد ذلك حاولت التأقلم وفهم ما يحدث فبادر هو بمعاملتها أفضل من السابق..


لا تدري كيف ولما، لا تدري لما نظراته التي تغرق بها والبحث داخلها عن أسباب تغيره معها، لا تدري لما حضرته تلبكها وتشعرها بالتوتر..


تغيره معها جعلها لا تفهم شيء أبدًا، بدأت تتحدث معه هي الأخرى ليس أفضل ولم تتقبله بعد ولكن تتحدث معه..


أصبح أب لابنتها، لاحظت تغير واضح في حياة ابنتها بعدما أصبحت تنادية باسم والدها وقد شكل هو هذا الدور حقًا معها منذ أن تزوج منها.. ترى حبه إلى الطفلة ظاهر بعينه وترى حب الطفلة إليه فتخاف أن تفعل شيء يفقدها ذلك الحب والحنان منه لأنها حرمت منه مبكرًا.. هل وجود "جبل" الآن يعوض ابنتها عن والدها "يونس"؟


هل تبقى فقط لأجل ابنتها؟ أو لأجل نفسها وتحاول خوض حياة أخرى معه!.. 


وقفت على قدميها ودق قلبها بعد ذلك الهراء الذي هتف به عقلها، ما الذي تتفوه به ما الذي تفكر به..


لوعة فراق زوجها المحب أثرت عليها أم ماذا!؟


آخر ما حدث تلك الرصاصة التي أخذها بدلًا منها، لقد كان يعلم أنه سيموت أن أتت به ولم يتردد في فعلها بل بصدر رحب استدار ليجعل نفسه في المواجهة 


ثم هتف بكلمة زوجتي بكل حرقة خوفًا عليها!..


ما هذه التراهات!.. ما الذي يريده من كل هذا أو ما الهدف منه، ما الذي تفعله هي وما الذي ينتظرها بعد؟.. 


احتارت في وصف مشاعرها واحتارت في الوصول إلى بر جاف تقف عليه! لن توصل إلى مرسى معه إلا بعد أن تسير في دروبه جميعها سوى أن كانت قاسية أو حنونة تربت على قلبها..


ستفعل، ستبقى إلى النهاية لتمر بكل مراحل المشاعر معه بداية من الكراهية إلى الغرام، ستبقى لتعرف كل سر خفي في الجزيرة، ستبقى لأجل ابنتها وحقوقها الذي أخذها منها بالإكراه


بينما هو على الناحية الأخرى يشعر بالنقيض تماما، يعلم ما الذي هو مقدم عليه ويفهمه جيدًا..


في البداية لم ينظر إليها بعيون رجـ ـل، لم يشتهي أي شيء بها إلا بعد حديث والدته له، أثارت مشاعره وحركت رغبته تجاهها..


فعلها بالقوة والعنف فعلها، أصبحت زوجته حلالًا له وأخذ ما يطيب مشاعره منها وما يرضي رجـ ـولته..


لكن يوم بعد الآخر يرى نفسه يصبح أكثر هدوءا معها، أكثر عقلانية، أكثر حديث، أحب ابنتها وأقترب منها وشعر أنها ابنته هو ليست ابنة شقيقه.. 


نظر إليها بعيون جائعة تحترق بها الرغبة المشتعلة تجاهها بالهوى القادم مع العاصفة التي ستدمج قلوبهم معًا..


نظرته الشغوفة نحوها وحديثه الهادئ اللين يعلم أثره عليه جيدًا ويعلم لما يخرج منه.. هل سيحيا قلبه مرة أخرى ويعود إلى الحب!..


هل سيكون هناك نقطة ضعف أخرى غير السابقة تدمر ما بقى منه وتزعزع كيانه وما وصل إليه!..


أنها لا تحبه بل تبغضه وتريد قتله والخلاص منه، إذا أحبها ستكون هي السكين الذي ينحر عنقه بكل شر وكراهية على عكس الأخرى كانت تحبه وكان يهوى كل ما بها فغدرت به وطعنته في منتصف قلبه..


لكنه مع كل ذلك رأى الخوف بعينيها عليه، لا يدري إن كان خوف حقًا أو شفقة خالصة تجاة ما حدث له أو هي وقفت جواره لأجل ما فعله خوفًا عليها..


الآن كل ما يستطيع فهمه أن قلبه بدأ لها بالخفقان، وعيناه بدأت بالنظر إليها بنظرات أخرى غير تلك الراغبة بها، بل أصبح يرمي سهام الحب والغرام متلهفًا لضمها ونيل عناق حاد منها يروي به ظمأ قلبه وحرمانه من الهوى لسنوات..


لن يحرم نفسه أكثر من هذا، سيترك العنان لقلبه ليفعل ما يريد وأن أرادها قلبًا وقالبًا ستكون معه رغما عنها وعن الجميع ولن يتركها ترحل من هنا إلى الأبد.. ستكون سجينة جبل العامري بحق..


طال الاشتياق لحبيب يغمر القلب بالحب واللوعة التي تحرقه بالغرام، طال الفراق الذي جعله وحيدًا ليلًا يعاني وحدة الآنات المتألمة مطالبة بالغفران، فكلما خفق اشتاق وكلما اشتاق احترق والتهبت نيرانه تخرج بفوران من داخل أعماق قلبه الثائرة..


دقات متعالية بها جمرات مُشتعلة تطالب بالحب لقلبين دامت الوحدة مرساهم الوحيد لفترة طويلة، فكانت أشبه بالحياة دون روح، ولم يكن أحد غيرهما "زينة" العاصفة القادمة عليه لتدمر كل ما به و "جبل" ذلك الصلب الشامخ الذي وعد بالبقاء وأن يبعثر عاصفتها إلى أن تخمد..


❈-❈-❈


جلست "إسراء" على الفراش مُمددة القدمين تستند بظهرها إلى ظهر الفراش تنظر إلى الفراغ أمامها في الغرفة بهيام وعيون لامعة بالحب والاشتياق..


ارتسمت ابتسامة هادئة على شفتيها وهو يأتي على خلدها بنظراته وحديثه وقوته..


عضلات جسده وطوله الذي يبتلعها، عينيه الساحرة! هل قالت ساحرة! لم تسحرها هذه العينين إلا قريبًا بعد أن توطدت العلاقة بينهم وأصبحت أقوى بكثير وأعمق من السابق..


حيث كانت تستمع إلى كلماته المعسولة التي تخجلها وتلبك كلماتها، ونظراته الغريبة الصارخة باللهفة، حركاته الذي كانت تعوقها كلما أرادت الذهاب والابتعاد عنه..


قلبها يدق بعنف أثناء وجوده أمامها ومتابعة نظراته إليها، روحها ترفرف وهي تتحدث معه وتستمع إلى خشونة صوته ورجـ ـولته الطاغية..


هل هذا حب! وقفت على قدميها بلهفة تسير بالغرفة تفكر في حديثها وما يمليه عليها عقلها.. هل أحبته! لأول مرة تمر بهذه المشاعر، تسير على جسر ملئ بالورود الحمراء ذات الرائحة الطيبة المشعة بالحب والغرام.. هل أحبته؟ هل هذا هو شعور المحبين؟ أن تطير الفراشات داخل معدتهم وأن يخفق قلبهم وكأن هذا الخفقان طبول تقرع للإعلان عن حرب ضارية! هل هذه مشاعر العاشقين! أن يشعروا بأمواج البحر الثائرة مقبلة عليهم تأخذ جسدهم ليطفو فوق سطح الماء بكل سعادة..


خرجت من شرودها على صوت هاتفها المزعج الذي يدق يعلنها بوصول مكالمة إليها.. من هذا المزعج في هذا الوقت المتأخر من الليل 


أقتربت منه سريعًا حتى لا تستفيق "وعد" تخرسه وهي تنظر إلى شاشته الذي أنارت بإسم "عاصم"


رفرف قلبها ودق في ذات الوقت وارتسمت الابتسامة على شفتيها بفرحة وسعادة وهي لا تشعر إلا بفراشات الحب تطير داخل معدتها تعلنها بأنها أحبته حقًا!؟


استقر الهاتف بين يدها بعد أن انتهت المكالمة ولم تجيب عليها بسبب كثرة المشاعر الذي زارتها وجعلتها تنظر إلى الهاتف بعدم تصديق وتعيد على عقلها كل ما كانت تقوله منذ قليل.. 


نظرت إليه بيأس وانزعاج لأنها لم تُجيب عليه وعلقت ملامح وجهها بشدة وهي تلقي الهاتف جوارها على الفراش بحزن لكن ما لبست إلا وجدته يعلن عن وصول المكالمة إليها مرة أخرى.. أخذته سريعًا تنظر إليه وعندما وجدته هو يعاود الاتصال لم تنتظر كثيرًا وأجابت متلهفة:


-أيوة 


أجابها من الناحية الأخرى بصوته الرخيم يتحدث:


-فكرتك نمتي 


وقفت على قدميها تُسير في الغرفة وهي تحادثه وقالت بنفي سريعًا:


-لأ لأ أنا صاحية 


سألها بتطفل:


-مردتيش ليه أول مرة طالما صاحية 


أجابته وهي تكذب عليه فلا تستطيع قول أنها كانت تنظر إليه ولا تستطيع الإجابة بسبب المشاعر الذي حاوطتها بحبه:


-ملحقتش أرد عليه أصلي كنت بعيدة عنه 


استنكر حديثها وهو يجيب عليها قائلًا بيقين وهو يعلم أنها لا تترك الهاتف من يدها:


-بعيدة عنه! أنتي من ساعة ما أخدتيه تاني وأنا حاسس إن مافيش في حياتك غيره 


أردفت بجدية تسرد عليه ما يحدث معها ليجعلها تبقى طوال الوقت جليسة مع هاتفها وهي تشير بيدها وكأنه يراها تسير في الغرفة:


-أصل بصراحة الجو ملل أوي هنا يا إما نتفرج على التلفزيون يا إما أقعد مع زينة أو وعد يا أما الموبايل وأنت عارف جبل من وقت ما تعب طول ماهو هنا زينة بتعمله كل حاجه ووعد رجعلها التابلت فـ مافيش حاجه أعملها غير أقعد على الموبايل 


سألها بغلظة متهكمًا:


-وبقيت الناس اللي في القصر مش مقامك ولا ايه 


وقفت في موضعها وسألته بتوتر:


-أقولك بصراحة!


أومأ برأسه وقال بجدية ورفق:


-أكيد 


قالت بخوف وهي تتذكر نظرات والدة زوج شقيقتها لها وللجميع وأكملت بانزعاج وضيق من شقيقته:


-طنط وجيدة بخاف منها، نظراتها غريبة وتخوف وبتتكلم بجد أوي إنما فرح دي متكبرة أوي وبتكرهني أصلًا


ضيق ما بين حاجبيه واستنكر قولها فسألها بجدية ليعلم ما الذي بينها وبين "فرح":


-بتكرهك ليه


قالت بلا مبالاة وهدوء وهي لا تدري ما الذي يفكر به:


-معرفش بس من وقت ما جيت بتعاملني وحش أوي وبترمي كلام وحش فـ كبرت دماغي منها بقى 


صمت قليلًا ثم قال بمرح يشاكسها:


-أنتي بتعرفي تكبري دماغك أهو


ابتسمت بسعادة وهي تمازحه قائلة:


-طبعًا أنا أعجبك


تحرك في الحديقة وهو ينظر إلى شرفة الغرفة الموصدة ومن خلفها تظهر إنارة الأضواء الخافتة، قال بسخرية:


-لأ منا عارف أنتي كبيرة مش صغيرة وتعرفي تعملي كل حاجه 


سألته بانزعاج واقفة في موضعها:


-أنت بتتريق ولا ايه 


أجابها بلين يأكل ما بقي من عقلها:


-أنا أقدر اتريق عليكي بردو 


أكملت سيرها مرة أخرى وتفوهت بجدية متسائلة بعد أن شعرت بالملل يُسيطر عليها:


-بقولك يا عاصم هو أنا مقدرش أخرج بره القصر، أمشي في الجزيرة أشوف الناس أي حاجه أنا بجد زهقت 


حاصرها بسؤاله الخبيث وهو يبتسم باتساع:


-اشمعنى أنا بقى اللي بتقوليله


ارتبكت كثيرًا وصمتت قليلًا وهي تنظر إلى الأمام بوجنتين حمراء للغاية اشتعلت من شدة الخجل فلا توجد إجابة مناسبة ولكنها أردفت:


-مش... مش أنت صاحبي بردو 


مرة أخرى بمكر يحاول إخراج الكلمات منها وهو يعلم أنها الآن تموت خجلًا:


-صاحبك بس!


هربت من محاولة محاصرة لها وقالت متسائلة بصوت خافت رقيق:


-هتخرجني


أومأ بالموافقة ولكنه مصر على اخجالها بحديثه الماكر الخبيث الذي يعلم أثره جيدًا:


-ماشي هخرجك بس بشرط 


سألته باستغراب:


-ايه هو 


رد بمنتهى البساطة وخشونة صوته تثير ما بها ومع تلك اللهفة التي خرجت من بين كلماته واستشعرتها جيدًا:


-اخرجي البلكونة عايز أشوفك 


كررت كلمته مرة أخرى بذهول وخجل:


-تشوفني!


أومأ مرة أخرى برأسه للأمام يهتف بخبث ولوعة الاشتياق لها تحرقه:


-آه اخرجي مش أنا صاحبك بردو 


تقدمت من الشرفة المغلقة فتحتها ببطء حتى لا تصدر صوت وخرجت إليها تطل عليه بوجهها الحسن وعينيها الزرقاء الرائعة:


-أهو خرجت 


ينظر إلى وجنتيها الحمراء من كثرة الخجل الذي تشعر به إنه يدرك ذلك، ينظر إلى شفتيها الوردية ونظرتها الساحرة إلى عينيه، بعد أن تذوق حرارة رؤيتها الملتهبة في جسده قال بصوت رجولي أجش:


-تصدقي إن القمر نور دلوقتي بس


سخرت من حديثه قائلة بتهكم تشير إلى السماء:


-والقمر اللي في السما ده بيعمل ايه 


حرك رأسه يمينًا ويسارًا ينظر إليها ولا يستطيع إبعاد عينيه عن وجهها وسحره تفوه بحب يغازلها:


-لأ ده نجم إنما القمر الحقيقي هنا قدامي أهو


صمتت ولم تتحدث فقط يستمع إلى أصوات أنفاسها العالية تنظر إلى الأرضية بخجل بعد أن أبعدت عينيها عنه فقال مُمازحًا إياها يخجلها أكثر:


-مكسوفه ها


خرج صوتها مبحوحًا يصدر بخفوت وخجل يقتلها:


-بس بقى 


نظر إليها مطولًا وعشقه إليها الذي أعترف به مؤخرًا يدفعه نحوها بقوة ضارية، فتابع بصوت رجولي أجش:


-إسراء


حرك كل ما بها بعد الاستماع إلى نبرته الذي أسكرتها فقالت بخفوت ورفق:


-نعم


خرجت كلمة واحدة من شفتيه نابعه من قلبه الذي يدق بعنف في حضرتها وود إعلامها بكم الاشتياق الذي يشعر به نحوها فقال بلوعة قاتلة:


-وحشتيني 


نظرت إليه للحظة واحدة فقط فلم تستطع المواصلة اخفضت الهاتف من على أذنها ودلفت إلى الداخل راكضه تغلق باب الشرفة من خلفها، ووقفت خلفه تضع يدها على موضع قلبها الذي تعالت دقاته وخرج ليصل إلى مسامع أذنها..


ترفرف عاليًا بين الفراشات والعصافير المغردة بأسامي الحب والغرام في سماء صافية تماثل زراق عينيها وسحاب بيضاء تماثل بشرتها وما اختلف في الأمر شعورها بالنيران تخرج من وجنتيها بسبب خجلها التي شعرت به وهو يرمي عليها كلمة الاشتياق التي خرجت منه بلوعة ولهفة قاتلة..


بينما هو وقف ينظر إلى الشرفة وعيناه لا تستطيع أن تنحرف بعيدًا عنها فما كان يخطر على باله يومًا أن يقع لعشق فتاة صغيرة جميلة مثل هذه خجلها يربكها ويحرك ما بها..


لم يخطر على باله أن تأتي تلك الصغيرة التي تنزعج أن ناديتها بالصغيرة وتطير فرحًا كالطفل أن عبرت لها بأنك تراها فتاة كبيرة ناضجة..


أعترف لنفسه من فترة صغيرة للغاية أنه أحبها، ليس صغير وليس مراهق حتى لا يعلم ما الذي يشعر به ويمر به في حضورها واشتياقه لها ورغبته الملحة على أن تكون معه وله..


أدرك كيف يشعر بالحب والغرام، حين تهتز رجولته أن رأى رجـ ـل غيره يبصرها، أن يدق قلبه بكثرة في حضورها وحتى إن تذكرها، أن يتلهف لرؤيتها وتحرقه نار الاشتياق ولوعة الفراق إن غابت عن عينيه لحظة..


الآن يعترف، لقد عشقها وذلك الإعتراف الصحيح يخفي داخله الكثير..


على الناحية الأخرى كان هناك قلب يحترق أيضًا مثل قلبيهما ولكنه كان يحترق بالغيرة والغل، الحقد والكراهية..


تنظر إليه بعيون مشعة بالظلام الدامس والكره الدفين داخلها، تتنفس بعمق وسرعة شديدة ليست قادرة على مواكبة أنفاسها بانتظام بسبب انفعالها..


دلفت إلى غرفتها بعدما رأت ما حدث بينهم وأدركت أيضًا ان هناك مكالمات هاتفية إذًا تطور الوضع بينهم وأصبح أكثر سوءا بالنسبة إليها.. 


اشتعلت نيران الغيرة بقلبها ونهشت حشاياه، فار بركان غضبها وخرجت من الغرفة بعنفوان وكره لا نهائي أن تركته عليهم سيحرقهم هما الاثنين وكل من يقف أمامها..


هبطت إلى الأسفل وخرجت إليه نظرت إلى داخل عينيه وأخذته من يده بعد أن أقتربت منه تبتعد عن مسامع الحرس فصرخت به بعصبية:


-ايه اللي بتعمله ده يا عاصم


أجابها بعدم فهم لما تقصده بما فعل:


-ايه اللي عملته 


أردفت بحرقة تشير بيدها بعصبية وعنف تنظر إليه بشر وحقد:


-البت اللي اسمها إسراء شيفاك فعلًا مشغول بيها وعايزها وأنا مش هتوه عندك لما تعوز حاجه 


فهم ما الذي تقصده فـ أومأ برأسه للأمام وهتف بلا مبالاة وبرود:


-وافرضي ده صح وأنا عايزه أنتي عايزة ايه 


صدح صوتها الصارخ بوجهه بشراسة وعنفوان فلم تتخيل أن يُجيبها بهذا البرود:


-نعم؟ عايزة ايه أنت اتجننت يا عاصم 


أقترب منها وبعيون قاسية حادة تحدث بغلظة وخشونة ينظر إليها بعمق:


-لأ متجننتش أنتي اللي لسه معقلتيش أنا عايزك ترجعي بآخر مرة اتقابلنا فيها في محطة واحدة وأنتي هتعرفي إذا كنت اتجننت ولا لأ 


تابعت نظراته القاسية عليها ورأت اللا مبالاة الخالصة التي يتحدث بها فقالت بحرقة:


-وأنا عايزاك تعرف أنت بتلعب مع مين يا عاصم 


ابتسم بزاوية فمه وهو يتهكم قائلًا بسخرية:


-أنا مش بلعب أصلًا يا فرح


اشتعل جسدها بالغضب ونظرتها نحوه أصبحت نارية عنيفة تود الآن لو تأتي بسكين تنحر إليه عنقه أو تأخذ عينه الذي نظر بها إلى أخرى:


-خد بالك قلبتي وحشه 


لم يبتسم هذه المرة بل خرجت الضحكات من بين شفتيه بقوة وكم كانت خلابة يحرك رأسه باستياء فنظر إليها قائلًا بسخرية مرة أخرى:


-ده تهديد يعني 


قالت بجدية شديدة محاولة اخافته على الرغم من أنها تعلم أنه ليس ذلك الرجـ ـل الذي سيخيفه تهديد من رجـ ـل أو امرأة:


-اعتبره زي ما أنت عايز 


نظر إليها بعمق وهدوء ولم يريد أن يتحدث أحد عن شقيقه صديقة الغالي "جبل" حتى وإن كان ما بينهم سابقًا "خلف القصر":


-فرح.. بلاش تقولي كلام أنتي مش قده ويلا اطلعي بقى ولا عاجبك شكلك هنا وأنتي معايا قدام الحرس


أكملت على حديثه متهكمة بعد أن وضعت يدها اليمنى في وسط خصرها:


-ولا خايف أنت حد يقول لجبل إني واقفة معاك 


نظر إليها بقوة قائلًا بقسوة وغلظة:


-أنا مبخافش من حد.. وحتى لو أكيد مش هخسره علشانك 


هددته بقوة ووضوح وعلمت أن هذه الكلمات هي المناسبة التي ستجعله يخاف حقّا فغمزت بعينيها بشر قائلة:


-أنت فعلًا مش هتخسره يا عاصم.. أنت هتخسر حد تاني لو متعدلتش معايا 


احترق قلبه من مجرد فكرة أتت على عقلة فصاح بها بعنف وعصبية وصوته يعلو:


-احترمي نفسك واتكلمي كويس أنتي لسه مشوفتيش قلبتي وبعاملك على إنك عيله هبلة مش فاهمه حاجه 


حركت يدها على خصرها تحاول مضايقته بلا مبالاتها بعد أن أشعلت قلبه بالنيران خوفًا عليها فقالت بتكبر:


-لأ العيله دي البت اللي أنت باصصلها إنما أنا فرح ستك وتاج راسك 


نظر إليها بشر وود لو يقتلع عنقها من مكانه فمن هذه سيدته! صاح وهو يجز على أسنانه محاولًا للتحكم في نفسه حتى لا تنفلت الأمور منه:


-قسمًا بالله إن ما خفيتي من وشي هتصرف معاكي تصرف يناسب وساختك.. غوري 


علمت أنه وصل إلى ذروة غضبه فلم تريد أن تتأزم الأمور أكثر من هذا.. نظرت إليه بقوة وألقت عليه آخر كلماتها المهددة:


-ماشي يا عاصم.. ماشي أنت اللي بدأت 


سارت مُبتعدة عنه تعود إلى الداخل وهي ترفع حجاب رأسها الذي هبط ليستقر على عنقها.. عائدة إلى الداخل بقلب يشتغل وروح تحتضر من نظراته وغضبه الذي لم يخرج إلا عندما تحدثت بالسوء عنها..


لن تتركه هكذا، لن ينعم بحياته هكذا بتلك السهولة مع تلك الغبية التي أتت لتأخذ مكانها ولكنها ليست ضعيفة لتتركها تفعل ما تشاء بل ستجعلها تفكر ألف مرة قبل النظر إليه بعد ذلك..


بينما هو نظر إليها بغضب دمائه فارت داخل عروقه بسبب حديثها الغبي ونظراتها نحوه بل وتهديدها له أيضّا تلك الغبية الماكرة.. 


فتاة غبية مغرورة ومتكبرة تعتقد أن كل ما تريده سيكون لها دون حساب أو نقاش.. ليس هو ذلك الرجل الذي سيفعل لها ما تشاء على حساب نفسه وسعادته..


❈-❈-❈


ولج "جبل" إلى الغرفة ليلًا في ساعة متأخرة، أغلق الباب وتقدم إلى الداخل لينظر إليها نائمة على الفراش بهدوء ونعومة رآها بها.. 


تلك الشرسة القوية التي تقف أمامه خمدت نيرانها ومن أمامه الآن امرأة متفتحة كوردة حولها الأشواك بكثرة، فينجرح أثناء محاولة الوصول إليها..


ملامحها هادئة مرسومة بدقة وعناية، جميلة وجمالها الطبيعي خلاب، أقترب منها ينظر إلى جسدها الأبيض الذي يظهر بعضًا منه بسبب قميصها ذو اللون البنفسجي من قماش الستان..


كم بدت امرأة صارخة بالأنوثة تغريه ليقترب منها يطفئ نيران شوقه إليها الذي لم يخمدها إلا مرة واحدة فقط..


توجه إلى الفراش وصعد إلى مكانه فكانت تعطيه ظهرها في هذه الوضعية، أقترب منها بيده اليمنى يسير بكفه على ذراعها الأبيض الظاهر أمامه بنعومة وخفه..


أقترب من رأسها يستنشق خصلات شعرها ورائحة عبيرها الذي يسكره..


حرك أصابعه عليها ذهابًا وإيابًا وهو يقترب منها بكل الطرق ففتحت عينيها واستدارت بجسدها ببطء شديد تنظر إليه بعيون نصفها مغلقة يغلبها النوم..


أقترب منها بجسده وهبط عليها برأسه يضع يده حول وجهها يمسد عليه بحنان ورفق وهي تنظر إليه لا تدري ما الذي يحدث..


فهبط على شفتيها يقتنص منهما رحيق العسل الذي أخذه مرة واحدة من قبل عنوة وقهر فلم يكن يعلم حينها أنه سيشتاق إليه مرة أخرى وشوقه يزداد إلى هذه الدرجة..


وجدها مسالمة، ليست مغلوبة على أمرها ولكنها مستسلمة أسفل يده تترك له زمام الأمور غير معترضة على شيء..


اعتبرها دعوة صريحة منها ليأخذها ويدلف بها إلى بساتين الورود مختلفة الألوان والروائح ليس بها أشواك بل رقيقة ناعمة الملمس يعوض ذلك اليوم المشؤوم الذي خلده بذكراها..


مستمتعًا بكل لحظة تمر جوارها وهي راضية مستكينة بين يديه مستمتعة بنظراته ولمساته وكأنها تطالب بالمزيد منه لأول مرة منذ سنوات كثيرة لم تعلم طريق إلى هذه المشاعر..


المشاعر الجياشة الذي أخذتهم إلى عالم غريب لأول مرة تسير به معه وهو لأول مرة يشعر بحلاوته وتزداد رغبته الملحة في التكملة إلى النهاية وما بعد النهاية..


اشتعلت رغبته تجاهها فترك الأشواك متجاهلًا إياها متقدمًا منها يأخذها إلى شاطئ أمواجه ثائرة متضاربة كمشاعرة الراغبة، تقدمت أمواج المتعة واللذة الراضية تغطي على رمال البغض والكراهية وصدفها راضيًا مستمتعًا وكأنه بمرحلة من مراحل الهوى..


❈-❈-❈


"يُتبع"



الفصل العاشر

"هل تخفي جزيرة العامري أسرار بعد!."

جالسة على الفراش في غرفة نومه التي أصبحت مشتركة بينهم بعد أن كتبت على اسمه وأصبحت زوجة له..


تنساب الدموع من عينيها على وجنتيها بغزارة تتساقط على يدها المُمسكة بالهاتف تطلع بعينيها على شاشته التي تُنير بوجه زوجها الراحل "يونس"


تبكي بقهر وحرقة وهي تنظر إلى صورته، تستمع إلى صوته بأذنها يعاتبها على ما فعلته..


ينظر إليها بخذلان من عبر الهاتف يقول لها كيف سمحتي له بأن يفعل ذلك وكيف تركتي كل ما بكِ إليه بهذه الطريقة المُهينة..


وضعت يدها على وجنتها تُزيل دمعاتها السائلة بكل انسيابيه وسهولة والحرقة تأكل قلبها والندم يتمسك بعقلها يسحقه أسفله على فعلته الخائنة..


تلك الأمواج التي تضاربت من كثرة الرغبة والغرام الآن تتهاتف نادمة على ما فعلته بالأمس ناحية كل شعور جميل مرت به ولم تترك لها إلا الآلام والندم..


كيف تركت نفسها بهذه السهولة وكيف سمحت له بالاقتراب، كيف كانت قطعة حرير بين يده تتحرك بسهولة ورقة.. ما الذي كان يسيطر عليها في هذه اللحظات.. ما الذي مرت به جعلها تلقي بنفسها داخل أحضان الذئب 


وهو ذلك المجنون الذي كان على أتم الاستعداد لفعل أي شيء كان يأتي مُتحضرًا لما سيفعله أو هي من أغرته بنموتها البريئة وملابسها الأنثوية التي لم يعتاد عليها معها! 


أغمضت عينيها السوداء بقوة تحاول أن تُمحي من ذاكرتها ليلة أمس وما حدث بها بينهما، تحاول أن تكون خفيفة غير محملة بالأوجاع وأيضًا الآن الندم والحزن على أشياء لم تكن بيدها أن تفعلها أو لأ


أنها كانت مغيبة عن الواقع لم تدري ما حدث إلا في الصباح عندما وجدت نفسها تنام بين أحضانه وكأنه زوجها الذي تعشقه منذ سنوات ليس ذلك الحقير الذي سجنها داخل الجزيرة وفعل بها ما لم يفعله أحد


ارتجف جسدها من شدة البكاء وحاصرها الندم والألم على قلب بات لا يدري ما السبيل في الخلاص من كل هذا العذاب وما السبيل في الوصول إلى طريق النور ليعرف أين تكون وجهته..


دلف إلى الغرفة بهدوء نظر إليها وجدها تعطي إليه ظهرها تجلس على الفراش مُنحنية على نفسها، لم يدرك ما الذي تفعله فأغلق الباب وتقدم إليها وجدها تتمسك بالهاتف مغيبة عن الواقع تنظر إلى صورة شقيقه الراحل وعينيها تأتي بالدموع وكأنه شلال يخرج من نهر منسوب المياة به عالي..


ظل واقفًا ينظر إليها وهي لا تشعر بوجوده معها يتابع نظراتها النادمة وبكائها الغريب وتلك الشهقات المباغتة التي تخرج منها.. لأول مرة تقع أمامه هكذا لأول مرة يرى بكائها بهذه الطريقة وضعفها هذا 


دائمًا كانت تقف صلبة شامخة أمامه وكأنها جبل من الثلج ولكن الآن يبدو أن هناك بركان فار فوقه فانصهر وأصبح مياة جارية كتلك التي تجري على وجنتيها دون توقف..


علم أنها نادمة على ما حدث بينهم، تلك النظرات والبكاء هذا لا يقول إلا أنها نادمة لم يكن يتوقع ذلك في الحقيقة فهي كانت لينة سهلة معه وهي من دعته دعوة صريحة ليأخذها بين أحضانه ولتكن ملك له برضاء تام منها وهو لم يفعل أي شيء سوى أنه لبى هذه الدعوة وقام بفعل دوره كما توجب عليه كرجل..


الآن بعد ليلة رفعت بها رايات الحب والغرام مستسلمة بها شعارات الكراهية والبغضاء تبكي نادمة على ما فعلته، تبكي نادمة على شعور بالذة والهوى ساحبًا إياها معه بين السحاب تتمسك بيده وتشعر لأول مرة منذ خمس سنوات بالحب..


يا لها من غريبة وغبية، لقد توفى شقيقه، رحل عن عالمهم منذ الكثير وهي الآن أصبحت زوجته والعلاقة بينهما تتحسن وهو ترك لقلبه القرار فإن كان يريدها أو لأ فما الذي تفعله الآن!..


شقيقه أفضل منه! كيف أفضل منه وهو الذي أحب ابنتها وكأنها ابنته هو وعاملها غير كل البشر الذي بحياته حتى أنها أصبحت تعتبره والدها وهي أيضًا بدأ يعاملها أفضل وأفضل بكثير، تعيش بقصر العامري وتتزوج كبير جزيرة مثله، محامي، رجل له وضعه في الدولة وليس في الجزيرة فقط.. رجل يفعل الكثير ولكنها غبية فقط تراه مجرم قاتل لا يفعل غير ذلك..


فارت الدماء بعروقه عندما بدأ بالمقارنة بينه وبين شقيقه فتقدم منها بعنف وقسوة يجذب الهاتف من يدها فانتفضت بفزع لأنها كانت شاردة الذهن لا تعلم بوجوده..


نظرت إليه باستغراب وهو يقف بغضب وعصبية يظهران عليه فمسحت دمعاتها السائلة وحاولت أن تعود تلك التي يراها دائمًا على الرغم من أنها محتها بضعفها أمامه أمس..


سألها بغلظة وهو يضغط على الهاتف بيده:


-أنتي بتعملي ايه 


اعتدلت في جلستها على الفراش ونظرت إليه قائلة بصوت خافت وأعين ذابلة من كثرة البكاء:


-مش بعمل


سألها مرة أخرى بقسوة ونظرات عينيه حادة عليها:


-وبتعطي كده لـيـه


استمعت إلى سؤاله وعينيها تنظر إليه ولكنها لن تقوى على الإجابة فصرخ بها وهو يتقدم للأمام:


-ما تردي


لم تجب وظلت تنظر إليه بعينيها الباكية ونظرتها نادمة مُنكسرة فقال بحدة يمسك بذراعها:


-بتعيطي علشان ندمانه على اللي حصل بينا مش كده.. أنا جوزك وأنتي مراتي ومن حقي وحلالي أنا


حركت شفتيها باستهزاء تسأله ساخرة:


-أنت تعرف الحلال والحرام


ضغط على ذراعها بين قبضته بضراوة وصرخ أمام وجهها بعنف واستماته وهو يدافع عن حقه بها:


-لأ معرفوش بس عندك أنتي بقى وهعرفه أنتي حقي أنا مش حقه هو.. يونس مات من زمان أنتي دلوقتي مراتي 


تابعت نظراتها نحوه وأجابته بشراسة وعناد وصوتها يرتفع أمامه:


-يونس مات صحيح لكن عايش في قلبي 


نهشت الغيرة قلبه وفارت الدماء بعروقه من حديثها الذي تفوهت به عن شقيقه وهي زوجته هو، ثار غضبه عليها فترك يدها وتدم بكفه فجأة صافعًا إياها بعنف فقد أهانت رجل وحتى لو لم تكن تبغاه..


صدح صوته أمام وجهها وتبعثرت أنفاسه عليها بعد أن جذبها من خصلاتها لتنظر إليه بعمق:


-محدش ليه الحق يبقى في قلبك غيري أنا.. أنا جوزك 


ثار بركان غضبها هي الأخرى بعد صفعته لها مرة بعد مرة أنه رجل غير متحضر مختل، صرخت بوجهه بعدما كانت أصبحت علاقتهم تتحسن:


-أبعد ايدك عني أنت حيوان 


لم يصغي إلى ما تقوله بل أكمل هو بمنتهى الغرور والعنجهية يطنعها بقلبها ويطعن قوتها وأنوثتها كما طعنته الآن بسكين الغيرة:


-لو كان يونس عايش في قلبك مكنتيش رميتي نفسك عليا بالشكل ده 


ضربته بقبضة يدها الصغيرة بصدره وهي تنفي حديثه قائلة بعصبية:


-أنا مرمتش نفسي أنت كداب.. أنت اللي قربتلي 


أكمل بنظرات حادة وصوته خافت أمام وجهها يخرج كالفحيح ناظرًا:


-وأنتي عملتي ايه؟ كنتي موافقة ولا لأ كل حاجه حصلت كانت برضا منك مش بالغصب جاية دلوقتي تعيطي عليه وندمانه 


أومأت إليه برأسها ونظرت إليه بتحدي وقوة تماثل نظراته نحوها:


-آه ندمانه 


سخر منها وهو يبتسم بزاوية فمه ثم ضغط على خلاصتها السوداء الطويلة وهو يجذبها أكثر لتقترب منه وأردف يكمل حديثه بثقة كبيرة وتأكيد ونبرته القاسية تضعي على كل شيء:


-لأ مش عندي.. الندم ده مش عندي يونس تنسيه تطلعيه من دماغك يا غزال الله وكيل لو ما اتعاملتي باحترام وعرفتي إنك متجوزة هوريكي وش اوسخ من اللي شوفتيهم وأنتي عارفه أنا مبتوصاش 


أكمل وهو يُشير بيده المُمسكة بالهاتف التي كانت بها الرصاصة ولكنه فك رباطها فقط يلتف الشاش حول ذراعه.. أشار على قلبها يمثل ما يقوله بغلظة وخشونة:


-ولو كان في قلبك زي ما بتقولي.. فقلبك ده أنا اخلعه من مكانه بأيدي أشيل منه يونس وارجعه مكانه تاني 


تابع وهو يقترب أكثر من شفتيها قائلًا بخبث:


-حطي الكلام ده في عقلك.. أنا جوزك واللي حصل بينا هيتكرر كتير علشان ده حقي.. وحقك


صرخت بوجهه وتناثرت أحرف كلماتها عليه وهي تقول بعنف وشراسة:


-مش عايزة من وشك حاجه يا جبل.. مش عايزة 


ابتسم إليها بثقة وأومأ برأسه قائلًا بمكر:


-لأ عايزة يا غزال.. عايزة وأنا شوفت ده بنفسي 


علمت ما الذي يتحدث عنه ولكنها لا تستطيع أن تظهر الضعف إليه وتثبت أن حديثه صحيح فقالت مُتسائلة بسخرية وتهكم محاولة مداراة ضعفها:


-شوفته إزاي بقى


حرك عينيه الخضراء على وجهها وأخفى ذلك الرعب الذي يتكون داخلها ويبعثه إليها في كل نظرة منه ظاهرًا فقط الخبث والمكر وهو يهتف بصوت خافت حنون يتذكر كل ما حدث بينهم في شريط سريع على عقله:


-شوفته امبارح في كل لمسة وهمسة خرجت منك وأنتي معايا.. تحبي أقولك أكتر شوفته إزاي


حركت يدها وحاولت دفعه للخلف ولكنه كان مُتمسك بخصلاتها بقوة فصاحت به بعد أن خانها عليها حديثه:


-سيبني يا جبل 


تابع ضعفها الذي تحاول إخفاءه ونظر إلى عينيها التي تحاول الهرب منه فقال بصوت رخيم ينظر إليها:


-أول مرة اسمي يبقى حلو كده


رفعت عينيها عليه بغرابة وذهول فصاحت قائلة: 


-أنت مجنون ومختل 


دفعها للخلف فأبتعدت على الفراش ألقى الهاتف جوارها وأبتعد هو الآخر يقف مستقيم شامخ وقال بثقة وتأكيد:


-بس أنتي لسه مشوفتيش جنون 


نظرت إليه بعينين متحيرة، قسوة قلبه تشبه نهر ارتفع منسوب المياة به فأحدث فيضان ومات الجميع بسببه، ورحمته تشبه نفس ذلك النهر الذي ارتفع منسوبه فأحدث فيضان وارتوى منه الجميع وكان سبب في احيائهم بعد جفاف حل لسنوات..


من هو بينهم!..


أبتعد عنها يفتح خزانة الملابس الخاصة به ليصل إلى خزنة أوراقه وماله الموضوعة بها يتذكر نظراتها الشرسة والضعيفة..


امرأة قوية شرسة تشبه الجواد الذي يُسير راكضًا يعبر الحواجز بتفوق ليفوز على الجميع يصعب ترويضه والوقوف إلى جواره.. 


ولحظة أخرى بنظرات ضعفها وحزنها تشبه نفس الجواد الذي خرج خاسرًا بعد أن فاز عليه الفارس الذي روضه وأصبح ملك له..


ابتسم بمكر وهو يدرك جيدًا أنها ذلك الجواد الذي سيروضه ويصبح ملك له.. كل الإشارات تقول ذلك وهو يعشق التحدي واللعب بهذه الطريقة وإلا لم يكن الآن "جبل العامري" 


❈-❈-❈


منذ اليوم الذي تلقى به جبل تلك الرصاصة وهو يمنع دخول أو خروج أي شخص من الجزيرة إلا عندما يعلمون من هو جيدًا والحراس على كل مدخل ومخرج بالجزيرة، يلتفون حول القصر ليلًا نهارًا خوف من حركة اغتيال أخرى قد تصيب أحدهم..


إلى أن وجدوا ذلك الخائن الذي قام بإطلاق النار عليه ملقى في الغابة بعد أيام فلم يستطع الخروج منها ولا الاختباء بها..


عثر عليه الحراس أثناء بحثهم مرة أخرى كما أمرهم وفي هذه المرة قاموا بالإمساك به ولكنه كان بحاله سيئة متدهورة للغاية.. بضعة أيام دون طعام أو شراب في الغابة تحت أشعة الشمس الحارقة لا يخفيه عنها سوى أوراق الشجر، والخوف ينهش قلبه ليلًا كلما استمع إلى أصوات الذئاب يصعد على أغصان الأشجار كي يبتعد عن أعينهم..


الآن بعد اتخاذ الأوامر هو ملقي على مقعد داخل الجبل في تلك الغرفة التي رأتها "زينة" مليئة بأدوات التعذيب يلتف حول جسده والمقعد معًا سلاسل حديدية تعيق حركته..


نظر إليه جبل وهو يقف ومعه حراسه، رفع يده إلى أحدهم يشير إليه فقام بالتلبية حيث أمسك بجردل مياة ثم ألقاه على ذلك مغمض العينين الذي أمامهم..


استفاق مفزوعًا ينظر إليهم واحد تلو الآخر واستقر بنظراته على "جبل العامري" ابتلع تلك الغصة التي تشكلت بحلقة وهو ينظر إليه خوفًا ورهبتةً منه


أشار "جبل" بيده مرة أخرى فاتى إليه أحدهم بمقعد آخر ثم وضعه أمامه، أمسك "جبل" بالمقعد وقام بعكسه ليجلس عليه جاعلًا ظهره للأمام ووجه للخلف، نظر إلى الرجل ونظراته جميعها لا تعبر إلا عن الشر..


أردف متسائلًا وكأنه يجلس بقاعة محاكمة:


-اسمك وسنك 


اجابه الآخر بعدما ابتلع لعابه وهو ينظر إليه بفزع فالمكان الذي به وهولاء الراجل وذلك كبيرهم يجعلونه يشعر بالرعب:


-شكري مهران.. أربعين سنة 


رفع أحد حاجبيه وقال بجدية وهو ينظر إليه بحدة:


-مهران.. يعني مش من العوامرية


أومأ الآخر إليه قائلًا وجسده يرتجف:


-لأ يا بيه 


ثبت "جبل" نظرته عليه واستند بيده الاثنين على ظهر المقعد من الأعلى يقول بغلظة:


-مين اللي وزك تعمل اللي عملته 


أجابه الآخر بصوت مرتفع وملامح صارخة بالرعب:


-محدش وزني 


حرك جبل لسانه داخل جوفه وأردف يسأله بجدية وعيونه لا توحي بالخير أبدًا:


-ليك طار عندي


حرك رأسه بالنفي قائلًا:


-لأ يا بيه 


صدح صوت "جبل" الصارخ بوجهه بعنفوان وشراسة وعينيه مثبتة عليه تنظر إليها تبعث بجسده الخوف والارتعاب:


-اومال جالك الوحي تضربني بالنار يا روح أمك


تدلى الخوف منه وانسابت الدموع من عينيه معلنة ضعفة ورهبته:


-يا... يا بيه أنا مقدرش أتكلم أنا عبد المأمور


أجابه الآخر بثقة وقوة وهو يُشير أسفله يكمل حديثه منتهى البرود والهدوء:


-وعبد المأمور لو متكلمش هيندفن مكانه.. ومتقلقش مش هتبقى لوحدك في تحت منك كتير 


صرخ به فجأة عندما وجده لا يتحدث:


-انطق مين اللي وزك 


أجابه بصوت مُرتجف والبكاء يُسيطر عليه بضعف خوفًا على أولاده:


-يا بيه مقدرش.. هيقتل عيالي 


تحدث بقسوة وعنفوان وهو يبعث الرعب به أكثر:


-ما أنت بردو لو متكلمتش هقتلهم أنا.. أنت تسافر وهما هيحصلوك 


وقد كان قلبه يدق بعنف وضرباته تشتل خوفًا ورهبةً مما هو به ولكنه قال مرة أخرى:


-يا بيه أنا.. أنا عبد المأمور مقدرش أتكلم 


صدح صوت "جبل" بإسم "جلال" ونظراته مثبتة على الرجل أمامه ولم يرف له جفن:


-جلال 


أتى جلال بصاعقة كهربايئة قام بتشغيلها ثم وضعها على جسده تحت صراخته المتوسلة لهم بأن يرحمه لأنه قليل الحيلة وليس له يد بما حدث أنه فقط كان ينقذ ما طلب منه مقابل الكثير من المال ليأمن به حياة أبنائه الفقيرة..


أبتعد عنه جلال عندما شعر أنه يفقد صوابه فنظر إليه جبل قائلًا بقسوة وشر وهو يبتسم بلا مبالاة:


-قبل ما نسفرك هنستعمل عليك كل الحاجات دي.. عايزين نجربها


تدلى رأس الرجل على جسده بضعف فلم يعد يتحمل كل ما يحدث به ولم يشفع له سنة الكبير عنهم جميعًا.. 


فقال "جبل" مرة أخرى ولكن ما قاله خرج منه بقذارة وتفكيره منحدر نحو الهاوية:


-ولو عندك بنات قبل ما يسافروا ليك بردو الرجالة تجرب عليهم حاجات تانية 


رفع رأسه سريعًا عنوة عنه وهو لا يستطيع ولكنه صرخ عاليًا وارتجاف جسده لم يهدأ:


-لأ... لأ هتكلم بس تدوني الأمان أنا وعيالي 


أومأ إليه بثقة:


-خدته.. أتكلم


سأله بخوف وعدم ثقة:


-خدته إزاي يعني 


أكمل بصرامة وقوة:


-كلمة جبل العامري أمان وسيف.. أتكلم 


استرسل الرجل في الحديث يسرد عليه من أمره بفعل ذلك ولما قد يفعل:


-اللي خلاني أعمل كده واحد اسمه طاهر أداني فلوس كتير علشان عيالي وقالي اضربك بالنار.. أنا شغلتي اخوف حد أعمل لحد عاهة لكن مموتش بس الفلوس غوتني 


أكمل بجدية وهو ينظر إليه:


-قالي محدش في الجزيرة يقدر يعملها مافيش غيري وافقت 


سأله ناظرًا إليه وهو يعلم أن الخائن مازال في الجزيرة أو مجموعة الخائنين لـ "جبل العامري":


-دخلت الجزيرة إزاي


اجابه بصدق وجدية فلم يكن يعلم حقًا:


-أنا معرفش يا بيه هو اللي امنلي طريق الدخول من النيل ومشيت فيها كأني واحد من العوامرية


أومأ إليه برأسه ثم نظر إليه وباغته بسؤاله الذي استغربه الجميع:


-دفعلك كام 


قال الرجل بخوف:


-عشرين ألف


صرخ جبل في وجهه حتى أنه افزعه وهو يقول بعد ذلك بمنتهى البرود والنرجسية:


-غبي.. حياة جبل العامري بعشرين ألف بس!


وقف على قدميه ليخرج من الغرفة وهو يقول بقسوة ضارية:


-علموه الأدب وارموه في النيل يا إما حد لحقه يا إما غرق 


صرخ الرجل عليه وهو يراه يخرج من الغرفة بعد أن أعطى الأوامر القاتلة له:


-جبل بيه أنت ادتني الأمان يا جبل بيه 


استدار ينظر إليه بعينين ثابتة مخيفة لكنه قال باستهزاء:


-تصدق.. كنت ناسي، تحب تخرج عن طريق الغابة ولا النيل 


قال بتوتر وهو ينظر إليه:


-اللي تشوفه يا جبل بيه 


أبتعد إلى الخارج وتركه لا يدري ما الذي سيحدث له، وقف مع "عاصم" في الخارج وهتف بنبرة حادة:


-الخونة كترو في الجزيرة يا عاصم.. مش هنعرف نسيطر ولا ايه 


تفوه "عاصم" بالحديث الجاد مثله وهو يحاول أن يجعله يشعر بالاطمئنان ولو قليل على الرغم من أن الوضع لا يسمح:


-من بكرة الصبح هطلع حراس يلفوا في الجزيرة كلها من شرقها لغربها وأي حد خاين معروف مصيرة ايه 


قال بقوة وهو يسير بيده إلى الداخل:


-غورو الراجل ده بس علموه الأدب الأول.. 


ثم أكمل بقسوة وصرامة ونظرات عينيه مخيفة للغاية ولكن كلماته كان لها مغزى واضح وصريح:


-عايز الجزيرة كلها تعرف أننا قتلناه 


أومأ إليه "عاصم" وقد أدرك ما الذي يريد الوصول إليه:


-تمام


أبتعد يخرج تاركًا إياهم معه يفكر في ذلك "طاهر" الذي لا يريد أن يرحم نفسه من يدي "جبل" هو من يحفر قبره بيده ويسارع متعجلًا بالولوج إليه.. يا له من غبي..


❈-❈-❈


"بعد مرور عدة أيام"


جلست شقيقتها جوارها على الفراش في غرفتها نظرت إليها بعينيها الزرقاء مطولًا بعمق وشفتيها تود التحرك بالحديث ولكنها تعود عنه..


رفعت "زينة" وجهها إليها وهي تعلم أنها تود قول شيء منذ أن جلست معها فقال بجدية ناظرة إليها:


-اتكلمي قولي اللي عايزة تقوليه 


رفعت عينيها وبقيت أمام سوداويتها مباشرة متسائلة باستغراب:


-عرفتي منين إني عايزة أقول حاجه 


ابتسمت برفق قائلة بهدوء:


-شكلك بيقول إن في كلام جواكي ومش عارفه تطلعيه 


خرجت الكلمات منها بعفوية تامة وهي تتابعها تتسائل:


-أنتي إزاي حبتيه بالسرعة دي 


للحظة بقيت بعينيها تنظر إليها تحاول أن تفهم ما الذي تقصده وما الذي تتسائل عنه، ما يأتي على خلدها لم تكن تصدقه فقالت:


-هو مين ده اللي حبيته


اجابتها بهدوء وثقة:


-جبل


استغربتها كثيرّا واستنكرت حديثها فتابعت هي الأخرى تتسائل مضيقة عينيها عليها:


-حبيته! مين قال إني حبيته 


اعتدلت في جلستها أمامها وأردفت قائلة بجدية شديدة ما تراه أمامها:


-أنا حاسه بكده.. نظراتك في الفترة الأخيرة ليه كلامك معاه سكوتك عن قعدتنا هنا مع أنك كنتي رافضة أوي وعد اللي سيباه ياخد مكان يونس في حياتها 


قالت هي الأخرى بجدية وقوة توضح لها ما تفعله معه وأن كان حب أو لا:


-نظراتي وكلامي معاه ميقولوش إني بحبه أبدًا هو يمكن في الفترة الأخيرة فعلًا اتغيرت شوية بس ممكن تكون شفقة أو حزن عليه.. على قد ما هو صعب زي ما أنتي شايفة بس عادل وبيعرف يتصرف وأتاخد على خوانة 


أشارت بيدها بقلة حيلة وعدم معرفة وهي تقول:


-بالنسبة لحكاية قعدتنا هنا فأنا دلوقتي مراته ومش عارفه هنمشي امتى ولا هاخد حقي ولا لأ ووعد دي الحاجه الوحيدة اللي ممكن أكون مبسوطة بسببها


أكملت وهي تعلم أن دوره في حياة ابنتها الشيء الوحيد الجيد الذي يفعله معهم وهذا سبب من الأسباب الذي تدفعها للتكملة معه فقط لأجل ابنتها:


-وعد اتحرمت من يونس بدري وبقت يتيمة أنا شايفة جبل بيعوضها وبياخد دور أبوها علشان تعرف تعيش 


نظرت إليها شقيقتها للحظات ثم باغتتها بذلك السؤال وهي تتابع عيناها:


-يا ترى هياخد دور جوزك ويقدر يقوم بيه زي ما قام بدور الأب لوعد


حركت كتفيها بعد أن نظرت للبعيد تفكر في كلماتها التي دلفت قلبها مباشرة وعقلها لم يتركها دون التفكير بها:


-معرفش 


سألتها مرة أخرى:


-لو عمل ده هتفضلي معاه!


وقفت "زينة" على قدميها تبتعد عنها تسير في الغرفة تعطي إليها ظهرها وحقّا لا تستطيع تحديد موقفها تجاهه:


-معرفش بردو.. بس في حاجات كتير أوي تمنعني أعمل كده.. الجزيرة بيحصل عليها حاجات مقدرش استحملها وهو بيعمل حاجات......


بترت حديثها عندما علمت أنها تدلف باشياء لا تدري بها شقيقتها ومن المفترض ألا تدري بها أبدًا.. سألتها هي بعدما قطعت حديثها بفضول:


-بيعمل ايه كملي!


حاولت التغاضي عما كانت ستتفوه به وقالت كلمات أخرى حقيقة للغاية تعذبها عندما تدرك أنها لا تفهم شيء ولا تستطيع الاختيار:


-بيعمل تصرفات غريبة وحاجات أغرب مش فهماه مش عارفه هو الخير ولا الشر مش عارفه أقدر أكمل على الجزيرة وأشوف نهايتها ولا مش هستحمل 


سألتها بثقة:


-أقولك أنا!


أومأت إليها قائلة:


-قولي 


أردفت بتعقل وكلمات عقلانية لم تعتقد أبدًا أن تخرج منها يومًا ولكنها كانت تعلم أكثر بكثير مما تعلم به شقيقتها وواجهتها باشياء لا تستطيع حتى التفكير بها:


-هتكملي معاه، عيونك بتقول إنك محتاجه ده.. يمكن أنا صغيرة وساذجة ومعرفش أتصرف من غيرك في أي حاجه وأنتي كنتي الأمان ليا بس أنتي محتاجة أمان لنفسك من بعد يونس ومش هيكون غير جبل


نفت ما تقوله بقوة وبغض: 


-أكيد لأ.. أنا مقدرش أكون الإنسانة اللي موجودة معاه بجسمها بس كمان في ظل الظروف دي


سألتها ثم أجابت هي أيضًا بثقة وتأكيد:


-ومين قال كده.. أنتي هتبقي معاه بقلبك


وضعت يدها على موضع قلبها وتذكرت زوجها "يونس" الذي قامت بخيانته مع شقيقه ومحت كل ذكرياته من عقلها في تلك الساعة المشؤومة:


-قلبي مفيهوش غير يونس وبس حتى وهو مش موجود 


وقفت "إسراء" هي الأخرى وتقدمت منها تضع كف يدها على كتفها وقالت برفق ولين:


-يونس الله يرحمه من خمس سنين أظن قلبك حل عليه الجفاف ومستني اللي يرويه 


استدارت زينة تنظر إليها باستغراب جلي وذهول لكل ما تفوهت به حتى الآن فهذه ليست شقيقتها:


-أنتي جايبه الكلام ده منين 


ابتسمت إليها بهدوء وتفوهت قائلة بكلمات أكثر تعقل ولكن نبرتها كان ينبع من داخلها كل معنى تقوله ويظهر على تعابيرها مع كل كلمة تغيرها من حب إلى اشتياق إلى لهفة وكأنها واقعة في الحب حقًا:


-كلام أغاني.. بس حقيقة.. القلب محتاج حنان وأمان وابتسامة وفرحة ولهفة وغيرة واشتياق وكل ده بيجي من الحب والشخص اللي بتحبيه حاليًا الشخص اللي بتحبيه أنتي مش موجود من مدة طويلة أظن قلبك هيلين مع أول واحد يدق بابه علشان يرجع يعيش كل الحاجات دي 


وجدت "زينة" تنظر إليها دون حديث تحاول فهم كيف أدركت كل هذا في أسابيع فقط مضت عليهم هنا فابتسمت أكثر اتساعًا وقالت لها:


-متستغربيش من كلامي ده الحقيقة.. قولتلك أنا صغيرة وساذجة بس فاهمه اللي قدامي وفاهمه الحب 


سألتها هذه المرة وأخذت دورها قائلة بجدية ونظراتها مُثبتة عليها:


-وفهمتي الحب منين يا إسراء


للحظة ترددت ووترتها تلك النظرات التي تخرج من أعين شقيقتها تجاهها ترمي عليها أسهم الشك ولكنها هربت من ذلك قائلة:


-هيكون منين غير المسلسلات التركي اللي بسمعها 


أومأت إليها برأسها قائلة بسخرية:


-ماشي ياست ياللي فاهمه الحب 


لم يعجبها نبرة السخرية والتهكم التي خرجت منها فقالت بجدية وثقة:


-بكرة تقولي إن كلامي صح وحقيقي 


حركت كتفيها إليها قائلة:


-جايز.. وجايز لأ بردو


واحدة منهم وقع قلبها أسيرًا للحب في جزيرة العامري، اعترفت به أمام نفسها بعد خجل دام كثيرًا عندما تشتعل وجنتيها بالحمرة أثناء حديثه معها، وعندما يغليها التوتر وهو ينظر إليها، وعندما تتعلثم في الحديث أثناء النظر إليه..


بينما الأخرى إلى الآن لا تدري ما الذي تشعر به تجاهه، لحظات تشعر بالبغض والكراهية ولحظات أخرى تشعر بالشفقة عليه ولحظات غير كل هذا تشعر بأن هناك شرايين في قلبها تتحرك تجاهه!..


هل تخفي جزيرة العامري أسرار بعد!.


❈-❈-❈


خارج القصر أمام بوابته الحديدية الخارجية وقفت فتاة في ربيع عمرها تغرق الدموع وجهها ونهش الحزن ملامحها مع نحافة وجهها وجسدها على الرغم من أنها جميلة بيضاء البشرة ذات خصلات حريرية تخرج من أسفل حجابها الغير مهندم تتحرك رافعة تلك العباءة الكبيرة عليها تدق بيدها الاثنين على البوابة من الخارج تصرخ بعنف باسم "جبل العامري"


صرخت بصوتٍ عالٍ وهي تدق بيدها تطلب النجدة:


-جبل بيه.. الحقني يا جبل بيه


لم تجد إجابة من أحد في الداخل فـ أشتد البكاء عليها وأخذت تدق بقوة أكثر صارخة:


-افتحولي البوابة دي أنا عايزة أشوف جبل بيه 


مرة أخرى تكرر النداء ولا أحد يلبي إليها:


-يا جبل بيه اسمعني 


فتح "جلال" البوابة وطل منها صارخًا بوجهها بصوتٍ خشن قاسي:


-في ايه يا بت أنتي


ما أن فُتحت البوابة حتى ركضت إلى الداخل بعدما دفعته بيدها وتسللت من جواره سريعًا فصاح بسبها وهو يركض خلفها:


-يا بت الكلب.. اقفي عندك يابت أنتي


وقفت عند البوابة الداخلة وسارت تدق مرة أخرى تكرر ما كانت تفعله بالخارج ولكن "جلال" أعاق حركتها وهو يقوم بالإمساك بها:


-جبل بيه.. يا جبل بيه الحقني الله يخليك 


نظرت "زينة" إلى "جبل" الذي كانت تجلس جواره في غرفة الصالون وبينهما ابنتها:


-في ايه 


لم يكن يدري ما الذي يحدث فأردف بعدم معرفة:


-مش عارف 


وقف على قدميه وسار للخارج.. فوقفت زينة خلفه مُشيرة لـ "إسراء" و "وعد" بالبقاء في الداخل وذهبت هي لترى ما الذي يحدث ومن تلك الصارخة بإسمه 


فتح البوابة وطلع منها ليجد "جلال" يتمسك بفتاة من معصمها يجبرها على الرحيل، تقدمت زينة هي الأخرى تنظر إليه وصرخت به بعنف بعدما استفزها ما يفعله معها وتذكرت موقف شقيقتها:


-ايه الجنان ده هو بيعمل ايه قوله يسيبها 


نظر إليها "جبل" بقوة لأجل صوتها المُرتفع الصارخ ولكنها لم تهدأ عاصفتها ونظرت إليه بتحدي فأبتعد بعيناه إلى الآخر يأمره:


-جلال.. سيبها 


تقدمت منه الفتاة مُتوسلة إياه والبكاء يغرق وجهها وتقدمت تقبل يده:


-جبل بيه الحقني يا جبل بيه أبوس ايدك.. أبوس رجلك ساعدني يا جبل بيه أنا تعبت علشان اوصلك


سحب يده سريعًا منها ينظر إليها بعمق واستغراب معًا فالأحداث الآن غريبة للغاية 


كاد أن يأمر "جلال" بتفتيشها فهو بات لا يثق بأحد على هذه الجزيرة ولكنه نظر إلى "زينة" عائدًا في حديثه فالرجـ ـل لا ينبغى أن يفعل ذلك..


أردف بقوة وصرامة ناظرًا إليها بجدية:


-زينة.. فتشيها 


أقتربت منها "زينة" وقامت بتفتيشها جيدًا والبحث في ملابسها من الخارج عن أي شيء قد يكون معها والأهم من أي شيء قد يكون سلاح فالجميع هنا حتى الأطفال تعتقد أنهم يملكونه..


قالت بثقة وجدية:


-معهاش حاجه 


مسحت وجهها بكف يدها وهي تتقدم منه تنظر إليه بخوف قائلة بصوت يرتعش ومن بين حديثها قالت عن ذلك الرجل الذي علمت به الجزيرة بأكملها:


-والله ما معايا حاجه يا جبل بيه ولا يمكن أذي حد لو مكنش علشان خيرك مغرقنا يبقى خوف علشان الراجل اللي قتـ ـلته لما ضرب عليك نار 


نظرت "زينة" إليه سريعًا عندما أتمت حديثها، بقيت عينيها عليه مستغربة للغاية وخائفة إلى ما لا نهاية، مرة أخرى يقـ ـتل رجل آخر! الأول كان خائن والثاني حاول اغتياله! لما القـ ـتل عنده شيء سهل إلى هذه الدرجة.. لما قـ ـتل الأرواح كقـ ـتل الطيور القابلة أن تصبح للطعام..


علم ما تفكر به زوجته عندما أطالت النظر عليه وعينيها تتسائل بألف سؤال كل دقيقة، سأل الفتاة بغلظة:


-أنتي مين وعايزة ايه 


أشارت إلى نفسها وهي تقول بلهفة وحزن وكلماتها تخرج من بين شفتيها بارتعاش وكأن هناك من يلاحقها إلى هنا:


-يسرية أنا يسرية العامري من الجزيرة واقعة في مشكلة هتطير فيها رقاب يا جبل بيه محدش غيرك يقدر يحلها


سألها مرة أخرى مُضيقًا عينيه عليها:


-مشكلة ايه دي 


نظرت حولها ورأت "زينة" و "جلال" فقالت بتردد:


-أتكلم كده


أومأ إليها قائلًا بكلمات تخرج منه بعفوية:


-دي مراتي اتكلمي 


تلبكت أكثر وهي تنظر إليها قائلة برفق تصلح ما أخطأت به ولكنها بقيت خائفة:


-أهلًا يا هانم زادني الشرف والله.. بس 


فهم "جبل" ذلك فنظر إلى الآخر الذي يقف خلفها وأشار إليه بيده ليرحل:


-روح أنت يا جلال 


تغاضت "زينة" عما برأسها وعقلها الذي تنهش به الأسئلة والتوقعات ناظرة إليه بعدما اشفقت على حالة الفتاة فلم تستطع النظر إليها وهي هكذا:


-ممكن تخليها تدخل؟ شكلها خايفة ومتبهدلة


أومأ إليها ومازال يشعر بالخوف منها أن تأذي أحدهم ولكنها أن فكرت فقط لن تخرج من هنا بقطعة واحدة كاملة في جسدها:


-ماشي دخليها المكتب وخدي بالك أنا جاي 


ذهبت معها إلى الداخل بهدوء تأخذها إلى مكتبه الخاص داخل القصر، جعلتها تجلس أمام المقعد على أحد المقاعد المقابلة له وجلست قابلتها قائلة بفضول تحاول أن تعلم ما بها:


-أنتي مالك.. ايه مشكلتك وليه شكلك عامل كده


تطلعت نحوها الفتاة ببعض من الاستغراب وهي تسألها: 


-كده إزاي يا هانم 


قالت "زينة" بعقلانية تشبهها بالوردة المنزوعة من مكانها قبل الأوان فذبلت إلى أن أصبحت هكذا:


-دبلانة كأنك وردة مقطوفة من مكانها


أومأت إليها وهي تتقدم في جلستها على المقعد لتقترب منها وهي تقول بلهفة وخوف:


-أنا مخطوفة فعلًا يا هانم ومشكلتي كبيرة وعويصه ومحدش يعرف يحلها ولا يدي فيها أمر غير جبل بيه


أكملت مرة أخرى بتوسل عندما وجدتها تنظر إليها ببلاهة:


-قوليله يسمعلي ويساعدني يا هانم 


تفوهت "زينة" بثقة تتحدث عنه بعدما رأت موافقة النبيلة مع الناس هنا على الجزيرة ووقوفه إلى جوارهم:


-أكيد هيساعدك من غير ما أقوله


أكملت الفتاة مرة أخرى وهي تعتقد أنه لن يساعدها ولن يستمع إليها من الأساس مُعتقدة أن زوجته هي من تجعله يستمع إليها ويساعدها:


-لو موافقش كلمة منك يا هانم استسمحك بيها 


قالت بجدية بعدما اختنق صدرها من هذا اللقب الذي يجعلها تشعر بالغرابة منهم وكأنهم يعيشون في العصور القديمة عندنا كان هناك ملوك وعبيد:


-اسمي زينة مش هانم 


وضعت كف يدها على صدرها وتشدقت بحركة غريبة بفمها لم تحاول حتى استيعابها وقالت:


-المقامات محفوظة يا هانم 


حركت رأسها بيأس من هؤلاء البشر الذين يجعلونها شخص غير الذي هي عليه 


دلف جبل إلى الغرفة بجدية يُسير شامخ وطوله فارع، أقترب إلى أن جلس خلف المكتب أمامهم هما الاثنين ثم نظر إلى الفتاة قائلًا بخشونة:


-اتكلمي في ايه 


مسحت عبراتها واعتدلت تنظر إليه هو قائلة بتعلثم والكلمات تقف على بابا شفتيها خجلًا:


-أنا.. أنا بحب واحد يا جبل بيه 


صمتت للحظات وهو ينظر إليها هو وزوجته ينتظر أن تكمل ما بدأته، بقيت صامته فصاح هو ساخرًا منها ثم أكمل بسخط:


-دي المشكلة اللي جايه علشانها.. عايزة اجوزهولك ولا ايه.. أنتي بتهرجي


نظرت إليه الأخرى وقالت بهدوء تحسه على الاسترخاء كي يستمع إلى الفتاة بهدوء ولا يخيفها فيكفي ما به:


-بالراحه يا جبل 


لم يصغي إلى حديثها وصاح بعنف وغلظة وهو يقترب إلى الأمام:


-اتكلمي يا بت


أردفت بجدية تقص عليهم ما حدث معها والدموع بدأت في الخروج مرة أخرى من عينيها وهي تحكي ما حدث:


-كنت بحب واحد يا جبل بيه.. وهو كان بيحبني آه والله كان بيحبني يا هانم.. جه اتقدملي أكتر من مرة أبويا وأخويا رفضوا الجوازة علشان عايزينه عنده ملك على الجزيرة..


لوعة الحب احرقتها وناره استوت عليها والحرقة بقلبها تحكي بها وتظهر عليها واللهفة تتحدث قبل منها متحدثة بمعانتها:


-مكانوش يعرفوا إني بحبه ولا حتى أعرفه هو كان جاي على أساس السيرة والسمعة وسؤاله عني وعن أهلي في الجزيرة ومحدش يعرف اللي بينا بس رفضوا مرة واتنين وتلاته وأنا بحبه يا بيه 


مرة أخرى يسخر منها بعدما توقفت عن الحديث:


-وبعدين مش فاهم أكلمهم يعني يجوزهولك ولا ايه


نفت ما قاله وصمتت لحظة ثم أردفت متعلثمة بخجل تخفض وجهها إلى الأرضية بعيد عنه:


-لأ يا بيه أنا.. أنا اتجوزته من وراهم


رفعت بصرها إليه مرة أخرى بعدما أشتد الحزن بها وهي تتذكر آخر ما حدث بينهم وما القادم معهم:


-أبويا وأخويا غصبوا عليا بغيره وأنا ريداه هو اتجوزنا عرفي ودلوقتي هما عرفوا حالفين يقتلوني ويغسلوا عاري ويقتلوه هو كمان علشان أتجرأ وعمل كده 


وقفت على قدميها وهي تحاول الإقتراب منه تتوسلة بكل ما بها وتبكي بحرقة كبيرة ظهرت عليها منذ أن دقت على البوابة في الخارج:


-الله يرضى عليك يا جبل بيه ويخليلك الهانم ويرزقك بالذرية الصالحة تقف معايا أنت بس اللي تقدر توقفهم أبعدهم عني وعنه يا بيه 


تابعها بنظراته الحادة وكلماته التي تخرج بجدية تامة:


-أبوكي اسمه ايه وقاعدين فين في الجزيرة 


أجابته بإسم والدها ومنطقة مكوثهم وهي تبتسم ببطء بعدما بعث الأمل إليها بأنه سيساعدها ويقف إلى جوارها ويبعدهم عنها وعن حبيبها وزوجها الذي لم يتخلى عنها إلى الآن..


-كمال جابر العامري في شرق الجزيرة 


أومأ برأسه إليها بهدوء مقررًا مساعدتها وأن يمنع ما يريد والدها فعله في وجوده على الجزيرة فكان سيبعث أحد الحراس إليه ليأتوا به إلى هنا ولكنه استمع إلى أصوات في الخارج عالية تصل إليهم فوقف سريعًا ليخرج يرى ما الذي يحدث..


عندما خرج من بوابة القصر وجد رجل في عمر الخمسين وشاب في الثلاثين يقف جواره يمسك السلاح بيده رافعة للأعلى..


تقدم منهم "جبل" ونظرات عينيه على ذلك الشاب الذي بعدما رآه ظل على وضعه رافعًا السلاح كما هو ولم يهابه حتى..


وقف أمامهم وتحدث بقوة وحزم:


-أنت واقف جوا ملك العامري ورافع السلاح!


قدم والده يده ليخفض يد ابنه الممسكة بالسلاح وتفوه قائلًا بدلًا عنه بتوتر:


-سماح يا جبل بيه مخدش باله 


تابع ونظراته على الشاب ووضع يده الاثنين في جيوب بنطاله ووقف ببرود كما المعتاد منه:


-لأ ياخد باله وإلا العواقب مش هتبقى كويسه أبدًا 


صاح الآخر بضجر وحنق وهو ينظر إليه:


-عواقب ايه إحنا جاين ناخد أختي ونغسل عارها إحنا عارفين أنها هنا 


أومأ إليه برأسه بمنتهى البرود واللا مبالاة يؤكد على حديثه ثم أكمل بثقة وعنجهية:


-آه هي هنا.. بس قولي أنت تقدر تاخدها من غير أذني ولا هي ممكن تخرج معاك من غير أنا ما أقولها تخرج!


صدح صوته أمامه وهو يقول باستنكار وذهول:


-دي أختي


أجابه بجدية يوضح له من هو أيضًا بالنسبة إليها وإلى أهل الجزيرة ثم ختم حديثه بسخرية:


-وأنا مالك الجزيرة أخوها وأخ لكل واحدة عليها، ابن لكل أم وابن لكل أب وأنت شكلك كده مش عاجبني 


كان الشاب يشعر بالإهانة لأجل ما فعلته شقيقته به وبوالده وكان يقف أمام "جبل العامري" ويعلم من هو وما الذي يستطيع فعله ولكن النار المشتعلة داخله هي من تحركه:


-المفروض أعمل ايه علشان شكلي يعجبك 


تقدم منه "جلال" وأمسك به من تلابيب عباءته بعدما ازعجته نبرة حديثه:


-أنت بتتكلم كده ليه ياض أنت ما تتعدل ولا مش عايز تخرج من هنا حي


أمره "جبل" بهدوء:


-سيبه يا جلال 


تقدم منه والده وربت على يده يقول بخوف وتوتر وهو يحاول تبرير ما يفعله ابنه أمام كبير الجزيرة:


-الحق علينا يا جبل بيه سماح ابني دمه حامي ومقهور من اللي عملته أخته


تهكم عليه وهو يردف بسخرية:


-لأ ماهو واضح


سأل والدها ينظر إليه بجدية وحزم:


-أنت جاي علشان تاخد بنتك وتروح تقتلها هي وجوزها ولا جاي علشان هتسمع الحكم اللي هقوله وهتنفذه 


أردف شقيقها بدلًا عن والدها بتسرع:


-جايين ناخدها 


أخرج "جبل" يده اليمنى من جيب بنطاله وتقدم منه بعد أن استفزه ذلك الطائش ولكنه لا يريد أذيته، تقدم منه واضعًا يده على عنقه يشتد عليها قائلًا بغضب:


-الله وكيل مرة كمان وهتخرج من هنا عاجز 


تحدث والده سريعًا بذعر:


-جايين نسمع حكمك يا جبل بيه واللي أنت عايزة هنعمله 


أبتعد عنه ونظر إليه بعصبية وغضب، يُعكر صفوه وهو لا يريد أن يفعل به شيء يبدو أنه متهور ولا يفكر في الأمور قبل فعلها أو الأقدام عليها..


دلف بهم إلى داخل القصر بعد أن أخذ السلاح من شقيقها، تقدم معهم إلى الداخل ليصل إلى مكتبه المتواجد به زوجته والفتاة "يسرية" قبل أن يجعل أحد منهم يولج إلى الداخل وقف أمامهم قائلًا والباب مفتوح وهي تطل عليهم منه:


-أنا كلمتي بتطلع مرة واحدة بس، أي خطوة غلط من حد فيكم الله وكيل هعجزه 


نظر إلى "زينة" بعد أن دلف بهم كي تذهب إلى الخارج ولكن الحقيقة هي أرادت أن ترى كيف سيعالج هذا الأمر وكيف سيساعد الفتاة وينفذ والدها وشقيقها رغباته دون مجهود منه.. أقتربت منها وتحججت بها قائلة:


-خليني معاها 


لم يجيب عليها لأنه علم ما الذي تفكر به ويعلم أن فضولها هو من يسحبها خلفه دون إرادة منها فأعطى لها الفرصة وتركها لترى ما تريد 


أشار إليهم بالجلوس على الأريكة المقابلة لمكتبة وذهب هو الآخر ليجلس كما كان ناظرًا إليهم بكبر وعنجهية ثم قال متسائلًا:


-انتوا رفضتوا الشاب اللي أتقدم لبنتكم كام مرة لسبب مش منطقي 


أجابه شقيقها قائلًا بجدية:


-منطقي بالنسبة لينا 


أومأ إليه برأسه ثم سأله:


-علشان معندوش أرض؟


أومأ إليه الآخر وأجابه بتأكيد:


-أيوة


سألهم "جبل" مرة أخرى بخبث متواري خلف كلماته البسيطة التي تدل على أنه يريد معرفة أن كان هذا هو السبب فقط:


-في أي حاجه تانية تعيبه


تحدث والدها بجدية يقول الصدق:


-الشهادة لله لأ يا جبل بيه


ابتسم بهدوء وأبعد نظره إلى ذلك المتهور الفظ وسأله بجدية:


-أنت متجوز؟


أومأ برأسه يمينًا ويسارًا وقال:


-لأ لسه 


أعاد "جبل" السؤال مرة أخرى:


-خاطب


نفى مرة أخرى وقال بهدوء ينظر إليه ولا يدري ما السبب خلف أسئلته الذي لا علاقة لها بالأمر:


-لأ بردو لسه هخطب 


كرر أسئلته واستمر تحت أنظار الجميع وهو واثق من حديثه ويعلم ما الذي سيصل إليه في النهاية:


-عندك أرض


حرك رأسه يمينًا ويسارًا نافيًا:


-لأ معنديش 


نظرت إليه "زينة" بذهول يا لك من ماكر خبيث لا أحد يستطيع التغلب عليك، ذئب تأكل من أمامك وماكر كثعلب يغلب بالحيلة..


استمعت إليه وهو يُجيبه بسخرية يعود إلى ظهر المقعد يستند عليه بعنجهية بعد أن أوقعه بالفخ:


-يبقى مش هتتجوز بقى 


أجابه الآخر بضيق:


-ليه إن شاء الله ناقص ايد ولا رجل ولا يمكن ناقص حاجه تانية 


أشار إليه بيده بعدما نظر إليه بعمق وأتى فوق رأسه بخيبات لم يفكر بها، يقول بقسوة ضارية مُهينًا إياه في نهاية حديثه:


-ناقص أرض... لما تروح تتقدم لواحدة من الجزيرة وترفضك علشان أنت معندكش أرض ملك يبقى ده سبب منطقي ومن حق أي حد يرفضك ما أنت ناقص


وجده صمت هو ووالده، ينظر إليه بعمق ونظرات الكره حلت على وجهه لأنه تغلب عليه بالحديث فقط إلى الآن فتابع "جبل" بحديث عقلاني:


-الجواز بيتم بناءً على أسباب كتير منها، القبول والرضا بين الاتنين، الحب لو موجود، قبولك للي متقدم على أساس هو محترم ولا لأ شغال ويعرف يصرف على بيت ولا لأ وأسباب زي كده مش علشان معندوش أرض ملك 


نظرت إليه باستغراب مرة أخرى، الآن يقول الزواج يتم بالتراضي! بالحب ولأسباب أخرى لما إذًا هي فقط من تزوجت عنوة وقهرًا وكرهًا له وبه!..


استمعت إلى قسوته في الحديث وهو يتقدم منهم مرة أخرى يضع يده على المكتب يوجه عينيه الذي حولها لعيون مرعبة قائلًا:


-كلنا عارفين أن حتى اللي عنده أرض ملك في الجزيرة فهو وأرضه وماله وعياله ملك ليا... يعني الكل على الجزيرة معندوش حاجه 


يالا تلك القسوة والثقة! يالا هذا الجبروت الذي يخرج من مجرد نظرة عين منك أيها الجبل 


أومأ إليه الرجل بخوف وفزع بعدما تحدث "جبل" بهذا الحديث:


-أيوه يا جبل بيه أيوه


وقف على قدميه وأصدر حكمه الذي خرج كفرمان واجب التنفيذ دون النقاش بأي حرف به:


-بنتك هتتجوز.. بس المرة دي جواز على سنة الله ورسوله في حضورك وحضور أخوها وحضور الجزيرة كلها وفرحها ولو حاجه ناقصة في جهازها عندي أنا


وقفت الفتاة بعد وقوفه عن المقعد احترامًا له وهما أيضًا فعلوا مثلها ولم تستطع كبح دموعها في الخروج من عينيها.. فهي لم تخطئ عندما قصدت "جبل العامري"


تقدم منهم يضع يده في جيبه ونظر إلى شقيقها وخرجت الكلمات من فمه بتهديد واضح وصريح لهم:


-هتخرج من هنا معاكم.. الله وكيل ما حد يمس شعره منها أو من جوزها لاسفره مع اللي سافروا 


أومأ إليه الرجل وهو يرتجف خوفًا على ابنه إن أخطأ فلن يتحمل أحد منهم عقابه:


-كلامك هيتنفذ يا جبل بيه.. هيتنفذ 


ابتسم بزاوية فمه قائلًا بثقة:


-أنا عارف أنه هيتنفذ 


خرج معهم من المكتب بعد أن أخذوا الفتاة إلى الخارج ليذهبوا بها ويتم تنفيذ ما أمر به ويالا السعادة التي كانت تخرج من قصر العامري..


وقف شقيقها أمام "جلال" يطالب بسلاحه:


-السلاح 


وقف جبل أمام بوابة القصر الداخلية وصاح بصوت عالٍ كي يستمع إليه لأنه كان عند البوابة الخارجية:


-جلال.. متدلوش حاجه، السلاح مش أي حد يشيله لما تبقى تعرف تشيله إزاي الأول ابقى تعالى خده 


نظر إليه الشاب ببغض وغضب شديد يشعر به تجاهه فوالله لو تركوه عليه لمحى اسم "جبل العامري" من الوجود 


جذبه والده وهو يخرج به وبابنته بسرعة شديدة قبل أن يتحدث ويخطأ في الحديث فهو لا يريد سلاح فليس هناك أكثر منهم على الجزيرة..


دلف إلى الداخل، وقف في ردهة القصر أمام الدرج وخرجت هي من المكتب وقفت أمامه ابتسمت بسخرية وهي تقترب منه ثم قالت:


-خبيث ومكار 


غمزها بعينيه متهكمًا:


-وأعجبك 


هبطت "وعد" من على الدرج سريعًا وهي تهتف بإسمه فتح لها ذراعيه مُبتسمًا مُنتظرًا إياها تتقدم إليها، حملها على ذراعه يقبل وجنتها بحب وسعادة..


هناك من يقف على بوابة القصر، خرجت "ذكية" من الداخل وفتحت البوابة لتطل من خلفها فتاة في العشرينات، وقفت أمام البوابة ببنطال من الجينز الضيق وقميص بنصف كم تتطاير خصلاتها البنية على جانبيها.. جوارها حقيبة سفر كبيرة وبيدها غيرها..


استدار "جبل" الذي يحمل "وعد" على ذراعه ينظر ليرى من أتى من حراسه لكن قلبه خفق بقوة فجأة عندما رآها تقف أمامه..


ثبتت نظرات عينيه عليها، ترك "وعد" تهبط من على ذراعه دون حديث لتقف جوار والدتها وأعتدل هو في وقفته مرة أخرى ينظر إليها بعينه الخضراء..


ابتلع غصة مريرة وقفت بحلقة كما وقفت الذكريات بعقله الآن تسير بشريط سريع وكأنه على حافة الموت..


دقات قلبه المتعالية ونظرات عينيه نحوها، جسده الذي بقيٰ متشنجًا بعد رؤيتها وملامحه التي تغيرت مئة وثمانون درجة جعلو زوجته تنظر إليها هي الأخرى باستغراب.. فلم يأتي عليها الوقت الذي تراه يقف به هكذا مسلوب الإرادة غير قادر على التحرك فقط ينظر وعيناه لا تحرك اهدابها..


تقدمت هي إلى الداخل وتركت الحقائب في الخارج، دلفت القصر وهي تنظر إليه بقوة كما يفعل، حنين داخل قلبيهما يحرك عينيهما على بعضهم البعض.. لهفة ولوعة حارقة لكل منهما.. إحداهما خائن والآخر مطعون بسكين الحب في قلبه!..


تحركت شفتيه ببطء وصوته خافت للغاية تسيطر عليه كثير من المشاعر التي لم يستطع تحديدها، ندم وقهر، لهفة واشتياق، خذلان وحزن:


-تمارا


ما أن تفوه باسمها حتى تركت "وعد" والدتها وتقدمت منه لأنها شعرت بالضجر لأجل أنه تركها وهي كانت تريده، تمسكت ببنطاله قائلة بقوة:


-بـابـا


هذه الكلمة انتشلت الجميع من الحالة الذي هم بها، نظرت إليها "تمارا" بذهول واستغراب وحزن شديد ونيران اشتعلت داخل قلبها في لحظة واحدة بعدما كانت شعرت أن القادم سيكون أفضل..


وهو نظر إليها بقوة وكأنها تخرجه من الحالة الذي بها تنبهه بوجودهم معه هنا هي ووالدتها..


بينما تلك المسكينة التي كانت تقف لا تفهم ما يدور حولها نظرت إلى ابنتها مشفقة عليها، فيبدو أنها قريبًا ستفقد الأب الآخر الذي اكتسبته في فترة صغيرة..


نظرات من ثلاث أعين تنبع محتواها من داخل قلبهم، وكل نظرة تخرج من قلب تعبر عما به، إن كان اشتياق، أو حرقة، أو ندم..


❈-❈-❈


"يُتبع"


تكملة الرواية من هناااااااا



تعليقات

التنقل السريع