رواية فراشة المقبرة الفصل السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر بقلم اسماعيل موسي
رواية فراشة المقبرة الفصل السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر بقلم اسماعيل موسي
#فراشة_المقبرة
١٧
حين طلب الدكتور نادر من زهرة إجراء بعض التجارب، لم يظهر عليها أي تردد. كانت معتادة على العمل في المختبر، وعلى التعامل مع العيّنات البيولوجية بأقصى درجات الدقة. لكنها لم تكن تتوقع أن يُلاحظ ما حاولت إخفاءه لسنوات.
كانت يدها اليمنى تحمل آثار حروق قديمة، ندوب ممتدة على ظاهر الكف وأطراف الأصابع، كما لو أنها تعرضت لنيران لم تترك منها سوى خطوط غير منتظمة، كأن الجلد قد أُعيد تشكيله بطريقة غير مكتملة. لطالما حرصت على إخفائها، إما بارتداء قفازات رقيقة في المختبر، أو بتحريك يدها بطريقة تقلل من ظهورها.
لكن في تلك اللحظة، حين مدت يدها لالتقاط المشرط الدقيق، وقفت تحت إضاءة المختبر القوية، لم تكن هناك ظلال كافية لتخبئها.
لاحظ الدكتور نادر ذلك في اللحظة التي رفعت فيها يدها لتثبيت شريحة نسيج تحت المجهر. لم يعلق مباشرة، لكن عينيه توقفتا للحظات على الندوب، وكأنه كان يحاول فهم القصة وراءها. لم يكن الأمر فضولًا عابرًا، بل نظرة تحليلية، نظرة طبيب يبحث عن سبب تشوه غير طبيعي.
— "هذه الحروق... متى حدثت؟" سأل بصوت هادئ، غير مستفز، لكنه أيضًا لم يكن يحمل تعاطفًا زائفًا.
توقفت زهرة للحظة، ثم أكملت عملها كما لو أنها لم تسمع السؤال. وضعت الشريحة الزجاجية في مكانها، وضبطت عدسة المجهر، وتحدثت بنبرة محايدة:
— "منذ وقت طويل."
لم يكن هذا جوابًا شافيًا، لكنها لم تكن تنوي إعطاء المزيد من التفاصيل. كان الماضي جزءًا من معادلتها الشخصية، شيء لا يدخل ضمن حدود ما تسمح للآخرين بمعرفته.
لكن الدكتور نادر لم يكن شخصًا يتجاهل ما يثير اهتمامه. وبينما كانت زهرة تركز على المجهر، كان هو يركز على يدها.
— "النسيج متضرر بعمق، ليس مجرد حروق سطحية. هل أجريت عمليات ترقيع جلدية؟"
رفعت زهرة عينيها عن العدسة، ونظرت إليه مباشرة. كان من الواضح أنه يحلل يدها كما يحلل عينة تحت المجهر، وكأنه يحاول رسم صورة لما حدث بناءً على الآثار المتبقية.
— "بعض الإجراءات البسيطة." أجابت باقتضاب.
لكنه لم يكتفِ بذلك.
— "هل فقدت أي إحساس في أطراف الأصابع؟" سأل، وعيناه تتحركان بين يدها والشرائح التي كانت تعمل عليها.
لم يكن سؤالًا عبثيًا. كان يعلم أن الحروق العميقة قد تؤدي إلى تلف النهايات العصبية، مما يعني أن الإحساس في بعض الأجزاء قد يكون مشوشًا أو مفقودًا تمامًا.
لم تجبه هذه المرة، لكنها وضعت المشرط على الطاولة وأدارت يدها ببطء، كما لو كانت تراقبها بنفسها. كان هناك جزء صغير عند قاعدة الإبهام بالكاد تشعر به، بقعة ميتة وسط جلد ما زال يحمل ذاكرة الألم.
لاحظ الدكتور نادر صمتها، لكنه لم يضغط عليها. بدلاً من ذلك، أشار إلى البحث الذي كانت تعمل عليه.
— "أبحاثي عن إعادة تنشيط الأنسجة الميتة ليست مجرد نظرية. هناك إمكانية لاستعادة بعض الوظائف في الخلايا العصبية المتضررة، حتى لو كانت الحروق قديمة."
رفعت زهرة حاجبًا باهت الاهتمام، لكنها لم تعلق.
— "أعتقد أنكِ تعرفين ذلك بالفعل." أضاف، وكأن الفكرة كانت بديهية.
لم تجب مباشرة، لكنها التقطت المشرط مرة أخرى وبدأت بقطع شريحة جديدة بدقة.
— "الأبحاث وحدها لا تكفي." قالت بصوت هادئ، بينما كانت تتعامل مع العينة أمامها. "النظريات جميلة، لكن تطبيقها هو ما يحدد قيمتها."
ابتسم الدكتور نادر، لكنه لم يكن ابتسامة استهزاء، بل شيء أقرب إلى التقدير الخفي.
— "ولهذا السبب أريدكِ أن تعملي على هذا المشروع معي."
لم ترفع رأسها، لكن أصابعها توقفت للحظة عن الحركة، ثم تابعت عملها كما لو أن كلماته لم تؤثر عليها.
لكنه لاحظ ذلك التوقف القصير، ذلك التردد الذي لم يكن معتادًا منها.
ظل الدكتور نادر يراقبها وهي تعالج الشريحة الجديدة، وكأنه يختبر مدى تقبلها لفكرته دون أن يضغط عليها مباشرة. لكنه لم يكن من النوع الذي يترك الأمور للصدف.
— "لستُ أتحدث عن بحث نظري فقط، زهرة." قال بصوت هادئ، لكنه كان يحمل شيئًا من الجدية. "لقد طورت تقنية يمكنها إعادة بناء الأنسجة المتضررة، ليس فقط على المستوى السطحي، بل على مستوى الخلايا العصبية والروابط التي فقدتها بسبب الحروق."
لم تتوقف زهرة عن عملها، لكنها شعرت بثقل كلماته.
تابع، وهو يراقب تعبيرها:
— "أعرف أن هذه الحروق ليست الإصابة الوحيدة التي تحملينها."
رفعت رأسها فجأة، والتقت عيناه مباشرة. كان في نظرته شيء من التحليل البارد، لكنه لم يكن خالٍ من الاهتمام.
— "جسمكِ يحمل آثارًا أخرى، أليس كذلك؟" أضاف بصوت منخفض، لكنه كان كافيًا لإحداث زلزال داخلها.
قبضت زهرة يدها فوق الطاولة، حيث لا يستطيع رؤيتها. شعرت كأنها مكشوفة تمامًا، كأن المعطف الذي ترتديه لم يعد كافيًا ليخفي ما لا تريد أن يراه أحد.
— "هذا ليس من شأنك."
قالتها بهدوء، لكنه كان هدوءًا مشوبًا بالغضب.
لكنه لم يتراجع.
— "بل هو من شأني، إن كنتِ مستعدة لتقبل العلاج."
رفعت حاجبًا بسخرية، وكأنها سمعت مزحة ثقيلة.
— "علاج؟" كررت الكلمة كأنها لا تصدقها. "هل تظن أنني أريد أن أكون جزءًا من إحدى تجاربك؟"
— "لستُ أعرض عليكِ أن تكوني تجربة، بل نتيجة." قال بثقة. "لقد وصلت إلى مرحلة متقدمة من البحث، وما يمكنني فعله الآن يتجاوز كل ما تتوقعينه."
صمت للحظة، ثم أضاف بنبرة أخف:
— "أنا لا أعد بالمستحيل، لكن يمكنني أن أعيد إليكِ بعض ما فقدتِه."
الدماء كانت تغلي في عروقها الآن. كان يتحدث عن جسدها وكأنه مشروع إصلاح، كأنه يرسم خريطة للأماكن التي يجب تعديلها وإعادة بنائها. لم يكن ينظر إليها كإنسانة، بل كحالة طبية، كفرصة لإثبات نجاح نظرياته.
دفعت الأدوات أمامها بعنف كافٍ ليصدر صوت ارتطام خفيف، ثم وقفت بسرعة.
— "لستُ بحاجة إلى إصلاح!"
كان صوتها مرتفعًا بما يكفي لجعل الصمت الذي تلاه أكثر ثقلاً.
تبادل كلاهما النظرات، هو بعقلانية جافة، وهي بعاصفة من الغضب المكبوت.
ثم استدارت دون كلمة أخرى، والتقطت معطفها من على الكرسي، وخرجت من المختبر بخطوات سريعة، دون أن تنظر خلفها.
ظل الدكتور نادر في مكانه، يراقب الباب الذي أغلقته وراءها
حتى اختفت زهرة تماما
غادرت الجامعه وهى تحمل غضب عميق
غضب كفيل بقتل كل من قد يعترض طريقها
عندما وصلت إلى البيت اغلقت زهرة غرفتها على نفسها
ثم تحول الغضب داخلها لشيء اخر
إلى فكره، او ربما حلم، وعندما نظرت إلى يدها أطلقت ابتسامه مقتضبه
#فراشة_المقبرة
18
اطلقت زهره ابتسامه، إذا كان دكتور نادر يستطيع أن يفعلها
فأنا استطيع ان أفعلها.
كانت زهرة تدرك منذ البداية أن مداواة جسدها من الحروق التي تركت أثرًا عميقًا ليس أمرًا سهلًا.
كانت الحروق التي تغطي يدها اليمنى تتطلب أكثر من مجرد معالجة سطحية؛ فالتلف العصبي كان أحد أخطر آثارها.
في اللحظة التي قررت فيها أن تعالج نفسها بنفسها، كانت قد دخلت إلى عالم معقد من العلاجات البيولوجية والهندسة الوراثية.
بدأت بتطوير بروتوكول علاجي يعتمد على الخلايا الجذعية، التي تُعتبر واحدة من أهم العوامل المساعدة في تجديد الأنسجة التالفة.
كانت البداية بالتأكد من نوع الخلايا الجذعية التي يجب استخدامها، حيث كانت تبحث في الخلايا الجذعية الجنينية والخلايا الجذعية المولدة التي يمكن أن تتخصص في تكوين أنواع مختلفة من الأنسجة.
وعلى الرغم من أن الخلايا الجذعية الجنينية توفر إمكانيات هائلة في تجديد الأنسجة، إلا أن زهرة كانت تفضل التركيز على الخلايا الجذعية البالغة التي يُمكن استخراجها من أنسجة الجسم البالغة، لأنها أقل إثارة للجدل وأكثر أمانًا.
تمكنت من الحصول على الخلايا الجذعية الجلدية من عينات أنسجة بسيطة كانت قد أخذتها في المختبرات من زملائها.
ما إن وضعت الخلايا الجذعية في بيئة ثقافية ملائمة، حتى بدأت في ملاحظة نمو تدريجي للأنسجة.
كانت الخلايا الجذعية تتطور إلى خلايا جلدية جديدة، قادرة على التعافي من الأضرار التي كانت قد ألحقت بها.
لكن المشكلة كانت أن الأنسجة العصبية كانت أكثر تعقيدًا، مع الحروق العميقة التي أصابتها، كان هناك تلف في الأعصاب الحسية، مما جعل الإحساس في أطراف أصابعها شبه معدوم.
لم تكن الخلايا الجذعية وحدها كافية؛ كانت بحاجة إلى تحسين إمداد الأعصاب الجديدة والتأكد من قدرتها على التواصل مع الجهاز العصبي المركزي،و هنا بدأت زهرة بالبحث في بروتينات النمو العصبية مثل Nerve Growth Factor (NGF) و Brain-Derived Neurotrophic Factor (BDNF)، التي يمكنها تحفيز نمو الأعصاب في المناطق المتضررة.
اختارت أن تقوم بتطبيق البروتينات مباشرة على المنطقة المتضررة، ودمجها مع التحفيز الكهربائي لتعزيز نمو الأعصاب. كما استعانت بتقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد لتصميم هياكل دقيقة تشبه الأنسجة العصبية، حيث كانت تستخدمه لبناء شبكة اصطناعية من الأنسجة العصبية الصغيرة التي من شأنها أن تعزز التواصل العصبي بين الأطراف المتضررة.
على الرغم من أن التجربة كانت محفوفة بالمخاطر، وكانت النتائج في البداية غير متوقعة في بعض الأحيان، إلا أن زهرة كانت تراقب التغيرات التي تحدث في يدها بعناية.
كانت تقوم بتسجيل كل خطوة من خطواتها وتحديث نتائجها بشكل مستمر، مع ملاحظة كل تحسن طفيف، حتى لو كان ذلك في صورة نغمة عصبية ضعيفة تتدفق في أطراف أصابعها.
مرت أشهر من التجارب الدقيقة، وتزايد أملها مع مرور الوقت. في البداية كانت التغيرات بسيطة، لكن مع استمرار تطبيق العلاجات، بدأ الجلد في التجدد بشكل ملحوظ، ظهر جلد جديد على الندوب، وبدأت الأنسجة العصبية التالفة في إظهار علامات تجديد، وبالتوازي مع ذلك، بدأت إحساسها في أطراف أصابعها يعود تدريجيًا.
كان هذا النجاح التدريجي غير مسبوق. في أحد الأيام، وهي في لحظة استرخاء نادرة، قررت أن تضع يديها على مرآة وتراقب التغيرات عن كثب. نظرت إلى يدها التي كانت تتغير أمام عينيها: لا يمكن تصور أن هذه هي نفس اليد التي كانت محروقة، مشوهة، وعاجزة عن الحركة منذ سنوات.
الجلد الآن كان يلمع بحيوية، والأنسجة العصبية كانت تتفاعل بشكل طبيعي، في تطور كان يبدو غير ممكن، تمامًا كما تصوّرته.
بجانب الأنسجة الظاهرة على يدها، كانت الحروق التي أصابت جسد زهرة ليست سطحية فقط.
كانت تتغلغل أعماق جسدها، تصل إلى البطن والظهر والفخذ والرقبة، وتسبب ألمًا غير مرئي، أسوأ من أي جرح خارجي.
وكان التحدي الأكبر بالنسبة لها هو الشفاء من هذه الحروق الداخلية التي كانت تؤثر على أنسجتها العميقة، مثل العضلات والأعصاب، وأحيانًا حتى الأعضاء الداخلية.
بدأت زهرة بتقييم الضرر الداخلي الذي لحق بها، باستخدام التقنيات الطبية الحديثة مثل الأشعة فوق الصوتية و التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI).
هذه الفحوصات كانت تقدم لها صورة واضحة عن حالة الأنسجة الداخلية والأعصاب التالفة.
لكن الفحص وحده لم يكن كافيًا؛ كانت بحاجة إلى خطة علاجية مبتكرة وسريعة.
للبداية، قررت زهرة استخدام الخلايا الجذعية لتجديد الأنسجة الداخلية التالفة،ولأنها كانت قد طورت بالفعل بروتوكولات خاصة للخلايا الجذعية الجلدية، كان عليها الآن التوسع لاستخدام خلايا جذعية أخرى مثل الخلايا الجذعية المولدة والتي يمكنها التخصص في تكوين أنسجة عضلية وعصبية.
عكفت زهرة على استخلاص الخلايا الجذعية من النخاع العظمي، الذي كان يحتوي على أعداد كبيرة من الخلايا الجذعية البالغة القادرة على التجدد.
هذه الخلايا كانت قادرة على التمايز إلى خلايا عضلية وأعصاب جديدة، ما يسمح بإصلاح الأنسجة التالفة في مناطق البطن، الظهر، الفخذ والرقبة.
كانت تستخدم حقن الخلايا الجذعية مباشرة في المناطق المصابة، مع اعتماد جرعات مخصصة بناءً على شدة الحروق.
إلى جانب الخلايا الجذعية، استخدمت زهرة بروتينات النمو مثل Fibroblast Growth Factor (FGF) و Vascular Endothelial Growth Factor (VEGF)، والتي تعزز من نمو الأنسجة الجديدة في المناطق التي دمرتها الحروق. البروتينات هذه ساعدت على تحفيز إنتاج خلايا جديدة في الطبقات الداخلية للجلد والعضلات، فضلاً عن دعم عملية الشفاء في الأنسجة الوعائية والعصبية.
كانت تستخدم الحقن الموضعية لبروتينات النمو، لكن ليس فقط في السطح، كان الهدف هو أن تصل هذه البروتينات إلى الأعماق التي أصابتها الحروق. لذلك، استخدمت تقنيات تحفيز كهربائي لزيادة امتصاص الأنسجة للبروتينات وتوجيهها نحو الأنسجة التالفة.
بالنسبة للأعصاب التي كانت قد تضررت بشدة في مناطق مثل الرقبة والظهر، كانت زهرة تعلم أن العلاج الجيني هو الخيار الأمثل.
وقد تبنت أساليب متقدمة لتحفيز نمو الأعصاب عبر استخدام بروتينات النمو العصبية مثل Nerve Growth Factor (NGF) و Brain-Derived Neurotrophic Factor (BDNF). هذه البروتينات تُحسن من نمو الأعصاب المتضررة وتعيد تشكيل الشبكات العصبية التي تأثرت بالحروق.
إلى جانب البروتينات العصبية، استخدمت التحفيز الكهربائي الدقيق في محاولة لتنشيط الأعصاب المحيطية والتعافي من الألم المزمن، كانت تستخدم موجات تردد منخفضة تركز على مناطق الحروق الداخلية، مثل الرقبة والظهر، لتحفيز الأعصاب على إعادة الاتصال مع الجهاز العصبي المركزي، مما يسمح للمنطقة المتضررة بأن تبدأ في استعادة الإحساس والوظيفة.
منطقة الفخذ والبطن كانت قد تأثرت بشكل كبير بالحروق العميقة، مما أثر على الدورة الدموية في هذه المناطق.
في هذا السياق، استخدمت زهرة علاجًا باستخدام الأنسجة الوعائية لتقوية الأوعية الدموية التي تأثرت،كان العلاج يعتمد على البروتينات المحفزة للنمو الوعائي مثل VEGF، التي تشجع على تكوين الأوعية الدموية الجديدة، وبالتالي تحسين تدفق الدم إلى المناطق المتضررة.
كما لجأت إلى تقنيات التدليك بالضغط لتحفيز تدفق الدم في المناطق المصابة. كان الهدف من هذه التقنيات هو زيادة الأوكسجين والمواد الغذائية التي تصل إلى الأنسجة الميتة، مما يساعد في عملية تجديد الخلايا.
زهرة لم تكتفِ بالعلاج الكيميائي والجيني فقط، كانت تواصل إجراء جلسات علاج طبيعي منتظمة لإعادة تأهيل العضلات التالفة وتحفيز حركة الأنسجة المتجمدة، خاصة في المناطق التي تعرضت لحروق على العمود الفقري والفخذين.
كما عملت على دمج تقنيات الطب البديل، مثل العلاج بالأعشاب والزيوت الطبيعية التي تحتوي على مواد مضادة للالتهاب، مثل زيت اللافندر و زيت شجرة الشاي، التي ساعدت في تخفيف الألم والتهيج في المناطق المحترقة. كانت تدهن هذه الزيوت بعناية على المناطق المصابة بعد كل جلسة علاج جيني.
كان التحدي الأعظم بالنسبة لزهرة هو مواجهة الألم المزمن الذي نشأ عن الحروق الداخلية.
كانت تحتاج إلى أن تجد توازنًا بين العلاج الجيني والتخفيف من الألم العصبي، هنا لجأت إلى العلاج بالأدوية العصبية مثل Gabapentin و Pregabalin، التي تستهدف الأعصاب المتهيجة وتخفف من الألم المستمر، لكن مع الحرص على ألا تؤثر على العملية العلاجية أو تشوش التفاعل بين الأنسجة المحفزة.
مع مرور الوقت، بدأت التحسينات تظهر في شكل شفاء تدريجي للأنسجة الداخلية، كانت تستطيع رؤية الاختلاف في صورة الأشعة السينية والتصوير بالرنين المغناطيسي،بدأت العضلات في استعادة قوتها، كما بدأت الأعصاب في استعادة القدرة على التواصل
في النهاية، كانت الحروق الداخلية التي كانت تشكل جزءًا كبيرًا من ماضيها قد تحولت إلى نقطة قوة جديدة، بدأت الحياه تدب داخلها، انهضت زهره جسدها المرتجف نزعت ملابسها ووقفت امام المرآه بعيون مغلقه مرتعبه قبل أن تفتح عينيها وتحدق فى صورتها المنعكسه على المرآه
#فراشة_المقبرة
19
وقفت زهرة أمام المرآة، عينيها تحدقان في صورتها، لكنها لم تستطع تصديق ما تراه، كانت جسدها، الذي طالما حمل علامات الحروق العميقة والندوب التي تروي قصص الألم، الآن خاليًا من كل أثر لذلك الماضي،كانت الأنسجة قد تجددت، والجلد أصبح ناعمًا وصحيًا، كما لو أن الزمن قد أعادها إلى نقطة البداية.
أصابها شعور غريب، وكأنها لم تعد هي نفسها،كانت تتلمس جسدها بحذر، كما لو أنها تكتشفه لأول مرة، لم تكن مجرد إزالة لعلامات جسدية، بل كانت استعادة لشيء أعمق، شيء كان قد فقد منذ زمن طويل، فقد كان الألم الذي عاشت فيه منذ طفولتها، الذي تراكم في جسدها وعقلها، قد تلاشى الآن.
أغمضت عينيها للحظة، وابتلعت دموعها التي كانت على وشك السقوط، كانت الدموع ثقيلة، لكنها لم تكن دموع الحزن أو الخوف، كانت دموع فرحة، فرحة عميقة دفنت داخلها لسنوات، فرحة لن تفهمها إلا هي،كانت تلك اللحظة، لحظة استعادة قوتها، لحظة تغيير هويتها، هي كل شيء بالنسبة لها.
تنفست بعمق، وكأنها تتنفس لأول مرة منذ سنوات،فجأة، راحت يديها تمسحان وجهها، غير قادرة على كبح دموعها الصامتة، كانت تتأمل كل تفصيل في جسدها، في ملامح وجهها، في يديها الخالية من الحروق التي كانت تميزها، لم يكن الأمر مجرد شفاء جسدي، بل شفاء من آلام الماضي، من الذكريات التي ربطتها دائمًا بالمعاناة.
لم تقتصر مشاعرها على الفرح فقط، بل اختلطت مع إحساسٍ عميق بالتحرر،كانت وكأنها بدأت حياة جديدة، حياة حيث يمكنها أن تتحكم في مصيرها، أن تبنيها بنفسها، بلا أي قيود، شعرت أنها قد تركت خلفها كل تلك السنوات التي عاشتها في ظل الحروق، في ظل الألم الذي كانت تخفيه عن الجميع، حتى عن نفسها.
ركعت على الأرض في صمت، تدعو قلبها للهدوء، لكن الدموع كانت تتساقط دون توقف، كان هذا البكاء مختلفًا،لم يكن بكاء ضعف، بل بكاء انتصار، بكاء على كل خطوة قطعها للوصول إلى هذه اللحظة.
بكاء من الفرح لأن الألم قد انتهى أخيرًا، ولأنها أصبحت هي، وبكل قوة، زهرة جديدة.
ظلّت تنظر إلى المرآة لفترة طويلة، كأنها تنتظر أن تثبت لها الصورة أمامها أن كل شيء قد تغير.
كان هناك شعور عميق بالسلام يملأ قلبها، والسلام الذي كانت تبحث عنه طوال حياتها، في جسد جديد، في روح أقوى، في امرأة قد أثبتت لنفسها أنها تستطيع أن تتجاوز أي شيء.
وفي تلك اللحظة، كانت تعرف شيئًا واحدًا: لم تعد هناك حدود لما يمكنها تحقيقه بعد اليوم.
قدمت زهره بحثها إلى الجامعه، البحث الذى أبهر الاساتذه
لكنهم أكدو على استحالة تنفيذة على أرض الواقع
يحتاج تجارب وتطبيقات الخ
ابتسمت زهره، لم تفصح عن سرها أرادت ان لا يستبيح احد جسدها حتى لو كان من أجل البشريه
تخرجت زهرة من كلية الطب، رغب والدها ان ينشيء لها عياده خاصه
لكن زهره ارادت ان تقبل امر التعيين حيث أن تعيينها فى وحده صحيه بعيده على احد الطرق
بكت نرجس، لم تتقبل فكرة ان تعيش زهره بعيد عنها
قالت إنها ستذهب وتعيش معها ولم تهداء الا بعد أن أقسمت لها زهره انها ستزورها كل أسبوع
حين تلقت زهرة خطاب تعيينها، لم تهتم كثيرًا بالتفاصيل، كان مجرد اسم على الورق، مجرد قرية نائية اختيرت لها، كما اختير لغيرها من الأطباء الجدد مواقع عملهم.
لم يكن الأمر يعنيها كثيرًا، فما يهمها هو أنها أصبحت طبيبة، وأنها قادرة الآن على صنع فرق، على شفاء الآخرين كما شفت نفسها.
وصلت إلى القرية في صباح يوم ضبابي، حيث امتزجت رائحة الأرض الرطبة بنسائم باردة قادمة من الحقول الممتدة على جانبي الطريق،كانت المنازل متباعدة، بُنيت من الطوب اللبن، وسقوفها من الخشب المجدول بالقش. لم تكن هناك صخب المدينة، لا ضوضاء سيارات، فقط أصوات الطبيعة وهمسات الريح بين الأشجار.
الوحدة الصحية التي ستعمل فيها كانت بناءً بسيطًا، جدرانه بيضاء لكنها تحمل آثار الزمن،لافتة زرقاء باهتة كُتب عليها اسم المركز الطبي كانت معلقة فوق الباب، تتأرجح قليلاً مع الرياح، حين دخلت، استقبلتها رائحة الأدوية المعقمة، ممزوجة برائحة قديمة للخشب والرطوبة.
المكان لم يكن مجهزًا بأحدث الأدوات الطبية، لكنه كان كافيًا، غرف الفحص صغيرة، الأسرة معدودة، والخزانة الحديدية التي تحتوي على الأدوية بدت قديمة، لكنها منظمة بعناية
. لم يكن هناك سوى طبيب واحد آخر وممرضة في الوحدة، بدا عليهما التعب، لكنهما استقبلاها بترحيب دافئ.
"الدكتورة زهرة؟ أخيرًا وصلتِ!" قال الطبيب الآخر، وهو رجل في منتصف الأربعينات، يرتدي معطفًا طبّيًا تآكلت أطرافه قليلاً. كانت نظرته تحمل شيئًا من الراحة، كأن وصولها كان انتظارًا طال أكثر مما ينبغي.
"نعم، وصلت صباحًا." أجابت وهي تلقي نظرة على الملفات المكدسة فوق المكتب الخشبي الصغير.
"لن أكذب عليكِ، العمل هنا ليس سهلاً. المرضى كُثر، والإمكانات محدودة، لكننا نفعل ما بوسعنا."
أومأت زهرة بصمت، لكنها لم تكن من النوع الذي يتراجع أمام التحديات، سارت بين الممرات، تتفحص الغرف، وتُلقي نظرة على الأدوات، تسجل في عقلها كل شيء ستحتاجه لتحسين الوضع هنا.
لم تكن تعلم أن هذه القرية تحمل شيئًا أعمق من مجرد مكان عمل، لم تكن تعرف أنها أقرب إليها مما كانت تتخيل.
تعليقات
إرسال تعليق