رواية يونس الفصل الثامن وعشرون والتاسع وعشرون والثلاثون بقلم اسراء على
رواية يونس الفصل الثامن وعشرون والتاسع وعشرون والثلاثون بقلم اسراء على
الفصل_الثامن_والعشرون
يونس
أكثرُ ما يعذّبني في حُبِّكِ..
أنني لا أستطيع أن أحبّكِ أكثرْ..
وأكثرُ ما يضايقني في حواسّي الخمسْ..
أنها بقيتْ خمساً.. لا أكثَرْ..
إنَّ امرأةً استثنائيةً مثلكِ تحتاجُ إلى أحاسيسَ استثنائيَّهْ..
وأشواقٍ استثنائيَّهْ.. ودموعٍ استثنايَّهْ..
ودعت بتول السيدة صفوة ثم رحلت وعلى وجهها إبتسامة..ولمَ لا وهى باتت تعلم كل شئ عن يونس..طفولته المُفعمة بـ البراءة والرجولة في آنٍ واحد..شبابه وحياته الجامعية..الحب الذي لم يطرق بابه فـ كانت هى أول قصة عشق جامح يعيشها..تنهدت بـ سعادة وهى تشعر بـ فراشات ذات ألوانًا مُبهجة تُحلق حولها..ولكنها إختفت وحلت مكانها الجراد ما أن أبصرت عدي..لوت شدقها بـ ضيق وقالت بـصوتٍ خفيض
-يا فتاح يا عليم..يا رزاق يا كريم يارب...
كان عدي يصعد الدرج وهو يُتمتم بـ سخرية
-وأدي أخرتك يا عدي لما تكلم روضة الصبح وتقولك وحشتني...
ضحك بـ تهكم ثم أكمل
-هى هتبقى كل مرة كدا..أنسى موبايلي و ورق شغلي المهم...
رفع بصره ليجد بتول تقف أمامه وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها وتنظر له بـ سخط..عضّ على شفتيه بـ سخط ومن ثم هتف
-بسم الله الرحمن الرحيم..بيطلعوا أمتى دول!
-حركت رأسها بـ حركات دائريو وهتفت بـ تهكم:لما اللي زيك ينكشحوا يا خفيف...
أغمض عيناه يكبح غضبه منها..سليطة اللسان..بل لسانها يفوقها بـ الطول أمتارًا..تغاطى عن قولها الذي يحثه على تحطيم فكها ثم تشدق من بين أسنانه
-بتعملي إيه هنا!!
قرصت أنفه بـ خفة ثم قالت وتدفعه من منكبه حتى تمر
-جاية أغير الأنبوبة يا ظابط نص كم...
مذهول..صدمة تعقد اللسان بل وتُجبرك على إبتلاعه..هى كائن لا يُمكن للمرء تحمله..وقفت قليلًا ثم إستدارت له وقالت بـ نبرة تهكمية
-هو أنت هتفضل نص كم!!..يعني ربنا مش هيكرمك وتبقى كم!!..دا حتى الجو برّدْ...
كور المفاتيح بـ يده وأوهمها بـ قذفها بها..لتصرخ بـ تخوف ثم هبطت الدرج سريعًا ومن أسفل هتفت بـ صوتٍ عال
-يا ظابط نص كم...
-اه يا بنت المجانين..أقسم بالله أنتي محتجالك مستشفى لوحدك مش عنبر مجانين بس...
ثم أكمل طريقه إلى أعلى...
****************************************
إنتهى يونس من تضميد جراحه مرة أخرى بـ ذهنٍ غائب..فـ كل فكره ينصب على القادم..وعلى لقاء بتوله..بتول..ذاك الاسم المُتكون من أربعة حروف والتس سلبت لبه بـ ابتسامة واحدة ثم نظرة واحدة ليخر صريعًا بعدها...
إستفاق من نشوة فكره بها على ألم بـ صدره..نظر ليجد يده تشتد على جراحه وتفاجأ بـ تلك المضخة أسفل يده..بـ مجرد التفكير بها يكون هذا حال قلبه!..فـ ماذا إن لمسها!..تنهد أكثر من مرة ثم قال بـ مرح
-خلاص جايلك يا رحاب...
أنهى تطهير جرحه وأعاد تضميده..ثم أمسك هاتفه وإتصل بـ أحدهم..ثوان وأتاه الرد من الطرف الأخر
-أيوة يا سيادة المقدم...
وضع يونس الهاتف ما بين رأسه ومنكبه وشرع في إرتداء ثيابه ثم تشدق
-أيوة يا محمد..إيه الأخبار؟!
-البيه عامل حفلة بمناسبة رجوعها وهى هتروح تحضرها
توقف يونس عن إرتداء ثيابه وقد إشتدت عضلات فكه بـ غضب..ثم تساءل بـ صوته المُلغم غضبًا
-وبعدين!!
توجس محمد من نبرته تلك ولكنه تغاطى عنها..ليتنحنح ثم أكمل
-الحفلة هتبدأ ع عشرة كدا..يعني بالظبط فـ معاد رجوعك...
-كمل
-بس كدا
-تساءل يونس بـ نبرة ذات مغزى:يعني مشفهاش إمبارح!
ولكن صمت محمد ولم يستطع الحديث..كز يونس على أسنانه بـ قوة كادت أن تُهشمها..وقد كور يده بـ غضب شديد حتى إبيضت مفاصله..وبـ صوتٍ لم يخلو من العتاب والحنق
-بقى هى دي الأمانة يا عدي!..ماشي
ثم وجه حديثه إلى محمد وأكمل بـ جدية...
-عاوزك تجبلي مأذون من تحت الأرض..الساعة عشرة تستناني ومعاك المأذون..فاهم!!!
ولم يترك له المساحة للرد فـ أغلق الهاتف..قذفه بـ عنف على الفراش وأكمل إرتداء ثيابه بـ عصبية...
دق جرس الباب ليتجه إليه يونس وفتحه فـ وجد محمود أمامه وبلا أي مُقدمات
-يلا الطيارة جاهزة...
أماء يونس بـ رأسه ثم تركه وإتجه إلى الداخل..جمع حاجياته ودلف إلى الخارج...
هبطا سويًا الدرج فـ تشدق محمود بـ هدوء
-سيف لسه هنا
توقف يونس عن الهبوط ثانية ثم عاد وأكمل..ليقول بـ برود إمتهنه
-مش مهم عندي سيف دلوقتي..دوره جاي
-تمام..أنا حبيت أقولك
-هز يونس رأسه وقال بـ رزانة:كويس إنك عرفتني..إرميله العضمة وخليه ينزل مصر...
ضحك محمود وأكمل طريقه مع يونس...
****************************************
وقفت أمام منزل عز الدين وهى تقبض على يدها بـ قوة..تشعر بـ نفور حاد منه ومن دلوف منزله..ولكن بـ الأخير ضغطت على نفسها وتقدمت منه..لم يجتج أفراد الحراسة معرفة هويتها أو تحقق منها..فـ هى خط أحمر بـ النسبة للجميع..
دلفت إلى حديقة المنزل فـ وجدت الجميع في حالة إستنفار..الخدم تعمل على قدمٍ وساق..والعمال تُرهق نفسها عملًا..زفرت بـ إختناق وكادت أن تعود أدراجها..إلا أن صوت عز الدين جمدها مكانها
-حبيبتي!!..رايحة فين!
كزت على أسنانها بـ شراسة..وفي ثوان أخفت إشمئزازها ثم إلتفتت إليه بـ بطء وقالت
-مش رايحة المكان هنا زحمة وكنت هقف فـ الجنينة اللي ورا
-تقدم منها ثم قال بـ حنو:طب تعالي متخافيش..أنا محضرلك السويت بتاعك...
كاد أن يُمسك يدها اليُمنى ولكنها أبعدتها بـ ذعر..عقد ما بين حاجبيه وتساءل بـ تعجب
-مالك يا بتول؟..ليه مش عوزاني أمسك إيدك!
-أجابته بـ تلعثم:مـ..مفيش
-ولكنه رد بـ إصرار:لأ فيه
ثم جذب يدها اليُمنى بغتةً..وحدق بها فـ وجد بنصرها خالي من خاتم خطبتها وحل مكانه حلقة نُحاسية غريبة..ظل يُحدق بها بـ جمود وبتول دقات قلبها تتصارع وبدأ تنفسها يعلو..رفع أنظاره لها وتشدق بـ نبرة جامدة
-فين الخاتم يا بتول!
-أغمضت عيناها وقالت بـ ذعر:معـ..معرفش
-رُغمًا عنه صرخ بـ وجهها:متعرفيش إزاي!!
وعلى إثر صراخه إلتفت الجميع وقد توقفوا عن العمل..أجفلت بتول من صراخه وظلت ترف بـ عينيها عدة مرات لتُزيح تلك العبرات التي كادت تهطل..أغمض عيناه بـ غضب وسب نفسه ما أن رأى خوفها وعيناها التي لمعت..فتح عيناه مرة أخرى وتشدق بـ إبتسامة
-أسف يا حبيبتي مش قصدي أزعق...
لم ترد عليه بتول..ليتقدم خطوة أخرى وأمسك يدها مرة أخرى..ليرتجف بدنها..وقد زاغت عيناها بـ توتر..عاد عز الدين يتحدث بـ نبرة حنونة
-متزعليش..أنا بس زعلت لما ملاقتش الخاتم..أكيد ضاع منك صح!
هزت رأسها بـ نعم وجذبت يدها منه بـ قوة..بـ الرغم من رفضه لتركها إلا أنه لم يرد أن يُخيفها فـ تركها..وبـ تهدج نطقت
-فـ..فين السويت بتاعي..عشا..عشان أجهز...
-هخلي حد من الخدم يوصلك...
ثم أشار إلى إحدى الخادمات التي أوصلتها الجناح الخاص بـ تجهيزها...
دلفت إلى الداخل تتأمل ما فيه..أثاث كلاسيكي ممزوج بـ حضارة العصر..ألوان نبيذية مُختلطة مع اللون الفضي...
نظرت إلى الفراش فـ وجدت ثوب أسود من خامة الشيفون مُبطنة..لامسته بـ يدها وتأملته كان النصف العلوي من خامة لامعة مُزينة بـ فصوص الألماس اللامعة وما فوق الصدر و الأذرع مُلتفان بـ نوع من القُماش الشفاف من نفس اللون..والجزء السفلي من طبقات التُل..فـ كان أشبه بـ ثوب سيندريلا...
لو إختلفت الظروف..لو بقت عاشقة له..لو لم تتقابل مع يونس..لكانت قفزت من السعادة والإنبهار..ولكن ما دار بها هو النفور و الكره...
إستمعت إلى دقات وصوت أنثوي من الخارج..لتتنهد وتقول
-أتفضلي..
ودلفت سيدة جميلة الملامح..بدءًا من وجهها الأبيض وعيناها الملونتان بـ لون العسل..إلى حجابها الرقيق الذي زادها جمالًا..وبعدها دلف عدة فتيات أخرى..تحدثت الفتاه بـ إبتسامة
-أنتي خطيبة مستر عز ..مو (أليس كذلك)!!
-أماءت بـ رأسها وقالت بـ فتور:أيوة..حضرتك مين!
تقدمت منها السيدة و وضعت يدها على ذقنها ثم قالت بـ إبتامة بشوشة
-لك ما شالله...ما شالله..أديشك (كم أنتِ) چميلة..عنجد (حقًا) أنتي ما راح تحتاچي لشي..لك هل جمال شو يؤبرني...
ضحكت بتول بـ قوة ثم قالت بـ مرح
-مع أني مش فاهمة أنتي بتقولي إيه..بس دا أكيد مدح فيا..صح!
-ضحكت السيدة وقالت:إيي (بلى)..صح..يلا نبدأ
دفعتها لتجلس على مقعدًا ما وبدأت رحلتها في وضع مُستحضرات التجميل...
*****************************************
كان يونس يجلس بـ الطائرة التي أقلعت مُنذ فترة طويلة و قد بدى عليه التوتر..إنتبه له محمود وتساءل بـ عقدة حاجب
-مالك يا سيادة المقدم!..متوتر ليه كدا؟
-رد يونس بـ إقتضاب:مفيش..
-لأ فيه..أكيد مش من الطيارة..دي مش أول مرة...
زفر يونس بـ إختناق ثم تحدث وقد سمح لنفسه بـ الحديث عله يجد الراحة
-خايف ملحقهاش
-هى مين!
-وبلا تردد أجاب:مراتي
عقد محمود ما بين حاجبيه بـ دهشة وقال بـ شيئًا من الدهشة
-هو حضرتك متجوز!..أنا أول مرة أعرف
-هز رأسه بـ نفي ثم قال:دا بـ إعتبار ما سيكون...
بدى على وجه محمود الحيرة بـ درجة أكبر..ولكنه هز كتفيه بـ قلة حيلة ثم قال بـ هدوء وكأنه أراد مواساته
-إن شاء الله هتلحقها..متقلقش
-سألع يونس بـ توتر:قدامنا أد إيه ونوصل؟!
نظر محمود إلى ساعته..ثم نظر إلى يونس وقال
-مفضلش كتير..كلها أربع ساعات ونوصل..
ضرب يونس المقعد بـ عنف وقال بـ حدة
-لسه فاضل كتير
-ربت محمود على مكنبه وقال:لو تحب نزود السرعة..مفيش مانع
-رد عليه يونس بـ لهفة:ياريت...
أماء محمود وهو يبتسم..ثم إنحنى بـ جسده إلى الأمام وهمس لـ سائق الطائرة بـ كلمات مُقتضبة..أماء الطيار بـ طاعة..عاد إلى مكانه وقد شعر يونس بـ إسراع الطائرة..نظر إلى محمود بـ إمتنان وقال
-شكرًا يا محمود
-العفو ع إيه بس..إحنا فـ الخدمة...
أخرج يونس هاتفه وإتصل بـ محمد الذي رد بسرعة
-أيوة يا يونس..في حاجة؟!
-أجابه يونس بـ صوته الرخيم:قدرت تتصرفلي فـ مأذون!
ضحك محمد على كلمته "تتصرفلي"..ثم همس في نفسه
-هو بنطلون!
تنحنح محمد ثم قال بـ جدية
-أيوة..وإحنا جايين نستقبلك
-حلو..أنا كمان ساعتين وهكون عندك
-تمام
وكاد أن يغلق ولكن هتاف يونس أوقفه ليسأله بـ هدوء
-في حاجة!
-فكرتلي هدخل الحفلة إزاي!!
نظر محمد إلى الحقيبة بـ المقعد الخلفي ثم تشدق بـ غرور
-عيب عليك يا معلم..
-تمام أوي..متتأخرش يا محمد
-متخافش..أنت وراك رجالة...
ثم أغلق الهاتف..وما كاد أن يضعه حتى صدح مرة أخرى..تناوله فـ وجد صديقه عدي..رد عليه بـ هدوء
-أيوة يا عدي
-محمد!!..أنت فين؟!
-رايح ليونس دلوقتي..أنت اللي فين!
-أنا وراك أهو...
قالها وهو يبعث أضواء بـ سيارته لينتبه محمد إليها..فـ بادله لكي يُشير إليه أنها قد وصلته ثم قال
-خلاص شوفتك..
-هو لسه مصمم يروح لعز!..
-تنهد محمد بـ قلة حيلة وقال:أنت عارف أخوك
-منا عشان عارفه..وخايف من اللي هيعمله..عاوز أمنعه بـ أي طريقة
إبتلع محمد ريقه بـ توتر وقال بـ صوتٍ لا يقل عن توتر جسده
-هو أنت عرفت التقيلة!
-عقد ما بين حاجبيه وقال:اللي هو!
-طب بلاش..أنت كدا كدا هتعرف كمان شوية..
-يعني..آآآ...
ولم يسمح له بـ أن يُكمل حديثه إذ أغلق الهاتف بـ وجهه..فـ علم عدي أت يونس يُدبر لشيئًا ما وبـ الطبع ستحدث كارثة...
*****************************************
وبعد عمل دام ساعات..كانت بتول شبه جاهزة..ولم يتبقَ سوى الثوب..لملمت السيدة حاجيتها وقالت بـ إبتسامتها التي لم تُفارقها
-الله يسعدك يا حبيبتي...
إبتسمت بتول بـ بهوت ولم ترد..فـ خرجت السيدة ومعها الفتيات الأخرى اللاتي ساعدنها في العمل..نهضت بتول عن المقعد وأخذت تتأمل الثوب تارة و الحلقة النُحاسية تارة أخرى..قربتها من فمها ثم قبلتها بـ رقة ثم همست
-بحبك يا يونس...
ثم أزالت عنها بقايا أحمر الشفاه ذو اللون النبيذي الداكن..نظرت إلى هيئتها البسيطة في المرآه بدءًا من خُصلاتها المُصففة بـ عناية والذي وُضع أعلى رأسها تاج ألماسي رقيق..وقد تُركت خصلاتها حرة تنسدل على مكنبها الأيمن..ثم إلى زينتها البسيطة وجيدها المُزين بـ عقد ماسي أخر يُشبه التاج...
تنهدت بتول بـ ثقل ثم إتجهت إلى الثوب وأمسكته ثم دلفت إلى المرحاض..إرتدت الثوب ودلفت إلى الخارج..عادت تتأمل هيئتها الفاتنة..ذاك الثوب والذي صُمم خصيصًا لها أظهر نحافة جسدها الرائعة..برزت عظمتي التُرقوة من أسفل تلك الطبقة الشفافة..مما أضفى عليها فتنة...
ثوان وسمعت طرقات هادئة على باب الغُرفة..إلتفتت بتول إلى الباب وقد شددت قبضتها على الثوب..وإرتفع وجيب قلبها...
دلف عز الدين..والذي بقى دقائق يُحدق بها وقد فُتن بها..هيئتها الناعمة..ثوبها الذي أضفى عليها جاذبية وإثارة رغم إحتشامه..ولكنه لم يستطع منع عيناه من تأملها وكأنها اللحظة الأخيرة..تقدم منها بـ خطى بطيئة عيناه لا تحيد عنها حتى وقف أمامها..ثم قال بـ إنبهار
-ما شاء الله..ربنا يحميكي يا حبيبتي
-هتفت بـ توتر:شـ..شكرًا
-إبتسم عز الدين وقال:بس لسه حاجة ناقصة...
ثم إلتفت خلفها وهى تعقد حاجبيها بـ غرابة..شعرت بـ شيئًا ما يوضع على جزء وجهها العلوي..فـ أيقنت أنه قناع...
كان من اللون الأسود وعلى طرفاه العلويان ريش نعام رمادي اللون..والجزء الأيمن السفلي يمتد على جانب وجهها ليُخفي وجنتها اليُمنى...
شعرت بـ أنفاسه تقترب من عنقها بعدما أحكم ربط القناع..ليدب الرعب في أوصالها..لم تستطع أن تنتظر قُبلته التي ستُدنس عفتها فـ إبتعدت على الفور..إمتقع وجهها خجلًا ثم قالت بـ تلعثم
-ميـ..مينفعش..ممكن..حد يدخل...
ضحك عز الدين وهو يحك مؤخرة رأسه..ثم قال بـ مزاح
-بالرغم إن محدش هيدخل..بس دا كسوف...
تقدم منها ثم مدّ يده إليها وقال بـ إبتسامته الجذابة
-مش يلا ننزل..الناس مستنية!..
-أماءت بـ خفوت وقالت:طيب...
وقبل أن يدلفا إلى الخارج إرتدى عز الدين القناع الخاص به والذي كان من نفس اللون ولكنه يُخفي عيناه فقط..كان يرتدي حلة من اللون الرمادي اللامع يتماشى مع لون القناع..أمسك عز الدين يدها..وقد كابحت بتول حتى لا تتقيأ أو تبكي من فرط خوفها...
****************************************
وصل يونس في زمنًا قياسيًا إلى أرض وطنه الحبيب..ثم إستقل السيارة مع محمد بـ الطبع لم يستطع إستقلالها مع شقيقه والذي نال عتابًا لاذعًا لأنه ترك عز الدين يرى محبوبته بل وأوصله إلى تلك الحفلة..وكم يشعر بـ إنقباضة في قلبه أنبأته أنها تُعاني الرعب...
جلس يونس في المقعد الخلفي و بـ صوتٍ صارم قال
-بـ أسرع سرعة عندك يا محمد إطلع..بص عاوزك تطير
-أنت تؤمر يا سيادة المقدم...
نظر يونس إلى المأذون الذي ظهرت عليه إمارات السأم..ليقول يونس بـ جدية..
-يلا إبدأ يا شيخنا
-نظر إليه ذاك الشيخ وقال:أبدأ إيه يا بني!
-تأفف يونس وقال:مراسم الزواج يا شيخنا..هو أنت بتشتغل حداد!
-رد عليه المأذون بـ عصبية:تحشم يا ولد..وبعدين فين العروسة !!..هنكتب الكتاب إزاي؟!
-ضيق يونس عيناه وقال:مبتتكشفش على رجالة..أكتب أنت بس..
-أين الشهود؟
نهض يونس من مكانه ثم أطل بـ رأسه إلى الأمام..وبـ بخبث تشدق
-هتكتب الكتاب يا شيخنا ولا تشرفنا فـ أمن الدولة!!
-توتر الرجل وقال بـ سرعة:فين بطاقتك وبطاقة العروسة!!
أخرجهم يونس من جيب بنطاله وقد حصل على البطاقة الشخصية الخاصة بـ بتول بـ مساعدة محمد..وبدأ الشيخ في مراسم عقد القرآن فـ قال بـ الأخير
-فاضل بس إمضة العروس وبصمتها...
ثم تساءل
-هى قاصر!!
-لأ..يعني تقدر تجوز نفسها...
وشرع يونس في تبديل ملابسه وإرتداء تلك التي تخوله إلى الدلوف إلى الداخل..وفي غضون خمسًا وأربعون دقيقة..كانوا أمام المنزل..دلف يونس إلى المنزل بـ خفةولم يلحظه أحد من الحرس...
***************************************
هبطا الدرج تزامنًا مع خفوت الأضواء..إستقبلهم ذاك الحشد بـ تصفيق حار و بعض الكلمات لعودة خطيبته سالمة..توقفا في مُنتصف القاعة..أمسك أطراف أصابعها ثم فرقع بـ أصابعه لتصدح موسيقى الأوبرا..جذبها إليه ثم أحاط خصرها ولم يشعر بـ إرتجافة جسدها أسفل يده..هتف بـ أذنها
-عارف إنك بتحبي الأوبرا..عشان كدا رقصتنا هتكون عليها...
تميالا على تلك الألحان بـ مشاعر مُتناقضة..إحداها عاشقة والأخرى نافرة..كانا يتحركان بـ إنسيابية وخطوات مدروسة..وأفلت أصابعها فـ أخذت تدور في حلقات حتى إلتقطتها يد غلظية أقبضت على خاصتها بقوة مُهلكة..وبيده الأخرى إلتفت حول خصرها كما تلتف الأفعى حول فريستها..رفعت عيناها لتُجابه بنيته فـ تعرفت على هويته بصمت..تراقصا وهى لا ترى سوى عيناه وهو يرتدي زي المُحارب الأسطوري "زورو" و وقناعه يُخفي جزء كبير من ملامحه ولكن نابضها تعرف عليه فقد إستشعر ذبذبات أرسلها خاصته لتُصيبها في منتصف روحها..وحدقتيه لا تتزحزحان عن خاصتها..تمايلا على ألحان الأوبرا وها قد سرق منها تلك الرقصة الأرستقراطية..إنتهت الرقصة ليهمس في أُذنها بهمس عاذب
-وأديني وفيت بوعدي وسرقت رقصتي... سنيوريتا..
وإستغل إنطفاء الأضواء ليُقبل نحرها النابض بقُلبة رقيقة ليختفي في جُنح الظلام كما ظهر تمامًا...
وتوقفت الرقصة..أُضيئت الأضواء وظلت بتول تبحث عنه بـ حدقتيها التي لمعت بـ قوة وإزداد وجهها بريقًا...
تقدم منها عز الدين والذي كان الشرر يتطاير من عيناه..من ذاك الذي يجرؤ على إختطاف الرقصة التي لطالما حلُم بها..أمسك يدها وكادت أن تشهق بـ اسم يونس..إلا أنها إبتعلتها وهى تراه بـ هيئته الغاضبة..وقبل أن يهذي كانت هى ترد على عجالة
-أنا معرفش إيه اللي حصل..بس أنت اللي سبته يرقص معايا..لو كنت منعته كنت هستحمل عصبيتك..بس أنت سبته...
ثم رفعت ثوبها وقالت بـ قوة
-أنا داخلة الحمام..بعد إذنك...
وتحركت من أمامه ونبضات قلبها كادت تصم أُذنيها..دلفت إلى الداخل وقد خلا من رواده..أغلقت الباب وإستندت على الحائط خلفها..إبتسمت بـ سعادة بل وقفزت ثم هتفت بـ حماس
-يونس جه...
ثم إتجهت إلى المرآه المُعلقة على طول الحائط..وأخذت تتأمل وجنتها والتي قد تحولا إلى اللون الوردي..لم تشعر بـ ذاك الذي دلف خلفها ثم أحاط خصرها..شهقت بتول ولكن ما أن أبصرته..حتى هتفت بـ عدم تصديق
-يونس!!!
ولم يتركها تُكمل حديثها إذ أدارها وجذبها في أحضانه..أحاطها بين يديه بـ قوة حتى بدت كـ إحدى ضلوعه..وهى لم تقل عنه بل إزدادت وهمست بـ صوتٍ مُتحشرج
-وحشتني أوي..أوي
-أبعدها عنه وأحاط وجهها:وأنتي وحشتيني أكتر يا قلبي يونس من جوة
ثم أخرج من جيب بنطاله ورقة وقال بـ جدية
-بصي معندناش وقت..إمضي هنا إبصمي
-عقدت ما بين حاجبيها وتساءلت بـ توجس:إيه دا!
-سألها بـ حنو:مش أنت بتثقي فيا!!
أماءت بـ رأسها دون تردد..فـ إبتسم بـ عذوبة وقال
-خلاص ثقي فيا وأمضي...
وبـ ثوان جذبت الورقة ومضت ثم بصمت كما طلب..أخذ الورقة وطواها..ثم إقترب منها و وطبع قُبلة سريعة على شفاها..تشدق وهو يتحرك إلى الخارج
-سلام مؤقت يا مراتي...
ثم خرج وتركها تُحدق به بـ بلاهة وصدمة عقب ما قال...
*****************************************
وخرج يونس كما دلف وأبدل ملابسه وكاد أن يدلف مرة أخرى إلا أن عدي أوقفه قائلًا بـ حدة
-اللي بتعمله دا غلط
-أزاح يونس يده وقال بـ غلظة:الغلط لما وثقت فيك..اللي جوه دي مراتي وأنا مش هسيبها عنده ثانية...
ثم دلف بـ خطى سريعة..لم ينطفأ شوقه لها ما أن أبصرها في هذا الثوب والذي جعلها كـ حورية هربت من الجنة..فـ ما أن رآها بـ هذا الثوب حتى هوى قلبه من فرط جمالها الفتاك...
تلك المرة دلف يونس من البوابة بـ كل هيبة ووقار..ضرب كل حارس حاول أن يمنعه من الدلوف وقد ساعده محمد وعدي..وفي غضون دقائق..وصلوا أمام باب المنزل..ركله يونس بـ عنف و وقف يُطالع ما حوله بـ إزدراء...
عم الأجواء الصمت..وكل الأبصار توجهت إلى يونس..تطلع إليه عز بـ عينان جاحظتان..وقبل أن تحرك من مكانه حتى وجد من يندفع خلفه بـ أقصى سرعة..لتستقر في أحضان يونس...
تراجع يونس إثر الإصطدام ولكنه حاوطها بـ يدها الصلبة..إلتفت يداه حولها بـ تملك..ثم رفع أبصاره إلى عز الدين الذي شحب كـ الموتى..كان يقف كمن سكب عليه دلو ماء قارص البرودة..جسده قد تصلب من المفاجأة...
كانت عينا يونس تنظر إلى عز الدين بـ حدة كـ حدة الصقر..نظرات تبث السموم كـ أفعى..عيناه ضيقة بـ غضب حارق يحرق الأخضر واليابس..عينان تهتفت بـ وعيد أسود قاتم كـ هوة جهنم..نظرات تخترق جسده وعيناه حتى كادت أن تحرقها...
نظراته أخبرته بـ بساطة بـ تملكه لها..أنها ملكه وليست لغيره..أنها باتت له وليست لأحدٍ أخر..نظراته كانت أبلغ من أي حديث..نظرات تحكي ألف قصة وقصة بدايةً من الإنتقام وحتى النهاية إنتقام لاذع..مر المذاق..فـ يونس المُحارب قد حظى بـ أميرته وإنتزعها من بين يديه...
الفصل_التاسع_والعشرون
يونس
قد نضيق بالحبّ إذا وُجد، ولكن شَدَّ ما نفتقده إذا ذهب.
أخذ منه الأمر سويعات حتى يستقبل مخه إشارت تدل على أنها ترتمي في أحضان غيره..تجاهل تلك العينان التي تنظران إليه بـ وحشية تُهدد بـ الفتك به..تطايرت الشرارات الغاضبة من عيني عز الدين ثم إنطلق كـ القذيفة ينتوي نزعها من أحضانه نزع..وكادت يده تمتد إليها..إلا أن يد يونس الصلدة منعته من ذلك..قبض على معصمه بـ قوة كادت أن تُهشمه من فرط عنفها..لم يخفَ الغل و الحقد التي أودعها يونس بـ قبضته...
وبـ يده الأخرى جذبتها من خصرها لتحتمي خلف ظهره..ولم يظهر سوى عيناها اليمنى وقد إختفت تمامًا خلف جسده العريض..كانت عينا عز الدين لا تتزحزحان عن خاصتها بـ نظرات دبت الرعب في أوصالها..تلك النظرة الأكثر شراسة على الإطلاق..نظرات نمر قد هربت فريسته وأخذ يتربص بها حتى هربت..هذا ما رأته في عيناه مما جعلها تُغلق عيناها بـ قوة وتعتصر جفنيها..قبضت بـ يدها الصغيرة على قميص يونس عل تلك القوة النافذة منه تتسرب إليها...
علا صوت تنفس عز الدين بـ غضب ثم هدر بـ صوتٍ أجفل الجميع عداه وهو يقف أمامه شامخ كـ الأسد
-تعالي هنا!!
تحرك يونس إلى اليمين ثم بـ قبضة حديدية أدار فكه بـ قسوة وردد
-بصلي أنا...
-سحب عز الدين يده بـ عنف ومن ثم هدر بـ عصبية:أطلع برة...
-إبتسم يونس بـ إستفزاز:منا هطلع...
ثم أكمل بـ نبرة خبيثة
-مع مراتي...
وتاهت الدنيا من حوله..زوجته!!..متى وكيف!!..توسعت عيناه بـ قوة مُندهشة ثم تشدق بـ تلعثم وقد شعر أن قلبه ينشطر إلى نصفين بـ سكينٍ بارد
-مـ..مرا..تك
-أومأ يونس بـ رأسه ورد عليه بـ برود:أينعم..أظن لا أنت ولا رئيس الوزرا يقدر يمنعني عن مراتي
-كدااااب...
همهم يونس بـ تسلية ثم تشدق بـ تهكم
-مممم..هعديهالك عشان بس أعصابك
أدار رأسه نصف أستدارة ثم قال لـ بتول بـ حنو
-يلا
أومأت بـ رأسها عدة مرات بـ نعم وهى تشعر بـ الإختناق..تُريد الخروج من هنا بـ شتى الطُرق..أمسك يدها يبُثها الأمان وما كاد أن يلتفت حتى باغته عز الدين بـ لكمة أسقطته أرضًا..صرخت بتول بـ خوف ثم جثت على رُكبيتها تتفقده...
ولكنها لم تصل إلى الأرض فـ قبضة عز الدين أحالت دون ذلك جاذبًا إياها نحوه..توسعت عيناها بـ هلع وهى ترى نظراته التي تكاد تحرقها..أخذت تتلوى بين يديه ولكنه لم يسمح لها بـ الهروب..نطق بما جعل الدم يتحسب رويدًا من جسدها كما روحها التي شعرت بها تنساب تدريجيًا..همس بـ فحيح أفعى يُسري الرعب في النفوس
-أنتي ملكي وبس..واللي مأختدوش برضاكي هاخده غصب عنك...
إبتلعت ريقها بـ صعوبة ومن ثم صرخت بـ رعب وهى تستشعر يده على ظهرها
-يونس!!!
ولم يتحاج يونس سوى صرختها حتى إستفاق..نهض كـ الوحش وهو يراها في أحضان تلك الأفعى ثم إنتزعها منه بـ عنف..ولم يكد ينزعها حتى إنهال عليه ضربًا مُبرحًا..فجر فيه كبت سنوات من التعذيب وسنوات أخرى من تلك المذبحة التي شهدها..صرخ صرخات وحشية وهو يُهدد عز الدين بـ قتامة
-وحياة اللي خلقني وخلقك يا عز لكون مسففك تراب الأرض عشان تفكر تلمسها بـ إيدك النجسة دي تاني
ركله مرة أخرى في معدته حتى تناثرت الدماء من فمه وهدر بـ صوتٍ قد تشققت له الحوائط
-ساااااامع!!!
ثم إلتفت إليها وقبل أن يخرج بها..حتى مد يده إلى جيدها وإنتزع ذاك العقد بـ قسوة قذفه بـ وجهه ثم قال بـ إزدراء
-مش محتاجين حاجة من نجاستك...
ودلف إلى الخارج بـ هدوء عكس عاصفة دلوفه..وبـ الطبع عدسات الصحافة لم تتأخر عن تسجيل هذا الحدث الأكثر من رائع..حديث لن يتوقف عنه العامة حتى بعد مائة عام...
كان يونس يسير بسرعة وقد أشار إلى عدي و ومحمد المُنشغلان بـ إبعاد الحرس..تبعاه بـ صمت ولم يجرؤ أحد على الحديث فـ مظهره لا يُبشر بالخير...
سمعوا صوته البغيض يتردد بـ وعيد وقتامة
-هى ملكي..ملكي أنا وبس..سامع!..هى من حقي أنا...
ولكن لم يتوقف يونس..ولكن أيضًا لم يمنع من تصلب عضلات وجهه وتشنج جسده بـ أكمله..تأوهت بتول وهى تستشعر قبضته تشتد أكثر على يدها حتى كادت أن تُحطمها...
***************************************
الجميع بالسيارة ويحيطهم الصمت..صمت خانق كـ ساحبها رمادية خلفتها النيران..عدي يجلس بـ جانب صديقه الذي يقود السيارة بـ خوف من سكون يونس..الجميع يتوقع إبتهاجه من أن يراها..سعادة وتهليل..ولكن كل ما حصلوا عليه هو الصمت والسكون وكأن ريح عصفت بهم وتركتهم بلا حياه...
كان يونس مُتصلب الجسد..مُقتضب الوجه..عيناه لو رأها أحد لتجمد أمامه من هول خطورتها..يده لم تترك يدها بل وتشتد عليها أكثر..كلما تذكر كلماته التي ألقاها حتى يشعر بـ فوران وغضب قد يُطيح بمن أمامه..يعلم أن الحرب ستشتعل على أشُدها وستكون الخسائر فادحة..الطرف المُتأذي هو..هو فقط وليس غيره..إما ضايعها أو ضياع أحد من أفراد أسرته..ظل كاتمًا غضبه الذي أشبه بـ القنبلة الموقوتة..ما أن تُنزع فتيلها حتى تُحطم الجميع إلى أشلاء...
نظر عدي إلى وجه بتول أولًا والذي حاكى شحوب الموتى بل وتعداه..ثم إلى يونس والذي ما أن وقعت أنظاره عليه حتى تصاعدت ضربات قلبه بـ شدة..إبتلع ريقه بـ صعوبة وتشدق بـ تردد
-يونس!!!
ولم يعرف أحد ماذا حدث..كل ما فعله عدي أنه نزع الفتيل فـ أنفجر يونس يهدر بـ صوتٍ مُرعب دوى صداه كـ الرعد...
-أنت تخرس خالص..لو كنت أخد بالك منها..مكنش حصل دا كله..أدي روحنا بقت على كف عفريت
-حاول عدي التحدث بـ تردد:أنا آآآ...
ولكن يونس لم يسمح له بـ الإكمال وردد بـ قسوة
-إعرف إنك أول واحد هتتلسع من ناره...
وجفت الحروف وأُغلق الحديث..نكس عدي رأسه بـ خزي..فقد إعتمد يونس كليًا عليه حتى يحميها وهو أعطاه وعد لم يستطع إيفاءه..وعاد الصمت من جديد...
كانت بتول مُنكمشة على نفسها ما أن أبصرت موجة غضبه..ولكنها تعذره..النظرة التي رمقها بها عز الدين كانت كفيلة بـ جعلها تتمنى الموت..إبتعلت ريقها بـ خوف..ثم همست إلى محمد
-ممكن توقف العربية!
-نظر لها محمد من المرآه ثم تساءل بـ غباء:أوقف العربية!..هنا!..فـ الصحرواي!
أماءت بـ رأسها بـ نفاذ صبر قبل أن ينتبه يونس..هز رأسه بـ قلة حيلة ثم أوقف السيارة..همست مرة أخرى
-خد عدي وإنزلوا من العربية..وحاولوا تبعدوا
-طيب
قالها مسلوب الإرداة وهبطا من السيارة..نظر عدي إلى أخيه الشارد بـ حزن ثم إستدار وأكمل سيره مع صديقه...
أخذت بتول عدة أنفاس تُهدأ من روعها وتبث في نفسها الثقة المسلوبة..إستدارت نصف إستدارة..فـ وجدت عيناه بـ لون الدم..وصوت تنفسه يكاد يصمها..إبتلعت ريقها بـ صعوبة وقد ذهبت ثقتها الزائفة أدراج الرياح..ولكن نفسها الثائرة تدفعها بـ أن تُكمل ما لم تبدأه...
رفعت يدها المُرتعشة وأدرات وجهه..لـ لحظات تصلب وجهه وكأنه لا يُريد النظر إليها..فـ همست بـ صوتٍ رقيق ولكنه غُلف بالخوف
-يونس...
وأمام بحة صوتها الرائعة..أمام رقتها الممزوجة بـ الخوف..لم يجد سوى أن يلتفت إليها..تُلقي بـ سحرها عليه دون أن تُمارسه..نظر إلى عينيها بـ عمق حتى نفذ إلى روحها وهى فعلت المثل..ظلت النظرات تتعمق وتتعمق حتى وصلت حد الجموح..أجفلت بتول وهى ترى نظرات راغبة فيها تكاد تفتكها..تضرجت وجنتيها بـ حمرة خجلة وقد أخفضت نظراتها وهى تُعاتبه بـ رقة
-مينفعش كدا
-رد بـ هدوء وحب أدهشها:هو إيه اللي مينفعش!!
إرتفعت نظراتها لا إراديًا وهى ترى الصفاء والحب بـ عيناه..بدأت تشك في قواها العقلية وأن نوبة غضبه وقساوة عيناه لم يكن سوى هذيان..توسعت عيناها وهى تميل بـ رأسها إلى أحد الجوانب.
ليضحك يونس ضحكته الرجولية ثم قال
-متبصليش كدا..أنتي متعرفيش أنك أد إيه قادرة تقلبي مودي فـ لحظة..لحظة واحدة بس..يا بتولي...
قالها وهو يميل على وجنتها ويُقبلها بـ شغف..تلامس ذقنه مع طرف شفاها فـ جعل جسدها يرتجف بـ شدة..طالت القُبلة وتطرقت إلى عدة قُبلات على وجنتها حتى وصلت إلى طرف شفاها..كانت مُتصلبة أسفل جسده الذي يُشرف عليها به..تنفسها قد تسارع حتى باتت تشعر بـ دوار إكتسحها...
تسحبت يداه تضمها إليه في عناق وحشي..كاسر..مُتملك..و وجهه مدفون في تجويف عُنقها وهو يُهمهم بـ هيام
-بعشقك يا بتول..هموت لو بعدتي عني
إرتفعت يداها المُترجفة تحاوطه ثم إرتفعت إلى خُصلاته وأخذت تعبث بها بـ صوتٍ غلبت عليه العاطفة قالت
-مفيش حد يقدر يسيب روحه لما يلاقيها...
ثم همست بـ أُذنه بـ رقة جعلته يتأوه
-وأنت روحي..الروح اللي مبعدهاش روح...
لو أنهما في غُرفة مُغلقة..لو أنهما مُنعزلان عن العالم..لو أنهما لي زمن غير الزمن..لكان هو وهى يعيشان الآن في عالم لن يطرقه أحد ولن يزعجهما أحد..لكن لو إستحالت دون ذلك...
همس يونس بـ صوته الأجش عابثًا
-لو مبعتديش عني دلوقتي..صدقيني يا بتول مش هيحصل كويس...
وفي ثوان كانت يداها تدفعاه من صدره بعيدًا عنها..ضحك يونس ملئ فاه حتى جعل عدي ومحمد يقطبان بـ تعجب..مُنذ ثوان وكاد أن يبتلعهما بـ غضبه..والآن يضحك ملئ فاه حتر شعرا بـ الفراشات تطير حولهما...
أطلت بتول بـ رأسها وأشارت لهما بـ المجيئ..وقد علما أنها إمتصت غضب يونس بـ الكامل..فـ تشدق محمد بـ ذهول
-صحيح تستاهل يموتوا بعض عشانها...
ثم صعدا السيارة ولم يتجرأ أحد على الحديث..أدار محمد المُحرك وظل صامتًا...
إلتفتت بتول إلى يونس وقالت بـ خفوت
-وهنعمل إيه مع بابا!!
-هز رأسه بـ بساطة:أكيد هيوافق...
****************************************
-على جثتي يا سيادة المحترم..هطلقها دلوقتي ...
نطقها إسماعيل بـ غضب وقد رمق بتول بـ نظرة تحمل الخزي..نكست رأسها ولم ترد..بينما إسلام كان في قمة إنتشاءه..ها قد تخلصت من عز الدين ولا يبدو على يونس أنه يشبهه بـ مثقال ذرة..لا يعلم لما شعر بـ الراحة ما أن أبصره..هنا وعلم أنه المنشود هو من ظلت بتول تبحث عنه ولكنها قد وجدته قبلًا في أسوء الرجال ولم تلحظ...
لم يبدُ على يونس التأثر مما قال والدها..إلا أنه إعتدل في جلسته ثم قال بـ رزانة
-يا أستاذ إسماعيل..بتول خلاص بقت مراتي..وأنا معملتش كدا عشان حاجة من اللي خطرت فـ بالك...
إتسعت عينا إسماعيل بـ شدة وقد فهمه يونس سريعًا..فما ان قص عليه شئ دون أن يُجمل أو يحذف..إعترف بـعشقه وهيامه بها دون خجل..ولما يخجل أن يعترف بـ أنه عاشق لذرات الأتربة التي تخط عليها..وهذا ما لاحظه مُذ أن رآه..ولكنه أراد أن يتأكد من صدق مشاعره كي يطمأن قلبه...
إستعاد إسماعيل رباطة جأشه وقال بـ صلابة
-برضو مينفعش..أنت أخدتها زي اللي بيسرق وهى إعتبرت إن معندهاش أب ترجعله..أنا مش هسلملك بنتي بالطريقة دي
-إبتسم يونس وقال بـ ثقة:ومين قالك إني أخدتها!
-رد عليه إسماعيل بعدم فهم:مش فاهم
-وضح يونس مقصده:يعني جوزاي منها صوري دلوقتي..لحد أما أتقدملها وكأننا لسه متجوزناش..بس كل اللي عاوزه من حضرتك..إني أخدها بيتي عشان أعرف أحميها...
وبعد ساعة من المحادثات والتي إنتهت على مضض بـ موافقة إسماعيل على ما يطلب وأنها ستظل معه بـ بيت أهله وسط عائلته كي يضمن عدم إنفراده بها..فـ لم تخفَ عليه نظراته التي تتوق إلى إبنته..ولكنه وعده وما رآه إسماعيل أنه رجل شهم ولن يتراجع عما قال..وقتها علم أنه فارس إبنته المغوار..ولكن كانت عيناه تخبره إن حنث وعده ستكون عنقه هى الثمن...
جلس يونس على فراش بتول في غرفتها الغاية في الطفولة..كل ما يُحطيه وردي اللون يختلط مع اللون الأزرق الهادئ..رسومات كارتونية لأميرات ديزني..كل شئ يليق بها وطفولتها..زفر يونس وهو يراها تقف أمامه
-باباكي دا صعب أوي
-ضحكت بتول وقالت بـ دلال:بيخاف على بنته وعاوز يطمن عليها
-رد عليها بـ حنق:وهو أنا هاكلك...
نظرت له بـ نصف عين ليضحك هو ثم قال بـ عبث
-يعني..مش هاكلك أوي...مش مصدق امتى هتكوني ليا...
وضعت يدها على وجنته بـ حب و بـ رقتها المعهودة همست
-خلاص هانت يا حبيبي...
وما أن نطقت بـ "حبيبي" حتى إنتفض كمن لدغته أفعى..جذبها من معصمها وقد إرتشعت خوفًا..ثم قال بـ صوتٍ أجش
-قولتي إيه!
-ردت بـ تلعثم:قولت..قولت إيه؟
-عيدي اللي قولتيه...
نظرت إليه بـ غرابة ولكنها نطقت بـ تردد
-خلاص هانت
-ليُكمل هو بـ شغف:اللي بعدها بقى
-إبتلعت ريقها بـ صعوبة وقالت بـ خجل:حبيبـ...
تأوه بـ عنف..ليغرس يده في خُصلاتها المجنونة كـ صاحبتها ويجذبها إليه..لينقض على شفتيها في أول قُبلة لهما..قُبلة إلتقت فيها شفتان عذريتان لينتهكا عذريتهما في تلك الـ...لا يوجد لما يحدث الآن تسمية..فـ هو تلتف يدها حولها تضمها إليه بـ قوة وشفتاه لا تتوقف عن إلتهام شفتيها المُغوية كـ تفاحة آدم..ويداه تشتد على خصرها تجذيها إليه أكثر حتى إنتقلت سخونة جسده إليها..وتاه العالم عنهما و وجدا عالمًا خاصًا بهما..شعرا حولهما بـ الألعاب النارية ترتفع وتلاطمت الأمواج بينهما وسبحا على غُمامة أضاءتها النجوم...
الفصل_الثلاثون
يونس
الكراهية تشل الحياة، والحب يطلقها. الكراهية تربك الحياة، والحب ينسقها. الكراهية تظلم الحياة، والحب ينيرها.
ظلام..كل ما خلفوه وراءهم هو الظلام..ولكنه لا يُضاهي عيناه ظلام..كان يجلس أرضًا في المُنتصف يضم رُكبتيه إلى صدره وأخذ يتأرجح إلى الأمام والخلف..توعد لأكثر من مرة بـ أغلظ الإيمان أنها ستكون له..سيمحي يونس وجذوره من الوجود..كل من يحمل حروف الاسم سيكون مصيره الموت...
لم يأبه إلى ثيابه المُشعثة ولا تورم وجهه..ولا تلك الدماء التي جفت على وجهه..بل ما يشغله هو إنتقام منها ولها..منها لأنها خانت عهده وأحبت غيره..ولها لأنها تم تدنيس روحها من قِبل أكثرهم بُغضًا إلى قلبه...
فُتح الباب ودلف رجلًا ما ثم دنى إلى سيده وقال بـ إحترام
-عز الدين بيه!!
رفع عز الدين أنظاره ولم يتحدث..فـ أكمل الأخر حديثه بـ جدية
-سيادة العقيد رفعت قبضوا عليه الصبح..كل حاجة إتكشفت...
ولم يتأثر عز الدين ولم تتحرك عضلة واحدة من جسده..ولكنه تساءل بـ جمود
-فين سيف؟
-وصل من شوية..وهو جاي على هنا...
أشار عز الدين بـ يده كي ينصرف..فـ إنصرف الرجل بـ هدوء..نهض هو صعد غُرفته وبدأ في تبديل ثيابه وغسل وجهه بـ الماء البارد عكس النيران المُشتعلة داخله..تفحص وجهه بـ المرآه ولم يهتز أيضًا لمظهره المشوه..بل جففه ودلف إلى الخارج..صعدت خادمة تتحدث بـ تلعثم وخوف من هدوءه...
-السيد سيف تحت...
رفع أنظاره القاتمة لها والتي دبت الذعر في أوصالها ثم صرفها بـ إشارة من يده..وما أن أشار لها بـ الرحيل حتى هربت تتنفس الصعداء..أعاد إرتداء تلك الحلقة الفضية في يُسراه تلك المرة وكأنه يُثبت للجميع أنها ستعود له بل وستكون ملكًا له..هبط الدرجات بـ فتور وكأن شيئًا لم يكن...
نظر إليه سيف من بعيد وقد أثار توجسه من هدوءه ولا مبالاته..حقًا ذلك أكثر رعبًا من ثورته..ستكون العاصفة شديدة وستقتلع كل من يقف بـ طريقها..وصله من بعض الأشخاص أنه رفض تدخل الشرطة وبعض الجهات العسكرية من أجل ما حدث..وما حدث قد تم مواراته ودفنه مع الأشخاص الحاضرين..حقًا لا يعلم ماذا أصاب من هنا فـ الجميع أختفى ولا يوجد أثر لأحد...
إبتلع ريقه وهو يجد عز الدين قد وصل أمامه وبـ جفاء قال
-تجبلي بتول من تحت الأرض..وليك حرية التصرف حتى لو إغتصبتها..تجبهالي..سامع!!
جحظت عينا سيف بـ قوة حتى كادت أن تخرج من محجريهما..حقًا قد فقد ما تبقى من عقله ولكن أثار إشمئزازه بَ طريقة مُخجلة..ليقول سيف بـ تقزز
-أنت أكيد أتجننت يا عز..أنت جرى لمخك حاجة؟!
لم يتأثر..يبدو أنه فقد الحياه طريقة حديثه وهدوءه تُثيران الرعب بـ طريقة مُخيفة..رفع عز الدين أحد حاجبيه وقال بـ جمود
-معنديش وقت لسؤالك الغبي دا..هتجيبها ولا أتصرف بـ طريقتي!
-أشاح سيف بـ وجهه وقال بلا مُبالاه:إتصرف بطريقتك
-إبتسم عز الدين بـ شراسة وهتف:حاضر هتصرف بطريقتي...
أشار له بـ حاجبيه وقال بـ تجهم
-بره...
إبتسم سيف بـ سخرية ثم خرج..وضع عز الدين يده بـ جيب بنطاله..ثم هدر بـ اسم أحدهم
-جعفر!!!
أتاه المدعو جعفر بـ خطواته الرتيبة وهدوءه المثير للأعصاب ثم قال بـ إحترام
-أؤمرني يا سيادة الوزير
-إبتسم عز بـ شيطانية وقال:طلع كل حبايبنا من المخزن وإعملهم حفلة شوي مُعتبرة
-وبلا ملامح رد جعفر:حاضر يا عز بيه...
أخرج عز الدين لُفافة تبغ ذات لون بني..ثم أخذ في تدخينها..وأخذ يُشاهد جعفر ورجاله وهم يخرجون العديد من الأُناسي والذين هم ضيوف حفلته..والصراخ يدوي وأحدهم يصرخ بـ توسل
-إرحمنا يا عز بيه..محدش هيعرف حاجة...
إقترب منه عز بـ خطى رتيبة ثم قال بـ خبث
-منا عارف إن محدش هيعرف..بس دي إحتياطات أمنية...
ثم تجهم وجهه مرة أخرى وعاد يُشاهد رجاله وهم يسكبون السائل القايل للإشتعال على الأرضية..والجميع يصرخ الصحافيون وذوي الشأن والمراتب العُليا والجميع يصرخ بـ أنه مجنون ولا أحد يعلم أنه تخطى مرحلة الجنون بـ مراحل عديدة..تقدم جعفر منه وهمس
-كل حاجة جاهزة...
نظر له من طرف عيناه ثم أشار بـ رأسه كي يرحل..تبعه هو بـ خطوات تدب الرعب حتى وقف على الباب ثم إلتفت وقال بـ نبرة رجل على حافة الجنون
-أتمانلكوا سهرة سعيدة...
ثم أخذ أخر نفس من لُفافة التبغ وقذفها أرضًا..لتشتعل النيران بـ المنزل..أغلق الباب بـ إحكام وهو يستمع إلى الصرخات بـ الداخل..صرخات لو سمعها معدومي الرحمة كان قد رق قلبه وأنقذهم ولكن عز!!!..كان قد جُن بـ الفعل..وقف بـ جانب ذلك الرجل الهادئ..ثم قال وهو يُشاهد إندلاع النيران
-زي ما إتفقنا...
-حاضر يا عز بيه...
أملا عليه عنوانًا ما وقال بـ جمود
-هتلاقي بنت فـ العنوان دا..تجيبها وتحصلني ع المخزن...
وأماء الرجل بـ طاعة ورحل..بينما بقى يُتابع تآكل النيران لذلك المنزل كما تتآكل نار الكره والحقد بـ قلبه والإنتقام سيبله الوحيد...
****************************************
لم يفق من نشوته إلى على صوت طرقات الباب التي تجاهلها المرة الأولى..إلا أن بتول أبعدته وقالت لاهثة
-الباب يا يونس...
وضع وجهه في تجويف عنقها وظل يأخذ أنفاسه المسلوبة رُغمًا عنه وصمت..وبـ صوتٍ مُتهدج نطق
-ردي أنتي أحسن
-حـ..حاضر...
أخذت عدة أنفاس لتستعيدها وحاولت تطويع ضربات قلبها التي أبت الهدوء..وبـ صوتٍ حاولت إخراجه ثابت
-أيوة!!
-أتاها صوت والدتها الخبيث:كل دا عشان تردي!
-همست بـ جذع:يا لهوي إتفضحنا...
ولكن يونس أبعد ما يكون عما تتفوه به الحمقاء..يشتم رائحتها التي تُسكره ولا تزال يده تعتقل خصرها..أبعدته عنها وقالت بـ ذعر
-يونس ماما بره
-طيب...
قالها يونس بـ تأفف وتركها..إستعادت رباطة جأشها وفتحت الباب..لم يخفَ عليها نظرات والدتها التي طالعتها بـ خبث..فـ تشدقت بتول بـ تحذير
-متبصليش كدا يا ماما الله يكرمك
-مصمصت بدرية شفتيها وقالت بـ ضحكة:هو أنا عملت حاجة..أنا جاية أقولك أبوكي عاوزك
-أخذت بتول نفسًا عميق ثم قالت:حاضر جاية أهو...
ورمقتها والدتها مرة أخرى بـ خبث وكذلك يونس الذي إتسعت إبتسامته ما أن رأى حماته..همس بـ سعادة
-حماتي كدا هتبقى فـ صفي..دا أشطه أوي...
أغلقت بتول الباب وما كادت أن تستدير حتى وجدت يونس يحتضنها مرة أخرى وأخذ يُقبل عنقها الظاهر..عدة قُبلات رقيقة أسرت الدفئ في جسدها..أمسكت قميصه عن كتفه الأيمن وقبضت عليه بـ قوة..تستشعر قُبلاته التي يضع بها جميع مشاعره التي رفضتها قبلًا..تلاحقت أنفاسها بـ صورة مُقلقة إلى أن شعرت بـ قدميها تخور..ولكن يونس لم يسمح لها بـ السقوط..فـ أمسكها جيدًا من خصرها ثم رفعها إليه...
وتوقفت قُبلاته مع توقف أنفاسه..تلك الصغيرة ستودي بـ حياته لا مفر..همس من بين شفتيه بـ سبة بذيئة وتبعها قوله الحانق
-كان لازم أعمل فيها شهم وأقول لأبوكي إني مش هقربلك!..إزاي هستحمل!!...
ولم يقابله سوى تسارع أنفاسها..ليحكم يده حولها ثم قال بـ حزم
-روحي شوفي باباكي..وإعملي حسابك..هتيجي معايا دلوقتي..أنا مش هستنى لبكرة...
ثم دفعها إلى الخارج تحت ذهولها وعدم قدرتها على الحديث بعد عاصفته مُنذ قليل..وضعت يدها على خافقها تُهدأ من نبضاته وترسم الهدوء على وجهها..ثم سارت بـ خطى بطيئة حتى تستعد لمواجهة أبيها ولكنها ما أن مرت بـ إحدى المرايات حتى لطمت وجهها وقالت بـ شهقة
-خبر إسود..منك لله يا يونس..منك لله...
أخذت تنظر إلى عنقها الذي تحول إلى اللون الأحمر في مواقع قُبلاته..فـ بحثت بـ عينيها حتى تجد ما يُخفي عنقها..لتجد وشاح والدتها فـ أخذته ووضعته حول عنقها بـ إهتمام حتى لا تظهر عنقها المُفعم بـ مشاعر يونس...
وبعد مدة كان يونس وبتول يودعان عائلتها بـ دموع..ليقول إسماعيل بـ رجاء
-هى أمانة فـ رقبتك..أنا سلمتهالك وأنا مطمن إني سلمتها لراجل
ربت يونس على ذراع حماه ثم تشدق وهو ينظر إلى بتول بـ حب
-متوصنيش على روحي يا عمي..بتول كمان أغلى من روحي...
ودعت بتول والدتها للمرة التي لا تعلم عددها وشقيقها مرة أخرى والذي حذر يونس من العبث بـ قلبها...
****************************************
أخذ يتطلع إلى تلك الغُرفة التي وضعوه بها ولم يأتي أحد..يعلم أن كل شئ تم إكتشافه وأنها النهاية..سمع صوت الباب يُفتح بـ تمهل يستمتع صاحبه بـ نصره ودلف بعدها سعد ويتبعه عدي. نظر لهما رفعت بلا مبالاه ثم نظر أمامه مرة أخرى...
جلس سعد أمامه وقذف ملفًا ما على الطاولة وعدي يستند إلى الحائط خلفه يرمقه بـ إزدراء..كان رفعت أو من شق الصمت بـ حديثه الساخر
-هتفضلوا تبصولي كتير!!
ولم يرد أحدًا عليه..بل أزاح الأوراق إلى رفعت والذي بدوره أعادها إلى سعد وقال بـفتور
-عارف فيها إيه
-ومش همك؟!
إنطلق هذا السؤال من عدي..والذي أكمل بـ حدة
-الملف دا فيه بلاويك أنت وعز..فيه كام روح قتلتم كأنكم نصبتوا نفسكم عزرائيل..كام سرقة سرقتوها..كام صفقة أدوية فاسدة دخلتوها مصروكام واحد مات..فيه كام سلاح مسكتوه لشباب زرعتوا فيهم مفاهيم إن يا الإسلام يا الإرهاب..الإسلام اللي متعرفوش عنه حاجة..فيه كام شاب ضحكتوا عليهم بـ السفر برة وأنتوا كنتوا بتسلموهم تسليم أهالي لتجار الأعضاء وتروحوا تقولو لأهله إن السفينة غرقت أو الطيارة وقعت...
نظر إلى رفعت بـ برود ولم يهتم..لم يشعر بـ الشفقة أو الندم لما فعل..بل رد بـ جمود
-دا اللي تستحقه البلد بعد أما قتلوه..قتلوا ابني قدام عيني
-إبنك كان إرهابي و ***..إبنك قتل وكان لازم يتعدم..إبنك خان بلده وكان لازم يدفع التمن...
ضرب رفعت سطح الطاولة بـ عنف وغضب..وساد الصمت..إرتخى في جلسته ونظر إلى سعد ثم تشدق
-شوف شغلك يا سعد..أنا لا هنكر ولا هعترف..وأنت فـ إيدك الأدلة..خلصني من الفيلم الهندي دا...
سحب سعد الملف ونهض بـ كل وقار..ثم تشدق أخيرًا بـ جفاء
-زي ما تحب..محاكمتك هتكوم كمان يومين..والحكم هيتنفذ بعد المحاكمة بيومين...
ثم دلف إلى الخارج وتبعه عدي..أغلق الباب وتحدث مع سعد بـ حنق
-مش ممكن يكون بني أدم...
-أشار سعد بـ يده وقال بـ هدوء:خلصنا..المحكمة هي اللي هتقوم بالواجب بعد كدا..الموضوع دا ميتفتحش تاني...
أماء عدي بـ رأسه ليسأله سعد مرة أخرى
-يونس مش جاي!!
-أيوة..هيروح عشان يتكلم مع أبو مراته
-غبي وهيفتح أبواب جهنم ع الكل...
هز عدي رأسه بـ قلة حيلة لم يرد..بينما ركض أحد الضباط وبعدما أدى التحية العسكرية..قال بـ ذعر
-بيت سيادة الوزير عز الدين ولع بـ المسئولين اللي فيه...
****************************************
أغلقت الهاتف مع عدي والذي بدى وكأنه يُصارع الرياح..الجميع يتكالب ضده..أخذت تُهدأه وتبث في قلبه الإطمئنان إلا أنها كانت تشعر بـ أن هناك خطبًا ما سيحدث..ظلت تبتهل إلى الله أن ينتهي كل شيئًا على ما يُرام...
دلفت إلى غُرفتها هى تستجدي النوم ولكن كيف وحبيبها يُعاني..تنهدت بـ تعب ثم جلست وأخرجت إحدى الكُتب المفضلة لديها وأخذت في قراءتها حتى غفت مكانها...
بعد مرور عدة ساعات..إستيقظت روضة على صوتٍ غريب مُنبعث من المطبخ..نهضت وهى تعقد حاجبيها بـ تعجب..ثم همست لنفسها
-هو في قطة دخلت المطبخ ولا إيه!!
ولكنها هزت منكبيها بـ فتور وتحركت إلى الخارج..أضاءت الأنوار ثم توجهت إلى المطبخ وكما توقعت هرة تعبث بـ محتويات المطبخ..زفرت روضة بـ يأس ثم قالت وهى تنظر إلى الهرة
-يعني أعمل فيكوا إيه عشان تبطلوا تخشولي فـ نص الليل كدا...
ثم تحركت في إتجاهها وأخرجت لها بعض الطعام لتأكل..سمعت مواء الهرة والتي تدل على سعادتها في الحصول على الطعام أخيرًا..سارت بـ يدها على جسد الهرة وتساءلت فجأة
-أنتي دخلتي إزاي!!
ونظرت إلى نافذة المطبخ لتجدها مفتوحة زفرت بـ ضيق وقالت
-دخلتي من الشباك..بس أنا قفلاه..يمكن مقفلتوش كويس...
هزت رأسها بـ نفاذ صبر ثم أخرجت الهرة بعدما أنهت طعامها..أغلقت النافذة وعادت إلى الغُرفة..وما أن دلفتها حتى وجدت من يُكمم فاها..ظلت تصرخ صرخات مكتومة وتركل حتى خبت قواها وفقدت الوعي..وضع ذاك المُلثم يده أسفل ظهرها والأخرى أسفل رُكبيتها ثم حملها وإتجه إلى الخارج...
*****************************************
إستيقظ سيف على صوت هاتفه بـ الصوت الخاص بـ وصول رسالة..نهض بـ تكاسل ثم أضاء الأنوار ومدّ يده إلى الهاتف وإلتقطه..فتح الرسالة وما أن أبصرها حتى إنتفض كـ الملسوع وهو يرى حبيبته فاقدة للوعي و مُقيدة..لم يسعفه الوقت لـ التفكير فـ أتاه إتصال من رقم روضة..وعلى الفور وضع الهاتف على أُذنه وتشدق بـ لهفة
-روضة!. حبيبتي أنتي كويسة!!
-أتاه صوت غليظ وهو يقول:حبيبتك مش فاضية دلوقتي..تقدر تقول مسافرة رحلة فـ عالم تاني
-هدر سيف بـ عنف وعيناه تقدحان شرر:أقسم بالله لو إيدك مستها..لاكون مقطعك حتت...
لم يسمع رد سوى صوت تنفس هادئ..ليعود ويصدح بـ برود
-والله كل دا متوقف عليك..هتعمل خدمة وترجعلك حبيبتك صاخ سليم
-على جثتي و روضة هترجع..
-متتأملش كتير عشان روحها و روحك فـ إيدي..دي خدمة صغيرة..تعملها حبيبتك ترجعلك...
صمت قليلًا وهو يستمع إلى أنفاس سيف الحارقة ثم قال
-هااا..قولت إيه؟!
-كز سيف على أسنانه وهتف بـ زمجرة:عاوز إيه!
-إتسعت إبتسامة الرجل وقال بـ هدوء:هنبعتلك صورة شخص..تجيبه ع عنوان هنديهولك وبكدا ترجعلك حبيبتك
-مين!
-قولتلك هنبعت الصورة..موافق ولا لأ!!
-رد عليه سيف بـ غضب:ماشي..بس أقسم بالله...آآآ...
ولم يُكمل حديثه إذ أغلق الرجل في وجهه..قبض على الهاتف بـ غضب حتى كاد يُهشمه..ظل يُحدق أمامه بـ قتامة وبداخله يتوعد إذا أصابها سوء..أفاق على صوت الرسالة ليفتحها..ثم صرخ بعدها بـ غضب جامح
-هقتلك يا عز..ورحمة أمي هقتلك يا *****...
***************************************
دلفا معًا إلى المنزل وقد بدى عليه السكون..أضاء يونس الأنوار ودفع بتول إلى الدلوف..فـ بعد حديثه الطويل مع أبيها حتى وافق أن يُرسلها اليوم معه..أغلق الباب وهمس
-أدخلي...
ولكن فجأة فُتح باب غرفة والدته..التي دمعت عيناها..وهمست بـ نشيج
-يونس!!...
أسرع يونس يحتضن والدته والتي لم تكف عن تقبيله والنحيب على رجوعه..قبّل كفها عدة مرات وهى لا تسمح له بـ الخروج من بين أحضانه..همست صفوة مرة أخرى بـ إشتياق
-وحشتني يا قلب أمك
-قبّل جبينها وقال بـ إبتسامة:وأنتي كمان يا ست الكل
ولكن والدته ظلت تبكي..أزال يونس عبراتها وقال بـ حنو
-خلاص متعيطيس يا ست الكل..أنا أهو فـ حضنك ومش ناوي أبعد خالص
-جذبته مرة أخرى إلى أحضانه وقالت بـ صوتٍ مبحوح:فكر بس تعملها وأنا أقتلك بجد المرادي...
ضحك يونس وهو يربت على ظهر والدته..رفع أنظاره إلى والده الذي أدمعت عيناه سعادةً..ترك والدته وإتجه إلى قدوته في الحياه..رفع رفعت يده وأخذ يتلمس وجهه وأنه حقيقة وأصبح بينهم الآن..كانت عينا الأول تنظر إلى والده بـ إشتياق فـ تشدق الأخير
-حمد لله ع سلامتك يا سيادة المقدم
ثم إرتمى في أحضان ولده وأكمل بـ صوتٍ مُختنق
-كانت روحنا رايحة من غيرك يا بني..
-ربت على ظهر والده وقال:وأديها رجعت
-برجوعك يابني..برجوعك...
جذب يونس يد والده قبّلها عدة مرات وعيناه تلمع بـ عبرات أبت النزول..ربت رفعت على رأسه ولده..ثم رفع أنظاره إلى تلك التي تُتابع المشهد بـ عبرات تنساب ممزوجة بـ إبتسامة..إبتسم هو الأخر وقال بـ هدوء
-تعالي يا بنتي...
ترددت في التحرك ولكن نظراته الحنونة ونظرات والدة يونس شجعتها على التحرك..وصلت إليه وهى تبتسم بـ توتر..أمسك يونس يدها وقال لـ والده بـ إبتسامة
-دي بتول..مراتي
لم تتغير ملامحه الحنونة ولم يبدُ عليه الصدمة..بل إتسعت إبتسامته وقال بـ جدية زائفة
-مش واجب عليكي برضو تسلمي على حماكي!!
إرتبكت بتول كثيرًا ثم إتجهت بسرعة وهى تمد يدها..تشدقت بـ توتر وهى تنظر إلى والده وقد علمت مِن منْ ورث يونس ملامحه البشوشة
-أسفة يا عمي..إزي حضرتك!
-ضحك رفعت وقال:حضرتي كويس..
ثم أكمل بـ صرامة زائفة
-ومفيش عمي تاني..من النهاردة بابا وبس
ضحكت بتول بـ خجل ولكنها أماءت بـ موافقة..ثم إتجهت إلى صفوة وإحتضنتها بـ حب..لكز رفعت ولده بـ خفة ثم هتف بـ مرح
-أيوة يا واد وعرفع تنقي
-ضحك يونس وأكمل:أيوة يا واد خدت السنيورة...
وضحكا كِلاهما...
وبعد مدة من الجو المرح والملئ بـ الأجواء العاطفية وقد تفاجئت بتول من ردة فعلهم الودودة ..لم تتوقع كل ذاك القدر من الترحيب والسعادة بها..بل ظنت أنها ستُنبذ وسيثور والده ما أن يبصرها..إلا أنه حدث العكس تمامًا...
أخذت تُحدق بـ غرفة حبيبها والتي تتسم بـ الطابع الرجولي..إستشعرت منها هيبته و وقاره الهادئ..حنون ورائع..نطقت غُرفته بـ كل ذلك...
شعرت بـ يده تحاوط خصرها وقُبلة رقيقة توضع على منكبها وهمسه المُغري يُداعب أُذنها
-هتنامي الليلة فـ حضني...
إلا أن بتول إبتعدت عنه ورمقته بـ غضب تفاجئ به..ثم تشدقت وهى تضع يدها في خصرها بـ حدة
-لا يا بابا لا..مضمنكش وأنت وعدت بابا...
وضع إصبعه أمام فاه وبـ وداعة طفل في الخامسة من عمره تشدق
-والله هنام مؤدب
-ضحكت بتول وهى تضرب كف على أخر ثم قالت:وعد!!
وضع يده على أُذنيه وبـ مرح تشدق
-وعد...
وبـ حركة خاطفة جذبها إلى أحضانه..حاوط خصرها وهو يقربها إليه..إستند بـ جبهته على جبهتها وقال بـ عبث
-بس دا ميمنعش إني أحكيلك حكاية قبل النوم
وقبل أن تستفسر كانت شفتاه تتكفل بـ الشرح وهى تضم شفتيها إليه بـ تملك وكأنه يصك ملكيتها له..تحركت يده عن خصرها وإرتفعت إلى ظهرها تحاوطه كله..عاصفة مجنونة..هذا هو حبهما..جنون وعشق لا مُتناهي..كان يونس يظن أنه ستكون قصة حب من طرف واحد وسيظل يتلظى بنار العشق..أما بتول لم تكن تظن في أعظم أحلامها أنها ستعشق يونس إلى تلك الدرجة..شعرت به يسرى بـ روحها..عشق كامل لا يتخلله ثغرة سوى ذاك الخطر المُحدق بهم...
إبتعد يونس عن مرمى شفتيها فـ لو بقى لحظة أخرى..سيرمي كل وعوده خلف ظهره ويجعلها زوجته قلبًا وقالبًا..إستند جبهته بـ جبهتها وظل صدريهما يصعدان ويهبطان بـ جنون مُتأثرًا بما عايشاه مُنذ قليل..هتف يونس وهو يتحسس شفتيها المُتورمة بـ إبهامه وقد غلب على نبرته العاطفة
-حبك طوفان غرقني...
تعليقات
إرسال تعليق