رواية يونس الفصل الثامن والتاسع والعاشر بقلم اسراء على
رواية يونس الفصل الثامن والتاسع والعاشر بقلم اسراء على
الفصل_الثامن
لا أتذكر قلبي إلّا إذا شقه الحب نصفين أو جف من عطش الحب.
حملها سريعًا بعدما فقدت وعيها بين يديه..ووضعها على الفراش وقد تقصلت ملامحه رعبًا عليها..ماذا لو فقدها!..ماذا لو ذهبت؟..ماذا إن أصابها مكروه!..لا يجد إجابه..كل ما بات يعلمه بل بات يتيقنه أنها إذ أصابها مكروه فـ إنه سيفقد علقه لا محالة..
بـ يد مرتعشة أخذ يربت على وجنتها بـ رفق حتى تفيق وبـ همس أخذ يُردد اسمها من بين شفتيه
-بتووول..بتول فوقي عشان خاطري...
ولكن لا رد..أغمض عيناه بـ غضب وسبه من بين شفتيه..أمسك يدها بـ كفيه وهتف بـ توسل
-عشان خاطري فوقي..هو كلب ميستاهلش..قومي!!..
إبتلع ريقه بـ صعوبة وهو يجد الرد عليه سكون..نهض بعدها سريعًا مت مكانه وفتح الباب وخرج هاتفًا بـ صوت قد صدى صداه في جميع أرجاء المنزل
-عم أبو عواد!!..عوااااد؟!!
وعلى إثر صوته خرج الجميع من الغرف وقد هرع إليه عواد ويسأله بـ توجس
-خير إيش صار يا صجر؟
-أمسكه من كتفاه وقال بـ مُسرعًا:دكتور..عاوز دكتور فورًا
-هّلا بيكون الطبيب هون..لا تجلج (تقلق) يا صجر
كان هذا صوت أبو عواد الذي تحدث بـ رزانة..نظر له يونس بـ إمتنان ولم يتحدث..بل ترك الجميع ودلف إلى الداخل ليكون بـ جانبها..أمسك يدها وأخذ يمسح عليها بـ حنو وهو ينظر لها بـ تضرع علها تنهض..بعد مرور قليل من الوقت حضر الطبيب بـ رفقة أم عواد التي قالت وهى تربت على منكبه بـ حنو
-جوم يا ولدي الطبيب هّلا بيفحصها
-طيب
قالها بـ تعب..ثم رمى بتول بـ نظرة مُتألمة من أجلها وإنحنى على جبينها يُلثمه بـ رقة ثم دلف إلى الخارج..ونزل على الدرج فـ وجد عواد و والده جالسان بـ الأسفل وما أن رآه الأول حتى نهض مُسرعًا وسأله بـ إهتمام
-كيفها!
-وضع يونس يده على جبينه وقال:الدكتور فوق بيكشف عليها..
ثم جلس و نظر إلى أبو عواد وقال بـ أسف
-أنا أسف ع اللي حصل يا عم أبو عواد
-ربت على ساقه ثم قال بـ إبتسامة:لا تجول هيك..هي مثل بنتي..الله يشفيها
-يارب
قالها وإلتفت إلى عواد وقال بـ صوتٍ خفيض
-تعالى بره عاوزك
-أييه طيب
ثم دلفا إلى الخارج..وقف يونس أمام عواد وسأله بـ هدوء
-ليه مأخدتش الحاجة اللي إديتهالك أوضتك أنت!
-ليش!!.إيش صار؟
-أمسكه يونس من تلابيبه وهتف من بين أسنانه:إيش صار؟..أقولك إيه اللي حصل!!..عرفت كل حاجة..شافت بعنيها إيه اللي حصل
إرتسمت ملامح الذهول على وجه عواد ثم ما لبث أن قال بـ إعتذار
-أعذرني يا صجر..نسيت أنجلها (أنقلها) عندي..وبعدين ليش زعلان هيك؟..مو كنت تريد أنها تعرف؟
-تركه يونس وهو يهتف بـ تقرير:أيوة كنت عاوزة تعرف..بس مش بالطريقة دي..أنا حتى متمناش لعدوي أنه يشوف مشاهد زي دي..
وجلس فوق الأرض الرملية وبجانبه عواد..الذي وضع يده على رُكبته يواسيه ثم قال بـ هدوء
-كمل..إيش صار يا ضجر جلب حالك هيك!!..ما كنت هيك جبّل
-وضع يونس يده على وجهه وقال بـ جمود:مقدرش أحكي يا عواد..أنا لسه منستش اللي حصل..لسه حاسس بـ دم الناس على إيدي..لسه حاسس باللي حصل وكأني محبوس جواه..اليوم دا ميتنسيش ومينفعش يتنسي..عز الدين لازم يتحاسب ع اللي عمله فيا و فـ فرقتي و فـ الناس
-هتف عواد بـ مؤازرة:خلص لا تحكي..أنا مو رايد أحزّنك..الله يكون بعونك..بعرف إنك رچال وهتعرف إيش تساوي...
أماء يونس بـ رأسه ثم صمت..لتأتي فتاهً ما تُخبرهم أن الطبيب قد إنتهى من فحصها..ليهرع يونس إليه وفؤاده يسبق قدماه...
**************************************
أخذت تتفحصه وهو يتجرع كوب الشاي الساخن الخاص به بـ تلذذ وكأنه يحتفل بـ إنتصارٍ ما..لتسأله وهى تعقد حاجبيها
-خير يا سيف مالك مبسوط ليه!
-مد يده لها وقال بـ إبتسامة:تعالي هنا وأنا أقولك
ترددت في إمساك يده ولكنها فعلت..ليجذبها تجلس جانبه ثم حاوط كتفيها ومال على أُذنها هامسًا وكأنه سر يرفض البوح به
-أصل النهاردة بس عرفت أحط السكينة على رقبة عز
-وضعت يدها على ساقه وتساءلت:إزاي يعني؟
أخذ رشفة من الكوب ثم مال بـ جذعه إلى الأمام ليضع الكوب على الطاولة الزجاجية ثم عاد إليها وعاد يحاوطها ثم أكمل بـ إبتسامة ماكرة
-النهاردة فكرت أن خطيبته بس هى نقطة ضعفه..بس...
وترك عبارته مُعلقة..لتلتفت إليه بـ جسدها ومن ثم تشدقت
-بس إيه!..كمل
-إرتفع حاجبيه بـ دهشة مُصطنعة وتساءل:الله!..ليه الأسئلة دي؟
توترت لثانية ولكنها إستجمعت ثقتها ثم هتفت بـ قوة
-ومن أمتى وانا مبسألش!!..أنا من سنتين رهنت حياتي..آآآ..
-قاطعها وهو يضع يده على فاها وقال بـ ضحك:بس..بس..مالك قلبتيها دراما ليه!..أنتي عارفة يا روضة إني مبخبيش عنك حاجة..أنا بس حبيت أهزر معاكي
-إبتسمت بـ بهوت وقالت:ماشي يا سيدي..ها قولي بقى
-أعاد خُصلة وراء أُذنها وقال:حاضر يا ستي..فاكرة قائد الفرقة اللي قولتلك عليه..اللي كنت بدرب تحت إيده!
-قطبت حاجبيها وأجابت بـ نفي:لأ مش فاكرة
-ضحك وقال:مش مهم..المهم الكل فكر أنه مات
-مالت بـ رأسها إلى اليسار وقالت:وهو ماممتش؟
-هز رأسه بـ نفي وقال:طبعًا لأ..ودا اللي أكتشفته النهاردة..
إتسعت عيناها بـ دهشة وهى تقول في نفسها.."إذا يونس شقيق الرائد عدي لا يزال على قيد الحياه"..ولم تُفصح عما يدور بـ خلدها..لتستفيق على صوته الذي أكمل وكأنه يستدعي الأحداث في عقله
-أهو القائد دا معاه حاجات توديه فـ ستين ألف داهية..عشان كدا بما فكرت..قولت إني هلاقي القائد دا وأقتله وأخد الحاجات اللي معاه..وبدل ما يكون تهديد واحد يكون أتنين..تلاتة..أربعة..خمسة..أهو ع حسب...
-نظرت له بـ مكر قد إكتسبته منه وقالت:حلوة دماغك يا سيف
-غازلها بـ قوله:مفيش أحلى منك يا روضتي
ومال يُقبل وجنتها ولكنها نهضت بـ توتر وقالت وهى تفرك كفيها بـ إرتباك ملحوظ
-سـ..سيف..آآ..أنت..عـ..ارف..آآآ..
نهض عن مجلسه ثم إتجه ناحيتها وأمسكها من يديها وإبتسم بـ حنو وقال
-خلاص إهدي يا روضة..مش هقربلك إلا لما نتجوز..أنا مكنتش هقرب أصلاً..كنت عاوز بس أحس بيكي جمبي
-إبتسمت بـ توتر وقالت بـ صوت خفيض:مـ..معلش يا سيف..أستحملني
ضمها له ووضع ذقنه على رأسها وهتف بـ حب
-وإن مكنتش أستحملك هستحمل مين!
أبعدها عنه ثم أحاط وجهها بـ راحتيه وهتف بـ وعد
-هتجوزك بس لما أخلص موضوع عز دا..وبعدين أنا وأنتي حياتنا هتبدأ..
إكتفت بـ إبتسامة لم تصل لعيناها..فـ سيف يعشقها بل يهيم بها..ولكنها تنفر منه وبـ شدة..أُجبرت على ذاك الوضع حتى تُقوم بـ تصحيح ما أفسدن شقيقها..إبتعدت عنه بعدما أخرجت نفسها من هذا التفكير ثم قالت وهى تتحرك بعيدًا عنه
-هروح أجيب شنطتي وأمشي عشان مينفعش أتأخر؟
-طيب يلا وأنا هجهز العربية..
ودلفت إلى إحدى الغرف وأغلقت الباب..ثم أخرجت هاتفها وقامت بـ حفظ ما سجلته..وضعت الهاتف في حقيبتها وأخذتها..سمعت صوت سيف يصدح بـ الخارج
-يلا يا حبيبتي إتأخرنا
-ردت عليه بـ صوت يشوبه الإرتباك:آآ..أيوة..جاية
ثم عدلت ثيابها ودلفت إلى الخارج..أجبرت نفسها على الإبتسام وقالت بـ إعتذار
-أسفة يا سيف كنت بظبط هدومي
-أمسك يدها وقال بـ حب:ولا يهمك يا روحي..يلا عشان متتأخريش...
***************************************
وقف الطبيب أمام يونس وقال بـ عملية ونبرة عادية
-زوجتك چاتها صدمة..وبعتجد (بعتقد) إنها جوية..و لهيك لازم يكون هنيك رعاية..أنا كتبت علاج..وإن شالله تجوم بخير...
-شكره عواد وقال:تسلم يا طبيب تعبناك
-وضع يده على صدره وقال بـ مجاملة:لا تعب ولا شي..أنا هون بساعدكم..الله يشفيها
ثم رحل..ربتت أم عواد على ظهره وقالت بـ إبتسامة بشوشة
-روح طُل على مرتك وطمن جلبك اللي كيف المطرقة
نظر لها يونس بـ عدم فهم..ليجدها لا تزال تبتسم..لم يعي ماذا تقول إلا عندما وضع يده على صدره..ليجده حقًا يخفق كـ المطارق بـ داخل ضلوعه هاتفًا بـ لوعة لكي يطمأن عليها..وبدون أن ينطق تركهم ورحل..وصوت ضربات قلبه تعلو..ربما خوفًا..أو لهفة لرؤيتها..أو حتى عشقًا لها!..وعند تلك النقطة توقف أمام باب الغرفة وسأل نفسه متى عشقها!..ليُجيب قلبه سريعًا أنه ما أن أبصرها مُنذ سنتان وقد خر قلبه صريعًا لهواها..أخذ يونس نفسًا عميق ليطرد تلك الأفكار عن رأسه ودلف إلى الداخل..
وجدها نائمة كـ الملاك..تقدم ناحيتها بـ خطى بطيئة وهو يزدرد ريقه بـ صعوبة..جلس بـ جانبها ثم أمسك يدها وحدثها بـ خفوت
-مكنتش عاوزك تعرفي بـ الطريقة دي..خصوصًا...
إبتلع تلك الغصة في حلقه وأكمل
-خصوصًا أنك بتحبيه..عارف إنها هتكون صدمة..بس أنت هتتخطيها..وأنا مش هسيبك وهكون جمبك خطوة بخطوة
ثم لثم جبينها بـ حب و وضع رأسه على كفها وهتف بعد مدة ما بين الصحوة والنعاس
-معرفش دخلتي قلبي أمتى بس أنا خلاص بقيت أسيرك يا بنت السلطان..يونس بقى أسيرك...
*************************************
في صباح اليوم التالي إستيقظ يونس على صوت شهقات..فتح عيناه سريعًا ليجد نفسه قد غفى في مكانه..رفع أنظاره لها فـ وجدها تضم ساقيها إلى صدرها و تحاوطهم وعيناها لا تكفان عن زرف العبرات..وعند تلك اللألئ لم يستطع أن يتحمل..فـ تقدم منها وجلس أمامها وتشدق بـ هدوء
-بصي يا بتول..أنا مش هقولك متعيطيش ولا أي حاجة..لأ بالعكس لازم تطلعي كل اللي جواكي..هو خذلك وأنتي إتخدعتي فيه..لازم يكون فيه رد فعل..وفـ حالتك أنتي مقداكيش إلا كدا..فـ خرجي اللي جواكي
نظرت له بـ عنيان دامعتان ولم ترد..أخفضت رأسها مرة أخرى و وضعتها عل رُكبتيها تُخفيها وأكملت نحيبها..فرك يونس وجهه بـ عنف ألا تعلم أن تلك العبرات تنخر في عظامه!..ألا تعلم مقدار الألم الذي تسببه تلك اللألئ المتساقطة من عيناها!!..إقترب منها أكثر ثم مسد بـ يده على خُصلاتها وتحدث بـ حنو
-أنا جمبك وهفضل جمبك..اللي شوفتيه دا إمسحيه من دماغك..عارف إنه صعب بس حاولي..آآ
-قاطعته بـ شراسة وهى ترفع رأسها فجأة:أنسى!!..هو أنا شوفته بيسرق جزم من قدام الجامع..دا إغتصب!..عارف يعني إيه إغتصب!..
أحاطت جسدها ثم قالت بـ تقزز
-إزاي يجيله قلب يعمل كدا!!..أنا متخيلتش أنه يكون بالحقارة دي؟..هو فيه ناس تقدر تخدع كدا بسهولة!..طب هو ضحك عليا ليه؟..أنا بحبه وهو عارف كدا!!..بيستغله مثلاً!
كان يونس يستمع إليها بـ أسى وهو لا يقدر على فعل شئ..الخذلان قد ذاقه أيضًا..أن يكون أحدهم قدوتك وتكتشف يومًا ما أنه لم يكن سوى حقير..قاتل..مُغتصب!..هو أيضًا إختبر ذلك الشعور ويعلم مدى ألمه..وجدها تمسك ذراعيه وتهتف بـ عصبية
-رد عليا ساكت ليه؟..معندكش رد طبعًا..وهيكون عندك منين..أنا خلاص مبقتش عارفة أصدق مين ولا أعمل إيه..أكتر واحد حبيته طلع **** راجل عرفته..
-وضع يده على وجنتها وحاول تهدئتها:هشششش..خلاص أنا معاكي...
نفضت يده عنها وأبتعدت عنه وصرخت بـ حدة
-أنت كمان تبعد عني..إذا كان هو وطلع كدا وكنت مفكرة إني أعرفه..أومال أنت هتطلع إيه؟..كفاية كدب بقى..أنت أكيد متفرقش عنه حاجة...
نهض يونس مُسرعًا إليها..هو يعلم أن مصابها كبير ولكن عليه إحتوائها..وقف أمامها وأشار بـ يده أن تهدأ وحاول طمأنتها بـ قوله
-إهدي يا بتول..أنتي عندك حق..أنتي متعرفنيش بس كل اللي هقدر أقوله إني مقدرش أأذيكي...
نظرت له بـ تعجب ولكن لم تهدأ إنتفاضة جسدها..ليقترب يونس خطوة صغيرة وأكمل بـ نبرة صادقة أجبرتها على الهدوء
-أيوة..بخاف عليكي حتى من نفسي يا بتول..لو كنت وحش أو حد مش كويس كنت أذيتك..لكن لأ مقدرش يا بتول..أنا من ساعة أما شوفتك حسيت إنك مسئولة مني..حسيت إنه لازم احميكي وأكون ضلك..أكون أمانك..عشان كدا مقدرش أخذلك أبدًا
صمت يُتابع سكون جسدها و لكن عبراتها لا تزال تسقط بـ صمت..تقدم منها حتى وصل أمامها ومد إبهامه يُزيل عبراتها بـ حنو ثم تشدق بـ هدوء وحذر
-أنتي بتثقي فيا حتى لو مش مبينة..بس باين أوي فـ عنيكي..عارفة اول ما أخدتك..فكرت أنك هتثوري وهتصرخي وتعملي ازعرينة..اللي أنتي أصلاً مش مبطلاها..لكن إتفاجأت بـ سكونك وهدوئك..ولما قولتلك إني مش هأذيكي أنتي صدقتيني من غير أما تقولي..شوفت إنك بتثقي فيا وأنا مقدرش أخون ثقتك
-سمع صوتها المُتحشرج يقول:يعني أنتي مش هتأذيني؟!
-إبتسم بـ حنو وقال:عمري ما أقدر أصلاً
مسحت عبراتها وعادت تسأله بـ خفوت
-ولا حتى زيه!
-وضع يده في خصره وقال:ولا حتى زيه
نظرت له بـ إمتنان..نظراتها أرسلت ذبذبات جعلت خافقه يقرع بـ عنف من جديد..ليهتف هو بـ إبتسامة تخفي الكثير
-يلا خشي إغسلي وشك عشان تفطري وتاخدي دواكي
-ردت عليه بـ إستسلام:طيب
ثم دلفت فـ كانت مُنهكة القوى ولم تستطع المجادلة..ظل ينظر في إثرها بـ حزن..رغم قدرته على تهدئة روعها..إلا أن شعوره بـ أنها لا تزال تعشقه يجعله يشعر بـ غصة مريرة عالقة في حلقة..و تلك الوخزة في مُنتصف ضلوعه..ليهتف بـ إستسلام وتقرير
-بعترف يا بنت السلطان أنك دوبتيني فـ حبك..وقعت فـ غرامك وعارف أني مش هطلع منه سليم...
الفصل_التاسع
يونس
سألت عقلي فـ أصغى وقال لا لن تراها...
وقال قلبي أراها ولن أُحب سواها...
دلفت روضة مركز الشرطة..ثم نزعت عنها الوشاح ونظارتها الشمسية وتوجهت إلى مكتب الرائد عدي..وقفت أمام العسكري وسألته
-الرائد عدي جوه!
-أجابها العسكري بـ جفاف:أيوة..أقوله مين!!
-تنحنحت وقالت:روضة الشِهدي
تفحصها جيدٌا ثم توجه إلى الداخل..ثوان ثم عاد وقال لها
-إتفضلي..
أماءت بـ رأسها ثم دلفت وعلى وجهها إبتسامة..لينهض عدي ما أن أبصرها وقال بـ إبتسامة واسعة
-إتفضلي يا أنسة روضة
-مرسيه
ثم جلست وجلس هو..أمسك الهاتف وتشدق
-تحبي تشربي إيه؟
-أشارت بـ يدها نافية وهتفت:لأ مش هقدر يا سيادة الرائد..أنا مينفعش أتأخر
-وضع سماعة الهاتف وقال بـ جدية:إتفضلي سامعك
فتحت حقيبتها وأخرجت من بطاقة ذاكرة صغيرة وأعطته إياها..ثم تشدقت بـ هدوء
-كارت الميموري دا في كل حاجة قالها سيف إمبارح..ممكن تكون ملهاش لازمة بس قولت يمكن تنفعك
-أخذ منها بطاقة الذاكرة وتحدث:أي حاجة لو تافهه..بالنسبالي هتكون مهمة..
إبتسمت ونهضت من مكانها..وقالت
-أنا لازم أمشي دلوقتي..ولو فيه أي جديد أكيد هكلم حضرتك
-نهض وتشدق:ممكن أسألك سؤال؟
-إتفضل
-أخذ نفس عميق ثم سألها:ليه بتعملي كل دا!!..جيتي من فترة وعرضتي مساعدتك فـ ليه؟
نظرت له مُطولاً وقد مر بـ عقلها ذكرى جاهدت كثيرًا أن تدفنها..أخرجها صوت عدي المتساءل
-سؤالي ضايقك؟
-إبتسمت بـ بهوت وقالت:لأ أبدًا بس بحاول أصلح اللي أخويا بوظه
-اللي هو!!
-إبتلعت ريقها وقالت:صدقني مش عاوزة أحكي..بعد إذنك
ورحلت سريعًا من أمامه..أما هو فـ ضرب مكتبه بـ قبضته..ثم جلس على مكتبه بـ غضب وهو يقول
-أوووف..هقدر أقرب منك أمتى يا روضة!..يا ترى هقدر أعرف مالك وتحبيني زي ما بحبك؟..
وكان للعقل رأيًا أخر فـ كيف له أن يعشق فتاه تعشق أخر؟!..لا يعلم من ولكنه سعيد الحظ بها..وكيف له أن يتجاوز دقات فؤاده الصاخبة التي تُنادي بـ أسمها؟...
*************************************
فتحت هى باب المرحاض ودلفت خارجه لتجده يجلس مُنتظرًا إياها..فـ سألته وهى تعقد حاجبيها
-ليه منزلتش!
-نهض وهو يبتسم ثم قال بـ مرح:مستنيكي ترفعيلي الضغط
نظرت له بـ نصف عين ولم ترد عليه..ليقترب هو منها بـ هدوء وقال بـ إبتسامة عذبة
-يلا ننزل الناس مستنينا تحت
-ردت هى بـ فتور:بس أنا مش عاوزة أكل
-زفر بـ صوتٍ خفيض وقال بـ هدوء ليحتويها:وأنا مبقولكيش تعالي إفطري..تعالي إقعدي معانا بس..هما قلقانين من اللي حصل إمبارح لما تعبتي
-فـ قالت بـ تردد طفيف:بس آآآ..
-قاطعها هو بـ صرامة:مفيش بس..يلا
ثم مد كفه لها..وزعت نظراتها ما بين بنيته التي تحثانها على الموافقة و الوثوق به وبين يده التي لا تقل عن عيناه بل تكاد تتوسلها..مدت يدها بـ تردد لتضعه في كفه الكبير..ليبتسم هو بـ إرتياح قابضًا على كفها بـ رقة..ولكن أكثر ما أثار حفيظته هو أنها لاتزال تحتفظ بـ خاتم خطبتها منه..لا يزال يشوه بـ بنصر يُمناها..أغمض عيناه بـ غضب وأخذ يسب و يلعن ذلك القذر في سره...
شعرت هى بـ تصلب يده..لتنظر له بـ تساؤل..ثم تشدقت بـ رقة
-مالك يا يونس!!
مُنذ متى وهو يتذوق حلاوة اسمه!..الآن بات يعشق حروف اسمه المعزوفة من بين شفتيها..نظر لها في محاولة يائسة في إخفاء طوفان مشاعره..ثم هتف بـ هدوء لا يشعر منه مثقال ذرة
-مليش يا بتول..أنا كويس..بس يلا ننزل عشان إتأخرنا ع الناس..
-هزت كتفيها وقالت:طيب
وتحركا إلى الأسفل..كان يونس يتحرك بـ بطئ مُتعمد حتى يشعر بـ قربها منه..وكأن الثوان التي ينعم بها معها..تكفيه مدى الحياه...
**************************************
وفي الأسفل كان الجميع يجلس على طاولة الطعام على الطريقة البدوية..وأبو عواد يترأس هذا المجلس..نظر عواد له وتساءل
-بوي!!
-نظر له والده وقال:إيش بدك يا عواد؟
-عِرس الحاچ ناصر بو فراس..راح يتم هون!
-إيّ يا ولدي..
هز عواد رأسه بـ موافقة ولم يرد..وفي تلك الأثناء نزل يونس وهو يمسك يد بتول..ليبتسم عواد بـ خبث وكأنه قرأ ما يدور..تقدما الثنائي منهما لتسأل أم عواد بـ لهفة حقيقية
-كيفيك يا بنيّتي؟..إن شالله صريتي بخير!
-أماءت بتول بـ رأسها وقالت بـ إبتسامة صغيرة:الحمد لله
-ليقول أبو عواد بـ إبتسامة واسعة:الحمد لله..يلا إجعدو..خير الله كثير
-جلس يونس وقال بـ إمتنان:تسلم يا أبو عواد...
وجلست بتول أيضًا وشرعوا في تناول الطعام وسط أحاديث خفيفة..ولم تُشارك منها بتول إلا لمامًا..وكان يونس يختلس النظرات لها من وقت لأخر دون الحديث معها فـ هو يعلم ما يدور بـ خلدها..وجه عواد حديثه إلى يونس قائلاً
-إي صحيح..راح يكون اليوم عِرس حدا من معارفنا..وبدنا تشرفونا اليوم يا صجر..إيش تجول!
نظر يونس إلى بتول ثم عاد بـ نظره إلى عواد وهتف بـ هدوء
-والله لو بتول موافقة..أنا معنديش مشكلة
-نظرت له بتول بـ صدمة ثم مالت عليه وهمست:وأنت بتدخلني ليه!!..مش عاوزة أحضر حاجة
حدق بها يونس طويلاً دون نبث حرف جعلها تتوجس من سكونه..ليبتعد عنها ونظر في إتجاه عواد قائلاً بـ خبث
-خلاص مفيش مشاكل..بتول هتقدر تحضر
كتمت شهقتها حتى لا تقوم بـ إحراج الجميع وفضلت الصمت ولكنها رمقت يونس بـ غضب ليُقابلها بـ أخرى مُتسلية..لتهتف أم عواد بـ حبور وقد حصلت على إنتباه بتول
-وأنا راح أجول للبنيات إيساعدوكي تلبسي ملابسك..
-لتتساءل بتول بـ تعجب:طب ليه!..ما أنا لابسة أهو
-تولى يونس الحديث وأوضح لها:مينفعش تحضري الفرح كدا..هما عندهم مينفعش تطلعي أصلاً كدا قدام راجل..
تلوى شدقها بـ ضيق ولكنها لم تظهره..إلتفتت إلى السيده العجوز وقالت بـ إبتسامة باهتة
-طيب يا طنط..
-إبتسمت أم عواد وقالت بـ سعادة:ربنا يطيبلك خاطرك يا بنيتي
-يااارب
خرجت من يونس بـ رجاء حار..وتشدق بـ مرح
-إدعيلي يا أم عواد أنا كمان..أحسن أنا محتاج دعاكي جوي جوي
قال الأخيرة وهو يرمق بتول بـ نظرات لم تفهمها هى..لتضحك أم عواد وقد فهمت ما يرمي إليه لترفع كفيها إلى السماء وهتفت بـ تضرع
-ربنا يكتبلك ويجدملك (يقدملك) كل خير يا صجر يا ولدي
-يااارب...
وإكتمل الطعام في جو يسوده المرح والحب..ولكن بتول هى في عالم أخر...
**************************************
كان جالسًا على تلك الصخرة التي إعتاد القدوم إليها ليختلي بـ نفسه ويصفي ذهنه ولكن أتاه إتصال على هاتف مُأمن قد أعطاه له عدي في زيارته الأخيرة..ليُخرجه من جيب بنطاله..و وضع الهاتف على أُذنه ثم قال
-عدي باشا إزيك!
-أتاه صوت عدي:بخير يا حضرة المقدم..أنت إيه أخبارك!
-تنهد يونس وقال بـ فتور:كويس زي ما أنت شايف
-مالك يا يونس!!
تجاهل يونس سؤاله والذي لا يعي إجابته بالفعل..ثم سأله هو بـ إهتمام
-إيه أخبار أبوك وأمك!!
-تفهم عدي تغييره للحديث ليقول:كوييسين..أنا لسه مقولتش لأمك ولا عرفتها إني شوفتك
-رد عليه يونس بـ جدية:ودا أحسن ..ومتقولهاش إلا لما أسافر السويد
-ليقول عدي بـ تذكر:أه صحيح..جهز نفسك بكرة ع الساعة واحدة بالليل عشان تسافر..أنا كلمت واحد من طرف العقيد سعد وهو إتصرفلي فـ طيار والموضوع هيتم فـ الخباثة
إنقبض قلب يونس ليس خوفًا من السفر..بل لأنه سيتركها..هو تعلق بها بـ قوة..يشعر بـ سريانها في جسده وكأنها سُم يأبى الخروج من جسده..فاق من شروده على صوت أخيه وهو يهتف
-روحت فين يا يونس!
-مسح يونس على وجهه بـ حزن ثم قال:معاك..هـ..هكون مستعد بكرة فـ المعاد
أحس عدي بـ أن أخيه حزين..فـ سأله بـ توجس
-خير يا يونس!..حاسس إن فيه حاجة؟
-أخرج يونس زفيرًا حار من فمه ثم قال بـ يأس:مش عارف يا عدي..تعبان..تعبان وبس
-أنت بتحبها يا يونس!!
قالها عدي بـ جمود..ليتفاجئ يونس بـ إفتضاح مشاعره حتى دون مواجه شقيقه..وضع يده في خُصلاته القصيرة وتشدق بـ تقرير
-مش بس بحبها..أنا بعشقها
-هتف عدي بـ ذهول:أنت بتهزر صح!..قولي إنك بتهزر؟..أنت تعرفها من يومين بس..لحقت تحبها أمتى!
-نفى يونس بـ رأسه وقال:لأ مش من يومين..أنا أعرفها من سنتين
-إزاي يعني؟
-حك طرف أنفه وقال:لما كنت براقب عز الدين..شوفتها مرة واحدة بس..بنت بريئة ودمها خفيف..ضحكتها وعنيها..كل دول أول أما شوفتهم عشقت صاحبتهم..بس مكنتش عارف...
صمت قليلاً يأخذ أنفاسه ويُرتب حديثه المُبعثر ثم أكمل وهو يبتسم
-مكنتش محتاج غير إني اشوفها تاني عشان أثبت لنفسي إني بحبها من أول لحظة شوفتها..صحت الحب اللي كان نايم من سنتين وأنا مش عارف...
-أتاه رد عدي:بس هى بتحب واحد تاني
تقلصت عضلات وجهه إلى الغضب..وضغط على فكيه بـ قوة..ومن ثم هتف وهو يكز على أسنانه
-المشكلة إن قلبها مش ملكها ولا ملكي
-يبقى تبعد عنها يا يونس عشان متتوجعش..هى مصرة إن عز الدين راجل نزيه
-رد يونس بسرعة:هى عرفت كل حاجة
-ردد عدي خلفه بـ ذهول:عرفت!!..أنت قولتلها!
-لأ هى بس شافت..حاجة من ضمن الحاجات اللي عملها..الحمد لله إني لحقتها قبل أما تكمل
-عقد عدي ما بين حاجبيه وتساءل بـ عدم تصديق:وأنت مبسوط عشان معرفتش كل حاجة!..المفروض تسيبها تشوف كل وساخته وتعرف كل حاجة
-هز رأسه بـ نفي عدة مرات هاتفًا بـ قوة:مش بالطريقة دي يا عدي. إذا كان أنا ولسه بخاف من الليلة دي..هواجسها بتطاردني..بيجيلي كوابيس بسبب ليلة ملعونة زي دي..أجي أنا وأعيشهالها..لأ يا عدي
صمت عدي ولم يرد ليستمع إلى باقي حديث يونس والذي إلتمس بها الحزن
-حتى لو بحبها مينفعش أعيشها وجع..مينفعش تتألم لمجرد إني عاوزها تكره واحد..أنا قابل أكون ضل وبس..أكون جمبها..مش عاوز حبها..اللي بيحب حد ميطقش وجعه أبدًا
-إبتسم عدي وهتف:ما أنت هتكون جمبها تخفف وجعها
-وإبتسم يونس بـ سخرية مُتألمة ثم تشدق:مينفعش أوجعها وأفضل جمبها أواسيها..بتول بريئة ونقية جدًا وهشة جدًا جدًا..لمجرد إنها شافت جزء من اللي عمله كانت هتروح فيها ولو تشوفها دلوقتي يا عدي..اااااه
أخرجها بـ ألم حقيقي ومن ثم أكمل
-فقدت كل حاجة..روحها..لسانها السليط..تصرفاتها اللي تجيب جلطة..وللأسف إكتشفت إني مشتاق لكل دا...
لم يجد عدي ما يرد به فـ يبدو أن شقيقه يُعاني مما يُعانيه هو..كِلاهما يكتويان بـ نار العشق..كان يونس أول من شق هذا الصمت ليقول بـ هدوء
-أنا لازم أقفل دلوقتي عشان عندي حاجة مهمة..
-طيب..هكون موجود بكرة قبل ما تمشي
-أوكيه مفيش مشاكل..بس خد بالك من نفسك
-إبتسم عدي وقال:متقلقش يا عم يونس..أنا تلميذك..
-تمام يا تلميذ..يلا مع السلامة
وهمّ أن يغلق هاتفه إلا أن صوت عدي وهو يعتف اسمه على عجالة أوقفه فـ هتف بـ ضجر
-إيه يا عدي!
-هو أنت ليه صحيح قولتلها اسمك الحقيقي..ليه مقولتلهاش صقر أووأي اسم حركي ليك؟
-إبتسم يونس وقال بـ حيرة:مش عارف..بس مسير الأيام توضحلي..يلا بقى مع السلامة...
ثم أغلق هاتفه و صمت قليلاً يُفكر في إجابة لهذا السؤال..لما أخبرها بـ هويته الحقيقية؟!!...
***************************************
في المساء إنتهت الفتيات من وضع الزينة لبتول والتي إردت الزي التقليدي لهذه البلدة..نظرت إلى نفسها في المرآه..رغم بهوت ملامحها إلا أنها لا تزال تحتفظ بـ لمحة الجمال الإلهي..شكرتهم بـ إبتسامة لترحل الفتيات وهن يتحدثن عن جمالها الفتّان والذي أبرزه ذلك الزي...
قابل يونس الفتيات وسألهم
-خلصتوا!!
-إيّ..وراح يطير عجلك (عقلك) فيها يا رچال..
ثم ضحكت الفتيات وركضن من أمامه..نظر يونس في إثرهم بـ تعجب ودلف إلى الحجرة وهو يُعدل من زيه هو الأخر حيث إرتدى زي الرجال الخاص بهم ولكم أظهرت جاذيبة ذلك الشاب الثلاثيني..كاد أن يهتف بـ اسمها ولكن ظل فاه مُعلق عند أول حروف اسمها وهو يرى تلك الجنية في ثوب بدوي..تقدم منها مسحورًا بـ طلتها ولم ينبث بـ حرف واحد...
لم تنتبه على وجوده وأخذت تُعدل من هندامها..وما كادت أن تلتفت إلا وأطلقت شهقة مفزوعة..فقدْ كان يقف خلفها على بُعد خطوات..وقبل أن تتفوه بـ حروف مُعاتبة..كان هو يسبقها في الحديث قائلاً وعيناه تلتهم جمالها الأخاذ
-مفيش حرف واحد يوصف الجمال اللي قدامي دلوقتي
-أخفضت رأسها بـ خجل و ردت بـ تلعثم:شـ..شكرًا...
أغمض يونس عيناه عنها وقد لمح ذلك الخجل الذي سافر على وجنتيها..ليبتعد عنها خطوات كثيرة وقال بـ هدوء عكس البراكين الثائرة داخله
-طب مش يلا ننزل..الحفلة بدأت تحت وأنا كنت طالع أناديلك
-تفادت النظر إليه وقالت بـ خفوت:طيب..يلا
ولم يمد يده ليُمسك خاصتها حتى لا تخجل أكثر..سمع صوتها وهو يقول بـ صوتٍ خجِل خفيض
-وآآ..أنت طالع..حلو فـ..فـ هدومك دي
-ضحك يونس ملئ فِيه وقال بـ تسلية:حلو!!
-ردت بـ براءة:أه حلو
-نظر لها وهو يتراقص بـ حاجبيه:دا أنت اللي حلو يا حلو أنت
شهقت بـ خجل وتحركت من أمامه بـ خطى مُتعجلة وهو يضحك بـ إستمتاع خلفها...
***************************************
دلفت إلى مجلس النساء وهى توزع نظراتها عليهن جميعًا..جلست بجانب أم عواد والتي أخذت تمطرها بـ وابل من الكلمات التي تصف مدى جمالها..وهو تبتسم على إستحياء..ومر بعض الوقت فـ تساءلت بتول وهى تميل عليها
-أومال فين العروسة!
-نظرت لها أم عواد بـ دهشة وقالت وهى تُشير إلى العروس:هاذه يا بنيتي..
نظرت في إتجاه إشارتها..لتجحظ عيناها من أن ابصرتها..ونهضت كـ من لدغتها أفعى وبـ صوتٍ عال هتفت بـ إستنكار
-دي إزاي يعني!!..دي عروسة إزاي يعني؟
توقفت النسوة عن النساء على إثر صوت بتول الغاضب..لنتهض أم عواد وتسألها بـ توجس وهى عاقدة حاجبيها
-إيش فيه يا بتول!..
-نظرت لها بتول بـ تقطيبة عميقة وهى تقول:بتسأليني ليه ..بجد يعني
خطت نحو العروس وأمسكت يدها وقالت بـ هتاف أجفل الجميع
-طفلة!!..العروسة طفلة شكلها ميجبش تلاتشر سنة!!..أنتو واعيين لـ اللي بتعملوه..
-تقدمت منها إحدى السيدات وهتفت:هاذه عاداتنا وتجاليدنا (تقاليدنا)..
-أشاحت بتول بـ يدها في وجهها وصرخت:عادات إيه وزفت إيه!!..أنتو بترموا بنتاكوا فـ النار وتقولولي عادات وزفت
تقدمت منها أم عواد وهتفت بـ خجل مما يحدث
-عيب يا بنيتي..هيك يا ما يصير..هاذاه مثل ما جالت..عادات وتجاليد..إيش فيه!..ليش أنتي غضبانة هيك؟
لم تعي بتول ما تقول تلك السيدة ليزداد إهتياجها
-غضبانة ليه؟..دا حرام البنت بتقتلوا طفولتها..بتحرموها تعيش طفولتها وحياتها..أنتوا بتدفنوها بالحيا..الظلم دا ميتسكتش عليه...
وفي تلك الأثناء دلف عجوزًا ما ومعه أبو عواد ولده وكذلك يونس..ومن خلفهم شخصان أخران..ليتفاجئ الجميع من توتر الأجواء..ليهتف أبو عواد بتساؤل
-إيش عم يصير هون!
-تقدمت منه بتول وهى تقول بـ غضب:في إن بيحصل جريمة هنا ومينفعش يتسكت عليها
توجس يونس من غضبها وتساءل بـ قلق
-في إيه يا بتول!
-نظرت له بتول وهى لا تزال على غضبها وقالت:في إنهم بيقتلوا طفلة هنا..
زادت عقدة جبين يونس ولم يختلف عنه الرجال الأخرين..لتُكمل حديثها
-بيجوزا بنت لسه مبلغتش..تصور يا يونس!!..
وقبل أن يرد يونس والذي إستنكر ما يحدث هنا فـ قد ظن أنها فتاه في ريعان شبابها..ليرد عليها ناصر"العريس"
-وإيش فيكي بـ مرتي!!..تتجوز وهى طفلة ولا تتجوز..إيش غاضبك هيك!
-جحظت عينا بتول وهي تقول بـ صدمة:أنت عريس الغفلة!
-ليقول أبو عواد بّ تعجب:إيّ هو..إيش يا بنيتي !..إيش فيكي؟
ضربت بتول كفًا على أخر ونظرت إلى الجميع بـ غضب عاصف ومن ثم هدرت
-ولا أي حاجة..طفلة لسه مشافتش الحياه تتجوز واحد رجله والقبر..وتبقى ليلة دخلتها هى و خارجته هو بـ إذن الله
-هتف ناصر بـ غضب:لمي لسانك جوات خاشمك يا حرمة
-أشاحت بـ يدها في وجهه وهتفت:يا راجل إتلهي..مش مكسوف من نفسك وأنت ساحب عيالك وجاي تتجوز واحدة أد حفيدتك عشان ترضي رغباتك القذرة!..يا أخي حس ع دمك
كان يونس يُتابع ما يحدث في صمت ولكنه مُتأهب إذا حدث تطاول..ولكن يبدو أن الجميع يحترم وجود أبو عواد..تقدمت بتول منه وقالت بـ توسل
-يا عم أبو عواد..دي جريمة..دا زواج قاصرات..حرام تضيعوا مستقبل بنت عشان واحد يومين وهياخد أستمارة ستة
-هرولت سيدة وقالت بـ حدة:بجولك إيه..إحنا ناس على جد حالنا ولا تخربي دارنا عاد..الحاچ ناصر الله يبارك بـ عمره..جال يساعدنا وبيتجوز بنيتي..وهّلا روحي من هون..لا تخربي عرسنا
-إشمئزت منها بتول وهتفت وهى تنظر إلى الجميع:بنتك مش صفقة عشان تتباع مقابل حاجة..وبدل أما تقتليها كدا خليها تكمل تعليهما يمكن تطلع حاجة وتساعدك..محدش بيموت من الجوع..ليكي رب يدبرلك أمرك..مش هو اللي هيرحمك من الفقر..وهو لو حابب يساعد هيعمل كدا من غير مقابل..إعمل حاجة حلوة تقابل بيها ربك..
قالت جملتها الأخيرة وهى ترمقه شزرًا..تجاهلت بتول بعض الهممات والسباب الذي إنهال عليها..تجاهلت تشاجر ناصر و ولديه مع ابو عواد..ومن ثم هتفت بـ صوتٍ عال لتخرس الجميع
-بس بطّلوا كلكم..كلمة ربنا هيحاسبني عليها...
نظرت إلى ابو عواد وقالت
-معلش يا عم أبو عواد أنا لازم أرضي ضميري
أماء بـ رأسه بـ هدوء و ثغره يرتسم عليه إبتسامة راضية وكذلك يونس أخذ يُشجعها ويُرسل لها نظرات بثت الطمأنينة بـ نفسها..أخذت بتول نفس عميق ثم ذفرته وقالت
-الرسول عليه الصلاه والسلام قال"من رأى منكم منكرًا فليغيره"..وأنا مقدرش أشوف حاجة زي دي وأسكت عليها..أنتو هتتحاسبوا ع اللي بتعملوه فـ بنتاكوا دا..الضنا غالي وأنتوا بترموهم رمية الكلاب لواحد مريض زي الأخ..يرضي رغباته وحقارته بيها..وبعدين شهرين ترجعلكوا ما هو خلاص أخد اللي عاوزه..دا مش عدل دا زي قتلكم ليها حيه..مذنبهاش حاجة تخسر طفولتها عشان خاطر حاجات تافهه..فقر!!..يعني إيه فقر!..الفقر الحقيقي فـ عقولنا وتفكيرنا..الفقر فـ إننا يبقى عندنا القدرة نحارب ونختار الأسهل ونقعد نلطم بعدها..الفقر إن يبقى فـ إيدك تتغلب ع الفقر بس بتستسهل تمد إيدك للناس..
صمتت قليلاً تُتابع تعبيرات وجوه المُحيطين بها ما بين راضٍ وناقم..لتُكمل حديثها
-البنت دي جايز ربنا يكتبلها تكون حاجة فعلاً وتغير حياتكوا..بدل ما يجي اليوم اللي بنتكِ تبصلكِ فيه وتقولك مش مسمحاكي..لأ دا تيجي وتبوس إيدك عشان حاميتيها..بلاش ترموا الغلط ع العادات والتقاليد..وبلاش جهل..مش فـ التعليم لأ دا فـ الأخلاق والدين اللي بقى بيتفسر ع مزاجنا..خافوا من ربنا..خافوا ع ولادكم وراعو ربنا فيهم..لو مش خايفين من عقاب الدولة والقانون خافوا من عقاب ربنا...
أنهت حديثها ثم جست أمام الطفلة وإبتسمت بـ حنو وسألتها
-أنت عاوزة تتجوزي!!
نفت الطفلة بـ وجهها..لنتهض بتول وإتجهت إلى أبو عواد وقالت بـ توسل
-عم أبو عواد..الناس كلها بتحترمك وبتعتبرك كبيرهم..البنت رافضة المهزلة دي..فـ أرجوك قول كلمة الحق وأنا واثقة أنك مش هتظلم حد....
الفصل_العاشر
يونس
مشيت وياكي للآخر...وأتاري وأولك أخر...
عنيكي خدتني للحلم اللي مبيكملش كلام خلا أحلامي تشوفني و أشوفها قدامي...
إرتفعت الهمهمات من الجميع..وبتول توزع أنظارها على أبو عواد و ناصر..إحتضنت الفتاه بـ قوة خشية أن يأخذها أحد..ظل أبو عواد صامتًا يستشف ردود فعل الناس..وفجأة ضرب بـ عصاه الأرض ليسود الصمت..تشدق أبو عواد وهو يرمق بتول
-بتول يا بنيتي..أنا رچال علامي على جدي (قدي) لكن أعرف ربي كيف ما بعرف كفي..وأنا مرضاش الظلم لأي صبية فـ جبيلتي (قبيلتي)..
نظر إلى ناصر وهو يستند بـ عصاه وهتف بـ جدية
-ما في چواز..الله الغني يا أبو عبدالله..لا تزعل ولكن الصبية صغيرة وما بجدر أرد لبتول بنيتي كلمة..ما في
-زمجر ناصر بـ غضب وقال:هاذه الحُرمة حديثها بيصير سيف على رجابنا..لا يا بو عواد..لاه أنا راح إتجوز هاذه الصبية وما راح أفوتكم من دونها
-تقدم منه يونس و وضع يده على منكبيه ثم تشدق:يلا يا جدي من هنا..مفيش بنات عندنا للجواز..خلاص جبرنا
وأبتعد عنه ليقف بـ جانب بتول يُؤازرها..بينما نظر له ناصر بـ نارية ولكنه قابلها بـ تحدي صريح وكأنه يخبره إن تجرأت على الرفض سيكون قبرك أسفل قدماك..شق السكون صوت أبو عواد يقول بـ صرامة
-فوّت هاذه الدار يا بو عبدالله..ما في چواز الله يرضى عليك
أشار إلى ولديّ ناصر وهتف
-خذوا بوكم الدار..وعجلوه...
ثم إلتفت إلى السيدة والدة الطفلة ثم قال بـ صوتٍ آمر
-هاذه الصبية راح تكمل علامها إذا رادت (أرادت)..مصاريها عليّ..أنا بساعدها لله وما بقبل شئ مجابيله (مقابيله)..هذا شئ لله..ولا حدا من هذه الجبيلة يفكر في عِرس لصبية لساها قاصر..وهون وإنجفل الحديث ..ما راح نحكي عاد بهاذه الحكاية مرة تانية...يلا فوتوا ع داركم...
وإلتفت ليرحل ومعه الباقين..نظر لها ناصر بـ غضب قبل أن يرحل..لتقول في محاولة لـ إستفزازه
-يلا يا راجل من هنا دا لو عطست فـ وشك هتموتك...
ليبتسم يونس على لسانها السليط الذي لا يرحم عدوًا كان أو حبيب..وإنفض الزفاف وإنتهت ليلة قد حُكم بها على فتاه بالموت..إنحنت بتول قبل أن ترحل و تشدقت بـ حنو
-دلوقتي هتكملي تعليمك وعوزاكي تكوني دكتورة ترفعي راسك لفوق ديما..خليكي عارفة إن ربنا هيعوضك وهيقف جمبك...
أماءت الفتاه بـ رأسها بـ قوة وهى تبتسم بـ سعادة..لتُقبل جبينها بـ حب ثم نهضت لتجد يونس يحدق بها بـ نظرات أغرقتها في بحر الخجل..همست بـ صوتٍ خفيض وقالت
-أحم..مش..مش يلا إحنا كمان
-إبتسم وقال:يلا إحنا كمان...
أفسح لها المجال لكي تخطو إلى الخارج وهو يتبعها..ليُسرع في خطواته و وقف أمامها مما جعلها تتعجب من تصرفه..وسألته
-خير فيه حاجة!
-أماء بـ رأسه وقال بـ إبتسامة:ممكن تسمحيلي أخطفك لمكان ونتكلم لوحدنا شوية؟!!
-ضحكت وقالت:ع أساس أنك مش خاطفني مثلاً!.
-ضحك وقال بـ مزاح:ممكن أخطفك تاني!!
-أماءت بـ رأسها وهتفت بـ رقة:ممكن جدًا...
**************************************
وقف بـ سيارته أمام منزلها وأغلق محرك السيارة ولكنه لم يسمح لها بالنزول..تعجبت روضة منه ولكنه أمسك يدها ومن ثم تشدق بـ هدوء
-إتأخرتي النهاردة الصبح ليه؟..أنا معرفتش أسألك عشان الشغل والناس اللي كانوا موجودين
-رفت بـ عينيها عدة مرات وهتفت بـ ذهول:متأخرتش غير خمس دقايق بس
-فـ قال هو بـ بساطة:بس إتأخرتي
-إبتسمت وقالت:خلاص إتأخرت...
-أخر يُحرك يده على ظاهر كفها وتساءل بـ حنان:ها إتأخرتي ليه!!
كانت تعلم أنه سيسألها وأنه لن يرتاح إلا أن ينول إجابة يرضاها..أخذت نفس عميق ثم قالت بـ ثبات ظاهري
-كنت فـ القسم
-سألها بـ قلق:ليه في حاجة حصلت!..طب ليه مقولتليش!!!
-نفت بـ رأسها وقالت بـ هدوء:مفيش حاجة صدقني..الموضوع كله إن كان في واحدة خبط فـ عربيتها وحبت نعمل محضر وكنا بنخلصه
-وضع يده على وجنتها وسألها:طب ليه متصلتيش بيا عشان أجيلك!
-هزت كتفيها وقالت:مكنش له لزوم الموضوع خلص بسرعة..والست محترمة وحليناها ودي
-سألها مجددًا بتأكيد:يعني مفيش حاجة حصلت!!
-أمسكت يده التي على وجنتها وقالت:لأ..متقلقش
إبتسم لها سيف بـ دفئ ثم قال بـ تذكر
-بصي يا حبيبتي أنا هغيب كام يوم عشان أخلص موضوع عز
-شحب وجهها وتشدقت بـ تساؤل:يـ..يعني إيه؟
-طمأنها سريعًا:متخافيش الموضوع مش هياخد فـ إيدي يومين..بس عاوز أربي عز ع مزاجي
إبتلعت ريقها بـ صعوبة..ولم ترد عليه وقد ظنه إن صمتها خوفًا عليه أو ربما قلق..أمسك يدها مجددًا بـ قوة حانية
-متخافيش يا روضة..الموضوع سهل ومفهوش قلق
-هتفت بـ رجاء:من فضلك متأذيش البنت
-إبتسم وقال:عشان خاطرك
ثم ترك يدها وحدثها بـ جدية
-يلا إنزلي مينفعش تفضلي معايا فـ العربية كتير
-طيب
قالتها ثم حلت عنها حزام أمانها وقبل أن تترجل من السيارة هتف بـ حب
-هتوحشيني
نظرت له بـ إبتسامة وسرعان ما تلاشت عندما أدارت ظهرها له..دلفت إلى داخل البناية ثم إستدارت له ولوحت ليُبادلها وتحرك بـ سيارته..هتفت في نفسها وهى تصعد درجات السلم "يجب أن أكون أكثر حذرًا معه"..أخرجت مفاتيح منزلها وفتحت الباب ثم دلفت..أضاءت الأنوار ليأتيها صوتٍ خلفها
-نورتي بيتك...
**************************************
كانا جلسان على تلك الصخرة التي جلس عليها صباحًا وهى بجانبه..تنظر إلى القمر الذي أستحال بدرًا وهى صامتة..غير واعية إلى نظراته التي تلتهمها إلتهامًا..لكم العشق مؤلم!..هتف يونس بـ خفوت خروف اسمها
-بـ..تـ..و..ل
-نظرت له بتول بـ دهشة وقالت بـ عفوية
-هو أنت حاطط موس فـ بوقك!!..
-هز رأسه بـ يأس وقال:مفيش فايدة فـ لسانك اللي عاوز يتقص منه حتت مش حتة..
-رفعت حاجبيها بـ دهشة وقالت:الله!!..مش أنت اللي مش عارف تقول اسمي وعمال تستهجاه
أجبرته على اللطم على وجهه كـ النسوة..ماذا يقول لها!..أيقول أنه كان يتذوق اسمها في فمه!..أيقول أنه لأول مرة يستشعر لذة في نطق اسم فتاهً ما!..بل و الأنكى أنه يشعر بـ مذاقه بين شفتيه..تعجبت من صمته فـ تشدقت بـ حيرة
-مالك يا يونس؟..ساكت ليه!
-رد عليها ساخرًا:وبالنسبة لـ اللطمة اللي لطمتها من شوية دي إيه نظامها!. مش هتسأليني لطمت ليه؟
-رفعت منكبيها وأجابت:أنت حر تلطم ما تلطمش دي حاجة ترجعلك..
وما كان منه أن سبها في نفسه..يعلم أنها مصابه...رفع يداه وهتف بـ تضرع
-يارب إرفع مقتك وغضبك عنا يارب
-أمنت على دعاؤه دون أن تفهم:يارب
نظر لها بـ نصف عين..وصمت..ليعود ويهتف بـ جدية
-عارفة أنا مبسوط باللي عملتيه من شوية..فخور بيكي يا بتول..اي حد غيرك كان هيقول وأنا مالي..لكن أنتي مش أي حد
-إبتسمت بـ خجل ثم قالت:شكرًا..بس الموضوع أن بابا علمني إني مشوفش غلط وأسكت..حتى لو مش هغير حاجة بس مقدرش أشوف غلط وأغمي عيني..عارف نص مشاكلنا بسبب أننا شايفين الغلط وساكتين
صمتت قليلاً ثم أكملت بـ تنهيدة
-عارفين الغلط والحرام وبنروحلهم..ونروح نكتب ع السوشيال ميديا (مواقع التواصل الإجتماعي) الناس بقت وحشة وقمة النفاق يعني..اللي مخلينا فـ القاع إننا مبنحاولش نغير نفسنا ولا نصلح عيوبنا..لأ الأسهل إننا نرمي الغلط ع ناس تانية...
نظر لها يونس بـ عمق ونظرات طفرت بـ عشقه لها..ربما هى عفوية مرحة وذات لسان سليط لم يرى مثله..ولكنها ذو عقلية ناضجة و فكر واسع..تعي الخطأ والصواب وتسير في الطريق وهى تعلم عواقبه ولكنها تموت دفاعًا عما تؤمن به...
أخرجها من صمتها وتأملها القمر..نظراته التي تخترق روحها وتقتلعها من جذورها..إلتفتت له لتأسر بنيته غابات الزيتون خاصتها بها..يعلم انه يُسحب إلى تيار وأنه لن ينجو منه أبدًا..تسللت يداه تُمسك يدها وهتف بـ صوت أجش
-عنيكي لوحدها فتنة...
إزدردت ريقها بـ توتر وقد أخذ وجيب قلبها يعلو بـ صورة أصمتها..رفع كفها ولثمه بـ رقة كـ نسيم رقيق يُداعب أنوثتها وأكمل حديثه
-روحك أسرتني يا بنت السلطان...
-أغمضت عيناها وهتفت بـ تلعثم:يـ..يو..نس
إبتسم وهو يسمع لحن اسمه منها وكأنه معزوفة بيت هوفن..وقرر كسر تلك اللحظة حتى لا يُخيفها أكثر..نظر لها بـ عمق قبل أن يترك يدها وينظر أمامه..وهى سحبت يدها إلى صدرها الذي كاد أن يُحطم ضلوعها ..تشعر بـ سخونة ألهبت وجنتيها...
تمنى يونس في داخله أن تعي مقدار واحد بـ المائة مما يشعر به نحوها..عشقها إقتحمه كـ إعصار وضربه بـ قوة جعلته يخر صريعًا..وضع يده على وجهه وقرر مصارحتها بما جاء من أجله..إلتفت لها ثم قال بـ جمود مُصطنع
-أنا مسافر بكرة...
**************************************
كادت أن تصرخ من هول الفزع الذي إنتاب جميع خلايا جسدها..إلا أنه أسرع وكمم فاها وتشدق بـ هدوء
-إهدي يا أنسة روضة..أنا الرائد عدي
إزدردت ريقها بـ خوف وأماءت بـ رأسها عدة مرات ليقول وهو ينزع يده عن فاها
-أنا أسف إذا كنت خضيتك!
-رفعت حاجبيها وهتفت:إذا!!..حضرتك أنا قطعت الخلف
ضحك عدي ملئ فاه وهى أخذت تتأمل ملامحه الرجولية البحتة..سكنت ضحكات الأول ولاحظ تحديقها به..إبتسم عدي ولم يُعلق..لن يرد كسر تلك اللحظة..وساد الصمت حتى قطعته روضة بـ إستفاقتها من تلك الغفوة..وهتفت بـ حرج ما ان لاحظت نظراته العميقة لها
-أحم..أسفة..
-إتسعت إبتسامته وقال:لا أبدًا مفيش حاجة..
وضعت حقيبتها وتوجهت إليه..ثم قالت
-تحب تشرب إيه!
-ولا أي حاجة..أصلاً مش هطول عشان لازم أسافر الواحات كمان كام ساعة
هزت كتفيها ولم تصر كثيرًا فهى مُنهكة من كثرة العمل اليوم..جلست وأشارت له بـ الجلوس وتشدقت
-إتفضل يا سيادة الرائد..هو حضرتك دخلت شقتي إزاي؟
-جلس عدي وهو يبتسم ثم قال بـ مرح:مينفعش تسألي ظابط هو دخل بيت إزاي. عيبة فـ حقه
إبتسمت مجددًا ولم تُعلق..ليقول هو بـ هدوء
-أكيد بتسألي أنا جيت ليه!
-حركت رأسها إلى اليسار وقالت:يعني حاجة زي كدا
-حك جبهته وقال بـ حيرة:وأنا بدور فـ ملفات قديمة عن شركة الكردي اللي الورق إديتيه لمحمد..لاقيت أسم كريم الشِهدي..أعتقد إن دا اسم عيلتك
شحب وجهها بـ التدريج وأخذت تتنفس بـ سرعة..جعلته يتوجس مما يحدث..نهض من مقعده وإتجه لها ثم سألها بـ تقطيبة
-مالك في إيه!!..أنا قولت حاجة غلط..تخبي أجبلك ماية؟
هزت رأسها بـ نفي. ليسألها بـ إنفعال
-طيب ليه حالتك دي!!..
-هقولك...
ثم أخذت تتنفس بـ عمق..ليعود ويجلس..نظر لها وحواسه مُتأهبة لما ستقول..مالت بـ جذعها العلوي إلى الأمام وقالت بـ حزن
-كريم دا يبقى أخويا
-ردد خليها بـ ذهول:أخوكي!!
-أماءت بـ رأسها وقالت:أيوة..هو كان بيشتغل مع سيادة الوزير عز الدين..تهريب اسلحة وغيره..وفـ مرة حصل مشكلة وأخويا إتقبض عليه وعشان ميعترفش قتلوه...
تهدج صوتها وبدأت قطرات ملحية تُبلل ساقيها..أما عدي فـ كانت عضلات وجهه تقلصت إلى غضب..أكملت حديثها بـ صوتٍ مبحوح
-بعدها بابا مات من اللي حصل..وأمي مستحملتش وتعبت جامد..ولمل خفت طلبت مني إني أصلح اللي كريم بوظه لأنها مش مسمحاه..وكمان قالتلي أحطها فـ دار رعاية..هى مكانتش عاوزة تشوف حد يفكرها بـ بابا...
-أكمل هو حديثها:عشان كدا إشتغلتي معانا...
-أماءت بـ رأسها وتشدقت:مكنش قدامي غير إني أخاطر..الناس دي مش سهلة ولما دورت أكتر عرفت إني هكون فـ أمان لما أشتغل مع سيف...
أشعلت جمرات الغضب و الغيرة لدى عدي ليقبض على كفه بـ قوة كابحًا غضبًا أسود من الإنطلاق..سألها بـ صوت حاول إخفاء الحدة
-طب وعرفتي دا كله منين!!
-كريم حب يأمن نفسه لو غدروا بيه..وأي حاجة كانت بتحصل سجلها..وكله طبعًا كان بعيد عن عز الدين..هو أه عارف و كتب الكلام دا..بس بدون أي دليل..ومكنش حد هيصدقه ولا هيصدقني إن وديته لحد مش موثوق فيه...
-وجيتلي أنا بذات ليه!
-تشدقت بـ جدية:سيف لما قربت منه قالي شوية معلومات..وكنت أنت بداية شغلي مع البوليس..مقدرتش أثق غير فيك بعد اللي هو قاله...
هم عدي بالرد إلا أن صوت طرقات على باب منزلها جعلها تنتفض..أشار لها عدي أن تهدأ وترد..أماءت بـ رأسها ولكن رُغمًا عنها خرج صوتها مُرتعش
-مـ..مين!!
-أنا سيف
شقهة مُنعت بـ واسطة يد عدي وحذرها بـ عيناه..وهتف بـ همسٍ آمر
-ردي عليه وشوفيه عاوز إيه
أماءت بـ رأسها عدة مرات ثم توجهت إلى الباب وفتحته فتحة ضيقة..وقالت بـ حدة زائفة
-سيف مينفعش تجيلي هنا فـ وقت زي دا
-رد هو عليها بـ هدوء:عارف..بس أنتي نسيتي موبايلك وكان لازم أديهولك
-أخذته منه وإبتسمت بـ إصفرار:شكرًا..بس إعذرني مش هينفع أدخلك الوقت إتأخر
-إبتسم هو وقال بـ تفهم:أنا عارف..وكدا كدا مينفعش أدخل..يلا عشان وقفتي غلط..تصبحي ع خير يا قلبي...
ثم رحل..لتُغلق هى الباب..تنفست الصعداء وبحثت عن عدي لتجده إختفى..إنعقد ما بين حاجبيها ولكنها وجدت ورقة كُتب فيها "أنا لازم أمشي وهنكمل كلامنا لما أرجع..خدي بالك من نفسك"..إبتسمت بـ سعادة ثم طوت الورقة و وضعتها في جيب بنطالها ودلفت لكي تنعم بـ نوم هانئ...
*************************************
- يا بتول ردي عليا..من إمبارح وأنتي مبتكلمنيش
نظرت له بـ نارية ولم ترد عليه..زفر هو بـ إستياء..وكاد أن يخطو خطوة في إتجاهها إلا أنها باغتته بـ قذف الوسادة ليتفادها وهو يقول بـ إستنكار
-يا بنت المجنونة
-وقفت أعلى الفراش وصرخت بـ حدة:أنا فعلاً مجنونة إني صدقت واحد زيك..صدقت أنك مش زيه...
نطقت الأخيرة وقد تهدج صوتها وسقطت عبارتها..أشفق يونس على حالها ولما يُسببه من ألم لها..جلست هى وبدأت تنتحب وهى تقول بـ شهقات
-أنت وعدتني أنك هتفضل جمبي..ليه بقى متكونش أد وعدك!!
-جلس على الفراش ومسح على خُصلاتها بـ حنان بالغ وقال:وأنا وعدتك إنك هتفضلي معايا لغاية لما أقدر أطلع برة مصر..وخلاص جه الوقت وكان لازم أكون أد وعدي
وفي ثوان أزاحت يده عنها بـ قوة وأعطته ظهرها ثم قالت بـ جمود
-روح يا يونس..بس مش مسمحاك...
أغمض يونس عيناه بـ حزن..ألا تعتقد أنه يتألم لتركها!..إنها تُشبه مُفارقة الروح للجسد..لا يستطيع أخذها لما هو مُقبل عليه..إما أن يعود سالمًا أو لا يعود..وهو لا يقدر على المخاطرة بها..ولكنه أقسم أنها ستكون ملكه ما أن يعود...
وبعد فترة من تفكيره وجد إنتفاضة جسدها قد هدأت وأنفاسها مُنتظمة..ليُمسد على خُصلاتها وظل مُحدقًا بها لوقت طويل ولم يشعر بـ طول المدة..وأفاق على صوت الهاتف الذي أعلن عن ميعاد وصول طائرته..إنقبض فؤاده لفكرة فقدانها وقد بدأ يشعر بـ تعلقها به..أغمض عيناه ليقضي على تردده..ثم مال ليُلثم خُصلاتها...وهمس بـ حزن
-خليكي عارفة إن أنا مش هتحرر من أسرك إلا بيكي...
ونهض يُلملم حاجياته ودلف إلى الخارج بـ هدوء نظر لها نظرة أخيرة تشي بـ مشاعر جمة ومن ثم أغلق الباب..نزل إلى الأسفل و وقام بـ توديع الجميع وسط الدمعات والوعود بـ إرجاعها سالمة..إلتفت إلى عواد وتشدق بـ رجاء
-خد بالك منها ورجعها لأهلها ي عواد
-ربت على منكبه وقال:لا تجلج هى بعيني يا وِلد عمي...
إبتسم يونس ورحل وقلبه مُحمل بـ الهموم لتركها وحيدة...
وصل يونس إلى المكان المُتفق عليه وإنتظر الطائرة..رمى بـ نظره إلى مكان جلوسهم أمس لتشق وجهه إبتسامة عندما تذكر ما حدث أمس..ومر بعض الوقت وشعر بـ تلك الرياح التي هبت فجأة مُعلنة عن وصول الطائرة..تأهب يونس في وقفته..وما أن حطت الطائرة حتى نزل أخاه منها وبعد حديث تركه وما كاد أن يصعد حتى سمع صوتًا من خلفه يصرخ بـ جنون
-يوووووونس!!!!
تعليقات
إرسال تعليق