نوفيلا هوس يامن كامله بقلم سارة بركات
نوفيلا هوس يامن كامله بقلم سارة بركات
بسم الله توكلنا على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله
ماتنسوش اللايك
نوفيلا/ هوس يامن كامله بقلم سارة بركات
الفصل الأول
"أحيانًا يبدو لنا أن الحياة تعطينا درسًا قاسيًا، ولكن ما لا نعلمه أن الحياة هي القسوة بحد ذاتها"
في قاعة متوسطة الحجم مليئة بالأضواء بها رفوف مكتبية تمتلئ بنسخ متعددة لكتاب واحد يحتوي على عنوان صغير بإسم .. "معاناة فيروز" .. تجلس على كرسي خاص بطاولة مستطيلة ويجلس بجانبها الأيسر صاحب دار النشر التي تعمل بها ... كانت تبتسم لكل من يقترب منها لتوقيع روايتها الورقية لقراءها الأعزاء، البعض الآخر ينظر لها بحماس والآخرون يقومون بتصويرها أثناء توقيعها لهم، وفي ذات الوقت تبحث عنه بعينيها ولكنها لم تجد له أي أثر، نظرت للوقت من خلال هاتفها ووجدت أنه قد تأخر كثيرًا، لقد إتفقا أن يتقابلا سويًا هنا ولكن ذلك الإتفاق كان منذ ساعتين تقريبًا، ظلت هكذا تنتظر مجيئة وفي ذات الوقت تشعر بالتشتت لأنها يجب أن تنتبه لقرائها، إستفاقت من شرودها عندما إنتبهت لسؤال صحفي تابع لجريدة ما ..
"إحساسك عامل إزاي وإنتِ شايفه إن رواية "معاناة فيروز" حققت النجاح الساحق ده على الرغم من إنها أول رواية إنتِ تكتبيها؟"
إختفى توتر"عهد" قليلًا وأردفت بهدوء:
"من وجهة نظري، هي نجحت عشان الرواية دي بتتكلم عن واقع أغلبنا عايشه."
سأل الصحفي سؤال آخر:
"تقصدي من كده إنك كتبتي قصة حياتك؟"
تحدثت "عهد" بإبتسامة هادئة:
"أنا كتبت عن كل بنت في البلد دي بتعيش معاناة مشابهة لـ "معاناة فيروز"، هي كانت بنت كل الظروف إللي حواليها مخلياها مجبرة على كل حاجة هي بتعملها، أكبر مثال من صغرها أهلها مكانوش سايبين ليها حرية الإختيار، وده طبعا هيتوالى عنه حاجات كتير زي إللي قرأتوه في الرواية يعني."
هز الصحفي رأسه ثم جلس بمقعده وإستقام أحد القراء يسألها:
"يعني إحنا كده نفهم، إن البنات كلهم شخصياتهم ضعيفة حتى لو بينوا العكس؟"
نفت "عهد" وأردفت بتوضيح:
" إللي أقصده إن كل شخصية بتتبني على أساس شكل التربية أو شكل الحياة إللي هي عاشتها لإن ده في الأول وفي الآخر بيبني الشخصية."
هز القارئ رأسه ثم جلس بمقعد وتوالت الأسئلة وأيضًا إلتقطت "عهد" بعض الصور مع معجبيها، ولم تنتبه لذلك الذي يقف بركن من أركان القاعة يراقبها بإبتسامة هادئة ... إنتهت الأسئلة وبدأ الحضور في الذهاب أما "عهد" كانت تنظر أمامها بشرود ... لم يأتي، تنهدت بضيق وإستقامت من مقعدها حاملة حقيبتها في يدها وكادت أن تخرج ولكنها إصطدمت بأحدهم وأردفت بتشتت دون أن تنظر إليه ..
"أنا آسفة."
أردف الرجل:
"أنا إللي آسف."
رفعت رأسها لتنظر له، وعقدت حاجبيها وكادت أن تذهب ..
أردف الرجل برجاء:
"عهد، أعذريني أنا عارف إني إتأخرت، بس كان ورايا شغل كتير ويادوب لحقت أخلصه."
لم تُجبه وخرجت من القاعة؛ أما هو فقد لحق بها، وأمسك ذراعها يوقفها ..
"إسمعيني، صدقيني غصب عني، إنتِ المفروض تقدري حاجة زي كده، وبعدين رواية إيه دي إللي عشانها تزعلي مني."
توقفت بمكانها تواجهه بضيق:
"أيوه أزعل منك عشانها، لإني ماشوفتش منك أي دعم ولا تشجيع حتى، ده غير إنك غايب دايما عن الصورة، إنت المفروض خطيبي يا "حمزة" يعني نتعود إننا نتشارك في كل حاجة، أومال هنتجوز إزاي؟ وحياتنا هتبقى عاملة إزاي بعد كده طالما إنت بتغيب في أهم الأوقات بالنسبالي."
حاول "حمزة" أن يُخفي ضيقه من حديثها وتفاهته:
"خلاص ياستي حقك عليا، بجد مش عايزك تزعلي مني، قوليلي طيب أصالحك إزاي؟"
لم تُجبه ولكنها كانت شارده فقط، تشعر بأنها تائهة .. ضائعة ليست في المكان المناسب .. إنتبهت على سؤاله لها ..
"إيه رأيك نتعشى في أي مطعم تختارية وأهو تعويض مني ليكي عن إللي أنا عملته النهاردة ده؟"
ظلت تنظر إليه ولكنها لم تُجبه ..
"إنتِ هتفضلي بصالي كده كتير؟ يلا بينا نمشي عشان ما نتأخرش أكتر من كده وعشان ألحق أوصلك البيت."
تنهدت بإستسلام وركبت معه سيارته تنظر للشوارع بشرود من خلال زجاج السيارة ...
................
نوفيلا/ هوس يامن .. بقلم/ سارة بركات
كانا يأكلان سويًا على طاولة بها العديد من المأكولات الشهية وكان "حمزة" يتحدث بحماس عن عمله وزملائه في العمل وعن مشاريعه التي يقوم بتنفيذها مؤخرًا؛ أما هي فكانت تجلس تنصت له بهدوء وأحيانًا تكون شاردة، ظلت هكذا طوال جلوسهما سويًا، تلتمس محبسها الذي ترتديه في بنصر يدها اليُمنى .. إنتبهت على حديثه ..
"هانت خلاص، كلها ثلاثة شهور ونتجوز."
إبتسمت بفتور وأردفت ..
"إحنا هنمشي إمتى؟ مصدعة شويه ومحتاجة أنام، اليوم كان مُتعب بالنسبالي."
"مافيش مشكلة، نمشي من دلوقتي لو عايزه؟"
إبتسمت بإرهاق:
"ياريت."
خرجا سويًا من المطعم بعد أن قام "حمزة" بدفع الحساب وركبت سيارته وهو صعد بجانبها وكاد أن يتحرك، إنتبه لهاتفه الذي يصدر رنينا مستمرًا؛ أما "عهد" فقامت بفتح حقيبتها وتُخرج روايتها "معاناة فيروز" مبتسمة بسعادة، كان حلُمًا بعيدًا ولكن بإصرارها قامت بتحقيقه، قامت بتصفح روايتها لعلها تشتت نفسها قليلًا عن ماتشعر به الآن، ولكنها إنتبهت لـ"حمزة" الذي يوجه حديثه لها..
"أنا آسف جدا يا حبيبتي، مضطر أمشي دلوقتي، في مشكلة في الشغل."
نظرت "عهد" للوقت من خلال هاتفها ثم عادت تتطلع له بإستفسار وإحراج في آنٍ واحد ..
"كان نفسي أوصلك لحد البيت، بس حقيقي مشغول جدا."
تحدثت "عهد" بإرتباك:
"لا عادي يا "حمزة" مافيش مشكلة، هقدر أروح عادي، خد بالك من نفسك."
خرجت من سيارته دون أن تتحدث بكلمة أخرى وفي ذات الوقت تشعر بالحرج بالموقف الذي وضعها به، أشار لها بالوداع من داخل السيارة وهي قامت بهز رأسها ثم رحل، توقفت قليلًا بالشارع تنتظر سيارة أجرة فارغة ولكنها لم تجد، لفح الهواء شعرها الأسود وشعرت بالبرودة قليلًا مما جعل بشرتها البيضاء حمراء اللون قليلًا، إحتضنت نفسها وقررت أن تسير قليلًا لعلها تقوم بتدفئة نفسها قليلًا بعمل جهد جسدي وأيضًا لكي تفكر بخطواتها القادمة، وقبل أن تبدأ بالتحرك أرسلت رسالة نصية لوالدتها تخبرها بأنها ستتأخر قليلًا، بدأت تسير بالشوارع شاردة، تنظر حولها بتيه، ظلت هكذا تسير بالشوارع دون وجهة معينة حتى إنتبهت على شخص خلفها يتحدث ينادي أحدهم ..
"فيروز."
عقدت حاجبيها ولكنها لم تكترث على إعتقادها أن النداء لشخص آخر وليس لها وأكملت سيرها، إنتبهت أن صوت الشخص يقترب أكثر ..
"فيروز."
توقفت بمكانها وإلتفتت خلفها بملامح مستفهمة، وجدت أمامها شابًا ثلاثيني طويل يرتدي معطفًا جلدي ملامحه هادئة تشعر أنها رأته قبلًا ولكن متى؟ لا تتذكر، إنتبهت عندما أردف ذلك الشاب بتوتر وإحراج:
"أنا بنادي عليكي من بدري، مش بتردي ليه؟"
"أفندم؟ هو أنا أعرف حضرتك؟"
"هو إنتِ مش فاكراني يا فيروز؟ أنا يامن."
لم تستطع "عهد" أن تستوعب ما يقوله ذلك الشاب الغريب، أردفت بتوضيح ..
"أنا إسمي "عهد" مش "فيروز"، أكيد حضرتك إتلغبطت بيني وبين حد تاني."
كادت أن تسير ولكنه أوقفها مرة أخرى.
"أنا عمري ما أتلغبط بينك وبين حد تاني يا "فيروز"، إنتِ إزاي مش فاكراني؟!"
شعرت "عهد" بالضيق من ذلك الشاب فيبدو من الواضح أنه ليس في وعيه، كادت أن تتحدث ولكنه أكمل حديثه ..
"أنا حتى كنت واقف في القاعة من بدري ومتابع كل أحداث يومك، إزاي منتبهتيش ليا؟"
وفي تلك اللحظة تذكرت أنها لمحته في القاعة قبلاً ..
أردفت بهدوء مع توضيح:
" يمكن في لَبس في الموضوع، هي الرواية إسمها "معاناة فيروز" يعني إسم البطلة نفسه جزء منها، لكن أنا الكاتبة إللي كتبت الرواية، وإسمي "عهد"."
إقترب "يامن" منها خطوة متحدثًا بإصرار وهو ينظر بعينيها:
"لا، إنتِ فيروز، أنا عارف إنهم أجبروكي على ده، أجبروكي على حاجة إنتِ شوفتيها، بس ماتقلقيش أنا موجود."
توترت "عهد" أكثر وشعرت بالخوف من ذلك الشاب، وإبتعدت عنه وبدأت بالسير بخطوات أسرع أما هو كان يقوم بملاحقتها ..
"فيروز، إسمعيني."
كانت تنظر حولها لا يوجد أحد يساعدها؛ فقد إقترب منتصف الليل .. إنتبهت لسيارة أجرة تقترب منها وكادت أن ترفع يدها لتشير للسيارة ولكنها لم تستطع لأن الشاب قد وصل لها وكمم أنفها وإبتعد بها لشارع جانبي ولم يراه أحد، حاولت أن تقاوم ولكنه قد خدرها وآخر كلمة قد سمعتها منه ..
"هنقذك منهم يا فيروز، انا خلاص معاكي."
وأغمضت عينيها مستسلمة للنوم.
......
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
نوفيلا/ هوس يامن .. بقلم/ سارة بركات
الفصل الثاني
"تنهيدة .. نحتاج فقط لتنهيدة، لنرتاح قليلًا ونفكر أكثر"
تتحرك والدتها ذهابا وإيابًا تهاتفها مرار وتكرارًا ولكن لا توجد إجابة وما أقلقها أكثر أنه بعد كل ذل قامت بإغلاق هاتفها ..
أردفت والدتها "سمر" بقلق:
"يا خوفي ليكون حصلها حاجة، أقول لأبوها إيه؟"
ظلت تفكر كثيرًا حتى أتى على بالها خطيبها حمزة" فهي بالتأكيد لا تزال معه بالخارج .. دونت رقمه وبدأت بالإتصال به ولكنه أيضًا لا يُجيب، ظلت تهاتفه كثيرًا حتى قام بالرد، وسألته بقلق..
"أيوه يا حمزة، إتأخرتوا كده ليه؟"
أردف بتعجب لقلقها:
"مش فاهم، مين إللي إتأخر؟"
"إنت وعهد طولتوا بره جدا."
أردف حمزة بعدم فهم:
"بس أنا عهد مش معايا يا طنط، هي لسه مرجعتش؟"
شهقت "سمر" بفزع من حديثه:
"إزاي مش معاك؟؟، كل إللي أعرفه إنها كانت معاك وقالتلي إنها هتتأخر شويه."
أردف حمزة بملل:
"لا، أنا جاتلي مكالمة مهمة تبع الشغل وإضطريت أمشي وهي قالتلي إنها هتروح لوحدها."
أردفت "سمر" بتعجب لحديثه وبروده:
"وإزاي تسيبها لوحدها في وقت زي ده؟؟ طب أعمل إيه دلوقتي طيب؟؟ أقول لأبوها إيه؟؟ مش لاقيين بنتك؟"
تأفف حمزة بملل بسبب توريطه بشكلٍ مستمر في حياتهم ..
"طب أعمل إيه طيب؟ أساعد حضرتك إزاي؟"
"تساعدني إزاي؟!!، هو الموقف إللي إحنا فيه ده محتاج سؤال؟؟؟ طبعا تدور عليها وتحاول توصلها، أنا قلبي مقبوض وخايفة عليها أوي، عهد مش متعودة تبقى لوحدها، ومابتعرفش تروح في حتة لوحدها."
عقد "حمزة" حاجبيه من حديث والدتها عنها، فهي تتحدث عن طفلة صغيرة وليست إمرأة عاقلة ستتزوج بعد ثلاثة أشهر من الآن، ماهذا الملل؟؟ .. أغلق مع والدتها وبدأ يبحث عنها ويحاول الإتصال بها ولكنه لم يستطع الوصول إليها.
........................
في صباح اليوم التالي:
كانت نائمة بهدوء ولا تشعر بأي شئ حولها ومع الوقت بدأت تستعيد وعيها بعدما إنتهي مفعول المخدر .. إستفاقت بتكاسل ونظرت للسقف بشرود .. "ياله من حلم عجيب؟!" .. ذلك ما حدثت به نفسها عندما إستيقظت، ولكنها عقدت حاجبيها عندما إستوعبت أنها ليست بغرفتها، أو بمعنى أدق ليست في منزلها ... نهضت بفزع وكادت أن تتحرك ولكن وجدت نفسها مكبلة بالسرير بأساور حديدية ..
صرخت "عهد" بصوت عال لعل أحد يسمعها ...
عهد بصراخ:
"إلحقوني!!"
ظلت تصرخ بقوة ولكن لا حياة لمن تنادي...
.............................
"يعني إيه بنتك لسه مرجعتش لحد دلوقتي؟"
ذلك ما هدر به "أحمد" والد "عهد" في وجه زوجته التي أكلها القلق على إبنتها ..
"ساكته ليه؟؟ردي عليا؟ بنتك فين؟؟"
إنهمرت الدموع من مقلتيها وبدأت بالتحدث بصوت متحشرج ..
"مش عارفة هي فين، وقلبي واكلني عليها من إمبارح، البنت مالهاش أي أثر وتليفونها مقفول، أنا خايفة يكون جرالها حاجة، أنا هروح فيها."
بدأت بالبكاء بشدة أمام زوجها الذي شعر بالقلق أيضًا ..
" طب و حمزة مايعرفش مكانها طيب؟؟ مش هو كان معاها إمبارح؟؟"
"كانت معاه بس هو مشي عشان جاله مكالمة مهمة تبع الشغل."
تغيرت معالم وجهه للدهشة، فكيف يتركها خطيبها هكذا في الليل وحدها؟؟ ... أغمض عينيه بضيق وغضب في آنٍ واحد، وتحرك بإتجاه باب الشقة، ولكنها أوقفته ..
"رايح فين يا أبو عهد؟؟ هتعمل إيه؟؟"
"هروح القسم أعمل بلاغ."
تركها وخرج من الشقة دون أن يتفوه بحرفٍ آخر؛ أما هي جلست بمقعدها تبكي عليها وتحاول أن تتصل بها مرة أخرى ولكن كالعادة الهاتف مغلق.
.........................
نوفيلا/ هوس يامن .. بقلم/ سارة بركات
خائفة؟! .. نعم هي خائفة من مصير مجهول، لا تعلم كيف أتت إلى هنا، كل ماتتذكره ذلك الشاب الذي إستوقفها وظل يناديها بإسم "فيروز" وعندما حاولت الفرار منه أمسك بها وبعدها سقطت مغشي عليها، كانت تحتضن جسدها الذي يرتعش ولكن لا تدري، هل يرتعش من الخوف أم من برودة الجو الممطر؟ .. إنتفضت بفزع عندما سمعت صوت الرعد بالخارج في تلك الشقة حالكة الظلمة بالإضافة إلى صوت هطول الأمطار .. ظلت هكذا تجلس منطوية تحتضن نفسها تبكي بألم، لم تكن تعلم أن تلك ستكون نهايتها، يالها من نهاية بشعة، ظلت تفكر كثيرًا كيف سيجدها أهلها؟؟ أو بمعنى آخر كيف سيجدون جثتها؟؟، هل سيجدونها ملقاة بنهر صغير خالية من الأعضاء؟؟ أم سيجدونها مذبوحة في حقيبة سوداء كبيرة ملقاة في القمامة؟؟، توالت الأفكار الموحشة بعقلها أكثر، مما جعلها مستسلمة لمصيرها المجهول، إنتبهت لصوت باب الغرفة وهو يُفتح، يقف أمامها ينظر لها بإبتسامة حتى أردف بهدوء وهو يشير إلى الأساور الحديدية ..
"آسف لو ربطتك بالشكل ده، كنت حابب أضمن إنك مش هتهربي مني."
أردفت "عهد" برعب ملحوظ:
"إنت مين؟ وعاوز مني إيه؟"
"قولتلك إن إسمي يامن، وعاوز منك إيه؟؛ فأنا عاوز أنقذك يا "فيروز"."
أغمضت عينيها بإرهاق فهي لن تناقشه في أمر إسمها الحقيقي مرة أخرى فيبدو عليه أنه مريضٌ نفسيّ، أردفت بصوت مهزوز:
"أرجوك سيبني أمشي، وصدقني هديلك إللي إنت عاوزه، فلوس، دهب، أي حاجة إنت عاوزها هديهالك، وحتي كمان مش هبلغ عنك، بس سيبني أروح أرجوك."
إقترب منها "يامن" بهدوء ولكنها إبتعدت عنه بسرعة حتى إلتصقت بالحائط المجاور للفراش، وعندما لاحظ خوفها ذلك توقف وأردف بهدوء:
"أنا مش هأذيكي يا فيروز، أنا عايزك تحبيني زي مانا بحبك."
أغمضت عينيها بتقزز ذلك المخبول، ولا تعلم كيف تتصرف فهي في وضع لا تُحسد عليه، ولكنها فتحت عينيها عندما وجدته يقوم بفك الأساور الحديدية، تركها وبدأ بفتح ستائر الغرفة ذات اللون الداكن، أغمضت عينيها بقوة نتيجة لضوء الشمس الذي إنتشر في الغرفة فجأة بعدما إعتادت عينيها على الظلام.
أردف "يامن" بإنشغال:
"أنا جهزتلك الفطار، أتمنى يعجبك."
عندما إعتادت عينيها على الضوء قامت بفتحهما وتوجه نظرها صوب باب الغرفة، وإستغلت إنشغاله وركضت لخارج الغرفة وعندما رأت باب الشقة توقفت عنده وحاولت فتحه ولكنها تفاجأت بأنه مُقفلٌ بقفلٍ كبير، بدأت بالصراخ بقوة لعل أحدٍ يسمعها من الخارج ..
"إلحقوني!!!"
ظلت تصرخ بقوة حتى خارت قواها وجلست أرضا تبكي بقهرٍ بجوار باب الشقة..
"إيه رأيك؟"
إلتفتت للخلف بسرعه عندما سمعته، كان ينظر لها بإبتسامة هادئة غير آبهًا لصراخها والذي فعلته قبل ثوانٍ، كان يشير للمائدة الموجودة بمنتصف الغرفة المتواجدين بها والتي تحمل العديد من أصناف الطعام ..
"أتمنى إن الأكل يعجبك."
بدأت بالتحدث برجاء متجاهله حديثه الأخير:
"أرجوك، أنا محتاجة أخرج من هنا، سيبني أمشي وصدقني بجد مش هبلغ عنك ولا هقول عنك حاجة، هقول إن أنا سافرت .. هربت .. هقول أي حاجة بس المهم أخرج من هنا ومش هقول إنك خطفتني."
ظلت تنظر إليه ولردة فعله والتي صدمتها؛ فلقد تجاهلها تمامًا كأنها لم تقل شيئًا وتوجه صوب المائدة وجلس على كرسي بها وأردف بإبتسامة..
"الأكل هيبرد."
لم تُجبه وعادت للبكاء مرة أخرى، أما هو شرع في الأكل، مرت دقائق عديدة وهي تراقبه أثناء تناوله للطعام حتى إنتبهت لحديثه ..
"يلا تعالي، كُلي معايا."
لم تُجبه ونظرت أرضا وهي تبكي في صمت متذكرة حياتها المملة قبل ذلك الحادث وتتمنى الآن أن تعود لتلك الحياة مرة أخرى وألا يحدث ماحدث مطلقًا.
"على فكرة إنتِ ليكي مُطلق الحرية إنك ترفضي أي حاجة بتحصل غصب عنك طبعا، بس بالنسبة لرفضك للأكل؛ فده هيأثر عليكي بعدين كطاقة وكشكل، يعني تقدري تاخدي قرار الرفض في حاجة عمرها ماهتفيدك بشئ وده من وجهة نظرك طبعا."
ظلت تنظر إليه بهدوء حتى هدأت قليلًا وأردفت بصوت مبحوح:
"إنت عايز إيه مني؟"
"قولتلك إني عايز أبقى معاكي يا فيروز، عايز نبني حياتنا سوا، عايز أنقذك من الواقع إللي إتفرض عليكي ده."
"إنت مريض."
تمتمت بتلك الكلمة وهي تنظر في عينيه ولدهشتها أنه إبتسم عندما لقبته بذلك اللقب، وأردف بتفهم:
"كٌلنا مرضى بس بإختلاف القصص."
مسح يديه بمحرمة ناعمة كانت ملقاة بجانبه على المائدة وحمل بيديه كتاب لم تكن منتبهة له مِن البداية والذي إتضح بعد ذلك أنه روايتها "معاناة فيروز"، ظل "يامن" يتصفح الرواية أمامها .. ظلت تنظر له وهو مندمج في بعض أحداث الرواية، حتى قررت أن تسأله سؤال خطر على بالها..
"ليه أنا؟"
إنتبه لسؤالها ونظر لها بإستفسار، تنهدت وإستأنفت حديثها..
"في كُتّاب كتير غيري، إشمعنا أنا إللي خطفتني؟"
تنهد "يامن" بهدوء وأغلق الرواية..
"لو أخدتي بالك، كل الكُتّاب بيكتبوا عن قصة هما عاشوها وحسوها أو يمكن موقف إتعرضوله، بس كل الروايات كان فيها بطل وبطلة..."
إلتمعت عينيه وهو ينظر إليها وإستأنف حديثه..
ماعدا إنتِ، إنتِ الوحيدة إللي كتبتي رواية من غير مايكون في بطل يبقى هو محور القصة، قرأت عن حياتك وعن المعاناة إللي إنتِ عايشاها، وإتشديت ليكي وحبيتك من صفاتك؛ فقررت إني أكون أنا بطل قصتك."
سخرت "عهد" من حديثه بداخلها، إنه حقا مريضٌ نفسيّ يعيش بداخل روايتها ويعتقد أنه هو الفارس ذو الحصان الأبيض الذي سينقذ بطلة روايتها من حياتها المأساوية تلك، ولكنها توترت عندما أكمل حديثه..
"تقدري تنكري إنك ماكتبتيش عن واقع إنتِ عايشاه بالفعل؟"
ردت "عهد" بنفي وإصرار:
"لا، دي مش أنا، وإسمي الحقيقي هو عهد، لكن فيروز دي شخصية خيالية وأتمنى تفهم وتستوعب ده وتسيبني أمشي."
"أنا كان ممكن أصدق كلامك ده لو ماكنتيش إتوترتي قدام الصحفي وهو بيسألك إذا كنتي كتبتي قصة حياتك ولا لا، ممكن ميكونش حد إنتبه إنك إتوترتي لكن أنا الوحيد إللي إنتبهت."
صمتت ولا تدري كيف تُقوم بإجابته، ولكن لا يجب أن تنتبه لحديث شخصٍ مثله فهو مريضٌ نفسي، ظلت تدعو بداخلها أن تخرج من تلك الأزمة على خير، وتعود لأهلها سالمة .. إقترب منها عد خطوات وأردف بإبتسامة ..
"وقت الكلام خلص، وإنتِ لسه ما أكلتيش .. وماينفعش كده طبعا عشان طاقتك، وجبة الفطار مهمة جدا."
أردفت بكُره وهي تنظر داخل عينيه وتنكمش أكثر محتضنة نفسها بقوة:
"مش جعانة، وإبعد عني."
تنهد بإستسلام وأردف بهدوء:
"إنتِ حرة"
عاد للمائدة يزيل الأطباق ويعيدها للمطبخ مرة أخرى.
..................
أغلق باب الشقة بحدة وغضب؛ فكيف يخبروه أنه يجب أن ينتظر على إختفاء إبنته أربعة وعشرون ساعة حتى يبدأوا بالبحث عنها؟؟ ألا يشعرون به؟؟ لقد إستيقظ في الصباح على خبر إختفاء إبنته الوحيدة، إستفاق من شروده على صوت زوجته التي تتحدث بأمل ..
"خير يا أبو عهد، طمني عملت إيه؟"
أردف بغضب شديد:
"قالولي أستنى 24 ساعة عشان أقدر أبلغ، أنا مش قادر أفهم إزاي شايفين واحد مقهور على بنته ويقولوله كده."
بكت والدتها بحسرة بسبب عجزهم وظلت تدعوا داخلها أن يجدوا إبنتها بأسرع وقت، إن قلبها منفطرٌ عليها كثيرًا ..
"أنا عايزة بنتي، رجعلي بنتي يا أحمد."
ربت "أحمد" على كتف زوجته متحدثًا بحزن:
"هدور عليها، هدور في كل مكان ممكن تروح فين، وإن شاء الله هترجع."
إنتبه الإثنان عندما طُرق باب شقتهما، إلتفت "أحمد" نحو الباب وكان أن يتحرك، ولكن سبقته "سمر" راكضة نحو الباب بلفهة شديدة على إعتقادها أن إبنتها عادت إليها ولكن إختفت لهفتها وإبتسامتها عندما رأت "حمزة" هو من يقف أمامها وليس إبنتها ..
"لقيتوها؟"
ذلك ما أردف به حمزة عندما رأى الإثنين واقفين أمام الباب ..
"وهو مين إللي المفروض يسأل السؤال ده؟ إحنا ولا سيادتك؟"
ذلك ماتحدث به "أحمد" بغضب للمدعو "حمزة" ..
"يا عمي، أنا......."
قاطعه أحمد بغضب شديد:
"بس، ولا كلمة ... المفروض إن بنتي كانت معاك إمبارح بليل إزاي تسيبها تروح لوحدها؟؟"
"عهد مش عيلة صغيرة يا عمي عشان تكلمني بالطريقة دي."
إستفزه بروده أكثر وأردف بتهكم:
"أنا فعلا بنتي مش عيلة صغيرة، بس لما أبقى عارف إن معاها إبن عمها وخطيبها وزوجها المستقبلي اليوم كله يبقى أكيد هكون مطمن لإن إبن أخويا المحترم قد المسئولية، وعارف إنه بيخاف على بنت عمه، لكن مع الأسف إنت خذلتني."
كاد أن يتحدث حمزة دفاعًا عن نفسه، ولكن قاطعه "أحمد" بغضب شديد ..
"إتفضل إطلع بره بيتي، وإياك أشوف وشك ده تاني."
صُدم "حمزة" من طرد عمه له وما صدمه أكثر هو أن عمه قام بدفعه ليخرج خارج الشقة وأغلق الباب بوجهه ..
"هنعمل إيه دلوقتي يا أحمد"
تنهد أحمد تنهيدة عميقة وأردف بهدوء:
"هنزل أدور عليها."
........
" أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه"
نوفيلا/ هوس يامن .. بقلم/ سارة بركات
الفصل الثالث
"نصمت كثيرًا، ولكن أعيننا تحمل الكثير من القصص والمعاناة"
تجلس بالفراش الذي إستيقظت به صباحًا منكمشة؛ فهي بذلك الوضع بعد أن إستغلت إنشغاله بالمطبخ وعادت للغرفة لتطمئن أنه لن يفعل شئ أثنا تحركها، كانت تتجاهل النظر إليه؛ بينما هو جالسٌ على أرضية الغرفة الباردة مستندًا بجسده على الباب وينظر إليها بأعين تحمل الحب والشوق، يريدها أن تشعر به، تشعر بحبه لها .. كيف لا تفعل وهو من فهمها دونًا عن الجميع؟
كانت شاردة تفكر كيف تهرب من هنا وتعود لوالديها ولكنها إستفاقت من شرودها على صوته الهادئ..
"تعرفي إنك حلوة قوي."
أغمضت عينيها بتقزز وتجاهلته وتتمنى لو يختفي من أمامها الآن؛ فهي لا تٌطيق وجوده .. تنهد "يامن" ثم شرد قليلًا وتحدث بهدوء وهو ينظر أمامه..
"تعرفي إن أنا وإنتِ شبه بعض."
لم تنظر إليه وظلت على وضعها ..
"أنا وإنتِ قصتنا شبه بعض الفرق في سير الأحداث، مرينا بحاجات كتير صعبة بس بعدها بدأنا ندور على الحرية عشان كان عندنا أمل، إنتِ سبتي النهاية مفتوحة وقررت إني أكمل النهاية دي بوجودي معاكي."
ظلت ساكنة لا تتحدث، تنهد ثم إستأنف حديثه ..
"نفسي أعمل أي حاجة المهم إني أشوف ضحكتك."
تأففت ورفعت رأسها ونظرت إليه ..
"إنت مريض نفسي، وأنا مش قادرة أستحملك أكتر من كده، ياريت تسيبني أمشي هنا، مش قادرة أفضل هنا دقيقة واحدة، وبعدين إزاي كنت بتقول إنك مش عايزني أعمل حاجة غصب عني طالما هتضرني، أنا وجودي معاك بيضرني، أنا محتاجة أرجع لأهلي."
"فيروز......"
قاطعته بصراخ وإنفعال ..
"عهد ... ده إسمي، وإياك تنطق الإسم التاني ده مرة تانية."
صمت قليلًا ثم أردف بهدوء كأنها لم تصرخ بوجهه..
"بالنسبة للنقطة إللي بتتكلمي فيها، وجودك معايا ده مش بيضرك، بالعكس هو بيفيدك، وأنا مش هسيبك غير لما أرسم الضحكة على وشك، وأخليكي سعيدة وكل ده هيكون معايا أنا وبس."
كادت أن تتحدث ولكنه إعتدل من جلسته وتوقف على قدميه، إنكمشت أكثر خوفًا من أن يقترب منها ويؤذيها ولكنه فاجأها بحديثه ..
"أنا هسيبك دلوقتي، أكيد أعصابك تعبانة إنتِ محتاجة ترتاحي شويه."
خرج من الغرفة دون أن يعطي لها فرصة بالحديث وسمعت صوت باب الشقة يغلق، نهضت من الفراش راكضة لخارج الغرفة وحاولت فتح باب الشقة ولكنه من الواضح أنه أغلقه بقفل من الخارج .. جلست أرضًا مستندة على الباب تبكي بقهر، تتمنى لو تعود لوالديها، لقد إشتاقت لهما كثيرًا.
يقف والدها أمام الضابط الذي يقوم بتسجيل محضر إختفائها فالآن قد مر أربعة وعشرون على إختفائها يدعوا داخله أن تكون إبنته على ما يرام ..
"هنحتاج إبن عمها لإنه آخر واحد كان معاها وقتها."
هز أحمد رأسه بصمت وقام بالضغط على بضعة أزرار على هاتفه وهنا ظهر رقم أخيه "حسن" .. وبعد عدة رنات رد "حسن" بضيق ..
"عايز إيه يا أحمد؟ مش كفاية إللي قولته لإبني؟؟"
أردف أحمد متجاهلا حديثه؛ فالأكيد أن أخيه قد علم بإختفاء "عهد" وعلى الرغم من أنها إبنة أخيه لم يتصل ليطمئن عليه ويقف بجانبه ..
"تِجيلي إنت وإبنك القسم دلوقتي."
وأغلق الهاتف بوجهه ثم أرسل له العنوان الذي يوجد به وبعد مرور وقت بسيط كان "حسن" وإبنه "حمزة" يقتربان من "أحمد" الذي ينتظرهما بوجهٍ متجهم.
أردف أخيه بضيق:
"إيه إللي عملته ده يا أحمد عايز تفضح بنتك؟"
لم يستوعب "أحمد" مايقوله أخيه له، وما أذهله أكثر ما تفوه به ..
"إنت عايز الناس تعرف إنها هربت مع واحد."
نظر أحمد بشرٍ نحو حمزة وكاد أن يقترب منه ليقوم بضربه ولكن مامنعه أخيه ...
"إهدى يا أخويا، إلغي المحضر إللي إنت عامله وإحنا هندور عليها بمعرفتنا وحمزة إبني موجود وهعتبر إنك ماقولتلوش حاجة، هيصلح غلطتها."
"كلمة زيادة لو نطقتها تاني يا حسن يبقى ماتعرفنيش تاني ولا هعتبرك أخويا الكبير أنا ساكت إحترامًا ليك، أنا بنتي محترمة ومتربية وعمرها ماتعمل كده أبدًا، وأكيد إبنك المحترم هو إللي قال كده لإن الأستاذ كان آخر شخص معاها وسابها في الشارع لوحدها؛ فبيبرر عدم رجولته في إنها هربت مع حد، أنا ماجبتكوش هنا عشان تقفوا جنبي أنا جبتكم هنا عشان محتاجين ياخدوا أقوال البيه إللي إسمه خطيبها ويا عالم ممكن الشكوك تكون عليه أصلا، بس أنا عشان أصيل مارضتش أقولهم إني شاكك في إبن أخويا."
لم يتفوه بحرف آخر وتركهم ودخل ولحقوا به وبدأت إجراءات التحقيق.
لم تنم بل كانت مستيقظة حتى الصباح، كانت جالسة أرضًا مستندةً على باب الغرفة وظلت تنظر للنافذة التي بالغرفة والتي هي محاطة بقضبان حديدية تتذكر بالأمس بعدما تركها ذلك المدعو "يامن" ظلت تبحث في تلك الشقة عن مخرج لها ولكن مع الأسف كل النوافذ كانت محاطة بقضبان حديدية ويفصل بينها وبين تلك القضبان زجاج عازل للصوت، وعندما نظرت للخارج وجدت أنها بمنطقة فارغة لا يوجد بها أحد؛ فمستحيل أن يراها أحد لينقذها من ذلك الجحيم الذي وقعت به .. تتذكر عندما شعرت بالجوع الشديد أمس واضطرت لتناول الطعام الذي أعده ذلك الخاطف، ولدهشتها كان الطعام لذيذ، إنه يعلم كيف يقوم بإعداد الطعام جيدًا، تتذكر عندما ظلت تتفحص الشقة بالأمس شعرت بأن الجدارن تم طلائها حديثًا؛ كأنه تم تجديدها وغير ذلك لم تجد أي شئ قد يلفت إنتباها أو قد يساعدها للهرب من هنا نظرت حولها في الغرفة التي تجلس بها تتفحصها بعينيها ولكن لم يُلفت إنتباهها أي شيء .. تنهدت باستسلام وأخفضت بصرها أرضًا تحاول أن تفكر بمخرج من هنا قبل أن يأتي ذلك المخبول، ولكنها انتبهت عندما وقع بصرها على صندوق موجودٍ أسفل السرير بالغرفة.
اقتربت بتوجسٍ من ذلك الصندوق وأخذته من أسفل السرير وقامت بفتحه، كانت به اكسسوارات قديمة للنساء يبدو أن إحداهنَّ كانت تعيش هنا قبلها؟! .. تلك الفكرة أرعبتها بشدة! .. أين هي؟ هل هي بخير؟ هل ... هل قتلها؟! .. وهي تبحث بالاكسسوارات لمست يدها كُتيبٌ موجود أسفل تلك الاكسسوارات حملته بيدها وهي ترتعش وتطالعه .. يبدو أنه قد مر عليه السنين لقد كان يبدو على مظهره أنه كذلك، فتحته بتوتر ووقعت عينيها على خطٍ غير واضح .. أخطاءٌ إملائيةٌ كثيرة! .. يبدو أن من كتب داخل ذلك الكُتيب هو طفلٌ وليس إمرأة.
"ماما أنا خايف..."
اقشعر جسدها عندما بدأت قراءة المكتوب..
"بابا بيضربني كتير ومش عارف هو بيعمل كده ليه؟ .. حتى مراته اللي اتجوزها بعد مإنتِ روحتي عند ربنا بتشجعه على كده، أنا معرفش أنا عملت إيه؟ .. أنا كل اللي قولتهوله إني بحبه ومش عايزُه يبعد عني زي مإنتِ سبتيني لوحدي."
ظلت تقرأ ذلك الكٌتيب وهي تضع يدها على قلبها من المعاناة التي عاشها ذلك الطفل مع والده وزوجته ..
"أنا مش بخرج من البيت، بابا قافل عليا أوضتي وبيرميلي كتبي وأكلي عشان أذاكر .. بابا بيقولي لو ماجبتش الدرجات النهائية هيكون بموتك!، بابا بيضربني ياماما لما بنقص في الامتحان درجة واحدة"
أكملت قراءتها حتى ثبتت عينيها على جُملة آلمت قلبها.
"أنا عايز أجيلك يا ماما، مباقتش حابب أبقى مع بابا سمعت مراته وهي بتقوله دخل يامِن مدرسة داخلية أهو نرتاح منه، للدرجادي هما مش بيحبوني؟ خديني عندك ماتسيبينيش لوحدي."
هبطت عبرة من مقلتيها كيف يحدث كل ذلك لطفل كل ما أراده فقط هو أن يبقى والده بجانبه ليقوم بتعويضه عن فقدانه لوالدته؟! .. الطفل لم يُذنب تمامًا بل الأب هو المذنب في تلك القصة .. نظرت إلى الإكسسوارات الموجودة وتبقنت أنها تخص والدته .. آخر ماتبقى له من الذكريات.
انتبهت عندما سمعت باب الشقة يُغلق .. تحركت بهرولة من مكانها وأعادت الكتيب في الصندوق كما كان وقامت بإغلاقه وأخفته حيث كان وعادت تجلس أرضًا تضم نفسها تنتظر أن يقوم بفتح باب الغرفة طال انتظارها ولكنه بعد عدة دقائق قام بفتح باب الغرفة.
نوفيلا/ هوس يامِن.. بقلم/ سارة بركات
أردف بابتسامة:
"أنا شايف إنك أكلتي، أتمنى يكون الأكل عجبك."
لم تتحدث ولكنها قامت بإبعاد نظراتها عنه .. هي لم ولن تتقبل وجود خاطفها أمامها، تمقُتُه.
"فيروز."
أغمضت عينيها بقوة تحاول أن تتحكم في غضبها، أصبحت تكره ذلك الإسم أيضًا .. كرهت اليوم الذي كتبت فيه تلك الرواية! مريض!.
اقترب نحوها أكثر عندما لم تُجيبه وجلس أمامها أرضًا محاولاً أن يمسك بوجهها ولكنها انتفضت عندما حاول ذلك.
"إنت بتعمل إيه؟"
يامِن باستفسار:
"إنتِ لسه زعلانة مني؟"
لم تُجِبه تتمنى أن تغضب وتثور في وجهه ولكن مايوقفها طفولته التي قرأت عنها في ذلك الكُتيّب، ابتعدت عنه درجة انها التصقت أحد جدران الغرفة ونظرت نحوه بخوف ممزوجٌ بشفقة مُرّة.
اعتدل في مكانه وتوقف في الغرفة يطالعها يحاول أن يجد كلامًا يتحدث به معها، وأثناء تفكيره ذاك استغلت شروده وأسرعت لتخرج من الغرفة واتجهت نحو باب الشقة والتي مع الأسف تم إغلاقها بالقفل .. كانت تعتقد أنه من الممكن أن ينسى إغلاق الباب به ولكن خابَ ظنها.
تحدث بهدوء وهو يقف خلفها:
"أنا مش عايزك تمشي، مش عايز أبقى لوحدي."
التفتت تطالعه بهدوء وصمت لعدة ثوانٍ ثم عادت للغرفة التي كانت بها تحتضن جسدها وتنظر أمامها بشرود، فعل مثلما فعلت وجلس بجانبها وأردف بتفاؤل:
"مافيش مشكلة مع الأيام هتتعودي عليا."
مرت الأيام وظلت عهد حبيسة ذلك المُختَل، فقط تظل صامته وهو يطالعها بنظرات عشق لها، وفي ذات الوقت الشرطة تبحث عنها ولكنهم لم يستطيعوا الوصول إليها.
"أنا جبتلك أكل من بره أتمنى يعجبك."
كان يمسك بيده عدة حقائب بلاستيكية وهو يقف عند باب الغرفة ولكنها لم تُعيره أي اهتمام.
"أنا هستناكي بره، على ما تخرجي أكون جهزت الحاجة بره."
ثم تركها وخرج من الغرفة؛ أما هي فقد وضعت يدها على معدتها تتحسسها لأنها جائعة كثيرًا فرائحة الطعام شهية .. دقيقة ..دقيقتان .. ثلاثة .. لم تتحمل وخرجت من الغرفة ووجدته ينتظرها جالسًا على المائدة ينتظرها.
لمعت عيناها عندما وجدت البيتزا المفضلة والشهية بالنسبة إليها، اقتربت من الطعام بحرص وأمسكت بالبيتزا تأخذ قضمة منها.
"اقعدي يا فيروز"
لم تهتم للإسم وجلست بالفعل تتناول البيتزا الخاصة بها، كانت لذيذة كثيرًا.
"أنا سعيد جدا إنها عجبتك."
ظل يتابعها وهي تتناول البيتزا.
"عشان بس تعرفي إني عارف عنك كل حاجة، لدرجة إني عارف إنتِ بتحبي إيه وبتكرهي إيه وكل ده من الرواية بتاعتك اللي بتحكي فيها قصة حياتك."
تحدثت وهي تأكل:
"مبكرهش حد قدك."
اتسعت ابتسامته عندما تحدثت إليه كأنها أخبرته أنها تحبه مثلا، تعجبت من ابتسامته واللمعة التي ظهرت في عينيه تلك، وعادت تُكمل طعامها.
"لو جابة تكتبي أي رواية ليكِ أو أي فكرة جاتلك وعايزة تدونيها أنا ممكن أجيبلك أدوات تساعدك."
توقفت عن تناول الطعام وطالعته باستفسار.
يامن بتأكيد:
"أيوه اللي سمعتيه، مش حابب أسيبك كده، حاسس إنك محتاجة تعبري عن حاجات كتير جواكِ وأنا عارف إنك هتقدري تخرجي كل اللي جواكِ في الكتابة، يمكن تقدري تعملي رواية قوية."
تعجبت من طريقة حديثه تلك؛ فها هو يشجعها على الكتابة وليس مثل خطيبها الغبي الذي يُقلل دائمًا من هوايتها.
"من بكرة هيكون عندك أجندة وقلم تكتبي فيهم كل اللي إنتِ عايزاه."
هزت رأسها وعادت تُكمل طعامها بحرص متعجبةً من نتيجة حديثهما تلك.
في اليوم التالي:
كانت تطالع الكُتيب الجديد الذي أمامها والذي يوجد به قلم مُعلق به.
"تقدري تكتبي اللي إنتِ حباه."
أمسكت بالكُتيب والقلم وأخذت تفكر كثيرًا ثم طالعته بهدوء ..
تحدث بمزاح:
"بتبصيلي كده ليه؟ بتفكري تكتبي عني زي ماكتبتي عن نفسك؟ للدرجادي أنا مهم عندك!"
لم تُجبه ولكنه أكمل حديثه.
"فيروز"
تحدثت بهدوء شديد كأنها اعتادت على ماتعيشه:
"عهد .. اسمي عهد."
تنهدت بثقل ثم تحدثت بتلقائية:
"أنا مش في المود مش عارفة أكتب حاجة، ولا عارفة أكتب إيه أصلا."
يامن بعقلانية:
"اكتبي عن حاجة نفسك فيها واعمليها قصة."
ابتسمت كأنه قرأ أفكارها.
"مكنتش اتوقع إنكم الرجالة بتهتموا بالحاجات دي، اللي هي الهوايات عمومًا."
يامن بهدوء:
"أعتقد إن اللي ملهوش هواية يبقى ملهوش لازمة في الحياة دي."
طالعته لعدة ثوانٍ ثم تحدثت:
"وانت؟ هوايتك إيه؟"
نظر في عمق عينيها ثم تحدث بصوت دافئ:
"إنتِ."
.......
آرائكم؟ توقعاتكم؟؟
هنتظر ريفيوهاتكم
"سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم"
نوفيلا/ هوس يامن .. بقلم/ سارة بركات
الفصل الرابع والأخير
"سجنك أدفأ من برودة العالم في الخارج"
"وانت؟ هوايتك إيه؟"
نظر في عمق عينيها ثم تحدث بصوت دافئ:
"إنتِ."
ارتبكت من نظراته تلك وشعرت بالتوتر، لأول مرة تشعر بتلك المشاعر المضطربة هي تعلم جيدًا أنها مشاعر لا يُمكن أن تشعر بها خاصة وهي مع شخص مثله، اقترب يامن منها وأمسك بيدها دُهشت عندما أمسكها وطالعته بمشاعر مذبذبة؛ أما هو فقد كان يطالعها بشغفٍ واضح، ولكنها استفاقت وعادت للغرفة مرة أخرى وقلبها يدق بعنف، وضعت الكتيب بجوار قلبها تحتضنه لعدة دقائق حتى تنهدت وبدأت بالكتابة.
مرت الأيام مرة أخرى ويامن يستمر في زيارتها واعطائها الهدايا أيضًا، وفي يومٍ ما كان يُمسك بيده حقيبة بلاستيكية بها ثوبٌ أحمر اللون، طالعته بهدوء وهي تقوم بالكتابة تارة ثم تطالعه تارة أخرى.
"جبتلي إيه؟"
"حاجة هتعجبك جدًا."
أخرج الثوب من الحقيبة وأعجبت عهد به كثيرًا.
"هفرح جدا لو جربتيه دلوقتي."
هزت رأسها واعتدلت لتأخذه منه ..
"هجربه وهبقى أوريك."
هز رأسه ثم خرج من الغرفة ينتظرها أما هي ابتسمت لجمال الثوب وقامت بإرتداءه .. بعد عدة دقائق خرجت من الغرفة وهي تلتف حول نفسها .. كان الفستان عاري الأكتاف وطوله يصل حتى قدامها وتركت شعرها دون ربطه.
"شكرا الفستان حلو وعجبني."
اقترب منها يامن بهدوء يطالعها بحب ثم تحدث:
"ممكن أطلب منك طلب؟"
أومأت منا جعله يستأنف حديثه:
"ممكن نرقص سوا؟"
قام بتشغيل إحدى الأغاني التي تخص العندليب الأسمر بهاتفه ثم تركه مفتوحًا ووضعه على المائدة، كانت تطالع الهاتف بهدوء ثم انتبهت عندما أمسك بيدها يقربها منه وهو مبتسمًا بحب.
راقصها ببطئ ورُقيٌ ولأول مرة تنتبه لرقته وهدوءه معها، ثيابه الأنيقة .. الهادئة .. كيف له أن يعيش تلك الطفولة البائسة ومن الواضح أن نتيجة تلك الطفولة ماهو فيه الآن وهو أنه أصبح مختلاً عقلياً.
ابتسمت باصطناع عندما تحدث بشغف:
"أنا بحبك يا فيروز."
وضع مقدمة رأسه على مقدمتها وحاولت ان تبتعد عنه ولكنه تمسك بها جيدًا لكي لا تتحرك وتحدث بشغف:
"أوعدك إني هكون أحسن شخص قابلتيه في حياتك وهعوضك عن كل اللي عشتيه أنا موجود ومعاكِ ومش هسيبك يا فيروز."
"يامن."
سَعِدّ كثيرًا عندما نادته بإسمه.
"اؤمري .. عايزة إيه؟"
"أنا عايزة أشرب ممكن تجيبلي مياة؟"
"ماشي."
ابتسم وهو يبتعد و تحرك مسافات قليلة، في ذات الوقت كادت أن تتحرك نحو هاتفه الموجود على المائدة ولكنه عاد يطالعها مرة أخرى مما جعله تنتبه عندما تحدث قبل ان تصل لهاتفه:
"فيروز."
عهد بتلقائية وهي تلتفت إليه:
"نعم؟"
"أنا بحبك أوي."
ابتسمت بهدوء وهي تطالع شغفه ذلك ثم دخل المطبخ لكي يقوم بملئ بعض المياه.
هرولت بسرعة نحو هاتفه بمجرد دخوله للمطبخ، وحمدت الله أنه ليس مُغلق لأنه تركه يعمل على قائمة موسيقى، قامت بسرعة بإرسال رسالة إلى رقم هاتف والدها الذي تحفظه عن ظهر قلبٍ وأخبرته بالعنوان الذي هي به وذلك لأن يامِن أخبرها بالعنوان عندما وثِقَ بها وكان لا يبعُدُ كثيرًا عن أهلها وكان مكتوب مع الرسالة أن لا يحاول التواصل مع رقم الهاتف ذاك لكي لا تختفي وكل ذلك لم يأخذ منها عدة ثوانٍ لأنها سريعة في الكتابة .. وبعد أن أرسلت الرسالة قامت بحذفها من هاتفه، كادت ان تعيده إلى المائدة ولكن خرج يامن المطبخ وهو يحمل قنينة مياه .. مثلت أنها تبحث عن أغنية معينة في هاتفه.
"بتدوري على حاجة معينة؟"
أردفت بعدم اهتمام وهي تُعيد الهاتف على المائدة:
"أغنية لأم كلثوم، عشان بحبها"
نظر لها قليلًا بتشتت ثم أردف بثقة:
"بس اللي أعرفه إنك بتميلي أكتر لعبدالحليم حافظ."
تنهدت واقتربت منه بهدوء وترسم على وجهها ابتسامة:
"المود اللي إحنا فيه ده محتاجين كمان أغنية لأم كلثوم، هيخلي الموضوع رومانسي أكتر."
ابتلعت بتوتر خفي تحاول جعله يصدق وسعدت عندما رأته يبتسم.
"تمام، ماشي تحبي تسمعي إيه؟"
"سمعني على زوقك."
"تمام."
أمسك بهاتفه وقام بتشغيل أغنية لأم كلثوم وأمسك بها يضمها بين ذراعيه وهي من داخلها كانت ترفض مايحدث ولكنها تجاريه لعل والدها يأتي في أسرع وقت.
نوفيلا/ هوس يامِن .. بقلم/سارة بركات
بعد مرور عدة دقائق:
كانت مستندة برأسها على صدره وهما يتراقصان
يخبرها يامن بالكثير والكثير من الاحاديث الرومانسية يعبر بها عن حبه لها وأنهما مُقَدَرَان لبعضهما يربت على ظهرها وشعرها برفق كأنها إبنته .. كانت تستمع لكلامه المعسول ولوهلة شعرت أنها كالطفلة بين يديه شغرت بمشاعر كانت تتمنى ان تشعر بها مع حمزة خطيبها ولكنه كان باردًا كان كل ما يهمه هو العمل فقط ليس إلا .. أتى على عقلها أنه من الممكن أنه صادقٌ في حديثه وهو أنهما مقدَّران لبعضهما، ولكن قطع لحظتهما تلك سماعهما لأصوات سيارات الشرطة تقترب من المكان .. استفاق يامٍن من غفوته تلك وابتعد عنها يحاول أن يستوعب ما يسمع.
"البوليس؟!"
أما بالنسبة لعهد فقد استعادت وعيها أيضًا لتستفيق على الواقع وهي أنها مُختَطَفَه .. شعرت بتخبطٍ في مشاعرها مابين خوفها من فراقهما وبين سعادتها أنهم قد أتوا لينقذوها منه، وبتلقائية أمسك يامِن بيدها لكي يستعدا للهرب من الشقة.
"يلا يا فيروز نهرب."
ولكنها لم تتبعه .. ظلت تقف بمكانها تنظر إليه بتخبط .. التفت إليها يطالعها باستفسار وعدم فِهم.
"مش رايحة في مكان."
اقترب منها يمسك وجهها بين يديه.
"حبيبتي مش وقته ده، يلا بينا نخرج من هنا بأي طريقة عشان نعرف نعيش حياتنا اللي بنيناها سوا."
أردفت عهد بهدوء وتخبط في آنٍ واحد:
"إنت مريض، حياة إيه وحبيبتي إيه اللي إنت بتقولهالي دي؟"
اختفت اللهفة في عينيه عندما سمع تلك الكلمات أما هي فقد تعجبت من حديثها ذلك أليس من المفترض أن تتحدث بذلك الكلام؟ أم أن هناك شيءٌ آخر هي تجهله؟، في ذات الوقت وصلت الشرطة أمام الشقة يحاولون كسر بابها حتى فتحوه وقاموا بتوجيه السلاح على رأسه.
"إنت مطلوب القبض عليك بتهمة خطف عهد أحمد سليمان."
وبسرعه قاموا بتصفيد يديه وكل ذلك كان يحدث وهو يطالع فيروز *عهد* بعدم فهم كأنه كان تائهًا .. لا يستوعب ما يحدث .. كيف وصلوا إليه؟؟
ولكنه فهم عندما ركضت فيروز ترتمي بين ذراعي والدها وهي تبكي..
"بابا، كويس إنك لحقت تشوف الرسالة بسرعة وتتصرف بسرعة."
وقعت تلك الجملة على مسمع يامن كالصاعقة! لقد خدعته؟َ! .. كان الخذلان واضحًا في نظراته لها وهم يسحبونه أمامهم، كيف تفعل حبيبته به هكذا؟ لقد خذلته بعد أن وثق بها تمامًا.
تم التحفظ على يامن والذي ظل صامتًا طوال تلك الفترة لحين عرضه على النيابة العامة أما بالنسبة لعهد فقد عادت لأحضان والديها وحاول حمزة الإعتذار لها كثيرًا ولكنها رفضت إعتذاره وانعزلت في غرفتها والتي يوجد بها الصندوق الخاص بيامن وأيضًا كتيبها الذي كان رفيقها طوال تلك المدة.
كانت تكتب منعزلة عن الجميع ولا تدري ماسبب ذلك الإنعزال تشعر أنها في عالمٍ ليس عالمها، ينقصها أحدٌ ما .. لم تعتد على تلك الوحدة، إعتادت أن هناك شخصٌ ما يقتحم انعزالها وصمتها .. إعتادت على يامن الذي لم يتركها طوال تلك الفترة، تتذكر ضحكاته، ابتسامته، كلماته لها، احتوائه لها وأيضًا تشجيعه، إنها حقًا تشتاق له كثيرًا، تشتاق لكلماته العذبة تشتاق لوجوده تشعر أنه يقتحم عقلها حتى وهو غائب عنها لا بل قد اقتحمه بالفعل! .. تشعر أنها قد فقدت أمانها منذ أن رحل من حياتها في تلك المدة الماضية لقد كان كل شيء كان يفعل لها كل ماتريد سواء اخبرته به أم لا كان يشعر بها دون أن تتحدث لدرجة أنها تشعر بالضياع وعدم الأمان منذ أن اختفى من حياتها .. كانت شاردة تفكر بيامن الذي تفتقده كثيرًا ولم تفق إلا حينما شعرت بحرارة دموعها تعانق وجنتيها، مسحت دموعها وكتبت قليلًا في ذلك الكتيب حتى وصلت إلى أسطر النهاية، وضعت الكُتَيَّب جانبًا وخرجت من غرفتها في المساء بملامح تعيسة واقتربت نحو والدتها تتحدث بملامح مبهمة:
"ماما."
"نعم يا حبيبتي؟ إنتِ لسه صاحية؟"
"أنا هنزل أجيب حاجة من السوبر ماركت."
صمتت والدتها قليلًا لأنها خائفة من أن يحدث لها شئ.
"صدقيني هخلص وأرجع."
"ماشي بس متتأخريش."
بعد مرور عدة دقائق:
"بس إنتِ كده بتغيري أقوالك؟"
كانت تحاول أن تُمثل الثبات وتحدثت بهدوء:
"زي ماقولت لحضرتك، أنا بس كنت زعلانة من أهلي شويه وهربت."
"يعني كلامه صح؟ إنكم مرتبطين وبتحبوا بعض وكنتم هربانين سوا، ده كمان إنه بيقول إن إسمك فيروز."
هزت رأسها كالمُغيبة ثم أردفت:
"أنا بحب الإسم ده ودايمًا بخليه يناديني بيه."
نظل لها وكيل النيابة لعدة ثوانٍ ثم رفع سماعة هاتفه وأردف:
"هاتلي يامن من الحجز."
ثم طالعها بهدوء:
"تمام اتفضلي إنتِ."
"أستأذنك متقولش لبابا، لإني مش عارفة أجيبهاله إزاي، بس أنا أكيد هقوله."
طالعها وكيل النيابة ثم أردف:
"ربنا يصبر أهلك على الفضيحة دي."
التفتت للخلف وهبطت عبرة من مقلتيها ثم خرجت من الغرفة وتقابلت نظراتها مع يامِن الذي لم يصدق أنها أمامه، كانت تبكي ثم أسرعت لكي تبتعد عنه.
.....................
أحمد بضيق:
"إنتِ متأكدة إنها راحت السوبر ماركت؟"
"أيوه يا أحمد صدقني، وقالتلي إنها جاية بسرعة"
"استرها يا رب."
كاد أن يخرج من الشقة ولكنه وجدها تقف أمام الباب.
تنهد بإرتياح عندما وجدها أمامه
"قلقتيني عليكِ."
ولكنها لم تتحدث وقامت بضمه أما هو فقد ابتسم وهو يربت على ظهرها.
"يلا ادخلي نامي."
هزت رأسها ثم ذهبت للغرفة.
في صباح اليوم التالي:
كانت والدتها تضع طعام الفطور على مائدة وكان أحمد يجلس على كرسي لتلك الطاولة يقوم بمناداة عهد بصوتٍ عالٍ لكي تسمعه من داخل غرفتها لكي تستيقظ وتتناول معهم الطعام ولكنها لم تُجيبه، وعندما سإم من عدم ردها دخل لغرفتها ولكنه لم يجدها بداخلها، بل غرفتها مٌرتَّبة جيدًا مما يدل أنها لم تبقى بها.
جنّ جنونه عندما وجد ابنته قد اختفت وأردف بصوت حاد:
"سمر... سمر."
هرولت سمر لغرفة ابنتها:
"في إيه يا أحمد؟"
"عهد فين؟؟ مقالتلكيش إنها رايحة أي مكان؟"
"مايمكن تكون في الحمام وما أخدناش بالنا."
"بنتك مش في الحمام."
انتبه للكتيب الذي كان يراها دائمًا تمسكه واقترب نحوه بخطىً ثقيلة قام بفتحه وقابله ورقة في بداية الصفحة:
"بابا أتمنى تتفهمني متزعلش بعد ما تقرأ اللي أنا كاتباه."
قام بقراءه الكتيب والذي يكون عبارة عن رواية بأحداث كل ماحدث معها منذ بداية إختطافها حتى اختفاؤها والذي يشير إلى أنها قامت بالهرب وعادت إلى يامن.
وكتبت في النهاية:
"سامحني يا بابا، أنا عارفة إني خذلتك بس غصب عني حبيته ومش قادرة أعيش من غيره، أنا مع الأسف حبيت الإنسان إللي خطفني .. انا عارفة ان تعلقي بيه ده مرض نفسي بس ده عشان انا لقيت الأمان معاه .. صدقني هو مش شرير .. هو بس خطفني من عالم مكنتش لاقية نفسي فيه .. أنا لقيت نفسي معاه، قدرت أتنفس وأنا معاه، عملت كل اللي أنا عايزاه وأنا معاه .. مفيش غيره فهمني، مفيش غيره حبني لنفسي، مفيش غيره سابني أعبر عن اللي أنا عايزاه، أنا لما بعدت عنه اكتشفت اني ولا حاجة، اكتشفت إني حبيت الإنسان إللي خطفني، خوفت أقولك تقول عليه ده مريض نفسي وخطفني .. بس لا يامن مش مريض هو بس عاش حياة وحشة وكان يستحق الأفضل ومحتاجني معاه وأنا هعوضه .. هنعوض بعض .. أنا بحبه جدا يا بابا، أتمنى تسامحني."
وضع يده على وجهه بحسرة وزوجته تجلس بجانبه تبكي بصدمة مما يحدث.
......................
قبل عدة ساعات في منتصف الليل:
في شقة يامِن:
قام بفتح باب الشقة بإرهاق وخطى داخلها بخطواتٍ منهكة ولكنه تفاجأ بها تقف أمامه داخل الشقة .. كانت حُلُمًا وها هي الأن تقف أمامه، كاد أن يتحدث ولكنها باغتته بأنها دخلت بين ذراعيه.
"أنا عايزة أمشي من هنا، انا مش عايزة غير سجنك إنت وبس"
أردفت بإختناق من البكاء؛ أما هو فقد وقف يستوعب مايحدث لعدة ثوانٍ ثم أردف بابتسامة هادئة:
"حابة نروح فين يا فيروز؟"
رفعت عينيها بتوسل وتبتسم ابتسامة مرتعشة:
"أي مكان المهم إننا نهرب ونفضل سوا ونتجوز عشان أفضل معاك دايما."
تأملها طويلاً وفي نظراتها المزيج من العشق والاستسلام، ثم تحدث بحنوٍ:
"اللي إنتِ عايزاه هيكون، يا فيروز."
"تمت بحمدالله"
سارة بركات
تعليقات
إرسال تعليق