القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية الم بدون صوت الفصل السابع والثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثانى عشر بقلم خديجه احمد حصريه وكامله

 رواية الم بدون صوت  الفصل السابع والثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثانى عشر  بقلم خديجه احمد حصريه وكامله 






رواية الم بدون صوت  الفصل السابع والثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثانى عشر  بقلم خديجه احمد حصريه وكامله 




البارت السابع


نور


خلصت شغلي الأول وروحت على التاني،

واليوم عدى كأنه أسبوع.

كل عضلة في جسمي كانت بتصرّخ من التعب،

ولما وصلت البيت، فتحت الباب…

كان فاضي.

اتنهدت تنهيدة طويلة،

ودخلت نمت من كتر الإجهاد، من غير حتى أغير هدومي.


صحيت تاني يوم على صوت الموبايل بيرن،

ولما فتحت، لقيت ساره متصلة كتير.

ردّيت بصوت نايم، قالتلي وهي متحمسة كأنها نسيت كل التعب اللي في الدنيا:

__يلا انزلي بسرعة… نروح الجامعة سوا!


ضحكت من بين النعاس وقلت وأنا بقوم:

__حاضر، هجهز وأنزل.


وقفت قدام المراية وأنا بلبس،

ولوهلة حسّيت إن ملامحي باهتة زي العادة،

بس مهتمّتش… جهّزت ونزلت


ووصلنا…

وياريتني ما روحت الجامعة.


من أول ما دخلت،

كل العيون اتوجّهت ناحيتي.

نظرات فيها شفقة،

وفيها كلام بيتقال من غير صوت.

وشوش بتتوشوش،

نصهم بيبصلي، والنص التاني بيبص على الأرض كأنهم مش شايفيني.


حاولت أداري ضيقي،

بس ساره حست،

مدت  إيدها تطبطب عليّا،

وفجأة واحدة وقفتني وقالت بصوت متعاطف:

__احنا كلنا معاكي،

ولو عايزاني أجي أشهد معاكي ضده، أنا هاجي.


اتصدمت،

كنت على وشك أتكلم بعصبية،

لكن ساره سبقتني وردّت بسرعة:

__شكراً، تسلمي.

وسحبتني من قدامها قبل ما أقول أي كلمة.


كنت حاسة إني هعيّط…

العيون اللي بتبصلي مليانة شفقة،

مش دعم.


ساره قالت بهدوء وهي ماسكة إيدي:

__اهدي، ومتزعليش… هما عايزين يساعدوكي.


ضحكت بسخرية مرّة وقلت:

__ساره، هما مش عايزين يساعدوني،

هما مشفقين عليّا!

وأنا عمري ما حبيت حد يشفق عليا.


سكتت ساره،

الكلام وقف على لسانها،

هي عارفة إني عندي حق.

دلوقتي الكل شايفني "البنت المسكينة"

اللي أبوها بيصحّيها ويمسيها بعلقه.


بعد ما خلصنا اليوم في الجامعة اخيرا كان يوم تقيل ع قلبي،

كنت مستعدة أروح على الشغل.

قولت لساره:

__لازم أمشي دلوقتي.


فقالتلي:

 __استني، ابن عمي هييجي يوصلني ويوصلك ف طريقه.


بصراحة اتوترت،

أنا مبحبش أركب أو أتعامل مع رجالة غريبه.

فقولت بأسف:

__معلش، بس مش هينفع بجد… ومش عايزة أتعبه معايا.


كانت لسه هترد عليّا،

بس لمحت حاجة ووشها اتغيّر وقالتلي بسرعة:

__أهو يوسف أهو!.


ولما بصّيت… اتصدمت.

قلبي بدأ يدق بسرعة،

مصدقتش عيني!

ده نفس الشرطي اللي ساعدني يومها…

يوسف.!!


لقيته بيقرب ناحيتنا،

اتجمدت مكاني، وكل نبضة في قلبي كانت بتعلى أكتر.

هو كمان بان عليه التوتر،

كأن وجودي قدامه فجأة لخبطه.


ساره لمحتني ووشي اتغير، فسألت بقلق:

__انتي كويسة يا نور؟


يوسف وقف قدامي ومدّ إيده بابتسامة خفيفة:

__أهلاً يا آنسة نور.


بصيت لإيده ثواني،

اتكسفت… أنا مش بسلم على ولاد،

وترددت أعمل إيه.


لكن ساره لحقت الموقف بسرعة وقالت بابتسامة بسيطة:

__نور مش بتسلم على ولاد.


رجع إيده بهدوء وقال بلُطف:

__تمام، عادي جدًا.


بس ساره بصت له باستغراب وقالت وهي مش مصدّقة:

__استنى لحظة…

إنت عرفت اسمها إزاي؟


اتسعت ابتسامة يوسف شوية،

بس عينيه كانت بتقول كلام تاني غير اللي على وشه.

بصّ لساره وقال بهدوء:

__فاكرها من موقف قديم… يوم ما كنت في البلاغ اللي حصل في بيتها.


ساره اتفاجئت،

وبصّتلي بسرعة وهي بتقول بصوت منخفض:

__إنتي… هو الضابط اللي ساعدتك؟


ماقدرتش أرد،

كل اللي قدرت أعمله إني أهو راسي بخفة،

وصوت دقّات قلبي كان أعلى من أي صوت حواليّ.


يوسف حوّل نظره ناحيتي وقال بلُطف:

__ما كنتش متوقع أشوفك تاني،

بس كويس إنك بخير.


كلماته كانت بسيطة… بس جواها دفء غريب.

في اللحظة دي حسّيت كأني رجعت أتنفس بعد صدمة طويلة،

وساره وقفت بينا بنظرات فيها ألف سؤال.


ركبنا العربية،

الجو كان ساكت لدرجة إن صوت الطريق بقى أوضح من أنفاسنا.


لكن فجأة، قطع السكون بصوته الهادي:

__باباكي كويس؟.


اتشد جسمي كله،

ردّيت بسرعة وأنا بحاول أخفي توتري:

__أه… الحمد لله.


هو سكت على طول،

واضح إنه حسّ إن سؤاله وجعني.

عينه راحت ناحية الطريق،

وأنا قعدت أبص من الشباك أحاول أهرب من الموقف.


أما ساره ففضلت ساكته،

نظراتها رايحة جاية بينا،

كأنها حاسة إن في كلام كتير مستخبي

ورا الهدوء ده.


وصلنا قدام شغلي

كنت حاسة إن اليوم ده أطول من اللازم…

كله عيون، وهمسات، وشعور بالاختناق.


بصيت لساره بابتسامة باهتة وقلت:

__شكراً يا ساره… على كل حاجة.


هزّت راسها وقالت بهدوء:

__خدي بالك من نفسك، يا نور.


ودعتها ونزلت من العربية،

الهوا كان تقيل، كأن حتى الشارع عارف اللي جوايا.


دخلت المكان،

الناس حواليّ كانوا بيشتغلوا عادي،

ماحدش يعرف عني أي حاجة، ماحدش يعرف عن اليوم اللي عديت فيه، أو اللي حصل في الجامعة…

وكان ده سبب توتري أكتر.


قعدت على الكاونتر، حاولت أركز في الشغل،

بس جوه قلبي كله كان ضجة:

القلق، التعب، والتفكير في كل حاجة حصلت اليوم.

حسّيت إني لو ضحكت أو كلمت حد، ممكن يبان عليّ كل التعب والمشاعر اللي جوه.


بس لما ارجعت افكر، حسّيت بارتياح خفيف…

على الأقل هنا، بين الناس اللي مش يعرفوا أي حاجة عني، أقدر أكون أنا من غير أحكام أو نظرات شفقة.

____


كنت سايق العربية،ساره معايه، والشارع كله عدى من غير ما آخد بالي.

كنت مركز في حاجة واحدة… نور.

حسيتها مخنوقة ومتضايقة، وقلبي مش قادر حتى يسألها أو يعرف إزاي يساعدها.


ساره كانت بتتكلم، وأنا عايش جوه أفكاري، مش مركز معاها خالص.

لحد م لاحظت وقالت بضيق:

__انت مش مركز معايا؟!


حمحمت شوية ورديت بسرعة:

__لا… مركز معاكي.


ضحكت بمرارة خفيفة وقالت:

__بصراحة… دي صدفة غريبة… يعني أنا أول مرة أعرف إنك بتشتغل  ضابط في حمايه الاسره!


رديت عليها بهدوء، وأنا بحاول أخفي جزء من تحفظي:

__مكنتش بتكلم عن مجال شغلي أوي…

يمكن عشان مكنتش حابّة في الأول.


سألتني ساره بفضول وهي مميله راسها ناحيتي:

__طب… ودلوقتي؟..


بصيت قدامي لحظه، وبعدين ابتسمت بهدوء وقلت:

__دلوقتي إحساسي اتغير…

حسّيت فعلاً إني بعمل حاجة ليها معنى،

وبساعد الناس اللي محتاجه حد يقف في صفها.


سكتت ساره ثواني، وبصتلي بنظره غريبة،

فيها إعجاب بسيط، بس كمان فيها تساؤل مش مفهوم.

وأنا… رغم كل اللي حواليّ،

كل اللي كان شاغل بالي وقتها إن نور كانت مضايقه،

وإن عيونها كانت مليانة حزن مش قادر أطلّع صورتها من دماغي.


يتبععع



#الم_بدون_صوت 


البارت التامن


يوسف


وصلنا تحت البيت،

طلعت أنا وساره،

سلّمت على مرات عمي.


قالتلي بعتاب وهي بتحاول تخفي ابتسامتها:

__كده يا يوسف؟ تفضل طول المدة دي متجيش!.


قلت وأنا بابتسم باعتذار:

__معلش والله، حضرتك عارفة الدنيا مشاغل،

أول ما لقيت إن شغلي جمبكم جيت على طول.


ضحكت وقالت:

__نورت يا حبيبي، لحظة وأكون حاطه الأكل.


ابتسمت وقعدت في الصالة، وساره دخلت تغيّر هدومها،

رجعت بعد شوية وقعدت قدامي.


بصيتلها وسألتها بهدوء وأنا شايف في عينيها حاجة مخبياها:

__انتي بقى اللي بلغتي؟


اتلبخت، وبصّت في الأرض بتوتر.

ضحكت بخفة وقلت:

__مالك اتوترتي ليه؟ دي حاجة كويسة…

انتي كده ساعدتيها ووقفتي جنبها.


ردّت بصوت حزين:

__آه بس… هي زعلت مني،

وحصلت مشكلة بينا… بس اتصالحنا يعني.


بصّيتلها بهدوء وقلت:

__كويس… المهم إنها بخير.


سكتت لحظة وبصتلي بتردد وقالت:

__بس هي متغيّرة يا يوسف… ضحكتها بقت ناقصها روحها.


كلامها وجعني بطريقة غريبة.

حسّيت كأن كل حرف بيشدني ليها أكتر.

قلت وأنا ببصّ في الفراغ:

__اللي مرت بيه مش سهل…

بس هتقوم، نور قوية.


ساره رفعت حاجبها وقالت بابتسامة خفيفة فيها تساؤل:

__واضح إنك واخد الموضوع على قلبك أوي!


ضحكت بخفة وحاولت أغيّر الاتجاه:

__أنا شغلي كله كده يا ساره،


وقولت ف نفسي

بس يمكن الحالة دي شدّتني شوية أكتر من العادة.


بس الحقيقة؟

أنا كنت عارف إن اللي جوايا اتجاهها

ما بقاش مجرد "حالة" من أول ما شُفت عيونها المليانة وجع.


يوسف


قعدت، وبعد ما خلصنا أكل،

مرات عمي كانت مُصرّة إني أبيت عندهم.

بس حاولت أفهمها بهدوء إني واخد شقة إيجار قريبة،

وإنّي هروح هناك بعد الأكل.

وطبعًا مكنش ينفع أقعد… في النهاية أنا راجل ومش محرم.


مشيت وأنا لسه تفكيري مشغول بيها،

كل ما أحاول أركّز في أي حاجة تانية،

صوتها ونظرتها بيرجعولي.

في الآخر، قررت أتصل بيها…

مش عشان "شغل"، لأ،

كنت محتاج أسمع صوتها،

أطمن عليها، وأعرف إيه الخطة الجاية.


فعلاً اتصلت،

وبعد كام رنه، ردّت.


صوتها…

كان نفس الصوت اللي أول مرة سمعته مليان خوف،

بس المرة دي فيه وجع هادي،

وجمال غريب في الرقة اللي بتتكلم بيها.


قالت بهدوء:

__السلام عليكم.


ردّيت وأنا بحاول أبان طبيعي:

__وعليكم السلام، عامله إيه دلوقتي؟.


طمنتني إنها بخير،

بس بعدها سكتت،

وسكوتها خلاني أحس إن في وجع مستخبي ورا الكلمات.


قولت بخفوت:

__آخر مرة ضربك إمتى؟


سكتت ثواني،

كأن السؤال وجّعها قبل حتى ما ترد.

وبعدين قالت بصوت متكسر خافت:

__امبارح…


حسّيت قلبي شدّ في صدري،

وكأن الكلمة دي خبطتني في وشي.

قولت وأنا بحاول أسيطر على نبرة صوتي:

__امبارح؟!.


ردّت بسرعة، كأنها بتحاول تبرر وجعه:

__هو كان متعصب… ماقصدش يوجعني بالشكل ده،

بس هو لما بيتعصب بيعمل كده من غير ما يفكر.


تنهدت، ماسك الموبايل بإيدي بقوة وأنا بقول بحزم هادي:

__يا نور، مفيش حاجة اسمها ماقصدش…

اللي يمد إيده مرة، هيكررها كل مرة.


سكتت،

وسمعت صوت نفسها المرتبك،

فيه رعشة خفيفة كأنها بتكتم بكاها:

__أنا مش قادرة أسيبه…

ولا قادرة أكمّل كده…

كل حاجة بقت تخوفني، حتى نفسي.


قولت بهدوء، بس جوّاه نار:

__انتي مش لوحدك،

أنا معاك، وهفضل معاكي…

بس لازم نبدأ نتصرف، خطوة بخطوة، فاهماني؟.


ردّت بصوت مهزوز، فيه صدق وضعف في نفس الوقت:

__فاهمة… بس خايفة.


ابتسمت رغم الغضب اللي مالي قلبي وقلت:

__كلنا بنخاف يا نور…

بس أول خطوة هي اللي بتكسر الخوف.


يوسف


لقيتها سكتت، الحروف كأنها خذلتها،

وصوت نفسها بس هو اللي باقي في السماعة.


كملت بهدوء وأنا بحاول أخلي كلامي يطمنها:

__دلوقتي لازم تواجهيه يا نور…

بهداوة، وتكلميه،

وتسأليه هو ليه بيعمل كده؟

قوليله إنك بتحبيه ومش عايزة تبعدي عنه،

بس اللي بيعمله ده بيخليكي تفكّري في البُعد غصب عنك.


سمعتها بتاخد نفس متقطع،

وبعدين قالت بصوت مبحوح كله وجع:

__بس…


سكتت.

الكلمة دي خرجت منها،

بس اللي بعدها ماقدرتش تطلعه.


حسّيت بيها، حسّيت باللي جواها من غير ما تنطق.

قولت بهدوء وأنا متأكد إنها بتسمعني وبتحاول تتماسك:

__أنا عارف…

عارف إنك مش ضامنة رد فعله،

يمكن يتغاشم عليكي، ويمكن يفوق ويرجع لرشده.

بس دي فرصه…

فرصة نحاول فيها يرجع زي م كان..


سكتت لحظة، وسمعت بعدها شهقة خفيفة كأنها بتحاول تكتم بكاها،


قالتلي بصوت مرتعش، بيحاول يخبّي الخوف اللي ماليه:

__حضرتك عايز حاجة تاني؟


اتنهدت، ومكنش فيَّ كلام يتقال أكتر من كده،

فقلت بهدوء:

__سلامتك.


وكأنها كانت مستنيّة الكلمة دي عشان تهرب،

سمعت صوت النفس الملهوف قبل ما الخط يسكت فجأة،

وقفلت.


فضلت باصص ف الشاشة،

وصوتها بيرن ف وداني كأنه لسه بيتردد.

كان فيها رعشة وجع... مش بس خوف.

حسّيت إني كنت قريب أوصل، بس في نفس اللحظة،

هي اختارت تقفل الباب قبل ما أمد إيدي.


__________


نور


قفلت السكة معاه،

بس قلبي كان لسه متعلق ف كلامه، ف نبرته الهادية اللي حاسّه بيا من غير ما أتكلم.

كنت متوترة طول المكالمة، بس في نفس الوقت… مرتاحة.


فضلت أفكر ف اللي قاله…

إن لازم أواجه بابا، وأكلمه بهدوء يمكن يسمعني،

يمكن يرجع زي زمان قبل ما الدنيا تاخده مني.


فعلاً قمت بعد شوية، أخدت نفسي وخرجت أدور عليه.

البيت كان ساكت كأنه نايم،

دورت ف كل الأوض، ملقتهوش.

اتنهدت بخيبة أمل،

دخلت الأوضة، وقعدت على السرير مستنياه.

مكنتش حاسة بالوقت،

عينيا غلبتني من كتر التعب والخوف،

وروحت ف النوم من غير ما أقصد.


صحيت على صوت المفتاح وهو بيلف ف الباب،

وصوت المفصلة وهي بتئن بهدوء.

قلبي بدأ يدق،

كنت مش عارفه هو هيكون رايق… ولا مكشر كعادته.


جريت ع بره وأنا قلبي بيدق جامد، خايفه يتعصب عليا، خايفه يضربني!

لقيته قاعد ع الكنبه وبيشرب سيجارته في سكون غريب.

قولتله بصوت واطي:

__ عايزه أتكلم معاك.


بصلي بطرف عينه وقال ببرود:

__مش ناقص رغي دلوقتي.


رديت وأنا صوتي مخنوق:

__كلمتين بس.


سكت، ففهمت إنه مستني أقول اللي عندي.

قعدت جنبه ع الكنبه وأنا قلبي بيترعش،

كنت حاسه نفسي داخله معركه، بس المره دي مش خايفه زي الأول… يمكن لأن الوجع خلّاني أضعف من الخوف.


قولت بهدوء:

__ أنا زعلانه منك يا بابا.


رفع عينه ناحيتي، النظره اللي فيهم كانت جامده… فيها غضب، بس وراها تعب.

كملت وأنا بحاول أثبت صوتي:

__ زمان كنت بتضحك، وبتقعد معايا، دلوقتي كل كلامك ليا بقى صوت عالي وضرب… ليه؟

__أنا بحبك يا بابا، بس مش قادره أعيش كده.


سكت لحظه، حسّيت الجو بقى تقيل أوي.

رمى السيجاره، وبصلي بنظرة غضب خلتني أبلع ريقي بالعافية.

قبل ما أستوعب، قام بسرعة ومدّ إيده ناحيتي!


اتجمدت، قلبي كان هيخرج من مكانه،

صرخت:

ـ بابا بالله عليك اسمعني!

بس مفيش فايدة…

إيده كانت سبقت كلامي.!!


يتبععع


#الم_بدون_صوت 


البارت التاسع 


ضربني،

مسك الحزام وبدأ يضربني على ضهري جامد!

كان وجع روحي أقوى من وجع جسمي.

كنت مستنية يقعد ويهدى… يعترف بغلطه،

بس رد فعله كانت كالعادة—قسوة وسكوت وصوت الحزام.


وف وسط كل ده، صوته خرج متقطع من الغضب:

__انتي السبب… انتي السبب ف كل اللي أنا فيه ده!


اتصدمت، وعيوني كانت حُمر من كتر البُكا،

ردّيت وأنا شهقاتي بتكتم كلماتي:

__أنا السبب؟ أنا عملت إيه؟ ذنبي إيه؟.


ردّ عليا وهو بيكمّل ضرب:

__انتي السبب في موت أمّك!


وقتها كل حاجة جوايا وقفت.

اسمها لوحده وجع قلبي،

قلتلُه بصوت مخنوق ومصدوم:

__انت بتخرف؟ بتقول إيه؟.


وياريتني ما قلت الكلمة دي.

وشه احمَرّ أكتر،

عصّب، ومسك فيا بكل غضبه،

وخبطني ف الدولاب بقوة!


محسّتش بنفسي غير وأنا واقعة على الأرض،

الدم حواليّا،

ونفَسي بيتقطع…

والدنيا بقت سودة ف عيني.


ساعتها الدنيا لفّت بيا،

كل حاجة بقت سودة…

وأنا بحسّ إن الوجع بيطفي حواسي واحدة واحدة،

لحد ما فقدت الوعي تمامًا.


مش عارفة بعد قد إيه فوقت،

بس أول حاجة شُفتها كانت هو…

قاعد قدامي،

كأنه مستنيني أفوق لوحدي من غير ما يمد إيده.


بصّيتله بوجع،

وعيني كانت بتحكي اللي لساني مش قادر يقوله.

كل الدموع اللي محبوسة جوايا كانت بتصرخ من غير صوت.


بكل قسوة الدنيا قالها وهو بيشيح بوشه عني:

__مش عايز أشوف وشك هنا،

هخرج ومرجعش ألاقيكي.


كلماته كانت أوجع من الحزام،

خرج وسابني والدم لسه بينزل من دماغي.

بس الغريب… إني مكنتش مصدومة،

اتعودت على الغُدر ده.


هو دايمًا لما بيتضايق جامد بيطردني.

وعادي… كنت كل مرة بروح أقعد عند سارة يوم ولا يومين،

وبعدها أرجع كأني ما عملتش حاجة،

كأني أنا الغلطانة دايمًا.


اتحاملت على نفسي وقمت،

ماسكه راسي اللي الدم مغرقها،

كل خطوة كانت بتوجعني كأن الأرض بتلسع رجلي.

ماكانش عندي لا قطن ولا شاش أداري بيه الجرح،

ولو رُحت الصيدلية الناس هتشوفني بالشكل ده…

هيندهشوا، وهيتكلموا.

وانا خلاص، مش ناقصة نظرات شفقه تاني.


قررت أروح لسارة،

هي الوحيدة اللي ممكن تساعدني،

والوحيدة اللي تعرف كل اللي بيحصل.


حطيت منديل فوق الجرح،

ولبست الطرحة ع السريع،

ونزلت الشارع وأنا بحاول أمشي عادي…

بس نظرات الناس كانت سكاكين بتغرز فيا.

كل حد بيبصلي بخوف،

وأنا قلبي بيوجعني أكتر من راسي.

وجعي مش من الدم…

وجعي من حالي، من اللي وصلت له.


وصلت تحت بيتها،

طلعت وأنا نفسي تقطع،

وخبطت على الباب وأنا باصه للأرض.

كنت محرجة،

مش عارفة أقول لمين إني رجعت تاني لنفس المشهد.


الباب اتفتح،

طلعت مامتها.

أول ما شافتني اتبدل لون وشها،

مدت إيدها تسندني وقالت بخضّة:

– نور! إيه اللي حصلك يا بنتي؟


همست بصوت مبحوح:

– ممكن أشوف سارة؟


دخلتني بسرعة،

قعدتني على الكرسي وهي بتنده:

– سارة! سارة، تعالي بسرعة!


خرجت سارة من أوضتها،

ولما عينيها وقعت عليا شهقت بصوت عالي،

جريت نحوي وهي بتقول:

– يا نهار أبيض! نور، هو اللي عمل فيكي كدا؟


مقدرتش أرد…

دموعي هي اللي اتكلمت مكاني.


مامتها جابت قطن وشاش ومطهر،

وبصتلي بحرقة وهي بتقول:

– ده مين اللي يقدر يرفع إيده على بنته كده؟

ده مفيش قلب!


كنت سامعاها بس مش قادرة أرد،

كل اللي في دماغي وقتها إن الجرح الخارجي ممكن يتلملم،

لكن جوايا…

اللي اتكسر صعب يتصلح.


وسارة كانت بتنضف الجرح بإيدها اللي بترتعش،

وأنا ساكته…

مش حاسة بالوجع،

لأن اللي وجعني بجد مش الجرح…

اللي وجعني إني بقيت ضيفة على الأمان.


خلصت سارة تطهير الجرح وربطته ليّ،

وأنا ساكتة على الكرسي، حاسة إن قلبي بيتقطع من التعب والوجع.


فجأة الباب خبط،

ومامت سارة قالت بتنهيدة:

– ادخلي يا سارة وخدي نور معاكي… عقبال ما أشوف مين!


دخلنا جوا، أنا وسارة،

بصّتلي بهدوء وقالت:

– لحد إمتى يا نور؟


بصيت لفوق، بحاول دموعي متنزّلش، وقلت بغصة:

– مش عارفة… أنا تعبت.


قربت مني، كانت هتحضني،

لكن أول ما لمست ضهري اتوجعت،

اتفزعت عليا وقالت:

– انتي بخير؟


هزيت راسي بوجع وقلت:

– له.


ردت بشك:

– هو ضربك بالحزام؟


سكتت، ومتكلمتش،

وبعدين قالت وهي بتحاول متتعصبش:

– خليكي هنا لحد ما أجيب مرهم للكدمات.


قعدت سرحانة على السرير

وأنا مغمضة عيني شوية، بدأت أدندن بصوتي الحلو… أغنية المفروض تكون فرحة،

بس أنا بغنيها بكل الحزن اللي جوا قلبي… بكل التعب والخوف والوجع اللي مريت بيه.


الليل حواليا ساكت، بس كل كلمة كنت بغنيها كانت بتطلع كأنها بتلسع  جروحي.

كنت بغني كلمات الأغنية :


"بيقولولي إنّي شبهك، إنّي زيك…

حته منك، روحي روحك…

واخده عقلك ف المشاعر والكلام…

بنت أبوكي… يا سلام."


كانت الكلمات زي سهم بيرجع بي لكل ذكريات اللي حصل…

كنت نفسي أغني الأغنية من قلبي،

بس قلبي مكسور، وكل نغمة بتطلع كانت بتوجع أكتر.


عيوني كانت بتدمع، حطيت إيدي على وشي وبكيت بحرقة،

الدموع مش بس من الألم الجسدي، لكن من كل اللي أنا فيه.


فجأة، لقيت حد بيخبط على باب الأوضة.

ضحكت وانا بتنهد:

– ادخلي.


لكن المفاجأة كانت لما الباب اتفتح ولقيت يوسف واقف قدامي!


أول ما شافني، تنح شويه وكأنه اتفاجئ.

بعد لحظة، استوعب إني من غير حجابي…

فبسرعة حط راسه على الأرض، كأنه عايز يتجنب أي موقف محرج.


أنا اتوترت على طول، قلبي بدأ يدق بسرعة،

ودورت حواليّ على أي حاجة أقدر أعملها،

مسكت الطرحة وحطيتها بسرعة على راسي،

أحاول أرتّب نفسي وأحميه من الإحراج،

لكن التوتر كان واضح بينا كلنا.


يوسف رفع راسه شويّة،

بصلي بعينين فيها خجل وحرص وهو بيقول بهدوء:

ــ أنا آسف… جالي فضول أشوف مين اللي صوتها حلو كدا، مكنتش أعرف إنك هنا.


ردّيت وأنا بحاول أخفي توتري وارتباكي:

ــ حصل خير.


لسه الكلمه طالعه من بقي،

الباب اتفتح فجأه ودخلت ساره وهي ماسكه المرهم في إيدها.


قالت باستغراب:

ــ إيه دا؟ انت جيت امتى؟


يوسف رد وهو بيحاول يخفف الموقف:

ــ من حوالي عشر دقايق كده.


رجع يبصلي بنظره فيها قلق واستغراب،

وأنا حسّيت بدمي بيجري ف عروقي من التوتر.

نظره كانت بتسأل من غير ما يتكلم،


 وبصوته الهادي قال وهو بيشاور على راسي:

ــ إيه اللي حصل هنا؟


ردّيت بسرعة قبل حتى ما ساره تفتح بقها:

ــ خبطه بسيطة… اتخبطت بالغلط.


فضل ساكت ثواني، عينه بتفحصني كأنه مش مصدّق كلمة،

وبعدين بص لساره بنظره كأنه مستنى منها تأكيد.


ساره تنفست بعمق وقالت بصوت واطي:

ــ باباها.


شفت عينه وهي بتتبدل،

نظره غضب مكتوم ووجع ماعرفتش أواجهه.


قلبي كان بيترعش، 

وساره بسرعة قالت عشان تكسر الصمت:

ــ أنا كنت لسه هحطلها مرهم للكدمات مش هتاخد وقت.


يوسف حاول يهدّى نفسه وقال وهو بيبعد نظره عني:

ــ تمام… لما تخلصوا تعالوا لي بره 

وبصلي تاني بنظره خفيفة فيها خوف عليا: 

__عشان محتاج اتكلم معاكي ي نور


 وساب الأوضة وخرج

____________


يوسف


طلعت من الأوضة وقلبي مولع نار من الغضب.

إزاي يقدر يعمل كده فيها؟ ده مستحيل يبقى أب.

قعدت على الكنبة وراسي مليان أفكار: الضرب، الدم، وحزن عينيها ما بتطلعش من بالي.


مرات عمي جت ومعاها فنجان قهوة وحطته قدامي، وشها كله حسرة.

سألتها بهدوء: 

__نور بتجي لكم هنا كتير؟.


ردّت بصوت مكسور: 

__أيوه… بتيجي لما أبوها يزعل ويطردها. جايه ورأسها بينزف — اتخبطت في حاجة.


قبّضت إيدي جامد، وكان هاين على  أروح اجيبه من هدومه واهريه ضرب، بس ركّزت وفكّرت: لازم أتصرف بحكمة عشان ما أضيعش الأمان القليل اللي لسه باقيلها.


أخدت نفس عميق وقلت لنفسي بهدوء: 

__مش هسيبها… مهما حصل.


يتبععع



#الم_بدون_صوت 


البارت العاشر


يوسف


كنت قاعد على الكرسي اللي في الصالة، ماسك الكوباية والقهوة لسه سخنة ......

الدنيا كانت هادية… لحد ما الباب خبط خبطة قوية كأنها جايه من حد مش طبيعي.


بصيت لمرات عمي بقلق وقلت بهدوء:

– هفتح أنا.


قمت وأنا حاسس بحاجة مش مريحة ف صدري ......

فتحت… ولقيت راجل نحيف، وشه شاحب، تحت عينه سمار كأنه ما نامش بقاله أيام، والغضب مالي ملامحه.


قلت باستغراب:

– مين حضرتك؟.


لكن قبل ما أكمل كلمتي، زقني بعنف لورا ودخل بخطوات سريعة، وهو بيزعق بصوت غليظ:

– فين بنت الك**دي؟ أنا شفتها داخله من هنا!.


اتجمدت في مكاني لحظة، الصدمة شدتني.

الكلمات وقفت في حلقي، والدم بدأ يغلي في عروقي.

مين البنت اللي بيتكلم عنها؟ وليه الأسلوب ده؟


بص لي بنظره كلها اتهام وقال بسخرية جارحة:

– هي جايالك هنا بقى؟!.


نغزني كلامه، حسيت بقلبي بيولع من الغضب.

بس قبل ما أرد، كانت مرات عمي دخلت بخطوات سريعة وهي مرعوبة وبتقول:

– انت بتقول إيه؟! إزاي تتكلم كده عن بنتك؟! إنت جاي تفضحها ولا إيه؟!.


صوتها كان بيرتعش بين الغضب والوجع،

والراجل وشه زاد احمرار، وصوته بيعلى كل ثانية.


كنت واقف أتابع المشهد، والغضب بيغلي جوايا كبركان على وشك الانفجار.

هو ده الأب اللي المفروض يحمي؟ اللي المفروض يكون الأمان؟

ده حتى الحيوان بيراعي ولاده.


ما استحملتش أكتر.

خطوت ناحيته وأنا صوّتي بدأ يعلو من غير ما أحس:

– وطي صوتك، وإوعى تكرر الكلام ده تاني!.


بصلي باستغراب وعيونه فيها تحدي واضح،

قال بسخرية:

– وأنت مالك؟ دي بنتي وأنا حر فيها!


قربت منه خطوتين، المسافة بينا بقت نفس واحد.

عيناي مسابتش عينه،

كل خلية في جسمي كانت بتصرخ: حرام اللي بتعمله فيها!


قلتله وأنا ماسك نفسي بالعافية:

– حر؟ الحرية إنك تربيها مش تكسرها.

الرجولة مش في إنك ترفع صوتك، ولا في إنك تمد إيدك!.


صوته علي أكتر وقال:

– أنا بربيها بطريقتي، مالكش دعوة!.


في اللحظة دي، حسيت بدمي بيغلي حرفيًا،

مديت إيدي عليه وزقيته بعيد عني وأنا بقول بحدة:

– تربيها؟ ده اسمه تعذيب مش تربية!.


مرات عمي صرخت:

– كفاية يا يوسف!.


لكن أنا كنت فقدت السيطرة،

كل اللي كنت شايفه قدامي هو وش البنت دي، نور،

وهي عينيها مليانة خوف ودموع.


بصيت له وقلبي بيتخبط في صدري من الغضب:

– لو رجعت تمد إيدك عليها تاني… ساعتها أنا اللي هربيك.


سكت المكان كله للحظة،


فجأة خرجت نور و ساره من الأوضة على صوت الزعيق،

بصّيت في وشها ولقيت وشها مصدوم ويدها بترتعش من الخوف، وبصوت متقطع نطقت:

ـ بابا؟


هو اتقدّم ليها وعايز يمسك طرحتها وقال بنبرة خشنة:

ـ آه يا روحي أمّ...


ماقدرتش أسيبه يقرب لها. مسكته من إيده وضغطت عليها جامد وقلت بعنف:

ـ مش هسمحلك.


الغضب انتفخ في وشّه تاني وهو بيصيح:

ـ إنتِ مجنون ولا إيه؟ دي بنتي وأنا أبوها!


ردّيت عليه بغضب مكبوت:

ـ الأب مش كلمة، الأب أفعال. وإنت مفيش منك فعل يخلّي منك أب أصلاً.


ضحك بسخرية قاسية وقال:

ـ طول ما إسمي مكتوب في بطاقتها يبقى أنا أبوها، وليا الحق أربي بنتي بالطريقة اللي تعجبني.


نقل نظره لنور بتهديد واضح وهو بيشاور عليا:

ـ والواد اللي إنتِ ماشيه معاه دا لو مجاش واتقدم لك، اعرفي إنك إنتِ ولا بنتي، ولا أعرفك — وهدفنك بالحياه. و إنتِ عارفة إني أقدر أعملها.


نورت ردّت بصوت مرتعش:

ـ والله يا بابا، إنت فاهم غلط…


لسه كانت هتكمل لكن قاطعها بصوت حاد وانتهى الكلام:

ـ كفاية كدب وتبرير ملوش لازمه، أنا قلت اللي عندي.


خرج ورزع الباب وراه،

ماكنش شاغل بالي غير رد فعل نور.


بصيت لها ولقيتها قاعدة على الكرسي،

عيونها مليانة دموع، ووشها محمر من البكاء،

وإيدها بترتعش من الخوف والارتباك.


سارة قربت منها ووضعت إيديها على كتفها بحنان وقالت:

– اهدي… هنلاقي حل، صدقيني.


لكن نور كانت غارقة في بكائها، مش سامعة أي كلمة، دموعها نزلت بغزارة.


حاولت أقرب منها وأخفف عنها، وقلت بصوت هادي:

– متخافيش… مش هيعملك حاجة.


ردّت عليّ بصوت عالي ومتوهج:

– انت مش فاهم…  متعرفوش…  متعرفش ممكن يعمل أي … ولا يأذيني إزاي!..


كملت نور بصوت منخفض، مبحوح من البكاء:

– مش عارفة… مش عارفة أعمل إيه، كل حاجة وقعت فوق راسي.

مش هقدر أروح البيت تاني…

مين هيهتم بيه؟ مين هيأكله ويشربه؟

مفيش غيري كنت بعمل كده.


سارة انفجرت فيها بصوت عالي، والعبرة خانقاها:

– برضه بتفكّري فيه؟ برضه!

طب وانتي يا نور؟ عمرك فكرتي في نفسك؟

في وجعك؟ في جسمك اللي كله علامات وزرقة؟


نور بكت أكتر، ودموعها نازلة بحرقة، وقالت بين شهقاتها:

– أنا مش مهمّة… المهم هو… المهم بابا.


مرات عمي بصتلها بحزن عميق وقالت:

– لسه بتقولي عليه "بابا" يا نور؟

بعد كل اللي عمله فيكي؟ بعد ضربه وإهانته؟

برضه متمسكة بيه؟


نور ما ردتش…

سكتت، والكلام وقف في حلقها، كأن نفسها اتقطع من كتر اللي جواها.

الصمت كان تقيل، محدش قادر ينطق.


قطعت أنا الصمت وقلت بهدوء:

– يلا يا نور… هاخدك معايا.


سارة بصتلي باستغراب وقالت:

– تاخدها معاك فين؟


رديت وأنا بحاول أخلي صوتي ثابت:

– أنا مأجرلها شقة صغيرة قريب من هنا، تروح هناك وتستريح شوية.


مرات عمي قالت بسرعة، وهي باينة عليها القلق:

– سيبها يا ابني، خليها هنا… مالهاش لازمة تروح تقعد لوحدها.


بصيت لها بهدوء وقلت:

– لأ، مش هينفع.

أبوها عرف مكانها، وممكن ييجي في أي وقت…

ومحدش عارف ممكن يعمل فيها إيه.

الأامن إنها تبقى في مكان ميعرفش عنه حاجة.

هزت راسها باقتناع..


فقلت بصوت هادي:

– هاتي شنطتك يا نور، يلا.


كانت تايهة، عينيها شبه غايبة…

هزت راسها تاني ودخلت تجيب شنطتها.

ودّعت سارة ومرات عمي، وخرجت معايا.


فتحتلها باب العربية،

قعدت وهي باصة في الفراغ،

وأنا سايق كنت كل شوية ببص عليها من غير ما تحس.

كانت ملامحها ساكتة… متجمدة،

حتى التعب كان ظاهر في كل تفصيلة في وشها.

بعد شوية، غلبها النوم،

وهي نايمة دموعها ناشفة ع خدها.


لما وصلنا تحت البيت، ناديت عليها بهدوء:

– نور… اصحي، إحنا وصلنا.


بعد كذا نداء، فتحت عينيها بصعوبة،

كانت جعانة نوم بجد.

ابتسمت وقلت بلطف:

– فوقي… تقدري تكملي نوم فوق براحتك .


حاولت تبتسم وقالت بصوت واطي:

– شكراً.


هزّيت راسي بابتسامة صغيرة،

ونزلت فتحتلها باب العربية.

كنت ماشي جنبها فسألتني باستغراب:

– انت رايح فين؟


رديت بعفوية:

– شقتي.


بصّتلي بعدم فهم، فقلت وأنا بحاول أخفف الموقف:

– أنا مأجرلك شقة جمب شقتي، يعني لو احتجتي حاجة… أكون قريب منك.


ضحكت بخفة وقالت:

– بجد؟


ابتسمت وأنا بحك راسي بخجل:

– أيوه، عشان تبقي مطمنة.


ابتسمت ابتسامة دافية وطلعنا.

قبل ما أدخل شقتي قلت وأنا ببتسم:

– تصبحي على خير يا نور.


ردت وهي بتحاول تثبت ابتسامتها:

– وانت من أهل الخير.


دخلت شقتها، ودخلت أنا شقتي…

بس وأنا بقفل الباب، لقيت نفسي سامع صوت تنفسها في دماغي،

كأنها لسه هنا .... جنبي.

_________________


نور


دخلت الشقة،

كان إحساس غريب كل مرة بدخلها…

كأن المكان بيحضني.

فيها أمان، وهدوء، وريحة راحة أنا مفتقداها من سنين.


رميت الشنطة على الكرسي،

وقعدت على السرير،

شلت الطرحة وفردت ضهري بتنهيدة تعب.

حاولت أنام… لكن عينيّ مش راضية تقفل،

كل ما أغمضها، تتزاحم الصور في دماغي.


قعدت أتقلّب كتير،

لحد ما قررت أخرج البلكونة، يمكن الهوا يهديني شوية.


لبست الطرحة بسرعة، وفتحت الباب،

الهواء البارد لمس وشي بهدوء خفيف،

قعدت أبص للسما…

كانت صافية، وساكتة كأنها بتطبطب عليّا.


بعد كام دقيقة،

سمعت صوت باب بيتفتح جنبي،

بصّيت، لقيته — يوسف.

ماسك كتاب ف إيده، والتانية فيها كباية شاي سخنة،

وبصلي بابتسامة دافية وقال بنغمة هادية:

– الأنسة نور… شكلك مش جايلِك نوم.


ابتسمت بخفة وردّيت:

– تقريبًا كده.


ضحك وقال وهو بيرفع الكباية:

– طب أعملك شاي؟ ونرغي شويه بدل النوم دا.


هزّيت راسي بلُطف:

– لا شكراً، متتعبش نفسك.


هو ما سابنيش أرفض،

ضحك وقال بنفس الهدوء اللي بيطمن:

– دي كباية شاي بس، مش مأدبة… هروح أعملها.


وقبل ما يدخل، بصلي وهو بيقول بنبرة خفيفة:

– سكرك؟


ضحكت رغم تعبي وقلت:

– معلقتين.


ابتسم وقال:

– تمام… جاي حالاً.


يتبععع



#الم_بدون_صوت 


البارت الحداشر


نور


بعد دقائق،

رجع يوسف وإيده ماسكة كباية شاي،

قرب من البلكونة بابتسامة بسيطة،

مدّ إيده، وأنا مدّيت إيدي التانية من ناحية تانيه لحد ما أخدت الكباية منه.


الكباية كانت سخنة،

بس الإحساس أول ما لمستها كان فيه دفء غريب…

قعدت على الكرسي،

حضنت الكباية بين إيديا الاتنين كأني بحاول أدفّي قلبي مش بس صوابعي.


كان واقف قصادي، ساكت،

نظراته عليّا كلها تساؤل… كأنه مش عارف يبدأ منين.


قطعت الصمت وأنا ببصله:

– عارف… بابا قالي حاجة غريبة أوي النهارده.


رفع حاجبه باهتمام وسأل بهدوء:

– حاجة إيه؟


تنهدت، ونظري وقع ع الكوباية وأنا بقول بصوت واطي:

– قالي إني السبب في موت ماما.


يوسف رفع راسه بسرعة، ملامحه اتبدلت:

– السبب؟ ازاي يعني؟


هزّيت راسي بارتباك ودمعة خفيفة نزلت غصب عني:

– مش عارفة… حاولت أفهم منه، بس مقالش حاجة.


بصلي وقتها بنظرة كلها تفهم وحنية نادرة،

كملت بوجع:

– تفتكر فعلاً ممكن أكون السبب؟


رد بهدوء وثبات صوته مريح أوي:

– مفيش حاجة اسمها كده يا نور، في معاد بييجي وربنا بيرحم عباده…

وإنتِ مالكيش ذنب ف أي حاجة.


كلامه دخل قلبي،

بس الغصة لسه كانت محبوسة جواه.

رفعت عيني عليه من تاني وسألته بخفوت:

– تفتكر… الحل في اللي أنا فيه ده إيه؟


قال وهو بيقرب شويه:

– في إيه بالظبط؟


أخدت نفس خفيف، وشربت رشفة شاي قبل ما أتكلم،

وصوتي بدأ يتلخبط:

– يعني… ف كلام بابا…

وسكت لحظة، بعدين كملت بتوتر واضح:

– إنه قال إنك تتقدملي.


ابتسامة ظهرت على وشه، فيها خليط بين جدية وسخرية لطيفة:

– طيب، هعمل إيه بقى؟ أتقدملك وأمري لله!


بصيت له بصدمة، وعيني وسعت:

– إيه؟ لأ طبعًا!


ضحك بخفة، لكن نظرته بعدها بقت فيها حتة زعل:

– ليه بقى؟ بتحبي حد تاني ولا إيه؟


اتلخبطت أكتر وردّيت بسرعة:

– لا… بس انت مش مجبر تعمل كده،

أنا بس كنت بفكر نلاقي حل…

عشان لا أنا أتأذي ولا انت تتحط ف موقف محرج.


رد عليّا بنبرة فيها صدق ودفء:

– ومين قالك إنّي مجبر يا نور؟


اتجمدت في مكاني،

قلبي دق بسرعة غريبة،

ماعرفتش أرد.


هو حس بتوتري فكمّل بسرعة وبابتسامة خفيفة:

– قصدي يعني… إني حابب أساعدك، وده جزء من شغلي.


كنت عارفة إنه بيخبي ورا الكلام،

شغل إيه اللي يخليه يفكر يتجوزني بس عشان يحميني؟

في ألف طريقة تانية…

بس هو اختار الطريق اللي بيخليني محتارة أكتر.


بصيت له بعدم اقتناع،

فهو فهم وقال وهو بيحك في رقبته بإحراج بسيط:

– لو مش حابة طبعًا، عادي، أكيد هنلاقي حل تاني.


سكت لحظة،

بعدين قولت بهدوء:

– سيبني أفكر الأول… أشوف إيه الأفضل.


ابتسم، ابتسامة مطمّنة كالعادة، وقال:

– خدي راحتك يا نور.


دخلت السرير بعد ما خلص اليوم الطويل.

عيني كانت مفتوحه، بس عقلي مش سايبني أهدى.

كل كلمه قالها يوسف بتلف ف دماغي، كل نظره، كل ابتسامه، حتى طريقه كلامه الهادية.

مش عارفه أفكر بعقلي ولا بقلبي، يمكن الاتنين بيتخانقوا جوايا.

نفسى أنام وأنسى، بس التفكير كان أقوى.

بعد فتره، دموعي نزلت بهدوء وأنا ببص للسقف...

يمكن أول مره ف حياتي أحس إني مش لوحدي... بس برضه مش مطمنه.

غمضت عيني، وقلبي لسه بيخبط بنفس السرعه اللي بدأ بيها من أول ما قال:

"هتقدملك وأمري لله."


______________


ساره


قعدت أفكر في اللي حصل.

قلبي كان موجوع… مش على نور، لكن على يوسف.

بحبه من وأنا صغيرة، ومع إننا مكنّاش بنشوف بعض كتير، بس دا عمره ما منع قلبي إنه يحبه.

يوسف شخص ناضج، مسؤول، هادي وذكي، ووِسيم… أي واحدة مكاني كانت هتقع في حبه.


بس مكنتش عايزة اللي تقع ف حبه دي تكون صحبتي نور!

خصوصًا إني حاسة إن علاقتهم مش مجرد شغل يوسف بيأديه… حاسة إنه عنده مشاعر اتجاهها.


أنا كمان مشاعري واضحة… بس قعدت أحاول أكبتها.

فكرت كتير أعترف له بحبي… لكن مكنتش عايزة أرخص نفسي.

معرفش هو شايفني إزاي… يمكن مجرد بنت عمه، أو في مقام أخته…

بس قلبي عارف الحقيقة، ومش قادر أكذب على نفسي: أنا بحبه.


________________


يوسف 


تاني يوم صحيت بدري كعادتي، عندي شغل ومواعيد لازم أخلصها.

وأول حاجة جت في بالي كانت نور.

قولت أعدي عليها في طريقي، أوصلها الجامعة… أكيد عندها محاضرات، ومش هينفع تروح لوحدها.


وقفت قدام باب شقتها وخبطت.

عدّت دقيقة… مفيش صوت.

قلبي بدأ يدق أسرع، خبطت تاني بصوت أعلى… برضه مفيش رد.

طلعت نسخة المفتاح من جيبي — كنت واخدها احتياط من يوم ما سكنّاها — وفتحت الباب.


نديت:

__نــــور؟

انتي نايمه؟


لكن الرد كان silence…

هدوء غريب، خانق.


مشيت جوا الشقة، كل ركن فيها بارد وفاضي، كأنها مهجورة من سنين.

دخلت الأوضة، المطبخ، حتى الحمّام — مفيش أي أثر ليها.


طلعت الموبايل بسرعة واتصلت بيها،

رنّ كتير… مفيش رد.


قلبي بدأ يعلى جوّه صدري، كأن في حاجة بتخنقني.

فتحت على طول على "سارة".

أول ما ردت قولت بصوت متوتر:

__سارة… نور مش موجودة!.


ردت ببرود غريب وجملة كسرتني:

__تلاقيها رجعت لباباها… هي مبتستحملش تقعد لوحدها.


صرخت فيها وقلبي مولّع:

__انتي بتقولي كده ازاي؟ مش خايفه عليها؟!.


ردت ببرود أكتر، نفس النبرة اللي خلت الدم يغلي في عروقي:

__خايفه عليها؟ آه… بس حذرتها وهي اللي أصرت.

هخاف عليها أكتر من نفسها يعني؟.


قولت بغضب مكتوم:

__تمام يا سارة… اقفلي.


قفلت وأنا حاسس النار ماليه صدري.

الخوف والغضب اتجمعوا جوايا في لحظة واحدة.

خايف… ليكون حصلها حاجة.

ولا يكون هو… هو اللي عمل فيها حاجة؟


من غير ما أفكر، جريت على العربية وقلبي سابقني…

متجه ناحية بيتها.


الطريق كان طويل أكتر من العادة،

كل إشارة بتحمر قدامي كنت بحس إنها بتتحدى صبري.

إيدي ماسكة الدركسيون بقوة، ودماغي مليانة صور لنور…

صوتها، ضحكتها، خوفها وهي بتعيط امبارح،

والسؤال اللي كان بيخبط جوايا: هي راحت فين؟


وقفت قدام البيت، نزلت من العربية بسرعة،

دخلت الشارع اللي كنت عارفه كويس…

بس المرة دي، حسّيته مخيف، كئيب، كأن كل بيت فيه بيتخنق.


طلعت السلم بخطوات سريعة،

كل ما أقرب من الباب كان قلبي يدق أكتر.

ولما وصلت… الباب كان مفتوح شوية.

نَفَسِي اتحبس.


زقيت الباب بإيدي بهدوء ودخلت.

البيت ساكت… ساكت بشكل مريب.

الكنبة مقلوبة، وفي كوباية مكسورة على الأرض،

وفي ريحة حاجة شبه العِطر اللي كانت دايمًا بتحطه — ريحة هادية بس فيها وجع.


نديت وأنا صوتي بيرتعش:

"نور؟"


مفيش رد.

دخلت أكتر… كل حاجة مكانها بس في نفس الوقت مش طبيعية.

كأن في حاجة حصلت، ومفيش حد فضل يشهد عليها.


لحد ما عيني وقعت على باب الأوضة نص مفتوح.

زقيته بإيدي، وقلبي بيخبط في صدري كأنه هيكسر ضلوعي.

ولقيتها... مرمية على الأرض!


اتجمدت مكاني ثواني، الدنيا لفت حواليّا،

كل الأصوات اختفت، حتى نفسي اختفى.

رجعت له؟ طب ليه؟ كانت خايفة منه، إزاي تعمل كده؟


جريت عليها، قلبي كان هيوقف،

ركعت جنبها، ناديت اسمها وأنا برجف:

__نور! نور قومي!

بس مفيش أي رد، لا حركة، ولا صوت...


إيدي كانت بتتهز وأنا بحاول أفوّقها،

بس جسْمها بارد، وتعبان.

طرحتها كانت واقعة جمبها،

مددت إيدي بهدوء غطّيت شعرها،

مقدرتش أبص كتير... قلبي وجعني أكتر من المنظر.


شِلتها بإيديا، حاسس إنها خفيفة جدًا…

خفيفة كأنها فقدت كل طاقتها فالحياة.

خرجت بيها بسرعة، خطواتي متلخبطة،

دماغي فاضية إلا من كلمة واحدة بتتكرر:

تلحّقها… لازم تلحقها.


ركبت العربية، حطيتها على الكراسي اللي ورا،

سندت راسها على الكرسي، وشغلت الموتور وأنا برجف.

الشارع قدامي كان ضباب،

وكل دقيقة كانت محسوبة من عمرها.


اتجهت على المستشفى بأقصى سرعة،

وفي قلبي دعاء واحد:

يا رب، بس تكون بخير.


#الم_بدون_صوت 


البارت الاتناشر


دخلت المستشفى وأنا شايلها في حضني، صوتي كان بيهز المكان وأنا بصرخ:

– حد يلحقها بالله عليكم!


الناس جريت ناحيتي، والممرضات أخدوها بسرعة على السرير المتحرك.

كنت ماشي وراهم زي المجنون، كل ثانية بتعدي كنت حاسس إنها بتبعد أكتر.

قلبي بيخبط في صدري، وإيدي بتترعش وأنا مش عارف أعمل إيه.


الطبيبة وقفتني وقالت:

– استنى برا لو سمحت.

قولتلها بصوت مبحوح:

– دي كانت كويسة ... لقيتها مرمية ع الأرض!


دخلت وهي بتنده على طاقم التمريض، وأنا فضلت واقف قدام الباب،

عينيا على الزجاج الصغير، بشوفهم بيشبكوا ليها الأجهزة، بيقيسوا الضغط والسكر…

سمعت كلمة “غيبوبة سكر” وقلبي وقع.


رجعت خطوة لورا، حسيت إن الأرض بتتهز تحت رجلي.

غمضت عيني وحطيت إيدي على وشي،

مش مصدق اللي سمعته…

هي كان عندها سكر؟ ازاي؟ ليه ماقالتش؟

كانت بتخبي ده عني زي ما بتخبي وجعها كله.


بعد شوية خرجت الطبيبة،

جريت ناحيتها وسألتها بسرعة:

– طمنيني عليها؟


ردت بهدوء مهني:

– هي دخلت في غيبوبة سكر حادة، بس الحمد لله جينا في الوقت المناسب، حالتها مستقرة دلوقتي، بس محتاجين نتابعها الساعات الجاية.


ساعتها حسيت بنفَس بيرجعلي بعد ما كنت ناسي إزاي أتنفس.

قعدت على الكرسي اللي قدام الأوضة، وقلبي لسه بيرتعش.

ببص من الزجاج وبهمس لنفسي:

– كل ده وجع ساكته؟ حتى مرضها مخبياه عني؟


قعدت على الكرسي اللي قدام سريرها،

كل دقيقة بتعدّي كنت حاسس إنها ساعة.

ماكنش فارق معايا شغلي ولا الوقت اللي ضاع…

كل اللي في دماغي هو هي تفوق إمتى،

وصوت أنفاسي كان هو الوحيد اللي بيكسر سكون الأوضة.


بعد وقت طويل،

بدأت تتحرك بهدوء، تفتح عينيها،

قلبي ساعتها خبط جامد وأنا بقرب منها بسرعة:

– حمد لله على السلامة يا نور.


بصّت حواليها بارتباك، وصوتها كان متكسر:

– أنا فين؟ إيه اللي حصل؟


ردّيت وأنا بحاول أهدّيها:

– انتي في المستشفى… لقيتك مغمى عليكي في البيت،

بس متخافيش، انتي بخير دلوقتي.


اتنهدت وأنا مكمل بصوت مليان وجع:

– ليه يا نور؟ ليه عملتي في نفسك كده؟

رجعتي ليه البيت؟ كنتي عارفة ممكن يؤذيكي.


بصّتلي،

وعينيها اتغرقت دموع من غير ما تنزل،

الوجع كله كان واضح على وشها،

وإيديها بدأت ترتعش بخوف.


من غير ما أحس، مدّيت إيدي وطبطبت عليها بلُطف:

– خلاص، متقلقيش… كل حاجة عدّت.


لكنها تنحت كدا ، وبعد لحظة، شيلت إيدي بحرج ....


افتكرت كلام الممرضة، فقولت وأنا باخد نفس عميق:

– ليه ماقولتيش إن عندك سكر يا نور؟


بصّتلي بصدمة حقيقية:

– سكر؟! أنا معنديش سكر !


بصيتلها باستغراب:

– بس الممرضة قالت كده.


ردّت بملامح حيرة،

واضح إنها فعلاً أول مرة تسمع الكلمة دي عن نفسها،

فحاولت أهدّي الموقف وقلت بهدوء:

– خلاص، متفكريش في كده دلوقتي،

هنعمل التحاليل ونتأكد بنفسنا.


بعدها سكتت لحظة وقالت بخجل واضح:

– ممكن تتصل بسارة… تيجي؟


بصيتلها ثواني،

ولوهلة افتكرت صوت سارة البارد في مكالمتنا اللي فاتت،

بس برضه قررت أعمل اللي طلبته.


خرجت من الأوضة واتصلت.

ردّت بعد رنّتين:

– ألو؟


قولت بصوت متماسك:

– نور في المستشفى… تعالي.


سمعت شهقة خفيفة من الناحية التانية:

– مالها؟


ردّيت بسخرية خفيفة وأنا مش قادر أسيطر على غضبي:

– فارقالك أوي يا سارة؟


قالت بهدوء غريب:

– نور دي صحبتي وأختي، أكيد فرقالي.


سكت شوية، مش عارف أفهمها.

إزاي تبقى "أختها" وتسيبها تروح لباباها وهي عارفة اللي بيعمله فيها؟


قفلت الموبايل وأنا نفسي مشوشة،

ورجعت الأوضة ...


الممرضة خدت عينة من دمها علشان التحليل.

عدّى وقت حسّيته أطول من عمر.

لحد ما سارة دخلت، عيونها كانت مليانة قلق وخوف.

جريت على نور، حضنتها بقوة كأنها بتحاول تطمن نفسها قبلها.

قالت بصوت مرتعش: 

__انتي بخير؟..

نور بصّت لي لحظة، بعدين رجعت تبص لسارة وتهز راسها بمعنى "لا" بخفة.

ساعتها فهمت إنها محتاجة وقت معاها، من غير وجودي.

طلعت من الأوضة بهدوء، والباب ورايا اتقفل على صوت أنفاسهم الاتنين… تقيلة ومليانة خوف.

وقفت برّه، وإيدي متجمدة وأنا مستني التحليل.


__________


سارة:

كان قلبي مقبوض خوفًا عليها.

أنا مش وحشة… نور دي أقرب صاحبة ليا، بس الغيرة كانت بتاكل فيا لمجرد إن فكرة إنها ممكن تاخد مكان في قلب يوسف بتوجعني.

وده مش معناه إني بكرها أو بتمنى لها الأذى، بالعكس… يمكن بخاف عليها أكتر من نفسي.


استنيت شوية، لحد ما بدأت تحكي بصوت متقطع:

__بـ.. بابا… لما رجعت، لقيته نايم.

دخلت أوضتي، كنت فاكرة كالعادة مش هيهتم باني رجعت وهيسيبني اقعد عادي، بس المرة دي وشه كان مليان غضب.

قالي بصوت عالي: إيه اللي جابك؟

وبدأ يضربني… ضرب جامد، من غير ما يفكر أو يسمعني.

وبعد ما خلص، قال وهو بيبصلي بكره: اطلعي بره، ومترجعيش غير ومعاكي المحروس بتاعك… عشان تستري على نفسك.

سكتت لحظة، وبعدين كملت وهي بتشهق:

__وفجأة… الدنيا لفت بيا، وكل حاجة اسودّت… وقعت ومحستش بنفسي غير وانا هنا.


قلبي كان بيتقطع وأنا بسمعها.

كل كلمة كانت وجع، كانت خنجر بيغرز في قلبي وأنا مش قادرة أعمل حاجة.

حضنتها جامد، دموعي نزلت مع بكاها،

وحاولت أهديها، أطمنها، أقولها إنها بأمان دلوقتي…

بس كانت بتترعش،

خوفها مسيطر عليها،

زي طفلة لسه خارجة من كابوس طويل.

_______


يوسف


التحليل طلع…

وأول ما عرفت النتيجة، اتصدمت!

الطبيبة قالتلي بهدوء: “مستوى السكر عندها عالي جدًا، واضح إنها كانت في غيبوبة سكر.”


وقتها حسيت الدنيا وقفت لحظة.

نور؟ عندها سكر؟

إزاي ما كانتش عارفة؟ وإزاي محدش لاحظ؟

الأسئلة كانت بتخبط في دماغي وأنا مش لاقي إجابة.


حسيت بخنقة…

بنوته لسه ف العشرينات، يجيلها سكر؟

اللي زيها المفروض لسه بتبدأ حياتها، مش تعيش وسط تحاليل وأدوية!


فضلت واقف برا الأوضة كام دقيقة،

مش عارف أواجهها ولا أقولها إزاي،

بس في الآخر جمعت شجاعتي…

وفتحت الباب، دخلت بخطوات بطيئة.


كانت قاعدة ع السرير، وشها باهت،

وعينيها فيها مية ألف سؤال.

قربت منها بهدوء،

وقلت بصوت خافت وأنا بحاول أسيطر على نفسي:

__نور… التحليل طلع.


تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله  من هنا هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا






تعليقات

التنقل السريع
    close