القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

نوفيلا ترنيمة غرام كامله فقط مع البرنس محمد السبكي


البارت الأول 🌸🌸

بعد مرور ثلاث سنوات 
وضعت أخر شيء بالفرن ثم زفرت بارتياح أخيرًا انتهت من الطعام، يوم طويل و مرهق بالفعل استغرقته بالمطبخ لإعداد الطعام بمختلف الأنواع، وذلك بعدما قرر مالك تجمع العائلة لديهم اليوم للاحتفال بابنتهم ندى، بعدما أتمت ثلاث سنوات، تقدمت من غرفة الصغيرة وجدتها تلهو بألعابها وابتسامة سعيدة ترتسم فوق ثغرها الصغير لم تظهر تلك الابتسامة إلا عندما تخبرها والدتها بمجيء والدهاا..
_ ندى بتعملي إيه!.
تحدثت وهي تجلس بجانبها تمسك إحدى عرائسها، التفت الصغيرة بجانب وجهها لوالدتها وهي تقول بنبرة طفولية : بلعب.
ابتسمت ندى وربتت على شعر الصغيرة المشابه لشعرها في لونه وكثافته : نلعب مع بعض إيه رأيك، أنا خلصت الأكل والبيت وكل حاجة، وأنتي كنتي مؤدبة وسمعتي كلامي وقعدتي ساكتة..
تجاهلت الصغيرة حديثها وحاوطت رقبة والدتها قائلة بحماس : دادي فين؟!.
رمقتها ندى بغيظ لتقول : يعني بحايلك وبلعب معاكي وتقوليلي دادي فين، أنا نفسي معرفش فين...بنت ابوكى بصحيح..
عبست الصغيرة بوجهها، قلبها البريء، عيناها التي تشبه عيون والدها تشتاق إليه، تشتاق لدلاله وضحكه ومشاركته معها تفاصيلها البسيطة الطفولية، طال غيابه هذه المرة، لم تعلم مدة غيابه ، ولكن والدتها تحسب غيابه باليوم والساعة والثانية تقريبًا، هذه المرة بالفعل طال غيابه لثلاث أسابيع ما يقرب للشهر، اشتاقت له ولكل تفصيلة به، تنهدت باشتياق لسماع صوته وهو يناديها، ورؤية شفتاه وهو يتلفظ بحروف اسمها بتروي، خاصة عندما يلقبها بـ ناديا ذلك اللقب الذي يدغدغ قلبها....رغم ما حدث منه في بداية قصتهم، ولكن بنظرة واحدة فقط من عيناه، همسة واحدة من شفتاه يستطيع إخماد تلك الذكريات بداخلها..
استمعت لرنين هاتفها بالنغمة المخصصة له، انتفضت بسرعة واتجهت للخارج تبحث عنه، وجدته ملقى فوق طاولة المطبخ التقطته بسرعة وهتفت بـلهفة :الو..
_ عاوزه حاجة قبل ما أجاي..
قطبت ما بين حاجبيها لنبرته الرسمية في الحديث، فسألت بقلق : فيك حاجة يا مالك، بتكلمني ليه كده؟!.
_ احم، مفيش .
هتفت بضيق : هو إيه اللي مفيش، دي طريقة تكلمني بيها بعد ما بعدت عني تلات أسابيع...
قطع حديثها قائلًا : يبقى مفيش سلام.
نظرت للهاتف بصدمة عندما أغلق الاتصال دون أن تُكمل حديثها، زفرت بحنق لتقول وهي تضع الهاتف بعصيبة فوق  الطاولة : ماشي يا مالك اما تيجي بس .
...............
جلست بقرب ولدها ذو التسع أشهر، رمقته بضيق لتقول : سكت يا أستاذ أنس بطل زن يا زنان..
حول الصغير بصره نحوها وهو يعبث بلعبته التي أخيرًا استحوذت على انتباهه....جذبت هاتفها تقرأ محتوى الرسالة التي بعثها زوجها على أحد وسائل الاتصال الاجتماعي ما يسمى "واتس اب" رفعت حاجبيها وهي تكتب بسرعة وتقول بهمس : يعني إيه مش هاتعرف تيجي يا فارس!.
انتظرت ثوان، تحرك ساقيها بعنف تنتظر أجابته، ظهر أخيرًا رسالته ( معرفتش احجز طيران، تتعوض بقى، صوريلي أنس وحشني).
هتفت بغيظ وهي تنظر للهاتف : وحشك برص..
أغلقت الهاتف ووضعته بجانبها بضيق، شردت بتفكير في تهرب فارس من حضوره، قطع شرودها صراخ الصغير نظرت له بحنق : أنت ليه يا حبيبي زنان زي أبوك.
حملته برفق وبدأت في تحريكه يَمَنِيًّا ويسارًا لعله يصمت عن صراخه، ولكن لا فائدة فقالت بأرهاق : خلاص هاقوم اتنيل واعملك رضعة، يابني اسكت..
وضعته بمقعدة بحرص، ثم ذهبت صوب المطبخ تعد طعامه سريعًا... زفرت بارتياح وهي تحرك بسرعة تلك الزجاجة الصغيرة التي تحتوي على حليبه، خرجت من المطبخ قائلة : سكت ليه يا انس، جبتلك الرضعة أهو..
صرخة خرجت منها، انتفض قلبها برعب عندما وجدت زوجها المجنون يقف ويرفع أنس عاليًا والآخر تتسع عيناه بخوف لتلك الحركات المجنونة..
_ حرام عليك يا فارس أنت عاوز تموتني..
لم ينتهي من أفعاله المجنونة بالصغير بل زاد من سرعتها قائلًا : إيه رأيك في المفاجأة الجامدة دي.
اقتربت منه قائلة بعبوس : أوعى هات أنس مخضوض منك .
ارتفع صراخ الصغير مجددًا برعب، فقال فارس بغيظ : أبدًا يا كلب لازم تتربى بدام ما أنت فضحنا كده بعياطك ده.
أخذت منه الصغير بقوة قائلة بغضب : حرام عليك الواد هايموت من الخوف..
التوى فمه بتهكم ليقول : مش ده أنس اللي كل يوم مجنناني بيه في التليفون، الحقني يا فارس أنس مبقتش عارفة اعمل منه حاجة، تعال بقى شيل عني شوية..
احتضنت الصغير بقوة قائلة بضيق : مالكش دعوة بيه تاني، أنت أب أنت!!، دي طريقة تسلم على ابنك اللي بعدت عنه شهر يا مفتري، المفروض تاخده في حضنك، تقوم ترفعه عشر متر لفوق إيه عاوز تلزقه في السقف..
اقترب منها وهو يقوم برفع خصلاته المتمردة دائمًا فوق جبينه قائلًا بمكر : إيه ده يعني انتي بتكذبي عليا، وأنس ولد شطور وجميل، يعني انتي كنتي هاتموتي وارجع علشان بتحبيني وعاوزني أكون جنبك..
صاحبت جملته الأخيرة غمزة وقحة أرسلها لها، لم يتغير حتى بعدما أصبح أبًاًّ صفاته وحديثه لم يخلو أبدًا من وقاحته..زمت شفتاها بضيق قائلة بحنق : عمرك ما تغيرت، زي ما أنت، بس أنا تغيرت وبقيت هبلة ، أوع من وشي أنا وابني..
أوقفها بيده قائلًا بمكر : انتي رايحة فين، يمين الله م انتهى متحركة، ده انتي بقالك شهر بعيدة عني، هاتي أنوس حبيب بابا..
ابتعدت خطوة للخلف متشبثة أكثر بولدها قائلة بِتَحَدٍّ يحمل رفض قاطع : أنس مش هاتطلعه عند ندى فوق يا فارس كفاية فضايح، مالك جاي انهاردة لو شافه هايرميه على باب الشقة.
أرسل إليها ابتسامة سمجة قائلًا : يبقى يقدر يعمل كده، وبعدين ده الخال والد.
أخذ منها الصغير واتجه صوب باب الشقة، ذهبت خلفه تمنعه قائلة : متبعدش ابني عني، وبعدين مفيش حد بيستحمل ابن حد، وابنك زنان .
فتح باب الشقة والتقط منها الزجاجة قَائِلاً : أهو انتي قولتي ابنك زنان...سلام لغاية ما أرجعلك..
أرسل لها ابتسامة وقبلة في الهواء قبل أن يغلق الباب...دبدبت في الأرض بقدماها قائلة بغيظ وَتَحَدٍّ : ماشي يا فارس، على طول فضحني كده قدام مالك وندى طب والله لأضايقك...
اتجهت صوب غرفتهم بسرعة وأغلقت الباب خلفها بالمفتاح، جلست على حافة الفراش وهي تنظر للباب بِتَحَدٍّ..لا تعلم هي تتحدى من، قلبها أم هو، ذلك القلب اللعين الذي يتراقص فرحًا لرؤيته يجعلها في حالة لا توصف بكلمات قط، تلك المشاعر التي تتدفق بداخلها تجعل من خلايا قلبها عنفوان غريب يثور كحمم البركان داخله، فيصدر عنها أفعال هي تتعجب لها!!.
........
رغم شعورها بالغضب منه، إلا أنها لم تستطع الا أن تنهدم نفسها، وترتدي ثياب رائعة حتمًا ستخطف أنفاسه عندما تقع عيناه عليها، فكرت للحظات سيشعر بالفرح عندما يعرف بأمر قصها لشعرها أم سيحزن ويعاتبها، كثيرًا ما أخبرها بحبه له حتى هي شعرت بذلك من خلال يديه التي لا تفارق شعرها وحديثه ولمعة عيناه وهو يتغزل بها ، ولكن في الآونة الأخيرة شعرت أنها تريد التغير بشيء ما، ووقع اختيارها عليه، حركة مجنونة وقد تكون متهورة بالفعل ولكن منظرة هكذا وكثافته وهو قصير أعطاها منظر جذاب وجميل...نثرت عبقها المفضل له، ثم جذبت أحمر شفاها ترسمه ببراعة فوق شفتيها، صدح قرع جرس الباب جعدت جبينها للحظات وأدركت أنه ليس زوجها، مسحت شفتاها برقة ثم ارتدت إسدالها وتقدمت صوب الباب، وجدت الصغيرة ترفع نفسها وتحاول فتح الباب، اتجهت بسرعة منها قائلة  : نودي مش قلنا كده عيب..
هتفت الصغيرة بعبوس: ده دادي.
أبعدتها ندى عن طريقها قائلة وهي تفتح الباب : لا ده مش دادي...شوفتي أنس  وانكل فارس ..
اعطها فارس الصغير قائلًا : عمال يعيط عاوز ندى الصغيرة، وكمان يارا مصدعة .
احتضنته ندى بحنان قائلة بعتاب : ازيك يا انكل فارس وحشت نودي خالص ..
عض على شفتيه السفلى قائلًا بحرج : احم اسف، المعفن ده مخلنيش اسلم عليكوا...
تقدمت الصغيرة منه ورفعت يداها قائلة : وحشتني..
رفعها فارس وعانقها قائلًا : وانتي وحشتيني، ليه ياربي ميكنش عندي بنت قمر وهادية كده زيك، مش زي الاهبل ده..
ضحكت ندى قائلة : حرام عليك، والله أنس عسل اوي، وانا وندى بنحبه ولما بيقعد معانا مبيعيطش خالص...
حولت بصرها نحو الصغير قائلة : مش صح يا أنس..
ابتسم الصغير لها ومد يده نحو وجهها، فحركت ندى وجهها بيده تقبله قبلات صغيرة...انزل فارس الصغيرة قائلاً : بس انا اسيبكوا وهو هادي كده، والحق اطمن على يارا بقى، باي يا أنس يا حبيبي واقعد ساكت.
ودعه فارس، واغلقت ندى الباب قائلة : حبيبي يا أنس نورت..
وضعت الصغير بجانب ابنتها، ثم نزعت اسدالها فظهر شعرها وقصره شهقت الصغيرة برقة، وضعت يدها على شعر والدتها قائلة : شعرك مامي..
ابتسمت ندى بسعادة : ايه حلو، صح..
هزت الصغيرة رأسها بعبوس : لأ.
قابلت ندى عبوس ابنتها بعبوس أكبر قائلة : العبي مع أنس.
صدح رنين هاتفها اجابت على الفور بعدما طالعت اسم المتصل : خالتو ازيك.
_ ايه يا ندوش خلصتي.
هزت ندى رأسها وكأن خالتها امامها قائلة : آه متتأخروش بليل بقى وتعالوا بدري.
_ حاضر، مالك كان هنا بيسلم عليا، وزمانه في الطريق جايلكوا..
ابتسمت ندى بسعادة قائلة : تمام، سلميلي على تيتة وليلة وعمرو..
_ من عنيا، سلام..
اغلقت الاتصال وشردت بذهنها لما حدث منذ عامين في عيد ميلاد ابنتها الاول عندما فاجأهم خالها وقرر الاستقرار نهائيًا في مصر، لم تشعر بالراحة أبدًا في وجوده، ولم يفشل هو أبدًا في تعكير مزاجها وصفوها، دائمًا ما يضايقها بنظراته وحديثة المبطن، تحملت الكثير منه ، احيانًا تخبر مالك بما تشعر به واحيانًا تفضل الصمت، ولكن تلك الليلة التي استمعت بدون قصد حديثه مع جدتهااا..كانت بمثابة محور مهم لتتخذ اهم واجرأ قرار في حياتها...
( فلاش باااك).
_ أنا لغاية دلوقتي مش مصدقة نفسي، أخيرًا أنت هاتستقر معانا هنا، يا زين ما عملت يابني..
ابتسم أحمد ساخرًا : زين ما عملت إيه، أنا هاموت من جوايا بس غصب عني، مش قادر أكمل هناك لوحدي، تعودت على وجودك في حياتي..
هتفت والدته بهدوء : وان شاء الله تتعود على وجود ماجي وعيالها وندى في حياتك، العيلة سند حلو أوي، وأنت محتاجه في حياتك..
هتف بنبرة تحذيرية : بقولك إيه أتعود على ماجي وعيالها ماشي، بس دي أنا أصلا مش طايق نفسي وأنا قاعد هنا معها في مكان واحد، لولا أنك تعبتي وزن ماجي عليا أني اقعد، كنت مشيت من هنا أصلًا..
هتفت والدته بحزن : طب ليه يابني ده البت غلبانة وقلبها أبيض آوي وبتسامح أي حد، طب أنت شوفت بنتها دي البت الصغيرة بتحبك آوي..
حول بصره نحو الاتجاه الآخر خوفًا أن تفضحه عيناه ليقول : وأنا كمان بحب البنت الصغيرة جِدًّا بس بحبها علشان بنت مالك بس...
وضعت يديها على فمها تمنع خروج شهقاتها للعلن، انتقلت بسرعتها نحو غرفتها، دلفت وأطلقت العنان لنفسها، ظلت تبكي وتبكي فقط، إلى متى ستظل هكذا، بعدما كان يشعرها هذا المنزل بالراحة والأمان بدأت جدرانه تخنقها، بدأت تزهق روحها، انتفضت على فتح الباب، مسحت دموعها، ولكن رأها مالك فقال بقلق : إيه ده بتعيطي ليه!!.
وقفت امامة قائلة بنبرة مرتعشة : مفيش، أجبلك عشا..
احتضن وجهها بيده قائلًا : في إيه، بتعيطي ليه، حد ضايقك، هو مفيش غيره أنا نازل أتكلم معاه..
أوقفته قائلة برجاء : لو سمحت يا مالك مش عاوزه مشاكل، ولا عاوزه يكرهني أكتر من الأول.
هتف بنبرة غاضبة : ما يكرهك يا ندى، اعمله إيه يعني، أنا مش هاستحمل كل ما أدخل بيتي الاقيكي بالمنظر ده...
قاطعته برجاء أخر : لو سمحت اهدا، أنا هاكون كويسة..
زفر بحنق على خاله وما يفعله بحبيبته : طيب، بس توعديني أنك متعيطيش تاني ولا تتعبي نفسك كده.
‏لاحت بذهنها فكرة، ترددت كثيرًا عليها في الآونة الأخيرة، تشجعت وقالت :مالك نفسي اطلب منك طلب.
‏قبل ثغرها بحنان ليقول بنبرة هامسة : قولي اللي نفسك فيه .
‏_ عاوزه نروح شقتنا نقعد فيها، أنا وأنت وندى، طول ما هو هنا مش هايبطل يجرحني، عاوزه أبعد علشان أقدر أكمل حياتي، نظراته ليا بترجعني لحاجات أنا بحاول أنساها، عارفة أنك مش حابب تبعد عن مامتك وأخواتك، بس..
صمتت ولم تجد حديث يعبر عن ما بداخلها، عم الصمت المكان فرفعت بصرها ترمقه برجاء، اغلق عينيه بحزن ليس من طلبها ولكن لما وصلت له حبيبته تبدلت كانت كالوردة التي تزدهر في أوانها، ولكن تلك العاصفة المفاجئة اقتلعت روحها وجعلتها تذبل رويدًااا، فتح عيناه وهو يجذبها نحوه قائلًا بحنان : اعملي في حسابك هانروح شقتنا، أنا مش قلقان على أمي معها عمرو وليلة وجدتي وهي هاتفهم موقفي...المهم انتي عندي ترجعي ندى اللي الضحكة مبتفارقش وشك.
( بااااك )..
عادت من شرودها مبتسمة برضا وهي تتأمل ذاتها .. منذ أن استقرت هنا بدأت في لملمة شتات نفسها التي بعثرتها أشياء كثيرة، ولكن عشق مالك جعلها عادت كالوردة  التي تخطف أنظارك من الوهلة الاولى لجمالها ورونقها، جميل أن تبني كيانًا وحدك، وتضع أساسه فـتشعر بالنصر عندما ترى ملامحه بدأت في الظهور، ذلك المنزل هو كيانها وستحافظ علية بكل قوتها، خرجت تنهيدة بسيطة من صدرها تنم عن راحتها وشعورها بالرضا الذي بدأ يملؤها، انتبهت لصوت باب الشقة نهضت بسرعة وهي تبعثر خصلات شعرها حول وجهها لتبدو بمظهر مغري ويدها الأخرى تنهدم ثيابها، استمعت لصوت حذائه الذي كان يطرق بالأرض بخفة، فازدادت ضربات قلبها، وحدها تلك الابتسامة تعرف طريقها ترتسم  ببراعة فوق ثغرها، فـتعطيها هالة وجمال فوق جمالها البريء، تلك اللمعة احتلت عيناها مجددًا عندما وقع بصرها عليه يقف بهيئته التي مازالت تأسرها وتجعلها في حالة من العشق لا تنتهي، همسة باسمه  خرجت من شفتاها كالترنيمة لتعبر عن اشتياقها مع نطقها لكل حرف في اسمه في عشق وحب كبير، اسمه الذي حفر  بقلبها واستطاع هو حفره بكل براعة، فأصبح قلبها المسكين ملكًا لمالك واحد فقط، الا وهو مالك الحبيب والزوج والصديق وكل شيء، شعور جميل أن يستطيع الرجل أن يلخص معنى السعادة لدى زوجته فيه هو .. هو فقط وليس أحد غيره، كلما التفت تراه، كلما تغمض عيناها تراه، لا يهتم قلبها أو عقلها إلا به هو، هو العائلة والسند، هو الحب والمودة، هو كل شيء...
استفاقت من حالة الحب والهيام التي غرقت بها على لمسة يده لها وصوته الأجش الذي مازال يأسرها وكأنها لأول مرة تسمع: وحشتيني آوي..
خرجت نبرتها ضعيفة وهي تتأمل ملامح وجهه بهدوء : وأنت كمان يا مالك..
مد يده نحو شعرها يمسد عليه كعادته وابتسامته تتسع، ولكن سرعان ما تلاشت ابتسامته قائلًا بصدمة : إيه ده !.
تراجع خطوة واحدة للخلف واحتقن وجهه من فعلتها تلك، فازدادت نبرته قوة ليقول : بقول إيه ده!!..
_ قصيت شعري، أنت زعلان كده ليه!.
رفع أحد حاجبيه قائلًا بنبرة تهكمية : زعلان كده ليه؟!، أنتي بتستعبطي يا ندى أزاي تعملي كده، أزاي متسألنيش الأول..
قطبت ما بين حاجبيها لتقول باستهجان : أسألك الأول!!، ليه بقى ده شعري وأنا حرة فيه، إيه اللي أنت بتقوله ده.
ارتفعت نبرة صوته فقال بعصبية : بقول إيه وزفت إيه، ما أنا بتهبب بقولك أنا بحب شعرك وبحبه طويل كده، ليه تعملي حاجة زي دي، انتي عارفة ده معناه إيه، معناه أنك مش مهتمة بكلامي، ولا مهتمة أصلًا بحب فيكي إيه و إيه اللي مبحبوش، متشكر..
ألقى أشيائه بعصبية على الأريكة فانتفضت الصغيرة والصغير، ارتفع بكاء أنس تدريجِيًّا، فـعقد مالك حاجبيه قائلًا وهو يشير على الصغير : مين جاب أنس هنا..
تجاهلت حديثة ومنعت دموعها من الهبوط بأعجوبة، التفت بكبرياء أنثى قد جرحت كرامتها توا، ذهبت بخطوات مسرعة نحو غرفتهم، أغلقت الباب خلفها بقوة، جذبت ثياب أخرى ودلفت للمرحاض تُبدل ثيابها وهي تبكي بصمت، انتهت من ذلك اتجهت صوب الصنبور فتحته وألقت بالماء فوق صفحات وجهها، مسحت زينتها بالكامل، ثم عكصت شعرها وخرجت وكأن شيئا لم يكن وجدته يقف بمنتصف الغرفة يخلع سترته بضيق بالغ، تقابلت أعينهم للحظات، قاطعها مالك عندما ابتعد بنظراته نحو الاتجاه الآخر، خرج صوت ساخرًا منها ورمقته بغضب ثم خرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفها بقوة مرة أخرى، ارتفع صوته ليقول بنبرة حادة : ندى متتكررش تاني حركه الباب دي ..
ألقى بسترته بعنف ثم اتجه للمرحاض حتى يأخذ حمامًا ساخنًا ويخلد للنوم قليلًا قبل مجيء عائلته مقررًا خصامها حتى تعترف بأخطائها .....
...........
حرك المقبض بعصبية قائلًا: يابنتي الله يهديكي افتحي الزفت ده.
هتفت بعند قائلة : لا يا فارس، اطلع جيب ابني من فوق الاول.
زفر بحنق ليقول : انتي هبلة محسساني ان انا راميه في الشارع، ده في بيت خاله .
تحركت خلف الباب قائلة بعتاب : انت قلبك حجر ده المفروض تاخدني انا وابنك في حضنك لما جيت من السفر، ده انت غايب عننا بقالك شهر .
شدد على خصلات شعره القصيرة من غبائها فقال بنفاذ صبر : طيب افتحي واخد امه الاول في حضني، حضني ميسعش الا واحد بس، انتي وبعدين ابن الزنانة ده.
نهرته بضيق قائلة : متشتمنيش انا مش زنانة، انا طول عمري طفلة هادية ومحدش بيسعملي صوت.
هتف ساخرًا : على يدي، انتي هاتقوليلي، افتحي يلا .
هتفت بتحدِ : جيب أنس الاول...
صمت لبرهة ليقول باستسلام : طيب هاطلع ولما اجيبه متكلمنيش خالص.
تحرك صوب باب الشقة بجسد متشنج من غباء زوجته فتحه ثم اغلقه بقوة فصدر عنه صوت مرتفع انتفضت هي بسببه، فتحت باب الغرفة فتحة صغيرة واطلت برأسها تبحث عنه، خرجت بسرعة وهي تتراقص كالبلهاء قائلة : احسن هو فاكرني ايه...
ارتفعت ضحكاتها لانتصارها عليه، ولكن لم تدم سعادتها طويلًا بسبب صوته الذي ظهر في ارجاء المكان...اتسعت عيناها بصدمة والتفت لمصدر الصوت ...
_ فاكرك مراتي اللي وحشتني والبعيدة مبتفهمش.
جزت فوق أسنانها بضيق بعدما استفاقت من صدمتها لتقول : يا كداااب...
ركضت بأقصى سرعتها نحو الغرفة، فسبقها هو وجذبها بكل قوته، اصطدمت بصدره العريض، تلوت كالغزال بين يده، رافضة الخنوع له، ولكن ذلك الصياد الماهر لن يقبل الا بالتهام فريسته، وخاصة ان اشتاق قلبه لها، ومجددًا اندلعت نيران عشقه بصدره، يريد اطفائها بقبلة واحدة من شفتاها، ظلت تتلوى هكذا دون جدوى، حتى اشتد بقبضته عليها فهمس بأذنها : وحشتيني...
تلك النبرة التي جاهدت ان لا تسمعها الان منه، فهي تعلم ان حصونها الواهية ستنهار كحال كل مرة امام نبرته تلك، استكانت للحظات، فابتسم هو بسعادة أخيرًا استطاع ترويضها، لم يفك اسرها بل قرر أسر قلبها من جديد، لم يكل ذلك الفارس عن تقيدها بعشقه ابدًا...
_ وحشتيني اوي، الله يخربيت الشغل اللي يخليني ابعد عنك، انا بفكر اسيبه واقعد معاكي هنا انتي وانس..
تنهدت باشتياق له فقالت بحب : وانت كمان وحشتني يا فارس، كنت هـ زعل اوي لو كنت طولت عن كده..
أدارها نحوه فـتقابلت نظراتهم في حديث طويل، حديث لم يعرف مذاقه الا العاشقين، حديث حتمًا ستكون نهايته قبلات عديدة لا مثيل لها، ليس من الضروري ان نعرف مصدر تلك القبلات منه هو او هي، ولكن الاهم ان العاشقين استسلموا لتلك الهالة وغرقوا بها بمحض ارادتهم متناسين اي شيء قد يقطع حلاوة صفوتهم حتى وان كان ذلك أنس الباكي دومًا ...
........
تحرك في الفراش بغضب، حتى تلك الراحة التي يصرخ جسده للحصول عليها، صراخ وبكاء أنس ابن أخته يفسدها عليه، وضع الوسادة فوق رأسه، وسادتين!، لا فائدة انتفض بغضب وخرج من الغرفة باحثًا عنه فقال : ندى...
وجدها تقف بمنتصف الصالة تحرك الصغير بـ لطف وتحاول تهدئته، فقال بحدة : مبترديش عليا ليه!.
رمقته بضيق وأعطته ظهرها قائلة : مخاصمك.
رفع أحد حاجبيه ليقول بسخرية : والله !!.
هزت كتفيها بلامبالاة لحديثه، تحرك نحوها ووقف أمامها ثم جذب الصغير منها قائلًا : هاتي أوديه لامه....هو بيعيط عاوزها.
هتفت برفض : لا سيبه هي عندها صداع وتعبانة منه، أنا هاريحها شوية.
هتف بحدة : الواد بيقطع نفسه من العياط عاوز أمه.
زفرت بخفة حتى لا تستمع الصغيرة لحديثهم وجذبته من مرفقه جانبًا تحت نظراته المعترضة فقالت بهمس : فارس جابه وعاوزه يلعب مع ندى شوية، وهو كان مسافر بقاله شهر، سيبه يقعد معانا..
هتف بتهكم : وأنا قلقاسة، يعني أنا اللي مكنتش متنيل وغايب شهر بردوا..
هتفت بتعال : احنا متخاصمين...
ضغط على شفتيه السفلى بغيظ وهو ينظر لها، رمقته بعتاب، تجاهل نظراتها وجذب الصغير منها ليقول باستفزاز : معلش بقى أنا خال جاحد، يالا يا حبيبي على أبوك اللي معندوش ريحة الدم..
اتجه صوب باب الشقة فاعترضته الصغيرة وندى، توقف والتفت نحوهم قائلًا بحدة وصوت قوي : الله، اللي أقوله يتنفذ..
غادر الشقة، فبكت ندى وابنتها من غضبة الغير مبرر..
أما هو فهبط بسرعة الدرج ثم وصل أمام شقة صديقة وطرق الباب بعنف...انتفض فارس ويارا على أثره، جمع ثيابه بقلق وارتدى بسرعة أما هي فابتلعت ريقها بخوف قائلة : دي خبطه بوليس..
هتف بتهكم وهو يرتدي سترته : أكيد بوليس الآداب...
اتجه بسرعة نحو باب الشقة يفتحه بعجالة، وجد مالك يقف وملامح وجهه تحتد أكثر فـ أكثر...
_ إيه ده يا مالك، إيه خبطه المخبرين دي ياعم..
رمقه مالك بسخرية من رأسه إلى أخمص قدميه ليقول : ابنك خده ومطلعوش عندي تاني يا بارد...
التقطه فارس منه وهو يربت على ظهر الصغير قائلًا : معش يا روحي ، خالك عملك إيه، خالك المفتري..
انهى حديثة وهو ينظر لصديقة شزرًا عن فعلته تلك، هتف مالك بتهكم : كهربته من رجليه...
ضيق فارس عينيه ليقول : أنت خال أنت، ده حتى بيقولوا الخال والد..
ابتسم مالك بسماجة قائلًا : أكيد مش والد لابن الزنان ده..
_ إيه ده مالك تعال أتفضل معلش كنت مشغولة في المطبخ مسمعتش صوتك، وحشني آوي.
رفع فارس أحد حاجبيه عندما وجدها تقف بإسدال الصلاة وتمسك بيدها ملاعق المطبخ الكبيرة، هدأت نبرة مالك من حدتها فقال : عادي يا حبيبتي، الله يكون في عونك، شوفي أنس بقي بيعيط كتير..
جذبته من فارس وهي ترمقه بضيق بسبب إحراجها أمام أخيها، ودلفت للداخل، أما فارس فالتفت قائلًا : تدخل تاكل معانا، ولا تتفضل وتطلع فوق.
تحرك مالك نحو المصعد وفتح بابه قَائِلاً : لا هاطلع وأنت أبقى أعدل تيشترك، لابسه بالمقلوب..
نظر فارس لنفسه بصدمة ....استفاق على صوت يارا الذي ظهر فور صعود المصعد ...
_ ربنا يسامحك يا فارس فضحتني قدام اخويااا..
التفت لها وهو يغلق باب الشقة : دلوقتي فضحتني ومن دقيقة جوا بحبك يا فارس، ستات نكارة الرومانسية، وبعدين يا أزكي أخواتك طالعة والمعلقة نضيفة وبتبرق، طب حطي عليها أي حاجة..
دبدبت في الأرض بقدامها اعتراضًا على سخريته منها، فقالت بغيظ : متتريقش عليا لو سمحت.
حرك يده بلامبالاة واتجه صوب غرفته بضيق بالغ من صديقه وابنه وزوجته البلهاء..
..........
‏دلف لشقته يبحث عنهم، استمع لصوت بكائهم في غرفة الصغيرة فوقف ليقول بتهكم : الاتنين بيعيطوا والمفروض إن أنا أصالحهم.
‏دلف الغرفة وجدهم يجلسون يعانقون بعضهم، وكأنهم يواسوا بعضهم في عزاء مثلًا، اتجه نحوهم وجذب الصغيرة لأحضانه مقبلًا إياها : زعلانه من دادي ليه..
‏ارتعش صوتها قائلة : أنت زعقتي آوي...
‏_ زعقتي!!، مش عيب لما أبقى بابا، وراجل وظابط ويتقلي زعقتي دي، يابنتي اسمها زعقت..
‏ظهرت شهقاتها المتتالية، فرق قلبه لها : متزعليش مني، أنا كنت عاوز انزله علشان هو عاوز مامته، والعب معاكي أنا وأنتي براحتنااا.
‏مسحت دموعها برقه قائلة : خلاص أنا حلوة أهو.
‏طبع قبلة فوق جبينها قائلًا : أنتي قمر على طول ..
‏نهض من مكانه وهو يحمل الصغيرة وغادر الغرفة تحت نظرات ندى المصدومة لم يعير انتباه حتى لبكائها لهذه الدرجة هانت عليه، انفطر قلبها لمعاملته تلك، لأول مرة يقسى مالك عليها ، هل شعرها أغلى منها هي شخصِيًّا لم تجد له أي مبرر على انفعالاته تلك، غادر الحزن ملامحها وزار الغضب قسمات وجهها، قررت معاقبته، نظرت للباب بحقد وهي تردد بداخلها تتجاهلني وكأنك تريد معاقبتي، إذن لم تجرب مرارة عقاب الأنثى وخاصة عندما تتجاهل رفيقهااا .... 

دمتم سالمين 💜☕

البارت الثاني 🌸🌸

مالك يا ندى من وقت ما جينا وأنتي ساكتة ومبتتكلميش!.
التفتت نحو خالتها، وضعت الصحون فوق بعضهم قائلة بنبرة مقتضبة : مفيش.
هتفت ماجي بإصرار : لا فيه مالك بجد، هو مالك زعلك!.
هزت رأسها بإيجاب وهتفت بحزن قائلة : آه مزعلني، تتخيلي يا خالتو أقص شعري واعمله مفاجأة يزعلني ويرد بكلام وحش، وقال إيه أزاي أتجرأ واتهبب على عيني وأغير حاجة في شكلي، وأنا زي الهبلة بعمل ده كله علشان خاطره...
اقتربت خالتها منها وربتت فوق يدها قائلة بهدوء : لو التغيير ده مكنش يبقى ليكي أنتي يبقى مالوش لزمة ، متستنيش كلمة حلوة منه، المهم أنتي شافية نفسك إيه، وهو هايحب التغيير كده لما يلايقكي حباه يا حبيبتي..
مسحت عبرة ساخنة هبطت فوق صفحة وجهها لتقول : ماشي، بس بردوا الواحدة بتفرح أن جوزها يحب فيها أي حاجة حتى لو مش على هواه، فيها إيه لما كان قالي جميل عليكي وبعدين عاتبني براحة، لكن لا أزاي لازم يزعلني..
ابتسمت خالتها قائلة : الرجالة كلهم واحد، لو حاجة مش على هواهم يا الله على بوزهم...
دلف كالإعصار قائلًا بنبرة خشنة : ماما، جدتي عاوزكي بره..
هزت والدته رأسها بإيجاب وغادرت من المطبخ، وفور خروجها اندفع نحو زوجته يقول بغيظ وصرامة : أول مرة وأخر مرة تتكلميي مع حد في مشاكلنا حتى لو كانت أمي، مش بعد السنين دي كلها في الجواز هانخيب..
رمقته بضيق قائلة : مالكش دعوة، وبعدين عيب تصنت...
كادت أن تتخطاه وتغادر المطبخ، فامسكها من مرفقها، التصق ظهرها بصدره العريض، همس من بين أسنانه : براحتك، بس مسيرهم يمشو وبنتك تنام واعرف أخد حقي منك..
كانت تتراقص بداخلها فرحًا لحديثه ولكن أظهرت عكس ذلك لتقول : مين قالك إن أنا قاعدلك أنا هاروح عند خالتي أروق يومين واسيبك هنا لوحدك.
اشتد حصاره عليها ليقول بلهجة صارمة حادة : متتكررش تانى الجملة دي علشان مزعلش بجد، وبعدين عاملة نفسك مقموصة وأنتي اللي مفروض تصالحيني..
هتفت بعند قائلة : أنت المفروض تصالحني..
دلف فارس وابتسامة واسعة فوق محياه ليقول : أنا اللي هاصالحكوا على بعض..
عضت فوق شفتيها خجلًا، ثم فلتت من قبضة مالك القوية لتغادر المطبخ بوجه يحتقن بدماء الخجل من منظرها ذلك مع زوجها، أما مالك فاقترب من صديقه ليقول بتوبيخ : شايفك يعني بتتحرك في البيت من غير أي احترام.
اتسعت ابتسامة فارس ليقول بلهجة باردة : وأنا شايفك مش عامل أي احترام للضيوف اللي عندك..
أمسكه مالك بغيظ من ياقته قائلًا : أنت طالع تتبارد عليا علشان نزلتلك الزنان ابنك الصبح صح.
هز رأسه وابتسامة مستفزة ترتسم فوق ثغره، ابتعد مالك عنه قائلًا : عارف إيه أكبر عقاب ليك، أن أنس يفضل لازق فيك كده.
التقط فارس كوب المياه وتجرع منه القليل ثم قال بضيق : وربنا ما عارف عملت إيه في حياتي علشان ابني يبقى زنان كده، ده مبيفصلش عياط ٢٤ ساعة، أنا لفيت به على دكاترة مصر كلها، وكله يقول عادي بيبي بيعيط، والكلب لما بنروح يبقى هادي وعسل، أول ما نخرج من عند الدكتور يعيط، إيه ده يا أخي ده انا بفضل امشي بيه بليل زي الأهبل كده وألف وألف لما يبقى خلاص هايغمى عليا واقع وده مبيفصلش، الحمد لله خلاني اخد اهم قرار في حياتي..
ابتسم مالك قائلًا : مش هاتخلفوا تاني صح.
هز رأسه مؤكدًا : طبعًا مفيش تاني، الحمد لله كده رضا، بس أنا أعيش واشوفه طفل بريء كده وبيسكت زي بقية الأطفال...
ارتفعت ضحكات مالك ليقول : عارف الواد ده طالع لمين وربنا نسخة منه!.
رفع فارس وجهه قائلًا : مين؟!.
مالك بضحك: عمرو أخويا كان زيه كده، كان يقعد يعيط بالتلات ساعات وأحنا مش فاهمين ماله أصلاً.
هتف فارس باعتراض : يعني هايطلع نسخة من عمرو قليل الأدب وصايع كده..ربنا يطمنك.
ضغط مالك على شفتيه السفلى قائلًا : لا متقولش كده على أخويا، ده دكتور..
ابتسم فارس قائلًا بتهكم : أهو الدكتور دا عازم واحده اجنبية صاحبته جاية عيد ميلاد بنتك ويا عيني سايب مريم بتجيب بنزين وهاتولع فيه...
هتف مالك بصدمة : إيه ده عازم ريتا دي، لا إذا كان كده يالا نطلع نشوف الفيلم من الأول...
_ يالا أهو خلينا نشعللها شوية.
.........
_ بصي بقولك إيه وربنا لو ما بطلتي جنانك ده هاشيلك هيله هوبه وارميكي من فوق هنا...
اتسعت عيناها لوقاحته قائلة : أنت ليك عين تتكلم كمان ياخاين..
فرك وجهه بيده قائلًا بغيظ : أنتي هبله يا مريم، أنا خاين في إيه بالله عليكي قولي كده!!.
ابتسمت بتهكم وهتفت : وكمان بتسعبط ومتعرفش، حضرتك إيه معنى كل ما أكلمك وأنت في البعثة تقولي أصلي مع ريتا، اتنيل واسكت وأقول معلش يا مريم ده بيحبك ومتجوزك أنتي، وهايرجع وتعملوا فرحكوا لكن ريتا دي صديقته بس، مع أن مفيش صداقة بين الراجل والبنت وأنت قولتلي كده، لكن توصل أنك تنزل من البعثة وتجبها معاك هنا فـي مصر يبقى لأ يا عمرو بينكوا حاجة ..
جذبها من مرفقها بغيظ وأدخلها إلى الشرفة وهو يقول : على أساس إن مبحكلكيش كل حاجة بتحصل وأنا هناك، ده انا يا مؤمنة كنت بنام وأنتي معايا على التليفون، هو أنتي مش عارفة أنها ساعدتني كتير هناك وأنا لوحدي، ووقفت جنبي كتير، ولولاها كنت اتبهدلت وهي طلعت بنت جدعة وقفت جنبي هي و حبيبها، ومعرفك أنها بتحب واحد وهو كمان صديقي، وكان نازل معاها الرحلة دي، بس ظروف شغله اخرته، ونزلت هي، قوم ايه انا لما تنزل بلدي اسيبها ومقفش جنبها ولا اردلها الجميل...
هتفت بتهكم قائلة: وأنت سيد من يرد الجميل..
جز فوق أسنانه وهو يقترب منها، ابتعدت عدة خطوات للخلف قائلة بتحذير : متقربش، هاصوت..
صدح صوت والدها بقوة : تصوتي ليه يا مريم، عاوز يعملك إيه وأنا أسجنه.
التفت عمرو ليقول بغيظ : تسجيني علشان بقرب من مراتي!!.
صحح له شريف بضيق : لسة مبقتش مراتك، ده انتو حياله مكتوب كتابكوا..
وقفت بجانب والدها قائلة : هاصوت يا بابا علشان مضايق مني أني بعاتبة في ست ريتا صحابته...وقال إيه عزمها على عيد ميلاد ندى .
هتف والدها بابتسامة : مش قولتلك، القصة دي مش صداقة مصدقتنيش..
صفق عمرو ليقول : بس عرفت مين اللي مسخنك عليا، طلع الحج شريف، متشكر والله، بس أحب اقولك، بنتك دي أنا هاكمل وهاتجوزها، ومش هانوالك اللي في بالك..
استكمل حديثه ووجه لمريم : أما أنتي، أوصل لليفيل الوحش واتجوزك وأوعدك هاخونك بعدها..
غادر الشرفة وهو يضرب كفا فوق الآخر بتعجب، أما شريف احتضن مريم وربت فوق كتفيها قائلًا : يبقى يعملها وأنا أسجنه فعلًا .. متقلقيش لازم نوريه العين الحمرا..
.........
مشط شعرها بحنان ثم وضع تلك الفراشة الصغيرة ذات اللمعة البراقة بمنتصف شعرها، وفور انتهائه طبع قبله فوق جبينها مبتسمًا بحنان : خلاص خلصت، إيه رأيك..
التفت حول نفسها بحماس : شكرًا يا بابي..
جذبها عمار لأحضانه قائلًا : أحلى بابي بسمعها منك يا لولو..
دلفت خديجة وعلى وجهها علامات الغيظ من زوجها وإيلين لتقول : لو خلصت أنا عاوزه حد يقفلي السوستة بتاعت الدريس علشان البس الطرحة...
نهض عمار وهو يجاهد كتم ابتسامته قائلًا : إيلين اقعدي جنب سيف لغاية ما أساعد مامي..
ذهب خلفها واغلق الباب خلفهم، فـقالت بضيق بالغ : اقفلي البتاعة دي لو سمحت..
اقترب منها بخطوات بطيئة ثم رفع يده ولمس بشرتها الناعمة فسرت رجفة بجسدها تجاهلتها بقولها الحاد : عمار..
رفع أحد حاجبيه مستنكرًا نبرتها ليقول : نعم، في إيه، لو مبقتيش كويسة معايا مفيش عيد ميلاد بنت صاحبتك، وارجع في كلمتي في ثواني..
التفتت ترمقه بغضب : وتكسر قلب إيلين وسيف عاوزين يروحوا يفرحوا..
هز كتفيه بلامبالاة قائلًا ببرود : وإيه يعني، عيالي وأنا هاعرف أراضيهم كويس..
اقتربت منه بخطوات بطيئة واختصرت المسافة بينهم، مدت أصابعها نحو أزرار قميصه تعبث بهم وهي تقول بدلال ونبرة ماكرة حاولت إخفائها : طيب يرضيك تكسر بخاطري أنا..
حاوط  خصرها وشدد عليه  قائلًا  بمكر  مماثل : لا ازاي خاطرك ده كبير اوي عندي..
جعدت جبينها قائلة  بحنق : ولما خاطري  كبير ليه تهملني يا عمار ، ده كله علشان  شركتك دي .. انا فين  من حياتك، يومك متقسم بين شغلك وبليل تلعب مع إيلين وسيف وتنام...
قاطعها مصححًا : باخد مين قبل ما أنام في حضني علشان أفضل حاسس بوجودها في حياتي، بشوف مين قبل ما أغمض عيوني، أنتي طبعًا، خديجة أنا عارف أن مقصر بس غصب عني، أنا بقيت مسؤول عنك وعن ولادنا وكمان مامتك وأخواتك..
قاطعته بحرج قائلة : قولتلك أنزل اشتغل و اساعد في المصاريف، لو مصاريف أمي وأخواتي أنت مالكش تتحملهم.
تقلصت ملامحه بغضب وهو يقول : مش أنا اللي مراته تنزل تشتغل وتتهان علشان تساعد في مصاريف، أنا لو هانحت في الصخر بأيدي و أسناني ومنزلكيش تشتغلي، وبعدين يا هانم أنا قادر اصرف كويس، أنا بس بعرفك المسؤولية، وان بحارب علشان اعيشكوا في مستوى أحسن، وبموت نفسي في الشغل علشان أخذ صفقات كتير، وآخر حاجة خالتك دي أمي وأخواتك اخواتي الصغيرين، انا ماليش عيله وانتو عيلتي، بلاش كلامك ده يتكرر تاني.
ادراها بضيق ثم اغلق السحاب بعنف والتفت ليغادر الغرفة، وقفت هي أمام الباب تمنعه من الخروج قائلة بأسف : أسفه آوي، متزعلش مني، أنا قولت كده علشان عاوزك معايا أكبر وقت ممكن..أنا بقيت أغير من إيلين وسيف والشغل.
تنهد بضيق ليقول : على طول بتعصبيني بكلامك اللي مالوش لزمه ده..
زمت شفتاها بضيق مماثل لتقول وهي تقترب منه : أنا بصالحك على فكرة...
عانقته بغنج فابتسم بمكر : شكلك مش عاوزانا نحضر أي حفلة لصاحبتك دي..
ابتعدت عنه قائلة برجاء : لا يا عمار وحياتي كده تقول عليا إيه، كل مرة بتحجج بحجج شكل!.
ضحك بخفه قائلًا : وماله، الفستان يا ديجا محتاج يتظبط...
قاطعته بنبرة مرتفعه : لا، أبدًا مايحصلش..
جذبها لأحضانه : متأكدة، هايفوتك حاجات كتير..
ابتسمت بدلال يتخلله رجاء : وحياتي يا عمار، خلينا نروح ولما نرجع تشوف حكاية الفستان ايه..
اقترب منها يلثم ثغرها بحنو، يطبع فوقه قبلات ناعمة هادئة لعلها ترجع عن قرارها، ولكن حتى ان تراجعت هي تحت سطوة عشقه، هناك شخصان يرفضان ذلك بشدة ، خرج صوتهم الطفولي المعترض من خلف الباب..
إيلين بضيق طفولية : بابا ماما، يالا بقى.
سيف : مماماا..
ابتعد  يهمس بحب : يالا لو قولتلهم مفيش  مرواح هايجننوني عياط ونكد.
..........
_ خدي يا تيته ارقيه كده، يمكن ربنا يهديه..
تناولت الجدة أنس ومسدت فوق شعره وظهره بحنان، تمتمت ببعض الآيات القرآنية، استكان الصغير بين يديها فقال فارس بهمس : يارا الواد ده ملبوس..
لكزته في مرفقه : بس بقى، ملبوس إيه، أي طفل صغير يسمع القرآن والآدان يقعد ساكت..
ضحك بخفه قائلًا : بقيتي مامي آوي في نفسك.
ابتسمت بمكر وهمست بطريقة تمثيلية حتى تقوم بإغاظته : عارف أنا قررت أجيب بيبي كمان، الحوار طلع لطيف وظريف..
اتسعت عيناه رعبًا : أبدًا وربنا، أنا كده فلة بأنس حبيب بابا، الواد خلاني أكره الخلفة، بس يا حبيبتي قرار مرفوض أصلًا .
التفتت لتجادله، فقال غامزًا : لينا بيت نتناقش تحت وبعدين يا بيبي النقاش مينفعش قدام حد، أي نقاش بين أي زوجين لازم يكونوا لوحدهم..
هتفت بغيظ : ويا ترى ليه يا فارس، تحب اقولك ليه، علشان بتنفذ أفعالك الدنيئة ومبتخلنيش أكمل..
حرك حاجبيه بسرعة ليقول وهو يقصد أغاظتها أكثر: وأنتي الشهادة لله ما بتصدقي أصلًا.
ودت أن تقتلع رأس ذلك المستفز دومًا بحديثه ذلك وإجابته التي تشعل فتيل الغضب لديها، التفتت على صوت جدتها : يارا خدي أنس نام أهو..اقريله قرأن على طول وربنا يهديه إن شاء الله .
أخذت منها أنس ثم وضعته برفق بين يد والده تحت صدمة فارس وهو يقول : لا بلاش، ده عيل ابن ***، وممكن يعمل عليا بيبي يبهدلني..
_ آمال أنت بابا ببلاش، وبعدين عادي البيت تحت أبقى أنزل غير، أنا لازم أساعد ندى.
تركته وغادرت أما فارس فكتم غيظه وضيقه، متسمرًا  مكانه حتى لا يقلق حضرة النائم، جلس عمرو بجانبه ومسد فوق شعر الصغير الكثيف : يا بختك يا أنس نايم كده ومش شايل هم الدنيا، ودماغك فاضية..
ظهرت ضحكته التهكمية : نق يا أخويا، خلية يصحا يفتح ويعيط وربنا ما نعرف نحتفل منه ولا نقفله....
_ طب والله انتوا ظالمين أنس حبيب خاله ...أنا وهو بنحب بعض آوي.
هتف فارس مؤكدًا وهو يهز رأسه بموافقة : صح يا عمرو هما الزنانين والمفترين يحسوا ببعض كده..
رفع عمرو أصبعه قائلًا برفض قاطع : لا هو زي في الحلاوة، في الفرفشة،  لكن النكد هو طالع لمالك أخويا..
ضربه مالك بقوة أسفل رأسه فقال عمرو بصياح : أي، قفايا ورم يا مالك..
_ قوم ياض ساعدني في ترتيب السفرة، مش أنا نكدي، أنا بقي هاكدرك انهارده..
راقبت ضحك أخواتها بأعين شاردة في اتخاذ أهم قرار في حياتها، منذ أن أتمت مرحلتها الثانوية ونجحت بتقدير عال والتحقت بكلية طب أسنان، كما كانت تتمنى، تغيرت قليلًا منذ أن نضجت ونضج تفكيرها، يومًا بعد الآخر تكتسب خبرة جديدة وحكمة تجعلها أكثر نضوجًا، لم تعرف سبب رفضها لمازن، رغم أنها مازالت تشعر اتجاهه بالحب، ولكن شيء ما يجعلها ترفض تحت بند استكمال دراستها، لم تحاول الحديث معه،  تقطع كل الطرق عليه، تعجبت عائلتها من رفضها ولكن مالك دومًا يعطيها حرية القرار وساعدها في ذلك بعض صديقاتها وشجعوها على قرارها ذلك وحثوها استكمال دراستها والعمل بشهادتها فالزواج من وجهة نظرهم يمثل عائقًا كبيرًا أمام أحلامهم اقتنعت بسهولة بحديثهم وقررت التأجيل في أمر خطبتها من مازن..تحت اعتراض والدتها..
استفاقت على لكزات ماجي لها : إيه سرحانة في إيه يا دكتورة..
هزت كتفيها بلامبالاة قائلة : مفيش عادي.
زمت ماجي شفتاها بضيق : مازن كلمني، وقالي اشوف اخرتك ايه، انا شايفة انه ابن اصول وطلع راجل وبيحبك، واستحمل علشانك كتير، واستناكي ايه سبب رفضك ومتقوليلش حكاية الدراسه وابني كيان ومستقبل..
قاطعتها ليله قائلة : اه يا ماما فعلا عاوزة ابني كيان ليا، ايه الغريب في كده!.
_ اقولك انا ايه الغريب، انك مذبذبة وملمومة على شوية بنات معقدة، وتستاهلي بقى لما يطير منك ويتجوز ويستقر، فين هتلاقي حد بيحبك كده، ومستعد يعمل اي حاجة علشانك..انا اتجوزت ابوكي وانا اخر سنة في الكلية وخلفت مالك وربتكوا ونزلت اشتغلت شوية وبعدها قررت اقعد واكمل حياتي معاكوا، قررت ابني كيان بجد، حتى بعد ما ابوكي مات فضلت مكملة واديني اهو بجني البذرة اللي زرعتها فيكوا، وبشوف الاساس اللي عملته بقى كيان واسرة كبيرة وفخورة بيكواا، ابعدي عن البنات دي، سها صاحبتك قالتلي عليهم..
نهضت ليله بضيق : ماما لو سمحتي انا مش صغيرة علشان تسألي من ورايا اصحابي، ولا انا صغيرة علشان متحترميش قراري..
نهضت والدتها وهتفت بنبرة خافتة تحمل التحدِ : ماشي يا ليله براحتك اولعي، وانا هابلغ مازن قرارك، وهو يشوفله واحدة بنت حلال تستاهله..
هزت كتفيها بلامبالاة ظاهرية رغم الغضب الذي بدأ في التوهج بداخلها : براحته حضرته...
وصل عمار وخديجة واجتمعت العائلة بأكملها حول المائدة، فقاطعهم صوت ندى وهي تقول : انكل شريف امال فين طنط سوزان..
رفع شريف رأسه ليقول : والله ما عارف يا ندى المفروض قايللي انها جاية.
مال فارس على مالك ليقول بنبرة خافتة : مين طنط سوزان دي!!، دي تبقى بنت خالته صح ؟
هز مالك رأسه : اه واخته في الرضاعة علشان انا عارف دماغك بتحدف فين..
مط فارس شفتيه قائلًا : آه ياعني مش هانوفق راسين في الحلال..
ضحك عمار قائلًا : بقى اسمه فارس الخطبة ..
ضيق فارس عيناه قائلًا : انت رامي ودانك معانا!!.
ابتسم عمار باستفزاز : لا حضرتك انا قاعد في النص ما بينكوا، غصب عني لازم اسمع..وبعدين انا جوعت خديجة مجوعاني من الصبح.
اغلق مالك الهاتف ليقول : طيب اصبروا ثواني كدة بس.
زفر فارس بضيق : مين تاني فاضل ما كلنا موجودين..
اقتربت ندى قائلة : مالك ايه ده كله الضيف بتاعك مجاش..
...........
دلفت للمصعد وقبل أن تضغط فوق رقم الطابق، سابقها ودلف رجل في العقد الخامس، رفعت رأسها تسأله بهدوء : حضرتك طالع نفس الدور ولا أغير..
رد بهدوء : لا نفس الدور..
هزت رأسها، انطلق المصعد فور الطابق المنشود، لاحظت تشنج جسد الرجل وملامح وجهه المقتضبة، فكرت للحظات أنه مقبل على جريمة قتل أو شجار مع أحدهم، انتبهت على وصول المصعد خرجت وهو خلفها، قرأت اللوحة المعدنية الموضوعة بجانب الباب ( مالك الفيومي)..
تنهدت بارتياح وتقدمت صوب الشقة لاحظت تقدم الرجل خلفها، التفتت نحوه تستفهم : حضرتك داخل نفس الشقة..
رد بضيق : آه دي تبقى شقة ابن أختي، أنا أبقى خال مالك..وحضرتك..
قابلت ضيقه غير المبرر من وجهه نظرها بابتسامة وهتفت : أنا أخت شريف صديق عائلة مالك، هي لفة طويلة كده..
هز رأسه متفهمًا : آه مدام سوزان، سمعت عنك من ماجي، تفضلي..
لاحظت لين ملامحه ، فحركت رأسها بإيماءة وتراجعت خلفة : رن أنت الجرس بقى ، أنت أقرب ليهم مني..
شرد للحظات في جملتها، توقف عندها مفكرًا هل هو أقرب إليهم بالفعل، أم انتقامه وغضبه وكره منها جعله يبتعد عنهم، ويبتعد عن دوره الأساسي نحوهم...دقائق معدودة وفتحت ندى الباب وعلى وجهها ابتسامة عريضة تلاشت تدريجِيًّا فور رؤية خالها، رمقها بنظرات غير مفهومة ، نظرات وحده هو من يفهمها، توقف العالم حوله لثوان، حاول فيهم جاهدًا نطق ما حاول مالك تدريبه عليه، بعدما أخيرًا قرر التخلي عن عناده والاستماع لأحد، أقنعه مالك من جميع الجهات واستطاع اللعب على أوتاره، أفسحت ندى له المجال فدلف هو للداخل بجسد متشنج هاتفًا بنبرة رغم خفوتها إلا أنها اخترقت أذنها وجعلتها في حالة غير عادية من الاندهاش..( أزيك)..كلمة ليست الا كلمة ولكن كانت تحمل العديد والعديد من المشاعر، وحدها هي من تستطيع تفسيرها وتفسير مشاعره المضطربة ، استفاقت بعدها عندما وجدت سوزان تحتضنها : وحشتيني يا ندوش..
قابلت عناق سوزان بأخر مضطرب، رحبت بها بلهجه مهزوزة وقبل ان تدلف خلفها اوقفها مالك ضاغطًا فوق يدها بحنان : انتي كويسة، زعلتي اني عزمته..
هتفت غير مصدقة : قالي ازيك...
رفع احد حاجبيه مستنكرًا رد فعل خاله البسيط، رغم انه دربه كثيرًا على هذا اللقاء واخبره ان يعانقها و يغدقها بكلماته الحنونة ، ولكن خاله خالف توقعاته، استفاق على سؤالها : هو انت عزمته!، وهو وافق على طول..
هز مالك رأسه : اه، يعني قولت اعزمه عادي واهو جه.
ابتسمت بسعادة : مش مصدقة .!..
وفي نفس الثانية تلاشت ابتسامتها : اه بس هو تلاقيه جاي علشان خاطرك، وكمان تلاقيه قالي ازيك علشان طنط سوزان كانت وراه ..يالا ندخل ليهم عيب نسيبهم لوحدهم ...

دمتم سالمين 💜☕
التفاعل سيء جدا جدا 
شو رأيكم بالجزء الثاني + لو لقيت تفاعل هنزل كمان بارت الليلة

البارت الثالث 🌸🌸

مر يومان على عيد ميلاد الصغيرة، ومازال مالك يبتعد عنها ومعاملته الجافة تزداد شيئًا فشيئًا، تتذمر أحيانًا، وأحيانًا تتجاهله، ولكن في هذه الساعة بدأت تتوتر وتزداد عصبيتها وخاصةً بعدما علمت من خديجة بأمر الرحلة التي يخطط لها زوجها، قضمت أظافرها بغيظ وهي تقول : والله عال وصلت أن آخر واحدة اعرف..لا أنا مش هاعديهاله..
فتحت باب غرفتهم بعصبية وخرجت تبحث عنه، وجدته يجلس بأريحية ويتابع شيئًا ما على جواله وابتسامة عريضة ترتسم فوق ثغرة، تقدمت بخطواتها السريعة ثم وقفت أمامه وهي تميل بنصف جسدها العلوي نحوه تحاول رؤية ما الذي يضحكه لهذه الدرجة، رفع بصره لها باستغراب شديد وخاصه عندما مالت عليه بهذه الطريقة، مدت يديها تشير له بإصبعها قائلة بنبرة تحمل الشك : إيه ده يا مالك، بتضحك لمين، وليه؟!.
قرر أغاظتها أكثر فقال بلامبالاة وهو يغلق هاتفه : وأنتي مالك..
اتسعت عيناها قائلة بصدمة : يعني أية وأنا مالي بقى !!.
زفرت بقوة ثم نطقت أشياء غريبة بصوت خافت بعدما انتهت رفعت رأسها بطريقة غريبة ثم قالت بنبرة تحمل التعالي والكبرياء : مالك لو سمحت صالحني، وأنا هاسامحك.
هتف بتهكم : أصالحك!!، أنتي اللي تصالحيني، بقى أنا أجاي يوم عيد ميلاد ندى بليل وأحاول أكلمك، تقوليلي تعبانه وعاوزه تنامي..
هزت رأسها بعصبية وفجأة تحولت نبرتها بحدتها لنبرة باكية : أيوة كان لازم اعمل كده، لأننا لو كنا تكلمنا كنا هنتخانق أكتر فقررت نعدي اليوم..
اعتدل مالك في جلسته وتحدث بعتاب : أنا مكنتش هاكلمك في حكاية شعرك، أنا كنت هاسألك ليه كنتي تايهة وخالي موجود، كنت عاوز اعرف زعلتي لما عزمته ؟ كنت عاوز اخرج اللي جواكي، بس أنتي حكمتي قبل ما أتكلم.
شعرت بالحنق من نفسها، فتحول وجهها للون الأحمر من شدة إحراجها، رمشت بعيونها عدة مرات، وحاولت إيجاد كلمات تهرب بها من موقفها ذلك، نظراته تشعرها بالخزي من نفسها، سعلت بخفة وهي تحشر نفسها في تلك المسافة الصغيرة بجانبه لتقول بتلعثم : أنا يعني كنت زعلانه منك، أزاي متقوليش شعرك يجنن عليكي يا ندى..، أزاي تحبطني!.
التفت بوجهه نحوها ثم قال متعجبًا : أحبطك، ندى كل الحكاية إن أنا زعلت كان لازم تشاوريني الأول، لأن الحاجة اللي أنتي قصيتها دي أنا بحبها جِدًّا.
نظرت له باكية وهتفت بنبرة مهزوزة : يعني أنا وحشة كده.
لم يستطع تحمل نبرتها تلك، فجذبها لأحضانه مُرَبتًا فوق ظهرها بحنان : لا أنتي حلوة أصلًا في إي شكل واي تغيير، بس أنا كنت بحبه يا ندى ، لو سمحت متعمليهاش تأني..
مسحت دموعها بِمَنْدِيل قائلة بعصبية خفيفة : أزاي ترتب أننا نروح كلنا إسكندرية وأنا معرفش، وأعرف من خديجة .
نظر لها متعجبًا من سرعة أخبار خديجة بمخططه ثم قال : سريعة آوي خديجة دي!.
هزت كتفيها بدلال قائلة : على الأقل مبتخبيش زي ناس وحشة.
قطبت ما بين حاجبيها في آخر حديثها دليلًا منها على استيائها لما فعله دون الرجوع إليها، تجاهل انفعالاتها وقرر التحدث فيما يهمه ويشغل عقلة منذ يومين، فسألها مستفهمًا باهتمام : قوليلي في إيه مالك، من وقت ما خالي كان هنا...
قاطعته بحديثها الجاد وملامح وجهها تغيرت بسرعة البرق : طبيعي يا مالك أتوتر، وأبقى مش فاهمة حاجة، بس اللي متأكدة منه أنه عمره ما يأذيني!.
رمقها بتعجب أكبر قائلًا : وإيه اللي يخليكي متأكدة من كده، وبعدين واحدة غيرك تخاف خصوصًا معاملته ليكي في عيد ميلاد بنتك مكنتش لطيفة.
ابتسمت بعذوبة قائلة : هو لو كان عاوز يأذيني كان أذاني بس هو معملش كده، هو كل اللي في ايدة يحاول يوصلي أنه يكرهني بكل الطرق بس قلبه ميوصلش أنه يأذيني...
قاطعها مالك بضيق ليقول بنبرة خشنة : وأصلًا مين هايسمحله أنه يأذيكي..
ابتسمت بحنان ثم اقتربت منه وحاوطت وجهه بيديها الصغيرتين مثلما تفعل ابنتها : كانو بيخبوني عنكم، خافيين تأخذوني، ميعرفوش أن الأمان والحنان ملقتهمش إلا منكو، حرموني من أيام وليالي حلوة كنت هاعيشها وسطكوااا..
قاطعها مُتَّهِكم : ليه في واو الجماعة، المفروض الحنان والحب والأمان يبقى فيا أنا بس.
حركت يديها أمام وجهها تحاول إيجاد الهواء الذي انقطع عنها بسبب كلماته العذبة وحلاوتها التي أذابت قلبها وكيانها بالكامل رغم سخريته في الحديث  : ياربي هايغمى عليا من كلامه..
ارتفعت ضحكاته عاليًا لحركتها وحديثها، فـغمز لها بطرف عيني : طب إيه يالا أغمي عليكي علشان افوقك ...
رمشت عدة مرات تحاول إيجاد حديث لمجاراته ولكن كل مرة يسكتها بكلامه غير المقبول  من وجهة نظرها لوقاحته، ورغم مرور أعوام على زواجهم، وجدت الحل الأمثل وكالعادة الأفضل للهرب منه، أن تلقي عليه بحديثها الذي يحفظه مالك ظهرًا عن قلب : أنا هاقوم أشوف ندى...
وينتهي الأمر بها بين يديه تنعم بدفئه ودفئ قبلاته الحنونة، وعذوبة كلماته التي تدغدغ قلبها المسكين، فيصبح ذلك القلب مقيدًا وللأبد بعشق أبدي، وكأن ذلك العشق تميمة صعبة الكسر، لا يقدر أحد منهما الهرب منها، وسيظل قلبهما رهن عشق أسطوري لا مثيل له...
................
نهضت بسعادة تتحرك كالطفلة في أرجاء الغرفة تمتم بكلمات متقطعة سعيدة : أخيرًا..هانسافر...أي مكان..
عاد فارس بظهره واستند بمرفقه فوق الوسادة باستغراب من حالتها تلك : إيه يا يارا هو أنا عمري ما فسحتك قبل كده!!.
توقفت عما تفعله ثم تقدمت منه، وجلست إمامة قائلة : لا بس حرفيًّا من وقت ما حملت في أنس وبعدين ولدته ولغاية دلوقتي أنا وأنت مروحناش في مكان، أنا كنت قربت أطق وأزهق من اللي أنا فيه، بس الحمد لله الواحد لقي مكان يفرفش فيه..
حول فارس بصره نحو طفله فوجوده مُسْتَلْقٍ على ظهره فاتحًا كلتا ذراعيه ونائمًا كالملائكة، هيئته مريحة للأعصاب وخاصةً أعصاب فارس، طريقته تلك واسترخائه وعلامات البراءة التي تنير وجهه تبعث على الاسترخاء ، وجد نفسه يبتسم تِلْقَائِيًّا لظهور ابتسامة صغيرة فوق ثغره فأنارت وجهه أكثر وأكثر..انتبه لحديث يارا الذي أصابه بالدهشة والتهكم معاً : نعم قولي كده تاني!؟.
عادت ما تقوله وهي تحاول كتم ضحكاتها : بقول إن هو كده بيحلم أن الديب بياكلك..
لم يقل تعجبه بل ازداد فسأل مستفهمًا أكثر : آه ده اللي هو أزاي.
هزت رأسها مؤكدة لتقول موضحة : والله ماما وتيته قالوا كده إن الطفل لما يضحك يحلم أن الديب أكل أبوه..
ابتسم ساخرًا : ولما بيعيط..
ما لبث أن انتهى من حديثه، حتى تبدلت ملامح الصغير من مبتسمة لأخرى حزينة، اقتربت يارا تربت فوق ساقه قائلة بصوت خافت : كده يحلم أن الديب هاياكلني أنا..
خرج اعتراض قوي من فمه، فرمقته يارا بتحذير : فارس في إيه!...
_ فارس في إيه، إيه اللي بتقوليه ده، لو كده فعلا هاخلى الديب يأكله هو، مش كفاية قرفنا بـ زنه..
اعتدلت في جلستها لتقول بضحك : هو طالع زنان لمين مش ليك..
رفع جانب شفتاه لأعلى قائلًا بسخرية : هو أنا زنان في إيه بقي إن شاء الله!!...
حاوطت رقبته لتقول بغنج : تنكر أنك فضلت تزن عليا علشان اتجوزك..
ظهرت ملامح الامتعاض على وجهه قائلًا : يااارووحي!!، أنتي بتعكسي بقى !!.
ابتعدت تهتف وهي تشير على نفسها : أنا اللي زنيت علشان تتجوزني!!.
هز رأسه نافيًا ليقول : لا الحقيقة لا.
ارتاحت قسمات وجهها بعدما كانت قد أوشكت على الدخول في حرب معه، ولكن سرعان ما نظرت له شزرًا  بسبب قوله ...
_ بس قرفتي أمي حرفيًّا بفضولك علشان تعرفي سبب جوازي من كاميليا ده أنتي ورتيني أسود أيام حياتي.
ردت خلفه غير مصدقة ما يقوله : فضول، بقى علشان ادورلك على سبب تكسرني به أبقى فضولية!!..
تجمعت الدموع بمقلتيها سريعًا فنهضت تبتعد عنه، أوقفها فارس قائلًا : شوفتي بتستفزيني وبقول كلام يزعلك، معلش حقك عليا..
جذبها لتجلس مرة ثانية وحاوطها هو هذه المرة قائلًا بمزاح : يعني مزعلتيش من أنك ورتيني أسود أيام حياتي..
حولت بصرها نحوه قائلة بحزن : لا مش هازعل لان ده فعلا اللي حصل، وأنا مورتكش ربع اللي كنت ناوية علية، ما هو كسرة قلبي مش بالساهل ، وبلاش تفتح في مواضيع أنا قفلتها علشان هاتطلع خسران وغلطان..
لاح بنبرتها تحذير خفيف يصاحبه رفع حاجبها كحركة أصيلة في معظم الفتيات، ابتعد فارس عنها يصطنع الخوف قائلًا : يامي، الحقيني خفت، وبعدين أنتي المفروض تشكرينني بعد ما أنقذتك من اللي اسمه سراج.
انتابها حالة من الضحك المستمر، عندما تذكرت ما فعله فارس، شاركها فارس الضحك وهو يعيد عليها ما فعله وفي كل مرة يخبرها شيء جديد بتلك القصة، فتتسع عيناها تَدرِيجِيًّا لما فعله ....
_ اعترف أنك بتموت فيا ومتقدرش تبعد عني...
قالتها بتعالي وفخر استحوذ على نبرتها، فعاد هو يحاوطها بقوة معتصرًا خصرها بين يديه : وأنا من أمتى أنكرت، ومن أمتى قولت إن أنا أقدر أبعد عنك، أنتي قاعدة هنا ومربعة...
اتسعت ابتسامتها وهي تحول بصرها نحو قلبه قائلة : بحمد ربنا كل يوم أن مبعدتش عنك ومتجوزتش سراج..
اقترب يلثم وجنتها بحب ليقول بتوبيخ : عبيطة فاكرني هابعد عنك بالساهل.
نظرت له بلؤم قائلة : بس هو أنت أصلًا وقعت مع واحد أهبل، افرض كنت وقعت مع واحد بنفس شخصيتك وكرزميتك، مين كان هاينتصر...
ابتعد أنشاً واحدًا عنها ثم قال بمكر : كنا هانتقاتل مع بعض..
ثم استكمل حديثة بغرور : مع أني متأكد أن مفيش حد زي، أنا واحد وبس، فارس الرشيدي واحد وبس..
كادت أن تجادله مثل كل مرة، بتر جملتها برجاء : يارا مرة واحدة متجادلنيش وقولي اللي جواكي .
صمتت برهة، تتأمل ملامحه في مشهد من المؤكد أنه لا يتكرر ثانية بنفس الهدوء سواء كان هدوء المكان حولهم، أو هدوء مشاعرهم، أنفاسهم الساخنة المختلطة كانت تلك الموسيقى التي زينت مشهدهم ووصلت بهم لأرقى أنواع الرومانسية والحب...هتفت بصوت يتملكه بحة غريبة بعدما مررت عيناها فوق ملامحه التي مازالت تثير مشاعر تتدفق بداخلها كشلالات المياه العذبة، فتترك بداخلها صفاء لا يعرف مذاقه إلا العاشقين فقط...
_ فعلا مفيش إلا أنت بس، وعمري ما ألاقي منك اتنين..
هتف مشاكسًا وهو يقترب أكثر منها : ولا تلاته!!.
كتمت ضحكاتها وهي تقول بعتاب بسيط : على طول بتبوظ لحظاتنا الرومانسية..
مد يده يحاوط وجهها، مقربًا وجه منها يحاول تقبيلها، حتى تطفئ مذاق شفتيها تلك النيران التي بدأت تتوهج بخلايا صدره ، أغمضت عيناها بحب لتستقبل عاصفته بصدر رحب ولكن أنس كان له رأيا آخر حينما استيقظ وارتفاع صوت بكائه، ضغط فارس فوق لحم شفتيه من الداخل بغيظ مُحَرِّكاً يده بعصبية بوجهه..أما هي  فـكتمت ضحكاتها بصعوبة حتى لا تثير غضبه أكثر...
................
في اليوم التالي...
دلفت خديجة غرفتهم تخرج ثيابها من دولابها بعجالة، رفعت بصرها ترمق الساعة المعلقة فوق الحائط، اتسعت عيناها بصدمة عندما وجدت نفسها تأخرت على معادها مع ندى ويارا، جلبت ثيابها واتجهت صوب المرحاض بخطوات واسعة، مدت يدها نحو المقبض افتتح الباب فجأة فاصطدمت بجسد عمار، أرسلت له ابتسامة سريعة قائلة : أوع يا عمار تأخرت..
شاكسها بوقفته أمامها ومنعها من دخول المرحاض : اتأخرتي على إيه؟!..
ضيقت عينها تسأله بعجالة : يعني أنت متعرفش!! .
قلدها وهو يهتف بلؤم : لا...
مدت يدها الفارغة تبعده عن طريقها قائلة : لا بجد بطل هزار أنا ما صدقت سكت إيلين وسيف وأقنعتهم يقعدوا مع ماما...
أخذ ثيابها منها ثم ألقاها فوق الفراش قائلًا : دي فرصة عظيمة على فكرة، إيلين وسيف مش موجودين، حاجة عظيمة جِدًّا نستغلها بقى ..
تشبثت بالأرض ورفضت التحرك خلفه قائلة برفض : أبدًا مش كل مرة هاقعد اعتذر، منظري بقي وحش أوي، وبعدين أنا محتاجة حاجات للرحلة، مايو لإيلين وكمان ...
قاطعها مستفهمًا : مايو إيه!!!، لا طبعا مش ها يحصل!..
جعدت جبينها قائلة : ليه دي لسه صغيرة وعادي تلبس مايوو.
هتف بنبرة تحذيرية : خديجة، أنا بنتي مش عرضة، عاوزه تلبس مايو تمام في حاجات متقفلة متجبيش حاجات تبين جسمها وبعدين لو كبرت وتعودت أنها تداري جسمها هاتكبر كده، أما بقى لو كبرت تلبس حاجات تبين جسمها كل حاجة تبقى بالنسبالها عادي..
وقفت تعارضه قائلة : عمار على فكرة كده غلط ومينفعش نقولها كده، هي صغيرة ومن حقها تعيش سنها وبعدين يعني انا أكتر واحدة بهتم بيها وبتربيتهااا..
هز رأسه مؤكدًا ليقول بعصبية : آه وماله تعيشه وأنا أول واحد هاخليها تعيش سنها وتفرح، وأنا مش قولتلك تقولي لها كلامي، لا حضرتك المفروض تختاري حاجة مقفولة متبينش جسمها إيلين بتكبر، جيبي لها حاجة مناسبة ليها وقولي لها بصي جيبالك حاجة تجنن، صدقيني هاتفرح به آوي...وياريت مش  عاوز اي نقاش، ولو جبتيه وشوفته ومش عجباني ايلين مش هاتلبسه...
ترك منشفته ثم خرج من الغرفة دون ان يتفوه بأي حديث أخر، تعجبت منه ولكن هي تعلم حاله وتفكيره، ليس من الشخوص التي يمكن مناقشتها ومعارضتها في وقت عصبيته او ضيقه ، من الافضل ان تصمت وتختار الوقت المناسب فيما بعد حتى تحصل على مرادها....
.........
تحركت بغير هدى بغرفتها وهي تتحدث في الهاتف بنبرة مرتفعة غير عابئة لأي شيء لقد طفح الكيل بها من تصرفاته وحديثة البارد، استمعت لصوته المرتفع قائلًا بنبرة تحذيرية : مريم صوتك ميعلاش..
هتفت بعصبية مماثلة له : لا هايعلى يا عمرو إيه البرود اللي أنت فيه ده!!.
ضغط فوق حروف حديثه ليقول بغيظ: متقوليلش كلمة برود دي، إيه قصدك إن أنا بارد..
هزت رأسها وكأنها أمامه لتقول : آه أنت بارد...
عم الصمت في الاتصال حتى هتف عمرو يسألها بغضب : أنتي بتشتميني، بتقوليلي يا بارد، بتشتمي جوزك! .
_ لسة مبقتش جوزي!.
_ تمام كده آخر كلام عندك يا مريم..
هتفت بِتَحَدٍّ : آه أخر كلام، لو جبتها معاك الرحلة يا عمرو اعتبر أن كل شيء انتهى وتطلقني ليك حرية الاختيار سلام..
أغلقت الهاتف دون أن تستمع لرده، قبضت بيدها الصغيرة فوق هاتفها وكأنها تقبض على مخاوفها وهواجسها، تلك الهواجس التي بدأت في السيطرة على عقلها ورسم سيناريوهات ستحرق روحها أن تحققت، هبطت دموعها بغزارة فوق صفحات وجهها...التفت برأسها نحو والدها عندما استمعت لصوته : وبعدين معاكي يا مريم .
مسحت دموعها بباطن يدها قائلة بنبرة مرتعشة : تصور يا بابا عاوز يجبها معانا الرحلة، ويقعد يهتم بيها قدامي ويقضي معها وقته وأنا أتحرق، دي مش صداقة أبدًا يا بابا...
جلس بجانبها وحاول تهدئتها : حبيبتي أي كان اللي بينهم، متتعصبيش آوي كده، أنتي اللي بقيالي، أنتي عاوزه يجرالك حاجة من كتر عياطك..
همست بخوف وهي تنظر أمامها : هو ممكن فعلا يكون بيخوني!!.
استشعر خوفها وقلقها، فقرر بداخله أن يضع حد لذلك الموضوع : لا عمرو بيحبك، وهو أكيد هايشتري خاطرك أنتي..
همست بتمني قائلة : يارب، علشان لو مشتراش خاطري بجد وقتها كل حاجة هاتتهدم..
..........
زفر بعصبية قائلًا بغيظ : لا أخلص يا فارس أصل والله أرزعه في الحيطة.
التفت فارس حول نفسه يبحث بعينيه في أرجاء المطبخ متمتمًا بكلمات غير مفهومه، حتى صاح بصوت مرتفع ونبرة تحمل الراحة : أخيرًا لقيتها..بتّركب أزاي دي، يارا قالت بتركب أزاي .
تشنج جسد مالك بعصبية من الصغير عندما بدأ يصرخ باكيًا ويتحرك بعصبية بين يد مالك الممسكة به بقوة، رمقه مالك باستغراب : في إيه يابني بتعيط ليه كده؟!..
زفر فارس أخيرًا بارتياح وتقدم من مالك وهو يحرك الزجاجة التي تحتوي على طعام الصغير بسرعة كبيرة قائلًا : أهو يا أنس الرضعة أهي اقعد ساكت..
ابتعد الصغير برأسه للخلف رافضًا حديث والده وكأنه يفهمه، رفع مالك أحد حاجبيه وهتف بضيق : أنت ياله عمال تعيط وقارفنا في الأخر مش عاوز تاخد اللبن آمال عاوز إيه..
وضع فارس الزجاجة بعصبية بالغة فوق الطاولة: أنا زهقت آمال بيعيط ليه..
تعلقت عيون الصغير بندى الجالسة أرضًا تأكل الحلوى، حول مالك بصره نحو النقطة التي ينظر الصغير لها، فصاح متفهمًا : فارس، ده عاوز الشكولاتة والشبيسي اللي مع ندى.
رمقه فارس بغيظ : أنت عيل طفس ياض.
ضحك مالك قائلًا : ندى حبيبتي ممكن تجيب الشبيسي والشوكولاتة دي لانس علشان بيعيط آوي، وأنا هاجبلك تاني..
رفعت الصغيرة عينيها تنظر لوالدها ثم قالت : ماسي "ماشي" .
ابتسم مالك بفخر، فقال فارس مصطنعًا البكاء : ليه ياربي معنديش بنوته قمر كده، أحسن من الزنان ده.
ارتفعت ضحكات مالك، تقدم صوب الأريكة وضع أنس برفق، ثم جلب جميع الحلوى وأعطاها للصغير، فابتسم أنس بسعادة والتمعت عيونه نحو تلك الأشياء التي تحرمها والدته عليه، جلس فارس بجانبه قائلًا بضيق: يعني لازم ماجي هانم تصر تخرجهم انهارده، ما كنا نجيب احنا الطلبات دي!.
_ لا هو غلط من يارا يا فارس أنها سابت انس، وهي عارفة ابنها على أيه .
ابتسم فارس ساخرًا : لا أزاي مش ندى مراتك سابت بنتك، ليه مكنش آب ايجايبي وزيك وأتولى مسؤولية ابني..
اخرج تنهيدة قوية من صدره ثم أكمل بتهكم : أنا نفسي معرفش أتولى مسؤولية نفسي .
حرك مالك رأسه نافيًا : لا أنا ندى لو مبتقعدش ساكتة مكنتش سبتها..
_ دادي..
حول مالك بصره نحوها، وجدها تشير نحو الصغير وتحاول اعتداله بلهفة ..قطب مالك ما بين حاجبيه وهو يحاول فهم حركتها تلك، ولكن سرعان ما تبدلت ملامحه إلى الذعر صاحبه نبرة خافتة تحمل جميع معاني الخوف صدرت من أب يرى أمامه مشهد لابنه يحاول فيه التقاط أنفاسه، وعيون جاحظة تستنجد بأي شيء...
_ أنس..
حروف اسم ولده خرجت من شفتاه بصعوبة ثم بعدها  ثقل الهواء الذي يخرج من ثغره وارتعشت يداه وهو يحمل ولده يحاول إسعافه، وعقله يحاول ترجمة ما يحدث في هذا الواقع الاليم، اما قلبه ينتفض برعب لرؤية ولده على هذا النحو ...

دمتم سالمين 💜☕
نزلت كمان بارت اهو تفاعلوا بقا يا حلوين

البارت الرابع 🌸🌸

نظر للبحر و أمواجه بشرود تام، ذهنه يرفض نسيان أو تخطي تلك اللحظة التي رأى بها ابنه في هذه الحالة المريبة، اختطفت انفاسه، وهوى قلبه من شدة خوفه، تذكر وقتها فزعة مالك وسرعة تفكيره بعمل إسعافات أولوية حتى يستطيع أنس التنفس، وبعد محاولات اخرج الصغيرة قطعة من "الشبيسي" من فمه، واستطاع أخيرًا التقاط انفاسه بعد حرب طويلة يجهل التعامل بها، أما هو فاستغرب حاله، أين عقله!!، شل عقله تقريبًا، وبقي شيئًا واحد يتردد بداخله هو أنس..تذكر عناقه الطويل لأنس وكأنه يستمد القوة منه هو، تذكر قبلاته التي أغدق بها الصغير متمتمًا بكلمات يجهلها من حوله ولكن هو يعرف مصدرها، حَقًّا كانت نابعة من داخل أعماق قلبه.. زفر بخفة حينما عاد لأرض الواقع بسبب أصوات صياحهم من حوله، وقعت عيناه عليها وهي تتأخذ من مكان بعيد عنه موضوعًا لها، فمعذبته قررت خصامه بعدما قص عليها ما حدث لولدهم، وكالعادة لم تبخل في إيجاد كلمات لاذعة لكي تخبره بإهماله اتجاه صغيرهم!!!، استغرب موقفها وهجومها حينها، قرر الاحتفاظ بحزنه وضيقه دون أن يتفوه بأي كلمة ، مُعطِيًا لها مساحتها الكاملة حتى تعود لرشدها وتقوم بمراضاته...
في الاتجاه المقابل له جلست ماجي بجانب يارا قائلة بغيظ واضح : أنتي يا متخلفه، سايبة جوزك قاعد لوحده ليه!!.
رفعت أنفها رافضة توبيخ والدتها لتقول : ما يقعد أنا زعلانة منه، ده مفكرش يراضيني.
زمت ماجي شفتيها بضيق قائلة : بصي يا يارا غباء مش عاوزه، أنتي لما حكتيلي أنا وقتها سكت، ليه بقى ، علشان طبيعي أي أم بتسمع اللي حصل لابنها قلبها هايوجعها وتتخيل حاجات صعبة، بس خلاص ده مكتوب ومقدر لابنك يحصله كده، كلامك بقى اللي قولتيه لجوزك كله غلط..
حولت وجهها اتجاه والدتها وقررت شن هجومها : غلط!!، بالعكس هو ده الصح، ماما فارس لازم يفوق ويتحمل مسؤولية أنس ويخاف عليه، فارس مهمل آوي من ناحية أنس وبيعامله بطريقة مش عجباني..
_ على فكرة أنتي لو متظبطيش معرفش هاعمل فيكي إيه!!، أنا ساكتلك من بدري واللي شايلني عنك ماما..
التفت بجسدها صوب مالك قائلة بضيق : انتوا كلكوا عليا بقى !.
هز رأسه مؤكدًا حديثه، يُكمل توبيخها : آه، علشان أنتي فعلا عصبتيني يومها، هجومك لما جيتي من بره وعرفتي، كلامك عن إهماله وصل إنك شككتي في حبه لأنس، أنا استغربتك وقتها يا يارا، انتوا المفروض بتحبوا بعض، بس الواضح انه بيحبك أكتر بدليل انه سكت ومش أحرجك قدامنا رغم أنا لو مكانه كنت رزعتك في الحيطة..
وقفت تتحدث بدهشة : أنا قولتله انه مبيحبش أنس..
_ أنتي قولتي وقتها كلام كتير غلط، واتعصبتي من غير أي حاجة، رغم ان هو اللي شاف منظر أنس، يارا... أنا أول مرة أشوف فارس كده، حرفيًّا كنت حساس انه هايجراله حاجه حتى بعد ما أنس عرف يتنفس كويس، تيجي أنتي بقى بكل بجاحة تسمعيه كلامك ده..
حولت بصرها نحو زوجها وجدته يتجاهل النظر إليها، أكملت والدتها حديثها : وبعدين يابنتي ممكن كان كله يحصل وأنتي قاعدة لوحدك مع ابنك ده شيء وارد فارس بقى هايقول آه أصل أنتي مهملة، مفتكرش..
ترقرقت الدموع بعيناها لتقول بصوت مبحوح : يعني أنا بقى اللي بقيت وحشه !.
ربت مالك فوق يدها بحنو قائلًا : محدش قال كده، بس أنتي غلطتي وأنا بوجهك، هجومك كان غلط، كلامك كان أكبر غلط، سكوتك عن الاعتذار بردوا لغاية دلوقتي غلط، ياريت تصححي اللي عملتيه..
أنهى حديثه وأشار لوالدته حتى يتركها وتستطيع هي التفكير بحديثهم بهدوء... أما هي فلاحظت مغادرتهم، ولكن لم تبعد عيناها عنه، عادت بذهنها لذلك اليوم، حَقًّا لا تتذكر أي حديث لها سوى بعض الكلمات وهي تلقى اللوم فوق عاتقه، لا تعلم سبب نسيانها يمكن بسبب شعورها بالخوف على أنس وقتها أم يجبرها عقلها على النسيان حتى لا تتذكر فظاظة حديثها وبشاعته وقتها، زفرت بقوة وهي تتأمل ملامحه الحزينة والشاردة، ليس زوجها، ليس فارس من أحبته، لقد تبدل كُليًّا من موقف، ابتعد عنها وعن أنس حتى تلك الشقة الصغيرة في تلك البناية التي استأجرها مالك لهم جميعًا، يبتعد عنها وينام بعيدًا عنهما بعدما كان لا يستطيع النوم إلا وهي وانس بأحضانه...مسحت دموعهااا وقررت مشاكسته حتى يعود فارسها كما كان..ذهبت لأخواتها وأخذت منهم أنس بعدما كانوا يلاعبونه حتى يهدأ من بكائه، تقدمت صوبه وهي تقول : إن شاء الله يهدى وميكنش زعلان مني أوى..
وقفت بجانبه قائلة بصوت خجول : روح يا أنس لبابي اللي مبيسألش فينا...
انحنت بجذعها تضع الصغير بين يدي فارس، منعها فارس من إكمال حديثها أو ما تفعله قائلًا باقتضاب وهو ينهض من مكانه : أديه لأخواتك يمكن يكونوا بيحبوه ويخافوا عليه أكتر مني...
انهى حديثه بنظرة حزينة تحمل مشاعر كثيرة ولكن يغلبها العتاب واللوم، ترك المكان بأكمله وغادر إلى البناية مسرعًا حتى لا ينفجر بها أمامهم، التفت لهم حيث يجلسون وجدتهم يتابعون الموقف عن كثب، تفاقم شعور الضيق والغضب بداخلها بسبب إحراجها أمامهم، ولكن لثواني فكرت ما هو شعوره عندما اتهمته هكذا أمام مالك وندى، وأخيرًا اعترفت بداخلها أن له الحق الكامل في معاملته لها...تجاهلت نظراتهم، وقررت الذهاب خلفه حتى تقوم بمراضاته...
تنفست ماجي أخيرًا، وهتفت بفرحة : مالك طلعت بتفهم الحمد لله...
ضحك مالك لوالدته هاتفًا  : ماهي بتفهم يا ماما، بس الجلاله كانت واخدها شوية ..
انتابها حالة من الضحك قائلة : والله لما حكتلي كنت عاوزة أضربها على بقها المتخلفة دي..
نهرتهم جدة مالك قائلة : بس اسكتوا، مطولتش في الزعل ولا عاندت، وده ان دل على شئ ، فيدل ان بنتك بتحب جوزها أوي..
تنهدت ماجي بفرحة ثم قالت : ربنا يهديها بس وتكمل على خير...
...........
_ يعني إيه، هببتي الدنيا زي يارا كده!!.
تسألت ندى بقلق عندما أخبرتها خديجة ببعض الكلمات وهي تنظر ليارا وفارس...
التفتت خديجة لها عندما غادرت يارا المكان قائلة : بصي هو أنا معرفش في إيه، بس عمار بيكلمني على القد مش عادته، ويعاملني معاملة غريبة وده كله بعد ما ناقشته في موضوع المايو بتاع إيلين..
هزت ندى رأسها قائلة : طيب وأنا قولتلك وقتها وأحنا في المول انه مش غلط، وعادي خايف عليها...
هتفت خديجة بضيق : ماشي وأنا اقتنعت وعملت كده، معرفش بقى ماله كل ما أقرب منه وأكلمه يبعد ويعاملني بجفا..
قطبت ندى ما بين حاجبيها قائلة : طب وأنتي تسيبه كده ليه، ما تسأليه، إلا إذا كنت عكيتي في الكلام معاه...
وضعت وجهها  بين يديها : باين كده  عكيت  فعلا، بس اعمل ايه انشغلت في موضوع  ماما  وكنت خايفة اسيبها لوحدها هي واخواتي عشان بابا..
_ بابكي؟!..
  هزت خديجة رأسها لتقول بحزن : أوقات يبعد وينسانا وأوقات يخنقنا باتصالاته ورسايله، غيرنا خطوطنااا، وعمار كلم مالك بعتله حد يهدده انه  انه لو مبعدش هايدخل السجن تاني.
_متقلقيش خير والله!.. ومامتك في أمان مش أنتي لسه مكلمها وطمنتك، قومي يالا سيبي إيلين وسيف معايااا وروحي لعمار صالحيه وتعالوا، ويارب يارا تصالح فارس ونتلم ونقعد.
ابتسمت خديجة بامتنان قائلة : آوك خلي بالك منهم وأنا هاروح بسرعة وأرجع...
.............
تحركت خلفه في أرجاء الشقة، وهي تقول بمزاح : لأ بقى كده بابي زعلان مننا آوي يا أنس..
وقف فارس زافرًا بغضب، ثم التفت بجسده  أمامها يصرخ غير عابئًا لولده أو أي شيء : بس بقي كفاية، مش طايق منك أي كلمة ..
اندفع الصغير يصرخ ويبكي دافنًا نفسه في أحضان والدته يستمد منها الأمان بعدما رأى غضب والده لأول مرة ، اندفعت هي الأخرى تبكي بانهيار وتبادل أنس العناق، ابتعدت بخطوات مبعثرة للخلف وعيناها ترفضان الابتعاد عن فارس ووجه، تلقي عليه كل اللوم والعتاب والحزن في معاملته لها، راقب خطواتها للخلف بقلق وخاصةً عندما رأى تلك الطاولة الزجاجية الصغيرة خلفها، تناسى غضبه منها واقترب منها بلهفة قائلًا : يارا حاسبي هاتقعي..
مد يده يحاوط خصرها مقتربًا منها، وما أن تلامس رأسها بصدره العريض اندفعت تبكي كالطفلة الصغيرة هاتفه بأشياء غير مفهومه، استطاع هو التقاط بعض الكلمات منها كالـ ( أسفة_ أنت السبب_ بتزعقلي_ بتكرهني)...
لم يستطع إكمال ما بدء به، تخطى مشاعره الغاضبة منها وبدء في محاولة تهدئتها بصوته الحنون : طب متعيطيش، اهدي بقى خلاص...
لاحظ ضربات خفيفة فوق صدره هبط ببصره نحو مصدرها وجد الصغير يقطب جبينه وينظر له بغضب مُسْتَمِرًّا في ضرباته الضعيفة، قهقهه فارس فرحًا لأول مرة يتخلى أنس عن بكائه ويحاول إيجاد طريقة أخرى لتعبير عن غضبه أو حزنه، رفعت رأسها تطالع فارس بتعجب من وسط دموعها، وجدت عيناه متعلقتين بأنس، حولت بصرها نحو الصغير وجدته يضرب والده بضيق بالغ، عضت فوق شفتيها قائلة بصوتها المبحوح : أنس عيب، ده بابي...
لم يفهمها الصغير ولكن مد يده يلمس دموعها المنهمرة فوق وجهها ثم أعاد أصابعه الرقيقة إلى فمه يتذوقها، أبعدت يده بسرعة قائلة : أنت بتعمل إيه بس؟!..
ابتسم فارس قائلًا : عيل غبي هو نفسه مش فاهم هو عاوز إيه!!.
نظرت له بحزن قائلة برجاء يحمل عتاب : لو سمحت متشتمهوش !!.
رفع أحد حاجبيه من تحولها السريع فقال : طيب بقيتي كويسة أسيبك أنا بقى !!.
التفت بجسده وغادر المكان متجهًا للشرفة، تنهدت من بين شهقاتها، اتجهت لغرفتهم مقررة التخلص من أنس أولًا حتى لا يفسد عليها  اعتذارها ..وبالفعل بعد ساعتين استغرقتهم في إرضاعه ونومه، استطاعت التسلل كاللص خارج الغرفة، اقتربت من الشرفة وجدته يجلس كما هو بملامحه الجامدة والشاردة، الفارق الوحيد هو سجائره التي انتشرت بكثرة فوق الطاولة، وقعت عيناها عليه وهو يلتقط إحدى السجائر التي لا تعرف عددها، مقربًا إياها من فمه، دلفت للشرفة بغيظ واضح ثم جذبتها منه بعنف وألقتها خارج الشرفة : كفاية بقى !!.
رفع بصره لها يرمقها بتحذير : متتكررش تاني..
ردت عليه بسخرية : مبخفش...
احتدت نظراته لها ولكن قابلته بِتَحَدٍّ : هاتكرر..أنا أصلا موضوع شربك للسجاير مش عاجبني، وبعدين الزفتة دي بتقصف العمر يا أستاذ..
الوقحة تقف بكل جرأه وتلقي بتعليماتها عليه، قرر النهوض والابتعاد عنها حتى لا ينفجر بها : ابعدي عني، دور أنك خايفة عليا ده ميتصدقش...
خرج من الشرفة تحت صدمتها، خرجت خلفه تسبقه بخطواتها حتى وقفت أمامه تمنعه من مغادرة الشقة : يعني إيه كلامك، أنا ممكن ازعل بجد.
ظهر الامتعاض على وجهه : ما تزعلي..
حاول إزاحتها بيده بعيدًا عنه ولكن استندت بظهرها على باب الشقة ومنعته من الوصول للمقبض..عاد وتحدث بضيق متجنبًا النظر إليها : أوعي..
عرفت السر، نعم هو يتجنب النظر إليها حتى لا يضعف أمامها، ستلعب على هذه النقطة، كلاعبة محترفة أدركت نقاط ضعف خصمها، اقتربت منه مدت يدها تجذبه نحوها من سترته واليد الأخرى تحرك وجهه تجبره النظر اليهااا، تشابكت نظراتهم في حديث طويل لم يقطعه سوى قبلتها المفاجئة فوق شفتيه متمتمة بحب : أنا أسفه يا حبيبي...
انهارت تلك الحصون الواهية داخله، تلك الجملة التي نطقت بها بتلك الطريقة التي أصدرت عنها ذبذبات غريبة اجتاحت كيانه بالكامل، وتلك اللمسة الرقيقة التي سبرت أغواره كالمحترفة جعلته يجذبها نحوه يقبلها بعنف لأول مرة غير مدركًا لتلك العاصفة الهوجاء بداخله، عاصفة من المشاعر المتناقضة لأول مرة تهب بصدره بلا رحمة، جعلته غير واعيًا لعنفه أو طريقته الغريبة في التعبير عن اشتياقه لها أو غضبه منها، انقطعت أنفاسها تحت سطوته، حاولت مجاراته ولكن فشلت، استقبلت هجومه بصدر رحب كاعتذار منها، تخطت قبلاته شفتيها ووجهها، وصولاً لعنقها الذي لثمه أحيانًا بحب وأحيانًا يضع صك ملكيته فوقه، تلوت كالغزال بين يده من حلاوة تلك المشاعر التي ضربت صدرها وخاصة خلايا قلبهااا المسكين، صدر صوتها ضعيف باسمه، جعله يتوقف عما يفعله مشددًا فوق خصلات شعره متمتمًا بأسف : أحم أسف بس..
عانقته باشتياق لجنونه وهتفت بصوت ضعيف : متتأسفش، أنا المفروض أتأسف، والله ما كنت أقصد يا فارس أضايقك...
قاطعها بنبرة حاسمة : متحلفيش علشان أنتي كنتي تقصدي فعلًا يا ياراا..
تركها ودلف للشرفة يبحث عن الهواء، حتى تعود رئتيه للعمل بعد تلك العاصفة الهوجاء التي هاجمته بقوة، شعر بها خلفة تقف على أعتاب الشرفة تفرك يدها بتوتر بالغ وتخرج صوتها بخفوت : ده كله كان بسبب خوفي على أنس، أنا توترت يا فارس والله وعقلي صورلي حاجات كتيرة وحشة، حط نفسك مكاني!.
التفت بجسده يرمقها بغضب وكأن حديثها هو الفتيل الذي أشعل غضبه ليلتهم عيناها بشراسة : لا مش هاحط عارفة ليه يا يارا، علشان أنا اللي كنت في الموقف، أنا اللي شوفته مش قادر يتنفس وكنت عاجز معرفتش اعمله أي حاجة، بأي حق جاية وتتهميني بالإهمال قدام مالك وندى، وحتى لو قدامي بس أزاي تكلميني كده، وأنا إيه عرفني أنه غلط يأكل شبيسي وشكولاتة وأنه ده مش سنه، أنا معرفش ده كله، انا شفته عاوز حاجة ريحته، اللي أعرفه بقى يا هانم خايفة على ابنك تاخدية معاكي متسبهوش مع أب مهمل زي.
أنهى حديثه وأخرج نفسه بقوة، تلك الأنفاس الغاضبة التي كتمها بداخله أثناء انفجاره والأخرى كانت تتلقى فقط، تتلقى نتيجة أخطائها، لم يسعفها عقلها بأي تبرير، ولم يرحم قلبها من عذاب كلماته...
التفت بجسده مرة أخرى ينظر للبحر وأمواجه المتلاطمة كمشاعره تمامًا التي تتلاطم بداخله بلا رحمة ، ما بين الانصياع لصوت بكائها وتخطيه لما فعلته بحقه أو إكمال ما بدء فيه حتى لا تعود وتكرر ما فعلته مجددًا، تسمر فجأة عندما وجدها تهتف بانكسار : يعني احنا كده هانطلق!.
التفت بجسده مرة أخرى يرمقها بدهشة لما تقوله : نطلق؟!!!.
هزت رأسها ثم حولت عيناها في اتجاهات عديدة وشعور بالضعف يسيطر عليها حتى في نبرتها: آه ما هو معنى أنك مش راضي أصالحك، وبتعاملني كده يبقى عاوز تطلقني، أنا هاقعد أصالحك وأنت رافض، طيب وبعدين يبقى تبعد عن الغبية المتخلفة اللي متجوزها صح!!..
استمرت ملامح الدهشة تعتلي وجهه غير مصدقًا لما تقوله، وعندما لم تجد منه أي رد فعل لما قالته، شهقت شهقة مكتومة وهي تضع يدها على فمها تنظر له بصدمة ، قطب ما بين حاجبيه لانفعالاتها المتقلبة، حاول فهم ما يدور بدواخلها ولكن عجز عن فهم أنثى قررت أن ترسم بمخيلتها أَشْيَاء غريبة وخاصه وإن كان السبب في حزنها هو زوجها!، لاحظ قربها منه فعاد بخطواته للخلف، وفي ثوان كان يتلقى ضربات ضعيفه منها بقبضتها وعينيها الغاضبة تتوهج كألسنه النيران ، حاول أن يمسك يدها حتى يدرك ما يحدث لها، ولكن كانت تبكي وتضربه بقبضتها في صدره تردد كلمات أدرك وقتها أنها أكبر بلهاء في حياته : هاتطلقني، دي آخره الحب...
_ بس يا غبية أنتي!!.
عادت للخلف بصدمة أكبر قائلة : أنت بتشتمني يا فارس!!، لدرجاتي كرهتني!؟.
اقترب منها بخطوة واحده مختصرًا تلك المسافة الحمقاء بينهم حتى يلقين تلك البلهاء درسًا قَوِيًّا مستخدمًا نبرة جاهد كثيرًا أن تخرج من جوفه أقل حدة : وأقسم بالله يا يارا لو ما بطلتي جنانك ده لاشيلك وارميكي من هنا، أنتي هبلة ولا مجنونة، هو كل واحد زعلان من مراته شوية يبقى هايطلقها!!، وبعدين..
قاطعته بنبرتها المرتجفة : لو سمحت متكملش .. صالحني الأول علشان أقدر اسمع كلامك..
_ أصالحك !!.
ردد خلفها مُتَّهكما لما تقوله، فهزت رأسها تطالعه برجاء، واضعة يدها فوق قلبها : قلبي زعلان منك.
انفلتت ضحكات منه وهو ينظر لهيئتها وعيناها التي ترجوه بالفعل بأن يعود فارسها ليس هذا الذي لا تطيق التعود عليه، وما هي إلا بنت السلطان وما هو إلا فارسها حتى يحقق ما تتمناه أو ترجوه، وما قلوبهم إلا مقيدة بالعشق...تنهد بخفوت وهو يتفرس بملامحها التي اشتاق إليها ولأنفاسها التي تضرب وجهه أحيانًا وصدره أحيانًا فتثير زوبعة من المشاعر بداخله، وجد نفسه يقترب منها ببطء ثم لثم جانب شفتيها برقة متمتمًا بكلمات خافتة ولكنها كانت تخترق أذنها وقلبها بلا رحمة : قلبي مبيعرفش يزعل منك أو يشيل منك أبدًا، ويوم ما بيزعل بيبقى عقلي اللي معصيه !!..
هتفت بمزاح لتعود البسمة تزين ثغرها : طيب اعمل إيه ادخل جواك واشيل عقلك ده!!.
غمز لها بطرف عينيه قائلًا : ويرضيكي أبقى من غير عقل !!..
هزت رأسها بإيجاب قائلة بسعادة : آه حتى علشان تبقى مجنون يارا بجد ...
أنهت حديثها وانتابها حالة من الضحك، لم تعلم سر سعادتها أهي المزحة التي ألقتها توا أو سعادتها تتضمن في اقترابه منها، لا يهم ما تفكر به حاليًا الأهم من كل ذلك هو فقط، لتستمع بقربه وبكل ثانية تمر بجوار قلبه...
............
أبعدت الحاسوب من أمامه لتقول بغيظ : إيه يا عمار بقالي ساعة بكلمك، وأنت ولا أنت هنا .
مط شفتيه ببرود قائلًا : معلش مشغول شوية مع اللاب توب!!.
رفعت إحدى حاجبيها مستنكرة ما يفعله، بدلها نظراتها بنظرات حادة وأكثر جرأة، توترت منه قائلة : أنا نفسي اعرف مالك في إيه متغير معايا ليه؟!.
تجاهلها وتجاهل سؤالها وقرر العودة لما كان يفعله، رافضًا الانصياع لقلبه، اما هي فشعرت بالغيظ منه، نظرت حولها تحاول كبح مشاعر الغضب بداخلها ولكن لم تستطع السيطرة على نفسها فقامت وضربت الطاولة بيدها قائلة بصوت مرتفع نِسْبِيًّا : عمار..
رفع بصره بسرعة البرق عندما فعلت تلك الحركة الحمقاء، ارتعدت للخلف من نظراته المخيفة، ابتلعت ريقها بخوف من تشنج جسده وهو ينهض ليقابلها عن قرب مُتَحَدِّثٍ بنبرة لاذعة : وربي وما أعبد أن تكررت لتزعلي مني جامد يا خديجة..
اهتز صوتها وهي تسأله في توجس : إيه هاتضربني..
جسده، وصوته، ونظراته جعلها تعود بذكرياتها لأعوام جاهدت نسيانها، جعلها تعود لضرب والدها لها ، جعلها تغرق في بحر من الذكريات المؤلمة، حاولت فيه هي كالطفل الصغير التمسك بطوق نجاة حتى تعود لبر الأمان، بحثت وبحثت ولم تجد إلا صوته الحنون الذي انتشلها بالفعل من ذلك البحر المظلم، انتشلها بعيونه الغارقة في الحنان والامان ، وصوته الغارق في عشق تقيد بقلب مسكين يبحث عن بر أمانه وسلامه...
_ خديجة !!!.
_ها ؟!.
_مالك سكتي وسرحتي في إيه، أنا بقولك أزاي ممكن تتخيليي ان ممكن اذيكي، أو أبعدك عني!.
ألقت نفسها بأحضانه عنوه تبكي بانيهار : أسفه!!، متزعلش مني، هو أنا خربطت الدنيا معاك، صارحني قولي!!.
قرر الأخذ بنصيحة مالك بعدما قرر أخيرًا التحدث معه وأخباره لما يفضل الابتعاد هذه الفترة، وسأل مالك بحماس هل وقع عليه خطأ في شَيْءٍ ما أخبره به!!، وكما توقع أجابه مالك أن ما فعله ليس إلا الصواب، وفي نهاية الأمر قرر الأخذ بنصيحة مالك وهو ألا يطيل الخصام والبُعد...
_ تعالي يا خديجة نقعد واقولك أنا زعلان ليه  بما أنك أول مرة تتكرمي وتتنازلي وتيجي تسأليني؟!.
فتحت فمها وحاولت التبرير له، ولكن هو بتر حديثها بقوله الحاد : أنا أهم من أي حد يا خديجة، وأنا أولى من أي حد أنك تعرفي إيه سبب زعلي، وأكيد ده مش سبب رئيسي في زعلي!.
نكست رأسها خجلًا منه : أنا فاهمة أنك زعلان مني في موضوع إيلين وان ناقشتك...
قاطعها ليكمل هو الحديث موضحًا وجهه نظرة : مش بس كده، وياريتها على قد كده، لكن أنتي وقتها كل كلمة قولتيها وكل نظرة وقتها منك كانت بتقولي وأنت مالك أنت مش أبوها بتتحكم ليه صح ولا لا...
فتحت فمها حتى تبرر وجهه نظرها بنظرات مرتبكة، ولكن أسكتها هو بحديثه الذي كان يحمل بين طياته عتاب ولوم كبير : متتكلميش وتبرري أنا بس عاوز أوضحلك حاجة أنا ليا في إيلين زي مانتي ليكي فيها، هي يتيمه الأب والأم، وأنتي اعتبرتيها بنتك وكبرتي في نظري، وأنا اعتبرتها بنتي، إيلين سكنت هنا....
استوقف للحظات يشير نحو قلبه، ثم استطرد حديثه : ويعلم ربنا أنا بحبها قد إيه، لما أجاي بقي اقولك أنا حُر في بنتي وتربيتها بعد كده متجيش وتناقشيني وتقوليلي أصلها مش بنتك..
هتفت باكية : عمار خلاص بقى كانت زلة لسان متقفليش على الواحدة الله، وبعدين أنا بعد كده المفروض اعملك بنفس معاملتك !...
رفع كلا حاجبيه مستفهماً بنبرة حاول إخفاء فيها السخرية : ده اللي هو أزاي يعني ؟!..
حولت بصرها نحوه ثم مسحت بكلتا يدها وجهها بقوة كالأطفال، التزمت الصمت لبرهة تحاول تقليد شخصيته ونبرته الجادة : خديجة متكلمنيش مش فاضي، مش دلوقتي!!.
انفجر ضاحكًا لطريقتها قائلًا : أنا بعمل كده!!، آمال أنتي لما بتزعلي بتعملي إيه؟...
أجابته برقة وهي تقترب منه حتى اختصرت أي مسافات بينهم ونظرت مباشرةً لعيناه قائلة بنبرة ناعمة ساحرة : أنا بحبك آوي، مبقدرش ازعل منك، حتى لو زعلت شوية صغننة بردوا أول ما تقولي يا ديجا، قلبي بيرقص من السعادة كده...
اتسعت ابتسامته ليقول بعبث : طيب وكده قلبك يبقى إيه حالته..
مال عليها يقبل ثغرها برقة بالغة هاتفًا من بين قبلاته : بحبك يا ديجا..
حاوطت عنقه بسعادة تجذبه نحوها أكثر ولكن لم تدم سعادتهم طويلاً بسبب طرق عنيف على الباب، نهض عمار بسرعة يفتحه، فوجد مالك أمامه وخلفه ندى تنظر برعب نحوهم...
_ ندى بنتي عندك يا عمار..
هز عمار رأسه نافيًا : لا مفيش حد هناااا...
التفت لكي يصعد الدرج نحو شقة فارس وجد فارس يهبط بسرعة وخلفه ياراا .
_ في إيه الصوت ده والدوشة دي!!.
تحركت ندى نحوهم تسألهم في ريبة : ندى عندكواا..
هتفت يارا بقلق وخوف : لا هي ضايعة ولا إيه!!
أنهت جملتها بصرخة عندما وجدت ندى تفقد وعيها وتسقط أرضًا ...

دمتم سالمين 💜☕

البارت الخامس 🌸🌸
انتقلت هنا وهناك تبحث بعينيها عن ابنة أخيها المختفية ، دب الرعب بقلبها وهي لا تراها، توالت الأماكن والصغيرة غير موجودة، وضعت يدها فوق رأسها تحاول البحث بدقة أكثر بين وجوه الأطفال، حتى الشخوص الذين يحملون أطفالهم لم تتركهم وبحثت بينهم عن أي ملامح لها، وقعت عيناها بالصدفة على آخر شخص توقعته أن يكون موجودًا هنا في الإسكندرية وها هي الدهشة تعتلي ملامح وجهها بقوة، عندما رأته يقف مع صديقتها صاحبة نظرية لا للزواج ...تعجبت لطريقة ابتسامتها وحركة جسدها التي توحي بغنجها، دب الغضب داخلها وانطلقت سهام الغيرة نحوهم، لو أدركوا وجودها لأحرقتهم بنيرانها الملتهبة، اقتربت بسرعة منهم حتى تثبت خيانته، ولكن للحظة وقفت وفكرت بطريقة أكثر خبث حتى تكشف تلك القشرة التي تلونت بها صديقتها، وخاصةً عندما لاحت بذهنها كلمات والدتها عنها...
_ (دي بت خبيثة وبتكرهك ومش عاوزكي تتجوزي مازن، والله تلاقيها حاطه عينها عليه!!.)
ضغطت فوق شفتيها بغيظ من فكرة أنها بالفعل تريد مازن لها..
ابتعدت عدة خطوات بعيدًا عنهم، ثم قررت الاتصال بها، راقبتها وهي تخرج هاتفها ثم تعود لإغلاقه مرة أخرى، كظمت غيظها وكررت الاتصال مرة أخرى، أخيرًا رفعت الأخرى الهاتف تجيب بضيق بالغ..
_ ألو..
_ شاهي مبترديش ليه !!.
_ سوري يا ليله بس حَالِيًّا مع ماما في المول مش فاضية، سلام..
أغلقت الاتصال وعادت مرة أخرى لمازن تُكمل حديثها...
فتحت فمها بصدمة عندما رأتها تعطي مازن هاتفها، حاولت أن تقرأ شفاهم وهم يتحدثون ولكن فشلت....شعرت بالبكاء لم تعرف سبب مصدره أهو اختفاء ندى وفشلها في إيجادها، ام فشلها في تحسين علاقتها بمازن، من الواضح أن السبب ينصب فوق فشلها، هي فاشلة!!، هكذا حدثت نفسها وهي تحاور تلك الهواجس التي تزايدت بداخلها عندما لاح بذهنها صورة للمشهد خطبة شاهي ومازن...داهمها دوار قوي كذلك الدوار الذي قلب كيانها في هذه اللحظة رأسًا على عقب.. تمالكت نفسها وحاولت إيجاد أي مقعد تجلس عليه حتى تعود لاتزانها..جلست فوق مقعد خشبي ومازال نظرها معلقًا بهم، عضت فوق لحم شفتيها بخجل من نفسها، ماذا تُفكر ؟!!، لا يستحق أحد الاستحواذ على تفكيرها سوى الصغيرة الضائعة..نهضت بحماس تستكمل البحث عن ندى، وأجلت أمر التفكير بصديقتها الخائنة وحبيبها...صمتت للحظة وفكرت للحظات أهو الحبيب الخائن أم الوافي!..، موقفه بعد سيحدد مكانته بداخلها...
............
لم يترك مكان إلا وبحث فيه، أين ابنته؟، أين فلذة كبده؟، أين الروح والهوى؟، أين نبضه؟ لما شعر بتوقف قلبه عن النبض، لما فجأة تحولت الحياة حوله لأخرى مبهمة، لما ثقلت أنفاسه التي تخرج من ثغره، يشعر وكأنه في حرب قوية ويكاد يلتقط أنفاسه، حرب ما بين وجع القلب وضياع العقل، حاول التقاط أنفاسه تحت أشعة الشمس الحارقة، حاول التفكير بهدوء، ولكن ذلك الصراع الذي أخذ من صدره موطنًا يمنعه من التفكير لو للحظات، صراع الخوف من الفقد، فقدان ابنته سيكسره حتمًا...شعر بتربيتات فوق كتفيه، التفت بجسده نحو صديقة يسأله بلهفه : لقيتها..
هز فارس رأسه بيأس : لا بس هانلاقيها إن شاء الله، في أخبار عن الكاميرات..
تحرك صوب باب البناية قائلًا : لا مفيش كاميرات هنا!.
دلف للداخل وجد الجميع ينتظرونه بفارغ الصبر، اندفعت ندى نحوه باكية : قول إنك لقيتها، هي فين؟!.
وقف يتلقى يديها قائلًا بنبرة تملكها العجز : لا...
سارع فارس بالحديث : بس مالك كلم ناس في الداخلية وطلع نشرة بمواصفاتها ومتقلقوش والله هانلاقيهاا...
لم يُكمل حديثه بسبب دخول أحمد وبيده الصغيرة التي كانت تحمل حقيبة تمتلئ عن آخرها بالحلوى..اندفعت ندى نحوهم، تجذب ابنتها نحوها تتحسسها بحب ولهفه : ندى...الحمد لله..الحمد لله.
تعجب أحمد من اندفاعها، ووجوههم المصوبة نحوه..ونظراتهم التي يجهل قرأتها...
حملها مالك برفق من ندى ثم قبلها بحنو في أنحاء وجهها : كنتي فين يا حبيبتي!!.
_ مع جدو..بص دادي..
رفعت الحقيبة البلاستيكية بفرحة أمامهم ..انزلها مالك وبداخله يغلي كحمم البركان المنصهرة .. هاتفًا لزوجته بلهجة حاول إخفاء الحدة بين ثناياها :ندى خدي ندوش جوه تاكل الحلويات دي هي وانس وإيلين وسيف..
جذبت ندى الصغيرة ثم دلفت للداخل و عقلها لا يهدأ من التفكير ما شأن خالها بابنتها، وماذا ينوي مالك فعله؟!!..
أما بالخارج...اقترب مالك يهدر بعنف بوجه خاله : أنا عاوز اعرف إيه وصل بنتي ليك!!.
أمسكته والدته وحاولت تهدئته : مالك أهدى وهاتفهم من خالك..
رمقهم أحمد ببرود قائلًا بعدم فهم : تفهموا إيه، البنت كانت طالعة على البوابة في أيدها فلوس عاوزه تشتري شكولاتة، وأنا كنت لسه جاي بالعربية شفتها أخدتها واشتريت لها في إيه!!!.
هتف مالك بصوت جهور غاضب : خمس ساعات، بتشتري خمس ساااعات مفكرتش للحظة تطمنا عليها..
هدر خاله أمامه بعنف : أنت بتكلمني أزاي كده...
وقف عمار بينهم ليقول : استهدوا بالله يا جماعة، المهم إن هي بخير..
التفت أحمد لكي يغادر المكان رافضًا طريقة مالك وهجومه، وقفت أمامه ندى والصغيرة، تعجب لوجودهم أمامه فجأة...
_ ندى بوسي جدو وقوليله شكرًا على حاجات الجميلة دي..
طبعت الصغيرة قبلة فوق وجنته، حاوطت وجهه بيدها الصغيرة كما تفعل مع والدها، لتقول بنبرة خافتة : شكرًا جدو..بحبك..
آه من نبرتها، وطريقتها، وقبلتها وكل شيء يأتي منها، الوحيدة القادرة على إخماد غضبه ، القادرة على إشعال مشاعر بداخله لها حلاوة من نوع آخر..لم ينكر أن الماكرة والدتها موقفها معه جعل قلبه يدق بعنف..، حاول الهرب من تفكيره ومشاعره، ولكن مازالت يدها تحاوط وجهه، ملمس أناملها جعله يغمض عيناه تحت سطوة عشقه لتلك الصغيرة..
فتح عيناه مجددًا بعدما استمع لصوت والدته تحثه على الدخول للحديقة : ادخل يا أحمد ده شيطان ودخل ما بينا...
رمق مالك بنظرة غاضبة ثم دلف خلف والدته وهو يحمل الصغيرة رافضًا التخلي عنها، حتى هي تعلقت به، يقال إن الطفل يشعر بالحنو ويركض خلفه، الغريب هنا أن الحنان يأتي من قلب قاسٍ يحمل الكره لوالدتها...
صعد مالك بسرعة نحو شقته، حاولت الركض بنفس سرعته ولكن فشلت لسرعته الرهيبة، وصلت بأنفاس لاهثة خلفه...
_ مالك استنا، في إيه ؟!..
التفت نحوها ينظر لها بعيون مشتعلة من الغضب وعروق وجهه تنتفض بقوة، فـ بدا كالثور الهائج الذي يود أن يقتلع رأس أحدهم غير عابئًا بمن يقف أمامه...خرجت الحروف من فمه غليظة وصوت غاضب جهور ..
_ انتي هاتنجنيني...هو ايه اللي في أيه،  هي مش بنتك كانت ضايعة  من شوية، وكنتي  هاتموتي فيها واغمى  عليكي ، بتسألني في ايه ازاي...آآه ازاي  أسالك  في ايه، وانتي بتحاولي تصححي علاقتك بخالك حتى لو على حساب غضبي او بنتك...
اسبلت جفونها تحاول فهم هجومه عليها، اقتربت منه قائلة بنبرة خافتة عكس أنفاسه المرتفعة : مالك انا حاولت انقذ الموقف ومزعلوش مننا، ويكره ندى زي ما بيكرهني..
جحظت عيناه بغيظ منها ليقول : أهو شوفتي بقيتي متعقدة منه، وهاطلعي عقدك علينااا..
لم ترد، لم تحرك جفنيها حتى لقسوة كلماته، لملمت شتات نفسها ولم تعقب على حديثه، اكتفت بالصمت وبنظرة حزن، نظرة بها ألف معنى ومعنى، ومن أخطأ وحده القادر على فك شفرتها، العتاب معه الان سيضاعف من حزنها والآم قلبها، من الافضل الاكتفاء بالصمت وبتلك الاشارات التى ارسلتها عبر نظراتهااا...خرجت من الشقة بسرعة تمنع نفسها من البكاء، حثت نفسها على التحلي بالقوة... ولكن أين تلك القوة وهي تراقب صعود مريم السريع نحو سطح البناية..
_ مريم مالك!!.
اجابتها وهي تُكمل الصعود بخطوات واسعة ونبرة مرتعشة : مفيش..
كادت أن تلحقها ولكن صعود عمرو خلفها منعها وجعلها تتوقف وتراقب ذلك المشهد بصمت... ابتسمت بسخرية لنفسها، ها هي تتخطى أمر شجارها معه وتصب انتباها نحو هؤلاء العاشقين التي أوشكت علاقتهم على الانتهاء لو تهور أحد الطرفين في لحظة جنون ..
وصلت مريم لسطح البناية تتنفس بغضب، تحاول إيجاد بعض من الهدوء أو الثبات النفسي والانفعالي لديهااا، ولكن أين تجده وذلك الوقح خلفها دومًا، يشعل فتيل غضبها ويتساءل بعدها بكل براءة أين هدوءك؟!!...
التفتت بجسدها تشير بأصبعها نحوه بكل عصبية : بقولك إيه يا عمرو كلمة كمان وانهي الحوار ده حالًا...
تهدده بكل جراءة وكأن العصمة بيدها، بلهاء حَقًّا حتى في تهديداتها الطفولية، رمقها ببرود ظاهري قائلًا : اهربي حلو بعصبيتك، اهربي، خايفة أعاقبك على فعلتك المهببة..
شهقة صدرت منها وكأنها من نساء حي شعبي وعلى مقدمة شجار حاد مع أحدهم متناسية أي شيء حتى لو كان منظرها أمام من حاولت أن تظهر أمامه دومًا بمظهر لائق ومنمق...
_ نعم..نعم..بقولك إيه بلاش أنت تتكلم علشان متخسرش.
صدرت منه ضحكات ساخرة عندما لانت ملامحه من علامات الدهشة التي استوطنتها بعدما رأها لأول مرة على هذا النحو : الله أكبر..مريم هانم هاتردحلي..طلعي يالا اللي جواكي.
نظرت شزرًا له،  اقتربت بخطوات متوعدة  وكأنها  تقول له رأيت فتاة وقحة ما رأيك بفتاة يظهر عليها بودار الاجرام الخطير في ثوان حتى تنقذ قصة حبها التي ثابرت لاعوام للحفاظ عليها وسط تذمر والدها من تلك الزيجة...جذبت ياقه قميصه الابيض وجعلته يقترب منها بجسده وخاصة رأسه التي كادت ان تلامس رأسها...
_ وعندي استعداد اقتلك لو اثبتلي فعلًا انك بتخوني، انا مضيعش سنين عمري علشان ست ريتا دي تخطفك مني..فاهم..
حدق بعيونها المتسعة وهي تنتقل بين قسمات وجهه، نظراتها الغاضبة تقابل نظراته الهائمة، أنفاسها اشعلت جمرات من اللهب في جسده، لاول مرة يقترب منها على هذا النحو بعد مجيئه من السفر، يتعامل بحدود وكأن ليس بينهم رابط، وخاصةً بعد مجئ ريتا معه.. يتشوق لتذوق رحيق شفتيها واشباع تلك الرغبة الجامحة بداخله .. رغبة بامتلاكها وادخالها في اعماق قلبه، لترى كم هو متيم بذلك العشق...لم يستطع الصبر طويلًا وقرر الانصياع لذلك النداء الخفي بداخله، اقترب للحظة منها وامتلك شفتيها بشفتيه في قبلة فجر بها جميع مكنوناته الخفية المتعلقة بعشقها المستوطن داخل صدره وعقله وقلبه، بل لنقل داخل كيانه بأكمله...
ابتعدت عنه في ارتباك عندما التقطت أذنها نداء ليله لها..حاولت هندمة نفسها وحجابها أما هو فابتعد فورًا عنها يستند بيده على حافة "السور " ينظر للبحر، شاردًا في أخذ أنفاسه التي سُلبت منه عندما لامس شفتيها وارتشف من رحيقها...
_ مريم أنتي هنا...
اقتربت مريم منها قائلة بصوت مرتبك : آه هنا..
تحرك عمرو نحو الباب لافتًا لها بصوت جعله أكثر خشونة : هانتكلم بعدين في اللي أنتي هببتيه يا مريم..
وقبل أن يغادر أرسل لها قبلة في الهواء مصاحبة لغمزة وقحة من عيناه...ارتبكت هي لما فعله وظلت شاردة في قبلتهم الأولى وهي تنظر في أثره..انتفضت على يد ليله المتسائلة في فضول : هيبتي إيه!!.
اجابت ببرود بعدما أخرجت تنهيدة قوية من صدرها : ولا أي حاجة اكتشف أن رابطة الواتس بتاعة بالواتس بتاعي..وطبعًا مضايق..
اتسعت أعين ليله قائلة : واكتشفتي خيانته!!.
_ خيانته إيه، أنا كنت براقبه أشوفه هايجيبها إسكندرية من ورايا ولا لا، كنت عاوزه أشوف مدى غلاوتي عنده، بس لا عمرو ميخونش..عمرو يحبني.
قالت جملتها الأخيرة بأعين تلمع من السعادة كلما تذكرت حلاوة مشاعرها تحت سحر قبلتهم..
انتبهت على شرود ليله وكلماتها الحزينة : يعني مازن ممكن ميكنش بيخوني..
هتفت مريم بنفاد صبر : لا بقولك إيه متفتحيش سيرة مازن بدل ما أضربك على دماغك..
أجلستها ليله على الأرض قائلة بحزن : اسمعي بس، انهارده شوفته واقف مع شاهي اللي كانت بتحذرني منه وبتقولي شخصيتك وكيانك ومستقبلك، واقفة بتدلع عليه وبتكذب عليا في التليفون..
هزت مريم رأسها تحاول استيعاب حديثها غير المرتب والمفاجئ لها : لا استني، وأحكي من الأول واحدة واحدة ...
تعلقت ليله بحديثها وهتفت برجاء : وهاتقوليلي اعمل إيه بالظبط علشان أشوفه لسه بيحبني ولا لا..
رمقتها مريم بفخر قائلة : عيب عليكي هاساعدك طبعاً .. وهافاجئك بذكائي..
اعتدلت الأخرى تقص عليها كل شيء من بداية علاقتها بمازن بأدق التفاصيل وأخرهم علاقتها بشاهي صاحبة قشرة المرأة وكيانها..
.............
راقبت الجميع بعيونها ثم مالت نحو شريف قائلة بقلق : هو أنا جيت في وقت مش مناسب يا شريف..
هز شريف رأسه بنفي وهتف سريعًا يحاول تبرير موقفهم : لا يا سوزان بالعكس، بس ندى الصغيرة اختفت وكانت مع أحمد خال مالك وكنا فاكرينها ضايعة، بس حصل شد وجذب قبل ما تيجي والموضوع انتهى يعني..
حركت رأسها بإيماءة متفهمه موقفهم المرتبك .. حولت مجرى حديثها مع شريف عن اشياءًا أخرى كعملها وسكنها الجديد..لاحظت بطرف عيناها دخول أحمد للبناية، صحيح كان لقاؤهم ليس إلا واحدًا فقط، ولكن في ذلك اللقاء جذب انتباهها نحو شخصيته الغريبة والعجيبة، وخاصةً عندما راقبت انفعالات جسده التي تتقلب في الدقيقة آلاف المرات في وجود تلك الجميلة ندى، شعرت وكأنه يصارع شَيْئًا ما بداخله، شيئًا تجهل هي سببه...لم تنكر أن فضولها في مرات عديدة كاد أن يدفعها نحو شريف لكي تسأله، ولكن أسئلة شريف عن سبب اهتمامها تجعلها تتراجع للخلف مقررة الالتزام بالصمت والاكتفاء بالمراقبة...انتبهت على يد والدة أحمد، تلك العجوز الطيبة التي كلما هي ظهرت بمكان تتسع ابتسامة المرأة فرحًا..ترى ما سبب كل تلك السعادة التي قرأتها في أعينها كلما تحدثت معها ينير وجهها فرحًا ..سعادتها توحي بأنها وأخيرًا وجدت طوق النجاة ولكن لمن؟!!...
.............
قلبت الملعقة الصغيرة في المشروب الساخن، راقبت انسياب حبات السكر وحبيبات الشاي معًا، ترى هل تذوب هي في علاقتها يومًا ما مع خالها، ترى هل تستطيع يومًا احتضانه مثل احتضان المياه لحبات السكر والشاي...
لم تجد أجابه واضحة..فـ لونهما الذي تحول تَدْرِيجِيًّا نحو الأسود المائل لاحمرار قليلًا، قد يعطيها أجابه نحو لون حياتها معه، ابتسمت بسخرية عندما  رأت ذلك اللون..لتهتف بتهكم..
_ أسود، هي الإجابة أهي واضحة..
_ بتكلمي نفسك!!.
انتفضت برعب عندما التقطت أذنها صوته الرخيم، التفت بجسدها حتى تتأكد بعيونها وجوده...نعم!!، خالها، يقف ويحادثها بنبرة صحيح يغلب الجمود عليها،  ولكن لا يهم، يكفي فقط وجوده..ابتلعت ريقها بتوتر بالغ لتقول بنبرة جاهدت إن تكون ثابتة : عادي، أحيانًا من ضغط الحياة..
فاجأها بسؤاله كما يفاجئها دومًا : بتكرهيني؟!!.
صمتت لبرهة تستوعب سؤاله، خرج صوتها يجيبه أجابه لم يشعر قلبه بالراحة منها : ولا بكرهك ولا بحبك!، حقيقي مبقدرش أحدد موقفي منك..
ضيق عيناه أكثر يحاول أن يصل لصدق حديثها، تجرأت وسألته هي الأخرى : وحضرتك بتكرهني ولا بتحبني؟!
تعلقت أنظارها به تنتظر أجابته بقلب يدق بعنف وعقل ينتفض بخوف من أجابه قد تزهق روحها مجددًا وتهوي مجددًا من سابع سماء لترتطم بأحقاد الماضي وذكرياته المؤلمة ...

دمتم سالمين 💜☕

البارت السادس 🌸🌸
دلفت لشقتهم بوجه مريح، وابتسامة هادئة ترتسم فوق ثغرها..وضعت الصغيرة بفراشها بهدوء، ثم انتقلت صوب الشرفة تستكمل باقي الراحة التي تبحث عنها لأيام منذ مجيئهم هنا..
 جلست فوق المقعد تنظر للبحر و أمواجه الهادئة، وتلك النسمة الباردة تداعب وجهها في لطف، تنهيدة ناعمة خرجت من جوفها، قررت خلع حجابها لتشعر بحريتها الكاملة..أغلقت عيناها وأرجعت رأسها للوراء تُفكر فيما حدث اليوم...
 _ وحضرتك بتكرهني ولا بتحبني؟! 
 تعلقت أنظارها به تنتظر أجابته بقلب يدق بعنف وعقل ينتفض بخوف من أجابة قد تزهق روحها مجددًا وتهوى مجددًا من سابع سماء، لترتطم بأحقاد الماضي وذكرياته المؤلمة..
راقبته بعيونها بشغف رهيب لم ينتابها من قبل..جلس فوق أقرب مقعد يرمقها بنظرات غامضة..
 _ ليه عملتي كده انهارده، إيه قصدك تحاولي تصلحي العلاقة ما بينا ؟!..
 صمتت لبرهة، تحدج به بقوة، لما يحاول الهرب من سؤالها..ابتلعت ريقها وهي تجيبه بثبات رغم انتفاضة قلبها وكأنها تُقبل على امتحان صعب..
 _ رغم أن دي مش إجابة سؤالي، بس هاجاوبك وأنت بعدها تجاوبني..أنا عملت كده علشان عارفة عصبية مالك، وعارفة أن ممكن في عصبيته ممكن يخسرك، وأنا محبتش يخسرك زي ما أنا خسرتك، رغم إن أنا ماليش علاقة باللي حصل زمان..
 ابتسم ساخرًا ليقول بنبرة قوية تحمل بين طياتها الحقد : أزاي بقى ، أنتي مش بنته، مش بنت اللي حرمني زمان من الإنسانة اللي بحبها، وعاش حياته، كسرني وكسرها ودمر حياتها..
 هتفت بحزن : ومات...أي كان أسبابه هو مات..أنا ذنبي إيه، ليه تأذوني بالشكل ده!!..
 _ ومين أذاكي !!،مش ابوكي، مش هو اللي عمل فيكي كده، وبعدين تقدري تقوليلي أنا أذيتك في إيه، ولا عايشة على أوهام ابوكي ورأفت...
 اقتربت منه لتقول بنبرة باكية : بنظراتك ليا، بتجاهلك ليا، بمعاملتك ليهم وأنا نظراتك ليا كلها كره...عايز توصلي بأي طريقة أنك بتكرهني...
 نهض من مكانة قائلًا ببرود : واديكي عرفتي أجابة سؤالك...
همست بنبرة باكية وهي تراقب خروجه : بتكرهني!.
 وقبل أن يغادر، التفت لها يرمقها في صمت طويل، تسابقت الكلمات بداخله كحال مشاعره، ولأول مرة يطلق العنان لمشاعره حتى تخرج من جوفه عن طريق كلمات قليلة ولكن ستكون لها أثر نفسي كبير في قلب الطرف الآخر..
 _ بس بدأت افتح قلبي ليكي..
 ألقى بكلماته دفعة واحدة ، ثم غادر المكان بسرعة..قبل أن يعود ويهدم ما قاله بسبب ذلك الصراع الذي نشب ما بين القلب والعقل..
 عادت من شرودها الذي غرقت به لأول مرة وهي سعيدة..انتبهت لجسد مالك الواقف أمامها يستند بمرفقيه فوق سور الشرفة...
 نظفت حلقها قائلة بهدوء : أنت هنا!!.
 استدار بوجهه لها هاتفًا بتهكم : آه هنا...لدرجة دي مش واخدة بالك!، إيه وجودي بقى زي عدمه..
 رفعت أحد حاجبيها بتعجب من طريقته، يعاملها بجفاء وكأنها من جرحته!!!.
 تمتمت بحديث خافت : أنا أقوم أحسن علشان متخنقش معاه..
 ارتفع صوته بضيق بالغ : وكمان مش همك زعلي..
 تراجعت بخطواتها نحوه تنهره بضيق مماثل ولكن بصوت خافت حتى لا يكونوا حديث الساعة أو مضغة في افواهم : لو سمحت يا مالك وطي صوتك عيب كده..
 دلفت الحجرة بعدما انتهت من حديثها..أما هو فـلم يتراجع لو للحظة عن غضبه، دلف خلفها وتحول وجهه للون الغسق : ندى، أنتي بتكلميني أزاي كده، على فكرة أنا ليا احترامي..
احتلت الدهشة مكانًا بارزًا من وجهها : بكلمك أزاي، وليه أصلًا بتتكلم معايا بالهمجية دي!!.
 احتشد الغضب في صوته قائلًا : أنا همجي!!.
 تبددت جرأتها لتقول بنبرة حاولت أن تكون هادئة وتخفي خلفها ذعرها : أنا أقصد الطريقة، شوف بتحول كلامي أزاي!.
 توهج وجهه كشعلة نار، تسابقت الكلمات البذيئة بداخله ولو كان شخصًا أخر أمامه سيمطره بوابل من الشتائم الحصرية..
 جذب متعلقاته بسرعة ثم خرج من الشقة دون أن يتفوه بأي كلمة...ركضت بسرعتها نحو الشرفة تبحث بعيناها عنه ، لم تراه، انتقلت بسرعة نحو النافذة في الاتجاه الآخر وجدته يستقل سيارته وفر هاربًا من شجار لو استمر به سيحزنها طيلة حياتهم...
 ............
 _ أنا قولتلك، قولتلك يا هبلة أنا عارفة حركات البنات دي، شوفي بقي نتيجة أفعالك وتلاقيه دلوقتي هايخطبها...
 تقلصت ملامحها بغضب عقب حديث مريم، تخيلت خطبة مازن وشاهي، شعرت بدقات قلبها العنيفة حتمًا وقتها ستكون ذابلة كزهرة فارقت غصنها، وفي ثواني هاجر الغضب وجهها وزراها الخوف لتقول : طيب أعمل إيه يا مريم، ماشي اتنيلت وفكرت كده، أعمل إيه!!.
 أشارت نحو هاتفها قائلة بأمر : فورًا تتصلي به تقوليله أنا شفتك انهارده في إسكندرية، وشوفي بقى هايكذب ويخبي زي ما هي خبت ولا هايصارحك...
هتفت بنبرة مهزوزة : طيب وافرض مردش أصلًا ، ده بقاله كتير بيحاول يوصلي وأنا حاطة رقمه في البلاك لست..
 شهقة صدرت من مريم من غباء الاخرى لتقول : يا غبية هو كان عملك إيه علشان تعملي كده..
زفرت بضيق : الله، ما هو كان بيضغط عليا باتصالاته ففكرت أن اعمل كده علشان أفكر بهدوء..
 _ هدوء ما يخدك انتي هاتشليني، تصدقي كنت بقول عليكي زكية بس طلعتي أهبل مني..بصي بقى لو  رد عليكي هيبقى لسبيبن هو انه يعرفك  بطريقة ما  انه حب غيرك، ياما انه لسه فعلًا بيحبك ..يالا اتصلي  خلينا نشوف هايعمل ايه!!.
بالفعل اتصلت ليله بقلب يرتجف بخوف من حقيقة انه بالفعل احب غيرها، بعد دقيقة اتاها صوته : خير..
 ابتلعت ليله ريقها قائلة : ايه ده في حد يرد كده!.
 _ أصل مستغرب اتصالك، خير في حاجة؟!.
 تجمعت الدموع في مقلتيها من طريقته الجافة، ولكن حثتها مريم على الاستمرار..فخرج صوتها مرتعشًا : يعني لو مضايق اقفل، او معطلاك..
اسطردت حديثها سريعًا قبل ان يجيبها : مع ان شوفتك انهارده في اسكندرية!.
 _ اممم بجد، آه جاي اجازة، انتي جاية اجازة بردوا...
 كان يقصد ان يرسل لها اجابة مبطنة الا وهي، انا لم أعد اهتم بكِ..وبالفعل وصلت لها، فهبطت الدموع من مقلتيها بقهر : آه، طيب الحمد لله ان اطمنت عليك، وربنا يوفقك في حياتك الجديدة..
 ضحك قاصدًا اغاظتها : ايه ده عرفتي اني خلاص قررت ادور على مستقبلي وعلى انسانة بتحبني بجد مش حب مراهقين وكده!.
 ابتعدت مريم بسرعة تنظر بصدمة لليله بعدما كانت تضع اذنها بجانب هاتف ليله تسترق السمع بصعوبة..وضعت الاخرى يدها بحزن فوق فمها تمنع شهقاتها من الخروج للعلن..لم تستطع استكمال محادثته فاغلقت الاتصال بوجهه مغلقة الهاتف باكمله...حولت بصرها نحو مريم قائلة ببكاء : شوفتي هايخطبها..
 حاولت مريم تهدئتها هاتفة بنبرة حانية : ليله متزعليش نفسك، هو أكيد فهم انك مش عاوزاة، فقال احافظ شوية على كرامتي..
قصدت مريم أن تخبرها بأنها من بدأت وعليها تحمل نتيجة أفعالها...
 ابتسمت ليله ساخرة : ده مفكرش أنه يحاول معايا كمان مرة..وما صدق يخطب صاحبتي علشان يوجعني..
 قطبت مريم ما بين حاجبيها قائلة : يحاول كمان مرة ليه؟!، هو الإنسان عنده كام كرامة؟!..
رمقتها ليله بضيق: قصدك إيه؟!
إجابتها مريم بهدوء : قصدي أنه حاول كتير وكل إنسان له طاقة، وهو طاقته نفذت، مش كل الرجالة زي فارس ولا طاقة تحمله لجنون يارا، انتي مش يارا وهو مش فارس، كل اتنين وليهم طبيعة افكارهم وطبيعة علاقتهم، اعتقد انك لما شفتي فارس واصراره على انه يرتبط بيارا فكرتي ان مازن هيعمل كدا ويصمم نفس تصميمه، بس لأ مفيش حد زي حد، ودلوقتي خلاص يا حبيبتي طريقكم اختلف .. يالا هاقوم أنام وأنتي قومي نامي لغاية ما أفكر كويس في الموضوع ده..
 تركتها مريم وحدها..وبقيت ليله كقارعة طريق مهجور، تفكر في أفعالها سابقًا وتندب حظها حَالِيًّا..
 ..........
 وصلت إلى شقتهم في الدور الأرضي، وذهنها لا يهدأ من التفكير في حكاية ليلة...شردت قليلًا، ماذا لو سمحت لتلك الريتا بتدمير حياتها لكانت الآن تبكي قهرًا على حب استوطن القلب وجعله تحت رحمة عشق أبدي..وقبل أن تمد يدها لتفتح الباب كانت تندفع بقوة رهيبة نحو زاوية ما في مدخل البناية..كتمت أنفاسها وهي تندفع بتلك القوة، فتحت عينيها وجدت عمرو يقف أمامها مبتسمًا بسعادة : وحشتيني.
 كادت أن تبتسم ولكن تلك النظرات الوقحة التي قرأتها بوضوح جعلتها تتراجع أو تحاول جاهدة أن ترسم الجدية فوق قسمات وجهها الجميل : إيه ده يا عمرو، عيب كده ..
 رفع أحد حاجبيه معترضًا : عيب، هو أنا أعرف العيب بردوا..
حاولت أن تدفعه بعيدًا عنها قائلة : عمرو لو حد جه واحنا كده هايقولوا عننا إيه.
 اتسعت ابتسامته ليقول بنبرة خافتة : واحد ومراته..وبعدين كله نايم دلوقتي، سيبني بقى أعاقبك على اللي أنتي عملتيه...
تحولت ملامح وجهها بسرعة تردف بهجوم : تعاقبني، انا اللي مفروض أعاقبك على اللي أنت عملته.
 اقترب منها أكثر وهتف بعبث : طيب آوك عاقبيني.
 ضحكت على وقاحته قائلة : ياربي منك، معرفش أخد موقف منك كده أبدًا.
 _ وتاخدي ليه يا نكدية، أنا اتنيلت وخلعت منها علشان خاطر عيون الجميل...
 حاوطت رقبته في غنج : طبعًا لازم تعمل كده، يا نهارك يا عمرو لو كنت جبتها معانا كنت زقيتك في البحر وغرقتك...
 نظر في عينيها مباشرةً ليقول بحب : طيب ما أنا غريق فعلاً ومحدش عارف ينقذني...
 احمرت وجنتيها خجلًا قائلة : احم ويا ترى غارق في حبي بقى !.
 _ لا غارق في عينيكي...
 وضعت يدها فوق وجنتها تتحسسهم بخجل : ياربي على كلامك يا عمرو...
 لثم وجنتها بقبلات متفرقة ومن بينهم هتف : إيه بيغرقك معايا..
 انتفضوا برعب عندما استمعا لصوت شيء ثقيل يقع أرضًا خارج البناية، دفعت عمرو عنها وركضت بسرعة نحو شقتهم تختبئ منها..ظَاهِرِيًا تختبئ من أي حرج قد يتسبب لها ما أن رأها أحدهم بهذا الشكل مع عمرو، وَدَاخِلِيًا هي تختبئ من فرط خجلها، تختبئ من نظراته التي كادت أن تلتهمها بنهم، تختبئ من أنفاسه الحارة وقبلاته الرقيقة...اختبأت من قلب تستمع لدقاته كلما اقتربت منه..لتدرك كم كانت بلهاء عندما شعرت بالشك لو للحظات منه، هذا العاشق لا يعرف معنى أو طريق الخيانة، هذا العاشق يعزف ببراعة بحبه فوق أوتار قلبها المسكين ...فتصدر عنه ترنيمة غرام لا مثيل لها.
 خرج عمرو خارج البناية يبحث عن مصدر الصوت فوجد مالك يقف بأحد الأماكن المظلمة ..وأمامه كرسي ملقى أرضًا..رمقه  عمرو بعد فهم قائلًا : انت واقف كده ليه ياعم!.
 جز مالك فوق أسنانه مردفًا : مستني البعيد يفهم ويخلص وصلة الغزل دي..
 ارتبك عمرو قليلاً : ايه وصلة غزل ايه وبتاع ايه....انا كنت مشغل فيلم جوه بتفرج عليه..
أخيرًا عرفت البسمة طريقها بعد يوم ملئ بالمشاكل والضغوطات : صح والدبلجة كانت صوتك أنت ومريم...أنت غبي ياله ولا مالك في إيه..أوعى من وشي!..
 لم يستطع الرد وكما يقال في هذة المواقف المحرجة قطة أكلت لسانه ، مر مالك بجانبه وقبل أن يدلف للبناية أردف بتحذير لاذع : اللي حصل ده ميتكررش حتى لو هي مرآتك..افرض أبوها كان طلع وشافك، كان نيلها فوق دماغنا وأنا وربنا ما ناقص مشاكل وقرف .. استنا ياخويا لما تبقى تتجوزها بجد..
 تحدث عمرو بخجل بعدما اكتشف أخاه أمره : طب كلم شريف بقى، أنا كل ما أجاي اكلمه يأجل وعامل موضوع ريتا حجة ، واهي سافرت انهارده.
 _ لما نروح من الرحلة النكد دي..هاكلمه، تصبح على خير..
 صعد مالك نحو شقته وتبقى عمرو وحده ينظر في أثره بتعجب !!.
 .......
 تقلبت في الفراش يمنِيًا ويسارًا بخوف وقلق، لأول مرة يتركها بهذا الشكل ويخرج غاضبًا، زفرت بحنق من كل شيء، حتى الراحة التي بدأت تشعر بها، تبددت بسبب غضب مالك!..، فكرت كثيرًا في سبب غضبه، لم تجد مبررًا واضحًا له، هي من لها الحق في الغضب، هو من أسمعها كلمات لاذعة جرحتها، ليس من طباعه أن يغضب هكذا، لما تغير هكذا فجأة، قضت الليل بأكمله تفكر فيه، حتى استمعت لصوت فتح باب الشقة....أغلقت عيناها بسرعة وتظاهرت بالنوم وداخلها يتراقص متوترًا من حركة مالك القريبة، شعرت به يرقد في الطرف الآخر من الفراش وتجنبها..تفاقم شعور بالغضب والحزن بداخلها منه وعليه!!.
 قررت أن تنهي تلك الغمة بقليل من الحكمة..
 التفت بجسدها ثم اقتربت صوبه، التصقت تقريبًا به، نظرت من فوقه على ملامح وجهه رأته يغلق عيناه وأنفاسه ليست منتظمة، أحيانًا تعلو للمسة يدها فوق يده، وأحيانا تختفي تمامًا كلما اقتربت بوجهها منه..مازالت تأثر به، شعور بالفخر يزداد لديها كلما أحست أنها تسيطر وبشكل قوي على ذلك القلب!!!.
 قررت أن تلاعبه بتروي وهدوء، زفرت برفق بجانب وجهه ، فداعبت أنفاسها بشرته..تشنج جسده وهاجمته ذبذبات هزت كيانه بالكامل!!.
كتمت ضحكتها بصعوبة وخرج صوتها مبهجًا : فتح عيونك وقول أنا آسف وأنا هاسامحك.
 استجاب لها بالفعل ولكن لنقل في الجزء الأول فقط، خرج صوته متهكمًا : نعم!..مين اللي يقول أسف!.
 صمتت لبرهة، ثم قالت بعدها بمكر أنثوي : أنا وأنت، أنت غلطت فيا لما قولتلي كلامك اللي جرحني الصبح، وأنا غلطت فيك لما سبتك زعلان ومتكلمتش معاك..بس أنا سبتك لسبب أن قلبي زعلان منك!!!.
 اعتدل في جلسته، وأصبح مقابلًا لها مردفًا بضيق بالغ : أنت المفروض تعذريني أنا كنت هاموت من خوفي على ندى، وهو بيرد ببرود، محسش بناري، وأنتي كل اللي شاغل بالك هو وزعله، حتى أنا مهمكيش أنا و زعلي!!..
 حشرت نفسها بأحضانه قائلة : انت أزاي ممكن تتخيل للحظة ان في حد أغلى منك أنت وندى..انتوا حياتي كلها، وعلشان أنت حياتي خوفت وانت في عز غضبك تدمر حياتك، أنا ضهرك ومرايتك ودايمًا معاك وده واجبي ناحيتك..
 شدد عليها بيده قائلًا بحب : هو أنتي هاتفضلي لغاية أمتى تخطفيني بكلامك ده!!.
 رفعت وجهها تهتف بدلال لا يليق إلا بها : لغاية آخر نفس فيااا..
 طبع قبلة حانية فوق جبهتها : حبيبتي، ربنا يخليكي ليااا.
 رددت خلفه بنبرة يتخللها راحة وحب : يارب..
 اكملت حديثها سريعًا تخبره ما حدث اليوم مع خالها، لمح تلك اللمعة بعينها وتلك السعادة التي تخللت نبرتها، فجعلت من غيرته تزداد حدة .. قطعها بنبرة غاضبة لم يستطع السيطرة عليها : خلاص بقى هانقضي الليلة كلها نحكي عليه!!، أنا زعلان ومحتاج تصالحيني بزمه..
 ضيقت عيناها تسأله بمكر : مالك أنت بتغير عليا منه!.
 أشار على نفسه مُستهجنً حديثها : أنا لا استحالة!.
 كررت حديثها بنبرة أشد لؤم : مالك!!.
 ضحك ضحكات متقطعة ليقول : هو أنا أهبل يا حبيبتي استحالة...
 _ مالك!!.
التفت بوجهه نحوها هاتفًا بغيظ: آه واسكتي علشان حساس إن أنا أهبل!.
 انتباها حالة من الضحك لم تستطع السيطرة عليها .. مد أنامله وداعب خصرها في مرح، فازدادت في نوبتها تلك، حاولت التخلص من قبضته ولكن لا فائدة، قيدها بيده مثلما قيد قلبها...أخيرًا انتهت من مرحها بعدما جذبها نحوه يلتصق بها بقوة هاتفً بخفوت : بحبك آوي متزعليش مني، بصي هو أنا هاغير من أي حد يخدك مني وأحس أن قلبك فرحان من غير ما أكون أنا سبب في ده!!.
 ورغم خفوت نبرته إلا أنها وصلت بما تحمله من مشاعر فياضة لأعماق قلبها..فثارت تلك العاصفة التي اقتلعت حزنها منه وعادت تلك الزهور تتورد مجددًا في قلبها ليعود من جديد ينبض بعنف أثناء اقترابه..لم تعقب بل اكتفت بالنظر لعيناه و وحدها لغة العيون كفيلة بالبوح بما تخبئه القلوب...تشابكت نظراتهم في حديث طويل انتهت بقبلات من كلا الطرفين وكأنهما كانا في صحراء وقلوبهم تحتاج أن ترتوي من جديد...
 .............
 جلست بالقرب منه تنظر له بتفكير وتحاول إيجاد كلمات مناسبة حتى تُلقي ما في جبعتها دفعة واحدة ...
 _ فارس هو أنا لو حامل مثلًا أنت...
 لم تُكمل حديثها وبصق المياه التي كان يتجرعها دفعة واحدة، شاهقًا بقوة وتحول وجهه إلى اللون الأحمر...
 _ احم...بتقولي إيه عيدي كده...
 احتدت ملامح وجهها وكأنها ستدخل حربًا توا : في إيه يا فارس هو أنت كاره أبقى حامل منك!!.
 مسح فمه بمنديل قائلًا بخشونة : ده على أساس أنس اللي جوا ظروفه إيه متبنيه!!.
 ترقرقت الدموع بعيناها قائلة بصوت مرتعش : أهو شوف أنت عملت إيه!!.
 سألها متوجسًا : أنتي حامل يعني؟!.
 صمتت لبرهة تمسح تلك العبرة الساخنة التي سقطت فوق وجنتها لتقول بعدها : لا.
 لكزها في كتفها قائلًا بفرحة عارمة : طيب ياستي خوفتينا ليه..
رمقته بضيق وحزن في آن واحد والتزمت الصمت ثم تابعت التلفاز بعيناها .. قرصها من وجنتها مستكملًا حديثه بمزاح : أنتي اتقمصتي يا مجنونتي!!..
 رفعت انفها لتقول بكبرياء : وأتقمص ليه، دي حرية شخصية، أنت لو بتحبني هاتحبني أجبلك بيبي!..
 مسد فوق شعرها بحنان ثم أردف موضحًا حديثه أكثر : يارا..أنتي عارفة كويس أنا بحبك قد إيه، بس حبيبتي من وقت ما جبنا أنس وأنا حساس أننا بنجري في تراك طويل، لو جبنا بيبي تاني نفسي هايتقطع يا حبيبي، سبيني أخد هدنة مع نفسي وأحاول استوعب أني ممكن أجيب عيل زنان تاني زي انس، واهو فرصة يكون أنس بطل زن .. ونستقبل ليڤل أعلى في الزن يا حبيبتي..
 حولت بصرها نحوه ترمقه بغيظ قائلة : براحتك...تصبح على خير..
 نهضت ثم دلفت الغرفة تفرغ شحنة ملئت صدرها فجأة من البكاء..أما هو فنظر لأثرها متمتمًا بضيق : ياربي هو أنا لحقت أصالحها، علشان ادخل في خناقه جديدة!!.
 ............
 استمع لحديث والدته وأخته باهتمام واضح متظاهرًا العبث بهاتفه..
 _ معقولة واحدة في جمالها مبيجيش ليها عرسان..
 هزت ماجي كتفيها بلامبالاة : أنا أعرف يا ماما، شريف بيقولي عايشة على ذكرى جوزها..
 هتفت والدتها بفضول : ومقالكيش هي مخلفتش ليه!!.
 اجابتها بخفوت : العيب كان من جوزها، وبلاش نجيب في سيرة الناس علشان دي حرمة ميتين!!.
 انفجرت أسارير والدتها ولكن حاولت أن تخبئ فرحتها قائلة : يالا ربنا يرزقها بابن الحلال!..
 رددت ماجي خلفها وهي تنهض : يارب، هاقوم أنام بقى ..
 انتظرت والدتها دخول ماجي وقالت لأحمد بلؤم : وأنت إيه رأيك في الكلام ده يا أحمد!!.
 رفع وجهه قائلًا بتهكم : وأنا مالي!!.
 _ وأنت مالك أزاي، ما أنت سامع كلامنا كله..
 نهض أحمد قائلًا ببرود كعادته عندما يحاول الهرب من أي حديث أو مأزق : أنا هاقوم أنام تصبحي على خير!!.
 هرب كعادته راكضًا خلف سراب من الماضي .. وذكريات مؤلمة حتى لو كانت ذبلت روحه بسببها وجعلت منها أرض جدباء لا فائدة منها ...

دمتم سالمين 💜



البارت السابع والأخير 🌸🌸

_ ماشي تمام نلعب بأحكام بس والله يا مالك ما أنا سايبك...
 ارتفع صوته وهو يهتف بغيظ من تحكمات مالك في اللعبة، أما مالك فأرسل له ابتسامة مستفزة قائلًا : وماله يا حبيبي يلا....
 وضع عمار يده أمامهم هاتفًا بأمر : استنوا ثواني افتح صفحة جديدة واظبطها..
 انتظر الاثنان بفارغ الصبر، حول فارس بصره نحو يارا وجدها ترمقه بضيق، رفع أحد حاجبيه لها بمعنى ماذا بكى أيتها البلهاء؟!.
 أما ذلك العاشق انشغل بالحديث مع زوجته بعدما هي ألقت ببعض الكلمات بجانب أذنيه تذكره بأحكامه الوقحة السابقة...
 _ إيه رأيك افركش اللعبة ونطلع أنا وأنتي نلعب.
 _لا استحالة..
 نهضت بسرعة قبل أن تقع تحت براثنه، وتعود نادمة بعدما أشعلت لديه ذكريات حفرت في ذاكرتهما للأبد..
 راقبها مالك بعينه، قاطع تركيزه جلوس عمرو بجانبه..ونظرته الخبيثة له..
 _ إيه جايبك هنا..قوم علشان أركز.
_ لا القعدة هنا طراوة..
 انتهى عمار من عمله ليقول : يالا يا شباب ابدأ..
 انشغل الشباب باللعب وانصب تركيزهم نحو الأوراق فقط..
 راقبت بعينها جلوس خالتها وخالها وجدتها وشريف وسوزان معاً، نظرت لأماكن الجلوس المتبقية لم تجد سوى مكان واحد بجانب خالها، أمامها خيارين اما أن تتجاهل توترها وخوفها وتتجرأ على كل هواجسها وتجلس بجانبه...او تنزوي  بأحد ألاماكن وتسيطر هواجسها  عليها من جديد... قررت ان تتجرأ لو لمرة واحدة وتتخطى خوفها وها هي الفرصة امامها..تقدمت نحوهم وبدأت يدها ترتعش قليلًا هتفت بصوتها الرقيق : بتعملوا ايه!!.
 ثم جلست بجانب أحمد..دب الرعب قلب ماجي وأيضا جدتها خوفًا من ردة فعل أحمد..ولكن فاجأهم احمد بصمته واستمرار العبث بهاتفه وكأن شيئا لم يكن..
 انفلت زمام الجلسة قليلًا في الحديث فبقيت سوزان تتحدث مع شريف والباقي في وداي أخر..
 .......
 التفت مالك فجأة بجانب وجهه نحو عمرو : آه يا...
 وانفلتت من فمه شتائم له، اندفع عمرو يركض بسرعة البرق في كل الاتجاهات هربًا من غضب مالك بعدما اكتشف أمر مساعدته لفارس في اللعب...
 _ خد تعال هنا بتلبس نضارة وتقعد جنبي..انا اخوك يا أهبل..
 انطلق عمرو بسرعته نحو والدته.. امسكت يارا كرة صغيرة ثم القتها نحوه..كانت تراقب لعبتهم بحماس خفي، لا تنكر انها تريد خسارة زوجها حتى تشفي غليلها نحوه..وفسد كل ذلك عمرو باتفاقه مع زوجها الخبيث..تفادى عمرو الكرة فانطلقت بقوتها باتجاه ندى..صرخت ندى بقوة من اثر الضربة ..حول الجميع بصرهم نحو يارا..احمر وجهها حرجًا من فعلتها..وما ان اقتربت اتجاه ندى تطمئن عليهاا..قابلها خالها بوجه عابس : ايه الهزار ده يا ياراا..الكورة دي ضربتها وحشة .
 تلعثمت في حديثها لتقول : مكنتش أعرف انا كنت اقصد عمرو.
 قاطعها خالها في حدة : حتى لو عمرو كان ممكن تيجي في اي حد من العيال الصغيرة، ده اسمه استهتار وقلة مسؤولية..اهي جت في ندى..
 وحدها من احست بالاحراج لحدته وتوبيخه لها على الملأ..والباقي انشغل بالتفكير في تغير خالهم، لم يسبق ابدًا وان نطق اسم ندى هكذا بكل بساطة ..دهشتهم اثارت فضول سوزان وكأن احد موازين الحياة انقلبت لمجرد نطقه باسمها ..حتى هي رفعت رأسها وابتعدت عن مالك قليلًا تنظر لخالها بدهشة اكبر منهم ..لم تتوقع ان علاقتهم ستتقدم بهذا الشكل، نعم فمعنى نطق احمد لاسمها ببساطة فهو نجح في تخطيه لحاجز كبير بداخله، ظنت انها وحدها من تثابر في علاقتهم، ولكن من الواضح ان محاولاته اكثر، وبدأت هي تجني ثمارهااا...
 ............
 لا تعرف كيف وصلت لشقتها حتى تنزوي بها باكية، يكفي ما سمعته من توبيخ قاسي من خالها..وكأي أنثى أصيلة قلبت بداخلها كل مواجع الحياة، وظلت هكذا تبكي وتبكي وتبكي، احيانًا يرتفع صوت بكائها واحيانًا تكتمه بداخلها .. انتفضت بفزع عندما فُتح الباب فجأة : في ايه مش كفاية كده!!!.
 وضعت يدها فوق قلبها : انت هنا من امتى!!.
 اغلق باب الغرفة خلفه ثم اقترب يجلس امامها على حافة الفراش : من وقت ما دخلتي هنا، وعماله تعيطي زي الهبلة علشان كلمتين خالك قالهم!..
زمت شفتيها بضيق قائلة : مالكش دعوة.
 قرص كلتا وجنتاها بغيظ مكتوم بداخله منها : لا عيب متقوليش كده، أنتي كلك تخصيني على بعضك تخصيني.
 حولت بصرها بعيدًا عنه، وانشغلت في الصراع الذي نشب بداخلها ما بين أن تندفع نحو أحضانه تختبئ بها وتخرج كل أحزانها تلقيها فوق اعتاقه أو تظل هكذا تبكي وحدها وداخلها يغلي كالبركان من ازدحام أحزانها..
 شعرت بأنامله تتحرك بعشوائية فوق كفها، آه مكتومة قالتها بداخلها حركاته وأفعاله التي تثير جنون عشقها .. وكحال كل العاشقين اختارته هو ووقع اختيارها تحديدًا فوق أحضانه التي لم تشعر بأمان قط إلا بها.
 ربت فوق كتفيها بعدما راقبها وهي تحشر نفسها كالطفل الصغير بداخله..وانسابت دموعها في صمت..
 _ بتعيطي ليه ؟!..
 _ زعلانه من كل حاجة!.
 رفع وجهها بطرف إبهامه قائلًا : إيه ده قلبي زعلان، أول مرة أشوف قلب زعلان!. 
 ضحكت بخفه لتقول بمزاح من وسط دموعها : بكاش آوي..
 داعب انفها بأنفه قائلًا بخفوت : بطلي نكد وعياط، علشان مكهربكيش من خدودك دي.
 انفلتت ضحكة عالية منها، فهتف هو على أثرها : الله أكبر، إيه ده هو اليوم طراوة آوي كده ليه..مصيف عسل والله.
 ومجددًا ذابت تلك البلهاء في أحضانه وعبثه وقبلاته..تمنت له الخسارة، وما بخاسر إلا هي .. هي من تقطع على نفسها وعودًا، وبعد أول قبلة وعناق وهمسة من شفتاه، تتبخر تلك الوعود ويخسر العقل أمام القلب..بسبب لعنة سُميت بالعشق.
............
 دخلت مع جدتها وخالتها بعد إصرارهم أن يأخذوها من مالك بحجة حاجتها للراحة، راودها شك غريب باتجاههم ولكن التزمت الصمت تبحر في خوف خالها عليه، شعور غريب سيطر عليها ولكن حتمًا قلبها يتراقص فرحًا لذلك..انتبهت لحديث جدتها القلق : حبيبتي كويسة دلوقتي!.
 هزت ندى رأسها وهتفت : آه الحمد لله .....
 لم تكمل جملتها بسبب اندفاع ماجي بسيل من الأسئلة عن علاقتها بخالها والى أين تطورت، وهل هي تخفي أسرار عنهما..حركت بؤبؤ عيناها سريعًا وهي تحاول أن تواكب أسئلة خالتها!..
 _ احكي يالا وقولي، أنا حاسة انكوا متغيرين، بتقعدي جنبه، وهو خايف عليكي وزعق ليارا علشانك قولي واعترفي!.
 قررت ندى أن تشاكسهم : طب ومسألتهوش هو ليه؟!.
 هتفت جدتها بضيق بالغ : ماهو أنا عارفاه كويس وعارفة شخصيته مش هايرضى يريح قلبنا..
 حركت رأسها بتفهم لتقول بهدوء : وعلى سيرة قلبنا .. هو قالي أنه قرر يفتح قلبه ليا..
 انصدمت كل من ماجي ووالدتها غير مصدقين لما سمعوه الآن..
 هتفت ماجي بنبرة خرجت ملامح الدهشة من بين حروف حديثها : لا لا أحمد أزاي، هو إيه حصله!!.
 نهضت ندى من مجلسها : وفيها إيه ياخالتو وإيه الغريب، أنتي شافية إن غلطت فيه، أو أذيته، كرهه ليا مبني على حاجات غلط وأساس من غير صحة، ويمكن علشان كده قرر يفتح قلبه ليا!.
أطلقت جدتها تنهيدة حارة تدل على مدى تأثرها بحزن حفيدتها وصراع ولدها في ذلك القرار لتقول بنبرة هادئة : ربنا يصلح الحال بابنتي!!.
 على الجانب الآخر قرر أيضًا مالك الانفراد بخاله ليتحدث معه بشأن ذلك القرار المفاجئ، تردد كثيرًا في بادئ الأمر ولكن إذا وصل الأمر لزوجته سيتدخل حتى لا يعود خاله ويحزنها..
 احتلت الدهشة مكانًا ليس بهينً في ملامح وجهه عندما تحدث خاله بنبرة فظة : الله!!، مش أنت نفسك صدعتني بحوار افتح قلبي ليها وهي طيبة وتستاهل وتظلمت زي من أبوها وعمها مش ده كان كلامك!!.
 _كلامي، بس أنا حساس منك ب ...
 قطعه خاله بعصبية خفيفة : إيه بحركة غدر، وأنا هاغدر بيها ليه، له حق بقى أبوها يخبيها عني من اللي هايجرالها!.
 حرك يده بوجهه بعصبية مماثلة قائلًا : أنا مش عاوزك تزعلها بس، هي فرحانة آوي أنك أخدت قرارك ده..
 التوى فمه مُتكهِمًا : بتحبها آوي كده؟!..
 رمقه مالك بضيق ليقول : رغم نبرة السخرية دي بس آه بحبها آوي، هي حياتي كلها!.
 هز رأسه عدة مرات ثم قال بنبرة غامضة : وعندك استعداد تخسر الحياة كلها علشانها!!.
 أدرك مالك نبرته ومغزى حديثه، فقرر امتثال الهدوء ليجيبه بعقلانية : قول عندي استعداد أحارب علشانها، لو ربنا مأذنش أننا نكمل مع بعض تحت أي سبب من الأسباب وحط تحت إي سبب دي مليون خط لأنه يندرج تحته الموت يا خالي، وقتها إرادة ربنا فوق إرادتي رغم أن أحاول أحافظ عليها بكل قوتي!!.
انهى حديثه ثم نهض وهو يمد يده أمامه قائلًا بنبرة حاسمة : توعدني أنك تكون قد قرارك، ومتحاولش تزعلها، لو حسيت إنك مش قادر تكمل تنسحب من غير ما تجرحها..
تعجب من نفسه عندما مد يده يصافح مالك بوعد حتمًا سيكون كالحبل المتين يلتف حول عنقه ويبدأ في خنقه بهدوء، استطاعت يده التغلب عليه وقررت الانصياع لمتطلبات قلب مازالت الرحمة تستوطنه، ولم يستطع لسانه أن يخرج عن جحود عقل مازال تحت تأثير وأوهام الماضي المشحون بذكريات مؤلمة كان هو السبب بها شاء أم أبى!!!.
 .............
 مرت الإجازة القصيرة مرور الكرام عليهم وخلت من أي ملامح للحزن إلا تذمر يارا المستمر من تصرفات فارس العشوائية!.
 دلفت منزل والدتها ببطء، وقعت عيناها على ندى وهي تحاول تهدئه ليله من حالة البكاء الشديد التي انتابتها، تقدمت بلهفة وكادت أن تتعثر في الدرجات التي تقع بمنتصف المكان، هتفت بلهفة وخوف : في إيه مالك!.
 حولت ندى بصرها لتقول بنبرة حزينة على ما وصلت إليه ليله رغم كم من النصائح التي قدموها إليها جميعهم..
 _ بتعيط علشان في عريس متقدم لها!.
ضيقت يارا عيناها بغيظ لتقول : الله يخربيتك سرعتيني بعياطك، في واحده متقدم لها ...
 قاطعتها ليله بنبرة أشبه للصراخ : أيوه يا يارا أنا بعيط علشان مش عاوزه اتجوز حد!.
 هبطت والدتها من الأعلى قائلة بنبرة جامدة : إلا طبعًا مازن!، وأنتي يا حبيبتي رفضتي يجي عشرين مرة مترجعيش وتلوميني، ده عريس مناسب وكويس وأنا حبيته، وأنتي مبتفهميش حاجة ومتعرفيش مصلحتك!!.
 جاءت أن تنهض حتى تجادل والدتها ولكن يد يارا كانت الأسرع وهمست بنبرة شديدة الخفوت : بس اسكتي، أوعي تجادليها لتحلف عظيم بيمين تجوزهولك دلوقتي، واستني لما يجي وتطفشيه!!.
 دبدبت بقدمها أَرْضًا لتعبر عن غضبها وخاصةً أن كانت تعلم جيدًا طباع والدتها..انصاعت لحديث يارا رغم عنها ومررت اليوم مرور الكرام رغم تذمرها وغضبها على من يوجه لها حتى السلام عليكم، ارتدت ذلك الفستان النبيذي رغم انفها وحذاء أبيض ذو كعب عال مع حجاب بنفس لون الحذاء، دارت حول نفسها باشمئزاز لتقول : هو أنا رايحة فرح..
 وبحركة سريعة، خلعت حذاءها وارتدت ما يسمى بال "الشبشب" ثم خرجت من الغرفة وارتدت أبتسامة خبيثة حازمة حتى تنهي تلك المهزلة!!..
 وصلت لنهاية الدرج لم تجد أحد مررت بصرها في أرجاء المكان وجدت مالك يقف على أعتاب الحديقة..تقدمت منه قائلة بسخرية : إيه العريس عاوز يشم هوا!!.
 ولطول فستانها لم ير تلك المصيبة التي ترتديها، أسكتها بنظرته الجادة قائلًا : ليله، عديها على خير وادخلي!!.
افسح لها المجال فتحركت لتدخل الحديقة بوجه جامد خال من أي مشاعر ولكن ذلك القلب ينتفض بغضب لمشاعر القهر والحزن والحنين لشخص اكتفى من رفضها!!.
 بحثت من بينهم عنه لم تجده ارتفع أحد حاجبيها لتقول : إيه هي فزوره فينه ده!!.
 أجلستها والدتها بجانبها وهي تشير للاتجاه الآخر بالحديقة : استأذن يتكلم في التليفون..
 راقبت وجوههم جميعًا وجدتهم يبتعدون بأنظارهم بعيدًا عنها وكأن عيناهم أن تقابلت بعينيها ستفضح شيئًا غريبًا!، نفضت تلك الأفكار عنها ثم استعدت نَفسِيًّا لوضع الجلوس، ركزت ببصرها نحو الاتجاه الذي يقف به متخفيًا عن أنظارهم حتى تقوم ما عزمت عليه..وما هي إلا ثواني وظهر جسد شاب من الظلام فرفعت فستانها قليلًا ثم وضعت ساق فوق الأخرى بعجرفة وحولت بصرها في الاتجاه الآخر متجاهلة وجوده أمامها..أول من لاحظ خفها في قدميها  كانت ندى اتسعت عيناها بصدمة ولم تمنع فمها من خروج كلمات الصدمة منه : إيه ده!!.
 لمحت بطرف عيناها جلوس شخص أمامها تعرف رائحته جيدًا، استنشقها انفها من قبل في وجود من قيد قلبها بعشقه، انتباها فضول غريب اتجاه ذلك الشخص حتى تكشف هويته الغامضة لديها، حولت بصرها ببطء وجدت من جعلها تبكي ندمًا على قرار أخذته في لحظات تهور .. تسمرت مكانها بصدمة عندما وجدته أمامها هو لا غيره، مازن!!، شعرت وكأن عقلها مثل الحاسب الآلي كلما حاول استيعاب أمر وجود شيء ما، يعطيها خطأ في كل مرة، أما ذلك القلب اللعين أدرك وجوده منذ بداية استنشاق انفها لعبقه الفريد..
 انتبهت لحديثه المنمق واللبق مع أخيها عن ميعاد زواجهم وكل ما يخصهم..استمعت لحديثهم وبداخلها حالة من الهياج الشديد..انتبهت لكلمات أخيها : طيب نقوم احنا، هـ نقعد قدامك في الليفنج جوه وتكلم مع ليله!!.
 راقبت مغادرتهم، وما أن خرجوا حتى اندفع هو ساخرًا : مكنتش اعرف أنك مهتمة بيا آوي كده علشان تقابليني بالشبشب..
 قابلت حديثه بسؤال سريع : هو أنت مش خطبت شاهي !!.
 أشار على نفسه متعجبًا : أنا!!.
 هزت رأسها غير مستوعبة لما يحدث لتقول : آه أنت، أنت قولتلي وأنا في إسكندرية..
 وذكزته بمحادثتهم وأمر مقابلته لشاهي في أحد الاماكن العامة .. فقابلها هو بضحك ليقول : أنتي هبله يا ليله ومعنى كلامي إن أنا كده يعني خطبتها، أنتي عقلك صورلك أزاي أني ممكن اتجوز غيرك.
 حسنًا لا داعي للتفكير في أمور قد تكون غير مهمة في هذه اللحظة الفارقة في قصتهم..ركزت فقط على الجزء الأخير من حديثها لتقول مبتسمة وعيناها خرجت منها القلوب : يا سلام حتى لو فضلت أرفضك كل مرة!!.
 حرك الكرسي قليلًا صوبها ليقول : ناهيك عن رفضتني دي أصلها بتعملي حموضة آوي على قلبي!!، بس أنا فعلًا متخيليش حياتي من غيرك، أنا مربيكي على ايدي وحبك كبر جوا قلبي لما مبقتش قادر أتنفس من غيره!!.
 وضعت يدها فوق وجنتها تتحسسها بخجل عندما شعرت بسخونيتهما الشديدة إثر كلماته التي دغدغت قلبها بحب .
 _ ليله أنا ماسك نفسي في الكرسي بالعافية ان ممسكتش أيدك واقولك كل اللي جوايا، علشان خاطري بقى قدري موقفي معاكي، نعجل من جوازنا كل حاجة جاهزة ولو على كليتك أنا هاساعدك واذاكرلك وبعدين انا عصرت على نفسي لمونه تاني وكلمت مامتك واتفقت معاها انها متقولكيش ان انا العريس، بس عرفت خلاص ان المغزى ان انا السبب...
هتفت سريعًا وبعجالة : لا والله يا مازن كنت هارفض بردوا، انا متخيلش نفسي الا معاك..
استوعبت حديثها وما قالته، احمر وجهها خجلاً منه، ابتسم بعذوبة وارتاح قلبه لسماع تلك الكلمات رغم بساطتها الا انها لها أثر ايجابي قوي يحمى تلك الاثار السيئة التى تركتها هي بفعل رفضها له تلك الاعوام الماضية!!.
_ ها بقى ايه رأيك نتجوز بسرعة، ونسيبنا من اللي فات واللي هببتي ده..
 قطعت حديثه بنبرة خجولة وصوت خافت : نعمله مع فرح عمرو ومريم.
 هتف بعجالة : طيب وهما فرحهم أمتى !!.
 _ الشهر الجاي، بس هما مش هايعملوا فرح، هايسافروا يعني ممكن يعملوا حفلة صغيرة كده..
 _ موافق يا ستي اي حاجة المهم ان اتجوزك..
 ابتسمت بسعادة لشعورها بالانتصار أخيرًا على هاجس داهمها في سنواتها الأخيرة متخفيًا تحت مبدأ استكمال دراستها الا هو هل  سيتمسك بها مازن مثلما تمسك فارس بأختها!!، اعترفت بداخلها كم كانت خاطئة عندما وضعت قصتها أمام قصه أختها، فـ لن تسمح هي لنفسها أن تمر بما مرت به يارا من أوجاع حتمًا ما عاشته يارا ضعف أوجاعها بمراحل، شعرت بالقهر لأيام عاشتها عندما اعتقدت أنه سيتزوج غيرها، هي من أخطأت هي من خلطت الأمور، هي لم تنضج بعد، ولكن مع موقفه هذا يجب أن تقف أمام هواجس خادعة وتحاربها بعشق لا مثيل له، عشق أنار تلك الظلمة القابعة داخلها بعد صراع طويل مع الذات...
.........  
بعد مرور يومان...
 وضع الهاتف بضيق ليقول : اعمله إيه أنا تحايلت عليه كتير نطلع وهو بارد مش راضي!!.
 جذبت الهاتف مرة أخرى ثم وضعته بين يده قائلة برجاء : لوكه علشان خاطري اتصل تاني كده مفاجئة يارا هاتبوظ..
 ألقى الهاتف جانبه بعصبية : ما تبوظ هي هاتيجي على دماغي، أنا جاي من الشغل تعبان أنا عاز اقعد معاكي ومع بنتي..
 تراجعت عن رجائها لتقول بحيرة : طب ويارا والمفاجئة !!.
 جذبها نحوه بقوة مقبلًا إياها : تولع المفاجئة بقولك عاوزك أنتي والبنت تقوليلي يارا وفارس!.
 امتثلت لقبلاته بهدوء قائلة بمزاح : يالا والله كان نفسي أساعدها بس لغاية عندك وكل حاجة تيجي بعدين..
 احتضنها بحب لتذوب هي بين كلماته الخافتة ولمساته الرقيقة، فخرجت أنفاسهما المتناغمة وكأنها ترنيمة غرام تسر قلوب العاشقين...
 ...........
  التصقت بالهاتف تحاول ان تسترق السمع لحديثهم، ابعدها عمار وهو ينهرها بعيناه، فأشارت له بيدها حتى ينهي الحديث..انهى عمار الحديث في الهاتف ليقول بضيق : في ايه يا خديجة ما كنتي تاخدي انتي التليفون تكلميه!..
 تجاهلت حدة حديثه قائلة بفضول : ها، قالك هايخرج!.
 هز رأسه واعتدل في جلسته على الفراش، متخذًا وضع مريح أكثر بعد يوم عمل طويل ومرهق : لأ..بيقولي مالوش نفس يطلع.
 _ حتى انت فشلت، كده مفاجأه يارا باظت..
 حرك رأسه بإيماءة والتزم الصمت..هاجمها سيل من الاسئلة عن طبيعة تكوينه لما لا ينتابه الفضول نحو تلك المفاجأة، هل هي مكنوناته كـ رجل لها تأثير في طباعه فسألته بفضول أنثى : هو انت مش نفسك تعرف ايه هي المفاجأة، يعني فضولك فين؟!.
 اعتدلت في مواجهته حتى تستقبل اجابته بفهم اكثر، اقترب بجذعه منها ثم مد يده، وبدأت انامله في طريقها لعنقها وكأنها تحفظ طريقها عن ظهر قلب، بدأ يعبث بعنقها بحركات بطيئة ومدورسه وكأنه عازف موسيقى يحفظ اوتاره، فتخرج ترنيمته للعلن ببراعه..تلوت كالغزال بين كل حركه والاخرى، وتخطت امر فضولها ووقعت تحت سطوة عشقه.. ولم يجب هو، متناسية لاي شئ بين يده!!.
 ...............
 تحركت بغير هدى في ارجاء الشقة، زارها الغيظ من ذلك المستفز زوجها، ها هي قد فسدت المفاجأة التى تعد فيها ليومين كاملين عندما اقترحت عليها والدتها تلك الطريقة لتخبره بأمر حملها الثاني..يالها من مفاجأة صاعقة لزوجها الغير مؤهل لاستقبال اي طفل في هذه المرحلة، عادت بذهنها لحديث والدتها وما حدث يومها..
 ابتسمت والدتها بسعادة واحتضنتها : الف مليون مبروك يا قلبي، الفرحة انهاردة مش سيعاني يا ناس!!.
 ظهر التوتر على ملامحها لتقول بنبرة مهزوزة : بس انا خايفة!.
 قطبت ماجي مابين حاجبيها وسألتها باهتمام : من ايه يا قلبي!.
 خرجت الكلمات تتسابق من جوفها لتعبر عن حالة من الخوف والتوتر عندما علمت بأمر حملها : خايفة من كل حاجة، خايفة اهمل أنس ، وهو محتاج رعايه، والحمل ده كان غصب عني وكان على الوسيلة، خايفة من فارس وردة فعله اللي هااتقهرني، وخايفة من نفسي مكنش قد المسؤولية!.
 تسابقت الكلمات كحال تسابق دموعها فوق صفحات وجهها فهبطت بسرعة غريبة مع أول نطقها لكلمه خائفة..
 ربتت والدتها فوق رأسها : انتي مجنونة يابنتي، كل الخوف ده علشان هاتجيبي بيبي كمان، اهزمي خوفك ده وبصي لانس وفرحته انه هايبقى له أخ.
 رفعت رأسها تطالعها بحزن : وفارس؟!.
 _ بأيدك تحسسيه انه البيبي هم، وبأيدك تفرحيه به، وعلشان انتي هبله تعالي اقولك تعملي ايه..
 عادت من شرودها وهي تنظر حولها بقهر، لقد افسد عادته اي شئ تخطط له، ولكن لا لن تهزم وسيتفاجئ كما خططت والدتها...اندفعت نحو الغرفه تبحث عنه وجدت الغرفة فارغة والصغير يجلس بمنتصف الفراش يضع اصابعه بفمه وينظر نحوها .. وما ان فتحت فمها حتى تنطق باسمه افزعها هو من خلفها، صرخت باسمه وانتفضت للامام بخوف..ضحك بشدة لها هو و أنس.
 _ الله يسامحك يا فارس!.
 انتقل نحو الصغير يحمله بحب : شفت قولتلك هاخضلك ماما واخليك تضحك يا معلم..
 هتفت مستنكرة حديثه مع الصغير: معلم!!.
 صفع الصغير بخفة فوق وجنته مبتسمًا له : آه معلم مش انت معلم ياله!.
 ابتسم الصغير ببلاهة لوالده، فاغتاظت يارا من طريقة حديثه، وتحدثت كعادتها عن التربية الإيجابية، قاطعها فارس بحنق : لا استني انا هاوريكي علمته ايه وهو قاعد معايا!!.
 نظرت نحو الصغير، استمعت لفارس يقول : لما نشوف مامي هانديها بوسة ؟!.
 هز الصغير رأسه بنفي، فابتسم فارس بسعادة ليقول بحماس: امال هانعمل ايه اول ما نشوفها!!.
 اخرج الصغير لسانه كما علمه والده، فاشارت يارا على نفسها بصدمة : انت بتعلمه يطلع لسانه ليا!!.
 _ آه فيها ايه، دخل لسانك يا أنس!.
 عدت داخلها ارقام محددة حتى تستعيد لو جزء بسيط من هدوئها او كما نقول برودها!، بعدما انتهت، غصبت شفتاها على رسم أبتسامة لتقول : فارس انا عاوزك تجبلي بطيخ ومش لاقياه وهاموت وأكله انا وانس واتصلت على كل الماركت مفيش، ممكن تلاقيه عند فكهاني في اي منطقة!.
 _ بطيخ؟!.
 هزت رأسها وأرسلت من عيناها رجاءًا خاص، تنهد بهدوء : حاضر، نروح نجيب بطيخ.
 كادت الابتسامة ان تشق وجهها فرحًا لاستكمال خطتها، وفور خروجه انطلقت في كل مكان كالنحلة تنفذ ما خططت له..وبعد مرور نصف ساعة كانت قد انتهت من ارتداء فستانها الاسود القصير، هبطت بجذعها تحاول ربط الحذاء حول ساقيها، رفعت رأسها تطالع أنس هاتفه : يا رب بابي يحب المفأجاة يا أنس..
 استمعت لصوت اغلاق باب الشقة، اسرعت نحو باب الغرفة تفتحه ببطء ثم تطل بعيناها منه تراقب رد فعل فارس المصدوم من تزين الشقة وتلك الكعكة التي تتوسط كم هائل من 
 البلونات ذو الالوان المختلفة .. وعلى رغم ثقل البطيخة بين يديه الا انها انتباهه سرق بالكامل اتجاه تلك المفاجأة..
أخيرا تخلى عن البطيخ وحمل أنس منها وضعه أرضًا يلهو ويلعب، ثم اقترب منها يعانقها بحب : حلوة آوي، من زمان مغيرتيش كده، بس ثوان أنا حساس بمصيبة جايلي.
 ضربته بخفة فوق كتفيه لتقول بعبوس مصطنع : أنت عمرك ما تتغير لازم تبوظلي أي حاجة.
 ضحك بخفة ليقول بتفكير : أصل ولا هو عيد ميلادي ولا ميلادك ولا عيد ميلاد أنس، ولا عيد جوازنا ولا...
 قاطعته بنبرتها الهادئة : أنا بحتفل أن أسرتنا بتزيد، هي دي مش مناسبة حلوة نحتفل بيها!.
 هز رأسه مؤكدًا بحماس : طبعًا..
  بتر جملته عندما لاحظ تلك الشموع الأربعة تتوسط الكعكة فقال : هو مش احنا تلاتة ، ليه حاطه اربعة .
 وقبل ان تفتح فمها لتخبره مفاجأتها، سبقها هو عندما وضع يده امامها يمنعها من الحديث، قائلًا : انا عارف الدخلة دي اخرتها ايه!، مبرووك علينا الجحيم يا رجالة ..
 ترقرقت الدموع بعيناها لتقول بنبرة مهزوزة: كان غصب عني، ودي ارادة ربنا، انا عارفة انك هاتزعل بس يعني ايه بإيدي...
 بتر حديثها عندما اقترب منها يقبل وجنتها بحب هامسًا بنبرة خافتة : عبيطة انتي، علشان تفتكري كده، آه انا مش مستعد، بس ده رزق وخير، و الرزق محدش بيقوله لأ..
 رمشت بعيناها تسأله برهبة : يعني مش زعلان؟!.
 حاوط خصرها بيده، ضاغطًا فوق جسدها، متمتمًا بالقرب من جيدها : تقدري تقولي متوتر!.
 خرجت تنهيدة قوية من صدرها تنم عن راحتها بعد رحلة طويلة خاضتها مع القلق والخوف من ردة فعله !، تعجب لتنهيدتها الحارة رفع بصره يرمقها باستفهام : لدرجاتي متوترة زي؟!.
حركت رأسها بنفي وهتفت بهدوء : لا..بس كنت خايفة اوي من ردة فعلك..
 رفع أحد حاجبه مستنكرًا حديثها : ليه هو انتي تعرفي عني ايه بالظبط، هاضربك، ولا اخليكي تنزليه!..
 ابتلعت ريقها تخبره عما شعرت به الفترة الاخيرة : لأ بس كنت بشوف في عيونك الخوف من خطوة زي دي، كنت خايفه اقولك وكلمه منك تحبطني وتزعلني، فارس انت دايمًا كنت سند ليا طول حياتي، حتى في ايام بعدي عنك، لما كنت بشوفك كنت بطمن وقلبي بيرتاح، انت دايمًا مصدر أمان ليا.
 اتسعت ابتسامته ليقول بنبرة يغلب عليها طابع السعادة : ايه الكلام الجامد ده، انتي يارا ولا اتغيرتي، هو الفستان الاسود له تغير بقى، البسي اسود على طول.
 لكزته بكتفيه قائلة بغنج : انا على طول كده، بس انت مبتاخدش بالك..
 _ لا أزاي، امال انا قاعد ليل نهار مركز مع مين !!.
 اقترب منها يلثم شفتيها بحب معبرًا لها بين قبلاته عن مشاعر الحب والغرام التي تملكت منه منذ ان وقعت عيناه عليها حتى هذه اللحظة، ليتحول الحب والغرام لعشقًا يصعب وصفه في كلمات..
 ..............
 بعد مرور شهر
 مسحت دموعها برقة وهي تنظر لساقيه : تعبان..
 ضحك بخفة ليقول : خديجة انا اتكسرت مضربتش بالنار والله!.
 مسدت فوق ساقيه تعاتبه بحزن : بترهق نفسك في الشغل، ومحدش بيطلب منك حاجة ازيد من طاقتك، شوفت وادي نتيجة ضغطك في الشغل اتكسرت!.
 _ ده قدر على فكرة، والحمد لله، وافرحي ياستي هاقعد جنبك واشتغل على لاب..
 لم تستطع ان تمنع ابتسامتها فقالت بخفوت : أحسن..
 جذبها نحوه بقوة فاستندت بيدها فوق صدره العريض: مبسوطة اوي كده!..
 لمعت عيناها بوميض العشق : مش هاتقعد جنبي هاتبسط طبعًا..
 _ طب هاتسبيني وتروحي الفرح..
 وضعت رأسها فوق صدرها تحتضنه بحب : لأ طبعًا، مقدرش اسيبك..هابقى اعتذر لندى ويارا..
 انتابه حالة من الضحك ليقول : ابقي قوليلهم السبب الفستان، باظ كالعادة!.
 ضربته بخفه لتقول بعبوس : عيب كده .
 ................
وبأحد الأماكن المفتوحة، قرر عمرو ومازن أقامه حفل زفافهم فيه، والقليل من الأصدقاء وعائلتهم فقط .. انقضت نصف الليلة تقريبًا بالرقص والغناء، كانوا أكثر حرية وجنون، مالت ماجي برأسها نحو والدتها تخبرها بهدوء : ماما أنا هاطير من الفرح أخيرًا اطمنت على عيالي، الحمد لله..
 ضحكت والدتها قائلة بسعادة مماثلة : من حقك تفرحي وأنا كمان افرح...
 أنهت حديثها ونظرت صوب سوزان وأحمد المنشغلان بالحديث، أخبرتها ماجي بنبرة جادة : مش عاوزكي تحلمي كتير علشان متتعشميش، أحمد صعب ينسي اللي فات..
 تحولت ملامح والدتها لحزن : يعني إيه ياابنتي هاموت وقلبي مطمنش عليه؟!..
 احتضنتها ماجي : لا أنا قولت صعب بس مش مستحيل، بس هو محتاج شوية وقت وكلنا نقف معاه علشان يقدر يتخطى ألازمه دي على خير، متقلقيش.
 رفعت يدها لأعلى تناجي ربها بصمت : يا رب.
 على جانب آخر، بمكان خافت من حيث الإضاءة وقفت ليله تضحك بسعادة بينما كان مازن يلتقط لهم الصور المختلفة، استغل طريقتها العفوية واقترب منها في لحظة يسرق قبلتهم الأولى من شفتاها الوردية..قبلة مدتها أقل من الثانية ولكن فجرت داخلها مشاعر من نوع آخر، مشاعر لم تشعر بها قط أثناء قصتهم، مشاعر حتمًا ستقودها إلى جنون العشق والغرام!..ابتعدت عنه بتوتر دون أن تهتف بكلمة أخرى، يكفي ما تشعر به الآن..
 أما هو فهتف بمزاح : أنتي يا حجة رايحة فين؟!.
 اصطدمت بصدره عندما وقفت فجأة ترحب بصديقتها شاهي ونبرة غريبة تملكت من صوتهااا : أهلًا شاهي نورتي فرحنا!.
 نظرت لهما شاهي بسعادة مزيفة وضيق حقيقي : منورة دايمًا يا ليله..ألف مبروك .
 أشارت لها ليله بالدخول..وقبل أن تدخل خلفها أوقفها مازن بتعجب : مش دي شاهي إلى أنتي نازلة شتايم عليها، عزماها ليه؟!.!!.
 هزت رأسها بفخر لتجيبه : آه، عزمتها علشان تعرف وتشوف حبنا لبعض..
 ألقت بكلماتها ثم دخلت بكل عنجهية وكبرياء..كبرياء حبيبة حاربت حتى تصل لقلب من حاول مرارًا وتكرارًا الوصول إليها..رغم رفضها الزائف له!!.
 أما ذلك العاشقان اللذان يغلب جنون العشق على قصتهم..لم ينتهوا حتى الآن من رقصهما وسط أصدقائهما تحت اعتراض وتذمر شريف...ومن يستطيع السيطرة عليه سوى مالك، زم مالك شفتاه بضيق عندما وجدها تقف بكل حرية في أحد الأركان وتتمايل بخفة مع ابنتها .. حاول جذب انتباها ولكن تلك البلهاء كانت في عالم آخر .. حسنًا فلتذهب وعوده لعمرو إلى الجحيم الأمر يخص هنا حوريته .. ويجب ترويضها .. اقترب بخطوات سريعة منها..
 _ ندى في إيه ما تنزلي وسطهم ترقصي أحسن؟!.
 رمقته بتعجب : هو أنا برقص!!، أنا بلاعب ندى !!.
أنزل الصغيرة من فوق الكرسي هاتفًا لها : ندى روحي هناك..
 أشار بعشوائية نحو والدته ولكن قاطعته الصغيرة تسأله ببراءة : ارقص هناك بابي..
 اتسعت عيناه لها ليقول بنبرة حازمة : لا أوعي، اقعدي مع تيته...يالا..
 هزت الصغيرة رأسها بإيجاب وتحركت صوب جدتها، أما ندى فاندفعت نحوه بسيل من الاعتراضات : ما تسيبها ترقص ده فرح عمها وعمتها!.
 امسكها من يدها يجذبها خلفه مردفًا بنبرة قوية : إن شفت حدا فيكوا أتحرك من مكانه هازعلكوا انتوا الاتنين .
 تحركت يارا صوب أحد الأماكن ذو الإضاءة الخافتة عندما أشار إليها فارس .. عندما وصلت وضع بيدها طبق حلوى ممتلئ : خدي جبتلك تاني، وربنا لو قولتيلي عاوزه جاتو تاني هانتحر..
 ضحكت بسعادة وهي تأخذه بعيدًا تختفي من أنظارهم خلفه، تلتهم قطع الحلوى الصغيرة بنهم غير عابئة لفستانها أو مساحيق وجهها وكالعادة وقف فارس يمسح ما تلطخه هي رغمًا عنها .. هتفت وهي تمضغ الطعام بفمها : فارس هو أحنا كده حرامية!.
 هز رأسه وهو يمسح بعض الحلوى العالقة بجانب شفتيها بمنديلًا ورقيًّا : طبعًا مش بنسرق، يارا أنا خايف يطلعوا الجاتو مش هايلاقواا..
 هتفت بتذمر : طب اعمل إيه طعمه حلو!!.
 نهرها بمزاح : كُلي طبعًا، مياكلوش، لكن أنت يا مكلبظ تاكل براحتك!.
 _ مكلبظ!!، هو أنا لحقت انا لسه تاني شهر!.
 غمز لها بطرف عيناه : باعتبار ما سيكون يعني..
 انتهت أخيرًا من الصحن، وضعته بين يده : فارس أنا بحبك آوي، هاروح أشوف أنس!.
 تركته وذهبت أما هو فالتفت برأسه يتمتم بسخرية : فارس أنا بحبك آوي!!، تحبني وأنا بسرقلها أكل.
 حمل الصغيرة وأجلسها على ساقه مقبلاً إياها بحب : إيه القمر ده!.
 _سكرًا جدو "شكرًا جدو ".
 سألته سوزان بمكر أنثوي : بتحب ندى الصغيرة آوي ومتعلق بيها على عكس أنس.
 أجابها باقتضاب : لا عادي..
 تجرأت وتحدثت أكثر : يمكن بتحبها علشان مامتها؟!.
حاول تخفيف حدة نبرته فقال : بصي مش عاوز احرجك واقولك الموضوع ده بالذات متطرقيش له!.
أرسلت أبتسامة هادئة استغرب هو لها خاصةً عندما قالت : واعتبر دي طريقة منك علشان تخليني اطرق للموضوع ده !، على العموم انا موافقه، خلينا نأجل الكلام في الموضوع لوقت تاني اهدى..
رفع حاجبيه لثقتها هاتفًا بتهكم : يا سلام!.
هزت رأسها مؤكدة : انا اعتبرتك صديق، والاصدقاء لازم يوقفوا جنب اصدقائهم في منحتهم خاصة لو بيمروا بصراع جواهم...
حسنًا هي ليست بسهلة ابدًا، امرأه ذكية وجميلة، تملك العديد من المقومات التي تجعلك تقف أمامها ولا تستطيع الجدال في أمر انت في أمس الحاجة لبوح عن ما بداخلك..انتبه لجلوس ندى بجانبهم بوجهها العابس من تصرفات مالك..راقب انشغال سوزان بشريف، فقرر التغلب على مشاعره المضطربة سألها بنبرة خافته : مالك!.
اندفعت تشكو له ونست للحظات ان من سألها هو خالها، خالها الذي كان دائمًا يرسل لها مدى كرهه من خلال نظراته، الأن يسألها عن سبب غضبها ويهتم لحالها .. لم تستطيع ان تخفي ابتسامتها أكثر من ذلك .. فظهرت بحرية على وجهها .. حول بصره بعيدًا عنها وشرد قليلًا بقراره نحو علاقته بها .. من الواضح انه من يشتاق للتغلب عن هواجسه وغضبه منها، هل يستطيع النجاح..ام سيقسط مجددًا وسط الالامه وذكرياته المؤلمة ...

تمت بحمد الله ⁦💜😘
اي رأيكم فيها تعليقاتكم اشوفها وارد عليها فرحوني بقاااااا وانتظروني في رواية جديدة 🖤🥀

دمتم سالمين 💜☕


 

تعليقات

التنقل السريع