القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية محرمه عليه كامله فقط مع البرنس محمد السبكي قصص وروايات كامله ممتعه وشيقه

الفصل الأول


شقة في إحدى المناطق الراقية فى مصر، وفي غرفة النوم.

 رفعت الفتاة رأسها من فوق صدره لتكشف الملاءة عن جسد عاري كحال رفيقها، وقالت بنبرة دلال، وحب في عينيها:- 

-حبيبي، حنتجوز أمتى؟

ابتسم الرجل بسخرية، وأبعدها بقسوة، وبدأ فى إرتداء ملابسه الملقاه على أرض الغرفة وقال:- 

-وليه نتجوز؟!

ثم رمق جسدها العارى بإحتقار، وأردف:- 

-اللي كنت عاوزه منك أخدته خلاص.

نهضت الفتاة في أنفعال، وقد ضمت ملاءة الفراش إلى صدرها تستر عريها وقالت:- 

-يعني إيه، أنت مش حتتجوزني؟! 

فقدت السيطرة على لسانها وبدأت في شتمه ليترك الرجل ملابسه، وألتفت إليها، وسجن معصميها في قبضة يده، لتصرخ متألمة عندما جذب شعرها بقسوة ثم قال بإبتسامة كأن توجعها يرضي رجولته:-

- اسمعي يا حلوة، أنا لا قولتلك بحبك، ولا قولت حتجوزك...أنتِ بقى افترضتي فديه مشكلتك مش مشكلتي. 

توسلت الفتاة:- 

-بس أنا بحبك يا ليث، وحسعدك.

- شهد يا حبيبتي، أنا يوم لمه أتجوز مش حتجوز واحدة سلمتني نفسها.

ردت شهد بأعين دامعة:-

- أنا عملت كده؛علشان بحبك.

تجاهل تلك الغصة في قلبه التي أثارتها أعينها الدامعة فهو ليس بالشخص الذي يضعف أمام تراهات الحب الفارغه، وقال ببرود:-

- غلط أنتِ عملتي كده؛ علشان أنتِ واحدة رخيصة، ومش واحدة رخيصة هيه اللي حتشيل اسمي على آخر الزمن.

دفعها كورقة بالية أو كمنديل قذر انتهى من استخدامه، فسقطت على الفراش بينما هو أكمل إرتداء ملابسه مدندنًا كأنه لم يقتل روح أو يدنس جسد، ويكسر قلب.

غادر تاركًا إياها تتلوى على الفراش تنهمر دموع الألم والندم، ولكن هل ينفع الندم الآن؟!

***

فتح باب الشقة وتسلل إلى الداخل بخطوات هادئة خوفًا من أن تعرف والدته برجوعه فهو لا يتحمل أى من المحاضرات التي تلقيها عليه كلما تأخر في العودة إلى المنزل.

 هي لا تدرك إنه رجل يفعل ما يشاء، فهو في إعتقاده إن كلمة رجل تخوله أن يفعل ما يريد، وكأنها تصريح وتبرير لكل خطأ ولكل ذنب.

مر بغرفتها التي شغلتها منذ وفاة والده متجها إلى غرفته المجاورة لها، لم يكن الباب مفتوحًا على مصرعيه، ولكنه استطاع لمحها جالسة على كرسيها المتحرك أمامها سجادة الصلاة ترفع يدها في خشوع، ولكن ليس هذا ما أوقفه فقد أوقفته دعواتها الباكية تردد اسمه في دعواتها تدعو له بالهداية. 

تنهد بألم فهو رغم كل عيوبه يكره أن يكون السبب في دموعها. 

اسرع إلى غرفته يصم آذانه عن دعوات والدته، يستمع إلى شيطانه فقد أصبح عبدًا لرغباته.

تنهدت الأم، وهي تجفف دموعها عندما سمعت باب غرفة ليث. 

لا تعرف  السبيل لإنقاذه، ترجو من الله أن يرزقه توبة حقيقية. 

بينما ليث فقد خلد إلى نوم عميق، وقد أسكت صوت ضميره. 

***

مر من العمر خمسة أعوام، ومازال الحال كما هو فليث منغمس في شهواته بالطبع دون إهمال شركته وأعماله، بينما يزداد خوف والدته من عقوبة ذلك الطريق. 

كانت الأيام تمر برتابة حتى جاء هذا اليوم الذي غير كل الأحداث تمامًا.

 استيقظ ليث فى وقت العصر فإرتدى ثيابه معدًا نفسه لسهرة مع أصدقائه في إحدى الملاهي الليلية التي بالطبع لا يتصور المواطن المسكين وجودها إلا على شاشة التلفاز، ولكنها موجودة بالفعل يتهافت عليها الأثرياء ليخضعن تحت تأثير الخمر وغيرها من الملذات.

توقفت الأم عن التلاوة عندما رأته يخرج من غرفته في كامل أناقته.

تسائلت الأم:- 

-أنت نازل يا ليث؟ 

ليث و هو يطبع قبلة على جبينها:- 

-أيوه يا ماما، نامي أنتِ بلاش تستنيني، أنا حرجع متأخر.

الأم:-

-حتسهر برضو مع الشلة ديه؟!

ليث بعصبيه:-

-دول أصحابي ياريت بلاش حضرتك تتدخلي. 

ثم غادر صافعًا الباب خلفه

رمقت الأم الباب وانهمرت دمعة حزينه على خدها ورددت:-

-ربنا يهديك يا بني.

***

بينما داخل الملهى الليلى حيث الأغاني الصاخبة والفتيات العاريات والشباب المُغًيب كان ليث يجلس على أحد الطاولات يحيط إحدى الفتيات بذراعيه وفي يده الأخرى كأس خمر بينما أمامه أصدقائه وقد نثرن على الطاولة تلك البودرة البيضاء التي دمرت الكثير من الشباب. 

قال أحدهم وهو يناول ليث ورقة بداخلها البودره:-

- إيه يا معلم ماتجرب ده، أنت حتعمل دماغ جامده أكتر من الخمره.

ليث:-

-لا يا عم، أنا بحب أكون فايق.

قال آخر:-

-أنت غريب يا ليث بتعمل كل حاجه غلط، لكن عند المخدرات بتقف.

 ثم غمز له متابعًا:-

-أنت خايف ولا إيه؟ 

قال ليث بغرور:-

-أنا مفيش حاجه تخوفنى يا إسلام.

ثم نهض جاذبًا تلك الفتاة المستسلمة له ليذهب بها إلى شقته، وبالطبع كانت الفتاة أكثر من مستعدة لترضي رغباته. 

***

انعكست أشعة الشمس على وجه ليث مما أيقظه، وما أن فتح عيناه حتى قطب جبينه لشدة آلام رأسه الناتجة من تناوله للخمور أثناء مجونه ليلة أمس.

 أزاح يد الفتاة المحيطة بخصره بدون أهتمام، وبدون أن يلقي نظرة واحدة عليها إتجه إلى الحمام؛ ليزيل آثار الخمر فهو رغم كل مساوئه يستحي أن تنفذ رائحة الخمر فى جسده إلى أنف والدته.

بعد بضع دقائق كان يقف أمام المرآه يصفف شعره الخشن الذى يزيد من رجولته، سقط نظره على صورة الفراش المنعكسه في المرآه ليصيبه الذهول والهلع مما رآه فأرتجفت يداه، وإنزلقت الفرشاة منها.

ألتفت يكذب عيناه مبررًا إن آثار الخمر لم تزل كليًا، ولكن للأسف فقد كانت حقيقة فالفتاة كانت ملطخة بالدماء، وفى جبينها أثر رصاصة؛ لتدنس ملاءة الفراش البيضاء بحمرة الدماء.

ظل ليث يتأملها دون أن يدري ما الواجب فعله في تلك اللحظة، فالذهول لم يتركه بعد، ولكن قدماه قد حسمت الأمر، وتبلورت فكرة الهروب في ذهنه، وبدأ التنفيذ.

جمع  كل ما قد يقود إليه، حمدا لله إن تلك الشقة ليست مُسجله ضمن ممتلكاته، فقد دفع مبالغ طائلة؛ ليجعلها في طي الكتمان، ولا أحد يعرف بوجودها إلا فتياته.

اصطدمت قدماه بجسم صلب أثناء هروبه، وكأنه كان يحتاج إلى أمرٍ آخر يزيد من هلعه، فأسفل قدميه يرقد المسدس، والذى بالطبع لا يحتاج المرء إلى ذكاءٍ ليدرك إنه سلاح الجريمة فهذا ليس بالأشياء التي قد تراها في أي منزل.

دفعه فضوله أن يحمله، ولكن في آخر لحظة تعقل فتلك الحركة الحمقاء التي دفعت معظم أبطال أفلام الحركة إلى الهاوية.

تركه  فى مكانه، وخرج مسرعًا وكأن أشباح الليل تطارده.

حاول وهو يسير في إتجاه سيارته أن يزيف الهدوء على ملامحه، ويخفي الهلع الظاهر في عينيه، حاول أن يقنع نفسه إنه لم يفعل شيئًا فلماذا يخشى أحدًا، ولكن ليس كل من في السجون مذنبين. 

كم من حالات يتحول المجني عليه إلى جاني في نظر العدالة العمياء التي لا تؤمن إلا بأدلة وأوراق صماء لا يعنيها إذا كانت حقيقية أو مزيفة.

وبخ ليث نفسه فهذا لم يكن الوقت المناسب لتلك الافكار التي زادته هلعًا.

دخل منزله دون أن يلتفت إلى والدته المستكينة فوق كرسيها المتحرك تناجي الخادمة التى تساعدها يوميًا في أعمال المنزل.

استأذنت الخادمة في الذهاب عندما لاحظت ذهن سيدتها الشارد منذ مجيء ابنها وتحسرت بداخلها على تلك الأم الملكومة التي فقدت زوجها والقدرة على السير فى يوم واحد نتيجة حادث سير وقد اضطر ابنها فى ذلك الوقت أن يتولى أعمال والده فقد نضج قبل أوانه، وكانت الأم فخوره بابنها الذي أصبح فيما بعد رجل أعمال فذ ولكن ما كسر قلبها هو انغماسه في الشهوات والملذات وابتعاده عن درب الله –عز و جل –

و كأى أم مصرية رجحت ذلك لرفقة السوء وكم عانت لتقنعه أن يبتعد عنهم فهلاكه سيكون على يدهم ولن يلوم إلا نفسه ولكن أوان الندم سيكون قد فات. 

دعت الخادمة الله أن يصلح أحوالهم فتلك السيده الطيبة تستحق أن يسعد قلبها. 

كانت الأم شاردة فى حال ابنها فاليوم لم يكن على طبيعته عندما عاد فعادة ما يكون مبتهجًا عند العودة من تلك السهرات مع أصدقاء السوء الذي لا تعرف كيف تعرف عليهم فهم قد قادوه إلى الهاوية، بل كان يبدو متوترًا أو قلقًا فهي ليست بغافله عن طباع ابن رحمها. 

تبددت نظرة القلق وارتسمت ابتسامة حنونة على شفتيها بددت تجاعيد وجهها التى رسمها الزمن عندما وجدت ابنها مقبلا عليها بخطوات بطيئة مستكينة. 

كان ليث قلقًا يرغب في حنان والدته، يعرف إنه يهملها كثيرًا ولكنه يحبها فهو ليس بجبانًا ولكنه يخشى أن تموت والدته غمًا إذا أصابه سوء وتورط في تلك الجريمة فتلك ستكون كالقشة التي قصمت ظهر البعير.

ركع بجوارها و أراح رأسه فوق فخذها وكأنه قد عاد طفل السابعة المختبىء في أحضان والدته من وحوش الظلام وهي بتلقائيه يدفعها قلب الأم لامست شعره بحنان تمسده برفق فهو مازال صغيرها مهما كبر. 

رفع عيناه إليها يرغب أن يخبرها بما حدث لعلها تخلصه من قلقه وتبدد مخاوفه ولكن لم يكد ينطق بحرف حتى تعالت دقات صاخبة مفزعة على الباب وعلى أثرها دقات قلب ليث كانت ترتفع يكاد قلبه يخترق صدره. 

تحركت الأم بكرسيها المتحرك تجاه الباب يتبعها ليث في خطوات بطيئة متوقعًا الأسوأ وقد كان له ما توقع فما أن فتحت الأم الباب حتى وجدت رجال الشرطة في زيهم الرسمي.

قال أحدهم و قد بدى من ثيابه ووقفته القيادية إنه المسئول:-

-ليث موجود يا حجه؟

تمالك ليث شجاعته ورد:-

-أيوه يا فندم أنا ليث.

الضابط بصرامة :-

-أنت مطلوب القبض عليك.

الأم بلوعة:-

-إيه! ليه ابني عمل إيه؟! 

الضابط:-

- الأوامر اللي عندي أني أقبض عليه غير كده معرفش.

ليث وقد ركع بجوار كرسي والدته معلقًا عيناه بعينيها يناشدها أن تصدقه:-

-أنا معملتش حاجه صدقينى مهما قالولك أنا بريء.

الأم وقد اغرورقت عيناها بالدموع:-

- عارفة يا بني، عارفة يا ابن بطني، ربنا يسدد خطاك وينجيك.

انتزع العساكر ليث من بين أحضان أمه غير مباليين بوالدته التى تشبثت بوليدها بقوه فوقعت بكرسيها. حاول ليث أن يتخلص من تلك الأيدي ما أن رأى والدته الملقاه على الأرض ولكن تجردت القلوب من الرحمة ودفعته إلى خارج المنزل خلف صرخات ليث يحاول أن يصل لأمه وأنين الأم وعويلها فهي في قرارة نفسها تدرك أن الأبن الذى حملته في رحمها بريء من أي تهمة موجهه إليه. 

تجمعت النساء من الشقق المجاورة لها بعضهن ليساندوا تلك الجارة الطيبة التب لم تؤذ أحدًا في حياتها من قبل والبعض ليشبعن فضولهن وليحصلن على قصة يروينها في مجالس النساء المتعطشة لتلك الحكايات ليشمتن في مصائب الناس. 

***

بعد مرور أسبوع 

في مكتب بداخل قسم الشرطة

ليث بعصبية:-

-يا فندم أنا قولت لحضرتك أنا معملتش حاجه والله العظيم مقتلتهاش.

الضابط بغضب:-

-متزعقش يا روح أمك أنت مش في بيتكم.

ليث بغيظ :-

-يا فندم أنا قولت لحضرتك مليون مرة أنا مقتلتهاش.

الضابط بسخرية:-

-وبالنسبة إنها ماتت على سريرك وقبل ما تنكر أنا معايا اللي يشهد أن الشقة بتاعتك ده غير الناس اللي شافوك وأنت طالع معاها من الديسكو. 

ليث بقلة حيلة:-

-يا فندم أنا عارف أني موضع شبهه بس والله العظيم أنا مقتلتهاش وبعدين مفيش دليل يثبت أن أنا قتلتها.

لم يكد الضابط ينطق بكلمة حتى قاطعه رنين الهاتف المجاور له، بتلقائيه رفع سماعة الهاتف واعتدل فى جلوسه مرددًا كلمات مثل:-

-حاضر يا فندم ...أمرك يا فندم.

 وعيناه معلقه بليث، شك ليث أن المكالمة بخصوصه وخيوط الأمل أحاطت قلبه، لابد أن أحد أصدقائه يسعى لأخراجه من هنا، فزويهم ذوي رتب سياسية فيبدو إن ماله الخاص لن يساعد ليخرج من هنا بل يحتاج إلى نفوذ أكبر للنجاه. 

أنهى الضابط مكالمته ونظر الى ليث بتفكير:-

- أنت تعرف إيه عن رجل الأعمال والسياسي المعروف عصام الحسيني؟

ليث بابتسامة وسعادة:-

-أيوه ده والد إسلام صاحبي.

ضحك الضابط بسخرية:-

-واضح إنك غالي أوي على صاحبك لدرجة أن أبوه بيوصي عليك.

ليث وملامح الأستغراب تكسو وجه لسخرية الظابط:-

- هوه فيه حاجه يا فندم؟! 

الضابط:-

-أنت مش حتطلع من هنا يا بني إلا لمه تموت.

ليث بوجوم:-

-يعني إيه؟

الضابط مشيرًا الى الهاتف:-

- يعني المكالمة ديه كانت علشان يضمنوا إنك متخرجش من هنا.

ليث وقد شحب وجهه:-

-مستحيل..

تذكر ليث كيف توطدت صداقته مع إسلام، عندما أنقذه من بعض الأوغاد من قطاع الطرق فى طريق الصحراوي وكاد أن يموت من أجله. لم تكن تلك المرة الأخيرة فبعدها تعددت مرات إنقاذه لإسلام. 

لا يصدق كيف يفعل به هذا بعد كل شيء، ولماذا فهو لم يؤذيه أبدًا؟!

لابد أن هناك شيء خاطيء في الأمر 

لابد أن والد إسلام من فعل هذا دون علمه، ولكن يظل السؤال، لماذا؟!

 نهاية الفصل الأول


#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات


الفصل الثاني


في منزل ليث كانت تلك المسكينة تنوح على سراب أبنها فقد انتزعوه من أحضانها وكم من مرات ذهبت أمام القسم بمساعدة من أحد ابناء جارتها التي وقفت بجوارها منذ القبض على ليث. 

توسلتهم كثيرًا فقط لترى ابنها تستنشق رائحته ولكن لم يلتفت لها أحدٌ. 

لم يأخذ احدهم في الأعتبار كبر سنها وعجزها. كم زاد أحساسها بالعجز وهي لا تعرف ماذا تفعل لإنقاذ صغيرها فهي تعلم في قرارة نفسها إنه بريء، قد يُدعى ذلك الأحساس قلب الأم ولكنها تعرف مهما قالوا مهما زادت الشكوك في نظراتهم فطفلها لم يقتل أحدًا مهما كانت خطاياه. 

رفعت يدها إلى السماء والدموع لم تجف من عينيها تترجى المولى تعالى:- يا رب متحرمنيش منه، أنا مليش غيره، عارفه إنه غلط كتير بس أنت عارف إنه جواه كويس، نجيه يا رب وهوه حيتصلح متحرمنيش منه ده اللي فاضلي بعد موت أبوه. 

كان بكائها يزيد مع كل كلمة تنطقها أحاطتها أم أدهم جارتها التي لم تتركها لحظة حتى أنها تقضى الليل معها تاركه خلفها زوجها وأولادها.

ساعدتها لتنتقل من الكرسي إلى الفراش وجعلت التلفاز على قناة القرآن الكريم.. 

قال الله تعالى 

"آلا بذكر الله تطمئن القلوب" 

تم الحكم على ليث بالسجن مدى الحياة وياللسخرية فهو لم يحضر محاكمته فقد عرف الحكم من الضابط المكلف بقضيته فقد تم الأدعاء بعدم سلامته العقلية وبالطبع الاوراق التي تثبت ذلك من السهل الحصول عليها. 

شعر ليث بالمرارة كيف أن أمواله لم تستطع إنقاذه، وكيف تستطيع ولم يسمحوا له حتى أن يحادث والدته.

بين جدران السجن المظلم تنهد ليث بأسى وقد أتخذ ركن أنطوى فيه دون الألتفات إلى شركائه في الزنزانة..

 كيف هي أمي الآن ؟؟...حبيبتي لابد إنها تقتل نفسها غمًا وحزنًا ..أثق أن دموعها لا تجف لحظة، كم أندم على لحظة قضيتها مع مجموعة أوغاد أدعوا الصداقة بدلا من أركع ذليلا تحت قدميها.

فُتحت أبواب الزنزانة وصوت العسكري يناديه نهض بلهفة لعل النجده جائت وسوف يخرج من هنا. 

تبع العسكري حتى وصل إلى زنزانة أخرى ولكنها مختلفة عن التي كان فيها. 

أدخله العسكري وألتفت تاركًا ليث في مواجهة مجموعة من الرجال يبدو عليهم الشر وبالطبع مهما بلغت قوة ليث فسوف تظل الكثرة تغلب الشجاعة.

تلقى ليث ضربات جعلته ملقيًا على أرضية السجن القذرة لا يقوى على النهوض وهو بين الوعي واللاوعي سمع كلمات تشير إنه تم أصدار أمر بتعذيبه. 

فقد الوعي وبداخله نبتة غضب تسقيها كل ليلة يقضيها في السجن .

***

استيقظت والدة ليث على دقات الباب وقبل أن تتحرك لتصل إلى كرسيها وجدت أم أدهم تقتحم الغرفة لتساعدها عن طيب خاطر في الأنتقال إلى كرسيها، وعندما فتحت الباب وجدت شخصًا لم تتوقع وجوده ولكنه جاء في الوقت المناسب لعله يساعد ابنها. 

أجهشت بالبكاء وركع الشخص بجوارها يضم رأسها في صدره:-

-أهدي يا ماما كل حاجه حتبقى كويسه، أنا رجعت دلوقتي.

الأم بنبرة باكيه:-

-ليث يا مراد، أخوك ضاع مني مش عارفه أشوفه، رجعلي ابني، رجعهولي، أنا خايفه أموت وهوه مش جنبي.

مراد:-

-أهدي بس يا ماما بعد الشر عليكي متخفيش، بصيلي أنا هنا وحتصرف، محدش يمس أخويا وأنا على وش الدنيا.

استكانت الأم في أحضان مراد بينما ألتفت مراد إلى أم أدهم:-

-شكرًا يا طنط على وقفتك جنب أمي، ده جميل مش حنسهولك أبدًا.

أم أدهم:-

-متقولش كده يا بني أم ليث غالية عليا.

 ثم تابعت بحيرة:-

-بس إزاي يعني أنت وليث؟!

مراد:-

 -أنا أخوه في الرضاعة.

 ثم قبل جبين أم ليث قائلا:-

-ماما حبيبتي ديه رضعتني لمه أمي أتوفت وهيه بتولدني بس ليث كان بياخد اللبن كله طفس من صغره صح يا ماما؟ 

ضحكت الأم عندما تذكرت طفولتهما، وشعر مراد بالبهجة لأنه استطاع رسم الضحكة على شفتيها وفي داخله تعهد أن يخلص ليث مما هوه فيه.

***

مر شهر طويل على ليث كان دائم الأنعزال لا يتحدث مع أحد، فى النهار يؤدي الأعمال التي تم تكليفه بها وفي الليل يتم ضربه حتى يفقد الوعي ثم يعاد إلى زنزانته. 

أعتاد الضرب وكل جرح قبل أن يلمس جسده كان يمس روحه حتى أصبح روحًا مشوهةً. 

واليوم استيقظ مستعدًا ليوم كالذي أعتاده ولكن في وقت الزيارة فوجىء إنه في قائمه المساجين الذين لديهم زيارة، ودارت الأفكار في ذهنه وتعجب من الذي سوف يسمحون له أن يزوره؟! فقد تم إصدار أوامر بمنع أي زيارة له، وبالطبع تلك الأخبار كانوا يلقونها على مسامعه أثناء تعذيبه ليذيدوا من آلامه. 

أمسكه العسكري بعنف متجهًا به إلى مكان الزيارة وفي تلك اللحظة أشرقت ملامح ليث الوسيمة عندما وقع نظره على زائره وأسرع لأحتضانه متخلصًا من قبضة العسكري.

كان ليث يضم زائره بقوه وكأنه يخشى اختفائه في أي لحظة.

ليث والدموع في عينيه:-

- وحشتني أوي.

مراد بابتسامة لطيفه:-

-وأنت كمان، عامل إيه يا حبيبي؟

ابتسم ليث بسخرية:-

-حكون عامل إيه يعني، زي ما أنت شايف.

مراد:-

-متقلقش حتطلع إن شاء الله.

ليث بمرارة:-

-حطلع !! ده أنت بتحلم، ده التوصيه عليه هنا عاليه أوي. 

مراد:-

-مش فاهم قصدك إيه؟!

ليث بصدق وتوسل في عينيه يناشد مراد أن يصدقه:-

-مراد أنا معملتش حاجه أنا اه عملت حاجات كتير وحشه في حياتي بس أنا مش ممكن أقتل أبدًا. 

مراد:-

-أنا واثق من ده يا بني، أنت أخويا لو أنا مصدقتكش مين حيصدقك يعني، أنا بس عاوزك تقعد هنا وتحكيلي إيه اللي جابك هنا وإيه موضوع التوصية ده، وإيه سبب منع الزيارة عنك أنا تعبت عقبال ما اخدت إذن الزيارة؟! 

جلس كلاهما وأخذ ليث يقص عليه ما حدث منذ تلك الليلة المشئومة التي اصطحب فيها الفتاة إلى شقته حتى دخوله السجن. 

مراد وعلامات التفكير باديه عليه:-

-بس إيه اللي يخلي صاحبك وأبوه يعملوا فيك كده؟!

ليث بحيرة:-

-مش عارف بس أنا واثق إن إسلام ميعرفش حاجه عن اللي أبوه بيعمله فيا.

مراد بجديه:-

-بلاش تستبعد أي حاجه.

ليث وهو بداخله لا يعرف أيحاول إقناع مراد أم نفسه:-

-لأ، إسلام صاحبي ومش ممكن يعمل فيه كده.

ثم لمعت عيناه بحنين وإشتياق:-

-أمي عامله إيه يا مراد؟ 

ربت مراد على كتفه بحنان وقال:-

-متقلقش هيه بخير وبعدين أنا مش مالي عينك ولا إيه، مكنش العشم وأنت آخد اللبن كله بطفاستك ديه. 

ضحك ليث:-

-ده أنا برضو، أنت مش فاكر لمه كنا في المدرسة عملت فيا إيه لمه أخدت ساندوتشك

مراد بإحراج:-

- أنت لسه فاكر!

ليث:-

-أيوه يا عم، ده أنت فضحتني وقعدت تعيط، وأخدت علقه بسببك علشان أمي افتكرتني ضربتك.

مراد بضحك:-

-أيوه وأنت يا عيني تقولها أنا مضربتوش أنا كنت جعان.

ليث:-

-كنت رزل من صغرك.

مراد بجديه:-

-غلط، كنت بس بخاف على حاجتي مش بحب حد ياخدها، أنت عارف مبدئي.

ليث:-

-عارف اللي ليك يفضل ليك لغاية لمه تنطبق السما على الأرض.

مراد:-

-بالظبط.

في تلك اللحظه تم الأعلان أن وقت الزيارة قد انتهى، احتضن الأخان بعضهما بقوة. 

ليث:-

-خلي بالك من ماما يا مراد، أوعى تسيبها وقولها إني بريء.

مراد مشجعًا إياه:-

-متخفش حتطلع من هنا إن شاء الله، ونخلي بالنا منها مع بعض، حجيلك تاني.

أفترق الأخان على وعد باللقاء.


نهاية الفصل الثاني

#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات



الفصل الثالث


بعد ذهاب مراد عاد ليث إلى زنزانته وقد ازدهر الأمل في نفسه مع لقاء مراد، فقد كان مراد نعم الأخ والصديق. لقد أفترقا منذ أكثر من خمسة أعوام وقد كان ليث في الثالث والعشرين من عمره ومراد في الرابع والعشرين حيث ذهب ليعيش مع أعمامه في كاليفورنيا وقد انقطع بينهما الأتصال منذ ذلك الحين.

تذكر ليث عندما كان يتعرض للتنمر في المدرسة الأبتدائية بسبب جسده الهزيل، وقد كان معجبًا بزميلته..ذلك الحب البريء... فذهب ليصرح لها بحبه عن طريق رسالة كتب فيها بخطه الطفولي المبعثر^ أنا بحبك ^

ولسوء حظه أن أخ الفتاه كان معهم في المدرسة ولكن أكبر منها بعامين وعندما علم بأمر الرسالة ذهب مع أصدقائه إلى ليث وأوسعوه ضربًا وسط زملائه دون أن يتدخل احد فمن سوف يقف في طريق قطيع من أبناء رجال الأعمال والساسة.

ولكن مراد عندما أدرك من زملائه أن اخاه يتم ضربه لم يهتم بأي شيء واقتحم الزحام بشجاعة لا يعرف من يصارع فقط يلقي اللكمات هنا وهناك لعله يحرر أخيه ولكنهم تكاتفوا عليه فألقى بجسده عليه ليحميه ويتلقى الضرب عنه.

جفف ليث دمعة شاردة وابتسامة على شفتيه بينما يتذكر مدى سوء الأصابات التي لحقت بمراد نتيجة دفاعه عنه. 

رغم أن عامًا واحدًا يفصل بينهما إلا أن مراد كان يتحمل مسئوليته دائمًا.

تنهد في تحسر ...فها هو بين جدران السجن، أين القوة التي سعى إليها؟ لم ينفعه أحد، لا مال ولا أصدقاء. 

يعرف أن مراد محق وأن هناك إحتمال أن أصدقائه مذنبين ولكنه لا يرغب في التفكير في ذلك الأحتمال فهو في النهاية مجرد إحتمال. 

بينا ليث سجينا في صومعة أفكاره كان هناك سجينين من الجانب الآخر في تلك الزنزانة الجماعية يراقبانه ثم كأنهما حسما أمرهما أشارا إلى آخر يقف بجوار ليث. 

تحرك الرجل وجلس بجوار ليث وبخشونة قال:-

-أنت جاي في إيه يا اسطا؟

أجاب ليث بأشمئزاز:-

-حاجه متخصكش يا هندسه، فخليك في حالك وسبني في حالي.

قال الرجل بعنف ليس له داع:-

-فيه إيه يا حيلتها؟! أنت فاكر إنك أحسن مننا ولا إيه...لأ فوق لنفسك وبص حواليك، أنت هنا زيك زينا...مسجون ويا عالم جيت في إيه، سرقة..قتل..

ثم أردف بسخرية:-

-ولا ممكن أغتصاب، أصل أنت شكلك بيدي إنك ابن حرام.

لقد أخطأ الرجل خطئًا جسيمًا إن ظن تلك الكلمات قد تمر مرور الكرام فليث قد اندفع بشراسة يضرب هذا الرجل بكل العنف الذي يعتمر صدره وهو يردد بغضب:-

-ورحمة أبويا لأكون قاتلك هنا، أمي أشرف من اللي خلفوك يا حليتها.

أمسك الرجلان ليث وقيدا حركته بينما اندفع الرجل، الذي قد تشوهت ملامحه بفعل لكماته، في لكم ليث وصفعه ثم أخرج من بنطاله مدية صغيرة وابتسامة قبيحة على شفتيه رفع يده لينزلها على هدفه، وهوعنق ليث. 

صارع ليث للتخلص من الرجلين ولكنهما أمسكاه بحزم فأستعد للموت...ثم انتهى الأمر. 

توقع ليث أن يشعر بأي ألم, أي إشارة تدل أميت هو أم حي. 

فتح عيناه ببطىء، وجد شاب لم يلحظه من قبل يمسك يد الرجل ويسحب منها المدية ويلقيها بعيدًا. 

تعجب ليث من تلعثم الرجل بأعتذار باكي يستجدي الرحمة رغم أن الرجل قوته الجسدية تغلب هذا الشاب.

أشار الشاب إلى الرجلين أن يتركا ليث فتركاه بسرعة وانزوا إلى ركن  يتابعان الشاب بحذر بينما الشاب تجاهل نظرات ودهشة ليث الذي حاول أن يشكره ولكن الآخر أوقفه بحركة من يده وذهب إلى مكان جلوسه. 

جلس ليث يتابع ذلك الشاب فقد آثار فضوله بشكل كبير، وقد جاء إلى الزنزانة منذ يومين فلم الرجلان يخشونه،  يتذكرعندما استدعوا الرجلين إلى الخارج وبعد ساعات عادا مصطحبين ذلك الشاب.

خلد ليث إلى نوم يتخلله الكوابيس كعادته منذ مجيئه إلى هنا. 

في اليوم التالي بينما يقوم ليث بما وكل به من تنظيف المراحيض حتى جاء إليه الشاب الذي أنقذه قائلا بخشونة:-

-اسمع، لو مش عايز تطلع منها على الترب يبقى خليك في حالك وبلاش طولة لسانك ديه، أنا مش هبقى موجود علشان أساعدك كل مرة.

ألتفت ليغادر بدون أن ينتظر رد ليث، ولكن ليث صاح:-

-استنى أنت، اسمك إيه وليه كانوا خايفين منك كده؟

الشاب بدون أن يلتفت إليه:-

-اسمي المعز أما ليه كانوا خايفين مني فعلشان عارفين أني مش هتردد ثانيه واحدة في إني أقتلهم.

غادر تاركًا ليث مشدوهًا ثم ابتسم بسخرية هامسًا لنفسه:-

-أنت فاكر إن الكل هنا مظلوم زيك، فوق يا ليث أنت في سجن مش في مارينا.

منذ ذلك اليوم وأصبحت متابعة هذا الرجل هاجسًا لليث فقد أثار الأمر فضوله، فأنتم لا تدركون حياة السجون فهنا وخلف القضبان تخسر نفسك رويدًا رويدًا حتى تصبح ظل هذيل لما كنت عليه، تنظر إلى المرآه فلا تتعرف على نفسك فهنا تتغذى روحك على الكراهية، ويولد الظلم قسوه تجاه الجميع، إن لم تشغل نفسك بأمر ما يمنع عنك الأفكار المظلمة.  

هذا مافعله ليث فقد حاول التغاطى عن الأفكار المؤلمة التي  تثير شجونه. 

لم يتحدث إليه مرة أخرى  لكن كان يراقب تصرفاته ملاحظًا خشية الجميع منه وما يثير الدهشه أن العساكر والمسئولين في السجن يحترمونه وكأنه يهددهم بشيء.

***

في غرفه الطعام الواسعة، جلس ليث منفردًا كعادته على أحدى تلك المنضدات الصدأه، ولكن عيناه تتبعت المعز. 

اسم غريب لشخصية أغرب، فلا أحد يدرك من أين أتى أو ما سر وجوده هنا ولكن ليث كان مصرًا على المعرفة خاصة عندما وجد الضابط المسئول عن الحراسة يجلب المقعد لكي يجلس عليه المعز.

على غير العاده نهض ليث يحمل صحنه متجهًا إلى المائده المجاوره له التي اجتمع عليها مجموعه من المساجين الذين ظهر الذهول عليهم ما أن جلس ليث. 

قال الرجل والذي كان يجلس مجاورًا له بوقاحة:-

-خير يعني أول مره تعملها.

نظر ليث إلى الرجل وكاد أن يرد بفظاظة كعادته ولكنه تذكر المثل الشهير-لو كان ليك عند الكلب حاجه- فرسم ابتسامة مصطنعة وقال:-

-أبدًا يا سيدي قولت أغير.

ثم تابع في نفاق:-

-بعدين أنا عرفت إن ليكم هيبه في السجن، ومفيش سجين هنا متعرفوش عنه حاجه.

قال آخر بشموخ وقد أسعده نفاق ليث:-

-طبعا أحنا من القدام هنا، والعساكر قبل المساجين بيعملولنا حساب.

بالطبع لم يرد ليث إحراج الرجل بإخباره إنه قد سبق وأن شاهده ينظف الحمامات. 

قال الرجل المجاور له بمكر وقد بدا إنه قد فهم غرض ليث من تلك المحادثه بخلاف صديقه الأحمق:-

-بس أنت عايز تعرف معلومات عن مين بالظبط؟

ابتسم ليث لذكاء الرجل ثم قال بجدية:-

-المعز...

شحب الجميع عدما سمعوا ذلك وعم الصمت وأصبحوا وكأن على رؤوسهم الطير.

في وضع آخر كان ليث ليضحك على وجوههم المشدوهه ولكن ليس الآن.

تابع ليث بأصرار:-

-أنا لازم أعرف كل حاجه عن المعز. 

نظر إليه الرجل برهة ثم قال:-

-اديني أسبوع، وأشوف حقدر أوصل لإيه.

-كتير أسبوع!

قال الأحمق بسخرية:-

-وأنت يعني وراك الديوان ما انت متلئح جنبنا هنا. 

قال الرجل بجديه:- 

-بس كله بتمنه يا بن عمي. 

أومأ ليث:-

-متقلقش لو جبتلي اللي أنا عاوزه حراضيك كويس. 

-تمام بس متعرفناش باسمك. 

-ليث المعداوي. 

-عاشت الأسامي، محسوبك عزيز وده غريب. 

ثم تابع تعريف ليث على باقي المجموعة

قال غريب فجأه وقد قرر لسوء الحظ أن يصبح ذكيًا فجأه:-

-ليث المعداوي! صاحب شركة العربيات المشهورة.

لمعت أعين الرجال طمعًا بينما نظر ليث إلى غريب والشرر يتطاير من نظراته، ونهض مغادرًا المائدة مفكرًا إنه عليه أن يجعل مراد في الزيارة القادمة يجلب بعض الأموال بل الكثير منها فهؤلاء الرجال سوف يستغلون حاجته أشد استغلال خاصة بعدما تأكد لهم ثرائه. 

  لكن ليث مستعدًا لدفع الكثير فقد خطرت له فكرة سيطرت على عقله، فالأمر لم يعد مجرد فضول بل أصبح أخطر من هذا بكثير.

***

جلس مراد بجوار والدة ليث يخفف عنها، يحدثها عن مغامراته في الخارج بطريقة مرحة ثم أخبرها عن خطيبته  والتي أصبحت زوجته على الورق.

عاتبته الأم:-

- يعني مقدرتش تستنى لمه تيجي هنا وتتجوز وسطنا. 

مراد بجديه:-

-يا أمي والله كل حاجه جت بسرعه، وأنتِ عارفه الحال برا عامل إزاي فكان لازم أكتب الكتاب علشان تبقى حلالي.

قالت الأم :-

-أيوه والله يا بني البنات برا مفيش أخلاق خالص كلهم ماشيين لابسين ومش لابسين.

ضحك مراد على كلماتها ثم قبل جبينها ونهض جاذبًا مقعدها المتحرك متجهًا إلى غرفتها:-

-يلا بينا بقى ننام إلا أنتِ انحرفتي خالص، الساعة ١٢ ولسه منمتيش. 

ضحكت الأم وابتهلت بداخلها أن ينجو ليث مما هو فيه ولا يحرمها الله من كلاهما.. ليث ومراد.

***

دخل مراد إلى غرفته ثم أخرج هاتفه وقد ظهرت الشراسه في عينيه بينما يحادث شخصًا ما:-

-تمام، أيوه خليك على وضعك وأنا حقوم بدوري، تسلم يا صاحبي ...سلام.

أغلق الهاتف وخلد إلى النوم مدركًا تمام الإدراك إن الغد سوف يحمل الكثير والكثير من الأحداث.

نهاية الفصل الثالث

#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات



الفصل الرابع


كان ليث في زنزانته ليلا وكالعاده أقبلوا لأخذه فقد حان موعد تعذيبه اليومي لم يجفل عندما جذبوه خارج زنزانته بل ابتسم ساخرًا فقد أعتاد ذلك وأصبح لا يبالي بما يفعلونه به فهو سوف يخرج من هنا عاجلا أم آجلا.

آثارت ابتسامته ضيق من حوله فاشتد عنفهم في ضربه بينما ليث فقد كتم آلامه وضحك عاليًا وبنبرة ساخره قال:-

-ده بس اللي عندكم! واضح إن انتوا ...

اصابته لكمة منعته من المتابعة بينما قال صاحبها:-

-أنا حوريك يا ابن...إزاي تتشطرعليا.

 ثم نظر إلى البقية، وتابع:-

-الواد ده يفضل في الحبس الأنفرادي، ويتمنع من الأكل لغاية ما يتربى.

لم تتزحزح ابتسامة ليث رغم تلك النيران المشتعلة بداخله، فقط تبقى القليل له هنا في هذا المكان خاصة إذا سارت خطته على النحو الذي يرغبه.

ألقوا به في الحبس الأنفرادي، ولمن لا يعرفه فهو عبارة عن زنزانة مظلمة تقع بعيدًا عن الزنزانات الأخرى يعتمدون فيها على عنصر الظلام بجانب الحرمان من الطعام لتربية السجين كما يدعون.

***

مر أسبوع أم أكثر! فقد ليث العد فأنهك الجوع قواه وأثار الظلام شجونه فأخذ يفكر ربما هذا هو العقاب الحقيقي، فما أقسى من أن تتوالى الأفكار عليه وتهاجمه في عتاب. 

فكر في أمه... كيف حالها بدونه، أمازالت تتشبث بـأمل برائته أم فقدته.

مراد.. أتراه يبحث عن وسيلة لمساعدته وهل يعرض الأمر حياته للخطر؟! فهو تهون عليه سنوات يقضيها في السجن ولا أن يفقد أخاه.

و فكر بها هي ...يا ترى الأعوام قد جففت دموعها، هل الجرح الذي خلفه في قلبها أندمل؟! 

أتراها تفكر فيه، أمازال مالك قلبها أم هذا حق لم يعد يملكه؟! 

وفي الظلام وكأنه يراها أمامه بتلك البراءة في عيناها ولكنها ممزوجه بأنكسار وألم كان هو المتسبب به، لقد مر أعوام ولكنه كان يدرك بداخله إنه في رحلة هروب مستمرة من ذكرياتها، أخذ طيفها يعاتبه بينما هو يردد في صمت:- أنا أسف، سامحيني...أنا أسف.

انتفض ليث من ذلك الكابوس ليرى الرجال الذين ألقوه هنا يجذبونه يعيدونه إلى زنزانة مختلفة عن زنزانته القديمة.

نظر إلى شريكه الجديد في الزنزانة ولقد كان المعز، يبدو أن الحظ كان في خدمته لأول مرة. 

لم يلتفت إليه المعز بل تجاهله كليًا محبطًا كل محاولاته في التحدث. 

خرج ليث من الزنزانة وقت الغذاء وقد كان يتضور جوعًا حتى أن طعام السجن أصبح أشهى في نظره. بعد أن تناول الطعام أخذ يبحث بعيناه عن عزيز, ما أن وجده حتى آشار إليه خفيه، وفي الممر المظلم الذي يقود إلى الزنزانات تسلم حزمة من الأوراق بينما قال ليث بخفوت:-

-الفلوس حتجيلك قريب.

عزيز بطمع:-

-خمسة آلاف جنيه، في الورق اللي معاك حساب في البنك تحول الفلوس عليه، ولو الفلوس مجتش أنت عارف اللي ممكن يحصلك.

ثم ألتفت متابعًا طريقه في الممر المظلم بدون الألتفات إلى ليث وبعد خطوات وقد ابتعد عن مرمى بصر ليث نظر إلى الرجل الماثل في الظلام وقال:-

-سلمته الملف اللي أنت ادتهولي يا باشا. 

فأخرج الرجل حزمه من الأموال، وأعطاها إليه فأبتهج؛ فقد كان المبلغ يفوق ما سوف يدفعه ليث، فقال:-

-أي حاجه تانيه تؤمر بيها يا باشا، أنا خدامك. 

 أشار له الرجل بعدم مبالاه وهو يبتسم بسخرية ملتفتًا إلى وجهته فلم يخب ظنه، المال حقًا السحر الوحيد على الأرض.

***

ما أن أخذ ليث الأوراق حتى أسرع إلى زنزانته يقرأ في نهم متشوق لمعرفة حياة المعز. 

بعد بضعة دقائق دخل المعز الزنزانه لينتفض ليث ويخبأ الأوراق تحت الوسادة الممزقة التي ينام عليها. 

صعد المعز على فراشه الواقع أعلى فراش ليث وما أن أطمأن ليث إنه خلد إلى النوم حتى أخرج الأوراق ليتابع قرائتها. 

ما أن انتهى ليث من قراءة الأوراق حتى تأكد من أمرين، أحداهما إن المعز هو شخص خطير أما الأخر هو إنه الرجل المناسب لما في ذهنه. 

لا يدرك أيثق به حقًا؟! فالذي أدركه أن المعز نشأ في دار أيتام وبعد بلوغه السن القانوني وخروجه من الدار توجه إلى السرقة وبعدها أصبح قاتلًا مأجورًا. 

 أصبح له سلطة في هذا المجال, لكن ما أثار تعجبه أن المعز بهذه السلطة يقبع في السجن بينما تخوله علاقاته مع السياسيين أن تخرجه من هنا، إنه لغز جديد في حياة المعز.

خلد ليث إلى النوم وقد أرهقه التفكير.

***

عاد مراد إلى المنزل منهكًا من البحث عن إسلام فكأنه قد اختفى تمامًا ولم يظهر حتى في منزل أبيه في كاليفورنيا، وطبقًا لأقوال ليث فقد كان لا يظهر إلا عندما يتصلوا به ولا يدركون له عنوان خاص به إلا شقة مؤجرة وعندما ذهب مراد إلى تلك الشقة أخبره البواب أن صاحب الشقة لم يأتِ منذ أكثر من شهر...أي تقريبًا منذ دخول ليث السجن، أهرب بسبب ذلك ولكن يظل السؤال...لماذا؟!

أخرجه من تفكيره رنين هاتفه المحمول ليبتسم في بهجة عندما وقع بصره على هوية المتصل, رفع الهاتف إلى أذنه ليسمع ذلك الصوت الطفولي المحبب إليه:-

-عمو مراد، وحشتني أوي. 

-وأنت كمان يا حبيبي، عامل إيه وماما عامله إيه؟

قال الطفل ببراءة:-

-ماما بتعيط كل يوم بليل يا عمو، تعالى بسرعةعلشان متعيطش.

استطاع مراد سماع توبيخ الأم له، ليسمع صوتها ورنة حزن به قد أعتادها منذ معرفته بها ليقول:-

-تاني بتعيطي، أحنا مش اتفقنا مش عايز دموعك تنزل أبدًا. 

هي ببكاء:-

-غصب عني يا مراد.

مراد بصوت حنون:-

-عارف، بس أنا معاكي ومش حتخلى عنك أبدًا طول ما أنتِ محتجاني. 

-عارفه، ربنا يخليك ليا, أنا مش عارفه من غيرك كنت عملت إيه 

قال مراد بتوبيخ لطيف:-

-متقوليش كده تاني أنتي عارفه مكانتك عندي كويس، المهم خلي بالك من نفسك ومن حبيب عمو. 

أغلقا بعد تبادل الوداع لتلتفت الأم إلى صغيرها وغضب مصطنع على وجهها، فكم من المرات أخبرته ألا يخبر أحدًا تفاصيل شخصية عنهما، مراد ليس بغريبًا ولكن ماذا إذا كان المتحدث شخصًا غريبًا.

نظر إلى والدته وقد أدرك إنها مستائه منه ليلقي بنفسه في أحضانها ويوزع قبلاته الطفولية على وجهها ليتحطم قناع غضبها, وتطلق ضحكات صاخبة, تضمه إلى صدرها مقبلة جبينه ثم تبدأ في تلاوة جزء من القرأن الكريم وهو يردد خلفها بطفولية فتلك عادتها منذ حملها به. بعد دقائق لاحظت توقفه عن الترديد ورائها لتجده قد خلد إلى النوم ببراءة فتبتسم بحنان وتقضي ليلتها تتأمل ملامح طفلها الوسيمة التي تكاد تشبه ملامح أبيه.

***

  استيقظ ليث على صوت صاخب أعتاده فهو صوت الضابط المسئول عن إيقاظهم, ابتسم بسخرية فمنذ أكثر من شهر كان يستيقظ عصرًا ويقضي لياليه في الملاهي الليلية، لا شيء دائم حقًا.

كُلف ليث بتنظيف أرضية السجن كله، نظر إلى حاله يرتدي بذلة السجن الزرقاء وبيده أدوات التنظيف ليهمس لنفسه، ديه أخرتها يا ابن المعداوي...تنضيف. 

ليتابع بسخط:-

-هوه مفيش غيري ينضف في السجن ده!

قال الضابط المكلف بمراقبته:-

-بتقول حاجه يا مسجون؟

ليبتسم ليث بأصطناع:-

-أذكار يا حضرة الضابط وأحنا داخلين على رمضان وكل سنة وأنت طيب. 

-وأنت طيب يا أخويا. 

أقترب ضابط أخر، ومعه سجين ليعاون ليث على التنظيف، رفع رأسه ليجد السجين الآخر هو المعز، يبدو أن الحظ في حالة رضى عن ليث.

مرت دقائق والمعز يتجاهل ليث تمامًا حتى قرر ليث أن يكسر الصمت ليقول:-

-أنت ليه مخرجتش من هنا؟

رفع المعز رأسه وقد ظهرت دهشة في عينيه، يبدو إنه لم يتوقع دخول ليث في صلب الموضوع مباشرة.

-وأخرج ليه؟! مليش حاجه بره, لكن هنا باكل وبشرب وعندي سلطة أقدر استغلها وقت ما أنا عايز.

أدرك ليث ذلك فالمعز إذ كان لا يرغب في أعمال السجن الشاقة فلن يجبره أحد عليها.

-أنت ليك حاجه بره؟

ليث بلهفة وقد أدرك إنه قد أقترب من تحقيق هدفه:-

-أيوه طبعًا ليا، أمي وأخويا و...

تردد قليلا أله الحق في أن يدعوها حبيبته، فهي دونا عن نسائه من حفرت مكانًا في قلبه.

-إيه، حبيبتك؟!

تجاهل ليث كلامه متابعًا بجدية:-

- ده غير إني عايز أثبت برائتي مش حعرف أثبتها وأنا هنا.

يبدو أن المعز قد أدرك تلميح ليث ولكنه قرر تجاهل الأمر فهو لم يتحدث إليه مرة أخرى في ذلك اليوم.

نهاية الفصل الرابع

#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات


الفصل الخامس


تنهد ليث للمرة الألف وهو قابع في زنزانته لعله يجذب انتباه المعز الذي يبدو إنه قد نسى أمره تمامًا.

شعر ليث بأن خطته على وشك الفشل, جاء موعد الطعام ليذهب وحيدًا كعادته ويجلس على أحد الطاولات شاعرًا بضيق في صدره وأخذ يحاول أن يبحث عن طريقة أخرى تنجح بها خطته.

أرتفع صوت صاخب بجواره ليدل على جلوس أحدهم، تجاهل هذا الشخص ولم يرفع رأسه لمعرفة هويته فهو ليس في حالة تؤهله للتحدث مع أحد.

-النهاردة بليل حنخرج من هنا. 

رفع ليث رأسه سريعًا ليجد المعز قد غادر بعد أن ألقى تلك الكلمات، ابتهج وانبسطت أساريره فخطته نجحت وسوف يخرج من هنا ليثبت برائته. 

تجهم فجأه عندما تذكر موعده الليلي مع ضرب العساكر له فأسرع خلف المعز حتى أصبح بجواره ثم قال:-

-بس الضباط بيجوا ياخدوني بليل، إزاي حنخرج؟! وبعدين الحراسة شديدة أفرض اتقبض علينا.

توقف المعز عن السير ثم ألتفت إليه قائلا ببرود ثلجي ليوقف ثرثرته:-

-أنت تنفذ اللي أنا أقوله ده لو أنت عايز تخرج من هنا، بليل تبقى مستعد. 

ثم تركه متابعًا طريقه إلى زنزانته بينما ليث فقد اشتعل غضبه من أسلوب المعز في محادثته، كيف لا وهو ليث المعداوي الذي كانت حياته كلها أوامر يلقيها فتُنفذ، ليس فقط في شركة والده التي استطاع جعلها تكبر ولكن بين أصدقائه كان هو دائمًا المسيطر مُتخذ القرارات.

 تنهد لسخرية القدر فها هو الآن يربط مصيره بقاتل مأجور، وعليه أن يتبع أوامره كلها دون رفض.

***

خرج مراد من المنزل لمتابعة رحلة البحث عن إسلام لتصله رسالة على هاتفه من أحد أصدقائه والذي قد أوصاه مراد للبحث عن إسلام. كانت الرسالة تنص على أن إسلام قد غادر البلاد منذ أكثر من شهر وهو الآن في كاليفورنيا ولكن لم يستطيعوا تحديد محل إقامته وذلك لعدم استقراره في مكان واحد لمدة طويلة فهو دائم الترحال ما بين الفنادق.

اشتعل الغضب في نظرات مراد بعد انتهائه من قراءة الرسالة ثم تنهد بحنق، لتأتيه مكالمة وحقًا قد جائت في موعدها فقد اختفى حنقه وضيقه في لحظة وكأنه لم يكن. ليبتسم في حب ويجيب بحنان:-

-وحشتيني أوي أوي.

ليرتفع صوت فتاة تقول بضيق طفولي:-

-اه ما هو واضح، أصل موبايلي فصل من كتر ما بتسأل عليا.

تنحنح مراد ممازحًا إياها:-

-إيه قصف الجبهات ده!

-أنت لسه شوفت حاجه، أنت فين يا مراد؟!

 أجاب بشقاوة:-

-إيه، وحشتك؟

تلعثمت بفعل الخجل:-

-لا طبعا، أنا بس قلقت.. قصدي بابا قلق عليك.

قال مراد بمكر:-

-بابا برضو! المهم طمني عمي حبيبي أن أنا كويس أوي وبحبه أوي أوي وبوسهولي..واخده بالك أنتِ

شهقت بخجل من وقاحته وقالت بطفولية تسرق قلبه:-

-أنت قليل الادب.

-أنتِ اللي دماغك شمال، واحد وبيبوس عمه إيه حرام في ده؟! وبعدين البنات هنا حاجه كده... 

قاطعته بتوعد شرس:-

-عارف يا مراد لو لعبت بديلك لأكون مخلياك البطل في الجزء التاني من المرأة والساطور، وحرميك لكلاب السكك، فاهم؟

ابتلع ريقه بخوف مصطنع قائلا:-

-بنت جزار مش بنت مهندس، أنا بفكر أغير رأيي.

-بتقول حاجه يا مراد؟

-لا أبدًا، بقول ربنا يخليكي ليا. 

قالت بأبتسامة:-

-اه بحسب...

قال بعشق يشع في كل حرف من حروف كلماته:-

-أنا بحب أصلا أحلى بنوتة في الكون، كفاية طيبة قلبها وحنيتها، مفيش واحدة كانت حتقبل بيا بعد اللي أنا عملته...

قاطعته بحنان:-

-أنت كبرت في نظري باللي أنت عملته، بالعكس ده كمان خلاني فخورة بيك أوي.

قال مراد بعشق يتضح في نبرات صوته:-

-نميس، أنا بحبك أوي.

أجابت بصوت منخفض تكاد تذوب خجلا:-

-وأنا كمان.

ثم تابعت لتخفي ذلك الخجل:-

-عملت إيه في موضوع ليث؟

-لسه في السجن.

تنهدت وهي تلمس الضيق في كلماته ثم قالت:-

-مراد عايزاك تعرف إن أي قرار حتاخده أنا معاك فيه... أنا حقفل علشان عندي امتحان بكره.

قال مراد ممازحًا:-

-روحي ذاكري يا فاشلة.

قالت بقلق:-

-بس يا مراد، أنا خايفه أوي.

-يا حبيبتي ذاكري أنتي واعملي اللي عليكي، وسيبي الباقي على ربنا.

أردف ممازحًا:-

-وبعدين متقلقيش، أنا حتجوزك حتى لو شيلتي مواد.

-أقفل يا مجنون، شوف أنا بقول إيه وأنت بتقول إيه؟! أقفل يلا، مش فضيالك يا فاشل. 

أغلقت الهاتف بدون أن تستمع إلى رده مما جعله يطلق ضحكات صاخبة لفتت النظر إليه، ولكنه لم يهتم فتلك هي مجنونته من أفقدته عقله.

 تنهد بحب فهي فتاته الصغيرة التي تستطيع دائمًا أن تخرجه مما هو فيه.

***

بينما ليث يقوم بأعماله اليومية من تنظيف وغيره حتى وجد عزيز أمامه ويبدو عليه الغضب، تنبه ليث إنه قد غفل عن تحويل الأموال إلى الحساب البنكي.

قال ليث مسرعًا:-

-الفلوس حتكون عندك قريب، أول ما أخويا يجيلي زيارة حخليه يحولهم.

هدده عزيز بشراسة:-

-لو الفلوس أتأخرت، أنا...

قاطعه تدخل الضابط المسئول عن المراقبة:-

-فيه حاجه يا سجين أنت وهو؟

قال عزيز وعيناه لا تتزحزح عن ليث:-

-مفيش حاجه يا حضرة الظابط، احنا بس كنا بنتكلم.

ثم همس بصوت لم يسمعه إلا ليث:-

-بنتكلم دلوقتي بس بعد كده...

وترك باقي جملته معلقة، ولكن المعنى كان واضحًا. 

فكر ليث أن أول ما سوف يفعله عند خروجه من هنا هو تحويل المال لعزيز، فليس هناك نفع من اكتساب عداوته. 

***

انتهى اليوم وأستقر الجميع كلا في زنزانته وانطفأت الأضواء بينما ليث فقد كان في حالة ترقب شديدة وعيناه معلقتان بفراش المعز ينتظر حركته.

ساعة ثم أخرى والمعز لم يتحرك فقال ليث:-

-هوه أحنا حنتحرك أمتى؟

نهض المعز بهدوء وقفز للأرض ثم أعتدل مستندًا بكل استرخاء على الحائط وقال ببرود:-

-لسه الوقت المناسب مجاش.

قال ليث بغيظ وقد ضاق به ذرعًا من ذلك المعز:-

-وحيجي أمتى الوقت المناسب ده؟

ابتسم المعز ببرود وهو يسمع خطوات قادمة في الممر بجوار الزنزانة واعتدل قائلا:-

-دلوقتي.

أعتدل ليث وهو ينظر إلى باب الزنزانة الذي فتح ليخرج المعز وخلفه ليث متتبعين ذلك الخيال أمامهما في ممرات السجن المظلمة حتى وصلوا إلى غرفة، فأخرج الرجل والذي قد أستطاع ليث التعرف عليه في الضوء الخافت، فهو أحد ضباط الحراسة في السجن، بطاقة ليفتح الباب بها و يشير لهما بالدخول ويغلق الباب خلفهما. ألقي المعز بحزمة من الثياب إلى ليث قائلا:-

-ألبس دول بسرعة.

أرتدى كلاهما الثياب الرسمية للضباط في السجن، ليصيح ليث متذمرًا:-

-هيه ديه الخطة اللي حتخرجنا من هنا؟!نتنكر في شكل ظباط يا فرحتي! والمفروض إن حاجة زي كده حتعدي على الظباط عادي ..ديه فكرة مفيش فيلم إلا وهيه فيه.

 أخرج المعز  المسدس المعلق في سروال الزي، وقد ضاق من تذمره الذي لا ينتهي, ثم وجهه إلى رأس ليث قائلا في برود:-

-لو اتكلمت كلمة تانية مش حتردد ثانية واحدة إني أقتلك، أنا قولت حخرجك من هنا يبقى تخرس خالص وتسيب الباقي عليا.

صمت ليث برغم صخب أفكاره التي جعلت هدفها سب المعز. 

فتح الضابط الباب سامحًا لهما بالخروج ثم أعطاهما بطاقات هوية ليستطيعا الخروج من بوابة السجن، وأعطى المعز مفاتيح سيارة ليذهبا بها إلى وجهتهما.

***

تنهد ليث بأرتياح بعدما خرجا من بوابة السجن بسهولة وتنفس عبق الهواء الطلق, توقفا فجأه عندما أرتفع صوت أحد الضباط خلفهما يوقفهما. 

أول ما فكر به ليث هو الركض هربًا ولكن كأن المعز قد توقع تفكيره فأشار له بالصمود وألتفتا إلى الضابط الذي كان على بعد خطوات منهما...


نهاية الفصل الخامس

#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات



الفصل السادس

 

"الطريق مقفول أطلعوا من الناحية التانية."

شكر المعز الضابط بينما كتم ليث تنهيدة أرتياح كادت أن تهرب من بين شفتيه ولحق بالمعز إلى السيارة. ظل الصمت يعم السيارة حتى أبتعدا تمامًا عن السجن ليطلق ليث تنهيدة ارتياح ثم ألتفت إلى المعز الذي يقود السيارة:-

-اطلع بينا على بيتي.

قال المعز بدون أن يلتفت إليه:-

-مينفعش، أول مكان حيدوروا عليك فيه هوه بيتك، دلوقتي حنطلع على شقتي وبكره الصبح حنسافر لأي بلد برا.

قال ليث بغضب:-

-يعني إيه نسافر؟! أنا لازم أفضل هنا علشان أمي وبرائتي اللي...

قاطعه المعز قائلا:-

-اسمعني، برائتك مش حتقدر تثبتها لمه تتمسك تاني، أحنا لازم نسيب البلد.

تسائل ليث بقلق:-

- طيب إزاي؟ وحنسافر فين وأمي و...

قاطعه مطمئنًا:-

-متقلقش، أنا حتصرف في كل حاجه.

تسائل ليث بحيرة:-

-ليه ساعدتني ولسه كمان بتساعدني؟! إيه اللي عايزه في المقابل؟

-هوه لازم أكون عايز حاجه؟ 

ليبتسم ليث ببرود قائلا:-

-أنا مش ابن أمبارح، الحياة علمتني أن مفيش حد بيعمل حاجه من غير مقابل.

ابتسم المعز وقال:-

-برافو، بتتعلم دروسك بسرعة.

 ثم ألتفت إليه متابعًا:-

-لمه أفكر في حاجه عايزها في المقابل حقولك.

وصلا إلى شقة المعز وكانت في مكان غير سكني، فلا يوجد أي بناء آخر في الجوار مما آثار دهشة ليث ليقول المعز:-

-أنا مش بحب الزحمة.

دخلا الشقة ليتفاجأ ليث من أناقتها، والثراء الواضح عليها فالبناء من الخارج لا يوحي بذلك.

-خد راحتك حعمل كام تليفون وارجعلك.

جلس ليث بأريحيه على الأريكه يتنهد بسعادة فقد تصلب ظهره من فراش السجن القاس.

***

كان مراد يجلس مع أم ليث يتسامران، فهي تسترجع ذكريات من طفولة ليث وأخرى عن زوجها المتوفي وكم كان حنونًا, كيف بدأ من الصفر حتى استطاع تكوين ثروة صغيرة. لم ترغب أم ليث بعد وفاته في ترك الشقة التي شهدت أجمل ذكرياتها مع زوجها رغم أن ليث حاول إقناعها لينتقلا إلى فيلا خاصة بعدما استطاع تكبير ثروة أبيه ولكنها رفضت رفضًا قاطعًا حتى رضخ ليث لرغبتها.

تنهدت بعشق وهي تتذكر لحظات حياتها مع زوجها المرحوم.

غمز لها مراد مداعبًا إياها:-

-أيوه يا عم كنتوا قصة حب جامدة.

قالت الأم بخجل:-

-بس يا واد، أتلم.

نهض مراد عندما رن هاتفه ليقول ممازحًا:-

-خلاص أنا داخل أنام لو احتجتي حاجه ناديني. 

وأعقب كلامه بأن قبل جبينها. دخل غرفته تاركًا إياها تدعو له وأن يخرج ليث مما هو فيه.

رد مراد على هاتفه قائلا:-

-حمدلله على السلامة...عملت إيه ..طيب تمام ...خلاص متقلقش حتصرف أنا وححصلكم...خلاص يا صاحبي العد التنازلي بدأ وقربت من هدفك، عارف وحيدفعوا التمن متقلقش..سلام.

***

قال ليث للمعز:-

-خلصت اتصالك؟

قال المعز بشرود:-

-أيوه، دلوقتي حنام وبكره الصبح حنطلع على كاليفورنيا.

-أنا عايز أكلم أهلي.

قال المعز في عدم مبالاه بينما يتجه إلى غرفته:-

-التليفون عندك بس متطولش.

كان ليث لا يستسيغ المعز خاصة عندما يلقي الأوامر يمينًا ويسارًا. تنهد بحنق فهو يحتاجه؛ فالهروب لم يكن ليتم من دونه.

 اتصل بهاتف المنزل لترد أمه الحبيبة تتسائل عن هوية المتصل ليرد بصوت أجش:-

-أنا ليث يا ماما.

هتفت الأم بدموع:-

-ليث! حبيبي يا ابني, أنت كويس يا حبيبي؟ أنت فين؟

-أنا كويس متقلقيش, أنا...أنا هربت من السجن.

صاحت الأم بلوعة:-

-ليه كده يا بني؟ مصير الحقيقة كانت تبان وتطلع.

أجاب ليث بمرارة:-

-يا أمي أنتِ متعرفيش عالم السجن، مفيش حاجه اسمها أدلة وفرق بين بريء ومظلوم، فيه بس واسطة وفرق بين القوي والضعيف.

قالت الأم ببكاء:-

-شوفت يا بني عقاب ربنا

قال ليث بألم:-

-عارف، أدعيلي أنتِ بس، أدعيلي ربنا يسامحني.

-ربنا يرحمك برحمته يا بني وتثبت برائتك. 

خطف مراد الهاتف من الأم عندما تبين له إنها تحادث ليث:-

-أنت فين يا ليث؟

-أنا هربت يا مراد وقبل ما تتكلم ديه الطريقة الوحيدة اللي كانت قدامي، خلي بالك أنت من نفسك ومن أمي ...أنا مسافر بكره، لمه أثبت برائتي حرجع.

قال مراد بأصرار:-

-أحنا مش حنسيبك لوحدك، حنحصلك على كاليفورنيا ونعيش في شقتي هناك.

-مفيش داعي، لازم تفضل مع أمي علشان متتعبش.

قال مراد في إصرار:-

-متقلقش أنا حتصرف، حتسافر أمتى؟

-بكره الصبح.

 ثم تابع بتعجب وشك:-

-بس أنت عرفت إزاي إني مسافر كاليفورنيا؟!

تجهم مراد وأخذ يكيل الإهانات لنفسه لذلة لسانه ثم قال متمالكا نفسه:-

-ده طبيعي يعني يا ليث، أي حد بيهرب بيروح هناك ده غير إني توقعت كده خصوصًا أن إسلام هناك.

أهمل ليث الأمر وقد انشغل بموضوع إسلام، الخيط الوحيد لأثبات برائته. انهى المحادثة مع أخيه مفكرًا في كل ما حدث له. 

تم تلفيق له قضية قتل والمتورط الوحيد لكل هذا هو إسلام،  أحقًا هانت عليه صداقتنا وسلت له نفسه أن يفعل بي هذا..تبقى القليل فقط وسوف يجده، وإذا كان حقًا من فعل هذا لسوف يذيقه ويلات الجحيم، فقتله لن يكفي ولن يعوضه عن أيام العذاب والذل التي ذاقها في السجن.

تمدد فوق الأريكه مفكرًا أن هذا الوغد المعز حتى لم يكلف نفسه أن يحضر له طعامًا مناسبًا أو يمنحه فراشًا كنوع من إكرام الضيف.

سرعان ما وبخ نفسه لتلك الأفكار، فهو هارب من السجن وليس في نزهة.

***

ألتفت مراد إلى أم ليث قائلا:-

-أحنا حنسافر لليث دلوقتي، أنا حجهز كل حاجه.

بالطبع لم تعترض الأم؛ فهي في شوق لأشباع عيناها من ملامح ابنها.

أجرى مراد بعض الأتصالات حتى استطاع توفير طائرة خاصة للسفر مُجهزة بكل الإمكانيات التي تناسب الأم بمقعدها المتحرك. أجرى إتصال آخر لابد منه قبل السفر وطلب من نميس أمرًا كان من دواعي سرورها أن تلبيه من أجله.

***

انطلقت الطائرة بكلا من الأم و مراد. خلدت الأم إلى النوم وبرغم كل شيء لم تستطيع أن تمنع نفسها من الشعور بالسعادة؛ لأنها سوف ترى أبنها بعد تلك الفترة الطويلة التي مرت عليها كأعوام بينما مراد فقد جفاه النوم وقد شعر بالقلق من اللقاء القريب، كيف سيكون؟ أتتقبل الأم زوجته وتعوضها عن حنان الأم أم سوف تُكمل قسوة القدر عليها؟

***

في السيارة المستؤجرة لتوصيلهما إلى المنزل ألتفت مراد إلى الأم ليفهمها الوضع فبرغم إنه لم يقم حفل زفاف إلا أنها زوجته بحكم الشرع وتسكن معه تحت سقف واحد.

-ماما، أنا عايز أقولك حاجه، أنا مش عايش لوحدي.

نظرت إليه الأم بأستفسار فقال:-

-أنا عايش مع مراتي.

تسائلت الأم بحيرة:-

-أنت مش قولت إنك كاتب كتاب بس؟!

-أيوه بس هيه ملهاش حد غيري هنا. 

قالت الأم وقد أثار الأمر شفقتها:-

-أمال فين أهلها يا بني؟

أجاب مراد بتلعثم:-

-أهلها...أهلها ماتوا يا ماما.

قالت الأم بحزن:-

-يا حبيبتي يا بنتي.

ثم تابعت:-

-بس أنتوا مش متجوزين بجد صح؟

قال مراد وقد أدرك تلميحها:-

-متقلقيش أحنا كنا عايشين زي الأخوات.

قالت الأم بأرتياح:-

-كويس يا بني برضو البنت يتيمة، ومن حقها تفرح زي البنات ويتعملها فرح.

قبل مراد يدها وقد شعر بالسعادة لمشاعرها الطيبة تجاه زوجته.

***

أدخل مراد الأم إلى المنزل مستخدمًا مفتاحه الخاص وأدرك أن زوجته ليست في المنزل فأخذ يعرف الأم على أرجاء المنزل وقد كان فاخرًا يوضح حالته المادية الجيدة بالإضافة إلى سيارتيه أمام المنزل مما أشعر الأم بالإطمئنان فعلى الأقل أحد ابنائها يعيش حياه طيبة.

قاد كرسيها المتحرك معرفًا إياها بكل غرفة؛ فالثلاث غرف المتجاورة هم غرف النوم وذلك الحمام وتلك غرفة الطعام وذلك المطبخ...

قاطع جولتهما صوت الباب يُفتح فقاد والدته إلى الباب قائلا عندما وجدها زوجته قد عادت:-

-أعرفك يا ماما مراتي...شهد

نهاية الفصل السادس

#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات



الفصل السابع


كادت قدم شهد أن تخونها، وهي تجد نفسها وجهًا لوجه أمام والدة ليث، فهي كانت تتوقع قدوم مراد رغم إنها تعجبت من طلبه أن تترك ابنها فارس مع نميس لبضعة أيام، ولكنها نفذت طلبه فهي تثق به ثقة عمياء. لم تتوقع أبدًا أن يحضر معه والدة ليث أتراه أخبرها بما حدث في الماضي رغم إنها تستبعد ذلك فهو قد وعدها ألا يخبر أحدًا.

كتمت تنهيدة إرتياح عندما قالت الأم بحب أثلج صدرها:-

-تعالي يا بنتي، قربي مني علشان أشوفك كويس.

تركت شهد الحقائب التي كانت تحملها بأيدي مرتجفة وأقتربت منها راكعة بجوارها فأحتضنتها أم ليث، كان حضنًا دافئًا قد أفتقدته كثيرًا حتى كادت أن تجهش بالبكاء كطفلة صغيرة في أحضانها. أبعدتها الأم قليلا لتتأمل ملامحها وثيابها وحجابها ثم قالت بحب:-

-بسم الله ما شاء الله، عرفت تختار يا واد يا مراد، مراتك زي البدر.

أحاط مراد الأثنين بين ذراعيه قائلا بغرور مصطنع:-

-أكيد طبعًا مش ذوقي لازم تطلع حلوة زيي.

ضحكت الأم لمزاحه بينما شهد فقد ارتسمت ابتسامة مرتجفة فوق شفتيها فأشتد أحتضان مراد لها كأنه يرسل لها رسالة يخبرها إنه هنا من أجلها دائمًا وأبدًا لتنظر إليه في إمتنان وقد تلقت الرسالة، فسوف يظل مراد منقذها.

***

ما أن ترجل ليث من الطائرة حتى طلب من المعز أن يوصله إلى العنوان الذي أخبره به مراد.

ألتفت إلى المُعز قائلا:-

-أنا مديون لك، وأتأكد إني حردلك الدين.

ابتسم المعز قائلا بغموض:-

-أنا متأكد من ده.

لم يهتم ليث بالمعنى وراء كلماته وترجل من السيارة متجهًا إلى منزل أخيه.

***

كانت شهد في المطبخ تعد الطعام لوالدة ليث، تلك المرأة الحنونة التي شعرت وكأنها أم لها.

تتبهت إلى علو الأصوات في الخارج وكأن مراد يرحب بقدوم أحد، جففت يداها في المنشفة المجاورة لها وعدلت من وضع حجابها ثم خرجت لترحب بذلك الزائر. 

تجمدت عندما ألتفت الشخص الذي كان يحتضن الأم لتجده ليث.

كان حال ليث لا بختلف عنها كثيرًا وقد أصابه الذهول؛ فهو لم يتوقع أبدًا أن يراها، وأين؟! هنا في منزل أخيه!

قال مراد وقد وقف بجوار شهد محتضنًا إياها:-

-أقدملك مراتي يا ليث.

يا الله، لقد أخطأت كثيرًا، وأستحق العقاب ولكن أترجاك ليس هذا العقاب القاسي.

أومأ لها مرحبًا بوجه شاحب بينما هي، فما أقسى المشاعر التي تجيش في صدرها، فرؤيتها له قد أعادت لها الماضي بكل قسوته. ألتفتت تغمغم إنها سوف تكمل إعداد الطعام. 

وما أن ابتعدت عنهم حتى استندت إلى الحائط وكممت فمها تمنع صوت شهقاتها من العلو بينما الدموع تنهمر بغزارة فوق وجنتيها، والألم في صدرها لا يُحتمل. 

سمعت صوت مراد يناديها فجففت دموعها بسرعة لترد بدون أن تلتفت إليه:-

-ثواني والأكل حيكون جاهز.

غسلت وجهها محاولة أن تخفي آثار بكائها ثم تابعت إعداد الطعام. 

***

تجمع الجميع حول المائدة لتناول الطعام، وكانت دعابات مراد هي الصوت الوحيد الموجود بينما ليث فيطلق ابتسامة شاحبة.

تسائلت الأم في حنان وقد انتبهت إلى عدم تناول شهد الطعام:-

-مش بتاكلي ليه يا حبيبتي؟

أجابت شهد:-

-أبدًا يا ماما، أنا باكل أهوه.

-معلش يا بنتي، أحنا جينا تقلنا عليكِ في بيتك. 

قالت شهد بأستنكار:-

-لأ طبعا يا ماما متقوليش كده، ده بيتك.

مراد وقد أحاط شهد بأحد ذراعيه:-

-يا ماما أنتِ نورتي بيتنا.

انتفض ليث وقد استهلك كل طاقته في التحمل. ألتفت إليه الجميع ليقول:-

-أنا شبعت الحمد لله.

اتجه إلى الغرفة التي سبق أن جهزها له مراد, أغلق الباب خلفه، وانهمرت دموعه بدون أن يستطع إيقافها، تمتم في توسل:- يا رب أنا عارف إني عملت حاجات غلط كتير وأستحق العقاب بس العقاب ده صعب أوي، أنا مش حقدر أتحمل، مش حقدر أشوفها قدامي وهي مرات أخويا ...مش حقدر أتحمل المشاعر اللي جوايا وأنا عارف إني حرام أحبها وهي مُحرمه عليه.علاقتي بيها كانت من الأول غلطة بس أنا توبت والله وهي كمان شكلها تابت، سامحنا يا رب.

***

دخلت شهد غرفتها بعد أن ساعدت الأم على النوم في غرفة مراد بينما مراد فسوف يشاركها غرفتها.

تنهدت في ألم فرؤيته اليوم قد بعثت الحياه في ماضِ قد ظنت إنها نسيته، ولكن من تخدع فقد تناست الأمر وكأنه لم يكن، ولكنه حدث فعلا وها هي تواجهه في صورة ليث، الشخص الذي ظل أعوامًا محور كوابيسها وظلت تلك العلاقة وصمة عار في حياتها.

دخل مراد الغرفة يتأمل حركاتها المتوترة التي يدرك سببها. ألتفتت إليه عندما شعرت بوجوده، حاول أن يتحدث ويبرر سبب ما فعله ولماذا أخفى عنها الأمر ولكنها أشارت له أن يصمت وقالت بنبرات باكية:-

-كنت عارف إنه حيجي ومقولتليش، كنت عارف إني مش حقدر أتحمل إني أشوفه قدامي...عارف أحساسي إيه دلوقتي؟ 

لم تنتظر إجابته وأردفت في ألم:-

-حاسه إني مهما عملت مش حنضف أبدًا، مش حبقى واحدة محترمة زي أي بنت.

ضحكت بسخرية مريرة متابعة:-

-أصلا مفيش بنت محترمة تغلط مع واحد لمجرد إنه قالها كلام حلو، مفيش...

قاطعها مراد وقد أغضبه أن تنعت نفسها بأبشع النعوت وقد عرفها بشكل كافي ليدرك أخلاقها:-

-متقوليش كده أنتِ فاهمه؟ أنتِ أحسن واحدة...

لتقاطعه بهستيرية:-

-أنا واحده زباله غلطت مع واحد من غير جواز حتى العرفي كنت رخيصة أوي ومطلبتوش، وأنت كان ذنبك إيه تتجوز واحدة زيي؟! لأ واللي كمان غلطت معاه يبقى أخوك.

أردفت بصوت منخفض وقد أنهكها فيض المشاعر بداخلها:-

-وكمان خلفت ابن منه.

أقترب منها يضمها بقوة لتتشبث به وتجهش بالبكاء بمرارة وحرقه، أخذ يربت فوق رأسها ببطء حتى سكنت بين أحضانه وتوقفت عن الأرتجاف فقال بصوت حنون بعد أن أجبرها على مواجهته:-

-أحنا مش اتكلمنا في الموضوع ده قبل كده، أنتِ فاكره الناس كلها كويسه وملايكه مش بيغلطوا؟! أحنا بشر, اه غلطتك كانت كبيرة بس أنا شوفتك أكتر من أربع سنين وأنتِ بتكفري عنها بصلاتك وحفظك لكتاب ربنا، كنت بسمعك وأنتِ بتعيطي في كل صلاة بتترجي ربنا يسامحك... ربنا غفور ورحيم أوي بعباده، تفتكري اللي ربنا بيحميه ويستره حيجي عبد ضعيف يفضحه؟

لم ينتظر ردها وأردف:-

-لأ طبعا، أنتِ توبتي وربنا إن شاء الله يتقبل توبتك، مش عايز أسمعك تقولي الكلام ده تاني وخلي عندك ثقة في رحمة ربنا.

أومأت شهد وقد أطمئن قلبها قليلا بفعل كلمات مراد التي خففت من آلامها.

تابع مراد:-

-ارتاحي دلوقتي وأنا حروح أشوف موضوع ليث ده.

أوقفته تتسائل بهمس:-

-أنت مقولتلوش صح؟

ابتسم مراد وقال مطمئنًا:-

-متقلقيش سرك معايا، ومفيش حد أيًا كان حيعرفه بدل أنتِ مش عايزاه يعرف.

غادر تاركًا أياها تفكر في رحمة الله عز وجل وتدابير القدر التي ساقت شخصًا كمراد في طريقها، فقد أعتنى بها كما لم يسبق لأحد أن فعل وبدون أن يطلب شيئًا في المقابل.

ابتسمت و هي تتذكر خوفها منه في بادىء الأمر، كم تستنكر ذلك الآن؛ فمراد أصبح يعني الأمان بالنسبة لها.

***

انتزعت الدقات على باب الغرفة ليث من بؤسه فجفف دموعه سريعًا، وسمح للطارق بالدخول. 

لاحظ مراد الحزن على ملامح ليث فتسائل مصطنعًا الجهل:-

-مالك يا ليث؟

- لأ مفيش أبدًا أنا كويس.

تجاهل مراد الأمر فهو مُدرك أن رؤيته لشهد قد أثرت به فقال:-

-دلوقتي أخر حاجه وصلتلها إن إسلام هنا، واللي أعرفه أن أنتوا جيتوا هنا سوا في شغل قبل كده فعايز أعرف الأماكن اللي ممكن يكون موجود فيها.

-أنا حروح أدور عليه معاك.

قال مراد رافضًا:-

-مينفعش؛ أنت هربان من السجن يا ليث، مينفعش تطلع دلوقتي خالص.

-بس هنا محدش حيتعرف عليا.

-ولو برضو، مش عايزين أي مخاطره.

أخذ ليث يكتب أسماء وأماكن الملاهي الليلية اللاتي أعتاد زيارتها بصحبة إسلام ليجفل عندما فاجأه مراد بقوله:-

-إيه رأيك في مراتي؟

رفع بصره إليه لعله يفهم الغرض من هذا السؤال ولكنه لم يجد إلا نظرة بريئة فقال وهو يتجنب النظر إليه مدعيًا التركيز على الورقة بين يديه:-

-شكلها محترمه وبنت حلال.

-أوي يا ليث، أنت مش عارف أنا بخاف عليها إزاي، واللي يفكر يأذيها مش عارف أنا ممكن أعمل إيه.

لا يعرف ليث لم شعر بنبرة غريبة في كلامه ولكنه برر ذلك بسبب نفسه المذنبه وضميره المتألم.

أخذ مراد الورقة منه واستعد للمغادرة ليستكمل البحث عن إسلام.

بينما ليث فقد توالت عليه الذكريات تهاجمه بلا رحمه، وبدأ في تذكر أول لقاء له معها. 

***

تأفف ليث من وجوده في تلك الحفلة الخيرية التي لا تمس اسمها بأي شيء، فهنا تأتي النساء للتباهي بثيابهن التي تم تصميمها من قبل أشهر المصممين بينما الرجال فيأتون للصيد ومن أمهر من الليث في الصيد؟!

ابتسم بسخرية وهو يرى شاهي الأرمله، فقد توفى زوجها الرابع منذ أسبوعين. تأمل ثوبها العاري، يبدو أن حزنها على الرجل المسكين لم يطل. 

توقفت نظراته على ذلك الجسد الهزيل من خلفها لتظهر فتاة، يعترف إنها لم تكن جميلة فقد عرف الأكثر جمالا ولم تكن الأكثر أناقة فقد كانت ترتدي ثوبًا باليًا وشعرها قد جمعته بواسطة رباط مما كشف أكثر عن وجهها الشاحب ولكن ما جذبه إليها تلك البراءة في عينيها رغم الهالات السوداء أسفلهما، وحينها قرر أن يجعلها ضمن نسائه.

***

تنهد ليث و هو يتذكر التنازلات التي دفعها لفعلها باسم الحب، كم كانت بريئة قبل أن يدنسها، كانت طفلة في تعلقها به،عفوية في حبها له. كم كانت حلوة كالشهد.

أنهكه ضميره فخلد إلى النوم داعيًا الله أن يرحمه ويغفر له خطاياه فهو لا قدرة له على تحمل كل ما يحيط به. 

فيُحتمل أن صديقه قد تسبب في دخوله إلى السجن بينما الفتاة التي وقع في حبها بدون أن يدري وبرغم مرور سنوات على أنفصالهما أصبحت زوجة لأخيه وكأن الماضي قد قرر معاقبته بأن تصبح حبيبته مُحرمه عليه.


نهاية الفصل السابع

#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات


الفصل الثامن


دخل مراد المنزل في وقت متأخر من الليل فقد أنهكه البحث عن إسلام في القائمة الطويلة التي أعدها ليث، ولكن بدون جدوى فلم يجده. فقط تبقت بعض الأماكن التي لم يبحث بها فقرر تأجيل الأمر إلى الغد.

دخل إلى الغرفة التي سوف يتشاركها مع شهد برغم عدم رضى الأم عن ذلك، ولكنها وافقت مرغمه عندما أخبرها مراد إنها تخشى النوم بدون وجوده معها منذ وفاة والدتها، وذلك خوفًا مما قد تبوح به شهد أثناء نومها فقد كانت الكوابيس تنتابها دائمًا وقد تعددت المرات التي أسرع بها إلى غرفتها ليلا عندما مزقت صرخاتها سكون الليل مثيره فزع طفلها أيضًا...لم تعد الكوابيس تأتيها بكثرة في الآونة الأخيرة ولكنهما لم يستطيعا المخاطرة كما إنه لم يرد أن يظهر أمام والدته وأخيه أي ثغرات في علاقته بشهد.

بدل ثيابه ثم استلقى على الأرض بجوار فراشها. ابتسم وهو يرى طريقتها الطفولية في النوم، فقد أعتاد مراقبتها أثناء النوم فكم من مرات أنتفضت من نومها تصرخ وتبكي، وكان عليه أن يهدأ من روعها حتى تعود إلى النوم مرة أخرى. 

عادت به الذكريات إلى أول لقاء لهما، غامت عيناه بسحابة ألم عندما تذكر حالتها وكيف كانت منهارة، وكم تعب لكي يجعلها تثق به.

يتألم مرتين من أجلها ومن أجل أخيه أيضًا, يدرك أن زواجه من شهد قد سبب له صدمة ولكنه يستحقها.

تنهد بألم وخلد إلى النوم بدون أن يشعر بها وهي تفتح عيناها ببطىء وغشاوة من الدموع تمنع عنها الرؤية بشكل واضح. لا يدري إنها تعرف تمام المعرفة آلامه، تدرك الصراع الذي يدور في نفسه كل ليلة.

في بادىء الأمر كانت تخشاه فتبقى مستيقظة وتنكمش على نفسها إذا شعرت به بجوار فراشها لتهدأ عندما تجده يعدل من وضع الغطاء عليها. 

رويدًا أصبحت تطمأن لوجوده ولكن تولد لديها خوف آخر وهو الخوف من أن يتركها فمهما حصل سوف يظل ليث أخاه, ولكنه لم يفعل ولم يظهر لها أبدًا الضيق والحزن الذي يشعر بهما، فزواجه منها كان من المؤكد أن يصنع فجوة بين الأخوين ويعلم الله إنها لم ترد لهذا أن يحدث, فقط أرادت النجاه هي وطفلها في عالم لا يرحم أمرأة قد أخطئت خطيئتها ويتسامح مع الرجل كثيرًا بل في الغالب يكون الرجل هو الضحية والمرأة هي من أغوته.

خلدت إلى النوم باكية فقد أعتادت على هذا, يبدو إنها ممن كُتب لهم العذاب في الدنيا.

***

أستيقظت شهد على رنين هاتفها لتلتقطه تبتسم بحب، وأجابت سريعًا:-

-حبيب ماما، وحشتني أوي.

أجاب بطفولية:-

-وأنتِ كمان يا ماما, وحشتيني أوي, أنتِ مش حتيجي تاخديني بقى؟

ترقرقت العبرات في عينيها وقالت بنبرة باكيه:-

 -معلش يا حبيبي، عندي ظروف تخلص وأجي أخدك علطول.

قال وقد استطاع بحسه الطفولي المرهف أن يشعر ببكائها:-

-ماما، أنتِ بتعيطي؟ متعيطيش خلاص، مش لازم تيجي دلوقتي وأنا بسمع كلام طنط ومش بعمل دوشة.

كتمت شهقاتها الباكية وقالت:-

-شاطر يا حبيبي، فارس؟

-نعم يا ماما. 

تابعت بحب:-

-أنت عارف إن ماما بتحبك أوي، وإن أنت أغلى حاجه في حياتي صح؟

-وأنا كمان بحبك أوي، ماما.. طنط عايزه تكلمك. 

-ماشي يا حبيبي، هاتها. 

هتفت نميس بصخبها المعتاد:-

-ابنك عايز يكبرني يا شهد، كل شوية أقوله بلاش تقولي يا طنط بس مفيش فايده. 

ارتفعت شهقات شهد لتتنهد نميس في حزن على حالها وقالت بحنان:-

-أهدي بس يا شهد، أنا عارفة إن الموضوع صعب بس خلاص هانت، وبعدين يا ستي متقلقيش على فارس ده حبيبي أصلا وأنا وهوه بنلعب سوا كتير أوي.

-شكرًا يا نميس، أنا مش عارفه أقولك إيه 

قالت نميس بمرح:-

-بس يا بت، أنتِ أختي أصلا، وبعدين أحتمال أبقى مرات ابنك في المستقبل.

ضحكت شهد لتبتسم نميس وقد نجحت في مهمتها، تبادلا الوداع على وعد بلقاء قريب؛ لكي ترى شهد طفلها "فارس".

انتفضت عندما ربت مراد فوق كتفها بلطف وابتسمت من بين دموعها، تأمل دموعها في إشفاق لتقول:-

-متقلقش أنا كويسه الحمد لله بس بعد فارس عني لأول مرة صعب أوي.

-معلش يا شهد ..هانت، أوعدك كل حاجه حتبقى كويسه قريب ومحدش حيقدر يبعد عنك فارس وحياتك حتبقى أحسن.

وأردف بمزيج من المرح والضيق المصطنع:-

-وبعدين ابنك عايز يعلق مني المزه بتاعتي يا ست شهد، الأستاذه نميس متصله بيه تقولي أنا خلاص حناسب شهد وأتجوز ابنها، أريل أنا.

ضحكت شهد وقالت بمرح:-

-إيه عندك أعتراض؟! وبعدين لازم تحبه مش أبني ولا إيه

-ماشي يا ختي، وبعدين الكلام مش معاكي, الكلام مع الأستاذ فارس لمه أشوفه.

ابتسمت شهد وقالت:-

-طيب روح شوف ماما صحت ولا لسه, وأنا حغير وأحضر الفطار.

خرج مراد وقد أسعده إنه استطاع أن يرسم البهجة على وجهها فطالما شعر أن إسعادها مسئوليته.

دق على باب غرفة والدته ثم دخل ليجدها تقرأ بعض الأيات بصوت عذب ليبتسم فقد أصبح ما هو عليه الآن بفضلها، وقد أحسنت رعايته بعد وفاة عائلته.

انتبهت إلى وجوده فابتسمت بحب فهو ابنها الذي لم تنجبه. ركع بجوار مقعدها واضعًا رأسه في أحضانها بينما أخذت تربت فوق رأسه وكأنها شعرت بالألام التي تجيش بها نفسه والصراع الذي يدور بداخله. 

تنهد ثم رفع أعين دامعة إليها وقال:-

-متزعليش مني مهما حصل، أنا عمري ما حعمل حاجه تأذيكي أبدًا.

ردت بينما تربت على جبينه:-

-عارفه يا بني، ربنا يحميك ويقويك، أنا عارفه إن المسئولية كبيره عليك خصوصًا إنك تدورعلى اللي اسمه إسلام ده.

ألتفت مراد ليجد ليث يقف مستندًا إلى باب الغرفة يتأمله بنظرات غريبة حائرة ولكنه لم يهتم فقط قال بمرح يناقض الألم في عينيه:-

-يلا نفطر، شهد قالتلي أصحيكوا عقبال ما تحضر الفطار.

قالت الأم بحب:-

-مراتك يا بني ربنا يحميها بجد، يا زين ما أخترت.

ابتسم مراد وقبل جبينها ثم ألقى نظرة خاطفة على ليث ليلاحظ إجفاله ألمًا عندما سمع كلمات والدته.

خرجوا من الغرفة ليجدوا شهد تضع الأطباق فوق منضدة الطعام. ألتفت الجميع حول المنضدة لكن تلك المرة لم يكن هناك إلا أصوات الطعام، تعجبت الأم من الصمت المحيط والضيق على وجه ليث ولكنها رجحت ذلك إلى قلقه من عدم إيجاد إسلام.

 فقالت في محاولة منها لتبدد قلقه:-

-متقلقش يا بني مصير الحق يبان.

ابتسم لها ليث ابتسامة مرتجفه بينما شهد ربما لأول مرة ترفع رأسها لتنظر إلى ليث مباشرة، وقد كانت تتجنب رؤيته منذ مجيئه. هالها حالته بوجهه شاحب, وتلك الهالات السوداء حول عينيه, كما إنه قد أصبح شديد النحول. 

بدون إرادتها تألم قلبها لرؤيته هكذا، ولم تشعر بتلك العبرة الخائنة التي انهمرت على وجنتيها حتى وجدت مراد يجفف دموعها بينما الأم تسائلت بلوعة:-

-مالك يا شهد بتعيطي ليه؟

انتفضت شهد خاصة عندما رفع ليث رأسه عن طبقه لتتلاقا نظراتهما لأول مرة منذ وقت طويل.

قالت شهد بنبرة باكية وقد قطعت اتصال العيون:-

-أنا كويسه، عن إذنكم أدخل أوضتي.

و تركتهم مسرعة إلى غرفتها, تغلق الباب خلفها...تستسلم قدماها فتجلس أرضًا وتجهش بالبكاء. 

ألن ينتهي هذا العذاب أبدًا؟!

أسوف يظل قلبها الخائن ينبض لأجله؟!

أخذت تردد في توسل:-

-يا رب سامحني، أنا مش قادرة اتحكم في مشاعري, بحاول...ساعدني وقويني، أنا ضعيفة أوي يا رب، ومراد ميستحقش إني أخونه حتى لو أنا مراته بالاسم بس، سامحني يا رب.

ارتفعت دقات على باب غرفتها وصوت مراد يرغب أن يطمأن عليها فنهضت, وفتحت الباب بدون أن تحاول إخفاء دموعها فقد كانت تعلم إنه مجهود عديم الجدوى فلن يُخفى عن نظراته الحاده دموعها. 

لم يتحدث مراد فقط دخل الغرفة مغلقًا الباب خلفه ليضمها بين ذراعيه بحنان فتجهش ببكاء عنيف متشبثه بملابسه وتردد في أسف واضح:-

-أنا اسفة، أنا أسفة... والله العظيم غصب عني.

ربت فوق رأسها برفق وقال بصوته الحنون:-

-عارف ومش زعلان منك، أنا بس...

تردد قليلا ثم رفع رأسها المدفون في صدره ليجبر عيناها على أن تلاقي عيناه وقال:-

-أنا بس زعلان عليكي.

جفف دموعها برفق وقال:-

-مصيرك في يوم حتلاقي السعادة، وأنا حفضل دايمًا جنبك مهما حصل، اتفقنا؟

أومأت شهد فابتسم مراد ثم قال:-

-ألبسي بقى علشان أخدك ونروح لفارس.

ابتهجت شهد لذكر طفلها وأسرعت لتغيير الإسدال المنزلي الذي كانت ترتديه.

***

دخل ليث غرفته وقد استطاع التهرب من استجواب والدته،  شعور إنه قاتل يزداد بشاعة فقد قتل روحها، ألم يفعل ذلك وهو يراها دامعة بمجرد أن يقع نظرها عليه؟

إنها العدالة، فكل ما حدث له من دخول السجن, وكونها دونًا عن نساء العالم زوجة لأخيه ما هو إلا تحقيق العدالة. 

توضأ ليقف أمام الله في خجل ومع كل سجود يزداد بكاءه عنفًا، لم يعد يملك فرصة للدعاء بأن تكون له؛ فقد فات الآوان، فأخذ يدعو الله أن يهبها الراحة ويسعد قلبها الرقيق، ومع انتهاء صلاته بدأ يعود إلى بحور ذكرياته.

***

منذ تلك الليلة في الحفلة الخيرية وشهد لا تفارق ذهن ليث حتى قرر الاستعداد ليوقع فتاة ظن إنها كالأخريات, ولم يعرف إنها لا تصطنع برائتها مثلهن.

تتابعت زيارات ليث إلى منزل شاهي متصنعًا بعض الحجج الواضحة وفي أثناء زياراته كان يتقرب بكل الطرق من شهد والذي أدرك إنها تعمل خادمة لتساعد والدتها وأشقائها الصغار, وقد تخلت عن شهادتها الجامعية من أجلهم.

كان يستغل كل فرصة تتاح له ليلمسها، كانت تخجل ولكنه استطاع أن يجعلها تصدق أن تلك اللمسات المحرمة هي دليل الحب والثقة بينهما.

كانت تزداد ثقتها به يومًا بعد يوم حتى انتهى الأمر، وأصبحت كالأخريات وخسرت كل شيء.

***

تنهد ليث بألم وهو يتذكر تلك الثقة التي كانت توليها له حتى إنه كان يشعر أنه والدها في بعض الأحيان, وهو بمنتهى الوقاحة قد خذلها وخان تلك الثقة.

***

جففت شهد دموعها بينما تستعد لرؤيه ابنها، كم كانت حمقاء عندما ظنت أن استسلامها له حب وثقة، ولم تدرك أن من يحب يخشى على محبوبته من غضب الله عز وجل قبل نظرات الجميع من حولهم. 

 لكنه لم يهتم, لم يبالي بتلك النظرات وهؤلاء يتهامسون فيما بينهم عنهما وهما يسيران في الطرقات مفترضين الأحتمال الصحيح إنهما ليسا زوجين.

هو فقط لم يحب، لم يدرك معنى ذلك الشعور السامي، أثمن المشاعر التي خلقها الله عز وجل. فالحب لم يكن أبدًا حرامًا فقط تصرفاتنا هي من تجعله حرامًا.


نهاية الفصل الثامن

#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات



الفصل التاسع


كانت شهد تجلس بجوار مراد في سيارته، وقد سيطرت عليها السعاده لإنها سوف ترى صغيرها فارس، كم أشتاقت إليه.

منذ ولادته لم يكن يفارقها أبدًا حتى إنها في بادىء الأمر لم تسمح لمراد حتى أن يقترب منه.

ملامحه الشبيهة بملامح أبيه كانت تسبب لها الألم مما كان يولد لديها شعورًا بالرهبة أن يصبح كوالده، مستهتر يمزق مشاعر من حوله بدون أن يبالي، ربما لذلك قد حرصت أن تعلمه دينه وتتعلم معه ليكبر رجلا يراعي الله في أفعاله.

ترجلت من السيارة بعد توقفها أمام إحدى الحدائق، اتسعت ابتسامتها عندما وجدت فارس يركض نحوها ليلقي بنفسه بين ذراعيها، حملته عاليًا تضمه بقوة إلى صدرها تستنشق رائحته المحببه إليها.

نظر مراد إلى المشهد في عطف فهو يدرك أن شهد لا تستطيع تحمل فراقها عن فارس، وبدون أن تخبره كان يدرك إنها تعتبره مرساة النجاه لها.

نظرت نميس إلى مراد وقد شعرت ببعض الغيرة من اهتمامه ونظراته المنصبه على شهد وطفلها. كأنما شعر بنظراتها فألتفت إليها واتسعت ابتسامته وهو يرى شرارة الغيرة في عينيها. 

اقترب منها حتى أصبحت المسافة بينهما تكاد تكون منعدمة بينما نميس فقد أرادت أن تثبت إنه لا يؤثر بها فلم تتراجع إلى الخلف ونظرت له بقوة، لتصبح قوتها رمادًا عندما أقترب طابعًا قبلة رقيقة فوق جبينها، وبدون أن يبتعد همس بجانب أذنها في حب:-

-بحبك أنتِ وبس، أوعي تنسي ده، أنتِ عارفه مشاعري كويس تجاه شهد.

ابتسمت له بحب وشغف وارتفع كفها بدون وعي تلمس وجهه في حنان:-

-عارفه وفخوره بيك أوي بس أنا اوقات... يعني أقصد...

تلعثمت تحت تأثير نظراته ليبتسم:-

-عارف، بتغيري، ده إحساس عادي إنك تحسيه.

استفزتها كلماته لتقول بضيق:-

-اشمعنى يعني؟!

قال بعبث غامزًا:-

-علشان بتحبيني.

أحمرت وجنتاها خجلا فهي لا تملك القدرة على الإنكار، فهو عشقها وحبها الأول والأخير. الرجل الذي حلمت به كثيرًا وها هو أمامها أفضل بكثير مما صوره لها عقلها.

قاطعتهما ضحكات شهد التي ارتفعت وهي تقول في مرح:-

-أحم، أنا ممكن أخد فارس ونمشي لو شايفين إننا مضايقينكم يعني.

اشتد خجل نميس وحاولت أن تبتعد عن مراد الذي لم يتزحزح، وقال بمرح غامزًا شهد:-

-لا خليها لمه نبقى في البيت مش هنا، ساعتها أكيد ححب أوي أوزعك أنتِ وابنك.

ضحكت شهد بقوة بينما نميس فقد لكمت بقبضتها الصغيرة صدر مراد لوقاحته. 

قالت شهد بحب صادق:-

-ربنا يحميكم، ويخليكم لبعض دايمًا. 

احتضنتها نميس قائلة:-

-ويخليكي لينا.

كانت شهد مازالت تحمل فارس الذي انتهز الفرصة ليطبع قبلة على وجنة نميس القريبة منه لتبتسم له بحب وتحمله من شهد محتضنه إياه بينما مراد فقد قال بغيظ:-

-الواد الصغير ده موته حيكون على إيدي، تعالى هنا ياض.

وأسرع يركض خلفه بينما فارس فقد نالت اللعبة إعجابه وأخذ يركض بينما ضحكاته الطفولية ترتفع في الأنحاء، جلست كلا من شهد ونميس يراقبان ما يحدث في مرح.

تنهدت شهد وهي تتذكر تلك الليلة التي أدركت بها حملها بفارس فقد كانت مع والدتها في إحد المناسبات عند الجيران، وكان ذلك بعد شهر من ليلة نبذ ليث لها كانت خلاله تعيش كالميت، أغشى عليها وأسرعوا بها إلى المشفى ليخبر الطبيب أهلها بأنها حامل في الشهر الثالث. 

أقتحمت أمها الغرفة وأخذت تضربها بقوة وهي لم تقاوم؛ تدرك إنها تستحق كل هذا بل إنها ابتهلت في داخلها أن تقتلها والدتها لعلها ترتاح من هذا الألم. 

أبعدت الممرضات والدتها لتلقي الأم عليها نظرة لا تفارقها حتى الآن، نظرة مزقتها...نظرة خيبة الأمل، وقالت:-

-أنا بنتي ماتت خلاص.

 وتركتها بدون أن تلتفت إلى بكائها أو توسلاتها. انهارت وزاد الأمر سوءًا عندما أمر الطبيب بإلقائها خارج المشفى فهي لم تملك أي مال تدفعه. 

جلست على الدرجات أمام المشفى تضم جسدها بخوف، والدموع لا تتوقف عن الإنسياب فوق وجنتيها. 

بعد دقائق نهضت تسير بخطوات بطيئة مترنحة كالسكارى وقد حسمت أمرها واتخذت القرار بدون أن تشعر بذلك الشاب الذي يسير خلفها، وقد أرتاب في طريقة سيرها ودفعه فضوله إلى تتبعها.

نظرت إلى المياه ثم وقفت أعلى حافة الجسر واستعدت لإلقاء نفسها، الدموع لم تتوقف لحظه...تتوسل أن يسامحها الله. 

قبل أن تقفز أحاطت يد خصرها وجذبتها بقوة بينما هي تقاوم فرغبتها في الموت قوية مما أضطر الشاب إلى صفعها، وقعت على ركبتيها وهي تبكي بقوة فجلس بجوارها قائلا:-

-ممكن أفهم عايزه تقتلي نفسك ليه؟

هل تدركون أن قول الأسرار إلى غريب يريح النفس؟!

هذا ما فعلته شهد فأخذت تتحدث طويلا بدون أن تهتم لمعرفة هوية هذا الشاب أو كيف إنها كشفت أسرارها أمام غريب وبعدما انتهت من قص حكايتها وجدته قد نهض من جوارها. 

ظنت إنه قد اشمئز منها لتجده قد عاد بعد برهة ليضع معطفه على ذراعيها. 

انتفضت من لمسته وابتعدت بسرعة، ولكنه لم يغضب بل تسائل:-

-أنتِ قولتي اسم أبو ابنك إيه؟

أجابت بصوت مرتجف النبرات:-

-ليث المعداوي.

تنهد وقد صحت ظنونه بعدما استمع إلى وصفها ثم قال:-

-أنا مراد، أخو ليث في الرضاعة.

تراجعت في خوف وقد صور لها عقلها إنه سوف يؤذيها ولكنه قال مطمئنًا:-

-ممكن تهدي، أنا مش حأذيكي.

أردف بدون أي تفكير:-

-أنتِ ملكيش مكان تروحيه، وأنا المفروض طيارتي بعد ساعة، ححجزلك وتيجي معايا.

كانت أفكارها كلها تدور حول الهرب بعيدًا عن كل هذا وقد استيقظت روح الأمومة بداخلها ولكن إلى إين المفر؟!

فليس لها ملجأ الآن، لا عائلة، ولا أصدقاء.

وهكذا سافرت مع هذا الغريب وبداخلها خوف وفزع من المجهول.

خرجت شهد من ذكرياتها على صرخات ابنها الطفولية لتبتسم له بحب وتحمد الله الذي جعل مراد في طريقها ليمنعها من حماقتها ومحاولتها قتل نفسها والروح الصغيرة بداخلها.

توقف مراد عن ملاحقة الصغير وقد رن هاتفه المحمول ليجد رسالة اشعلت الأمل في نفسه وقد أخبره صديقه إنه قد توصل إلى مكان إسلام.

أوصل نميس وفارس إلى منزل نميس الذي تسكن فيه مع والدها بينما والدتها فقد توفيت بينما هي طفلة في الرابعة.

بينما شهد فقد عادت الى المنزل تجلس مع والدة ليث التي أحبتها كثيرًا فهي تذكرها بأمها.

***

عاد مراد ليلا بذهن شارد ثم جلس مع ليث يشاركه أفكاره فقد أكد إسلام بكل الأدلة الممكنة إنه لا يد له بما حدث، وإنه قد ترك مصر خوفًا من أن يذكر ليث اسمه بأي طريقة ممكنة خاصة مع تورطه في تداول المخدرات بين أصدقائه، مما يعني إن والد إسلام متورط وحده.

تسائل ليث بداخله كيف سوف يصلون إليه؟! فشركاته لها شهرة لا بأس بها بجانب الحراسة الشخصية التي يحيط بها نفسه.

بينما مراد فقد تذكر تلك الفكرة المجنونة التي أقترحها صديقه، ولكنه هز رأسه رافضًا؛ فهو لن يعرض شهد أو نميس إلى أي من هذا. 

كيف سيجعل إحداهما تذهب إلى عرين الأسد؟! ماذا إذا أصاب إحداهما مكروه؟!

***

"أنا موافقة."

هذا ما قالته شهد وقد جلست مع ليث ومراد بينما يتناقشان في الأمر وقد أخبرهما مراد بالخطة المجنونة التي أقترحها صديقه، أن يجعلوا فتاة تذهب لتعمل كسكرتيرة خاصة في شركة عصام الحسيني والد إسلام.

قبل أن يرد مراد معترضًا انتفض ليث صارخًا:-

-أنتِ اتجننتي؟! يعني إيه موافقه، أنتِ مسمعتيش قال إيه...الراجل بتاع ستات ومش فارق معاه اللي قدامه قد بنته ولا لأ، وبيعشق التحديات يعني لو اتجاهلتي مضايقاته حيطاردك أكتر.

اندفعت شهد قائلة قبل أن تستطيع أن تمنع لسانها:-

-بتاع ستات وبيعشق التحديات! مش بيفكرك بحد يا ليث؟!

تجمد ليث وظهر الألم في عينيه فهو يعد أخر شخص قد ترغب في معرفة رأيه. 

تجاهل مراد جدالهما وقال لينهي الأمر:-

-مينفعش يا شهد، أنا مش حسيبك تعملي كده.

-يا مراد أنا حبقى كويسة، وبعدين أنت حتبقى معايا يعني مفيش حاجه حتحصلي.

-يا شهد أفرضي حصلك حاجه وأنا مش حبقى موجود علطول معاكي. 

قالت شهد بثقة:-

-أنا واثقة إنك حتحميني، ومش حتسمح لحد يأذيني. 

-بحياتي ححميكي يا شهد، وده عهد بيني وبين ربنا.

ضاق ليث من هذا الحوار الذي مزق قلبه، ففي كل لحظة يتأكد أن شهد قد تجاوزته ومتشبثه بأخيه.

إلى متى سوف يستمر هذا العقاب؟

قطع عهدًا على نفسه إنه ما أن يثبت برائته حتى يخرج من حياتهما بكل هدوء، فهو لن يمزق حياتها مرة أخرى. يكفي تدميره لها من قبل وسوف يكتفي بشعور سعادة يكتنفه عندما يشعر ببهجتها.


نهاية الفصل التاسع

#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات



الفصل العاشر


بدأ مراد وصديقه في تجهيز ملف شخصي لشهد كي تتقدم لوظيفة مساعدة شخصية لعصام الحسيني، كان مراد يقضي معظم أوقاته في الخارج ليرتب كل شيء بداية من تزوير أوراق شهادة جامعيه لها؛ فهي لم تلتحق بالجامعة أبدًا ثم إعداد شهادة ميلاد باسم مزيف، فهي سناء بدر الدين، تبلغ من العمر سبعة وعشرون عامًا، تخرجت من كلية التجاره بينما والديها فقد توفيا.

استطاع صديق مراد تجهيز جميع الأوراق في غضون يومين مستغلا سلطته. في هذين اليومين كاد الخوف يقتل ليث متسائلا ماذا إذا أصاب شهد مكروه؟! تخيل ذلك يشعره إنه على وشك الموت حقًا.

شعر بالألم عندما أدرك كم هو غير مهم في نظرها، وسخر من نفسه مفكرًا...أكان يريدها أن تستمع إلى نصيحته وتنهال عليه بالثناء والشكر؟!

خاطب نفسه بسخرية؛ مازلت مغرورًا يا ليث، انظر إلى نفسك، فأنت ظل شاحب لما كنت عليه حتى إنك لا يمكنك الخروج من المنزل خوفًا أن يتعرف عليك أحدٌ. خاصة أن خبر هروبه قد انتشر في العديد من الجرائد التي قد أحضرها له مراد ليريه مدى خطورة موقفه.

كان يشعر بالضيق من عجزه عن الخروج وإثبات برائته بنفسه فهو يُعرض من حوله إلى الخطر وخاصة محبوبته شهد.

أما شهد ففي هذين اليومين كانت شديدة التوتر مما هي مقبله عليه، لا تنكر شعورها بالخوف ولكن لن تتراجع أبدًا فمراد قد صنع الكثير من أجلها وفي المقابل يجب أن تعاونه.

أصبحت أوراق شهد جاهزه، وجاء اليوم الذي ستبدأ فيه اللعبه، فسوف تتقدم شهد للألتحاق بوظيفة المساعدة الشخصية. 

بلغ التوتر من مراد وليث الذروه، فليث يخشى أن يصيب حبيبته أي ضرر، بينما مراد فقد نصب نفسه مسئولا عن شهد وإذا أصابها سوء لن يسامح نفسه أبدًا.

أعدت شهد نفسها وكانت ترتدي ثوب طويل مع حجابها البسيط وابتهلت في داخلها أن ييسر الله لها أمرها.

 خرجت من الغرفة لتجدهم مجتمعين في الخارج فقد أخبرا والدة ليث بالخطة رغم اعتراضها القلق في بادىء الأمر إلا إنها رضخت في النهاية نتيجة لإصرار شهد. 

نظر ليث إلى شهد وعيناه تقصان مخاوفه ثم أبعد نظره بينما مراد فقد أقترب منها قائلا:-

-متأكده يا شهد؟ لوعايزه ترجعي عن قرارك محدش حيلومك وحنشوف طريقة تانيه.

ابتسمت رغم قلقها وقالت:-

-متقلقش أنا حبقى كويسه، وبعدين الورق اللي معايا مفيهوش غلطة تثبت إنه مش رسمي.

أردفت بينما تراه يتحرك ليذهب معها:-

-مش حينفع تروح معايا، أفرض حد شافك وتابع الموضوع وعرف كل حاجه.

رغم إنها مجرد احتمالات أطلقتها شهد إلا إنها يجب أن تؤخذ في الأعتبار. توكلت شهد على الله واتجهت إلى مقر الشركة.

كان مبنى الشركة كناطحات السحاب في ارتفاعه ومن الداخل كان كل ركن يدل على مدى الثراء الذي يعيش فيه صاحب الشركة.

 تقدمت من مكتب في الردهة تجلس خلفه فتاة ملامحها غربية وسألتها بلغة أجنبيه غير متقنه تكرر الكلمات التي لقنها إياها مراد:-

-أنا هنا لكي أتقدم لوظيفة المساعدة لسيد عصام.

يبدو من ملامح الفتاة إنها أدركت المعنى فشهد أخر علاقتها مع اللغه الإنجليزية كان في مدرستها الثانوية وبالطبع النطق لديها يعتبر وصمة عار في تاريخ اللغات، وكانت تلك نقطة خلاف مع مراد أثارت قلقها فمنصب المساعدة الشخصية من المؤكد يحتاج إلى إجادة اللغة الإنجليزية، ولكنهما اتفقا أن تبرر الأمر بإنها قد درست في الجامعة في مصر ولم تهتم باللغة كثيرًا خاصة بعد وفاة والديها، وما ساعد في ذلك إن المساعدة المطلوبة يشترط إجادتها للغة العربية بسبب التوسعات الجديدة في الوطن العربي التي أعلنتها الشركة من قبل.

أرشدتها الفتاة إلى المصعد وأخبرتها أن تصعد إلى الدور الخامس. كانت شهد وحيدة في المصعد ولكن قبل أن يغلق الباب أوقفه أحدهم ليدخل رجل قد غزا الشيب بعض من شعره، يرتدي زيًا رسميًا. كادت شهد أن تخرج من المصعد ولكن الوقت كان قد فات فقد تحرك بهما المصعد.

انزوت في ركن  من المصعد وفي داخلها خوف لا تدرك مصدره من هذا العجوز فنظراته تخيفها، وقد لمحته بجانب عينيها يتأملها بنظرات أصابتها بمزيج من الإشمئزاز والخوف. 

تنهدت بإرتياح ما أن وصل المصعد إلى الدور الخامس فخرجت سريعًا بدون أن تلتفت لتنظر خلفها.

اقتربت من مكتب يجلس خلفه رجل يبدو من ملامحه إنه عربي فقالت في محاولة منها للتأكد:-

-السلام عليكم.. 

ابتسم الشاب ورفع رأسه لتتسع إبتسامته وهو يرى حجابها الذي أشتاق لرؤيته في هذه البلد.

أجاب قائلا:-

-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...اؤمري.

ابتسمت بدون أن تدري بسبب شعور الألفة الذي شعرته تجاه الشاب فأخبرته بسبب مجيئها ليقول بأسف:-

-المقابلات ميعادها أنتهى.

ظهر الأسى على ملامحها مما دفعه ليقول:-

-بصي بما إننا عرب زي بعض وباين عليكِ محتاجه الشغل ده فأنا حساعدك، هاتي الملف بتاعك وأنا حتصرف.

قالت شهد بعرفان للجميل:-

-شكرًا أوي، أنت مش عارف ريحتني قد إيه.

ابتسم قائلا:-

-متقوليش كده، وإن شاء الله لمه تشتغلي هنا تقدري تعتبريني أخوكي في الغربه، وإي حاجه تحتاجيها أنا موجود.

شكرته شهد مرة أخرى وغادرت وهي سعيده فأخيرًا سوف تتاح لها الفرصة لمساعدة مراد.

***

كان مراد بجلس متوترًا يتسائل كيف إن شهد لم تأخذ هاتفها، ولماذا تاخرت؟ هل أصابها مكروه؟! 

تذكر عندما عرض عليها السفر معه، لقد تعجب من موافقتها ولكنه أدرك إنها لم تكن تملك أي خيار آخر بعد تخلي أمها عنها، وبذلك تغيرت خطته فبدلا من أن يسكن مع أحد اعمامه أتخذ منزلا خاصًا به وكان أعمامه أكثر من مرحبين بذلك فقد كانت راحة لهم للتخلص من مسئوليته الغير مرغوب بها. كان يقضى لياليه في أحد الفنادق فهو لم يستطيع أن يسكن مع عمه وهو الذي ساعده في إيجاد المنزل. في بادىء الأمر كان يرى الخوف في عينيها في المرات القليله التي كان يراها بها حيث إنه لم يكن يراها إلا ليحضر لها أي طعام أو شراب.

كم شعر بخيبه الأمل في أخيه فهو لم يتوقع أن يرتكب مثل هذه الفحشاء.

تذكر عندما نظر من حوله في المقهى الذي يجلس فيه ليبتسم عندما وجد أمرأه وزوجها يضع يده فوق رحمها رغم أن بطنها لم تبرز بعد فرجح ذلك إلى إنها لابد عائده من عند الطبيب، وهنا أصابته صدمة وأخذ ينعت نفسه بأسوا النعوت كيف غفل عن هذا؟! فشهد حامل ولابد لها من الذهاب إلى المشفى للمتابعه. 

عاد إلى المنزل وبالطبع لم يكن يملك مفتاحًا فدق الباب وبعد دقائق ظهرت شهد وقد برزت بطنها قليلا فظهر الأسف في نظراته عندما أدخلته ولاحظ شحوب وجهها الذي يدل على إرهاقها فقال بأعتذار:-

-أنا أسف أوي يا شهد.

ليتفاجأ بوجهها يزداد شحوبًا وقالت بصوت مرتجف النبرات:-

-فهمت، أكيد عايزني أمشي، أنت مش مضطر تخليني في بيتك أكتر من كده.

قال في ذهول:-

-أنتِ فهمتي إيه؟! أنا أسف؛ علشان مأخدتش بالي إنك لازم تتابعي مع دكتور.

أردف في صدق:-

-شهد، أنا عمري ما حخليكي تسيبي البيت، ومش حتخلى عنك لا أنتِ ولا اللي في بطنك، ألبسي وأنا حستناكي في العربيه.

نظرت له بعرفان للجميل وأسرعت إلى غرفتها تبدل ثيابها؛ فقد سبق وأحضر لها مراد الكثير من الثياب وقد كانت واسعه تناسب الحوامل.

ركبت بجواره السياره وأراحت كفها على بروز بطنها وكأنها تطمئن صغيرها. 

وصلا إلى المشفى وبدأت الطبيبه تتحدث مع مراد بعد الكشف عليها. لم تفقه شهد من حديثهما إلا كلمات متفرقه بسبب سرعته ولكنها لاحظت بدأ ظهور الغضب على مراد وأجابته بنبرة ساخطه ثم ألتفت إلى شهد قائلا بحده:-

-يلا بينا.

تبعته شهد بخوف وكتفت يداها حول بطنها وقد أصابتها الظنون أن صغيرها قد أصابه مكروه وهذا ربما يكون سبب غضب مراد، لاحظت إنه قد غير اتجاهه، فهذا لم يكن طريق المنزل ولكنها خشيت أن تتكلم فينفجر بركان غضبه عليها.

 توقف فجأه وأشار لها أن تنزل، ترجلت من السيارة لتقف مصدومة أمام هذا المبنى وتقرأ بأنجليزيتها السيئه المكتوب على اللوحة المعلقه أعلاه.

خرج من ذكرياته على صوت شهد وقد عادت فأسرع إليها وبدأ ينهال عليها بالأسئلة قائلا:-

-أنتِ كويسه؟ أتأخرتي أوي...فيه حاجه حصلت؟

قالت الأم برفق:-

-يا بني سيبها تاخد نفسها الأول.

جلست شهد لتستريح قليلا ثم قصت عليه ما حدث وبالطبع لم  تذكر موضوع المصعد فهو ليس له علاقة بالموضوع، وقد تحدثت بكثرة في مدح الشاب العربي الذي قابلته؛ فقد أعجبتها شهامته معها وأخذه في الأعتبار كونهما من نفس البلد مما دفع ليث ليقول بسخريه:-

-واضح إنك كنتي مركزه في حاجات تانيه غير اللي رايحه علشانها.

وجم وجه شهد ونظرت إليه في أحتقار، وكادت أن ترد ردًا لازعًا ولكن مراد سبقها قائلا بتحذير:-

-ليث، أنا مسمحلكش تتكلم مع مراتي بالشكل ده.

نظر إليه ليث بسخريه تحمل في طياتها مزيج من الحزن والألم فقد أثار حديثها عن هذا الشاب والمبالغة في الثناء عليه غيرته كما أثار شجونه وحزنه كون مراد هو الوحيد الذي يحق له الدفاع عنها، في لحظة أنانية منه تمنى أن تكون زوجته ويكون هو الوحيد الذي يحق له الدفاع عنها، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.

تركت شهد المكان إلى غرفتها وقد أثارت ضيقها كلمات ليث، يبدو إنه مازال يظنها الشخصية القديمة التي سبق له أن عرفها. بينما تبدل ثيابها وقع بصرها على تلك الدمية التي اشتراها مراد وهي في بادىء حملها وقد ظن أن الجنين في رحمها أنثى.

مازالت تتذكر ذهولها عندما أوقف سيارته وألتفت إليها قائلا بضيق:-

-احنا لازم نتجوز، الدكتوره افتكرتك حبيبتي وقالت عن ابنك "غير شرعي"، أنا مش حسمح لحد يقول عن ابن أخويا نص كلمه.

 ثم تابع بحنان:-

-ولا أنتِ كمان، أنتِ غلطتي وليث كمان غلط بس اللي في بطنك ليه الحق إنه يعيش زي أي طفل عارف مين أبوه؛ علشان لمه تنزلي مصر كمان محدش يقول عليه ابن حرام أو يهينه بأي كلمه، يمكن أنا مفكرتش في ده بس كلام الدكتوره فوقني، هنا الحمل من غير جواز حاجه عاديه بس أنا مش حسمح ليكي أو لبنتك تتحبس في دوله بعيد عن أهل امها وأبوها وبعيد عن دينها.

نظرت إليه بدموع في عينيها وقالت:-

-أنت ليه بتعمل معايا كده مع إنك كان ممكن تسيبني أصلا في مصر؟!

ابتسم وأجاب بشرود:-

-علشان فكرت لو كان عندي أخت وعملت غلطتك كنت أكيد حبقى عايز حد يقف جنبها.

نظرت إليه وقد عجزت عن الرد، فقط أخفضت نظرها ولم ينقطع بكائها. 

وبالفعل ما أن وضعت طفلها حتى تمت أجرائات الزواج بيسر. كان طفلها نائمًا في سلام بين يديها حتى وصلا إلى المنزل وكانت شهد خائفة تهاجمها الظنون؛ لقد تزوجها لكي يسترها ولكنه يظل زوجها، أسوف يطالب بحقوقه الزوجية؟

ارتجفت لتلك الظنون التي تراودها فهي برغم كل شيء مازالت غارقه في حب ليث حتى النخاع، ولن تستطيع تحمل لمسات رجل غيره. 

ألتفت مراد إليها عندما وجدها لم تتحرك وقال:-

-فيه حاجه يا شهد؟

أشارت له بالنفي ليتابع:-

-طيب أدخلي أوضتك أرتاحي شويه.

دخلت غرفتها ولم يفارقها الخوف، حاولت أن تنام ولكنها محاولة فاشله فأخذت تطمئن نفسها وتنظر إلى طفلها النائم..لابد إنه لا يفكر بها بهذه الطريقه فهي انجبت طفل من أخيه.

 تجمدت وأغلقت عيناها بقوة عندما شعرت بدقه على باب غرفتها أعقبها فتح الباب شعرت بخطواته قرب فراشها ليرتجف قلبها هلعًا عندما انحنى فوقها.

كادت أن تطلق تنهيده إرتياح عندما وجدته قد ألقى الغطاء عليها ثم أشغل جهاز لم يسبق لها أن لاحظته في الغرفه لتغمر الغرفة أصوات القرآن الكريم.

ربما لم تطمأن لوجوده تمامًا ولكن مخاوفها لم تعد مثل قبل.

خرجت من ذكرياتها وبدأ الضيق يراودها مجددًا من ليث وبدون وعي أخذت تفكر في الماضي، ألم يكن ليث يملك حينها أي مشاعر تجاهها؟

سخرت من نفسها فإذا كان يملك أيًا منها لم يكن ليجرحها مثلما فعل، استغفرت الله ووضعت حجابها ثم أسرعت لتحضير الغذاء. 

اجتمع الجميع حول مائدة الطعام لتقول الأم:-

-يسلم إيدك يا شهد.

-بالهنا والشفا يا ماما.

-إلا قوليلي يا بنتي، أنتِ اتحجبتي أمتى؟

لم تتوقع شهد هذا السؤال فقالت وهي تنظر إلى مراد بأمتنان:-

-من كام سنه كده، مراد هوه اللي جابلي أول طرحه وكتب عنه كمان.

ابتسمت الأم وقالت:-

-ربنا يباركلك يا مراد، ويرزقك الذرية الصالحه.

انتفض ليث عندما سمع تلك الدعوه لتتلاقى نظراته مع شهد فأبعدت نظرها بينما هو فكالعاده لم يُكمل طعامه وانزوى في غرفته. أخذ يعاتب نفسه ويلومها فهو يخون أخيه هكذا، فالخيانه لا يُشترط أن تكون جسديه، فمشاعره تجاه فتاته المُحرمه عليه خيانة لا يستطيع ضميره أن يتحملها.

في مساء هذا اليوم أتصلوا بشهد ليخبروها بقبولها في الوظيفة. سعدت كثيرًا وقد تم الأتفاق إنها سوف تبدأ من الغد عملها كمساعدة شخصيه.

***

في صباح اليوم التالي، ذهبت شهد إلى الشركة ولا تنكر شعورها بالقلق والخوف من أن تُكشف. 

ما أن رأت الشاب العربي الذي تحدثت معه سابقًا حتى أسرعت تشكره على مساعدته فهي على يقين إنها لم تكن لتحصل على تلك الوظيفة بدون مساعدته. قادها الشاب إلى مكتب عصام الحسيني مفكرًا إنه من حسن الحظ عمله في الشركة لأعوام طويلة جعلته محل ثقة مما جعل من السهل تعيينها، تأملها قليلا وامتنع عن إخبارها إنه ما سهل الأمر هو كونها فتاه خشية إخافتها وقد بدى إنها بحاجة إلى هذا العمل حقًا.

دلفت إلى المكتب لتجده ذلك الرجل الذي سبق أن رأته في المصعد، ازداد خوفها فليث كان محقًا فيبدو إن الرجل ممن يسيئوا لأعمارهم وتحكمهم شهواتهم.

نظر إليها نظرات ماكره ثم قال:-

-نورتي المكتب يا سناء، أهم حاجه هنا تسمعي الكلام وحتتبسطي معانا.

لم تطمئن لطريقته في الكلام فقالت بجديه تُذكر نفسها بمهمتها:-

-تحت أمرك يا فندم.

 أقترب منها وقال:-

-أحنا من بلد واحده، ولو احتجتي حاجه أنا موجود.

 تراجعت شهد إلى الخلف وقالت بدون أن تنظر إليه:-

-شكرًا لحضرتك يا فندم، عن إذنك أروح مكتبي.

-اتفضلي.

خرجت شهد لتجلس خلف مكتبها الذي يقع بجوار الباب لاستقبال الزوار قبل دخولهم إلى مكتب المدير وكما أفهمها الشاب العربي يجب أن تهتم بالمواعيد وكتابة التقارير بالإضافه إلى العنايه ببعض الأوراق الهامه من عقود وغيرها.

مر أسبوعان على عملها مع عصام، كانت فيهما دائمة التوتر؛ فعصام كان يستغل الفرص لملامستها عندما تقدم له التقارير، وكم تثير اشمئزازها تلك اللمسات فيبدو إنه مهما كان ثوبها محترمًا إلا إن أمثاله لا يستحيون من أفعالهم.

لم تكن تقص على مراد تلك التجاوزات، وقد ظنت إنها تستطيع التصرف خاصة إنها قد عاهدت نفسها على تحمل أي شيء من أجل مراد، فهي تستغل أي من الفرص لرد له الجميل ولكل ممن يقربوه.

 علاقتها بليث مازالت متوتره فهي لا تجتمع معه إلا وقت الغذاء، وتتجنب الحديث مع مراد وهو موجود فهي لا ترغب في سماع أي من كلماته اللاذعه.

اليوم تقرر أن تعمل شهد لوقت متأخر وقد تم الأتفاق إن مراد سوف يقوم بإيصالها بعد العمل؛ فالوقت سوف يكون متأخرًا ولن يلاحظه أحد. 

عند منتصف الليل أنهت شهد عملها وكانت الشركة فارغة إلا منها والحراس في الخارج. 

بدأت تجمع أشيائها للمغادره فشعرت بوجود أحد معها لتلتفت فتجده "عصام الحسيني"

تسائلت في هدوء كاذب:-

-حضرتك بتعمل إيه هنا؟!

ابتسم ابتسامته التي تثير اشمئزازها :-

-جاي أطمن عليكي.

-أنا الحمد لله خلصت شغلي، وحمشي دلوقتي. 

كان يجب أن تمر بجواره لتخرج من الباب، وما أن مرت بجواره حتى جذبها بقوة لتقع بين ذراعيه. انتفضت وأخذت تحاول أن تتحرر منه بدون جدوى.

 فقضمت بأسنانها يده ليصرخ بألم ويدفعها بقوه وقعت أرضًا على أثرها. أخذت تزحف إلى الخلف بينما تصرخ مستنجده بأي أحد بدون جدوى، ضحك قائلا:-

-اصرخي براحتك، مفيش حد هنا غيرنا.

ارتجف بدنها وانهمرت دموعها في خوف ثم وقع بصرها على هاتفها فألتقطته سريعًا وقبل أن يمسكها عصام مرة أخرى ضغطت على زر الإتصال السريع. صرخت قبل أن يدفع الهاتف بعيدًا عنها:-

-ألحقني يا مراد، ألحقني.


نهاية الفصل العاشر

#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات



الفصل الحادي عشر


جلس كلا من مراد وليث يفكران في الخطوة القادمة فليث يفكر في السبب الذي دفع والد صديقه إلى فعل كل هذا، بينما مراد يفكر كيف يصل إلى عصام ويزج به في السجن فقد اقترب وقت تحقيق العدالة.

قال مراد:-

-أنا حنزل أشوف واحد صاحبي، وبعد كده حبقى أعدي على شهد علشان حتتأخر.

-تمام، ربنا معاك.

بعد مغادرة مراد تفاجأ ليث بأنه قد نسى هاتفه أسرع خلفه، ولكنه كان قد ذهب. 

دخل غرفته مرة أخرى لينتفض عندما رن هاتف مراد ليجد الاسم شهد. تردد قليلا ولكن نزوة أنانية دفعته للرد، رفع الهاتف إلى أذنه ليسمع صوت صراخها وهي تستنجد بمراد فألقى الهاتف بسرعه، واقتحم غرفة مراد وخطف مفاتيح سيارته الأخرى وجذب معطفه على عجل ثم أسرع خارجًا بدون أن يجيب على تساؤلات والدته القلقه ضاربًا في عرض الحائط تحذيرات مراد له من أن يغادر المنزل، وقاد السياره بسرعة متهورة إلى شركة عصام. 

هبط من السياره راكضًا، لم يجد أي من الأمن في الخارج فدخل المبنى يصرخ باسم شهد بينما ينتقل بين الأدوار ويرن على هاتفها في نفس الوقت حتى سمع صرختها الباكيه:-

-ليث!

انقبض قلبه لصوتها الباكي، واسرع إلى مصدر الصوت ليجد هذا الوغد الذي لا يراعي إنها تكاد تكون في عمر ابنته يعتليها بينما يحاول نزع ثيابها. 

جذبه من فوقها وأخذ يضربه بعنف يخرج كل ما تجيش به نفسه من آلام وغضب، ولم يشعر إلا بشهد تقول له بتوسل باكي:-

-سيبه يا ليث؛ علشان خاطري حيموت في إيدك.

نظر إلى الرجل بين يديه الذي تشوهت ملامحه ثم دفعه ليقع فاقدًا الوعي ثم ألتفت إلى شهد التي تحاول أن تستر جسدها الذي تعرى نتيجة تمزق أعلى ردائها. 

فأبعد نظره عنها وألتفت معطيًا ظهره لها ونزع معطفه ثم أعطاها إياه بدون أن يلتفت فأخذته بأيدي مرتجفه ترتديه ولفرق القامه فقد بدت كطفلة صغيره ترتدي ثياب والدها. 

قالت بصوت أجش من البكاء:-

-أنا خلصت.

ألتفت وأشار إليها أن تتقدمه بينما هو فقد سار خلفها ينظر إليها وهي منحنية الرأس وجسدها يرتجف من عنف بكائها. 

خرجا من باب الشركة ليجدا مراد واقفا ويبدو إنه كان في انتظار شهد. 

ما ان رآهما حتى ترجل من السياره وأسرع لملاقاتهما وقد أقلقه مشهد شهد وهي ترتدي معطف ليث، وما أن اقترب منهما ليطمئن على شهد حتى ارتفع نحيبها فأحتضنها محاولا أن يجعلها تهدأ بدون جدوى. 

احتضان مراد لشهد قد آثارغيرة ليث رغم إنه لم يعد من حقه أن يشعر بالغيره بعد الآن، فركب السياره التي جاء بها وغادر إلى المنزل بينما مراد وقد لاحظ ضيق ليث وذهابه فأخذ شهد بسيارته عائدًا إلى المنزل.

وصل ليث إلى المنزل وقد وجد والدته في انتظاره يكاد القلق أن يقتلها ولكنه لم يكن في وضع مناسب ليرد عليها، ولم تكن إلا ثواني وعاد مراد وشهد، ارتفع صراخ مراد مانعًا ليث من أن يدخل غرفته:-

-أنت اتجننت، إيه اللي عملته النهارده ده؟

أجاب ليث بغضب:-

-إيه اللي أنا عملته؟! إيه كنت عايزني اسيبه يفلت باللي كان بيعمله ولا اطبطب عليه؟!

ارتفع بكاء شهد بينما أجاب مراد:-

-كان المفروض تقولي وأنا أحميها.

قال ليث بسخرية مريره:-

-قول بقى إن ده اللي مضايقك، إنك مكونتش البطل النهارده، متقلقش أهي عندك حته واحده مأكلتش منها حته.

  لم يكن في حالته الطبيعية وقد أردف غامزًا شهد بوقاحة:-

-ولا إيه يا قطه؟!

صرخت به والدته بغضب:-

-ليث! أنت اتجننت؟! إزاي بتكلم مرات اخوك كده؟

قال بمراره وألم بينما ينظر إلى شهد:-

-صح، أنتِ صح، شهد تبقى مرات أخويا فعلا.

غادر المنزل مسرعًا بدون أن يلتفت إلى نداء كلا من مراد وأمه.

اجهشت الأم بالبكاء تشاركها شهد إياه، قام مراد بتهدئتها واعدًا إياها إنه سوف يحرص على عودة ليث مبررًا تصرفاته بحاجته إلى أن يبقى بمفرده قليلا بعد مروره بالكثير مؤخرًا. 

ساعدها على دخول غرفتها وعاد لمساعدة شهد وقد توقف بكائها قليلا وأصبحت في حالة جيده للتحدث، ظهر على وجهه الضيق عندما فهم حقيقة الأمر وندم على صراخه بليث والذي لولا تدخله لكانت حياة شهد تدمرت.

تنهد ثم ساعد شهد لكي تنام وباله منشغل بليث، أين قد ذهب في هذا الوقت المتأخر؟!

***

كان ليث يسير على غير هدى فقط تتحرك قدماه وذهنه شارد، يبدو إنه كان مستمرًا في إنكار الواقع، يجب أن يحفر تلك الكلمات في ذهنه، شهد ليست له إنها امرأه أخيه، إنها حبيبته المُحرم عليه حتى التفكير بها.

من سخرية الأمر إنه يفهم هذا ويدركه تمام الأدراك، لكنه فقط لا يستطيع التوقف. 

انهمرت دموعه فها هو يخون أخاه الذي طالما راعاه بينما هو يفكر في زوجته، ويعشقها سرًا.

ماذا سوف يحدث عندما يعرف مراد إنه الشخص الذي قد كان على علاقة مع زوجته, وهذه العلاقة قد تجاوزت إمساك الأيدي؟

تدمره تلك المشاعر، حبه لمن لن تكون له أبدًا، وإحساسه إنه يخون أخاه. وبرغم ذلك فإنه لا يستطيع منع نفسه من النظر إليها.

يخبر نفسه مرارًا وتكرارًا إن عليه التوقف ولكن كيف يمكنه التوقف عن التنفس...كيف يتوقف وكل أحلامه هي بطلتها؟

إن القدر يسخر منه؛ فقد كانت معه وبين ذراعيه وهو من تركها بأبشع الطرق.

نظر من حوله ليجد ملهى ليلي، دخله بدون تردد، يرغب في عدم التفكير بأي شيء، يريد فقط أن ينسى حتى اسمه.

ما أن دخل هذا المكان حتى شعر بضيق في صدره، كان بعيدًا عن الراحة التي رغب في الحصول عليها.

حاول أن يجبر نفسه على البقاء، ولكن سرعان ما ضحك بسخريه فيبدو إنه لم يعد ينتمي إلى هذا المكان. 

ألتفت ليغادر فالراحه سوف يجدها كما وجدها سابقًا في صلاته وتضرعه للرحمن أن يرحمه، استغفر ربه، ولكن قبل أن يلتفت تجمد في مكانه ما أن وقع نظره على تلك الفتاه التي ترقص في أحضان أحد الرجال.

كذب عيناه للحظه ثم أقترب ببطأ منها ليتأكد من إنها هي، ظهر الغضب في نظراته. لاحظته الفتاة فشحب وجهها وظهر الهلع في نظراتها ثم ركضت تغادر المكان وسط الزحام. ركض خلفها خارج الملهى حتى أستطاع الوصول إليها، جذبها من شعرها وصفعها بقوة بدون تردد.

قالت في توسل:-

-والله العظيم هوه اللي قالي أعمل كده، أنا مليش دعوه.

قال بقسوة:-

-أنتِ عارفه عملتي إيه؟ أنتِ دمرتيني، أنا اترميت في السجن من غير أي ذنب.

أردف بسخريه:-

-والسبب! قتلت واحده المفروض إني صحيت من النوم لقيتها جنبي مقتوله، وشوفي الصدف أهي نفس الواحده ديه موجوده قدامي، وواضح جدا إنك كويسه أهوه، مش ميته يعني ولا حاجه.

كانت سخريته مخيفه فاسرعت تقول في توسل باكي والخوف في نظراتها من بطشه:-

-والله هوه اللي قالي اعمل كده، واداني فلوس.

تسائل بجديه في باطنها تهديد واضح:-

-هوه مين، وقالك إيه بالظبط؟

قالت بصوت مرتجف:-

-معرفش هوه مين، مقالش اسمه، قالي على اسمك واداني صورتك وقالي اعمل كل ده.

-كنتوا بتتواصلوا إزاي؟

أجابت في لهفه لكي ترضيه وتأمن شره:-

-معايا رقمه.

-كلميه دلوقتي وقوليله يجي.

نفذت أمره مسرعه وأجرت الأتصال مبرره إنها تريد المزيد من الأموال وأعطت المتحدث اسم الملهى الليلي ليقابلها أمامه.

قال ليث بشراسة قبل أن يختبأ:-

- لو لعبتي بديلك وربي لكون قاتلك، أنا أصلا في الحالتين مجرم.

صاحت بخوف:-

-مش حيحصل، مش حخونك.

اختبأ في مكان يتيح له رؤية الفتاه، وبعد دقائق جاء رجل وتوقف يتكلم معها.

في بادىء الأمر لم يرى ليث وجهه حتى أستدار ليتجمد ليث بفعل الصدمه ويتضخم بداخله الشعور بالخيانه.

فقد كان الرجل الذي يقف معها، والذي منحها المال لتزيف موتها وتزج به في السجن لم يكن إلا...مراد.


نهاية الفصل الحادي عشر

#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات




الفصل الثاني عشر


أخذ ليث يكذب عينيه، لا يمكن أن يكون مراد من فعل به هذا، إنه أخيه الذي طالما كان بجواره يحميه ويدافع عنه، لا بد أن هناك سوء فهم في هذا الأمر...فقط عليه مواجهته وسوف يتضح أن كل هذا سوء فهم.

نعم…فمراد لا يمكن أن يفعل به هذا، فلا يوجد سبب واحد يدفعه إلى هذا.

اتجه إلى مراد والذي لم ينتبه إليه فقد كان مشغولا بالتحدث مع الفتاه بغضب واتهامها بالاستغلال والطمع.

توقف عندما لاحظ إنها تنظر إلى نقطة خلفه ليلتفت فيجده ليث.

شحب وجهه وفقد القدرة على التحدث بينما ليث فقد أخذ ينظر إليه منتظرًا أي تبرير.

قال بصوت مرتجف متوسل:-

-قولي إن أنا فهمت غلط، وإنك ملكش علاقه باللي حصل.

استمر مراد على صمته محاولا تجنب تلاقي نظراتهما فتابع ليث في انفعال:-

-انطق، ساكت ليه.

جذبه من ثيابه بقسوة وقال في غضب:-

-قول إنك مرمتنيش في السجن، قول إنك مدفعتش فلوس علشان يعذبوني.

قال مراد بينما يخلص نفسه من بين يديه:-

-الموضوع مكنش كده، أنت عارف كويس إن أذيتك آخر حاجه ممكن أعملها، من واحنا صغيرين كنت بدافع عنك دايمًا، وباخد الضرب بدالك، تفتكر بعد كده آذيك.

تسائل ليث بقلة حيله:-

-طيب ليه؟

أجاب مراد محاولا التماسك:-

-الكلام مش حينفع هنا، تعالى معايا.

ركب كلاهما سيارة مراد بدون أن يتبادلا أي حديث، وصلا إلى أحد المنازل التي يبدو عليها الثراء البالغ. 

دخل مراد بعد أن فتحت له الخادمة ولدهشة ليث الذي لحق به فقد كان يتصرف وكأنه في منزله.

سمع صوت أحد يخرج من غرفة على يساره:-

-كنت فين يا بني، قلبت الدنيا عليك؟

ألتفت ليث ثم تجمد في مكانه، وكأن اليوم قد تحدد ليتلقى صدمات في إناس كان يظن إنه يعرفهم، فالمتحدث لم يكن إلا...المعز.

استمر المعز على بروده رغم ظهور دهشة طفيفة في نظراته عندما رأى ليث ثم نظر إلى مراد وقال:-

-هوه عرف كل حاجه خلاص؟

قال مراد وهو ينظر بحزن إلى ليث الذي جلس على أقرب مقعد ولم تعد قدماه تستطيع حمله:-

-لسه مقولتلوش السبب.

نظر ليث بغضب إلى المعز وقال:-

-أنت بالذات تخرص خالص.

 ثم إلتفت إلى مراد قائلا بعدم تصديق:-

-للدرجه ديه عايز تأذيني، تأجر مجرم وقاتل.

ابتسم المعز ثم أخرج بطاقته وأعطاها لليث في إهمال، أخذها منه بحذر ليقرأ المكتوب عليها، ما معنى هذا؟!

نظر إليه في ذهول ليبتسم المعز قائلا:-

-أعرفك بنفسي، الرائد المعز السعدني. 

جحظت عيناه وقد عجزعن النطق ومازالت قسمات وجهه تنطق بالدهشة فأشفق مراد عليه وقال:-

-أنا حفهمك يا ليث.

قص مراد عليه كيف ألتقى بشهد، وبالطبع لم يذكر تفاصيل حملها فقط أخبره إنه قد عرف بأمر الماضي المشترك بينهما وعقب ذلك أصطحبها في سفره وتزوجا.

ثم تابع:-

-كنت في الوقت ده متدمر، مكنتش قادر أصدق إن أخويا ممكن يعمل كده في بنت، ساعتها المعز، صاحبي من زمان مراته أتوفت. 

صمت قليلا وأردف:-

-اتقتلت قدام عين بنته، واللي قتلها يبقى عصام الحسيني. طبعًا مفيش دليل واحد ضده، ولمه المعز دور وراه عرف إن ليه سوابق تانيه غير اللي هوه يعرفها، يعني مش بس كان تاجر مخدرات لأ كمان كان عميل لجهاز استخبارات إسرائيلي، يعني من الآخر واحد ميستحقش الحياه.

مكنش يقدر يوصله خصوصًا إن عصام واخد حذره كويس، فكان نقطة الضعف هيه ابنه واللي كان فيه شك إنه ممكن يكون بيشتغل معاه, وبكده المعزعرفك وكان شاكك فيك لمه شاف أسلوب حياتك وقربك من إسلام فحط خطة دخولك السجن، وفكر إنك لو عرفت إن إسلام وأبوه السبب ممكن ده يسهل إنه يعرف إذا كنت بريء فعلا ولا لأ، وطبعًا دخول المعز السجن كان سهل وباستخدام الفلوس والسلطه والتهديد كان سهل السيطرة على المساجين وضمان إنهم ينفذوا أوامره. 

تردد قليلا ثم قال في أسف واضح:-

-أنا فكرت إنك ممكن لمه الفلوس تضيع  منك ومتبقاش تقدر تعملك حاجه تحس بقد إيه كنت عايش بأستهتار وتتغير وترجع عن الطريق ده.

نظر إليه ليث بغضب وصرخ قائلا:-

-هونت عليك، أنا كنت بتعذب، ضرب وإهانه و...

قال المعز ببرود مقاطعًا إياه:-

-هوه مكنش يعرف بخصوص الضرب، ده كان التاتش بتاعتي.

فقد ليث سيطرته من برود هذا المعز فوجه قبضته لتهشيم فكه، ولكنه لم يتوقع أن المعز تلقى قبضته بين راحتيه ثم ثنى ذراعه ضاربًا ركبتيه من الخلف مما تسبب في ركوعه أرضًا. 

كتم ليث توجعه بينما اندفع مراد قائلا بغضب:-

-سيبه يا بني، أنت اتجننت؟!

تركه المعز وقال:-

-هوه اللي بدأ.

ثم نظر إليهما في ملل وقال بعدم اكتراث:-

-أنا داخل أنام.

نظر ليث إلى مراد بخيبة أمل ليقول مراد:-

-بلاش تبصلي كده، أنت عارف كويس إنك تستحق كل اللي حصلك، مكنتش حتتغير إلا بكده.

قال ليث بسخريه:-

-هوه ده اللي بتسكت بيه ضميرك بليل، أنا ماشي وبكره حاخد أمي وارجع مصر ما أنا مش متهم بقى، ومش عايز أشوف وشك تاني، وموضوع عصام الحسيني اهتم بيه لوحدك، أنا مليش دعوه.

صاح به مراد قبل أن يغادر:-

-الأب لمه بيخاف على ابنه ويشوفه بيعمل حاجه غلط بيربيه، وده اللي عملته، مقدرتش أشوفك بتعمل حاجه غلط في حق نفسك قبل أي حد؛ علشان بحبك وبعتبرك ابني وأخويا.

تجاهل كلماته وتسائل بسخرية لاذعه:-

-أنا بس عندي فضول، أنت كمان كنت شاكك إني بشتغل مع الحسيني؟

أجاب بدون تردد:-

-أبدًا، أنا كنت واثق إنك مش معاه بس المعز كان محتاج دليل، وأنا كنت محتاج ارجعك للشخص اللي كنته، و...

توقف عندما ألتفت ليث بعدم مبالاه يغادر صافعًا الباب بقوة خلفه بدون أن يهتم بكلام مراد.

***

كان المعز في غرفته مستلقي فوق فراشه، وقد جفاه النوم فنظر إلى الصورة الموضوعه بجوار فراشه وكانت تمثله وهو يبتسم ابتسامة صادقة قد مر وقت طويل منذ أن ارتسمت فوق شفتيه ويحمل طفلة صغيرة تشبهه بينما يحيط خصر امرأه وترتكز نظراته بحب عليها. 

ربما يدرك شعور ليث جيدًا، فهو يعرف أحساس أن من تحب ليست بجوارك، ولكنه يحسده فهو يستطيع أن يراها حتى وإذا كانت بين ذراعي غيره ولكن يكفي إنها موجوده في الحياه. بينما هو ففقد تلك الفرصة في أن يراها, يتمنى أن تتاح له فرصة أن يراها مرة أخرى، أن يمتزج عطرها بأنفاسه، ولكنه فقط لا يملك إلا أن ينام ويمنحها دور البطولة في أحلامه.

خلد إلى النوم محتضنًا الصورة مستعجلا لحظة لقائهما.

***

كان ليث يتجول على غير هدى لا يصدق ما يحدث. تنهد فقد يكون مراد محقًا وإنه لم يكن ليتغير بدون ما حدث له، ولكنه فقط لا يستطيع مسامحته...فهو أبدًا لم يتوقع تلك الخيانه، فقط عقله لا يفهم، كيف يخبره إنه أخيه وكالأبن له ويتسبب في عذابه أيضًا؟!

تجمد عندما هاجمته الظنون، أترى شهد تدري بكل هذا؟! 

ابتسم بسخرية من سؤاله، فلابد إنها تعرف، ففي نهاية الأمر مراد فعل هذا من أجلها. 

شعر بمزيد من الغضب يسيطر عليه فأتجه إلى المنزل حيث كانت شهد ووالدته نائمتان ولكنه لم يبالي...فقط يريد أن يعرف الحقيقة ليتخلص من عذابه.

يريد أن يتأكد إنها لم يكن لها يد في الأمر، ولم تتلذذ بلحظات عذابه. قلبه يرغب فقط أن يعرف إنها لم تكرهه إلى هذا الحد. 

خرجت شهد من غرفتها وقد أرتدت حجابها على عجل والنعاس مازالت أثاره عليها. 

نظرت إليه بدهشه وقد بدى غير طبيعي وقد عاد صارخًا لتستيقظ بسبب صوته، لم يترك لها مجالا للتساؤل، وقال بألم وقد فارقه الغضب فجأة:-

-كنتي عارفه اللي مراد كان بيعمله.

أجابت في حيره:-

-مراد! كان بيعمل إيه؟! مش فاهمه.

صرخ في جنون:-

-متكدبيش، أكيد كنتي عارفه، أنا بفكر إزاي، تلاقيكي أصلا صاحبة الفكره.

اقترب منها يدفعه مزيج من الغضب والألم:-

-فرحانه دلوقتي يا شهد؟ فرحانه وأنتِ فرقتي يين أخين خلاص.

قالت شهد ومازالت لا تفقه شيئًا:-

-أنا مش فاهمه حاجه، ومعملتش حاجه أصلا.

في تلك اللحظة انفتح الباب وقد عاد مراد وما أن رأى المشهد أمامه... حيرة شهد وغضب ليث أدرك الموقف فأسرع إليه قائلا:-

-شهد ملهاش دعوه، هيه أصلا متعرفش حاجه إلا اللي أنت كنت عارفه.

ثم أردف بسخريه:-

-وكانت فاكره زيك برضو إن عصام الحسيني هو اللي حيساعد في إنك تثبت برائتك، يعني كانت بتساعدك من الآخر وأنت عارف الباقي.

جلس ليث وقد انُهكت قواه، وقال بتعب:-

-أنا تعبت والله العظيم، مش عارف أصدق إيه ولا أصدق مين أصلا

أقترب مراد محاولا التربيت على كتفه للتخفيف عنه، ولكنه انتفض متراجعًا عندما دفع ليث يده بعيدًا بغضب ثم قال بحدة:-

-أنا مش طايق أشوف وشك فأبعد عني، أنا حفضل هنا علشان شهد، هيه دخلت مع عصام الحسيني علشاني وأنا مش حسيبها إلا لمه تبقى في أمان.

ثم تركهما مغادرًا إلى غرفته متجاهلا الأم التي خرجت من غرفتها بصعوبة بسبب المقعد المتحرك.

تسائلت الأم في قلق:-

-ماله ليث، إيه اللي حصل تاني؟

نظرة إلى وجه مراد جعلت شهد تدرك إنه لا يملك أي طاقة للرد فأجابت بدلا منه مطمئنة إياها:-

-شوية مشاكل في القضية بس خلت ليث متوتر، بكره إن شاء الله يكون هدى.

أومأت الأم بعدم اقتناع فقالت شهد بابتسامة شاحبة:-

-تعالي يا ماما، اساعدك تنامي تاني، ومتقلقيش على ليث هوه بخير.

 جلس مراد بعدها وقد بدا عليه الحزن فجلست شهد بجواره، صمتت لحظات إحترامًا لحزنه قبل أن تلتفت إليه قائله:-

-إيه اللي حصل، وخلى ليث بالحالة ديه؟

تردد مراد قليلا قبل أن يخبرها بكل شيء، بالطبع كانت صدمتها كبيره فهي كانت مدركه أن مراد يبغض ما فعله ليث معها ولكنها لم تتوقع ما فعله أبدًا.

 نظرت إليه وهالها الحزن المرسوم على وجهه فوجدته وقتًا غير مناسب للعتاب فقالت له بعطف:-

-هوه حيسامحك أكيد، بلاش تفكر كتير وتعالى نام شويه، وبكره يحلها حلال.

تبعها مراد في صمت وخلد إلى النوم وقد وجد فيه مهربًا بينما شهد فقد أعطته ظهرها وحاولت أن تكتم  صوت بكائها؛ فليث كان محقًا فهي من فرقت بين الأخين، فمراد لم يكن ليفعل هذا لولا أن تعرف عليها وشَهد على عذابها وآلامها خاصة في لحظة ولادتها لفارس فقد كانت خائفه وتردد اسم ليث وهي تبكي أثناء إدخالها إلى حجرة العمليات.

ابتهلت بداخلها أن يعينها الله على جمع شمل الأخين مرة أخرى.

***

أخذ عصام الحسيني يسب ويلعن بينما مساعده يضمد له جراحه التي تسبب بها ليث، ولكنه قرر أن تلك الفتاه لن تفلت من بين يديه وسوف يحصل عليها مهما كان الثمن ورغمًا عن أنف ذلك الوغد الذي أوسعه ضربًا وسوف يكون حصوله عليها أشد إنتقام منه...لكن كيف سوف يعيدها للعمل مرة أخرى؟!

ابتسم بمكر وهو يخطط، سوف يعتذر لها ويبرر ما حدث بإنه قد احتسى كمية كبيرة من الخمر فلم يكن واعيًا لما يفعل وعندما تعود وتكون معه سوف يخطط لإمتلاكها على مهل وحينها لن يستطيع أحد أن ينقذها من بين براثنه.


نهاية الفصل الثاني عشر

#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات



الفصل الثالث عشر


اتجه المعز إلى منزله وهو يشعر بالأرهاق بعد يوم طويل في العمل بين المجرمين وتجار المخدرات خصوصًا عصام الحسيني، فالجميع يعرف إنه تحت واجهة رجل الأعمال يوجد واحد من أكبر تجار المخدرات، ولكن ما هم بحاجته هو دليل.

 تهفو نفسه لأن تُلقى  بين ذراعي زوجته وينهل من فيض حنانها بعد هذا اليوم.

فتح باب الشقة ليتفاجأ بطفلته ذات الثلاثة أعوام تقف أمامه والدماء تغطي وجهها وثيابها، صامتة لا تتحدث...فقط تنظر إلى يديها الملطختين بالدماء. 

أسرع بلهفة يتحسس جسدها ليطمئن إنها لم تصب بأذى ثم أخذ ينادي على زوجته ليدخل غرفة نومهما ليجدها ملقاه فوق فراشهما عارية الجسد وعنقها مبتور. 

اقترب منها بخطوات بطيئة لا يصدق ما يراه، وضع عليها الغطاء برفق ومسح فوق شعرها بحنان، قال والدموع تنهمر فوق وجنتيه:-

-سحر حبيبتي، أنا جيت قومي بقى علشان خاطري، أنا حاخد أجازه من الشغل ونخرج سوا زي ما كنتي عايزه، حروح معاكي تشتري حاجات من السوق ومش حستعجلك بس قومي علشان خاطري.

جذبها بعنف وهو يصرخ:-

-فوقي بقى، فوقي.

صرخ بأعلى صوته وأجهش ببكاء مسموع بينما يضمها بين أحضانه. 

انتفض من نومه وهو يصيح باسمها، نظر حوله ليجد إنه في غرفته في منزل كاليفورنيا. تنهد ثم جفف دموعه التي انهمرت أثناء نومه ونظر إلى الصوره التي كانت بين أحضانه، تحسس وجه زوجته برفق ثم قال:-

-والله العظيم حخليهم كلهم يدفعوا التمن، أوعدك.

***

استيقظت شهد على رنين هاتفها فتحت عيناها بتكاسل فقد خلدت إلى النوم متأخرًا ليلة أمس، نظرت إلى هوية المتصل فوجدته رقم مجهول.

نظرت إلى مراد النائم ثم أرتدت إسدالها وخرجت خشية أن توقظه من النوم.

ردت قائله:-

-السلام عليكم.

-وعليكم السلام، سناء معايا. 

توتر جسدها عند ذكره لهذا الأسم، ولم تكن قد لاحظت إن المكالمة على الخط الخاص بتلك الهوية، ثم قالت بحذر:-

-أيوه أنا.

-أنا عصام الحسيني، وقبل ما تتكلمي أنا بتصل اعتذرلك، أنا كنت سكران ومش حاسس بعمل إيه، واتمنى إنك ترجعي للشغل معايا.

رغم كراهيتها للرجل ولكنها يجب أن تعود للعمل معه، فقط من أجل مراد. 

قالت:-

-أنا موافقة حضرتك أرجع الشغل، واتمنى بجد إن اللي حصل ميتكررش.

-أوعدك مش حيتكرر، خلاص يبقى من بكره حتبقي موجوده.

أكدت شهد الأمر وانهت المكالمة. 

-إيه، خطة جديدة من الحسيني؟!

انتفضت نتيجة الصوت الذي ارتفع من خلفها لتلتفت وتجده ليث، قصت عليه المحادثه في إيجاز لينظر إليها بدون أن يتحدث فأدركت ما يدور بداخله، ولم تجد أي كلمات تستطيع بها أن تخفف عنه فقالت:-

-عن إذنك اصحي مراد.

اوقفها سؤاله الذي دار في عقله آلاف المرات بدون أي جواب:-

-أنتِ ممكن تسامحيني؟!

تجمدت فهي لم تتوقع هذا السؤال حتى إنها لا تملك جوابًا، لم ترد، فقط دخلت إلى غرفتها...ربما هي جبانة ولكنها لا تمتلك القوة للمواجهه الآن، فقط سوف تؤجل الأمر حتي يأتي الوقت الذي فيه لا مفر من المواجهة.

تنهد بضيق كم رغب بشدة أن يسمعها منها لعل مسامحتها تخفف ذلك الألم بداخله، لم يعد يستطع النوم وقد أضناه التفكير، لم يعد يملك القوة للتحمل فصدمة مراد كانت كالقشة التي قسمت ظهر البعير.

تمتم في تعب:-

-رحمتك يا رب، عبدك مبقاش فيه حيل لكل ده، حكمتك يا رب. 

***

هاتفت شهد نميس ما أن دخلت الغرفة لتتحدث إلى صغيرها وقد أشتاقت إليه. 

ردت نميس بصوت ناعس لتعتذر شهد سريعًا وقد انستها أشواقها لطفلها كم الوقت مبكرًا:-

-أنا أسفه يا نميس، صحيتك من النوم.

أجابت نميس وهي تحاول أن تتخلص من أثار النوم:-

-لا يا حبيبتي مفيش حاجه، أنتِ أصلا كسبتي فيا ثواب وصحيتيني أذاكر.

قالت شهد بحب:-

-ربنا يقويكي يا حبيبتي خلاص هانت ديه آخر سنه. ثم تابعت في شوق:-

-فارس نايم؟

-أيوه، تعب من كتر اللعب إمبارح.

-طيب أنتِ فاضيه النهارده؛ علشان كنت عايزه أقابلك أشوف فارس.

قالت نميس بتذمر طفولي:-

-أيوه تشوفي فارس، وأنا مش مهم.

ضحكت شهد لطفوليتها وقالت:-

-لا يا حبيبتي والله، أنتِ كمان أكيد وحشتيني.

قالت نميس بمرح:-

-خلاص تقبلته، إيه رأيك نتقابل عند مطعم جنب بيتي ونتغدى سوا، ومش حقبل أي رفض وإلا مش حرجعلك ابنك وحتجوزه كمان.

ضحكت شهد قائلة:-

-خلاص اتفقنا.

-اشطا نتقابل على 3 كده.

انتهت المحادثة وألتفتت شهد لتجد مراد قد استيقظ فقالت بإعتذار:-

-أنا أسفه؛ صوتي صحاك من النوم.

-لا أبدًا أنا صحيت لوحدي، فيه حاجه ولا إيه؟!

مشيرًا إلى هاتفها مستفهمًا عن سر المكالمة 

ابتسمت قائلة:-

-اتفقت مع نميس نتقابل؛ علشان فارس وحشني ونفسي أشوفه.

وكأنه قد وجد مجالا لإخراج ذلك الألم الناتج من غضب ليث منه، والضيق من المعز المتسبب في هذا حيث إنه صاحب تلك الفكرة. الوغد، سوف يذيقه الويلات، كيف سلت له نفسه أن يعرض أخيه الصغير إلى الضرب والتنمر؟! 

نتيجة لكل تلك الضغوط قال بغضب لم تشهده من قبل طيلة فترة معرفتهما:-

-أنتِ إزاي تتفقي معاها من غير ما تقوليلي؟

أجابت شهد في دهشه:-

-فيه إيه يا مراد؟! ما أنا بقولك أهوه.

-بعد إيه، بعد ما اتفقتي خلاص ولا كأنك متجوزه راجل، والمفروض بقى أقولك حاضر وأعملي اللي أنتِ عايزاه.

صمتت شهد قليلا تحاول استيعاب عصبيته التي تشهدها لأول مرة ثم قالت برفق:-

-خلاص أنا أسفه، مش حروح لو حيضايقك.

قال بغضب متصرفًا كطفل مدلل لا يرضيه أي شيء:-

-اه بعد إيه، ما أنا عيل صغير بتراضيني، ديه بقت عيشه تزهق.

ثم أعقب ذلك بمغادرته للغرفة بينما هي فقد أدركت إن غضبه ليس موجه لها حقيقة بل إلى نفسه، ولكنه فقط وجد فيها مخرج لكل ذلك الغضب بداخله، لم تمانع ذلك فهي رغم كل شيء زوجته وحقه عليها أن تتحمل أوقات خروجه عن السيطرة خاصة وهو طالما أغرقها بحنانه وأحتوائه لها.

***

جلس على الأريكه محاولا أن يهدأ، وبعد دقائق وبخ نفسه لإخراج غضبه على شهد، فهي لم تفعل شيئًا تستحق أن يوجه غضبه عليها فقد اشتاقت إلى صغيرها فقط، وهذا لا يعد جرمًا يعاقبها عليه.

دخل الغرفة منكس الرأس كطفل مذنب وقال بأسف:-

-شهد، أنا أسف بجد، أنا مقصدتش ازعقلك فمتزعليش.

ابتسم قائلة:-

-عارفه إنه غصبًا عنك، ومش زعلانه بس...

صمتت قليلا ثم تابعت:-

-بلاش تعذب نفسك اللي حصل حصل خلاص، يبقى دلوقتي تفكر في طريقه تصلح بيها اللي عملته وتخلي ليث يسامحك.

-أنا مقصدتش أبدًا أجرحه، كل اللي كنت بفكر فيه إني أفوقه من اللي هوه فيه.

-عارفه بس هوه اتصدم فيك، ومكنش متوقع إنك تعمل كده فيه أيًا كان السبب.

أومأ موافقًا إياها ثم قال بيأس:-

-كل حاجه حواليا بتبوظ، ليث و شايف إني غلطت، المعز وانتقامه فشل ومش حيعرف يوصل لأي دليل ورا الحسيني...

قاطعته شهد تخبره بمحادثة عصام الحسيني لها واعتذاره مما أدى إلى ظهور ملامح الدهشة على وجهه فهو لم يتوقع أبدًا إعتذاره ولم يطمئن للأمر، يشعر إنه يُدبر أمرًا ما، نظر إلى شهد وقرر إنه لا يجب أن يخاطر بها من أجل انتقام المعز رغم إنه أحيانًا يشعر بالشفقة عليه فما شهده ليس بقليل.

-مراد، أنت كويس؟

أفاق من شروده وأجاب:-

-اه كويس بس... تردد قليلا ثم حسم الأمر فيكفي ما لاقته من أخيه وأردف:-

-شهد أنا قررت إنك مترجعيش الشغل تاني، كفايه أوي لغاية هنا. 

قالت شهد معترضه على هذا القرار:-

-بس يا مراد، أحنا قربنا من هدفنا.

قال بضيق من نفسه:-

-أنتِ أصلا ملكيش ذنب إنك تخاطري بحياتك علشان انتقام ميخصكيش، وأنا كنت أناني إني استغلك بالطريقة ديه...

نظرت إليه، وقالت بدون تردد وكأن ردها هو الأجابه الطبيعية والمنطقية:-

-أنت كنت عايز تساعد صاحبك وترجع حقه، وبدل الموضوع يخصك فأنا موافقه أساعد بأي طريقة.

ابتسم بحزن وقال:-

-أنا عارف كويس أنتِ بتفكري إزاي، دايمًا بتحسي إنك مديونه لي، بتحاولي ترديلي دين ملوش وجود أصلا.

ترقرقت الدموع في عينيها وعادت إليها الذكريات ثم قالت:-

-يمكن أنت مش عارف قيمة اللي عملتهولي، أمي اتخلت عني وبرغم معرفتي إني غلطت أوي بس كنت محتجاها جنبي. من غيرك يا مراد كان زماني في الشارع ويا عالم كان إيه اللي حصلي.

نظرت إليه والدموع لا تتوقف عن الأنهمار:-

-كفايه إنه بسببي كانت نميس حتسيبك، كفايه الفلوس اللي بتبعتها لأمي وأخواتي كل شهر بصفتك فاعل خير، كفايه ابني اللي متقالش عليه ابن حرام، كفايه إنك سجلته باسم أبوه الحقيقي.

نظرت إليه وأردفت:-

-دفعت فلوس ورشاوي علشان تقدر تسجله، خليت والدة ليث تبعتلك صور من ورق ليث بحجة الشغل وطلبت منها متقولش، وكل ده علشان تسجل ابني باسم أبوه الحقيقي.

ارتفع نحيبها بينما تتابع:-

-أنا مهما حصل ومهما عملت مش حعرف أردلك ولو حاجه واحده من اللي عملتهولي، كفايه...

تلعثمت بفعل نحيبها ولكنها تابعت:- 

-كل ده من غير أي مقابل، أنا لو بأيدي مستعده أديلك العالم كله، أنا...

قاطعها اقترابه يضمها بين ذراعيه يربت على ظهرها بحركات رتيبه ليخفف من عنف بكائها وقال بصوت حنون:-

-أنتِ أختي يا شهد يعني كل اللي عملته واجب عليا تجاهك وتجاه ابن اخويا...مش عايزك تفكري بالطريقه ديه تاني.

أومأت شهد وجففت دموعها بكفها ثم قالت بإصرار:-

-بس أنا مصممه أكمل؛ علشان ده حق ولازم يرجع. مرات المعز الله يرحمها ماتت من غير أي ذنب وبنته الصغيره في المستشفى فاقده النطق من ساعة ما شافت أمها بتتقتل قدام عينيها، وعلشان كده أنا عايزه أساعد بإي طريقه.

تنهد مراد وهو يدرك أن محاولاته لتغيير قرارها بدون جدوى فقال:-

-يبقى حنكمل علشان نحقق العداله، ونجيب حق مرات المعز.

-تمام كده، أطلع أنت شوف ماما صحت ولا لسه، وأنا حبدأ أجهز الفطار. 

اجتمع الجميع حول مائدة الإفطار وكان الضيق يبدو على وجه ليث بينما الحزن على وجه مراد فهو يبغض أن يكون المتسبب فى زرع الكراهية فى قلب أخيه تجاهه. 

لم يتحمل ليث وجود مراد أمامه فنهض قائلا:-

-أنا شبعت بعد إذنكم. 

لاحظت شهد مدى ألم مراد، وبعد دقيقه نهض مراد متزرعًا بأن لديه موعد مع  صديقه، وبالطبع أدركت شهد بإن هذا الصديق هو المعز. 

غادر مراد المنزل بينما ليث قد ظل فى صومعته بداخل غرفته، ولم يتبقى إلا الأم وشهد.

 بالطبع لم تغفل الأم عن التوتر الحادث فى العلاقة بين مراد وليث فانتهزت فرصة إنفرادها مع شهد لتعرف سبب هذا التوتر فلم تقتنع بأجابتها البارحة.

حاولت شهد أن تثبت على إجابتها، فهى تعجز عن تبرير ما حدث، فكيف تخبرها بأن مراد كان المتسبب فى إدخال ابنها السجن؟! وإن كل ما تعرض له من قلق وخوف وألم كان بلا جدوى بل هو مجرد درس رغب مراد فى أن يلقنه إياه وبرغم غرضه النبيل إلا إن الطريقة تسببت في المزيد من الألم والجرح لليث. 

لم  تقتنع الأم وأدركت من توتر نظراتها إنها تحاول إخفاء شيء. فلم تحاول الضغط عليها ولكنها عقدت اليقين على أن تكتشف حقيقة الأمر. 

تنهدت شهد بإرتياح وقد تحررت من حصار والدة ليث، وبدأت تجهز نفسها وهي فى شوق لرؤية صغيرها. 

ما أن وصلت شهد إلى المكان الذى سبق أن تواعدت به مع نميس، وجدتها فى صحبة فارس يجلسان على إحدى الطاولات في انتظارها. 

ما أن وقع نظر فارس عليها حتى ركض فى إتجاهها صائحًا في بهجة:-

-ماما...

لتتلقاه بين ذراعيها وتضمه بشوق وحنان بينما هو فقد عقد ذراعيه الصغيرتين حول رقبتها، ثم بدأت تمطره بقبلاتها الحانية.

تنبهت شهد أخيرًا لنميس التي تنظر لهما بسعادة فأحتضنتها بدون أن تبعد فارس عنها مما دفع نميس لتقول بمرح:-

-فيه إيه يا بنتي، هوه حد قالك إني باكل العيال الصغيرة

قالت شهد وهي تحتضن فارس بقوة:-

-مش حتصدقي قد إيه بيوحشني يا نميس.

ابتسمت نميس وقالت:-

-عارفه يا حبيبتي ربنا يصبرك، تعالي نقعد هنا بدل الوقفه ديه.

جلسوا جميعًا بينما شهد مازالت متشبثه بصغيرها وقد أجلسته على قدميها، طلبت نميس العصائر لهم ثم شردت قليلا وهي تتأمل شهد المستمرة في تقبيل صغيرها...تذكرت عندما أدركت إن مراد متزوج من أخرى.

كان ذلك منذ ثلاثة أعوام وبعد عقد قرانهما ببضعة أشهر، كانت تزور صديقتها في المشفى لتجده يحيط فتاه بذراعيه ويحمل طفل صغير، تتبعتهما لتجده يدخل معها إلى الحجرة الخاصة بطبيبة الأطفال، وكانت صدمة كبيرة لها خاصة وهي تدرك إن مراد ليس له أي شقيقات ولا يملك من الأقارب إلا أعمامه، وأخوه بالرضاعة في مصر.

انتظرت حتى خرجا وأقتربت منه وقلبها ينزف دمًا بينما عيناها لا تتوقف الدموع عن الأنهمار منها. 

نظر مراد إليها بصدمة فقالت وهي تنظر إلى الفتاه والطفل الصغير:-

-مين دول يا مراد؟

حاول مراد أن يبرر لها ولكن لسوء الحظ فقد خرجت الطبيبه وهي تقول:-

-مدام شهد، حضرتك نسيتي شنطتك جوه؟

تسائلت بتردد مع انهمار دموعها:-

-مدام! أنت متجوز غيري؟!

أردفت بألم وهي تسخر من نفسها:-

-إيه السؤال الغبي ده، أنت كمان عندك ابن.

نزعت خاتمها وألقته في وجهه وهي تقول:-

-مش عايزه أشوف وشك تاني، وورقة طلاقي توصلي.

غادرت بدون أن تلتفت إلى صياحه ومناداته لها.

في اليوم التالي تفاجأت بقدوم شهد وطفلها إلى مكان جامعتها حاولت أن تتجاهلها ولكن شهد لم تستسلم وبرغم التجاهل استمرت في المجيء يوميًا حتى قبلت أخيرًا أن تستمع لها.

جلستا في أحد الأماكن وأخذت شهد تخبر نميس بكل شيء بصوت منخفض خجول متجنبة النظر إليها ثم ختمت كلامها قائله:-

-والله العظيم هوه شايفني أخته وبس, ده غير إنه بيحبك أوي، أنا كنت فرحانه جدًا لمه عرفت إنه بيحب واحده وعايز يتجوزها، ولمه كتبتوا الكتاب كان فرحان أوي. هوه دلوقتي في البيت ومش زي مراد اللي أنا عارفاه واللي مانعه من إنه يقولك الحقيقة وعد وعدهولي إن اللي حصل يفضل سر بيني وبينه، عارفه إنك ممكن متتقبليش وجودي في حياته بس هوه محمل نفسه مسئوليتي وأوعدك لمه حياتي تستقر وفارس ابني يكبر شويه حطلع من حياته، هوه بس مش عايز يطلقني إلا لمه حالتي النفسية تبقى أحسن وفارس يكبر شويه، أنا دلوقتي بترجاكي ترجعيله متحملوش ذنب حاجه معملهاش.

نهضت نميس مما دفع شهد لأن تظن إنها لم تصدقها لتتفاجأ بعد ذلك بأحتضان نميس لها وهي تعتذر لسوء ظنها وتخبرها إنها من الآن كشقيقه لها وليس لمراد فقط.

ذهبت معها إلى المنزل، أشارت لها شهد على غرفة مراد فأبتسمت نميس بتوتر ودخلت الغرفة وهي لا تعرف كيف تجعل مراد يسامحها.

رفع مراد رأسه لينتفض بدهشه وهو يراها أمامه، وقال بصوت مرتجف النبرات:-

-نميس! أنتِ إزاي هنا؟!

الحزن المرسوم على وجهه والذي كانت هي السبب به جعل عيناها تمتلأ بالدموع حاولت أن تتحدث..تعتذر، ولكن غصة في حلقها منعتها من التحدث لتقدم على أمر لم يسبق أن امتلكت الجرأة لفعله فقطعت الخطوات الفاصلة بينهما بسرعة وألقت نفسها بين ذراعيه عاقده ذراعيها خلف عنقه تغرز رأسها في صدره وتجهش بالبكاء.

نتيجه لقوة اندفاعها تراجع بضعة خطوات إلى الخلف ثم ارتفعت ذراعيه يضمها بقوة وهو لا يصدق ما يحدث بينما هي ما أن شعرت بذراعيه من حولها حتى اشتد بكائها تغمغم بكلمات الأعتذار. 

بعد دقائق أخرج وجهها المدفون في صدره مجبرًا إياها على مواجهة عينيه رغم محاولاتها أن تتهرب من تلك المواجهة.

-جيتي إزاي؟!

قالت ومزيج من الخزي والألم يسيطرعليها بسبب ما أوقعته عليه من ظلم:-

-شهد قالتلي على كل حاجه علشان كده أنا...

ظهر الضيق على وجه مراد فقد تعهد بأن يظل ماضي شهد مدفونًا ثم ابتعد عنها وقال بجديه:-

-أنا أسف يا نميس بس أنا مش حطلق شهد إلا لمه أتأكد إنها  حتبقى كويسه. يمكن أنا كنت أناني لمه اتقدمتلك واتجوزتك من غير ما أقولك بس أنا حبيتك بجد وعمري ما كنت ححسسك بأي نقص.

قاطعته نميس:-

-أنا عمري ما حطلب منك تطلق شهد، بالعكس أنا اللي عرفته خلاني...

صمتت قليلا ثم تابعت وهي تنظر إلى عينيه بمزيج من الحياء والحب:-

-خلاني أحبك أكتر.

"نميس، أنتِ كويسه؟"

تنبهت من شرودها على صوت شهد لتقول بإعتذار:-

-أنا أسفه بجد، سرحت شويه...بقولك إيه رأيك نروح الملاهي دلوقتي؟

بالطبع هذا الأقتراح نال استحسانا كبيرًا من قبل فارس، وبالطبع لم تستطيع شهد أن ترفض له طلب.

ذهبوا إلى هناك وكانت شهد تحاول أن تقضي أطول وقت ممكن مع فارس فهي لا تدرك متى سوف تلقاه مرة أخرى في ظل تلك الظروف التي تحيط بها.

أما نميس فقد كانت تشعر بالسعادة ككل مرة تلاحظ التحسن في حالة شهد فمازالت تتذكرعندما كانت تداومها الكوابيس مما دفع مراد إلى أن يجعلها تتابع مع طبيب نفسي، ولكن شهد التي تراها اليوم تبدو أكثر صحة فقد كانت ومراد يشعران بالقلق كثيرا من أجلها فلم يكن مسموحًا لها بالبقاء وحيدة بنصيحة من طبيبها مما دفعهما إلى ملازمتها دائمًا خاصة إنها كانت تشعر برهبة من الجميع من حولها لفترة طويلة ولكن رويدًا أظهرت تحسن وبدأت الكوابيس في الإختفاء ربما الأمر الوحيد الذي لم يتغير هو تعلقها الشديد بفارس حيث تجد به الملجأ لها بعيدًا عن هذا العالم.

***

قررت الأم إنها لن تنتظر ويجب أن تعرف سر الجفاء بين طفليها، فبرغم كل الصعاب لم يسبق لها أن رأت ليث بذلك الحزن فنظرة الألم لا تفارق عينيه مؤخرًا، وتلك المرارة التي يخاطب بها أخيه تمزق قلبها.

يظنون إنها تغفل عن هذا التوتر ولكنها أم تعرف ما يدور في أنفس أطفالها، وما يثير حيرتها وقلقها أيضًا هو ذلك التغير في تصرفات ليث مؤخرًا وكأنه لا يبالي فيخرج كيفما يشاء ويعود متى يشاء. 

كان ليث في طريقه إلى غرفته بعد عودته من الخارج عندما أوقفته الأم بسؤالها:-

-أنت تعرف شهد منين؟


نهاية الفصل الثالث عشر

#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات


الفصل الرابع عشر


تجمد ليث عندما أطلقت والدته هذا السؤال، لم يلتفت لا يملك أن يواجهها أو يمنحها أي جواب وقد فقد قدرته على إطلاق الأكاذيب فإن تحدث الآن لن يملك إلا أن يقول الحقيقة. 

سمع صوت مقعدها المتحرك يقترب منه، قالت:-

-متنكرش يا ليث، أنا عارفه إن فيه حاجه، علاقتك بمراد بقت غريبه، ده غير نظراتك لشهد. الأول كنت بقول يمكن بيتهيألي بس الطريقه اللي مشيت بيها وسيبت البيت خلتني متأكده إن فيه حاجه.

ألتفت إليها لتشهق الأم عندما رأت دموعه، وبدأ يقص عليها كل شيء...تعرفه على شهد وعلاقتهما، كيف تخلى عنها بكل خسة ودناءه، والأهم أخبرها بما فعله مراد وكيف إن كل شيء كان مجرد كذبة.

بعدما انتهى من أخبارها بكل شيء اتجه إلى غرفته تاركًا إياها تشعر بالصدمة والخذلان من طفليها فالأول زاني والآخر كاذب. 

تذكرت في تلك اللحظة عندما طلب منها مراد ألا تغضب منه مهما كان، لقد كان هذا ما يقصده بالتأكيد.

تملكتها الحيره فكيف تتصرف في مثل هذا الوضع, شعرت بالغضب من كليهما؛ لأنهما تسببا في جعلها على هذه الحالة. 

ليث الذي لم يراعي حرمة الغير ومراد الذي تزوج من زانيه، كيف آمن على بيته في وجود زانيه.

انقبض قلبها بينما تفكر أيمكن إن جوازهما خدعة وهو الآخر زاني؟

انهمرت دموعها حسرة على ابنائها وعقدت اليقين إنها لن تنتظر حتى تجعلها تلك الحرباء تفقد ابنائها، لقد انخدعت في إدعائها للطيبة والحنان أمامها حتى دفعتها لكي تعتبرها كأبنة لها.

***

ذهب مراد إلى منزل المعز والغضب كنار مشتعلة في قلبه، دخل المنزل حيث كان بحوزته مفتاح من قبل ليجد المعز جالسًا فوق الأريكه وعلى قدميه حاسوبه المحمول ويبدو عليه التركيز الشديد. 

صاح مراد بغضب:-

-طبعًا قاعد هنا، ولا على بالك.

قال المعز ببرود بدون أن ينظر إليه:-

-خير، إيه اللي حصل؟

نظر إليه مراد بغيظ فبرغم طوال سنين صداقتهما إلا إن اسلوبه البارد والذي ازداد مع وفاة زوجته مازال يثيرغضبه فقال:-

-أنت إزاي تخليهم يضربوا ليث؟! ده مكنش اتفاقنا.

ولأول مرة يخرج المعز من حصونه الباردة فيقول بغضب وقد ألقى الجهاز على الأريكه ونهض ليكون في مواجهة مراد:-

-علشان مكنش عندي ثقتك في إنه بريء، أفرض كان شغال معاهم ما هوه صاحب إسلام برضو، وأنا مش حسامح حد، والكل حيتعاقب ويدفع التمن.

أردف بشراسة:-

-أنا بنتي مرميه في المستشفى من ساعة ما شافت أمها بيغتصبوها ويقتلوها قدام عنيها، بنتي منطقتش بحرف من ساعتها، وأنا فضلت الوقت ده كله بحضر لأنتقامي لغاية ما قابلتك وعرفت حوار أخوك وقررت إن هدفنا يعتبر واحد بس مكنش عندي ثقه لا في أخوك ولا في اسلام، وفضلت أدور وراهم يمكن اثبت إن أخوك بريء ومتأكدتش من برائته إلا لمه لقينا إسلام.

تابع بلهجة من المفترض أن تكون إعتذارًا ولكن بالطبع لن يعتذر المعز بكل غروره مباشرة:-

-يمكن أنا اتسببت في توتر بينك وبين أخوك بس غصبًا عني، أنا مش حسيب حق مراتي وبنتي.

رغم غضب مراد إلا أن شعور الشفقه بداخله قد طغى، فمجرد التفكير في أن يصيب نميس مكروه يصيبه بالذعر، ولذلك كان يتفهم مشاعره.

قال مراد مغيرًا اتجاه الحديث:-

-أنت بتعمل إيه دلوقتي؟

-بدور على معلومات عن صفقات الحسيني، الموضوع ده طول أوي ولازم يخلص. 

قال مراد بتعجب:-

-تعرف أنا بجد مستغرب إنك برغم كل شيء عايز تاخد حقك منه بالقانون وتحبسه.

قال المعز ببرود:-

-مش علشان سواد عيونه بس علشان خاطر بنتي، إيه اللي حيجرالها لمه أبوها ياخد إعدام في قاتل ولا يسوى.

كان يعرف كم يؤلم هذا الموضوع صديقه، فبرغم مرور السنين مازال الجرح مفتوحًا، قال:-

-تحب أساعدك في حاجه؟

-لا مفيش بس حاول تقول لشهد إنها لازم تبقى صاحيه خصوصًا إن صفقات الحسيني اللي جايه كلها سلاح ومخدرات، فلازم تدقق في أي ورق ممكن يدينه. 

-لو حصلها حاجه أنا...

قاطعه المعز:-

-متقلقش، مش حسمح بده يحصل. 

قال مراد بشراسه:-

-أتمنى بجد، لأن لو حصلها حاجه موتك مش حيكفيني.

تسائل المعز بمكر:-

-أنت حبيتها ولا إيه؟

أجاب مراد بحنان:-

-شهد هيه الأخت اللي أمي مخلفتهاش، ثم خليك في اللي أنت فيه، أنا ماشي...سلام.

ضحك المعز عاليًا وهو يرد:-

-سلام.

***

عادت شهد إلى المنزل تشعر بسعادة هائله بعد قضاء يوم طويل مع طفلها لتجد والدة ليث في حجرة المعيشة فقالت:-

-السلام عليكم، إزيك يا ماما؟

أجابت الأم ببرود وضيق:-

-وعليكم السلام.

تسائلت في قلق:-

-هوه فيه حاجه حصلت يا ماما؟

قالت الأم بضيق وعصبية ليس لها داع:-

-مفيش حاجه, إيه أنتِ حتحققي معايا ولا إيه؟!

شحب وجه شهد وترقرقت دمعة حزينه في عينيها:-

-العفو يا ماما أنا مش قصدي، عن إذنك أدخل أوضتي.

لم ترد الأم بينما شهد فقد انهمرت الدموع السجينه في عينيها وهي تفكر في سبب تغير معاملة الأم لها.

شهقت في خوف أتراها قد أدركت ماضيها مع ليث، هل ليث أخبرها؟ لكن لماذا يفعل هذا؟!

تنهدت بأسى يبدو إنها حقًا ممن لم تكتب لهم السعادة في الحياه.

***

دخل مراد المنزل ليجد والدته في انتظاره ومن تعابير وجهها أدرك إن اليوم مازال يحمل له الكثيرمن التصادمات. 

حاول أن يبتسم رغم القلق بداخله وقال:-

-مساء الخير يا ست الكل، عامله إيه؟

نظرت إليه الأم في صمت ثم قالت بلوم:-

-هان عليك أخوك يا مراد ترميه في السجن؟!

شحب وجهه عندما أدرك إنها قد عرفت ثم قال بألم:-

-والله العظيم مكنتش عايز آذيه، أنا بس كنت بحاول أساعده، أخليه يبعد عن العيشه اللي كان بيعيشها... خمره وستات وكل حاجه حرام.

ركع بجوارها وأردف:-

-متزعلش مني يا ماما, والله العظيم أنا بحب ليث، ده ابني وأخويا وأنا عمري ما أفكر في أي أذيه ليه. 

ربتت على رأسه ثم ابتعدت بمقعدها في صمت واتجهت إلى غرفتها، أدرك مراد إنها لن تنسى الأمر بسهولة، فليث مهما عمل سوف يظل ابنها الذي تخشى عليه من نسيم الهواء.

بينما الأم فقد وجهت العتاب واللوم لنفسها لأنها لم تتحدث معه في موضوع شهد، ربما يرجع ذلك إلى خوف عميق في نفسها فليس لها قدرة على تحمل صدمة أخرى في ابنائها.

رغم الألم الذي شعرت به عندما دخل ليث السجن إلا إنها عندما تراه يصلي أو يحاول أن يغض بصره عن شهد رغم ماضيهما المشترك تدرك إن مراد محق فلم يكن ليث ليتغير لولا ما حدث له.

***

استيقظت شهد فى اليوم التالى ومازالت تشعر بحيره من تصرف والدة ليث، وقد بدأت تثق إن ليث قد تصرف بحماقه وأخبر والدته.

ترقرقت العبرات فى عينيها، إنها لا تهتم حقًا بنفسها ولكنها تخشى أن تسبب مشكله بين مراد ووالدته فيكفي توتر العلاقة بينه وبين أخيه.

أثناء شرودها وهى تمشط شعرها لم تلحظ أن مراد قد استيقظ وكان ينظر إليها بحزن وهو شبه متأكد إن والدته قد اسائت معاملتها، وعقد اليقين إنه لن يخبرها أن والدته قد أدركت الحقيقة بما إن الأخيره لم تذكر شيئًا عن العلاقة القديمة بين شهد وليث، ولذلك لن يتسبب فى توتر مشاعر شهد بدون سبب على أمل أن يكون ليث لم يخبر والدته بخصوص هذا الماضي. 

ألتفتت شهد عندما وجدت انعكاس صورة مراد فى المرآه، ابتسمت ابتسامة لم تصل إلى عينيها وقالت:-

-صباح الخير. 

نظر إليها بحنان وهو يدرك ما يجول فى خاطرها، وقال:-

-أنتِ كويسه؟

كذبت قائلة:-

-أيوه طبعًا حيكون مالي يعني، أنا حلبس عشان رايحه الشغل.

قال مراد بقلق:-

-متأكده إنك حتكوني كويسه؟! لو مش عايزه تروحى أنا ممكن...

ابتسمت عندما أدركت قلقه عليها فطالما كان ينصب نفسه مسئولا عنها فقاطعته قائله:-

-متقلقش، سبها على ربنا وأنا حبقى كويسه، وزى ما قولتلك أنا بعمل كده علشان ده حق لازم يرجع.

وبالفعل استعدت شهد للذهاب إلى العمل كما أعدت الإفطار لوالدة ليث، ولكنها طلبت من مراد أن يدخله إليها تجنبًا لأي إزعاج قد تسببه لها.

***

تنهدت شهد بقلق وتوتر بينما تقف أمام المبنى الشاهق للشركه، دعت الله أن يوفقها فى هذا الأمر ويبعد عنها شر عصام الحسيني.

اتجهت إلى مكتبها لتجد عصام الحسيني في انتظارها وبحوزته باقة من أزهار البنفسج. 

شعرت بمزيج من الأشمئزاز والخوف عند رؤيته، ولكنها حاولت أن تخفي مشاعرها ولا بد إنها نجحت فعندما رآها أقبل عليها وهو يغمرها بكلمات الإعتذار الواهيه.

تقبلت إعتذاره بابتسامه كاذبة وتقبلت باقة الأزهار وهى تغمغم بكلمات شكر دون معنى.

تابعت عملها ومر اليوم بسلام حتى أرسل عصام فى طلبها، ذهبت إليه وجله فمنحها بعض الأوراق وقال:-

-سناء، الأوراق ديه مهمه جدًا خليها فى الخزنه لغاية ما اطلبها منك.

أجابت شهد بكل عمليه:-

-تحت أمرك يا فندم.

ذهبت شهد لتضع الأوراق فى الخزنة ولكن قبلها بدأت تتفحصها لتجد ما أخبرها به مراد في الصباح، إنها إحدي الصفقات الغير شرعية التي أخبر المعز مراد بها، ولذلك بدلا من أن تضع الأوراق استبدلتها بأوراق طباعة بدون أي أهميه ووضعتها في الملف ومن ثم الخزنة بينما الأوراق الهامة فقد احتفظت بها في حقيبتها. 

انتهت ساعات عملها المليئة بتوترها وقلقها من أن يُكشف أمرها، غادرت إلى المنزل سريعًا بينما عصام فقد ظل فى مكتبه وقد كان يراجع بعض الأوراق حتى دخل أحدهم مكتبه ليترك ما فى يده ويتحدث قائلا:-

-عملت إيه في اللي قولتلك عليه؟

لم يتحدث الشخص وقدم إليه حزمة من الأوراق التي ما أن قرأها حتى ظهر غضب شديد على وجهه، وقال بلهجة تجمع ما بين التعطش للإنتقام والغضب:-

-حخليهم يدفعوا التمن، مش عصام الحسيني اللي شوية عيال يضحكوا عليه.

***                                                 

عادت شهد إلى المنزل ولم يكن مراد قد عاد بعد فطبقًا لما أخبرها به في مكالمته الأخيره سوف يقضي وقتًا طويلا مع المعز للإنتهاء من هذا الأنتقام ليعم السلام على حياتهم.

وجدت والدة ليث في انتظارها، والتي ما أن رأتها حتى قالت بجمود:-

-أنا عايزه أتكلم معاكي.

تحركت خلفها وقلبها تتسارع دقاته فزعًا. 

ألتفتت الأم إليها وقالت:-

-بصي يا بنتى ربنا اللي يعلم أنا اعتبرتك زي بنتي بس أنا مش حسمح لواحده زانيه زيك تدمر حياة عيالي، ليث غلط وأهو أتعاقب على أيد مراد، ولكن مش حسمح لمراد إنه يقع فى نفس غلطة أخوه، ياعالم أنتوا متجوزين فعلا ولا لأ فبصي يا بنتي خدي القرشين دول، وأبعدي عن حياتنا.

كانت الكلمات تجلدها حتى أجهشت بالبكاء وارتفع نحيبها، وقالت بحزن وألم شديد:-

-مفيش داعي تديني فلوس، وربنا يعلم إن أنا مكنتش عايزه أي حاجه من دي تحصل خصوصًا إن مراد خيره عليا وإنه أنقذني من مصير أسوء من الموت، أنا حمشي بس أنا عايزه حضرتك تعرفي إني اعتبرتك زي أمى ومقدرش ألومك إذا كانت أمي نفسها أتخلت عني.

غادرت شهد بدون أن تنتظر ردها أو تحضر ثيابها.  

كانت تسير في الشوارع الخالية على غير هدى ولحسن الحظ كان معها هاتفها المحمول، ولكنها تدرك إنها عاجزه عن الإتصال بمراد فيكفي ما يصيبهم من وراء رأسها، وهنا جاء في ذهنها الشخص الوحيد الذي يمكن له إنقاذها من هذا الموقف، والذي تستطيع أن تستنجد به بكل أمان فأخرجت هاتفها وأجرت الإتصال .


نهاية الفصل الرابع عشر

#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات



الفصل الخامس عشر


عاد مراد إلى المنزل وما أن دخل حتى وصل إلى مسامعه أصوات غاضبة مصدرها ليث الذي كان يصيح في جنون بوالدته.

تدخل مراد صائحًا في غضب:-

-فيه إيه يا ليث؟ بتزعق كده ليه؟!

-أمك طردت شهد، سابتها لوحدها في نصاص الليالي وهيه متعرفش حد هنا. 

قال مراد في صدمه:-

-إيه؟! ليه يا أمي بس؟

قالت الأم في محاولة منها أن تبرر فعلتها:-

-علشان ديه واحده زانيه، وأنا مش حسيبها تدمر حياتكم، كفايه أوي لحد كده.

نظر مراد بغضب إلى ليث ولكن الأخير لم ينتبه إليه وقد صاح في غضب بينما بواجه والدته:-

-زانيه! ده على أساس إنها زنت لوحدها، أنا فهمتك كل حاجه...هيه ضحيه ليا، فاهمه؟

حاول متجلدًا أن يمنع دموعه وتابع:-

-هيه كانت بتحبني، مش عارف ليه مع إني معملتش حاجه استحق بيها الحب ده!

نظر إلى والدته مجددًا بغضب موجهًا إلى ذاته قبلها وقال:-

-أنا استغليت حبها ليا، أنا هنا الجاني مش هيه.

تخلى مرادعن صمته قائلا بألم:-

-ربنا يسامحك يا أمي، ربنا يسامحك.

وألتفت مغادرًا لتصيح والدته:-

-رايح فين؟

أجاب بدون أن يلتفت إليها:-

-رايح أدور على الغلبانه اللي طردتيها.

صاح ليث بينما يرتدي معطفه على عجل:-

-استنى أنا رايح معاك.

غادرا تاركين الأم تبكي بحسره على ما جنته يداها فقد أعماها الخوف على ابنائها، ولكن شهد ابنه أيضًا ولابد إن لها أم تخشى عليها مثلها.

دعت الله أن تكون بخير فهي تعترف إنها أخطأت عندما حملتها الذنب بأكمله.

***

-أنا أسفه يا نميس، أنا مش عارفه أقولك إيه

قاطعتها نميس بابتسامه حنونه:-

-متقوليش حاجه يا شهد، أنتِ أصلا منوراني والله، وبعدين زي ما أنتِ شايفه أنا وبابا لوحدنا بعد موت ماما الله يرحمها...المهم أنتِ باين عليكِ تعبانه أنا جهزتلك السرير اللي في أوضة فارس؛ كنت حاسه إنك حتحتاجي تكوني جنبه.

ابتسمت شهد بشكر فقد كانت حقًا في حاجه إلى حضن صغيرها، فهو الشخص الوحيد الذي لن يحاكمها بقسوة كما يفعل العالم الخارجي، ولعله يمنحها شعور الأمان الذي تفتقده حاليًا. 

دخلت الغرفة التي أعدتها نميس وكان فارس نائمًا على الفراش بكل براءة ركعت بجوار فراشه ودموعها لا تتوقف عن الأنهمار، لمست خصلات شعره برفق وتمتمت:-

-شوفت يا حبيبي اللي بيحصل لماما، دلوقتي أنا مليش حد في الدنيا ديه غيرك، أوعى لمه تكبر تتخلى عني.

تابعت وغصة في حلقها:-

-ساعتها أنا ممكن أموت فيها.

فتح فارس عينيه ثم اتسعت حدقتيه وصاح في بهجة عندما وقع نظره على والدته:-

-ماما!

احتضنته بقوة وهي تخفي دموعها في صدره ثم قالت بحنان بينما تتلمس وجهه:-

-إزيك يا بطل؟ أنا قولت أنام معاك النهارده، إيه رأيك؟

ردًا على سؤالها تحرك جانبًا ليسمح لها بالنوم إلى جواره، وبعد دقائق من الصمت سأل فارس بتردد:-

-ماما، هوه بابا فين؟

نظرت إليه بصدمة فهذا ليس بالوقت المناسب لهذا السؤال، تابع بدون أن يلاحظ الصدمة المرسومة على وجهها والألم الغائر في نظراتها:-

-أنا بحب عمو مراد أوي خصوصًا إنه بيجيبلي لعب وبيحكيلي حدوته بس هوه مش بابا، النهارده صاحبي قالي إني معنديش بابا أصلا وإن أنتِ ضحكتي عليا وهوه مش حيرجع أبدًا.

نظر إليها والدموع في عينيه يتسائل بنبرة طفولية متوسلة:-

-هوه أنا معنديش بابا بجد؟

اشتدت ذراعيها حوله ودموعها ترافقها قائله بألم:-

-لا يا حبيبي أنت عندك بابا وهوه بيحبك بس نام دلوقتي ولمه تصحى حوديك ليه.

صاح ببهجة عارمه:-

-بجد؟! 

ثم بكل الطفولة والبراءة بداخله غرس نفسه في صدرها وخلد سريعًا إلى النوم بعد أن حصل على تأكيدها. بينما هي فلم يغمض لها جفن، كتمت بكائها وهي تنظر إلى طفلها بحب، كانت تدرك إن هذه اللحظه قادمة لا محاله...ماذا تفعل أتخبر ليث بوجود ابنه؟ ولكن أسوف يتقبله أم سوف يدفع طفلها المسكين ثمن الخطيئة التي أقترفها والديه؟! خلدت إلى نوم قلق تتخلله الكوابيس.

***

كانا يسيران في الطرقات بحثًا عن شهد بدون جدوى حتى أرتفع رنين هاتف مراد.

أجاب في لهفة:-

-أيوه يا نميس، بجد! يعني هيه عندك؟ الحمد لله أنا جاي أخدها.

صمت قليلا ليستمع إلى ردها ثم اعترض قائلا:-

-بس يا نميس...

صمت برهة ثم تنهد وقال:-

-خلاص ماشي، وبكره حاجي أخدها، شكرًا يا نميس.

استمع إلى ردها ثم ابتسم بحب قائلا:-

-عارف يا حبيبتي، ربنا يخليكي ليا وميحرمنيش منك...بحبك، تصبحي وأنتِ في حضني قريب أوي.

وكما توقع فقد كان من نصيبه أن تغلق الهاتف في وجهه، ابتسم في مرح ثم ألتفت ليخبر ليث إن شهد بخير، ولكن الآخر قد عاجله بلكمة ألقته أرضًا صائحًا بغضب:-

-وكمان بتخونها يا حيوان.

قال مراد بأستفزاز بينما ينهض:-

-وأنت مالك؟! هيه أصلا متخصكش.

بتلك الكلمات فقد ليث سيطرته فهو لم يكن في حاجه إلى أحد يذكره بإنها لم تعد له.

أشتبك الأخان في صراع طويل انتهى بكلاهما ملقيًا على الأرض وقد تثاقلت أنفاسهما بجانب الألم الناتج من الإصابات في وجههما. 

قال مراد بصعوبة:-

-شهد بايته عند نميس.

ثم نظر إليه وهو يتابع:-

-مراتي.

ابتسم بسخريه وأردف:-

-كالعاده كنت بصلح اللي بتكسره بس المره ديه اللي كسرته كان قلب واحده خليتها تخسر كل حاجه، وبعد كده سيبتها زي ما تكون لعبة قديمة.

نظر ليث إليه بكل ما يجيش في نفسه من آلام وشعور بالذنب، وقد أدرك إن مراد لم يكن ليتزوج شهد إلا ليصحح الخطيئة التي سبق وأن ارتكبها فبرغم كل شيء يظل مراد هو الأخ الأكبر والمدافع الأول عنه. 

ربما أصابه الشك في فترة ما بخصوص ولاء مراد له خاصة عندما أدرك ما صنعه به، ولكن فى نهاية الأمر كان بداخله يقين إن مراد لم يفعل شيئًا إلا من أجله. 

قال بعد لحظات من الصمت:-

-أنا غطلت ومعترف بخطيئتي بس صدقني أنا دفعت التمن أغلى مما تتصور.

ثم تركه وغادر بينما مراد فقد تتبع ببصره خطواته في أسى وحزن فليث محق فالثمن الذي دفعه كان صعبًا جدًا. تملكه شعور قوي إن حب شهد مازال مشتعلا في قلب ليث وبالطبع لا يحتاج لمن يخبره عن مشاعر شهد فمكانة ليث في قلبها لم تتزحزح خطوة برغم كل ما فعله.

تنهد في تعب وإرهاق ثم نظر إلى السماء يطلب العون فقد ازدادت الأمور تعقيدًا فوق تعقيدها، ولكن النهاية تقترب فقد تعلم ليث الدرس كما إنهم في طريقهم لتحقيق الأنتقام والعدالة للمعز، وربما قد حان الوقت لإخبار ليث الحقيقة كاملة فيجتمع الأبن بأبيه وتبدأ شهد في إرتشاف رحيق السعادة التي فقدتها. 

***

عاد مراد إلى المنزل والإصابات تغطي وجهه، لم يلتفت إلى نداء والدته فهو لا يستطيع مسامحتها على ما فعلته بشهد. 

اتجه إلى غرفته وبدون حتى أن ينزع ثيابه تمدد فوق الفراش يرغب في بعض لحظات من الراحة في ظل تلك الضوضاء التي تشهدها حياته.

ارتفع رنين هاتفه ليجدها نميس، لعلها شعرت بما يجيش في خاطره من إرهاق وآلام، أجاب بدون تردد وقبل أن تنطق بحرف قال:-

-كنت محتاج اسمع صوتك قبل ما أنام. 

لمست في صوته الأرهاق الذى يشعر به وتمزق قلبها للألم الواضح في صوته 

تنهدت في أسى وقالت بتشجيع:-

-هانت يا حبيبي، أنا شايفه إن كده كفايه أوي على ليث. 

قال مؤيدًا إياها:-

-عارف وشايف العذاب في عنيه.

تسائلت نميس بحيره:-

-طيب ليه متوقفش كل حاجه، وتقول لليث عن فارس؟!

-معرفة ليث بوجود فارس ده قرار شهد في الأول والآخر، وأنا مش حغصب عليها حاجه.

صمتت برهة ثم قالت بحب:-

-عارف، ديه أكتر حاجه حبيتها فيك.

تسائل مراد بابتسامه:-

-اللي هيه إيه؟

تابعت نميس:-

-رجولتك مع شهد رفعتك في نظري أوي برغم إني كنت مصدومه لمه عرفت أول مرة بس بجد ديه حاجه خلتني أحبك أكتر، خلتني عندي ثقه في الراجل اللي أنا متجوزاه، وإزاى لمجرد إن واحده شايله ابن أخوك خلتها تحت مسئوليتك. أنا فخوره بيك أوي أوي، وفخوره إن أنا مراتك.

اتسعت ابتسامته وقال في مرح:-

-واضح إنك واقعه أوي.

ثم أردف قائلا في صدق:-

-أنا برضو بحبك أوي وفخور بيكي، واحده تانيه كانت ممكن تصمم إني أطلق شهد بس أنتِ وقفتي جنبي في كل خطوه بعملها لحد دلوقتي، حتى لوغلطت بتوجهيني ومبتتخليش عني أبدًا، في الأول أنا كنت بحبك بس...بس دلوقتي الموضوع عدى الحب بمراحل أنتِ بقيتي أغلى حاجه في حياتي، ربنا يخليكي ليا.

أجابت نميس بخجل:-

-ويخليك ليا، تصبح على خير.

قال بحب:-

-وأنتِ من أهلي.

***

كان ليث يتجول على غير هدى في الشوارع حتى وجد نفسه أمام أحد المساجد التى أقامها العرب المسلمون في كاليفورنيا، دخل المسجد بخطوات هادئة فأخذ يصلي ويدعو الله أن يغفر له وأن تقبل شهد بالعودة إليه فالذى فهمه إنها لم تتزوج مراد عن حب بل فقط كان مجرد إنقاذ لها. 

كل ما يرغب به هو فرصة واحدة ليثبت لها إنه قد تغير، وحينها سوف يحرص تمامًا على إسعادها وتعويضها عن كل ما عانته بسببه. 

لم يملك أي رغبة في العودة إلى المنزل، اتصل بهاتف المنزل لترد والدته، قال بأقتضاب:-

-أنا مش حرجع البيت.

تسائلت الأم بلوعة:-

-أنت فين يا ابني؟! أنا عارفه إني غلطت...

قاطعها ليث:-

-أنا مش قادر أرجع، شهد غلطتها إنها حبتني فبلاش تكرهيها.

قالت الأم بحزن:-

-عارفه يا ابني، هيه ترجع وأنا حتأسفلها.

-أنا حقفل دلوقتي، نامي يا أمي، متقلقيش كله حيتحل.

***

استيقظت شهد على قبلات تطبعها شفاه صغيرة فوق وجهها، فتحت عيناها لتجد فارس، ابتسمت بحب وقالت:-

-صباح الخير يا حبيبي.

-صباح النور يا ماما.

 ثم تابع في لهفة:-

-حنروح النهارده لبابا؟

أجابت بأبتسامه باهته:-

-أيوه يا حبيبي حنروح النهارده لبابا، يلا بينا نلبس بقى.

أرتدى كلاهما ثيابهما ثم اتجهها إلى الخارج ليجدا نميس ووالدها في انتظارهما على مائدة الإفطار. 

لم تكن شهد قد قابلت والد نميس فقالت بتهذيب:-

-إزي حضرتك يا عمو؟ أنا أسفه إني جيت إمبارح في وقت مش مناسب.

أجاب الأب بحنان:-

-ده بيتك يا بنتي، نميس قالت إن فيه مشاكل مع جوزك، اسمعي مني يا بنتي حاولي تعدي لجوزك علشان المركب تمشي.

أومأت شهد بينما تجلس في مقعد بجوار نميس وبجوارها فارس. همست نميس لها بمرح:-

-اه لو يعرف اللي فيها، مش بعيد نبقى كلنا كده في الشارع.

كتمت شهد ضحكاتها فحقًا الأمر لا يصدق فوالد نميس ينصح زوجة زوج ابنته بأن تطيع زوجها.

اختفت ابتسامتها وهي تفكر إن الأمر قد أصبح كمسلسل فاشل وقد حان الوقت أن تنسحب من حياة نميس ومراد، وتترك المجال لحبهما أن يتوج بالزفاف.

***

كانت شهد تسير بجوار نميس التي أصرت على التسوق معًا قبل ذهابها بينما فارس فقد كان يركض أمامهما في مرح بين الألعاب في ركن الأطفال في المول.

قالت نميس بحنان:-

-متقلقيش يا شهد، أنا متأكده إن ليث اتغير وأكيد حيحب فارس.

قالت شهد بقلق:-

-يا رب يا نميس.

بعد دقائق ألتفتت شهد إلى فارس فقد حان وقت الذهاب ولكنها لم تجده.

أخذت تبحث وبجوارها نميس تسأل من حولها عن الصغير، ولكن  لم يجدوه في أي مكان داخل المول حتى بعد تدخل أمن المكان. أجهشت شهد ببكاء عنيف يرج أوصالها وهي تصرخ:-

-ابني فين؟ فارس! أنت فين يا حبيبي؟ رجعولي أبني.

ضمتها نميس وهي تحاول أن تتصل بمراد ولكن هاتفه مغلق، فأخذت شهد في سيارتها واتجهت إلى منزل مراد بدون أن تهتم بأي شيء أو بأشارات المرور التي تتخطاها فنحيب شهد وآهاتها مزقاها أربًا. ألمها ضميرها فهي من أقترحت التسوق، ولو لم يكن هي لكان فارس الآن في أحضان والدته.

***

نهض مراد فزعًا من نومه على دقات صاخبه على باب المنزل، خرج مسرعًا بينما والدته فكانت تتحرك ببطء بسبب مقعدها المتحرك.

 فتح الباب ليجد نميس وشهد التي ألقت بنفسها في أحضانه وهي تردد بهستيريه:-

-ابني راح خلاص، ابني راح يا مراد.

صاح مراد بينما يضمها محاولا أن يبث الطمأنينه بداخلها:-

-إيه اللي حصل؟

قصت نميس عليه ما حدث وكيف إن مدير المول قد أبلغ الشرطة ولكنهما ذهبتا قبل مجيئهم فشهد كانت في حالة مؤلمة من الهستيريا. 

-أهدي يا شهد، ابنك حيرجع متخافيش.

-ابن مين؟!

ألتفتوا إلى ليث الذي يقف أمام باب المنزل، وما أن رأته شهد حتى أسرعت إليه وتشبثت بثيابه تتوسله:-

-ابننا راح يا ليث، رجعهولي أبوس إيدك.

أردفت في هذيان:-

-ده كان عايز يشوفك، كنت حاخده يشوفك بس دلوقتي راح.

وقف مذهولا ثم تمتم في صدمه:-

-ابني!

جذبه مراد قائلا:-

-تعالى معايا، نميس خليكي مع شهد.

احتضنت نميس شهد والتي كانت مستمره في البكاء بينما تردد في حسره وألم:-

-ابني ضاع...ابني راح خلاص. رجعولي ابني، رجعولي فارس.


نهاية الفصل الخامس عشر

#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات



الفصل السابع عشر


ركضت نميس في ردهة المشفى بحثًا عن غرفة مراد ودموعها لم تجف لحظة منذ أن تم اختطاف شهد أمامها. 

وجدت شهد التي أحمرت عيناها من البكاء، نظرت إليها وقد شعرت بالأطمئنان إنها بخير ثم نظرت من حولها وبدأت الظنون تهاجمها خاصة مع صمت شهد وبكائها.

تسائلت في خوف:-

-مراد فين؟

أحتضنتها شهد بقوة وقالت ببكاء:-

-مراد دخل في غيبوبه.

أجهشت نميس ببكاء عنيف يمزق نياط القلب وهي لا تنفك تردد:-

-لأ، لأ...مراد...

حاولت شهد أن تهدئها، ولكن كيف تفعل وهي نفسها تتألم فطفلها سوف يعاني من أثار ذلك اليوم طويلا، ومراد فقد تركها وحيدة تجابه تلك الصعاب.

***

 أصرت والدة ليث أن تحضر لرؤية مراد رغم إنه لا يشعر بما حوله ولكنها أم يهفو قلبها للإطمئنان على ابنها، أخبرها ليث عن وجود طفله، وبرغم أعتراضها وغضبها إلا إن قلبها قد خفق لحفيدها فقد كان يشبه أبيه عندما كان صغيرًا.

كانت شهد تتجنب البقاء مع والدة ليث، وعندما تأتي الأخيره لرؤية مراد أو فارس تغادر الغرفة ولا تعود حتى تذهب ليس غضبًا منها ولكنها فقط لا تريد مضايقتها خاصة وإنها تدرك مشاعرها تجاهها.

***

 مر يومان على ذلك اليوم تحسن فارس ولكن الطبيب يفضل بقائه قليلا تحت الرعاية بينما مراد فلم يتغير شيء مازال في غيبوبته.

نظر ليث إلى مراد الساكن وقد قتله الألم، هو لم يخبره بعد إنه سامحه ويدرك الآن إنه لم يتعمد إيذائه، فقط يرغب في عودته وسوف يخبره بكل هذا، يشتاق إليه. 

 بينما المعز فكان ينظر إليهما من خلف الزجاج، ربما يظن ليث إنه بارد المشاعر يحركه انتقامه فقط، ولكنه فقط أب يقتله الأسى لحالة ابنته، وزوج انكسر لفقدان زوجته. مراد ليس صديقًا فقط بل أخًا أيضًا فطالما وقف بجواره.

ربما أخطأ عندما أدخله في لعبة انتقامه، ولكنه فقط كان يريد العدالة من أجل زوجته.

خرج ليث من غرفة مراد ليجد المعز نظر إليه بكراهية وقال بغضب:-

-عايز إيه تاني؟ مش كفايه أخويا بيموت بسببك.

قال المعز بجدية، وربما لأول مره يرى ليث في نظراته الألم:-

-مراد مش بس صاحبي، كان دايمًا جنبي وورايا في كل حاجه. بس أنا أب، أنت شوفت ابنك صح؟ تعمل إيه لو حد فكر يأذيه أو يأذي حبيبتك أم ابنك؟ 

رد ليث بشراسة مدفوعًا بمشاعره:-

-ده أنا أقتله وأشرب من دمه.

قال بسخرية:-

-هوه ده اللي عملته، خليتهم يدفعوا تمن اللي عملوه في مراتي أم بنتي.

اغرورقت عيناه بدموع غاضبة وهو يتابع:-

-بنتي هنا في المستشفى الدور اللي تحت فاقده النطق من ساعة اللي حصل لمامتها. بعد جواز مراد من شهد بحوالي أربع سنين كنت ساعتها بدأت أخرج من حالتي قابلته وساعتها مكنش قادر برضو يسامحك على اللي عملته في شهد وأنا للأسف استغليت ده، أنا بعترف إني استغليت حبه ليك وإنه عايز يبعدك عن الطريق اللي فضلت ماشي فيه...

أردف في صدق بينما يواجه نظراته:-

-بس أنا مش ندمان أبدًا، ولو كنت متورط مع عصام كنت حخليك تحصله ومكنتش حهتم أنت مين، أنا في الآخر أب وزوج، ومكنتش حسمح إن حق مراتي أم بنتي يضيع.

قال ليث ببرود:-

-ده مش مبرر لاستغلالك لأخويا. 

ابتسم المعز وقال بسخريه:-

-لو كنت مكاني كنت هتعمل كده وأسوأ كمان.

أردف بعدما ظهر الأعتراض على ملامح ليث:-

-بلاش تنكر، فكر لو شهد اغتصبوها.

نظر إليه ليث بألم وغضب فتلك الصورة قد مزقته أربًا، فهو لا يستطيع أن يتخيل حياته القادمة بدون شهد وابنه الذي أحبه ما أن وقع نظره عليه لأول مرة.

ضحك المعز بسخرية مريرة وقال:-

-صورة! مجرد صوره خلتك بالشكل ده، موجوع! إنما أنا فده واقعي، حياتي، كابوسي اللي بشوفه علطول. أنا مش بقولك كده علشان أبررلك أو أخليك تشفق عليا. زي ما قولت أنا مش ندمان، وميهمنيش أصلا بتفكر فيا إزاي بس أنا حبيت أفهمك إن أخوك ملوش ذنب، هوه عمره ما فكر يأذيك أبدًا. 

أعقب حديثه بأن تجاوزه إلى داخل غرفة مراد راغبًا في أن يطمئن عليه.

***

كانت نميس تجلس بجوار شهد حتى ينتهي ليث من زيارة أخيه، أصابها خوف عميق من أن تخسره فهي تحبه بل تعشقه فهو أثمن ما لديها، فقد منحها حنانًا وحبًا أغناها عن أي شيء آخر بل كان أحيانًا كأم حنونه تحتويها ثم زوجًا صالحًا على قدر عالي من المسئولية، وقبل كل هذا حبيب رائع يشعر بما يدور في باطنها بدون أن تنطق بحرف واحد.

ربتت شهد على يدها في مواساه بينما هي في أشد الحاجه إليها فطفلها لا تستطيع لقائه الآن طبقا لأوامر الطبيب، ومراد في سبات عميق أما ليث فنظرات اللوم في عينيه تقتلها وتمزقها أربًا، وكأنه يخبرها إنه أيضًا رغب في دور في حياة طفلهما.

 أقبل ليث بسعادة يخبر شهد إن الطبيب قد سمح برؤية فارس، انتفضت سريعًا تهتف في لهفة:-

-بجد يا ليث؟!

-أيوه يا شهد حنشوف ابننا.

دخلت غرفة طفلها لتجده فوق فراشه ووجهه شاحب بينما جسده النحيل فقد أحاطته الضمادات. 

أمسكت كفه برفق خوفًا من أن تؤلمه ليفتح عينيه ويبتسم ببهجة قائلا بطفولية وحزن:-

-ماما وحشتيني أوي بس أنا مش حعرف أحضنك علشان جسمي بيوجعني أوي بس أنا...

اغرورقت عيناه بالدموع وارتجف فمه متابعًا:-

-بس أنا عايز أحضنك.

نظرت إليه بأسى وقد تمزق قلبها حزنًا، حاولت أن تسجن دموعها في حصن عينيها وقالت بحب:-

-معلش يا حبيبي إن شاء الله حتبقى كويس وحترجع تنام في حضني زي زمان، وبعدين أنا جيبالك هديه حتعجبك أوي.

صاح بلهفة:-

-إيه هيه؟

-مش أنت كان نفسك تشوف بابا؟ 

أومأ مرارًا وتكرارًا في لهفة فقالت وهي تنظر إلى السرور واللهفة على ملامحه:-

-بابا واقف بره وعايز يشوفك، إيه رأيك أدخله ولا إيه؟

صاح بلهفة:-

-دخليه يا ماما، دخليه بسرعه.

ثم أوقفها قبل أن تغادر الغرفة متسائلا في قلق:-

-بس تفتكري بابا حيحبني وأنا كده، فيه علامات كتير في جسمي وكمان مش حيعرف يحضني.

ترقرقت الدموع في عينيها وأكدت بحب:-

-أكيد حيحبك يا حبيبي، وبعدين الدكتور قال كام يوم كمان وترجع زي الأول.

خرجت من الغرفة لينظر ليث إليها في فزع عندما لم تستغرق وقتًا طويلا، تسائل في لهفة وقلق:-

-حاجه حصلت لفارس؟

بدون أي مقدمات انفجرت باكية وقالت:-

-خايف متحبهوش؛ علشان العلامات اللي في جسمه.

برقت عيناه بالدموع وقال بمشاعر أيقنت شهد من صدقها:-

-ده ابني وأنا بحبه أوي ومستعد أعمل أي حاجه علشانه حتى لو مش هتصدقي ده.

صمت برهة ثم أردف:-

-عارف إنك موجوعه من إنه حيشيل نتيجة اليوم ده على جسمه، بس ده نصيب ومشاعرنا تجاهه مفيش حاجه حتغيرها.

أومأت شهد ولأول مرة تلمس التغير في ليث، وقد نضجت شخصيته كثيرًا.

***

دخل ليث غرفة طفله شاعرًا بالتوتر للقاء ابنه لأول مرة، ولكن كل ذلك قد تبدد عندما نظر إليه فارس في سعاده متسائلا:-

-أنت بابا بجد؟

اقترب منه يمسك كفه بلطف ثم ابتسم في حنان قائلا بحب:-

-أيوه يا حبيبي أنا بابا.

قال فارس بغضب طفولي:-

-أنا زعلان منك علشان أنت مكنتش بتيجي تشوفنا، وماما لمه عمو مراد سافر كانت علطول بتعيط قبل ما بتنام.

نظر إلى طفله بندم على ما جنته يداه وقال في حزن:-

-آخر مره يا حبيبي،  بابا غلط غلطه كبيره أوي وأوعدك إنه حيصلحها. 

-يعني مش حتسيبني أنا وماما تاني؟ 

ابتسم قائلا بتأكيد:-

-أبدًا.

ضحك بسعاده وقد اختفى كل قلقه وقال:-

-أنا بحبك أوي يا بابا، لمه أرجع المدرسه حوري أصحابي صورتك علشان يعرفوا إن أنا كمان عندي بابا زيهم.

لمس شعره بحنان والذنب يقتله؛ فقد دفع  ابنه ثمن أنانيته وقلة نضجه غاليًا من طفولته، ولكنه سوف يحرص على تعويضه عن كل لحظة مضت.

***

نظر المعز بأسى إلى طفلته النائمه، قبل جبينها هامسًا بحزن واشتياق:-

-وحشني صوتك أوي يا حبيبتي.

منذ مقتل والدتها أمام ناظرها ولم تنطق بحرف. يتذكر عندما أبعدوه عنوة عن جثمان زوجته ثم أخرجوه من الغرفة لينتبه حينها إلى ابنته الجالسه أرضًا لا تتحرك، ومنذ ذلك اليوم وهي على ذلك الفراش. 

طفلته الصغيرة...قد أشتاق لرؤية عينيها الجميلتين التي تشبه عين والدتها، وسماع ضحكتها الطفولية العابثه.

يتملكه خوف عميق من أن يفقدها كما فقد والدتها، فحينها سوف يكون ذلك موته.

 قد مر أكثر من عام وهي ماتزال على تلك الحالة، لا يملك إلا هي فها هو حقق أنتقامه وسوف يتعفن الأوغاد في السجن مدى الحياة، وقد تفرغ الآن من أجل رعاية أميرته الصغيرة، وتلك الأنفاس لا تخرج إلا في سبيلها. 

***

خرج ليث من غرفة طفله الذي خلد إلى نوم عميق بعدما أطمأن إن أبوه لن يفارقه.

وجد شهد تجلس أمام غرفة مراد التي تقع بجوارغرفة فارس، وقف بعيدًا يتأملها. كان الحزن قد وضع علاماته بكل وضوح على وجهها والألم في نظراتها.

 تذكر ما أخبره فارس به عن بكائها كل ليلة، هذا ما جنته يداه, هو من فعل بها هذا، جعلها ذلك الحطام، حولها من فتاة بريئة لا ترغب إلا في رعاية والدتها وأشقائها إلى أمرأه حزينة لا تفارقها الدموع أبدًا وكأنه قد كُتب عليها الحزن.

جلس بجوارها في صمت ثم قال بدون أن يملك الشجاعة الكافية لمواجهة نظراتها:-

-عارف إن اللي عملته فيكي مكنش هين وإنك صعب تسامحيني بس أنا ندمان، والله العظيم ندمان, صدقيني من ساعة اللي حصل معايا وأنا اكتشفت مشاعري الحقيقية اللي كنت بتجاهلها لفترة طويلة، أنا بموت في كل يوم، في كل لحظه، وأنتِ مش جنبي. عارف إني المفروض مقولش كده بس أنا بحاول أفهمك اللي أنا حاسه. أنا أسف أوي يا شهد، أسف على كل حاجه عملتها فيكي، وأسف علشان اضطريتي تتجوزي مراد علشان فارس.

صمت برهة ثم نهض من مكانه قائلا:-

-عارف إني مليش الحق إني أطلب منك ده، ومش حلومك لو رفضتي بس ممكن تحاولي تسامحيني وتقبلي ترجعيلي؟ أنا محتاجك أنتي وفارس في حياتي. أنا اتغيرت صدقيني، مبقتش ليث الفاسق اللي مش بيهمه حد. بقيت حد تاني، حد بيحب وبيهتم...أنا مش حضغط عليكي، ووقت لمه تاخدي قرارك قوليلي.

غادر ليطمئن على أخيه بينما هي فقد اضطربت مشاعرها لا تعرف ماذا تفعل، أتوافق؟! فقلبها مازال يخفق من أجله ولكن ماذا عن والدته؟ فهي لن تتقبلها رغم حبها لفارس فسوف تظل في نظرها الزانيه الفاسقه، ولن تفرق توبتها كثيرًا معها.

نهضت لتذهب إلى غرفة فارس فقد أشتاقت إليه كثيرًا ولعل وجودها معه يخلصها من تلك الحيره.

خلال تلك الفترة المؤلمة كان مراد تحت رعاية نميس التي لم تفارقه إلا عندما يزوره ليث أو المعز ثم تعود إلى مكانها بجواره مرة أخرى تهمس له بكلمات الحب التي تاق ليسمعها منها، تنتظر الرد منه، تشتاق إلى مداعباته وحبه الذي يبثها إياه في كل مرة يقابلها.

***

جلس ليث بجوار فراش أخيه ثم قال:-

-النهارده اتكلمت مع شهد، طلبت منها تسامحني وترجعلي. أنا خايف أوي متوافقش، عارف في اليوم اللي قولتلي فيه عن نميس وإن شهد زي أختك، ساعتها فرحت أوي وكأنك ادتني تصريح بأني أحبها، أحلم بيها من غير إحساسي بالذنب اللي كان بيقتلني. أرجع يا مراد أنا تايه أوي من غيرك. أنا محتاجلك أوي فبلاش تغيب كتير،عارف نميس مش بتفارقك خالص عرفت تختار صح، بتحبك أوي.

صمت برهة ثم ابتسم بخفة متابعًا:-

-أنا كمان اتكلمت مع فارس، فرح أوي لمه عرف إني باباه، تعرف أنا اتصدمت لمه شوفته شبهي أوي لمه كنت صغير صح؟ بس طالع ذكي زيك.

ضحك بمرارة ثم دمعت عيناه وهو يقول:-

-أنا أصلا مش عايزه يبقى زيي، غبي ومش بيتعلم إلا بعد ما يدوق العذاب، عايزه زيك بيتحمل المسئوليه وعارف يعني إيه حب، يعني إيه تحب واحده وتبقى راجل قد كلمتك معاها وتحافظ عليها.

أردف بمرح زائف:-

-بس مش عايزه يبقى متسرع وياخد قرارات بسرعه مدفوع بمشاعره.

انهمرت دموعه وقال:-

-أنا السبب في كل ده، رغبتك في إنك تساعدني خليتك تاخد قررارت سريعة منها تورطك مع الحسيني، واللي وصلك لهنا. اتمنى إنك تصحى علشان أعتذرلك بنفسي.

جفف دموعه التي سقطت سهوًا أثناء حديثه ثم نهض مغادرًا الغرفه يتمتم:-

-يا رب نجيه، بلاش تعاقبني بإنك تاخده مني...أنا طمعان في رحمتك يا رب.

***

 جلست بجوار فراشه تحتضن كفه بحنان والدموع تنهمر فوق وجنتيها، همست في حب:-

-وحشتني يا مراد، إيه أنا موحشتكش ولا إيه؟!

 أردفت في حزن:-

-أنا تايهه من غيرك، لا عارفه أذاكر ولا أعمل أي حاجه، عارف أنا ممكن بتلامض معاك شويه بس أنت أصلا أماني، أنا مليش غيرك...اه بابا ربنا يخليه بس أنت غير، أنت حياتي كلها، أنا من غيرك ولا حاجه. أنت الوحيد اللي دايمًا بتخليني واثقه من نفسي. دايمًا بتقولي ذاكري كويس، مستقبلك أهم حاجه أهم مني شخصيًا، لازم طبعًا تشتغلي هوه أنتِ آخده الشهاده علشان تقعدي في البيت أنا أصلا عايزك في أعلى مكانه علشان اتباهى بيكي وسط الناس.

اجهشت بالبكاء بينما تتابع:-

-دايمًا بتقولي إنك فخور بيا بس أنا نسيت أقولك إني فخوره بيك أوي، فخوره إنك أخترتني أكون مراتك...ارجعلي يا مراد أنا من غيرك ممكن أموت.

***

بعد عدة أيام لم يتغير شيء مازال مراد في غيبوبته، ولكن فارس قد تحسن كثيرًا فلم يعد يشعر بتلك الآلام في جسمه برغم سعادة شهد بهذا إلا إنها تتألم كثيرًا عندما تجد علامات الضرب على جسده.

***

قرر ليث أن يذهب إلى غرفة ابنة المعز ليطمئن عليها، وفي صمت شعرت شهد بالإعجاب تجاه موقفه رغم دهشتها، وقد كان شعور المعز مماثلا فلم يستطيع إخفاء دهشته عندما دلف ليث إلى غرفة ابنته يمسك كف ابنه وشهد تجاوره.

 قال ليث:-

-كنا عايزين نطمن عليك وعلى بنوتك.

ابتسم المعز ثم احتضن ليث في مبادرة سلام.

ابتسمت شهد بسعادة وهي تفكر إن مراد عندما يستيقظ من غيبوبته سوف يسعد بهذا كثيرًا.

قال فارس فجأة بينما ينظر إلى الطفلة النائمه:-

-عمو، هيه اسمها إيه؟

ابتسم المعز بحب، ورمق طفلته في حنان قائلا:-

-إيمان.

ردد فارس اسمها وكأنه يتذوقه:-

-إيمان.

انشغل الكبار بالحديث فقد كان هناك الكثير للتحدث عنه سواء عن قضية الحسيني أو عن ذكريات قديمة جمعت مراد والمعز أو مراد وليث، ولكنهم لم يلاحظوا فارس الذي تشبث بكف إيمان الصغير، وقد أقترب بوجهه من أذنها هامسًا بطفولية:-

-لمه تصحي يا إيمان حخليكي تلعبي معايا بلعبي، وحشتريلك شيكولاته كتير.

 ألتفت إلى والدته التي تناديه استعدادًا للرحيل قائلا:-

-حاضر يا ماما.

ثم خطف قبله من الطفلة الصغيرة وأسرع راكضًا إلى والديه بينما المعز فقد قرر أن يذهب معهم ليطمئن على مراد.

خرجوا جميعًا بدون أن يلحظوا جفن إيمان الذي ارتجف وأصبعها الذي تحرك حركة بسيطة تكاد لا تلحظ.

***                        

ظهر القلق على ملامح شهد بعد عودة ليث وأخبارها بإنه بإمكان فرس المغادرة فبرغم سعادتها بخروج ابنها إلا إنها لا تستطيع مغادرة المشفى بدون مراد.

أقترحت نميس والتي كانت تجلس معهم في غرفة فارس في انتظار خروج المعز من عند مراد:-

-شهد، لو تحبي فارس يقعد مع بابا لغاية لمه مراد يقوم بالسلامه، أنتِ عارفه بابا بيحب فارس إزاي.

أجاب ليث سريعًا بدلا من شهد:-

-فارس حيقعد مع والدتي، شكرًا يا نميس.

 ثم نظر إلى شهد وأردف مطمئنًا إياها قبل أن تنطق بالإعتراض الصامت في نظراتها:-

-هيه بتحبه وحتاخد بالها منه أكيد.

أومأت شهد بالموافقه ثم أخذت تتأمل طفلها في حنان وقد بدى عليه التركيز الشديد في اللعبه بين يديه. 

***

بعد دقائق أقبل المعز قائلا:-

-ليث عايزك ثواني.

خرج ليث معه، ولكن كان القلق قد استولى بالفعل على كلا من شهد ونميس فخرجا خلف ليث ليلاحظا التوتر المفاجأ في المشفى وهرولة الطبيب تجاه غرفة مراد.

 صاح ليث في قلق:-

-إيه اللي حصل لمراد؟

أخفض المعز نظره أرضًا في صمت حتى خرج الطبيب من غرفة مراد قائلا في أسف بارد:-

-أعتذر، لقد توفى المريض.

صرخت نميس بشدة وأجهشت ببكاء عنيف يرج الأوصال بينما شهد فقد انهمرت دموعها ببطء فوق وجنتيها ولم تعد قدماها تتحمل الوقوف فانزلقت تجلس أرضًا. 

شعر ليث وكأن الزمن قد توقف، لا يشعر بما حوله، بكاء شهد...انهيار نميس...لا شيء، فقط ألم يمزق قلبه أربًا. مراد قد مات! تكررت مرارًا و تكرارًا في ذهنه لعله يستوعب معناها، كيف له أن يموت وقد توسل إليه أن يعود؟!

ركض إلى خارج المشفى شاعرًا بالأختناق وكأن الهواء قد نفذ، أخذ يشهق وتسارعت أنفاسه كأنه كان يجري أميالا ثم سقط أرضًا على ركبتيه يبكي بحرقة... لقد انتهى الأمر، فأخيه قد مات بدون أن يعرف كم يحبه، وكم يحتاج إليه كما فعل دومًا.


نهاية الفصل السابع عشر

#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات




الفصل السابع عشر


ركضت نميس في ردهة المشفى بحثًا عن غرفة مراد ودموعها لم تجف لحظة منذ أن تم اختطاف شهد أمامها. 

وجدت شهد التي أحمرت عيناها من البكاء، نظرت إليها وقد شعرت بالأطمئنان إنها بخير ثم نظرت من حولها وبدأت الظنون تهاجمها خاصة مع صمت شهد وبكائها.

تسائلت في خوف:-

-مراد فين؟

أحتضنتها شهد بقوة وقالت ببكاء:-

-مراد دخل في غيبوبه.

أجهشت نميس ببكاء عنيف يمزق نياط القلب وهي لا تنفك تردد:-

-لأ، لأ...مراد...

حاولت شهد أن تهدئها، ولكن كيف تفعل وهي نفسها تتألم فطفلها سوف يعاني من أثار ذلك اليوم طويلا، ومراد فقد تركها وحيدة تجابه تلك الصعاب.

***

 أصرت والدة ليث أن تحضر لرؤية مراد رغم إنه لا يشعر بما حوله ولكنها أم يهفو قلبها للإطمئنان على ابنها، أخبرها ليث عن وجود طفله، وبرغم أعتراضها وغضبها إلا إن قلبها قد خفق لحفيدها فقد كان يشبه أبيه عندما كان صغيرًا.

كانت شهد تتجنب البقاء مع والدة ليث، وعندما تأتي الأخيره لرؤية مراد أو فارس تغادر الغرفة ولا تعود حتى تذهب ليس غضبًا منها ولكنها فقط لا تريد مضايقتها خاصة وإنها تدرك مشاعرها تجاهها.

***

 مر يومان على ذلك اليوم تحسن فارس ولكن الطبيب يفضل بقائه قليلا تحت الرعاية بينما مراد فلم يتغير شيء مازال في غيبوبته.

نظر ليث إلى مراد الساكن وقد قتله الألم، هو لم يخبره بعد إنه سامحه ويدرك الآن إنه لم يتعمد إيذائه، فقط يرغب في عودته وسوف يخبره بكل هذا، يشتاق إليه. 

 بينما المعز فكان ينظر إليهما من خلف الزجاج، ربما يظن ليث إنه بارد المشاعر يحركه انتقامه فقط، ولكنه فقط أب يقتله الأسى لحالة ابنته، وزوج انكسر لفقدان زوجته. مراد ليس صديقًا فقط بل أخًا أيضًا فطالما وقف بجواره.

ربما أخطأ عندما أدخله في لعبة انتقامه، ولكنه فقط كان يريد العدالة من أجل زوجته.

خرج ليث من غرفة مراد ليجد المعز نظر إليه بكراهية وقال بغضب:-

-عايز إيه تاني؟ مش كفايه أخويا بيموت بسببك.

قال المعز بجدية، وربما لأول مره يرى ليث في نظراته الألم:-

-مراد مش بس صاحبي، كان دايمًا جنبي وورايا في كل حاجه. بس أنا أب، أنت شوفت ابنك صح؟ تعمل إيه لو حد فكر يأذيه أو يأذي حبيبتك أم ابنك؟ 

رد ليث بشراسة مدفوعًا بمشاعره:-

-ده أنا أقتله وأشرب من دمه.

قال بسخرية:-

-هوه ده اللي عملته، خليتهم يدفعوا تمن اللي عملوه في مراتي أم بنتي.

اغرورقت عيناه بدموع غاضبة وهو يتابع:-

-بنتي هنا في المستشفى الدور اللي تحت فاقده النطق من ساعة اللي حصل لمامتها. بعد جواز مراد من شهد بحوالي أربع سنين كنت ساعتها بدأت أخرج من حالتي قابلته وساعتها مكنش قادر برضو يسامحك على اللي عملته في شهد وأنا للأسف استغليت ده، أنا بعترف إني استغليت حبه ليك وإنه عايز يبعدك عن الطريق اللي فضلت ماشي فيه...

أردف في صدق بينما يواجه نظراته:-

-بس أنا مش ندمان أبدًا، ولو كنت متورط مع عصام كنت حخليك تحصله ومكنتش حهتم أنت مين، أنا في الآخر أب وزوج، ومكنتش حسمح إن حق مراتي أم بنتي يضيع.

قال ليث ببرود:-

-ده مش مبرر لاستغلالك لأخويا. 

ابتسم المعز وقال بسخريه:-

-لو كنت مكاني كنت هتعمل كده وأسوأ كمان.

أردف بعدما ظهر الأعتراض على ملامح ليث:-

-بلاش تنكر، فكر لو شهد اغتصبوها.

نظر إليه ليث بألم وغضب فتلك الصورة قد مزقته أربًا، فهو لا يستطيع أن يتخيل حياته القادمة بدون شهد وابنه الذي أحبه ما أن وقع نظره عليه لأول مرة.

ضحك المعز بسخرية مريرة وقال:-

-صورة! مجرد صوره خلتك بالشكل ده، موجوع! إنما أنا فده واقعي، حياتي، كابوسي اللي بشوفه علطول. أنا مش بقولك كده علشان أبررلك أو أخليك تشفق عليا. زي ما قولت أنا مش ندمان، وميهمنيش أصلا بتفكر فيا إزاي بس أنا حبيت أفهمك إن أخوك ملوش ذنب، هوه عمره ما فكر يأذيك أبدًا. 

أعقب حديثه بأن تجاوزه إلى داخل غرفة مراد راغبًا في أن يطمئن عليه.

***

كانت نميس تجلس بجوار شهد حتى ينتهي ليث من زيارة أخيه، أصابها خوف عميق من أن تخسره فهي تحبه بل تعشقه فهو أثمن ما لديها، فقد منحها حنانًا وحبًا أغناها عن أي شيء آخر بل كان أحيانًا كأم حنونه تحتويها ثم زوجًا صالحًا على قدر عالي من المسئولية، وقبل كل هذا حبيب رائع يشعر بما يدور في باطنها بدون أن تنطق بحرف واحد.

ربتت شهد على يدها في مواساه بينما هي في أشد الحاجه إليها فطفلها لا تستطيع لقائه الآن طبقا لأوامر الطبيب، ومراد في سبات عميق أما ليث فنظرات اللوم في عينيه تقتلها وتمزقها أربًا، وكأنه يخبرها إنه أيضًا رغب في دور في حياة طفلهما.

 أقبل ليث بسعادة يخبر شهد إن الطبيب قد سمح برؤية فارس، انتفضت سريعًا تهتف في لهفة:-

-بجد يا ليث؟!

-أيوه يا شهد حنشوف ابننا.

دخلت غرفة طفلها لتجده فوق فراشه ووجهه شاحب بينما جسده النحيل فقد أحاطته الضمادات. 

أمسكت كفه برفق خوفًا من أن تؤلمه ليفتح عينيه ويبتسم ببهجة قائلا بطفولية وحزن:-

-ماما وحشتيني أوي بس أنا مش حعرف أحضنك علشان جسمي بيوجعني أوي بس أنا...

اغرورقت عيناه بالدموع وارتجف فمه متابعًا:-

-بس أنا عايز أحضنك.

نظرت إليه بأسى وقد تمزق قلبها حزنًا، حاولت أن تسجن دموعها في حصن عينيها وقالت بحب:-

-معلش يا حبيبي إن شاء الله حتبقى كويس وحترجع تنام في حضني زي زمان، وبعدين أنا جيبالك هديه حتعجبك أوي.

صاح بلهفة:-

-إيه هيه؟

-مش أنت كان نفسك تشوف بابا؟ 

أومأ مرارًا وتكرارًا في لهفة فقالت وهي تنظر إلى السرور واللهفة على ملامحه:-

-بابا واقف بره وعايز يشوفك، إيه رأيك أدخله ولا إيه؟

صاح بلهفة:-

-دخليه يا ماما، دخليه بسرعه.

ثم أوقفها قبل أن تغادر الغرفة متسائلا في قلق:-

-بس تفتكري بابا حيحبني وأنا كده، فيه علامات كتير في جسمي وكمان مش حيعرف يحضني.

ترقرقت الدموع في عينيها وأكدت بحب:-

-أكيد حيحبك يا حبيبي، وبعدين الدكتور قال كام يوم كمان وترجع زي الأول.

خرجت من الغرفة لينظر ليث إليها في فزع عندما لم تستغرق وقتًا طويلا، تسائل في لهفة وقلق:-

-حاجه حصلت لفارس؟

بدون أي مقدمات انفجرت باكية وقالت:-

-خايف متحبهوش؛ علشان العلامات اللي في جسمه.

برقت عيناه بالدموع وقال بمشاعر أيقنت شهد من صدقها:-

-ده ابني وأنا بحبه أوي ومستعد أعمل أي حاجه علشانه حتى لو مش هتصدقي ده.

صمت برهة ثم أردف:-

-عارف إنك موجوعه من إنه حيشيل نتيجة اليوم ده على جسمه، بس ده نصيب ومشاعرنا تجاهه مفيش حاجه حتغيرها.

أومأت شهد ولأول مرة تلمس التغير في ليث، وقد نضجت شخصيته كثيرًا.

***

دخل ليث غرفة طفله شاعرًا بالتوتر للقاء ابنه لأول مرة، ولكن كل ذلك قد تبدد عندما نظر إليه فارس في سعاده متسائلا:-

-أنت بابا بجد؟

اقترب منه يمسك كفه بلطف ثم ابتسم في حنان قائلا بحب:-

-أيوه يا حبيبي أنا بابا.

قال فارس بغضب طفولي:-

-أنا زعلان منك علشان أنت مكنتش بتيجي تشوفنا، وماما لمه عمو مراد سافر كانت علطول بتعيط قبل ما بتنام.

نظر إلى طفله بندم على ما جنته يداه وقال في حزن:-

-آخر مره يا حبيبي،  بابا غلط غلطه كبيره أوي وأوعدك إنه حيصلحها. 

-يعني مش حتسيبني أنا وماما تاني؟ 

ابتسم قائلا بتأكيد:-

-أبدًا.

ضحك بسعاده وقد اختفى كل قلقه وقال:-

-أنا بحبك أوي يا بابا، لمه أرجع المدرسه حوري أصحابي صورتك علشان يعرفوا إن أنا كمان عندي بابا زيهم.

لمس شعره بحنان والذنب يقتله؛ فقد دفع  ابنه ثمن أنانيته وقلة نضجه غاليًا من طفولته، ولكنه سوف يحرص على تعويضه عن كل لحظة مضت.

***

نظر المعز بأسى إلى طفلته النائمه، قبل جبينها هامسًا بحزن واشتياق:-

-وحشني صوتك أوي يا حبيبتي.

منذ مقتل والدتها أمام ناظرها ولم تنطق بحرف. يتذكر عندما أبعدوه عنوة عن جثمان زوجته ثم أخرجوه من الغرفة لينتبه حينها إلى ابنته الجالسه أرضًا لا تتحرك، ومنذ ذلك اليوم وهي على ذلك الفراش. 

طفلته الصغيرة...قد أشتاق لرؤية عينيها الجميلتين التي تشبه عين والدتها، وسماع ضحكتها الطفولية العابثه.

يتملكه خوف عميق من أن يفقدها كما فقد والدتها، فحينها سوف يكون ذلك موته.

 قد مر أكثر من عام وهي ماتزال على تلك الحالة، لا يملك إلا هي فها هو حقق أنتقامه وسوف يتعفن الأوغاد في السجن مدى الحياة، وقد تفرغ الآن من أجل رعاية أميرته الصغيرة، وتلك الأنفاس لا تخرج إلا في سبيلها. 

***

خرج ليث من غرفة طفله الذي خلد إلى نوم عميق بعدما أطمأن إن أبوه لن يفارقه.

وجد شهد تجلس أمام غرفة مراد التي تقع بجوارغرفة فارس، وقف بعيدًا يتأملها. كان الحزن قد وضع علاماته بكل وضوح على وجهها والألم في نظراتها.

 تذكر ما أخبره فارس به عن بكائها كل ليلة، هذا ما جنته يداه, هو من فعل بها هذا، جعلها ذلك الحطام، حولها من فتاة بريئة لا ترغب إلا في رعاية والدتها وأشقائها إلى أمرأه حزينة لا تفارقها الدموع أبدًا وكأنه قد كُتب عليها الحزن.

جلس بجوارها في صمت ثم قال بدون أن يملك الشجاعة الكافية لمواجهة نظراتها:-

-عارف إن اللي عملته فيكي مكنش هين وإنك صعب تسامحيني بس أنا ندمان، والله العظيم ندمان, صدقيني من ساعة اللي حصل معايا وأنا اكتشفت مشاعري الحقيقية اللي كنت بتجاهلها لفترة طويلة، أنا بموت في كل يوم، في كل لحظه، وأنتِ مش جنبي. عارف إني المفروض مقولش كده بس أنا بحاول أفهمك اللي أنا حاسه. أنا أسف أوي يا شهد، أسف على كل حاجه عملتها فيكي، وأسف علشان اضطريتي تتجوزي مراد علشان فارس.

صمت برهة ثم نهض من مكانه قائلا:-

-عارف إني مليش الحق إني أطلب منك ده، ومش حلومك لو رفضتي بس ممكن تحاولي تسامحيني وتقبلي ترجعيلي؟ أنا محتاجك أنتي وفارس في حياتي. أنا اتغيرت صدقيني، مبقتش ليث الفاسق اللي مش بيهمه حد. بقيت حد تاني، حد بيحب وبيهتم...أنا مش حضغط عليكي، ووقت لمه تاخدي قرارك قوليلي.

غادر ليطمئن على أخيه بينما هي فقد اضطربت مشاعرها لا تعرف ماذا تفعل، أتوافق؟! فقلبها مازال يخفق من أجله ولكن ماذا عن والدته؟ فهي لن تتقبلها رغم حبها لفارس فسوف تظل في نظرها الزانيه الفاسقه، ولن تفرق توبتها كثيرًا معها.

نهضت لتذهب إلى غرفة فارس فقد أشتاقت إليه كثيرًا ولعل وجودها معه يخلصها من تلك الحيره.

خلال تلك الفترة المؤلمة كان مراد تحت رعاية نميس التي لم تفارقه إلا عندما يزوره ليث أو المعز ثم تعود إلى مكانها بجواره مرة أخرى تهمس له بكلمات الحب التي تاق ليسمعها منها، تنتظر الرد منه، تشتاق إلى مداعباته وحبه الذي يبثها إياه في كل مرة يقابلها.

***

جلس ليث بجوار فراش أخيه ثم قال:-

-النهارده اتكلمت مع شهد، طلبت منها تسامحني وترجعلي. أنا خايف أوي متوافقش، عارف في اليوم اللي قولتلي فيه عن نميس وإن شهد زي أختك، ساعتها فرحت أوي وكأنك ادتني تصريح بأني أحبها، أحلم بيها من غير إحساسي بالذنب اللي كان بيقتلني. أرجع يا مراد أنا تايه أوي من غيرك. أنا محتاجلك أوي فبلاش تغيب كتير،عارف نميس مش بتفارقك خالص عرفت تختار صح، بتحبك أوي.

صمت برهة ثم ابتسم بخفة متابعًا:-

-أنا كمان اتكلمت مع فارس، فرح أوي لمه عرف إني باباه، تعرف أنا اتصدمت لمه شوفته شبهي أوي لمه كنت صغير صح؟ بس طالع ذكي زيك.

ضحك بمرارة ثم دمعت عيناه وهو يقول:-

-أنا أصلا مش عايزه يبقى زيي، غبي ومش بيتعلم إلا بعد ما يدوق العذاب، عايزه زيك بيتحمل المسئوليه وعارف يعني إيه حب، يعني إيه تحب واحده وتبقى راجل قد كلمتك معاها وتحافظ عليها.

أردف بمرح زائف:-

-بس مش عايزه يبقى متسرع وياخد قرارات بسرعه مدفوع بمشاعره.

انهمرت دموعه وقال:-

-أنا السبب في كل ده، رغبتك في إنك تساعدني خليتك تاخد قررارت سريعة منها تورطك مع الحسيني، واللي وصلك لهنا. اتمنى إنك تصحى علشان أعتذرلك بنفسي.

جفف دموعه التي سقطت سهوًا أثناء حديثه ثم نهض مغادرًا الغرفه يتمتم:-

-يا رب نجيه، بلاش تعاقبني بإنك تاخده مني...أنا طمعان في رحمتك يا رب.

***

 جلست بجوار فراشه تحتضن كفه بحنان والدموع تنهمر فوق وجنتيها، همست في حب:-

-وحشتني يا مراد، إيه أنا موحشتكش ولا إيه؟!

 أردفت في حزن:-

-أنا تايهه من غيرك، لا عارفه أذاكر ولا أعمل أي حاجه، عارف أنا ممكن بتلامض معاك شويه بس أنت أصلا أماني، أنا مليش غيرك...اه بابا ربنا يخليه بس أنت غير، أنت حياتي كلها، أنا من غيرك ولا حاجه. أنت الوحيد اللي دايمًا بتخليني واثقه من نفسي. دايمًا بتقولي ذاكري كويس، مستقبلك أهم حاجه أهم مني شخصيًا، لازم طبعًا تشتغلي هوه أنتِ آخده الشهاده علشان تقعدي في البيت أنا أصلا عايزك في أعلى مكانه علشان اتباهى بيكي وسط الناس.

اجهشت بالبكاء بينما تتابع:-

-دايمًا بتقولي إنك فخور بيا بس أنا نسيت أقولك إني فخوره بيك أوي، فخوره إنك أخترتني أكون مراتك...ارجعلي يا مراد أنا من غيرك ممكن أموت.

***

بعد عدة أيام لم يتغير شيء مازال مراد في غيبوبته، ولكن فارس قد تحسن كثيرًا فلم يعد يشعر بتلك الآلام في جسمه برغم سعادة شهد بهذا إلا إنها تتألم كثيرًا عندما تجد علامات الضرب على جسده.

***

قرر ليث أن يذهب إلى غرفة ابنة المعز ليطمئن عليها، وفي صمت شعرت شهد بالإعجاب تجاه موقفه رغم دهشتها، وقد كان شعور المعز مماثلا فلم يستطيع إخفاء دهشته عندما دلف ليث إلى غرفة ابنته يمسك كف ابنه وشهد تجاوره.

 قال ليث:-

-كنا عايزين نطمن عليك وعلى بنوتك.

ابتسم المعز ثم احتضن ليث في مبادرة سلام.

ابتسمت شهد بسعادة وهي تفكر إن مراد عندما يستيقظ من غيبوبته سوف يسعد بهذا كثيرًا.

قال فارس فجأة بينما ينظر إلى الطفلة النائمه:-

-عمو، هيه اسمها إيه؟

ابتسم المعز بحب، ورمق طفلته في حنان قائلا:-

-إيمان.

ردد فارس اسمها وكأنه يتذوقه:-

-إيمان.

انشغل الكبار بالحديث فقد كان هناك الكثير للتحدث عنه سواء عن قضية الحسيني أو عن ذكريات قديمة جمعت مراد والمعز أو مراد وليث، ولكنهم لم يلاحظوا فارس الذي تشبث بكف إيمان الصغير، وقد أقترب بوجهه من أذنها هامسًا بطفولية:-

-لمه تصحي يا إيمان حخليكي تلعبي معايا بلعبي، وحشتريلك شيكولاته كتير.

 ألتفت إلى والدته التي تناديه استعدادًا للرحيل قائلا:-

-حاضر يا ماما.

ثم خطف قبله من الطفلة الصغيرة وأسرع راكضًا إلى والديه بينما المعز فقد قرر أن يذهب معهم ليطمئن على مراد.

خرجوا جميعًا بدون أن يلحظوا جفن إيمان الذي ارتجف وأصبعها الذي تحرك حركة بسيطة تكاد لا تلحظ.

***                        

ظهر القلق على ملامح شهد بعد عودة ليث وأخبارها بإنه بإمكان فرس المغادرة فبرغم سعادتها بخروج ابنها إلا إنها لا تستطيع مغادرة المشفى بدون مراد.

أقترحت نميس والتي كانت تجلس معهم في غرفة فارس في انتظار خروج المعز من عند مراد:-

-شهد، لو تحبي فارس يقعد مع بابا لغاية لمه مراد يقوم بالسلامه، أنتِ عارفه بابا بيحب فارس إزاي.

أجاب ليث سريعًا بدلا من شهد:-

-فارس حيقعد مع والدتي، شكرًا يا نميس.

 ثم نظر إلى شهد وأردف مطمئنًا إياها قبل أن تنطق بالإعتراض الصامت في نظراتها:-

-هيه بتحبه وحتاخد بالها منه أكيد.

أومأت شهد بالموافقه ثم أخذت تتأمل طفلها في حنان وقد بدى عليه التركيز الشديد في اللعبه بين يديه. 

***

بعد دقائق أقبل المعز قائلا:-

-ليث عايزك ثواني.

خرج ليث معه، ولكن كان القلق قد استولى بالفعل على كلا من شهد ونميس فخرجا خلف ليث ليلاحظا التوتر المفاجأ في المشفى وهرولة الطبيب تجاه غرفة مراد.

 صاح ليث في قلق:-

-إيه اللي حصل لمراد؟

أخفض المعز نظره أرضًا في صمت حتى خرج الطبيب من غرفة مراد قائلا في أسف بارد:-

-أعتذر، لقد توفى المريض.

صرخت نميس بشدة وأجهشت ببكاء عنيف يرج الأوصال بينما شهد فقد انهمرت دموعها ببطء فوق وجنتيها ولم تعد قدماها تتحمل الوقوف فانزلقت تجلس أرضًا. 

شعر ليث وكأن الزمن قد توقف، لا يشعر بما حوله، بكاء شهد...انهيار نميس...لا شيء، فقط ألم يمزق قلبه أربًا. مراد قد مات! تكررت مرارًا و تكرارًا في ذهنه لعله يستوعب معناها، كيف له أن يموت وقد توسل إليه أن يعود؟!

ركض إلى خارج المشفى شاعرًا بالأختناق وكأن الهواء قد نفذ، أخذ يشهق وتسارعت أنفاسه كأنه كان يجري أميالا ثم سقط أرضًا على ركبتيه يبكي بحرقة... لقد انتهى الأمر، فأخيه قد مات بدون أن يعرف كم يحبه، وكم يحتاج إليه كما فعل دومًا.


نهاية الفصل السابع عشر

#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات



الفصل الثامن عشر


  مر أسبوعان على وفاة مراد كان ليث خلالهما لا يخرج من غرفته إلا نادرًا، يجلس فقط فوق فراشه في شرود تام يفكر في أخيه، وكم يفتقده...يشعر بالتحطم بدونه فهو كان الصديق والأخ وأحيانًا الأب. 

ربما غضب منه كثيرًا بعد معرفة الحقيقة، ولكن هذا لا يمنع أن غرضه كان صالحًا، ولا يمكن أن ينكر إنه شاكرًا لأن شهد وطفله قد وجدا من يعتني بهما طيلة تلك السنوات. مراد قد صنع الكثير في سبيله.

تنهد بأسى وهو يتذكر وعده لأخيه أن يبقى مع شهد وفارس، ولكن كيف السبيل إلى هذا، فشهد لم تعطيه جوابًا كما إن شعور بداخله يقتله لمجرد التفكير في أن يجعلها له بدون وجود أخيه بجواره.

***

  قالت نميس بمزيج من الغضب والضيق بينما تجلس في غرفة المعيشة في منزلها:-

-أنت مش شايف إنك زودتها أوي؟

-عارف بس أنا بجد كنت محتاح أبعد، هوه كمان كان محتاج يعيد ترتيب حساباته و...

أحمر وجهها غضبًا، وقاطعته في حنق:-

-بقولك إيه بلاش اللعب بالكلمات معايا، أنت خايف تواجهه مع إني أكدتلك مليون مره إنه سامحك.

ظهر القلق على محياه وتسائل في توتر:-

-أفرضي كان بس بيقول أي كلام من خوفه؟

قالت شهد وقد عادت للتو من الخارج:-

-لا يا مراد مش مجرد كلام، ليث متدمر.

 ثم أردفت بتحذير:-

-لو أنت مرحتلوش يبقى أنا اللي حقوله، أنا مش حسيبه يتعذب كل ده.

ابتسم بسخرية يخفي الخوف الذي يملأ قلبه من لحظة لقائه بأخيه وقال:-

-واقعه أوي.

أحمرت شهد خجلا وقالت بتوتر:-

-أنا حروح أطمن على فارس.

ما أن غادرت شهد حتى قذفت نميس مراد بالوسادة الموضوعه خلفها، وقالت بغيظ:-

-بارد، بتكسف البت ليه؟!

ثم رمقته بحنق وتابعت بجدية قبل أن يرد:-

-حتروح تقابل ليث أمتى؟

تنهد بقلق ثم نهض قائلا:-

-دلوقتي.

ابتسمت بتشجيع ثم لامست يده قائلة:-

-متقلقش، حيسامحك أكيد.

أومأ بقلق وتنهد ثم قال:-

-أتمنى بجد، أنا من غيره ولا حاجه.

بعد مغادرته بدأت نميس تتذكر عندما استيقظ مراد من غيبوبته وفكرته المجنونة المتسرعة ليزيف موته. 

كانت هي والمعز من ساعداه ثم أخبرا شهد بذلك لاحقًا بعد التنفيذ حتى لا تعترض أما والدة ليث فقد أخبروها ولكنها لم توافق إلا بعد محايلات وتأكيدات إن ذلك سوف يساعد في إصلاح العلاقة بين ليث ومراد.

كانت تدرك إنه خائف من المواجهه لذلك رضخت وفعلت ما أراد برغم معرفتها إنه لا يستطيع أن يهرب دائمًا. تنهدت وابتهلت بداخلها أن يسامحه ليث. 

***

كان ليث جالسًا في غرفته كما أعتاد منذ وفاة أخيه، دقات على باب غرفته ظنها والدته فتنهد ثم أذن لها بالدخول ولكن الدقات لم تتوقف مما دفعه ليزفر في ضيق وينهض.

فتح الباب ليجد أمامه مراد الذي ابتسم بكل برود رغم التوتر خلف ابتسامته والقلق البادي في نظراته ثم قال بمرح مصطنع:-

-مفاجأه.

ظل ينظر إليه في ذهول وعدم تصديق ثم وكأنه أستوعب الأمر أخيرًا، رفع قبضته ليهوى بها فوق فك مراد.

وقع  مراد أرضًا من شدة اللكمه بينما ليث صاح بسخرية وهو يرى والدته تقترب من مراد في لوعة:-

-شوفتي يا أمي مراد أهوه، أخويا الميت رجع!

نظر إليه في غيظ شديد وأردف في غضب:-

-تصدق ياض أنا خلاص اتعودت إنك ميت، يبقى حتموت على إيدى.

 ركض مراد في أنحاء الشقه صائحًا في ذعر:-

-ليث، الله يكرمك بلاش ضرب، والله أنا كنت خايف متسامحنيش فقولت أسيبك تهدى فظبطت كل حاجه أول ما فوقت من الغيبوبه.

أمسكه ليث من عنقه ورفع قبضته ليصيح مراد بينما يغلق عينيه في خوف:-

-وشي لأ، الله يكرمك عايز أتجوز.

تفاجأ بعدها بذراعي ليث تحتضنه بقوة، ابتسم بحنان وعانقه مربتًا فوق ظهره برفق. 

بعد برهة أبتعدا وجففا عينيهما الدامعتين بإحراج ثم قال ليث بتحذير:-

-عارف لو...

قاطعه مراد بلهفة:-

-والله آخر مره، حرمت خلاص.

ابتسم ليث ثم عانقه في اشتياق مرة أخرى.

***

بعد ساعات كان الجميع في شقة مراد باستثناء فارس الذي كان مع والد نميس وقد أصر على ذلك برغم عدم إدراكه المشاكل بين مراد وأخيه إلا إنه أعتقد إن الموقف لن يكون مناسبًا لطفل صغير. سيطرت الحيرة على الجميع بسبب طلب مراد في أن يجتمعوا بالأخص شهد ونميس، ولم تدوم تلك الحيرة طويلا حيث نهض مراد فجأة قائلا:-

-الأول فيه حاجه عايزه أوضحها...

ألتفت إلى أمه متابعًا:-

-ماما، شهد مراتي بجد وأعتقد أنتِ اتعرفتي أكترعليها خصوصًا بعد وقوفها جنبي لمه كنت في غيبوبه.

أومأت الأم  في صمت، وربتت على شهد في إعتذار صمت لم تتاح لها الفرصة سابقًا لتقدمه حيث كانت شهد تتجنب رؤيتها دائمًا.

أردف مراد:-

-الحاجه التانيه، نميس تبقى مراتي، مكتوب كتابنا.

 ثم غمز نميس بمرح وقال:-

-حبيبتي الأولى والأخيره رغم لسانها الطويل.

صاحت نميس بغيظ بدون أن تستطيع منع نفسها:-

-ليلتك سودا يا مراد.

ليرسل لها قبلة في الهواء متابعًا:-

-بس بعشقها.

أحمرت خجلا وأخفضت بصرها للأسفل تحت نظرات الجميع المرحة حتى ليث ابتسم بخفه، رمق والدته ليعرف مشاعرها تجاه تصريحات مراد ولكنها بدت مسترخية فقد تعرفت سابقًا على نميس في المشفى وبدأت الحقائق تتضح أمامها خاصة لغز زواج شهد ومراد، يتذكر إنها تقبلت الأمر جيدًا خاصة إن نميس قد طابقت صورة زوجة الأبن التي تطمح إليها.

انتزعه من شروده صوت مراد متابعًا:-

-ثالثًا بقى، المأذون جاي دلوقتي، من معارف حمايا من مصر، وهوه اللي كتب كتابي على نميس.

رمق شهد بحنان قائلا:-

- هتبقي حره خلاص، تعيشي حياتك زي ما أنتِ عايزه، أنتِ في أمان.

جلس القرفصاء أمامها، وامسك كفها برفق هامسًا:-

-بس فيه واحد حيموت ويبقى مكاني جنبك.

أشار إلى أخيه وأردف:-

-بيحبك أوي، هوه اتغير وأنا حبقى مطمن عليكي معاه. 

صمت قليلا ثم ربت فوق وجنتها برفق قائلا بصدق:-

-برضو لو مش عايزه تتجوزي ليث لازم تعرفي إني دايمًا جنبك وحساندك في أي قرار تاخديه.

أومأت شهد ونظرت إليه في شكر صامت، ولم تجد كلمات كافية للتعبيرعن حجم عرفانها بالجميل تجاهه.

كانت الأم تتابع في صمت بدون أن تجرؤ على الأعتراض فليث لن يسامحها إن فعلت، وفي نفس الوقت كانت تدرك في أعماقها إنه ليس بخطأ شهد فقط فكلاهما مشترك في الخطأ الذي دفع ثمنه طفلهما الصغير، وبرغم كل شيء قد أحبت ذلك الصغير كثيرًا، ولعل زواج شهد من ليث سوف يكون الأفضل من أجل حياة الصغير.

بينما ليث ونميس وبرغم معرفتهما بحقيقة العلاقة بين مراد وشهد إلا إنهما لم يستطيعا منع شعور الغيرة من التسلل إلى قلبهما خاصة عندما لامس مراد وجنتي شهد، وقد اتضح ذلك في صوت ليث بينما يقول في ضيق:-

-هوه المأذون أتأخر ليه؟

ابتسم مراد بمكر وهو يرى الغيرة في عيناه وأجاب:-

-زمانه جاي.

بالفعل لم تمر دقائق حتى جاء المأذون وبعد المقدمة المعروفة، وقبل أن يلتفت مراد إلى شهد ليلقي يمين الطلاق، صاحت شهد فجأة في إعتراض:-

-استنى، متنطقهاش.


نهاية الفصل الثامن عشر

#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات



الفصل الأخير


تجمد الجميع عندما نطقت بتلك الكلمات وكأن الزمن قد توقف، وبدأ التوتر يظهر على ملامح ليث بينما الحيره فقد أعتلت ملامح مراد.

شعرت نميس بتوتر وخوف لم تستطيع منعه فمجرد تخيل أن ترفض شهد ترك مرد مزقها أربًا فبرغم مشاعرها الطيبة تجاهها إلا إنها لن تستطيع تحمل أن تبقى شهد في حياة مراد كزوجه. بدأت الظنون تهاجم الجميع، هل شهد ترفض الطلاق من مراد، هل وقعت في حبه؟!

لم تهتم شهد بحيرتهم، وأقتربت من مراد الذي كان ينظر إليها في حيره والتساؤل في نظراته. تضاعف ذهوله عندما أقدمت شهد على آخر فعل يتوقعه فقد ألقت بنفسها بين ذراعيه تضمه بقوة، وهمست بصوت مسموع في صمت الغرفة التي احتلها الذهول:-

-آخر حضن وأنا مراتك، شكرًا أوي لكل حاجه عملتها علشاني، ربنا يسعدك دايمًا.

تطلب الأمر كل سيطرة ليث على نفسه حتى لا ينتزعها من أحضان أخيه بينما نميس فقد كانت تحاول جاهدة ألا تشعر بالغيره ولكنها لا تتحكم في مشاعرها فبرغم زواج شهد ومراد الطويل إلا إنها كانت دائمًا تدرك إن مراد لن يلمسها أبدًا مما كان يجعلها مطمئنه ولكنها سرًا كانت تشعر بالغيره من أي لمسة بريئة من مراد تجاه شهد أمامها، ولكنها كانت تتحكم في ذلك حتى لا تضايقه أو تسبب أي حرج لشهد.

ابتسم مراد وضمها برفق مربتًا فوق ظهرها ثم قال بمشاعر صادقة:-

-أنتِ دايمًا حتفضلي أختي وأنا عمري ما حتخلى عنك.

تنهدت براحة ثم قالت في ثقة:-

-أنا متأكده من ده.

خرجت من بين أحضانه ونظرت إليه مبتسمه وأومأت له ليفعلها فابتسم قائلا:-

-أنتِ طالق بالتلاته.

بينما المأذون فقد تجاوزت دهشته الحدود، فلا أظن أن حالة الرجل العقلية قد تؤهله لعقد أي قران آخر قريبًا، فقد شهد الآن أكثر حالات الطلاق غرابة خاصة إنه ما أن نطق مراد بكلماته حتى تعالت صيحات الفرح والسعاده واحتضن الجميع بعضهم البعض في تهنئة مما ضاعف ذهول وصدمة الرجل. 

بعد ذهاب المأذون اجتمع الجميع يتشاركون الأحاديث بينما مراد فقد كان يغازل نميس خلسة ولكن شهد لاحظته فابتسمت بمرح تدعو بداخلها أن تدوم سعادتهما بدون أن تلاحظ ليث الذي لم يبعد عيناه عنها ثم نهض فجأة بطريقة دفعتهم إلى الإلتفات إليه ولكنه لم يبالي وتقدم تجاه شهد التي ترمقه بنظرات بريئة حائره، وركع أسفل قدميها قائلا بتردد:-

-عارف إني أذيتك بس نفسي تسمحيلي أعوضك، أتجوزيني وأوعدك إني أحبك وأحافظ عليكي طول عمري، دايمًا حتكوني أغلى من حياتي...أنتِ وفارس.

خيم الصمت على الجميع ومع استمرار صمت شهد كان توتر ليث وخوفه يتضاعفان.

كان صمتها يقتله ولكنه لم يسمح لذلك أن يقتل آماله فأردف في إصرار:-

-عارف إنه صعب تثقي فيا بس أنا اتغيرت وحتغير أكتر، حكون شخص أفضل ليكِ ولفارس...أديني بس فرصة واحده، وأوعدك إني ححاول كل جهدي إني أخليكي متندميش.

 نظرت إليه بأعين دامعه وتسائلت في خوف:-

-ولو متغيرتش؟

أردفت في ألم:-

-أنا مش حتحمل، فارس كان السبب اللي خلاني أقدر أعيش طول السنين ديه بس...

ربتت فوق قلبها بقوة وهمست بضعف:-

-ده مش حيستحمل أي حاجه تانيه.

نظرت إلى والدته واستطردت:-

-أنا لسه مذنبه قدام نفسي وكل يوم بطلب العفو والستر من ربنا على الذنب اللي عملته بس...

انهمرت دموعها وهي تتابع:-

-بس أنا مغلطش لوحدي...

اجهشت بالبكاء وهي تهز رأسها وكأن كل الأحداث قد تراكمت عليها حتى انهارت تمامًا.

انهمرت دموعه في صمت وهو يراها أمامه بهذا الضعف بلا حول ولا قوة بدون أن يملك ما يستطيع فعله ليخفف عنها، ولم يملك إلا أن يتوسلها:-

-أحنا غلطنا بس تعالي نحاول نبدأ صح المره ديه.

 نظرت إليه في صمت بينما دموعها لا تتوقف عن الأنهمار ثم رفعت رأسها إلى مراد الذي أومأ لها في تشجيع بينما والدة ليث فقد تقدمت بمقعدها المتحرك وقالت:-

-ابنكم محتاجم سوا.

لم تكن تلك موافقة فعليه من والدة ليث ولكنها أكثر من المتوقع ولذلك فقد أومأت شهد في إيجاب برغم القلق في عينيها والخوف من المجهول ولكن ذلك لم يمنع ليث من أن يبتسم في سعادة متعهدًا أن يكسب ثقتها ويبدد قلقها مع كل خطوة في المستقبل.

***

بعد إنقضاء فترة العدة الخاصة بشهد، فبرغم إن مراد لم يمسها إلا إنها كانت تعيش تحت سقف بيته وتشاركت معه الغرفة في الآونة الأخيرة مما جعل وجوب العدة لها، تم عقد قران كلا من ليث وشهد في شقة مراد بعد إنقضاء الأيام السابقة سريعًا استمرت خلالها شهد في العيش مع نميس ولم تكن ترى ليث إلا عندما يأتي لأصطحاب فارس ليقضي نهاية كل أسبوع في منزله معه ومع والدته. 

تنهد ليث براحة بينما يتأمل ملامحها فقد أصبحت زوجته الآن.

 قال مراد بسخرية وقد لاحظ عدم تحرك ليث من مكانه، فقط يتأمل شهد في نهم وكأنها المرة الأولى التي يراها:-

-أنت يا بني أدم ما تاخد مراتك فسحها ولا أعمل حاجه بدل ما أنت قاعد تبحلق فيها زي ما تكون أول مره تشوفها.

أقترب ليث منها وتسائل في توتر، وكأنها مرته الأولى في التحدث معها، إنه شعور غريب لا يعرف كنهه:-

-تحبي نخرج؟

نظرت شهد في تلقائية إلى مراد لينفجر الأخير ضاحكًا وقال:-

-روحي يا بنتي معاه، أنا خلاص مبقتش ولي أمرك، العبيط اللي قدامك ده هوه اللي شال الليله.

ابتسمت بخجل بينما تنظر إلى ليث الذي مازال يحدق بها بحب. 

***

خيم الصمت لدقائق عند جلوسهما في أحد المطاعم حتى مزق ليث ذلك الصمت الغير مريح متسائلا في قلق من الإجابة:-

-مبسوطه؟

أومأت مبتسمه ثم نظرت إليه وتبددت ابتسامتها بينما تهمس في ندم حقيقي:-

-كان نفسي نبقى من الأول كده، نبتدي صح.

أمسك كفها وقال بندم:-

-أنتِ صح، كان نفسي أول لمسه بينا تبقى في الحلال.

ثم فجأه أردف بحماس:-

-بس لسه فيه وقت، أنتِ عايشه وأنا عايش، ودلوقتي كتبنا الكتاب، أحنا ابتدينا صح يا شهد ولأول مره...

 رفع يده المتشبثه بيدها وتابع:-

-ديه أول لمسه بينا في الحلال.

أومأت وقد برقت عيناها بسعاده وحب اشتاق كثيرًا أن يراه في عينيها.

***

استغل مراد إنشغال والدته بمتابعة فارس، الذي كان يلعب بألعابه أمامها بينما السعادة على ملامحه لزواج والديه، لينتقل للجلوس بجوار نميس على الأريكه ثم همس لها بلهفة:-

-وحشتيني، أحنا مش حنتجوز بقى؟!

قالت بجدية مصطنعة بينما تحاول كتم ضحكاتها:-

-أعتقد إني لازم أتعرف عليك الأول.

صاح في حنق:-

-نعم يا أختي! تتعرفي على مين؟!

ضحكت بمرح ثم نظرت إليه بحب قائله:-

-أنا معاك في اللي أنت عايزه، ومستعده أتجوزك دلوقتي.

ابتسم بحب قائلا:-

-بحبك أوي يا أغلى ما في حياتي.

ابتسمت بخجل وقالت بحياء:-

-وأنا كمان بحبك أوي.

-طيب يلا بينا أوصلك. 

أجابت سريعًا:-

-لا مينفعش، أنا حستنى شهد علشان تيجي معايا.

تسائل في تعجب:-

-وتيجي معاكي ليه؟!

-أنت ناسي إنها مش مراتك.

-أيوه بس هيه ممكن تبات في الأوضه مع ليث.

تسللت ضحكة من بين شفتيها وقالت بمرح:-

-أخوك حيموت عليها، فما بالك بقى لو حطيناها معاه في نفس الأوضه قبل الفرح؟!

ضحك عاليًا وقال بمرح:-

-على رأيك، ده ممكن يفضحنا... خلاص ماشي، خلي شهد معاكي أمان أكتر.

***

جلست شهد بجوار نميس في غرفتها بينما الأخيرة تستجوبها قائلة في لهفه:-

-عايزاكي تحكيلي كل حاجه، فاهمه؟ قال إيه وأنتِ قولتي إيه، بصي أنا بحب التفاصيل.

ضحكت شهد ثم قالت بحب:-

-بحبه أوي يا نميس، وأنا فرحانه أوي بس...

-بس إيه؟!

أردفت شهد في قلق:-

-خايفه في يوم الماضي يدخل بينا، ويندم أو يعايرني بالماضي.

-يعني هوه اللي ملاك! بصي يا حبيبتي متخليش الشيطان يلعب في دماغك. ليث بيحبك والماضي انتهى خلاص، انتوا الأتنين غلطوا بس دفعتوا تمن الغلطه وربنا غفور رحيم بيتقبل توبة عباده، ماشي؟

أردفت في تحذير لطيف:-

-مش عايزاكي تفكري تاني في الموضوع ده، وخلينا دلوقتي نركز على الفرح، هيبقى أمتى صح؟

أجابت شهد بحياء:-

-ليث كان مصمم نعمل فرح، وقال نخليه آخر الأسبوع.

ضحكت نميس وقالت بمرح:-

-ده الواد واقع أوي.

ضحكت شهد ثم قالت:-

-الصراحه متوقعتش أبدًا نعمل فرح أصل أنا...

قاطعتها نميس في توبيخ مرح:-

-بقولك إيه يا شهد كفايه أوي نكد، خلينا نفرح شويه وبعدين أنتِ تستحقي يتعملك أحلى فرح تمام؟

أومأت شهد وابتسمت ثم قالت بتردد:-

-نميس، ليث عايزنا نتجوز في مصر.

-ديه حاجه حلوه يا شهد، وأنتِ كمان كان نفسك ترجعي مصر.

صمتت قليلا تفكر ثم أردفت:-

 -وأنا كمان حرجع معاكي.

ضحكت نميس عندما أحتضنتها شهد بقوة. قالت شهد:-

-شكرًا أوي يا نميس، أنا مهما قلت مش حوفيكي حقك.

-بس يا هبله أحنا أخوات مفيش بينا الكلام ده.

ابتسمت شهد وتنهدت في راحة تشكر الله الذي جعل أناس مثل نميس ومراد في حياتها.

***

عادوا جميعًا إلى مصر، وقد كان المفاجأ هو قدوم المعز معهم خاصة بعدما تحسنت حالة ابنته، مازالت فاقده للنطق ولكنها تتحرك وكم اشتاق لإحتضانها فقرر إعادتها إلى وطنها ربما يساعد ذلك في استعادة قدرتها على الكلام.

كانوا جميعًا منشغلين بإعدادات الزفاف خاصة إن مراد قد استغل عودة نميس ووالدها إلى مصر ليجعل زفافه في نفس اليوم مع ليث، وبرغم اعتراض الأب إلا إنه رضخ في الآخر بعد محايلات نميس ومراد ولكنه سرًا كان يشعر بالسعادة فقد كانت نميس تدفعه إلى الجنون بإصرارها السابق على رفض الزفاف إلا بعد انتهاء دراستها.

***

 بدت كل عروس رائعة الجمال بفستانها الأبيض، وكل واحدة منهما تستعد في غرفة خاصة بها في الفندق الذي سوف يُقام به الزفاف.

تعالت دقات على باب غرفة شهد، وأقبلت إحدى الفتيات قائلة إن ليث في الخارج ويطلب لقاء شهد ضروري.

شعرت بالقلق حتى إنها لم تلاحظ خروج الجميع حتى يمنحوا ليث فرصة الإنفراد بزوجته.

تبدد قلقها ما أن دخل ليث الغرفة وقد ظهرت في عينيه تلك النظرة التي تدفع حمرة الخجل إلى وجهها.

بدى على وجهه الأنبهار بجمال زوجته، أقترب وقبل جبينها بحب لتتسائل بخجل:-

-كنت عايزني في إيه؟

ابتسم بحب وقال:-

-جبتلك هديه، يا رب تعجبك.

تغلبت على خجلها وقالت بحب:-

-أنت وفارس أجمل هديه ليا.

ظهر الحب في عينيه ولامس وجنتيها برفق وكأنه يخشى أن تخدشها خشونة أصابعه.

صمت قليلا يحاول أن يسيطر على تلك الرغبة البدائيه في خطفها وليذهب الزفاف إلى الجحيم ثم قال بمرح وهو يفتح الباب لترى المفاجأه:-

-بس ديه أحلى مني، ومش بعيد أنا وابني نتركن على الرف بعد كده.

شهقت شهد باكية وألقت نفسها بين ذراعي والدتها تقبل يدها ورأسها وتردد:-

-أنا أسفه يا ماما، سامحيني...أنا أسفه أوي.

احتضنتها الأم وقالت:-

-مسمحاكي يا بنتي...مسمحاكي. 

تأمل ليث كلاهما وقال بمرح:-

-كده برضو تعيطي عروستي

نظرت إليه شهد بحب ولولا خجلها ووجود والدتها لما ترددت في إلقاء نفسها بين ذراعيه.

***

بعد الزفاف أخذ كلا عريس عروسته وذهب بها إلى شقته بينما والدة ليث فقد أصرت والدة شهد أن تجعلها تقيم معها حتى عودتهم من شهر العسل أما فارس الصغير فقد وقعت جدته في حبه من النظرة الأولى ودخلت في صراع مع والدة ليث فكلاهما تؤكد إنه يشبه ابنها أو ابنتها.

***

في شقة ليث وشهد، كان ليث يصلي بها ثم أخذ يقرأ الدعاء ليلتفت فيجد شهد تبكي بحرقة أحتضنها بقوة وقد أخذت تردد:-

-أنا أسفه، أنا أسفه.

مسح فوق رأسها بحنان بينما كفه الآخر يربت فوق ظهرها برفق وقال بشرود:-

-وأنا كمان أسف...

تنهد ثم أردف:-

-خلينا نستغفر ربنا، وزي ما اتفقنا أحنا توبنا يا شهد؛ علشان كده ربنا خلى السعاده من نصيبنا وجمعنا مع بعض.

أومأت ثم قالت له بحب:-

-أنا بحبك أوي يا ليث. 

حملها وذهب بها إلى غرفتهما قائلا بعشق:-

-وأنا كمان بموت فيكي.

***

  في شقة مراد ونميس، نظر إليها بعد الإنتهاء من الصلاه بثوبها الأبيض الذي زادها براءة وجمالا. 

لاحظ يديها المتشابكتين بقوة والخوف في عينيها ممزوج بالخجل مما دفعه إلى الابتسام فذلك ليس بعادة حبيبته المشاكسة فقال بمشاكسة وهو يعدل من جلوسه ليكون أكثر قربًا منها:-

-ممكن لو مفيهاش إساءة أدب يعني أشوف شعرك.

نظرت له بدهشة ليتابع:-

-يعني أنا زي جوزك برضو، بعد إذنك يعني.

ابتسمت لمشاكسته وهمت بنزع الحجاب ولكنه أعترض قائلا:-

-لا أنا حفكها، أنا أصلا كان نفسي أتجوز علشان فك الطرحه ده.

ضحكت بينما تراه يحاول بدون جدوى ثم أبعدت يديه وقالت:-

-أنا حفكها في الأوضه، ثواني وجيالك.

انتظر مراد ثواني سرعان ما تحولت إلى دقائق طويلة حتى إنه كاد أن يذهب إليها ليرى سبب تأخرها ليجدها قد عادت، وشعرها ينساب برفق فوق ظهرها.

أقترب يلمسه ويتحسس نعومته التي يوحي بها هيئته، لتوقفه قائلة بتوتر:-

-أنا عايزه أقولك على حاجه. 

-قولي يا حبيبتي.

كان مازال يعبث بخصلات شعرها الناعمة عندما قالت بتوتر:-

-الصراحة ده مش شعري...

جحظت عيناه في دهشة وبدون وعي جذب شعرها بقوة لتتألم مما جعله يعتذر سريعًا:-

-أسف مش قصدي، بس ما هوه مش بيطلع أهوه!

جذبت شعرها من بين يديه بعنف، ورمقته في غيظ قائلة بحنق:-

-أكيد مش هيطلع، ده شعري مش سلفاه يعني.

-مش أنتي اللي بتقولي!

قالت بينما تنظر إليه بضيق:-

-قصدي إني عملاه كرياتين، يعني كمان سنه وحيرجع خشن زي ما كان وبيقف لوحده، همه قالولي مقولكش واعمل كيرياتين كل سنه...

أردفت ببراءة:-

-بس خساره يعني، ليه لاقيه الفلوس في الشارع.

ضحك مراد بقوة ثم طبع قبلة فوق جبينها قائلا:-

-يا حبيبتي أنا مش متجوزك علشان شعرك، أنا حبيت كل حاجه في شخصيتك. أيًا كان بقى شعرك ناعم ولا سلك مواعين أنا حبيت واتدبست خلاص.

نظرت إليه بحب مما دفعه ليقول بمرح:-

-لأ مش حمل البصات ديه. ثم غمزها بعبث:-

-بقولك يا بنت الناس أحنا حنفضل كده؟

قالت بجهل مصطنع:-

-أيوه يعني المفروض نعمل إيه؟! 

-لا أبدًا، استعنا على الشقى بالله.   

و أعقب ذلك بحملها بين ذراعيه ليبدئا حياتهما الزوجية معًا.


نهاية الفصل الأخير

#مُحرمه_عليه

#روان_محمد_بركات

إن شاء الله الخاتمه هتنزل بكره



الخاتمة


بعد مرور أعوام كثيرة، وقد نضج فارس وأصبح شابًا وسيمًا.

وقف أمام المرآه يستعد لزفافه، فاليوم سوف يتحقق حلمه ويتزوج من فتاته الجميلة "إيمان" ابنة المعز صديق كلا من والده وعمه، برغم إنه قد رفض كثيرًا أن يصرح بحبه لها بسبب جسده المشوه ولكن حبيبته الغالية قد فعلت الكثير لتثبت له مشاعرها وحبها الذي يفتخر ويعتز بحصوله عليهما.

أقتحمت شقيقته فريدة الغرفة بصخبها المعتاد تغني بمرح:-

-جوزناه وخلصنا منه، جوزناه وخلصنا منه...

صرخت سريعًا عندما ركض خلفها، طاردها في أنحاء الشقة حتى أسرعت تختبىء خلف والدها الذي أصطبغ شعره باللون الأبيض.

 قالت شهد بملل والتجاعيد ظهرت على وجهها:-

-مش حتكبروا أبدًا، ده شكل واحد حيتجوز النهارده.

قالت فريده بمرح بينما تحتضن والدها أكثر:-

-لو كنتي جوزتيني يا ماما كان زماني ساكته وعاقله مش مجنونه زيه، أنا من رأيي نلغي الفرح لغاية ما يعقل.

ضحكوا جميعًا لعلامات الغيظ البادية على وجه فارس، ونظراته التي تقطر شزرًا تجاه شقيقته.

نظرت إليه شهد بحب فقد نضج طفلها الصغير كثيرًا، لاحظ نظراتها ليركع أمامها يقبل يديها قائلا:-

-ربنا يخليكي ليا يا ماما.

ربتت فوق شعره بحنان ثم نظرت إلى ليث بسعادة وفخر فتلك هي أسرتها الصغيرة، وقد نجحت أخيرًا وحصدت سعادتها، وما جعلها أكثر سعادة هو إنها أيضًا انهت دراستها الجامعية بفضل ليث.

ظهر الحب في عينيها، ونظرت إليه وكأنه أكثر الرجال روعة مع الفخر بإنها زوجته.

***

كان المعز يجلس بجوار كلا من ليث ومراد ثم قال بغيظ لم يستطيع كبحه:-

-أنا بجد مش مصدق، بنتي أنا تتجوز ابنك أنت يا ليث دونًا عن باقي الرجاله!

ضحك مراد بمرح وهو يسمع ليث يجيب ببرود:-

-أنت ناسي إن لولا ابني مكنتش بنتك اتكلمت، ده حتى أول كلمه قالتها كانت اسم ابني.

ضحك مراد قائلا:-

-والله العظيم أنتوا عاملين زي الضراير، أنا رايح لمراتي.

***

وقفت نميس تنظر بسعادة إلى فارس الذي يبدو مفتونًا بعروسته الجميلة أما فريده فهي تجلس بجوار إيمان ترفض التحرك من مكانها مما أظهر الغيظ على ملامح فارس بينما نور ابنتها فهي ترقص مع خطيبها حسام الذي تعب كثيرًا حتى نال رضاها وموافقتها على الخطوبة.

تنهدت بسعادة واكتفاء بينما ترى زوجها مقبلا عليها، أيمكن للحياه أن تكون أفضل من هذا؟!

***

ترقرقت الدموع في عينيها بسعاده وأخذت تحمد الله كثيرًا على تلك السعاده التي منحها إياها. 

أحتضنها ليث من الخلف لتسترخي تستند إلى جسده، قبل قمة رأسها بحب وهمس قائلا:-

-بحبك أوي، من أول لحظة حبيتك.

أجابت بهمس:-

-وأنا بعشقك.

تنهدت قائلة بسعادة:-

-وبعشق العيله الجميلة اللي بدأناها سوا يا ليث.

كانت إجابته أن شدد من إحتضانها بينما يتأمل عائلته في سعادة بالغة.


تمت بحمد الله


ربما يختلف هدف الرواية من بين كل قاريء وآخر ولكن كان هناك هدف رغبت أن اكتب روايتي من أجله، أردت فقط أن أخبركم إن باب التوبة لا يغلق وإنه بعد العسر يسر

لا تخشى الناس فالله قد سترك وغفر لك

لا تستحي أن تطلب العفو من الله فهو عز وجل ينتظر طلبك ليلبيه


 

تعليقات

التنقل السريع