القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية اغتصاب ولكن تحت سقف واحد للكاتبه دعاء عبد الرحمن كامله من الجزء 17 للنهايه مع البرنس محمد السبكي قصص وروايات كامله

الفصل السابع عشر

كان اللقاء فى الحديقه جلست ايمان على مسافه مناسبه من عبد الرحمن وهى تحاول استعادة اى شىء مما كانت تريد قوله ولكن عقلها وكأنه قد اغلق للصيانه ظلت تحاول ان تبدو متماسكه حتى لا تبدو بلهاء فهى من طلبت الجلوس اليه ولكن الحياء كان سيد الموقف شعر عبد الرحمن بما تعانيه فقرر أن يبدا هو قائلا بابتسامته المعهوده:أزيك يا إيمان ..أخبار الورده ايه

أبتلعت ريقها بصعوبه وقالت :الحمد لله..الورده اعتنيت بيها على قد ما اقدر بس فى الاخر دبلت
أومأ برأسه قائلا:اكيد طبعا طالما اتقطفت خلاص ثم أستدرج مداعبا:منه لله الوحش اللى قطفها
أبتسمت رغما عنها فقال بسرعه:بصى يا ايمان انا عاوزك تبقى على راحتك خالص وتكلمينى فى اللى انتى عاوزاه
قالت بتماسك:انا كل اللى كنت عاوزاه انى اقولك على شوية حاجات كده أحب تبقى موجوده فى بيتىوأحب الانسان اللى هعيش معاه يعملها وكنت عاوزه اعرف رأيك فيها
حك ذقنه بتفكير وقال:اممممم ..اتفضلى قولى انا سامعك

أنطلقت فى الحديث بسرعه حتى لا تتوقف فتتراجع فقالت:اول حاجه انا مش عاوزه فى بيتى معاصى علشان ربنا يباركلنا فى حياتنا يعنى انا مش بتفرج الا على القنوات الاسلاميه بس..أنت عارف طبعا الافلام والمسلسلات رجاله وستات أكتر واحده محترمه فيها حاطه ميكب ومتزينه على الاخرده اذا كانت مغطيه شعرها يعنى وبعدين كده مش هيبقى فيه غض بصر لان الراجل هيقعد يتفرج ويطلق بصره على ستات غريبه عنه والست نفس الحكايه وطبعا ده باب من ابواب الفتن
عبد الرحمن :ها وايه كما
ن
تابعت مسترسله :تانى حاجه انا مبسمعش أغانى ومحبش بيتى يشتغل فيه اغانى أنت عارف طبعا ان الرسول عليه الصلاة والسلام قال (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ( وانا مش عاوزه يبقى فى حد فى بيتنا بيستحل المعازف
ابتسم ابتسامه واسعه وقد أعجب بالحديث وقال:يعنى التحريم فى الاغانى ولا فى الموسيقى
قالت بسرعه:لا انا ممكن أكون أخطأت التعبير ..التحريم فى المعازف نفسها لكن بالنسبه للأغانى وكلماتها فده على حسب الكلمات يعنى لو كلمات جميله بتدعو حاجه كويسه ومحترمه هتبقى حلال لكن لو كلمات بتثير الفتن والشهوات فى نفوس المسلمين فطبعا دى تبقى حرام وأعتقد هوده المنتشر وخصوصا فى الزمن ده
ابتسم مره اخرى وقطب جبينه بمرح وقال:طب بالنسبه للنوع التانى اللى بتاع الشهوات ده ينفع الست تغنيه لجوزها بصوتها كده من غير موسيقى

أطرقت برأسها خجلا من مقصد سؤاله ولم ترد ...حاول عبد الرحمن تغير مسار الحديث وقال :ها خلاص كده ولا فى حاجه تانيه
ايمان:حاجه واحده بس...بالنسبه للصور انا مش هعلق صور على الحيطان مهما كانت الصوره دى عزيزة عليا لان الرسول عليه الصلاة والسلام قال ان البيت اللى فيه صوره مش بتدخله الملائكه وطبعا البيت اللى مش بتدخله ملائكه هيبقى فيه ايه غير الشياطين ويمكن ده سبب محدش واخد باله منه للمشاكل الكتير اللى بتحصل فى البيوت

ونظرت اليه فوجدته يستمع لها بتركيز فقالت :هو كلامى ده مضايقك
عبد الرحمن:لا طبعا يضايقنى ايه ده انا مسلم زيى زيك يعنى دى اوامر دينى انا كمان
ابتهجت ايمان وقالت:أفهم من كده انك موافق على الكلام ده

أشرق وجهه بابتسامه عذبه قائلا:تصورى البنات دلوقتى لما تقول عايزة اقعد مع الراجل اللى متقدملى الواحد يتخيل انها هتقعد تتشرط عليه وتطلب بقى اللى هى عايزاه ثم تابع وهو ينظر لها باحترام:حقيقى يا ايمان انا كل يوم باحترمك اكتر ياريت كل البنات يبقى هو ده شغلها الشاغل فى جوازها مش الدهب والجهاز والمؤخر والقايمه وعايزة زى فلانه وهاتلى زى علانه

كان ينتظر منها ردا ولكنها وجدها صمتت فى خجل من أطراءه عليها فقال متابعا:انتى هتدى رأيك النهائى بعد ما تقعدى معايا ...ها رأيك النهائى ايه؟
نهضت وهى تبتسم فى راحه وقالت :هبلغ رايى لإيهاب عن أذنك وعادت الى الداخل فى سرعه بخطوات مرتبكه
كان لهذه الجلسه اثر بالغ فى نفس عبد الرحمن كلماتها جعلته يتأكد من أختيار ابيه انه بالفعل اختار له الزوجه الصالحه التى ستحمل اسمه وتحافظ عليه وخجلها والملامح التى كست وجهها وهى تحدثه جعله يشعر انه له مكان ما فى قلبها نعم كل هذا جعله راضيا اكثر عن هذه الزيجه ولكن مازالت مشاعره تجاهها كما هى

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """" """"

أطلقت اصوات الزغاريد فى بيت آل جاسر بعد تحديد ميعاد العقدين معا فى آن واحد ويوم واحد بعد عشرة ايام
كانت العائله كلها فى سعاده غامره الا اثنين فقط وليد ووالدته التى كانت تأكل الغيره قلبها لكرهها لاولاد أحلام كما تقول دائما ولانها كانت تريد عبد الرحمن لابنتها وفاء أما وليد فقد أظهر عكس ما يبطن تماما فهو بارع فى هذا
وكانت هناك من تستمع للخبر وتقفز فرحا وسعادة وهى تقول فى الهاتف:الف مبروك يا حبيبتى ليكى انتى واخوكى انتى عارفه يا ايمان انا الود ودى انزلك مخصوص بس انتى عارفه بقى عمامك واخدين منى موقف وخايفه حضورى يبوظ الفرح وابقى انا سبب تعاستكم يا بنتى....لا يابنتى مش زعلانه ابدا انا راضيه عنكوا طول عمرى ...ماشى يا حبيبتى انا هتصل على ايهاب واباركله بنفسى ...مع السلامه يا نور عينى
وضعت سماهة الهاتف واستدارت لزوجها بانتصار قائله:شوفت تخطيطى يا عصام ..علشان كنت مش مصدقنى لما قلتلك فلوس العيله دى هترجعلى اضعاف مضاعفه ولحد عندى

صفق لها زوجها عصام بأعجاب وقال:كده ابصوملك بالعشره انتى معلمه
وضعت قدم فوق اخرى وهى تقول باستعلاء:ولسه ..مفضلش غير مريم وتبقى العيله كلها فى جيبى

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """" """""

كانت الايام تمضى بطيئة على البعض وسريعة على البعض الاخر بل كانت اول مره تتمنى فرحه ان تأتى الأختبارات تباعا وتنتهى فى سرعه أخيرا ستتكلم معه وتنظر له وينظر لها دون الخوف من نظر الله اليهما
لم يكن حال ايهاب مختلفا كثيرا عنها فهو يحدث نفسه دائما بأنها ستصبح حلاله يبثها حبه وقتما شاء لن يغض بصره عنها بعد الان اخيرا ستكون هذه الطفله المدللة طفلته وزوجته الى الابد

وعلى النقيض كانت مشاعر عبد الرحمن بارده لا يشعر بسعاده ولا يشعر بحزن كلاهما سواء ولكن لم يكون كلاهما سواء بالنسبة لإيمان على العكس كانت تشعر بالسعاده المخلوطه بالخجل ولكنها لا تستحث الايام كما تفعل فرحه بل كلما مضى يوما تزداد لها اضطرابات قلبها
تم تحديد أقامة العرس فى الحديقة وتكفل ايهاب بها لمدة خمسة ايام قبل العرس وبالفعل خرجت من تحت يده زاهيه لاقصى حد كان يعمل بها بقلبه قبل يده وخبرته

كان عرس عائلى بسيط لم يكن به صخب كثير فقد كانت رغبة الجميع ان تكون الحفله الحقيقة هى يوم الزفاف
ارتدت ايمان فستان بسيط ورقيق من اللون الفضى المطعم بالخرز والكريستالات الملونه الصغيرة وضعت القليل من المكيب وكان حجابها من نفس لون الفستان والتى تتميز ببساطتها فى حين اصرت فرحه على ارتداء فستان منفوش من اللون الذهبى الفاتح يغلب عليه الخرز الامع كانت تريد ان تبدو كسندريلا فى فستانها ولفت حجاب صغير ووضعت ميكب يتماشى مع لون بشرتها الخمريه

تم عقد قرآن فرحه وايهاب أولا ثم تولى الحاج ابراهيم الولايه عن ايمان وتم عقد القرآنها على عبد الرحمن
وقف ايهاب فى مزاح وقال :يالا يا جماعه كله يقولنا فى نفس واحد بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما فى خير..يالا واحد اتنين تلاته ضحك الجميع مع اختلاف الاصوات وتنابزها وأطلقت ام عبد الرحمن الزغاريد الواحده تلو الاخرى حتى كادت ان يغشى عليها من الفرحه
على قدر بساطته لكنه كان بهيج جدا بكل هذه القلوب المحبه ......

لا تعلم مريم لماذا كلما نظرت اليه تشعر بغصه فى حلقها وكانها تريد البكاء تلاقت نظراتهما فى صمت قطعه يوسف بالحديث مع والده
كان من المقرر ان يجلس كل عريس الى عروسه بعض الوقت بعد انتهار الحفل فى مكان مخصص لكل منهما قد اعده ايهاب من قبل أنصرف الجميع كل الى شقته وظل الاربعه تحت مظله واحده نظر ايهاب الى عبد الرحمن قائلا:ايــه
عبد الرحمن:ايه
ايهاب:احنا هنستهبل من اولها متاخد مراتك وترح تقعد هناك
قال عبد الرحمن بتصنع عدم الفهم:ليه ما احنا قاعدين مع بعض احسن
نهض ايهاب وهتف به:ليه هى جمعيه تعاونيه ولا ايه ما تمشى يابنى انت هى الجوازه دى منظوره ولا ايه يا جدعان

نهض عبد الرحمن وهو يضحك ضحكات مستفزة وأمسك بيد ايمان وقال:يا يا ايمان لو استنينا اكتر من كده هنقضى الليله فى التخشيبه
رغم ان تصرفات عبد الرحمن كانت للمداعبه الا ان ايمان شعرت بقشعريرة فى جسدها جراء لمس عبد الرحمن ليدها ربما لانها اول مره تسمح برجل ان يلمسها

أخذها عبد الرحمن الى مظله صغيره اخرى كان ايهاب قد زينها بقماش التل تزينها الالوان الكهربائيه الملونه
جلس وهو يقول شفتى الواد اخوكى طردنا ازاى ..ابتسمت ايمان فى خجل قائله:معلش بقى اصله بيحب فرحه اوى ونفسه يقعد يتكلم معاها براحته

وضع عبد الرحمن كفه تحت ذقنه وظل ينظر اليها تاره والى الحديقة تارة اخرى فى صمت ويبتسم ابتسامات صماء
كانت ايمان تجلس فى مكانها ترى مظلة ايهاب وفرحه وترى علامات السعاده المرسومه على وجهيهما وترى انسجامهما سويا وهو ممسك بيدها يبثها مشاعره فى شوق وحب انسجمت معهما كأنها تجلس بينهما
تتبع عبد الرحمن نظراتها فوجدها شارده مع الاحبه كان يريد ان يتكلم معها ولكن لم يجد كلمات يقولها ومعه حق كيف يقول ما لا يشعر به فاللسان مغرفة القلب فأراد ان يقول اى شىء حفظا لماء الوجه فقال:
على فكره انتى النهارده زى القمر

أنتبهت على كلماته ونظرت اليه وكأنها لا تصدق انه تحدث اخيرا وقالت بحزن:بتقول حاجه
لمس عبد الرحمن حزنها فشعر بالاسى قال:بقولك انتى النهارده زى القمر
ابتسمت ابتسامه صغيرة لمجاملته وقالت جزاك الله خيرا على المجامله اللطيفه
قال بسرعه:لا مش بجاملك انتى فعلا زى القمر اول مره اشوفك بميكب حتى ولو خفيف

ابتسمت فى صمت حزين وأطرقت برأسها ولاول مره تشعر انها تسرعت بالموافقه على الزواج منه ..
هو لا يحبها كانت لابد ان تتاكد من مشاعره تجاهها قبل ان توافق
كان يطرق على الطاوله بانامله ويحاول ان يتكلم او يقول اى شىء ولكنه كلما وجد جملة معينه يشعر انها جوفاء ستخرج منه بلا معنى او احساس شعرت بتوتره اول مره تراه متوتر هكذا فرأت رفع الحرج عنه فقالت:تحب نقوم
عبد الرحمن :ليه بتقولى كده

كادت ان تبكى ولكنها تماسكت وقالت:يعنى شايفاك مرهق والظاهر ان الارهاق خلاك متوتر
زفر بقوة وقال:فعلا انا مرهق شويه
قالت :طب خلاص لو تحب نقوم علشان تنام مفيش مشكله
قالت هذه الجمله وهى تنظر الى اخيها وفرحه وهما غارقان فى بحر العشق وتقول فى نفسها ماشاء الله لا قوة الا بالله اللهم بارك كانت تخاف ان تصيبه بالعين فتؤذيه اوتقلل من فرحته
فنهضت قائله :طيب يالا بجد مفيش مشكله

شعر عبد الرحمن لاول مره انه لا يملك الا الصمت لا يعرف ماذا يقول وماذا يفعل فاتجه معها الى مدخل المنزل ومنه الى المصعد دلف الاثنان الى المصعد وأوصلها حتى باب شقتها وقال:تصبحى على خير
قالت بخفوت:وانت من اهله

تفاجأت مريم بعودة ايمان بهذه السرعه ولكنها كانت غارقه فى احزانها هى الاخرى فلم ترفع رأسها من تحت وسادتها وظلت تتصنع النوم
ابدلت ايمان ملابسها وخرجت الى الشرفه تنظر الى اخيها وفرحته فوجدتها تقف ثم يمسك يديها ويجبرها على الجلوس مره اخرى فابتسمت لشغف اخيها بحبيبته وعادت مره اخرى الى غرفتها أطفاءت المصباح ولاول مره تفعل كما تفعل مريم دائما تضع الوساده على وجهها وتبكى بصمت

سمع يوسف صوت غرفة عبد الرحمن وهو يغلق الباب بعد دخوله فخرج من غرفته وتوجه الى غرفة اخيه دخل خلفه وقال متعجبا :انت لحقت يابنى ده انت مكملتش نص ساعه
القى عبد الرحمن رابطة العنق على فراشه وهوى اليه بضيق قائلا:
معرفتش اقولها ولا كلمه..كان منظرى يكسف

جلس يوسف بجواره وقال متسائلا:انت مبتحبهاش يا عبد الرحمن
زفر عبد الرحمن بضيق وقال:يا اخى حتى لو مبحبهاش كنت المفروض اتكلم معاها انت مشوفتش وشها وهى بتبص على ايهاب وفرحه كان عامل ازاى وهما منسجمين وبيتكلموا وانا قاعد جمبها زى خيبتها

ربت يوسف على كتفه وقال:انت كده يا عبد الرحمن مبتعرفش تقول اللى مش حاسس بيه..معلش بكره تحبها وتعرف تتكلم معاها
شعر عبد الرحمن باختناق صوته وهو يقول:طب هى ذنبها ايه تنام يوم كتب كتابها حزينه كده وقلبها مكسور
نهض يوسف وشرد قائلا:ناس كتير اوى قلبها مكسور من غير ما يكون ليهم ذنب فى حاجه يا عبد الرحمن

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """" """"
كان ضميره يؤنبه بشده حتى انه لم ينم جيدا وفى الصباح انتبهت ايمان على صوت هاتفها قفز قلبها تلقئيا عندما وجدت اسمه على شاشة الهاتف اجابت فى التماسك على سؤاله عنها:الحمد لله ..اه انا صاحيه
بره فين ..على باب مين...قالت وهى تنهض فى سرعه :على باب شقتنا احنا وفتحت الباب فوجدته امامها ملامحه يكوسها الاعتذار قال فى اسف:عملتلك قلق ولا حاجه

أغلقت الهاتف وهى تقول: لا ابدا انا كنت صاحيه
نظر لها متفحصا اياها كانت اول مره يراها بملابس البيت العاديه بدون حجابها شعرت بالحرج من نظراته وقالت:فى حاجه ولا ايه
ابتسم قائلا:انا جاى أتأسف على اللى عملته امبارح ..انا بجد مش عارف ايه اللى جرالى
أطرقت رأسها فى خجل وقالت:انا مش زعلانه ..انا عارفه انك

قاطعها :لا زعلانه ومعاكى حق لو زعلتى انا جد مضايق اوى من نفسى ومش عارف اعتزرلك ازاى
ايمان:حتى لو كنت زعلانه خلاص كونك انك تيجى علشان تصالحنى ده فى حد ذاته شال الزعل كله من قلبى
شعر بالامتنان لها وقال:انا كنت متأكد ان قلبك كبير ثم تناول كفها بين اصابعه وطبع عليه قبله صغيره وقال :انا آسف مره تانيه

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """" """""""""""""""""""""""""""""""""""
مضى أسبوعان آخران ايهاب يعمل بجد لينهى ديكورات شقته وشقة اخته ايمان لم يكن هناك الكثير من العمل فقط ينقصها بعض اللمسات الفنيه وكان ايهاب بارعا فى هذا وكانت احيانا فرحه تتصل به لتؤنبه انه قد مضت عليه اربع ساعات لم تسمع فيهم صوته وهو منشغل فى عمله ووقت الاستراحه من العمل يتقابلان فى الحديقه ليسبح فى بحور شوقه وهو يبثها حبه

تحاول ايمان دائما تتقرب لزوجها وتبحث عن الاشياء التى يحبها وتفعلها من اجل ان تسكن قلبه كما سكن هو قلبها
فلقد اصبح زوجها شاءت ام ابت ولابد ان تبذل اقصى جهد لانجاح زواجهما رغم ما تقابله من مشاعر بارده لم تعتاد ايمان على الهزيمه ابدا كان من الممكن ان تطلب الطلاق ولكن رغبتها فى ان تصبح زوجته فاقت كل شىء لقد احبته بكل جوارحها حقا

كانت ام عبد الرحمن تخصص وقتها كله من اجل شراء كل ما يلزم فرحه وايمان من تجهيزات الزواج
وظهرت نتيجة الاختبارات ..كانت النتيجة مبهره للجميع حقا فهذه اول سنه تحقق فيها مريم تقدير مرتفع اما بالنسبه لفرحه فلقد كانت ساعدتها بإيهاب تفوق سعادتها بتخرجها من الكليه بتقدير جيد جدا وكذلك وفاء

اما وليد فلقد كان يحاول باستمامته ان يعيد علاقته الطيبه بيوسف بكل الطرق الممكنه حتى استطاع ان يعيدها طبيعيه بعض الشىء وخصوصا بعد ان استشف ان يوسف لن يتكلم عن ما رآه منه هو وسلمى ولكنه لا يعلم ان يوسف قرر ان يؤجل الحديث فى هذا الامر الى ما بعد زفاف اخيه وأخته حتى لا يحدث أزمه فى العائلتين

كانت استعدادات مهوله تجرى على قدم وساق فى البيت الكبير منزل آل جاسر ولقد سخر الحاج حسين كل امكانياته ليخرج حفل الزفاف فى ابهى صورة قام عبد الرحمن بحجز قاعه كبيرة فى فندق خمس نجوم

وفى المساء كانت قاعة الافراح مزدحمه بالمدعويين ..تلتف كل اسرة حول طاولتها الخاصه ..وكان هناك على احدى الطاولات الرئيسيه تجلس أسرة حسين جاسر وترتسم الابتسامه على شفتيه فى وقار وهو يتحدث الى زوجته عفاف :تصدقى يا أم عبد الرحمن انا حاسس انى بحلم ..خلاص عبد الرحمن بقى عريس دخلته النهارده

نظرت اليه زوجته عفاف فى سعاده وهى تقول:لا ومش اى عريس ده عريس زى القمر
تنهد الاب فى ارتياح وهو يقول:انتى عارفه ..انا كده حاسس انى ابو العريس والعروسه فى نفس الوقت

ردت عليه زوجته مؤكده:طبعا يا ابو عبد الرحمن ايمان زى بنتنا بالظبط ..ثم تابعت يارب عقبال مريم عن قريب يارب

وفى طاوله اخرى بجوارها كانت تجلس أسرة الحاج ابراهيم حيث قالت له زوجته فى سرعه:شفت الواد وليد ابنك داير فى كل حته ازاى من ساعة ما دخلنا القاعه وهو داير زى النحله

ضحك ابراهيم لحديث زوجته وقال:يا ستى سيبيه ده راجل هو بنت هتقعديه جنبك ..هنا ردت وفاء قائله :يعنى ايه يا سى بابا يعنى انا بقى علشان بنت ماما تفضل رابطانى جمبها كده

ابراهيم :سيبيها يا ام وليد تقوم براحتها ثم اشار لها وهو يقول روحى يابنتى
فاطمه:والله انت مدلعها يا ابو وليد..ثم اردفت تعال تعال نروح نقعد مع اخوك ومراته

فى هذه الاثناء كانت هناك مناقشه هامسه بين العروسين...
عبد الرحمن:مالك يا ايمان ...شكلك مضايق
نظرت اليه بعتاب وقالت:كده برضه ..هو ده اللى اتفقنا عليه
عبد الرحمن:ايه بس ايه اللى حصل
اشاحت ايمان بوجهها بعيدا عنه وقالت:مش عارف حصل ايه

عبد الرحمن فى خجل:والله يا إيمان ملقتش قاعه مفصوله الفندق هنا مفيهوش نظام الستات لوحدها والرجاله لوحدها اعمل ايه طيب يعنى كنت احجز قاعة مناسبات فى جامع

نظرة له فى ضيق وهى تقول:وماله الجامع يا عبد الرحمن ..على الاقل مكنش هيبقى فى رجاله قاعده تتفرج على زوجتك ولا كان هيبقى فيه اختلاط نتحاسب عليه قدام ربنا ثم تنهدت فى حسره وهى تقول مش هو ده يوم فرحى اللى كنت بحلم بيه وبعدين انا قلتلك من الاول وانت وعدتنى

كانت مريم تقف بجوارها ولاحظت ما يحدث ...اقتربت منها وقالت :مالك يا ايمان فى ايه
ايمان فى ضيق:مفيش يا مريم
تدخل عبد الرحمن فى الحديث قائلا:كلميها يا مريم فى عروسه تبقى زعلانه كده يوم فرحها
نظرت له ايمان وهى تقول بخفوت :يوم فرحى الحقيقى ان ربنا يبقى راضى عننا لكن لما يبقى غضبان علينا من اللى بيحصل ده ميبقاش اسمه يوم فرحى

عبد الرحمن:انا اسف يا ايمان معلش يا بنت عمى عديها والله لو كنت لقيت قاعه مفصوله كنت حجزت

مريم فى استنكار وهى تحدث ايمان:مفصوله ...انتى لسه بتفكرى كده.. ايه يا بنتى احنا فى فرح ولا فى جامع

صمتت ايمان وهى تشعر بالحسره تملىء قلبها فما كانت ابدا تحلم بهذا ..كانت تتمنى ان يكون عبد الرحمن رجل ملتزم وان يكون يوم فرحها هو يوم شكر نعمة الله عليها وليس يوم تحمل فيه كل هذه الذنوب التى تراها امام عينيها ولا تستطيع دفعها
ولكن قدر الله وماشاء فعل ...هذا هو قدرها وعزائها الوحيد انها غير راضيه عن ما يحدث وترفضه بقلبها وهذا اضعف الايمان

كانت مريم تقف بصفه مستمره بجوار سلمى التى أستطاعت ان تعيد علاقتها بمريم قويه كما كانت و كان يحيط بهم شابين فى أواخر العشرينات يتبادل الاربعه الاحاديث والضحك فى ركن ما فى قاعة الفرح..عندها قالت سلمى:ايه يا بنتى اختك دى ..عمرى ما شفت عروسه مغطيه شعرها يوم فرحها ايه العقد دى

مريم:والله حاولت اقنعها تقلع الحجاب لكن هى صممت وقعدت تدينى مواعظ
أنهت جملتها وضحك الاربعه بشكل ملفت للأنظار

...كانت هناك عيون ترقبها باهتمام شديد تراقبها جيدا وتراقب ضحكاتها
نعم انه يوسف ..ينظر اليها من بعيد فى غضب ..فوجىء بيد تضربه بخفه على كتفه وصوت وليد الساخر يقول :قفشتك ....ثم تابع صاحب الصوت الساخر..انا مش عارف انت معذب نفسك ليه وهى ولا هى هنا واخر انسجام مع الشباب

التفت اليه يوسف فى غضب وهو يقول:
كفايه يا وليد مش عاوز اسمع ولا كلمه زياده عنها ..يا أخى دى بنت عمك برضه

وليد مدافعا:لالالا مش بنت عمى دى بنت احلام
يوسف:وهى احلام دى مين مش تبقى مرات عمك علي الله يرحمه

وليد:هنعيده تانى ..يابنى منا قلتلك قبل كده احلام دى كانت ايه ومحدش يعرف ايهاب وايمان ومريم ولادها من عمك علي ولا لاء

صاح به يوسف :أخرس بقى يا أخى .. لو كان ابوك وابويا عارفين كده مكانوش جابوهم يعيشوا وسطنا تانى ..ولا كانوا دوروا عليهم السنين دى كلها

وليد باستهزاء:ياعم ابوك وابويا علانيتهم اوييييييى ...وبيدوروا على اى حد من ريحة عمى الله يرحمه...ثم اخرج علبة سجائر مفخخه من سترته وقدمها ل يوسف وهو يقول فى سخريه:خد دى بقى اتسلى فيها

نظر يوسف الى العلبه ثم نظر وليد وقال:ما انت عارف انى ماليش فى فيها وخصوصا وهى كده

وضعها وليد فى كف يوسف وقال وهو يتصنع الجديه:علشان تعرف تراقبها كويس اصل اللى زى دى طالعه لامها وعاوزه اللى يبصلها تبقى عنيه فى وسط راسه
واطلق ضحكه عاليه وسط صخب الحفل.... وترك يوسف يأكل الشك قلبه
كانت مريم تظن انها بهذه التصرفات ستجعله يغار عليها ... كانت تريد ان تتأكد من حديث وفاء بأى طريقه عندما قالت لها انه يحبها

ولكنها كانت تشعل النار فى قلبه وتزيد شكه بها حتى جعلته يقينا أصرف يوسف فى تناول علبة السجائر الذى اعطاها اياه وليد وهو فى حديقة الفندق كانت اول مره له يشرب مثل هذه الاشياء لم يتركه وليد اقترب منه وجلس بجواره ووجده فى حاله تشبه الغيبوبه ......أعطاه بعض الحبوب قائلا:دى بقى هتخاليك تنسى الدنيا ومافيها

انتصف الليل وحان وقت وداع العروسين خرج الجميع من القاعه ومن ثم من الفندق ركب العروسين سيارتهم همت مريم بالركوب فى سياره العروسين ولكن صديقتها سلمى جذبتها معها فى سيارتها قائله:تعالى هنا اركبى معايا انتى رايحه فين

مريم:ايه يا سلمى هروح معاهم نوصلها للمطار
وهى تدير محرك سيارتها:هتروحى تعملى ايه هتدبى مشوار المطار ده كله علشان توصليها ..وبعدين ما عليتكوا كلها رايحين وراهم بعربياتهم هيوصلوها
مريم فى استسلام:طيب ايه يعنى مش فاهمه هنروح احنا فين
سلمى :ابدا هنتمشى بالعربيه شويه واروحك البيت

وقبل ان تنطلق بالسياره فتح الباب الخلفى للسياره شابين تعرفهما سلمى مريم وانطلقت سلمى بسارتها مسرعه قبل ان يلاحظها احد

ولكنها لم تغيب عن اعين يوسف ووليد..كانا ينظران الى ما يحدث من بعيد وما لبث وليد ان قال ل يوسف باستفزاز:شفت يا عم اهى غارت من اختها وأخوها قالت اشمعنى انا معملش ليله دخلتى النهارده وانطلقت ضحكاته العابثه مره اخرى وهو يقول له اشر ب اشرب علشان تنسى ..استقل يوسف سيارته وعينيه تلاحق سراب سياره سلمى وتتردد فى أذنه عبارة وليد الاخيره وغضب شديد يجتاحه ولا يكاد يرى امامه شيئا

أنطلقت السيارات خلف سيارة العروسين ولم يلاحظ احد غياب مريم و بعد

بعد ساعتين كانت سياره سيارة سلمى تقف امام حديقة منزل البيت الكبير

ترجلت من السياره وهى تودع صديقتها وعندما التفتت لتدخل وجدت بوابه الحديقة مفتوح سارت بداخلها حتى وصلت الى باب فناء المنزل والذى كان مفتوحا ايضا والمكان مظلم جدا لا يوجد الا شعاع نور بسيط يأتى من أعمدة الاناره فى الحديقه

تحسست مريم طريقها فى قلق وظنت انهم عادوا من المطار نظرا لوجود البوابه مفتوحه اخرجت هاتفها واتصلت على عمها حسين
...ايوا يا عمى انتوا فى البيت ولا فين...لا مجتش معاكوا انا كنت مع سلمى صاحبتى...لا انا عند البيت دلوقتى..ها كنت ..كنا بنتمشى بعربيتها شويه
..اسفه يا عمى متزعلش منى..خلاص انا هطلع أنام فوق ..اه معايا مفتاح شقتنا..مع السلامه

تحسست الجدران فى بطىء لعلها تجد طريقها الى مفتاح الكهرباء
وبعد ثوانى سمعت صوت باب الشقه الكائنه فى الدور الارضى والتى يستخدمونها كمخزن للأشياء المهمله والمحطمه نفس الشقه التى خرجت منها سلمى ووليد ..توترت وتحركت فى سرعه بحثا عن مفتاح الكهرباء وهو تقول بخوف:مين..مين

واخيرا سمعت صوته وهو يقول:تعالى يا مريم متخافيش ده انا
وضعت مريم يدها على صدرها وهى تهدىء روعها وتقول:اوف ....رعبتنى بتعمل ايه عندك
..:بصلح الكهربا تعالى نوريلى بالتليفون

تقدمت نحو مصدر الصوت حتى وجدته وشرعت فى اخراج الهاتف مره اخرى ولكنه جذبها داخل الشقه واغلق الباب بقدمه فى عنف وبعد لحظات من المقاومه والصراخ المتقطع والعنف والاستجداء والاصرار والدموع...ارتطمت رأسها بأحد قطع الاثاث المحطمه ووقعت على الارضى مغشيا عليها ,,نظر اليها وهى ملقاة على الارض دون حراك وترنح فى قوة وهو يخلع عنها ملابسها ووقف ينظر اليها مره أخرى وهى بهذا الوضع ثم شرع فى خلع ملابسه ....وأقترب منها و....وسالت دمائها فى لحظه غدر دون أدنى مقاومة منها
الفصل الثامن عشر

بعد حوالى ساعه ونصف كانت السيارات قد اقتربت الى المنزل عائده من المطار بعد توديع عبدالرحمن وايمان وايهاب وفرحه دخلت السيارات الى الجراج ترجل الحاج ابراهيم من سيارته هو ووفاء وفتح الباب لزوجته فاطمه التى كانت تستقل سيارة وليد وأمسك يديها وساعدها على النزول منها وكذلك فعل الحاج حسين مع زوجته عفاف التى قالت:تلاقى مريم دلوقتى فى سابع نومه

وفاء:اطلع اطمن عليها
قال الحاج حسين لا مفيش داعى نقلقها
قالت عفاف فى قلق لسه تليفون يوسف مقفول يا حاج
كرر حسين الاتصال بولده كثيرا ولكن هاتفه غير متاح
حاول الحاج ابراهيم طمأنتهم قائلا:يمكن كان راكن عربيته بعيد شويه عند المطار وجاى ورانا
عفاف:بس انا مشفتوش فى المطار خالص يا ابو وليد حتى مشوفتوش بيسلم على عبد الرحمن وايهاب فى صالة المطار
قال وليد:انا آخر مره شوفتوا واحنا بنركب العربيات على باب الفندق بعد كده معرفش راح فين

حاول ابراهيم ان يطمئنهم مره اخرى قائلا:خلاص يبقى اكيد جه ورانا واحنا مشوفناهوش وجراج المطار كان زحمه اكيد ركن بعيد وتلاقيه جاى ورانا دلوقتى
حاول الجميع الاقتناع بهذه الفكره وينتظروا حتى يعود ادراجه خلفهم
نظر حسين حوله قائلا اظاهر الكهربا بتاعة المدخل بايظه

اقتربوا من المدخل وهم فى حاله اجهاد شديد قالت وفاء وهى تمعن النظر فى مفاتيح الكهرباء الخارجيه :فى حد نزل الزراير بتاعة المدخل ثم قامت برفعها فأضاء المدخل بالكامل

لم يلاحظ أحد شىء غريب أستقلوا المصعد وأتجهت كل أسرة الى طابقها أستسلم الجميع للنوم فالجميع مجهد ومرهق جدا باستثناء الحاج حسين لم يمنعه الارهاق من القلق على ولده نظر بجانبه فوجد عفاف مستغرقه فى النوم ويبدو على ملامحها التعب الشديد فتركها نائمه ووقف فى الشرفه ينظر الى بوابة الحديقه لعله يجده عائدا بسيارته

ظل مترقبا حتى أذن المؤذن لصلاة الفجرتوضأ ونزل للصلاة فى المسجد وقد قرر أن يأخذ سيارته ويعود الى طريق المطار فلقد ساورته الشكوك انه من الممكن ان يكون وقع له حادث اثناء عودته صلى الفجر فى المسجد ثم عاد واستقل سيارته وما ان تحرك بها قليلا حتى لاحت له سيارة يوسف مركونه بين عمارتين متجاورتين فأوقف سيارته وهبط منها ..أتجه الى سيارة يوسف ودار حولها دورتين فى قلق واضح كانت خاويه تماما وضع يده على مقدمة السيارة فوجدها بارده لم يكن هذا له معنى اخر سوى ان السياره هنا منذ وقت ليس بالقصير أشتدت حيرته وهو يدور حول السياره مره اخرى

قطب جبينه فى تفكير ما الذى اتى بالسياره هنا واين هو يوسف لقد بحث عنه فى شقتهم ولم يجده اين يكون قد ذهب لا يعلم لماذا قفزت صورة مريم فى ذهنه فى هذه اللحظه فقال فى وجوم "مريم" وقرر ان يعود ادراجه للمنزل مره اخرى وقف ليطلب المصعد ليصعد اليها ولكنه سمع صوت تأوهات تأتى من خلف باب الشقه المهمله بجوار المصعد

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """" """"""""""""

نزلت صفعه مدويه على وجه يوسف جعلته يرتطم بالجدار بقوة...... لم يكن يشعر يوسف بقوة الصفعه بقدر ما كان يشعر بالتجمد التام ويحاول الوقوف بصعوبه وهو ينظر الى ابيه الذى كان يلف عبائته حول جسد مريم العارى وهى متشبثت به فى قوه وهى تبكى وتتأوه بألم ....

..كانت عينى ابيه مشتعله تفيض بالدموع كالحمم المتأججه من انفجار بركان كان خامدا وهو يزأر فيه
هاتفا:حسابك معايا مش دلوقتى يا حقير

كانت تمشى معه وكأنه يحملها حتى ادخلها شقتها ومنها الى غرفة نومها وضعها فى فراشها وهى تتألم بضعف ودثرها بغطائها وظل بجوارها حتى سكنت وهدأت انفاسها وأستغرقت فى النوم العميق........ نظر اليها وقلبه يعتصر عصرا من هول ما رأى
لم يكن يتخيل ابدا انه لن يستطيع حمايتها بل لم يتكن يخيل ان ابنه هو من سيبطش بها فى يوم من الايام انهمرت دموعه وهو يتخيل اخاه يقول له" كده ضيعت الامانه يا حسين ابنك ضيع بنتى"

كانت مشاعره ثائرة لدرجه انه فكر ان يهبط اليه مرة اخرى ويقتله بيديه ولكن هذا لن يعيد لها ما قد سلب منها لن تجلب الحماقه الا الفضيحه قرر فى نفسه ما سيفعله ليستطيع رأب هذا الصدع المدوى ونظر لها بألم وحسرة

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """" """""

دخل حسين شقته بهدوء شديد ودخل غرفة يوسف ولكنه لم يجده ظن انه ما زال بالاسفل
ولكنه سمع صوت مياه بالحمام فأقترب من الباب فتأكد انه بالداخل
عاد الى غرفته مره أخرى وأنتظره فيها....... وبعد قليل دخل يوسف غرفته وهو يرتدى منشفته ويتقطر منه الماء وعينيه لونهما احمر كالدم
تجمد مكانه بمجرد ان رأى والده الذى لم يتمالك نفسه حينما رآه مرة اخرى فصفعه صفعة أخرى ألقته على الفراش
وضع يوسف كفه على وجهه وظل مطرقا رأسه للأسفل لم يستطع النظر فى عينيى والده أبدا...

وقف حسين امامه وقال بلهجه غاضبه محذره :اسمع يا ..... اعمل حسابك كتب كتابك على بنت عمك بعد أسبوع بمجرد ما اخواتها يرجعوا..... .. واياك وحذارى أي مخلوق على وجه الارض يعرفوا باللى حصل ولا حتى امك ....
لو سألوك كنت فين امبارح تقول انك روحت ورانا المطار ومعرفتش تركن عربيتك من الزحمه
وعلى ما دخلت صاله المطار ملقتناش ....وانت راجع لجنه وقفتك فى الطريق واخرتك ساعه .....ثم صاح بغضب هادر:فاهمنى ولا لاء
اومأ يوسف برأسه ولم يستطع ان يتفوه بكلمه واحده ..
القى عليه والده نظرة احتقار وبغض وخرج مرة اخرى عائدا الى مريم

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """" """""""""""""
قضى الحاج حسين الساعات السابقه نائما على المقعد بجوار فراش مريم... ولكنه أستيقظ على همهماتها المتألمه وهى تستيقظ او تستعيد وعيها ببطء ايهما أصح
وبمجرد ان فتحت عيونها حتى استعادة ذكرى الامس فصرخت وهى تمسك بغطائها وتتشبث به بقوة
أقترب منها حسين مطمئنا ومسح على شعرها وأحتضنها ..وهو يقول:اهدى يا بنتى انا جنبك وانتى فى بيتك اهدى...

نظرت له بألم وحسرة وهى تبكى... تأوهاتها مزقت قلبه كما زادت من غضبه على نفسه وعلى ولده وهو يسمعها تقول بهستريا :انا عاوزه اموت انا عاوزه اموت.. موتنى يا عمى وريحنى
ظل يمسح على ظهرها بحنان وتنهمر عبراته بسكون وصمت ...كان كل ما يشغله هو طمئنتها..... وأخيرا وبعد ان سكنت قليلا قال بحنان:قومى يابنتى ادخلى الحمام المايه الدافيه هتهديكى شويه ..قومى ولما تخرجى هنتكلم

ساعدها فى ستر جسدها بعباءته التى مازالت تلتحفها واسندها حتى دخلت الحمام واغلقت الباب خلفها ....
تركت العبائه لتسقط ارضا وفتحت صنبور المياه ووقفت تحت المياه بما تبقى من ملابسها الممزقه المتبقيه عليها .......
أنهمرت الماء عليها فنظرت تحت قدميها فوجدت المياه التى تغادر جسدها تتلون بلون دمائها فأغمضت عينيها وجلست تبكى تحت قطرات الماء والآلام تنتشر فى معظم نواحى جسدها

ياله من الم نفسى وجسدى يترك جرحا غائرا لا شفاء له ...مؤلمة هى الطعنه التى تأتى من اقرب الناس اليك ..
مرت امامها ليلة أمس كشريط سينمائى يمر من امام عينيها يزيد شقائها شقاء
تذكرت كيف كانت تشعر بالخوف من الظلام ..
وأطمأنت بمجرد ان استمعت الى صوته لم تكن تتوقع ابدا ان يأتيها الغدر من حيث الامان
تذكرت انفاسه المتقطعه وهو يجذبها اليه ويعتصر جسدها بين ذراعه ...
تذكرت صراخها وهى تتوسل له ان يتركها وكأنها تصرخ فى صنم لا يسمع...
تذكرت استجدائها وهى تقول له: سيبنى يا يوسف ابوس ايدك ده انا بنت عمك ...
فوق يا يوسف انا مريم يا يوسف فوق

كانت تشعر وكأنه آله حديديه بلا روح بلا شعور وكأنه حجر بلا قلب ......
تردد بداخلها كلماته التى قالها بصوت كالسكارى وكأنه فى غير وعيه وهو يقول:انتى متستحقيش غير كده ..انتى متستاهليش الحب اللى حبتهولك يا حقيره

ثم كانت الدفعه القويه التى افقدتها وعيها ببطء وهى تشعر به يمزق ملابسها ..
ثم انقطع كل شىء وغابت عن الوعى تماما ..أستفاقت من ذكرياتها على صوت عمها من الخارج يطرق عليها الباب بصوت قلق :مريم انتى كويسه يابنتى
قالت بصوت حزين فى ضعف:ايوا يا عمى

وبعد قليل خرجت وهى تتسند الى الجدارن وترتدى منشفتها الكبيرة ..ساعدها على الوصول لفراشها ..وكاد ان يساعدها على الدخول اليه ولكنها صرخت عندما رأت اثار الدماء عليه استدارت بجسدها كى لا تنظر اليه فكادت ان يختل توازها..

احتضنها فى حنان وهو ينظر الى ما رات من أثار دماء وأغمض عينيه فى الم وأخذها الى غرفة ايمان ..وادخلها فراشها ودثرها وهى فى حالة انهيار شديد من البكاء .....ظل بجوارها حتى هدأت ..أتى اليها ببعض الحليب وساعدها على تناوله فى صعوبه برغم رفضها ولكنه اصرعليها ..هدأت قليلا ...

فابتدء بالحديث قائلا: فى صبر:اسمعى يا بنتى انا معاكى ..انتى مش لوحدك ابدا وعمرك ما هتبقى لوحدك وانا على وش الدنيا ..
لازم تبقى متأكده انى هجبلك حقك واكتر لكن قبل كل ده ..لازم الاول يكتب كتابك .....
بكت وهى تنتحب وقالت:كمان.. كمان ...عاوز تجوزهولى يا عمى عاوز تجوزنى اللى دبحنى ..
ابنك دبحنى يا عمى ..ابنك دبحنى وضيع مستقبلى

قال فى تماسك:انا مش هجوزهولك علشان اكفأه انا هعمل كده علشان الستر يا بنتى ...
الاول لازم يسترك وبعدين انا هوريكى هعمل فيه ايه
صرخت قائله :مش طايقاه لو شفته قدامى هقتله
قال:متقلقيش الجواز ده هيبقى للستر بس وبعدين يبقى يطلقك فى الوقت اللى انتى تحدديه

ثم تابع فى جديه:واسمعينى كويس فى الكلام اللى هقوله ده..
مش عاوز مخلوق يعرف اللى حصل ..وانا هعرفهم انك عندك برد جامد وتعبانه...
وكلها اسبوع واخواتك يرجعوا ونكتب الكتاب عادى جدا ...هو طلبك منى وانا وافقت وانتى كمان وافقتى ...سمعانى يا مريم
أومأت فى ضعف ....فنظر لها متفحصا ثم قال:لو شايفه يا بنتى ان كده حقك ضاع وعاوزه تبلغى عنه بلغى وانا هشهد معاكى
أشارت برأسها نفيا ..فقال:وانا اوعدك انى اخلصلك حقك زى مانتى عاوزه واكتر

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """" """"""""""""""""""
أستيقظت عفاف من نومها وقامت من الفراش وهى تشعر بألم فى عظام جسدها قاومت الاجهاد التى مازالت تشعر به منذ ليلة أمس ......
لم تجد زوجها بجوارها خرجت لتطمئن على عودة يوسف .....

فتحت باب غرفته ونظرت اليه بأطمئنان وهو نائم فى فراشه لاحظت حبات العرق المتزايده على جبينه..
أقتربت منه لتمسحها فأنتفضت على اثر حرارته المرتفعه حاولت ان توقظه ولكن لا يستجيب ويتمتم بكلمات غير مفهومه وهو يرتعش... خفق قلبها بشده وخرجت تبحث عن زوجها لم تجده فقامت بالاتصال به وبعد عدة رنات أجابها... فهتفهت به:انت فين يا ابو عبد الرحمن
:انا عند مريم فوق اصلها كلمتنى الصبح وكانت تعبانه اوى تقريبا جتلها نزلت برد جامده

قالت فى سرعه :لا حوله ولا قوة الا بالله هى كمان.... ده يوسف كمان تعبان اوى
:تعبان ماله يعنى
:حرارته عاليه اوى وبيترعش وعمال يخترف
نهض حسين بعد كلمتها الاخيره وهو يقول:بيخترف بيقول ايه يعنى
قالت عفاف بتعجب:يا حسين هو المهم بيقول ايه ....المهم انه تعبان ولازم نجيبله دكتور

قال:طيب انا نازل دلوقتى واغلق الهاتف..ثم التفت الى مريم
قائلا:انا هنزل اشوف الندل اللى تحت ده وهبقى اطلعلك تانى ولو عوزتى حاجه ولا حسيتى انك تعبانه كلمينى على طول وياريت لو تحاولى تكملى نومك علشان اعصابك ترتاح

كاد ان يغادر ولكنه قلق ان ترى اثار الدماء عندما تعود الى غرفتها فيحدث لها انهيار مره اخرى... فدخل المطبخ وأخذ شنظه بلاستيكيه ووضع فيها كل ماتبقى عليه من اثار للدماء من ملابس حتى غطاء السرير لم يتركه ...وهبط الى الاسفل... فى هذه الشقه المهمله وجمع ما بها من باقى ملابسهما والقى الشنطه فى صندوق القمامات لتنتهى آثار تلك الذكرى الاليمه تماما

دخل على زوجته فى غرفة يوسف فوجدها تجلس بجواره وتضع على جبينه كمادات بارده وهو يرتجف تحت الغطاء بقوه...
نظرت اليه عفاف قالئلة بتوتر:اتصلت بالدكتور ...
كان ينظر الى يوسف فى شرود "معقوله انت تعمل كده..... يخسارة تربيتى فيك"

سمع زوجته تكرر عبارتها الاخيرة:أتصلت بالدكتور ولا لسه....اخرج هاتفه وأستدعى الطبيب
وضع الطبيب سماعة الكشف فى حقيبته وهو يقول :عنده حمى

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """" """""""""
:أصحى يا عبد الرحمن يالا قوم
تثائب عبد الرحمن وهو مازال نائما ويقول:سيبينى شويه يا ايمان
:ايمان مين يابنى انت معندكش تميز كمان... قوم يالا

رفع عبد الرحمن رأسه من على وسادته ولا يكاد يفتح عينيه بصعوبه وهو ينظر الى ايهاب الواقف امامه :انت ايه اللى جابك هنا انت ورايا ورايا فى كل حته حتى وانا نايم
ايهاب:يابنى احنا داخلين على العصر ومراتك الغلبانه بتصحى فيك من قبل الظهر ...قوم يالا عاوزين نخرج وانت معطلنا

وضع عبد الرحمن الوساده على رأسه وهو يقول :ما تخرجوا وانا مالى
نزع عنه الوساده وهتف به :انت متأكد انك عريس وفى شهر العسل ..
ماتقوم يابنى ادم خلينا نخرجهم شويه يتفرجوا على البلد ...
ثم خفض صوته وقال:ايمان شكلها مضايق اوى...
بتصحى فيك من بدرى وانت ولا انت هنا وقعده لوحدها من ساعة ما صحيت من النوم ..
قوم بقى متخليهاش تضايق كده فى شهر العسل يا اخى

نهض عبد الرحمن بكسل وأخذ منشفته ودخل الحمام ...
خرج ايهاب لايمان وفرحه غرفة المعيشه الملحقه بغرفتهم قائلا بنفاذ صبر:جننى لحد ما قام
قالت ايمان باستياء:اومال انا اعمل ايه ده عذبنى.... من الصبح وانا قاعده لوحدى ومش راضى يقوم

ارتدى عبد الرحمن ملابسه وخرج اليهم معتذرا ...توجه الجميع الى ردهة الفندق ومنه الى الشاطىء
كانت فرحه تتمشى على الشاطىء بجوار ايهاب وهو ممسك بيدها وتتشابك اصابعهما فى حب
بينما كان عبد الرحمن يمشى وهو واضع يديه فى جيبه... وايمان بجواره تنظر للبحر فى وجوم
قال وهو ينظر للمياه : الميه هنا صافيه اوى...

لم ترد عليه فالتفت اليها فوجدها شارده فقال:الشط هنا فاضى تحبى تقفى فى الميه شويه
أشارت براسها نفيا وقالت:لا مش هينفع هدومى لو اتبلت هتبقى لازقه على جسمى وهتفصله
لفت نظره فرحه وايهاب وهم يمزحون امامهم على الشاطىء ....
يتقاذفون الرمال وبعض المياه التى تأتى اليهم مسرعه على الشاطىء وكأنها تشاركهم سعادتهم ومرحهم ......ويرى ايهاب وهو ممسك بعصاه ويكتب بها على الرمال بحبك يا فرحه ويرسم حولها قلب كبير.... ابتسم و ونظر الى ايمان التى مرت بجوار القلب الذى رسمه اخيها ولمعت عيناها بالدموع ...وأسرعت الخطى
اسرع اليها عبد الرحمن بخطوات واسعه قائلا:فى حاجه يا ايمان
قالت:لا ابدا بس بردت شويه
عبد الرحمن :تحبى نرجع الفندق
ايمان:لا مش هينفع ايهاب قال هنتغدى مع بعض
قال:زى ما تحبى ...ثم تناول كفها فى تردد وطبع عليه قبله وظل ممسكا بها...

لم تشعر ايمان بحراره يده لم تشعر بشوقه لها ابدا ..... وكأنه يفعل ذلك مجاملة ...
وأن طبيعة الموقف تفرض عليه ذلك ......يفعل ذلك لانه يجب ان يفعله فقط
الفصل التاسع عشر

صعدت الفتاتان كل منهم الى حجرتها فى الفندق بينما ذهب عبد الرحمن وايهاب لاداء صلاة العشاء
دخلت ايمان حجرتها توضأت لصلاة العشاء ...أختارت جانبا بعيدا نسبيا فى غرفتها ووقفت لصلاة وعند اول سجده انهار تماسكها بشكل كامل ظلت تبكى وتبكى وتدعو الله عزوجل ان يصرف عنها الهم والحزن وان يقذف حبها فى قلب زوجها

كانت تبكى وتدعو بمراره حتى انتهت من صلاتها وقامت لتصلى النوافل واصابها ما اصابها مره اخرى عند السجود... البكاء والالم تذكرت ليلتها الماضيه كيف كانت مثل اى عروس يكسوها الخجل والحياء تحتاج الى زوجها ليطمئنها ولكنه تعامل مع خجلها منه بالعزوف عنها

هو فى الاصل لم يكن مقبلا عليها لم يكن شغوفا بها مثل اى زوج ليلة البناء .....بل كان الامر وكأنه أستغل حيائها ليبيت ليلته بعيدا عنها وتذكرت كيف استيقظت باكرا لتوقظه بحجه الخروج مع ايهاب وفرحه ....كانت تتصور انه فعل ذلك بالامس لاجهاده بسبب السفر وحفلة الزفاف وسيتغير الحال بمجرد ان ينام ويرتاح
ولكنها وجدت شيئا اخر لم يستجيب لها ورد عليها قائلا:لما يجوا خارجين ابقى صحينى

أخذتها افكارها وغفيت وهى ساجده ...دخل عبد الرحمن الحجره بهدوء ووقع عليها نظره وهى ساجده فى سكون بدل ملابسه ودخل الى فراشه ..انتظرها ترفع من سجودها ولكنها لم تفعل ..توقع انها أخذتها غفوه فى سجودها أقترب منها ليوقظها قائلا
:ايمان ..ايمان انتى نيمتى وانتى كده ولا ايه

انتبهت من غفوتها ونهضت مستنده الى ذراعه وقالت:اظاهر انى نمت وانا ساجده
عبد الرحمن:شكلك تعبان ..تعالى نامى فى سريرك

خلعت اسدال الصلاة واستلقت على الفراش ولم تغمض عينيها ..نظر اليها قائلا:منمتيش ليه
نظرت اليه بانتباه وقالت:مش جايلى نوم
عبد الرحمن:لا لازم تنامى بكره بدرى عندنا فسحه بحريه من اول اليوم وايهاب هيصحينا من الفجر
.......تصبحى على خير.واغمض عينيه لينام

نظرت اليه فى ذهول لم تكن تتوقع ردا كهذا .....الهذه الدرجه لديه عزوفا منها الهذه الدرجه لا يحبها ولا يشعر انها زوجته.... لم يكن هناك الا تفسيرا واحده لتصرفاته..لقد تزوجها رغما عنه لقد ارغمه والده على الزواج منها هو لا يريدها ........
عندما وصلت لهذه النتيجه اغمضت عينيها فى الم وقررت ان تزيل عنه الاحراج الذى وقع فيه ..ستكون هى الرافضة له وليس العكس حفاظا على كرامتها

كان يتظاهر بالنوم يغمض عينيه ليهرب من نظراتها المتسائله لا يعلم الى متى الهروب لقد كان يتصور انه بمجرد ان تكون زوجته سيعتاد على وضعها الجديد فى حياته... وسيشعر تجاهها بالحب بل حتى اضعف الايمان انه كان سيتصرف بشكل طبيعى فلقد اصبحت زوجته ومن المفترض ان يبدأ حياته معها
وهل كل رجل يتزوج امراه لا يحبها يبتعد عنها هكذا ....تدور الكلمات فى عقله لا يجد لها تفسيرا واضحا سوى انه تزوجها برغبة ابيه لا برغبته هو قرر انه فى الغد وبعد عودتهم من الرحله البحريه ان يحاول اذابة الحواجز الجليلديه التى تفصله عنها

وفى الصباح ذهبوا جميعا الى رحلتهم البحريه كانت فرصه جيده لايمان ان تستنشق هواء البحر وتسرح فى جمال الوانه الصافيه وتشاهد الاسماك عن قرب كانت تحتاج الى مثل هذا التغيير...... انشغلت فى عبادة التفكر فى خلق الله وهى ترى هذه المناظر الجميله لاول مره لم تفارق شفتاها كلمة سبحان الله ...من جمال ما ترى
جلست فرحه بجوارها فى سعاده وهى تقول:ايه يا جميل قاعد لوحدك ليه
قالت ايمان بمزاح: انا ياختى مش قاعده لوحدى ...السمك قاعد معايا

ضحكت فرحه وجاء ايهاب يلف ذراعيه حول كتفيها قائلا:وحشتينى الثوانى دول
نظرت له ايمان بحنان وقالت :ربنا يخليكوا لبعض...قبل راسها قائلا:ربنا يخاليكى ليا يا ايمان .....ولا اقولك يا ستى ربنا يخاليكى لجوزك لحسن يزعل منى

رسمت ابتسامه مصطنعه على شفتيها وهى تقول:اه طبعا هيزعل كويس انه مش سامعك
ايهاب :انتى بتخوفينى بالحوت بتاعك ماشى يا ايمان ثم نادى على عبد الرحمن بصوت عالى جدا انت ياعم الحوت سايب الحوته بتاعتك لوحدها ليه
اقترب عبد الرحمن ضاحكا وهو يقول:حوته...لغتك العربيه فوق الوصف يا ايهاب
قالت فرحه بطفوليه وهى تضع يديها فى خصرها:لو سمحت متتريقش على جوزى

ظل عبد الرحمن يمازحها ويدفعها وتدفعه ....فى حين اقترب ايهاب من ايمان وهمس فى أذنها بلاش تتصنعى السعاده تانى قدامى ..متنسيش انى بحس بيكى
نظرت له فى توتر ثم انزلت نظارتها الشمسيه على عينيها وهى تقول هتعملى فيها كرومبو يالا يابنى روح شوف مراتك
أمسكها ايهاب من ذراعها بقوه والقاها فى اتجاه عبد الرحمن وهو يقول له :خد ياعم مراتك دى ..تلقى عبد الرحمن ايمان بين ذراعيه وأشار الى ايهاب اشاره تحذيريه وهو يقول بمزاح:حذارى اشوفك فى المعركه
أخذ ايمان وهو يلف ذراعه حول كتفها وأتجه الى سور القارب الكبير ..ازاحت ايمان يده بلطف واستندت الى السور وهى تنظر للمياه...صمت قليلا ثم التفت اليها قائلا:شيلتى ايدى ليه
قالت دون ان تلتفت:ابدا كنت عاوزه اسند على السور
قال:انتى زعلانه مني
شعرت بجفاف حلقها وهى تقول:وهزعل منك ليه
نظر الى البحر شاردا لا يعلم هل يعتذر الان عن ما بدر منه ام ينتظر حتى يعودوا الى الفندق

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """" """"""""

أنقضت الرحله وعادوا الى الفندق مره اخرى ولكن بمجرد ان دخلوا حتى وجدوا اتصالا من وليد
رد عبد الرحمن فى قلق:خير يا وليد فى حاجه
وليد :لا ابدا كنت بطمن عليكوا بس ........ثم تصنع التردد والارتباك وهو يقول :طب اقفل انا بقى

ازداد قلق عبد الرحمن وقال:ما تكلم على طول يا وليد فى ايه حد جراله حاجه
وليد:انا مش عاوز اقلقك واقطع عليكوا شهر العسل بس انا عارف يوسف متعلق بيك قد ايه ووجودك جانبه هيساعده على الشفا
هتف به عبد الرحمن:ماله يوسف يا وليد ما تكلم
وليد:الدكتور قال عنده حمى جامده اوى والمشكله انه بقالوا كام يوم وحالتوا مش يتتحسن خالص
بالعكس

أغلق عبد الرحمن الاتصال فى وجوم اقتربت منه ايمان وفرحه التى سالته فى حاجه يا عبد الرحمن انا سمعت اسم يوسف
قال فى شرود وقلق:وليد بيقول تعبان وعنده حمى
اضطربت فرحه ولمعت عيناها بالدموع وهى تقول يالا نروحله يا عبد الرحمن عاوزه اشوف يوسف

قال:خليكى انتى وانا هرجع مصر اطمن عليه وهبقى اكلمك اطمنك
قال ايهاب:لا يا عبد الرحمن مينفعش احنا ننزل كلنا نطمن عليه استنى هروح اشوف فى حجز اقرب وقت امتى

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """" """""""""

كانت عفاف تجلس بجوار مريم تحاول ان تطعمها شيئا وترفض فى ضعف قائله:والله مش قادره اكل حاجه يا طنط معدتى وجعانى اوى من البرد
عفاف:يابنتى ده انتى دبلتى خالص ووشك بقى اصفر من قلة الاكل
وفاء :مش معقوله كده يا مريم كل يوم تغلبينا ومترضيش تاكلى حاجه خالص مش شايفه نفسك اتعدمتى خالص ازاى

وضعت عفاف الاطباق على الطاوله امام وفاء وقالت لها:خدى حاولى تأكليها اى حاجه على ما انزل ابص على يوسف زمان الدكتور جايله دلوقتى
تنهدت وفاء فى قلق وهى تقول:انا مش عارفه ايه اللى حصلكوا انتوا الاتنين
هو عنده حمى ومفيش تحسن فى صحتوا خالص وانتى رافضه تاكلى وتشربى بسبب النازله المعويه
انتوا اتحسدتوا ولا ايه يا مريم

نظرت اليها فوجدتها شارده وكأنها فى عالم آخر تحسست جبينها وقالت:مالك يا مريم انتى تعبانه ولا ايه
مريم:لا ابدا بس محتاجه انام شويه
تفحصت وفاء فى وجهها وقالت:نفسى اعرف وشك اتجرح كده ازاى..... ده ربنا ستر على عنيكى
وضعت مريم يدها على الجرح بشكل تلقائى وهى تقول:اتخبطت فى مراية الحمام وانا بغسل وشى ومكنتش شايفه...ثم اردفت فى سرعه طب انا هقوم ارتاح شويه يا وفاء

تركتها وفاء لتنام وهبطت لشقة عمها وعندما رأتها والدتها اخذتها بعيدا وقالت:ايه ياوفاء مش قلتى هتحددى معاد مع العريس...مجيتيش قولتليلى المعاد ليه
وفاء:ياماما عريس ايه فى اللى احنا فيه ده دلوقتى مش لما نطمن على يوسف الاول

ضغطت فاطمه على يدها قائله:يابنتى ماهو مسيره هيخف النهارده ولا بكره هيخف نأجل ليه بقى
حاولت وفاء ان تتخلص من ذراع امها وهى تقول:يا ماما سيبينى دلوقتى مش وقته الكلام ده
اقتربت عفاف منهم وقالت متسائله:فى ايه يا جماعه مالكوا

قالت فاطمه بسرعه:شوفتى ياختى البت وفاء متقدملها عريس ومستعجل اوى اوى والبت يا عين امها رفضه انه يجيى البيت علشان خاطر يوسف..اقولها يا وفاء ده يوسف راجل انا عارفاه حمال قاسيه وهتلاقيه قام زى الحصان النهارده ولا بكره بالكتير تقولى لا يا ماما لما نطمن عليه الاول
رفعت عفاف حاجبيها بعدم اقتناع وقالت لوفاء:ليه يابنتى ......لا انا ميرضنيش كده ابدا يا وفاء كلميه وخليه يجى فى اى وقت ومتقلقيش يابنتى ان شاء الله يوسف هيتحسن قريب..وتركتهم وانصرفت

نظرت فاطمه الى وفاء فوجدتها تنظر لها باستنكار شديد فقالت:ايه يابت بتبصيلى كده ليه ماهى كانت لازم تعرف ولا يقولوا جوزوا عيالهم وانا بنتى قاعده كده
ضغطت وفاء على اسنانها بغيظ وذهبت ولكنها اصدمت بوالدها الذى قال:مالك يا وفاء واخده فى وشك كده ليه
وفاء:ابدا يا بابا بس رايحه اشوف طنط عفاف لو كانت محتاجه حاجه ..عن اذنك

استغلت فاطمه الموقف واقتربت منه وقالت :اصلها زعلانه يا ابو وليد علشان موضوع العريس ده
ابراهيم :ليه ايه اللى حصل
فاطمه:ابدا اصله كان حدد معاد معاها يجيلك بكره وهى محرجه ومش عارفه تعمل ايه
ابراهيم فى تفكير :هيجى ازاى بس فى الظروف دى
قالت فاطمه محاولة اقناعه:هو يعنى هيجى نلبس دبل ولا نعمل فرح .....ده هيجى يقعد معاك تشوفه بس مش اكتر وتتعرف عليه قاعده عاديه كده زى اى ضيف ما بيجى
صمت ابراهيم يفكر فى الامر ثم قال:خلاص متخليهاش تلغى المعاد يجى ويقعد معايا ساعة زمن كده ويمشى لما نشوف ميته ايه
ابتسمت فاطمه فى انتصار ونادت على وفاء التى جاءت متبرمه:افندم يا ماما
فاطمه:خلى العريس يجى بكره ابوكى حدد المعاد خلاص

اتسعت عيناها فى ذهول وقالت:ليه كده بس يا ماما مش هينفع طبعا قولى لبابا يأجل
قالت فاطمه فى مكر:عموما ابوكى عارف ان المعاد العريس هو اللى حدده .......يعنى لو روحتى وقلتيله انه لغى المعاد هيفتكر انه راجل بيرجع فى كلامه وهيرفضه من قبل ما يشوفه

زفرت وفاء فى ضيق وقالت :ليه كده بس يا ماما عملتى كده ليه
فاطمه:بكره تعرفى انى عاوزه مصلحتك يالا روحى كلميه بسرعه

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """" """"""
وبعد ظهر اليوم التالى تفاجأ الجميع بعودة عبد الرحمن وايهاب وايمان وفرحه... قبل عبد الرحمن كف امه وابيه الذى سأله:ايه اللى جابكوا دلوقتى يا عبد الرحمن
عبد الرحمن:مقدرناش نستنى لما عرفنا ان يوسف تعبان
الحاج حسين:مين اللى قالكوا انه تعبان
قالت فرحه :وليد كلمنا وقالنا انه تعبان اوى وعنده حمى

هتف حسين :وايه اللى خلاه يعمل كده هو خلاص بقى كل واحد يتصرف من دماغه
عبد الرحمن:اهدى يا بابا هو عارف ان يوسف هيتحسن لما يشوفنى يعنى اكيد قصده خير
ثم تابع عن اذنك يا بابا ادخله دخل ثلاثتهم الى يوسف وانتظر ايمان فى الخارج قليلا ثم قالت :انا هطلع اشوف مريم

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """" ""
اما فى الداخل فى غرفه يوسف كان يجلس بصعوبه وهو يضم اخيه بقوة اتسعت ابتاسمة عفاف وهى تقول اللهم لك الحمد ده اول مره يتحرك دلوقتى لما شافك يا عبد الرحمن
تحسس عبد الرحمن جبين يوسف وقال:الحراره عاليه شويه تحسسته عفاف وهى تقول بسعاده:دى كده نزلت شويه الحمد لله ايدك فيها البركه يا عبد الرحمن..تقدم ايهاب من يوسف وقال :لا بأس طهور ان شاء الله ربنا يقومك بالسلامه يا يوسف
لم يستطع يوسف ان ينظر فى عيني ايهاب

وقال فى ضعف:متشكر يا ايهاب ..نظر الى اخيه قائلا:انتوا ايه اللى جابكوا من شهر العسل
قال ايهاب:شهر عسل ايه وانت تعبان كده يا يوسف انت اهم من اى حاجه تانيه
شعر يوسف بكلمات ايهاب تمزق قلبه وتكوى عروقه....... لعن نفسه وهو يستمع لكلماته الصادقه....... كاد ان يهتف قائلا:تركتها بيننا لنحميها فغدرت بها فى غيابك كأى كلب مسعور يتجول فى الطرقات ينهش الاعراض

طال صمته فشعر ايهاب انه ربما يود التحدث مع اخيه على انفراد فقال ايهاب:طب استأذن انا بقى هطلع اشوف مريم اصلحها وحشتنى اوى بنت الايه دى
حاول يوسف القيام ولكنه لم يستطع فساعده عبد الرحمن على النوم فى الفراش مره اخرى وهو يهتف بايهاب:استنى يا ايهاب عاوزك فى موضوع مهم
اقبل عليه ايهاب وهو يقول:استريح بس يا يوسف شكلك تعبان اوى

حاول يوسف الابتسام وهو يقول الموضوع اللى عاوزك فيه لو وافقت عليه هخف على طول واستريح
ايهاب:خير يا يوسف اؤمر انا عنيه ليك
يوسف:انا مش عاوز عنيك انا عاوز الاغلى من عنيك عندك ..عاوز اتجوز مريم

ابتسم ايهاب فى حين قال عبد الرحمن مداعبا تصدق انا غلطان اللى اتخضيت عليك....... بقى تعبان كده وعاوز تجوز
يوسف :اصلى بصراحه كنت عاوز اكلم ايهاب فى الموضوع ده قبل ما يسافر بس قلت أجل لما يرجع من شهر العسل.... بس طالما جه خلاص نأجل ليه
ايهاب:طب لما تتحسن كده نبقى نتكلم
يوسف:لا انا مش هتحسن الا لما ترد عليا

التفت له عبد الرحمن وهو يقول:رد عليه يا عم خلينا نخلص
ابتسم ايهاب وقال:انا مش هلاقى لاختى احسن منك يا يوسف بس لازم اخد رايها الاول وكمان عمى لازم اسمع رأيه الاول
قال يوسف بسرعه :انا كنت اتكلمت معاه قبل كده وهو موافق ومستنى موافقتك انت ومريم

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """" """""""
اندفعت مريم بين احضان ايمان وبكت بشده وهى تتشبث بها بقوة......... شعرت ايمان بالقلق على اختها فربتت على ظهرها ثم امسكت وجهها بين يديها ونظرت فى وجهها متفحصة اياه وقالت بقلق:مالك يا مريم فى حاجه حصلتلك ولا ايه...... مالك كده لونك مخطوف وايه الجرح اللى فى وشك ده
قالت مريم من بين دموعها:مفيش حاجه يا ايمان متقلقيش انتى بس وحشينى اوى انتى وايهاب حسيت من غيركوا انى ضايعه وماليش حد
ابتسمت ايمان وهى تجلس بجوارها وتلف ذراعها حول كتفها وقالت:ليه بس اومال عمى حسين وعمى ابراهيم وطنط عفاف كل دول مش معاكى

مريم :مهما كان مش زيكوا برضه يا ايمان
تحسست ايمان الجرح فى وجه مريم وقالت:من ايه ده
مريم بارتباك:ابدا اتعورت فى مراية الحمام وتابعت وبعدين ده حاجه بسيطه يعنى بكره يخف
ضمتها ايمان بحب وقالت :احكيلى بقى عملتى ايه اليومين اللى فاتوا دول..قاطعها
طرقات ايهاب على الباب
نهضت ايمان وفتحت الباب لايهاب فدخل مبتسما ولكنه بمجرد ان راى مريم عقد حاجبيه قائلا:ايه ده مالك يا مريم

قالت ايمان :ابدا دى جالها نازلة برد جامده يوم الفرح وطنط عفاف قالتلى انها من ساعتها مش عاوزه تاكل
بدا علامات الاتياح على وجه ايهاب وسألها نفس السؤال عن جرحها فقالت :مراية الحمام الله يسامحها خدتنى على خوانه وانا مغمضه عنيه

احتضنها ايهاب وهو يقول :وحشتينى اوى مريم مكنتش اعرف انك هتوحشينى اوى كده .........هقولك بقى على خبر هيخاليكى تاكلى اكل البيت كله
مريم :خير يا ايهاب
ايهاب مبتسما:يوسف طلبك منى دلوقتى

أطرقت مريم رأسها واغمضت عينيها وأضاءت صورته فى عقلها وهو يدفعها للخلف فانتفضت بدون وعى منها نظر لها ايهاب بقلق:ايه مالك
حاولت مريم السيطره على مشاعرها وهى تقول متصنعة الخجل:ابدا يا ايهاب وانت قلتله ايه
ايهاب:قلتله لما اسالك الاول...
وقفت ايمان بشكل تلقائى وهى تقول بحسم: لاء ...انا مش موافقه

الفصل العشرون

وقفت ايمان بشكل تلقائى وهى تقول بحسم:لاء.......انا مش موافقه
نظر لها ايهاب مندهشا وقال:ليه يا ايمان ..انتى تعرفى حاجه عن يوسف تخليكى ترفضى
كانت مريم تنظر اليها بوجه ممتقع وهى تقول:لا معرفش حاجه ...انا بقول وجهة نظرى وخلاص
ايهاب:طب ايه هى وجهة نظرك دى يمكن اقتنع بيها انا كمان
ارتبكت ايمان وهى تقول:انا بس خايفه تكون دى رغبة عمى حسين مش رغبة يوسف نفسه

زاد امتقاع وجه مريم وزادت ضربات قلبها بشده فكل منهما تفكر بشىء مختلف عن الاخرى
هز رأسه نفيا وقال:لا مفتكرش يا ايمان لو كان كده فعلا كان يوسف استنى لما يخف وبعدين يوسف قالى انه قال لوالده وهو موافق وبعدين احنا كل ده مسمعناش رأى مريم نفسها ثم نظر اليها قائلا:ها يا مريم انتى ايه رايك
قررت مريم حسم الخلاف فجميعهم لا يعلمون ما حدث وهذه الزيجه لن تكون الا للستر فقط ويوسف فى كل الاحوال مضطر الى الزواج منها فوقفت وهى تقول بخفوت:انا موافقه

صاحت ايمان وهى تلتفت اليها قائله:انتى هبله ولا ايه انتوا شخصيتكوا مختلفه تماما عن بعض ومكانش فى بينكوا اى عمار اساسا ولا ناسيه انتى سبتى الشغل معاه ليه فجأه كده عاوز يتجوزك مش تشغلى مخك اكيد عمى هو اللى ضغط عليه زى ما عمل مع .......
وبترت عبارتها وهى تنظر الى مريم وايهاب ثم قالت فى عصبيه انتوا حرين انا قلت رأى وخلاص
ودخلت غرفتها وتركتهما يتبادلان النظرات الحائرة

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """""""""""""""""
طرق وليد باب غرفة يوسف ودخل مبتسما دون أذن وهو يقول:ازيك النهارده يابن عمى..
ثم وقع بصره على عبد الرحمن فقال مبتهجا وهو يعانقه :وانا اقول البيت نور ليه اتارى العرسان رجعوا
عانقه عبد الرحمن وهو يقول:ما انت السبب ياخويا

وليد:طبعا ياعم مين قدك لازم تبقى مضايق انك رجعت طبعا
اقترب وليد من فراش يوسف وجلس على طرفه قائلا:ها عامل ايه النهارده
أشاح يوسف برأسه بعيدا وقال باقتضاب:الحمد لله
نظر لهما عبد الرحمن وقال:طب اروح انا بقى اشوف حالى

قال يوسف بسرعه: لا استنى يا عبد الرحمن عاوزك فى موضوع مهم
وقف وليد متحرجا وقال:طب استأذن انا بقى يا جماعه..حمد لله على سلامتك يا صاحبى
ثم خرج واغلق الباب خلفه..قال عبد الرحمن بعتاب:ليه كده يا يوسف احرجته جامد
سوف:مبقتش طايقه يا عبد الرحمن بقى عامل زى الكابوس على صدرى
عبد الرحمن مستفهما:ليه هو عمل حاجه ضايقتك

يوسف باقتضاب:تصرفاته كلها بضايقنى انا مش عارف كنت مصاحبه ازاى
غير عبد الرحمن مسار الحديث وقال بجديه:طب قولى بقى انت عاوز تتجوز مريم بجد ولا ابوك هو اللى ضغط عليك
اصفر وجهه وهو يقول:وبابا هيضغط عليا ليه فى حاجه زى كده
عبد الرحمن:طب الحمد لله عموما انا كنت عارف انك بتحبها بس كنت عاوز أتأكد
نظرله يوسف بانتباه قائلا:وعرفت ازاى
غمز عبد الرحمن له وهو يقول:ابوك هو اللى قالى ..اه يا ندل بقى ابوك يعرف وانا لاء
يوسف:بابا قالك كده امتى

عبد الرحمن:واحنا راجعين من العمره ..قالى انه حاسس انك بتحبها
صمت يوسف فى شرود فقال عبد الرحمن:بس انت الحمد لله حاسس انك بقيت احسن من اول ما شفتك بكتير..ما تحاول تقوم كده معايا تاخد دش وننزل الجنينه شويه

خرجت فرحه من شرفة غرفة يوسف وهى تقول:هو مين اللى خرج دلوقتى
عبد الرحمن :انتى لسه فاكره يا هانم..حبك الكلام فى التليفونات دلوقتى
قالت فرحه وهى تجلس بجوار يوسف:بكلم صاحباتى بقى مش خلاص اطمنا على يوسف الحمد لله
ربت يوسف على يد فرحه وقال:قوليلى ايهاب عامل ايه معاكى
ابتسمت فرحه فى خجل وقالت:الحمد لله يا يوسف ايهاب انسان جميل اوى وبيحبنى جدا
أومأ يوسف فى حزن وهو قول:ربنا يسعدكوا

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """"""""""
يا ايمان مخبيش عليا انتى فى حاجه بينك وبين عبد الرحمن يابنتى ده انا اخوكى وعارفك كويس انتى من امتى يعنى عصبيه كده
:لو سمحت يا ايهاب كفايه بص..حتى لو فى حاجه بينى وبين جوزى مش هقولها لاى حد ابدا ولا حتى لاخواتى
ايهاب:يا ايمان يا حبيبتى اكيد اللى زعلك منه حاجه كبيره ده انتوا لسه مكملتوش اسبوع مع بعض قوليلى انا ليه طريقه معاه ومتقلقيش مش هتحمق عليه

ايمان:سبنى يا ايهاب لو سمحت عاوزه انام تعبانه من السفر اوى
وضع قبله على راسها وقال بحنان:كمان هتنامى هنا وهتسيبى شقتك عموما خلاص انا مش عاوز اعرف براحتك خالص بس لو احتاجتى تتكلمى انا موجود...انا هروح شقتى مش عاوزه حاجه
ايمان:لا شكرا ....خرج وهو ينظر اليها واغلق الباب خلفه
غادر ايهاب الى شقته الخاص وهو فى حيرة من امرها حاول الاتصال بفرحه ولكن هاتفها مشغول دائما..هبط الى شقة عمه طرق الباب ففتحت له عفاف قالت مرحبة :تعالى يا ايهاب ادخل

وعند دخوله وجد يوسف يخرج من حجرته وهو متكاء على اخيه ويمشى ببطء قال ايهاب فى سعاده:ايوه كده يا راجل قوم ورخم علينا تانى
ابتسم عبد الرحمن ويوسف وقال ايهاب::ها كنتوا رايحين فين
عبد الرحمن:يوسف هيدخل ياخد دش وننزل الجنينه شويه يغير جو.. تيجى معانا
ايهاب:اجى وانا بيهمنى يعنى
عفاف:اومال فرحه فين
عبد الرحمن:فى البلكونه جوه بتكلم صاحباتها
أومأ ايهاب قائلا:انا قلت كده برضه

دخل يوسف الحمام وجلس عبد الرحمن بجوار ايهاب واستند الى ظهر مقعده الوثير واغمض عينيه يحاول الاسترخاء .....تصنع ايهاب الامبالاه وقال:مش عارف يا اخى ايمان بقت عصبيه كده ليه
انتبه عبد الرحمن وفتح عينيه والتفت الى ايهاب قائلا باهتمام:ليه حصل ايه
مط ايهاب شفتيه :وقال:لما قلت لمريم على طلب يوسف لقيتها كده اتعصبت وقالت الاتنين طباعهم مختلفه ثم نظر الى عبد الرحمن وتفحص فى عينيه وهو يتابع:وقالت ان ممكن يكون عمى حسين هو اللى ضغط عليه
هرب عبد الرحمن ببصره وقال بحذر :وايه اللى خلاه تفتكر كده

عقد ايهاب يديه امام صدره وتنهد بقوة قائلا :مش عارف انا اول مره اشوفها منفعله كده
خرجت فرحه من غرفه يوسف فرأتهما يجلسان بجوار بعضهما والصمت هو سيد الموقف فقالت:وحدوووووووه
التفت ايهاب اليها ونظر لها نظرة شوق طويله أخفضت بصرها فى خجل وهى تقول:اومال فين يوسف
قام ايهاب وهو يقول:بياخد دش يا برنسيسه
رفعت حاجبيها وهو تقول بتتريق حضرتك
قال بعتاب:لا وهتريق ليه هو لا سمح الله انا بتصل بيكى من بدرى وانتى تليفونك مشغول ولا فكرتى تعبرينى من ساعتها لالالالا محصلش طبعا
قالت بعند:بكلم اصحابى يا ايهاب بلاش يعنى

ايهاب:لا بلاش ليه كلميهم بس ابقى افتكرينى بكلمتين انا كمان
قالت بدلال:طب خلاص متزعلش هفتكرك بتلت كلمات
امسكها من يدها وقال لعبد الرحمن طب يا عبد الرحمن عاوز حاجه احنا ماشين
رفع عبد الرحمن حاجبيه قائلا:انت مش قلت هتيجى معانا تحت يابنى
قال ايهاب بدهشه مصطنعه:انا قلت كده مش فاكر اصل انا ساعات بتكلم وانا واقف ادعيلى ربنا يشفينى
وسار بخطوات سريعه وهو يجر فرحه من يدها وهى تكاد تكون تعدو خلفه لتلحق بخطواته الكبيره

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """"""""""""""
وفى المساء كانت ايمان لاتزال نائمه ولكنها انتبهت على صوت مريم وهى توقظها بهدوء أعتدلت وهى تمسح وجهها لتزيل اثار النوم عنه فقالت مريم بخفوت:كل ده نوم انتى مش هتروحى شقتك ولا ايه
قالت ايمان بجديه:لا مش هروح

نظرت لها مريم بحيرة وقالت:ازاى يعنى يابنتى مينفعش
ايمان:مش هينفع اسيبك وانتى تعبانه كده
مريم:لا متتلككيش بيا انا بقيت كويسه من ساعة ما شفتكوا يالا بقى روحى شقتك
ايمان:من ساعة ما شوفتينا ولا من ساعة ما عرفتى ان يوسف عاوز يتجوزك
أطرت مريم رأسها بحزن وقالت:اه ...طبعا
رفعت ايمان راسها بيدها وقالت:انتى مخبيه عليا حاجه انتى مش مريم اللى اعرفها صمتت مريم فتابعت ايمان:انتى موافقه عليه ليه .بتحبيه ولا ماما اقنعتك

هزت رأسها نفيا وهى تقول:ماما مالهاش دعوه بالموضوع ولسه اصلا متعرفش انه طلبنى للجواز
قالت ايمان برفق:طب حبتيه امتى ده ...ده انتوا مكنتوش طايقين بعض
شعرت مريم بجفاف حلقها ونغز شديد فى صدرها وهى تقول بتماسك:حبيته لما عرفت انه بيحبنى
تابعت ايمان:هو قالك انه بيحبك؟

أجابت مريم :ايوه قالى ثم شردت وهى تقول:قالى يوم فرحك انتى وايهاب
سمعت صوته يدوى فى عقلها يزلزلها وهو يقول"انتى متستهليش الحب اللى حبتهولك يا حقيره"
فوضعت كفيها على اذنيها بانفعال ......امسكت ايمان يديها وهى تقول بقلق : مالك يا مريم

رفعت عينيها وهى تقول باجهاد وكانها كانت تحارب :لا مفيش اظاهر ان ودنى ملتهبه شويه..انا هقوم ارتاح فى اوضتى
قضت ايمان ليلتها تصلى وتبكى بين يدى الله عزوجل وقلبها تعتصره الالام هو حتى لم يسأل عنها ولو لمره واحده منذ ان تركته فى الاسفل وصعدت الى اختها شعرت بكبرياء انوثتها يتحطم على صخرة هذه الزيجه الغير مرغوب فيها وظلت تدعو تدعو وظلت على حالها هكذا حتى غفت مره اخرى وهى ساجده فرأت رؤيه اثلجت قلبها كثيرا ...

رأت نفسها ساجده وهى باكية العيون والقلب ثم رأت من بعيد حمامتان فى غاية الروعه والجمال شفافتان كالثلج من كثره بياضهما يحملان صدفه كبيرة بينهم فوقفا امامها فوجدت نفسها تنهض وتعتلى الصدفه المصقوله بالحرير طارت بها الحمامتان بعيدا حتى اتت على ارض خضاء واسعه مليئه بالزهور والرياحين ظلت تشم عبيرها وشذاها استفاقت ايمان من سجودها فوجدت نفسها كما هى لازالت ساجده فابتسمت لتلك الرؤيه الرائعه وشعرت بسعاده قلبيه لم تشعر بها من قبل

خرجت الى الشرفه لتتنسم الهواء الطلق واستنشقته بقوة حتى أمتلأت رئتيها بالهواء النقى فزفرت فى بطء شديد وهى تنظر الى الاسفل فوجدته نائما تحت المظله فى الحديقه واضعا يديه تحت رأسه وينظر الى السماء فى شرود

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """""""""""""
تلقى الحاج حسين اتصالا من اخيه وهو فى مكتبه فى الشركة فأجابه :السلام عليكم
الحاج ابراهيم :عليكم السلام ..ايوا يا حسين انا هروح اتغدى فى البيت علشان فى ضيف جايلى واحتمال مرجعش النهارده تانى ...وعموما وليد مش جاى معايا هيفضل هنا فى مكتبى لو احتاجت حاجه منه
الحاج حسين:خير يا ابو وليد مين اللى جايلك

ابراهيم:ده واحد معيد كان فى كلية وفاء وجاى يتعرف علينا هو ووالدته وأخوه علشان طالبها للجواز
ابتسم حسين قائلا:طب مش كنت تقولى يا ابراهيم واجب ابقى موجود علشان اشوفه انا كمان ولا هى وفاء بنتك لوحدك
ابراهيم:انا مرضتش اعطلك النهارده انت كنت مشغول من ساعة ما يوسف تعب وفى شغل كتر بقى فوق راسك وخصوصا ان عبد الرحمن هو كمان اجازه

حسين :تعطلنى ايه بس يا ابراهيم ...اسمع انا نص ساعه واحصلك
أنهى الحاج حسين المكالمه ثم اتصل على عبد الرحمن يخبره بأمر الضيف وامره ان يستعد لاستقباله مع عمه ابراهيم حتى يلحق بهم
صعدت فاطمه الى عفاف التى رحبت بها فقالت فاطمه:والله يا عفاف انا تعبت من كتر الناس اللى بتيجى لوفاء يارب بقى توافق على ده وتريحنا
ابتسمت عفاف وقالت:طالما جاى عن طريقها يبقى هتوافق....ثم تابعت هو الحاج حسين وصل عندكوا ولا لسه
فاطمه :ايوا ياختى لسه داخل حالا ..يالا بقى هاتى فرحه وايمان ومريم وتعالوا علشان الست والدته جايه معاه
عفاف:طب ثوانى هكلم ايمان ومريم ينزلوا

حاولت ايمان ان ان تأخذ مريم معها ولكنها رفضت وقالت :معلش يا ايمان انزلوا انتوا انا اصلى تعبانه شويه
ايمان:خلاص وانا كمان مش هنزل
قالت مريم بسرعه:لا انزلى طنط عفاف كلمتنا بنفسها كده هتزعل وبعدين كمان علشان وفاء متزعلش
توجهت ايمان الى الطابق الاول حيث شقة عمها ابراهيم التى نادرا ما تتوجه اليها طرقت الباب فتح عبد الرحمن ووقف ينظر اليها فقالت وهى تتحاشى النظر اليه :السلام عليكم
ابتسم قائلا:عليكم السلام ..تعالى ادخلى

دخلت والقت التحيه على اعمامها وزوجاتهما وفرحه ووفاء التى جلست بجوارها وقالت مداعبه مش كنتى بتقولى عليه فيونكه اديكى هتلبسيه ضحكت الفتاتان فنظر عبد الرحمن لايمان مندهشا كان يتوقع ان تكون حزينه ومغلوب على امرها ولكنه وجدها تتحدث وتمزح وتضحك ظل ينظر اليها بتعجب وهو يحادث نفسه:انا كنت فاكرها هتبقى زعلانه ومضايقه مالها كده كأنها مصدقت ابعد عنها
بعد قليل حضر العريس بصحبة والدته واخوه وبعد التعارف جلس الجميع فى غرفة الصالون الكبيرة ولم يكن يبدو على وفاء انها هى العروس فكانت كعادتها دائما تمزح وتتكلم بسلاسه مع الجميع

قال عبد الرحمن للعريس :طبعا انت بقى يا استاذ عماد وفاء كانت مجنناك فى الكليه والسكاشن مش كده مبتسبش حقها ابدااااااااا
قال عماد وهو ينظر لوفاء:الانسه وفاء مثال رائع للطالب اللى بيحب يفهم مش يحفظ وبس ثم تابع ومن ناحية بتحب تاخد حقها فهى بتاخد حقها تالت ومتلت

وفاء :بس بالعدل كده مش انا اول واحده فتحت موضوع اننا نعمل مقارنه بين الشريعه والقانون الوضعى فى غير وقت السكاشن للطلبه
ضغطت امها على يديها وقالت لها هامسه وهى تتصنع الأبتسامه:هو ده وقته يا بت هتجبيلى نقطه
وفاء:ايه يا ماما هو انا قلت حاجه غلط
عفاف:دى كانت يابنى داوشانا بالموضوع ده كل جمعه لازم تاخد وقت الغدا كله كلام على الحكايه دى
قالت وفاء وكأنها قد انتبهت فجأه:اه صحيح ثم اشارت لايمان وقالت دى بقى ايمان اللى كنت قلتلك انها هى هتساعدنى فى الدراسه دى
نظر لها عماد قائلا:ايه ده بجد ... اتشرفت بيكى جدا هو حضرتك خريجة ايه
قالت ايمان بجديه:كلية شريعة جامعة الازهر
لفتت عبارتها الاخيره نظر محمد اخو عماد:فقال ماشاء الله ..انا كمان جامعة الازهر بس انا كنت قسم تفسير
قالت ايمان بهدوء :اهلا وسهلا
محمد :اهلا بحضرتك ...

اقتربت والدة عماد ومحمد بالقرب من ايمان وربتت على ظهرها وهى تقول بابتسامه:هو انتى عندك كان سنه يا ايمان
ايمان:23 يا طنط
قالت والدتهم وهى تنظر لابنها محمد :ماشاء الله ...ماشاء الله
ابتسم محمد وهو يلقى نظرة اخرى على ايمان قائلا:بصراحه عماد اخويا كانت ليه وجهة نظر معينه كده فى الحكايه دى ومكنتش عارف اقنعه ابدا لحد ما الانسه وفاء ابتدت تتناقش معاه وتقنعه بالحجه الشرعيه المناسبه لزمانا دلوقتى
قالت وفاء:الحق يتقال يا استاذ محمد كل اللى كنت بقوله فى مناقشاتى مجبتوش من عندى ده كلام ايمان بنت عمى هى اللى اقنعتنى وحمستنى انى اوصله للطلبه عندنا فى حقوق

قال عماد شارحا:وانا كمان اتحمست وقررنا نعمل ندوات ثقافيه للطلبه وهيبقى حقوق وغيرها الندوه هتبقى مفتوحه....ياريت لو تساعدينا فى تجميع الماده اللى هتتكبت وتتوزع على الطلبه
تحدثت ايمان بطلاقه واريحيه وقالت:انا معنديش مانع خالص انا كان نفسى من زمان اساعد فى الموضوع ده انا هبقى ان شاء الله ابعت الورق مع وفاء وانتوا بقى راجعوه واكتبوه على الكمبيوتر علشان انا بحب اكتب بخط ايدى بحس بالكلام اكتر
قال محمد وهو ينظر لها بإعجاب:وبعد اذنك يعنى لو ممكن حضرتك تحضرى معانا الندوات دى وتشرحى بعض الاجزاء بنفسك ثم قال وهو ينظر اليها:اصلك عندك طلاقه فى الكلام ماشاء الله وبتقدرى توصلى المعلومه

نظرة محمد الاخيرة وتصرفات والدته استفزت عبد الرحمن جدا فنهض وأخذ مقعده ووضعه بجوار مقعد ايمان ووضع ذراعه على ظهر مقعدها ومال عليها وقال وهو يضغط حروف كلماته بضيق موجها حديث ل محمد:ايمان مراتى معندهاش وقت تروح تشرح كفايه عليها هتساعد بالكتابه بس يدوب كده علشان وقت بيتها واشار الى صدره وهو يقول:وجوزها
تجهم وجه محمد اخو عماد وهو يقول بتلعثم:اه طبعا مفيش مشكله

تجهم وجه محمد استفز عبد الرحمن اكثر اذن فهو صدم عندما علم انها متزوجه
لم تغب تلك التصرفات عن عينين الحاج حسين الذى كان يتابع بصمت ويراقب ردود الافعال
قالت فاطمه بنفاذ صبر:منور يا عريس...منوره يا ام عماد
انتهت الزياره بالاتفاق على ميعاد الخطوبه بعد اسبوع وبعد انصراف الضيوف قال الحاج حسين وهو ينهض خلاص يا جماعه يبقى نتوكل على الله ونعمل الخطوبه مع كتب كتاب يوسف ومريم

تفاجاء الجميع بالامر ماعدا عبد الرحمن وايمان فقالت فرحه بسعاده:ايه ده يوسف ومريم امتى حصل ده
اتسعت ابتسامة عفاف وهى تقول:هو كلمك امتى يا حسين ..
حسين:كلمنى يوم فرح عبد الرحمن وطلبها من اخوها امبارح وايهاب بلغنى موافقتها
ثم نظر الى ايمان نظره ذات معنى وقال:وفرحهم الاسبوع اللى جاى مع خطوبة وفاء ان شاء الله
قالت فاطمه وهى مندهشه:فرح كده على طول ولا قصدك كتب كتاب يا حاج

تدخلت عفاف قائله:مش هينفع فرح ابدا بعد اسبوع مريم لسه مشمتش نفسها من نازله البرد اللى كانت عندها
وقف ابراهيم وقال:خلاص يا جماعه يكتبوا الكتاب مع خطوبه وفاء وبعدين نبقى نحدد معاد الفرح مفيش مشكله
قاطعتهم وفاء بشغف انا ماليش دعوه بكل الحوارات دى انا اتخطبت يا جماعه انتوا مش واخدين بالكوا منى ليه مسمعتش حد بيزغرت يعنى
انطلقت زغاريد فاطمه وعفاف مع تصفيق فرحه وضحكات ايمان ووفاء السعيده
اقترب حسين من ايمان قائلا:تعالى معايا عاوزك انتى وجوزك

وانصرف وهو يشير لعبد الرحمن بأن يلحقهم......دخل ثلاثتهم غرفة المكتب واغلق عبد الرحمن الباب خلفه أشار لهما بالجلوس فى مقابلته ثم نظر لايمان بصمت فقال عبد الرحمن خير يابابا
التفت له والده وقال بهدوء: انا كان ممكن مدخلش برضه كان ممكن اخد كل واحد فيكم على جنب واكلمه لواحده بس انا عارف انى قاعد قدام اتنين كبار بما فيه الكفايه ثم نظر الى ايمان قائلا:
ولا ايه يا ايمان ...
أومأت براسها وهى تقول:مظبوط

التفت الى عبد الرحمن وقال:انت نمت امبارح فى الجنينه ليه لحد صلاة الفجر وبعدين روحت كملت نومك فى اوضة اخوك
نظر له عبد الرحمن بدهشه فهو كان يظن ان احدا لم يره وارتبك وهو يفكر فى رد مناسب فقالت ايمان بسرعه:اصلنا امبارح يا عمى نمت مع مريم علشان زي ما حضرتك عارف انها لسه مخفتش فمحبتش اسيبها لوحدها وهى كده وحضرتك عارف بقى عبد الرحمن بيحب يقعد مع حوض الورد بتاعه كتير فتلاقيه النوم غلبه هناك

أخفض عبد الرحمن نظره ولم يعلق ولكنه فى داخله اعجب بكتمانها اسرار حياتهما الشخصيه
هز الحاج حسين رأسه بابتسامه وقال:لا برافوا كان المفروض تدخلى كلية حقوق....خلاص طالما انتى قلتى كده انا مش هدخل فى اللى بينكوا الا لو الامر احتاج لتدخلى

دلوقتى بقى انا عاوزك فى موضوع مريم اختك واعتقد انه مش بعيد عن موضوعك كتير
ايمان بصمود:موضوع ايه يا عمى
حسين:ايهاب قالى انك رفضتى جوازها من يوسف ولما ضغطت عليه علشان اعرف اسباب رفضك قالى انك قلقانه انه يكون يوسف معندوش رغبه حقيقه فيها وان دى رغبتى انا بس

قال جملته الاخيره وهو ينظر لعبد الرحمن بعتاب وقال:انت ايه رايك يا عبد الرحمن
نهض عبد الرحمن وهو ينظر لايمان وقال بثقه:مفيش حد يتغصب على الجواز دلوقتى يا بابا واعتقد انك غلطانه فى حكمك يا ايمان
نهضت وهى تنظر اليه وقالت:انت متأكد
بادلها نفس النظرات وقال:ايوه متأكد

هذا ما كان يريده الحاج حسين تماما فتح لهما مجال الحديث عن الامر بدون حرج وبشكل تلقائى
ثم قال:ها يا ايمان لسه مش موافقه على الجواز ولا غيرتى رأيك
ايمان:ياعمى دى حياة مريم وهى اللى تقرر انا قلت رأيى وخلاص وهى حره بعد كده
حسين:بس انا عاوزك انتى كمان تبقى راضيه
ايمان:طالما مريم شايفه كده وراضيه خلاص ..انامش عاوزه غير سعادتها
ابتسم قائلا:خلاص تقدروا تتفضلوا

خرجت ايمان من المكتب فتحت باب الشقه فى سرعه وتوجهت الى المصعد تدون ان تلتفت لنداءات عبدالرحمن الذى فتح باب المصعد ودخل خلفها ضغط على الازرار وهو يقول :مش بنادى عليكى مبترديش عليا ليه
صمتت حتى توقف المصعد خرجت منه مسرعه وقبل ان تضغط جرس الباب امسك يدها ليمنعها قائلا:انتى خلاص هتعيشى هنا ولا ايه
قالت دون ان تلتفت اليه :انا مش عاوزه اتكلم دلوقتى لو سمحت

طريقتها استفزته جدا فشعر بالغضب وجذبها من يدها الى شقتهم الخاصه وهو يقول بحنق: اشمعنى انا اللى ملكيش نفس تتكلمى معاه ..انا جوزك يا هانم ولا نسيتى
فتح بالمفتاح وهى تحاول ان تخلص يدها من يده المطبقه على يدها بقوه ..فتح الباب وادخلها وصفع الباب خلفه بعنف...

الفصل الحادى والعشرون

طريقتها استفزته جدا فشعر بالغضب وجذبها من يدها الى شقتهم الخاصه وهو يقول بحنق :اشمعنى انا اللى ملكيش نفس تتكلمى معاه... انا جوزك يا هانم ولا نسيتى
فتح بالمفتاح وهى تحاول ان تخلص يدها من يده المطبقه على يدها بقوه ..فتح الباب وادخلها وصفع الباب خلفه بعنف
بمجرد ان اغلق الباب افلتت يدها من قبضته وهى تتأوه وتقول:ايه اللى انت بتعمله ده وجايبنى هنا ليه

تغيرت ملامحه فى لحظه وعقد يديه امام صدره قائلا بهدوء:اعمل ايه عاوز اتكلم معاكى وانتى مش مديانى فرصه
نظرت له باندهاش فلقد كانت تتوقع ان معركة ستبدأ بينهما بعد صفعه للباب بكل هذا العنف لم تكن تتوقع هذا الهدوء ابدا وقد كانت متحفزة ومستعده للدفاع عن موقفها ولكن طريقته وهدوءه المفاجئ ألجمها واربكها ظلت تنظر له فى صمت تحاول استيعاب حديثه الهادىء

استدار واغلق الباب بالمفتاح ووضع المفتاح ف جيبه ثم التفت اليها مبتسما وقال :من ساعة ما جينا وانتى بتهربى مني حاولت اتصل بيكى مريم قالتلى نايمه ومش راضيه تصحى عرفت انك مش طايقانى وبصراحه معاكى حق بس لو كنت اعرف انك صاحيه و شايفانى وانا نايم فى الجنينه كنت طلعتلك

ارتبكت اكثر ومازالت علامات الدهشه على وجهها ووجدت نفسها تقول:بس مريم مجبتليش سيره انك اتصلت بيا
قال عبد الرحمن مؤكدا:لا اتصلت بالاماره مريم قالتلى انها حاولت تصحيكى وانتى شديتى المخده على راسك ومردتيش عليها
وجدت نفسها تندفع قائله :لو كنت عاوز تتكلم معايا كنت طلعت وصحتنى بنفسك لكن انت مصدقت

وضع يديه فى جيبه وهو مازال محتفظا بابتسامته وقال:يعنى اطلع وادخلك الاوضه وانتى نايمه ومريم قاعده بره بصراحه حسيت انها ممكن تتحرج وكمان مكنتش اضمن نتيجة كلامنا هتبقى ايه نفرض بقى صوتنا علي ولا حاجه البنت تتعقد من الجواز يعنى
قالت وهى تحاول استيعاب الموقف:طب ومجتش نمت فى بيتك ليه لو اللى بتقوله ده حقيقى

اتسعت ابتسامته وقال:محبتش ادخل الشقه من غيرك....نزلت الجنينه وقعدت مع نفسى شويه وقعت عينى على حوض الورد وافتكرتك وانتى بتنقذى الورده مني فضلت قاعد شويه لقيتنى بفتكر كل كلمه دارت بينا وكل موقف عجبتينى فيه محستش بالوقت لقيت الفجر أذن صليت وطلعت انام فى اوضتى لقيت يوسف سهران قعدت معاه لحد ما النوم غلبنى جنبه

كادت ان تنهار تحت وقع كلماته الهادئه ولكنها تماسكت فهى تعلم جيدا انه لا يحبها ولكنه ربما يكون يفعل ذلك من اجل ارضاء والده الذى شعر بالمشكله التى بينهما فقالت بجديه :خلصت قولت اللى عندك افتحلى الباب بقى خلينى امشى
أقترب منها وهو يقول:ومين قالك انى خلصت كلامى...ثم نظر لها باعتذار قائلا:انا آسف سامحينى ....ثم لمعت عينا بمرح قائلا:فكره لما جيت اعتذر لك قدام المدرسه وقلتلك المسامح كريم
قالت بسخريه :اه طبعا فاكره المسامح كريم او مهند على حسب يعنى مش كده؟

ضحك ضحكات عابثه وقال: الله .... ده انتى فاكره كل كلامى اهو حتى هزارى فاكراه ...ثم رفع ياقة قميصه قائلا بغرور مصطنع:يابنتى حاولى تخبى حبك شويه مش معقوله كده ...
حاولت ان تخفى ابتسامتها بصعوبه وقالت :طب سبنى امشى بقى لو سمحت..

وقف امامها قائلا:تمشى فين هو ده مش بيتك..وانا جوزك ..وبعدين انا اعتذرتلك وانتى مردتيش
ايمان:انت معملتش حاجه تعتذر وتتأسف عليها انت اتصرفت بتلقائيه واحد مبيعرفش يتكلم او يتعامل مع الناس غير من قلبه ابوه غصبه عليه بنت عمه هتكون ايه النتيجه يعنى غير كده
قطب جبينه بأسى وقال:ياه ده انتى شايله فى قلبك مني جامد

ايمان:لاء انا مش شايله فى قلبى ولا حاجه بالعكس انا تفهمت موقفك وعذراك كويس اوى انا بس عتابى الوحيد عليك انك مرفضتش الجوازه اللى انت مش عايزها دى وادى النتيجه
حاول الاقتراب منها اكثر وهو يقول:ياايمان انتى كده بتأسى عليا وعليكى جامد بالطريقه دى ..
انا ابويا مغصبنيش عليكى ولا حاجه وبعدين هو فى حد بيتغصب على الجواز دى حتى البنات دلوقتى محدش يقدر يغصبها

جلست ايمان وهى تقول بحزن:الغصب هنا انك تسمع كلامه علشان بتحبه ومش عاوز تزعله مش علشان هو جوزك بالعافيه..
بس انت باستسلامك ده ظلمتنى معاك ثم رفعت رأسها اليه وقد تجمعت دموعها فى عنيها قائله:يا اخى كنت قلتلى وانا اللى كنت رفضت نهائى وساعتها مكنش هيزعل منك
جلس بجوارها وحاول مسح دموعها بأنامله فابتعدت عنه فقال:يا ايمان بالله عليكى بلاش كده انا والله كنت معجب بيكى وباخلاقك وعلشان كده اتجوزتك
نهضت وقالت بأصرار:مفيش داعى انك تقعد تكدب علشان تجبر خاطرى بالكلام ده انا خلاص قررت انى احتفظ بالشويه اللى باقين من كرامتى وعزة نفسى
قطب جبينه بتساؤل وهو يقول:مش فاهم
ايمان:هنعيش زى ما احنا كده فتره وبعدين ..وبعدين ننفصل
نهض قائلا بحده:ننفصل ..انتى فاهمه بتقولى ايه

قالت بأصرار:ايوه فاهمه بقول ايه وفاهمه اكتر انى مقدرش اعيش مع راجل قلبه لسه متعلق بخطيبته السابقه
قال بذهول:انتى بتقول ايه هند دى انا نسيتها من زمان كرهتها وطلعتها من عقلى وقلبى ورمتها على طول دراعى دى حتى الورده اللى كات عزيزه عليا قطفتها وكنت هدوس عليها لمجرد انها كانت شايله اسمها

ابتسمت ايمان بألم وقالت:لو كنت فعلا طلعتها من دماغك ونستها مكنتش قطفت الورده ورمتها علشان تخفيها من قدامك يا عبد الرحمن..انا قلتلك قرارى الاخير عن اذنك ثم توجهت لغرفتها واغلقت بابها ووقفت خلفه تبكى بصمت
بعد فتره هدأت توضأت وقضت ليلتها فى الصلاة والدعاء تشكو بثها وحزنها الى الله السميع العليم وقضى هو ليلتها على الاريكه ينام تاره ويتقلب تاره ويفكر طويلا ويقرر ثم يتردد

صلت ايمان صلاة الفجر وبدلت ملابسها لتنام فتحت الشرفه لتستنشق نسيم الصباح قبل ان تنام قليلا ولكنها سمعت صوت باب غرفتها يفتح فالتفتت فوجدت عبد الرحمن مقبل عليها فى تردد ....التفتت مره اخرى تنظر للخارج تستنشق النسيم الذى داعب غرتها وبعض من خصلات شعرها برقه :شعرت بأنامل عبد الرحمن تتخلل خصلات شعرها المتطايره برقه وتمر خلالها ببطء
وسمعته يقول بحنان: ممكن اقولك على حاجه ملهاش علاقه بقرارك ده
ايمان بتردد :اتفضل

عبد الرحمن :ممكن متقعديش تانى قدام حد غريب وتتكلمى معاه كده..
انا محبش راجل يقعد يبص لمراتى كده ويتكلم معاها ثم تابع بنفس الهدوء:وبعدين هو مش المفروض انك متقعديش مع رجاله غير اخوكى وجوزك واعمامك ولا انا غلطان

انتبهت ايمان لكلماته بالفعل تعايشت مع هذه العائله الكبيره واتبعت عاداتهم وتناست امر الاختلاط بين الرجال والنساء وانها كان من الواجب عليها ان تفعل غير ذلك بحكم معرفتها بأمور دينها
التفتت اليه قائله:معاك حق متشكره اوى انك نبهتنى للحكايه دى..حاضر هبقى اخد بالى بعد كده
ازاح غرتها التى حركها النسيم عن عينيها بأنامله وقال بنبره حانيه:اصل انا بصراحه باغير ومحبش حد يعجب بيكى غيرى والواد الفيونكه ده هو واخوه كان فاضلهم شويه ويخطبوكى انتى

لم تستطع ايمان اخفاء ابتسامتها عندما استخدم عبد الرحمن نفس تعبير وفاء عن عماد فقالت وكأنها تدافع عن ابتسامتها :هى وفاء نشرت الاسم ده فى العيله كلها ولا ايه
مسح ذراعها بظهر كفه وهو يقول:متحاوليش ..انا شفت ابتسامتك خلاص

شعرت بقشعريره تسرى بجسدها على اثر لمسته الحانيه فقالت بخجل:طب لو سمحت انا عاوزه انام ممكن تتفضل بقى
عبد الرحمن :اتفضل ايه ماتحددى كلامك ..اتفضل اقعد ولا اتفضل انام ثم اقترب منها اكثر وقال:ولا اتفضل اقفل البلكونه
تحركت من مكانها مبتعده ووقفت عند باب غرفتها قائله بخجل تحاول ان تصبغه بنبرة جديه:
لا اتفضل أمشى وأشارت للخارج وهى تقول:اتفضل روح نام فى الاوضه التانيه

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """"""""""""""""""

اجرى وليد اتصالا داخليا من مكتبه قائلا:لو سمحتى يا انسه علا هاتى البوسطه وتعالى
علا:حاضر يا فندم
طرقت علا الباب ودخلت بخفه وضعت البوسطه امام وليد على مكتبه وهويتابعها بنظراته الجريئه وقالت:البوسطه يا فندم خدمه تانيه
وليد :ومستعجله ليه تعالى اقعدى شويه عاوزك فى موضوع مهم
جلست علا امامه قائله:خير يا وليد بيه
وليد باستنكار:مش انا قلتلك قبل كده بلاش وليد بيه دى تانى

تصنعت علا الخجل وقالت:انا اسفه مش هقدر انفذ طلب حضرتك واناديك من غير القاب كده
نهض وليد وجلس امامها وقال بتشجيع:مش هتقدرى ليه يا ستى انا اللى بقولك..احنا بنشتغل مع بعض ولازم نرفع التكلفه بينا ثم مال الى الامام قائلا: ولا ايه علا
نهضت علا وهى تتصنع الارتباك من اقترابه منها قائله:من فضل يا استاذ وليد انا محبش كده عن اذنك

استدارت لتخرج من المكتب وعلى شفتيها ابتسامه ماكره وهو يزفر بقوة من طريقة صدها له دائما
وفى المساء كانت علا تجلس بجوار اختها هند التى كانت تسألها بشغف:ها وبعدين حصل ايه
نهضت علا وسارت فى الغرفه وعلامات الخبث على وجهها وقالت:بس ياستى ونفخ نفخة كان هيطير المكتب باللى عليه
اطلقت هند ضحكات عاليه وهى تصفق بيديها وتقول باعجاب:انتى استاذه ورئيسة قسم يابنتى
جلست علا بغرور وقالت لاختها:طبعا يابنتى هو احنا بنلعب ..ولا انا حاربة الحرب دى كلها علشان اعرف اشبط فى الشغل ده بسهوله وبعدين منا لو عملتله اللى هو عاوزه هيزهق مني ويرمينى بعد شويه...الصنف ده علشان يحب ويفكر فى الارتباط لازم يتعذب الاول وريقه ينشف
قالت هند :يابنت الايه ..اومال يعنى كنتى بتنصحينى بحاجات تانيه اعملها مع عبد الرحمن ليه
ابتسمت علا قائله:علشان عبد الرحمن على نياته مالوش فى الستات والحاجات دى كانت هتخليه يقدم معاد الجواز لكن وليد ده مصيبه عاوز اللى تديله على دماغه عاشان ياخد طريق الجواز ..فهمتى

هند:الله عليكى..ده انتى معلمه..بس تفتكرى وليد ممكن يفكر يتجوزك يا علا
علا بتحدى:بكره تشوفى ..هو صحيح هيتعبنى بس فى الاخر اللى انا عايزاه هايحصل
قالت هند بغل واضح:من ساعة ما عرفت ان عبد الرحمن اتجوز وانا باكل فى نفسى الراجل الكبير عرف يضحك عليا لكن انا هدخل العيله دى يعنى هدخلها سامعانى يا علا
ظهرت ابتسامه ماكره فى عيني علا وهى تقول:هتدخليها يا هند وهتقعدى معاهم على ترابيزه واحده وهتبقى خالة ولادهم غصب عنهم كلهم

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """"""""""""

استيقظت ايمان بعد اذان الظهر خرجت من غرفتها مترقبه تلتفت يمينا ويسارا بحثا عنه فلم تجده تنهدت بارتياح توضأت وأخذت سجادة الصلاة فوقعت منها ورقة مطويه أخذتها وبتعجب وفتحتها وقرأت فيها "متنسيش تدعيلى وانتى بتصلى ..ادعيلى مراتى تحبنى زى ما بحبها" ظل تقرأها مرات ومرات لا تصدق اهتمامه بها ولا تصدق انه يحبها بالضروره هو يفعل ذلك من اجل انجاح علاقتهم الزوجيه فقط وليس من اجلها هى........

أدت الصلاة وذهبت لتطمئن على مريم التى تركتها وحدها منذ أمس فتحت الباب بهدوء واغلقته بدوء حتى لا تزعجها ان كانت مازالت نائمه اقتربت من غرفة نومها فسمعت نحيب وهمهمات لم تشعر بها مريم وهى جالسه على سجادة الصلاة وترتدى الاسدال وتقرأ فى المصحف وتردد تلك الايه من سورة مريم " فأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً" وظلت تردد" يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً "ترددها وتبكى كثيرا

طرقت ايمان على باب الغرفه حتى لا تفزعها التفتت مريم الى ايمان ووجهها وكأنه بركه من الدموع أقتربت منها ايمان واحتضنتها بلوعه وهى تقول:مالك يا مريم بتعيطى كده ليه
مسحت دموعها وهى تقول بابتسامه:تصدقى يا ايمان اول مره احس بالايات كده وانا بقرأها ..ثم تابعت تصدقى برضه انى اول مره احس بالسيده مريم كده وباللى مرت بيه

جلست ايمان بقربها ومسحت على وجنتيها بحنانا وقالت:هو ده اللى مخليكى بتعيطى يا مريم ولا فى حاجه تانيه
هزت مريم رأسها نفيا ثم قالت بتساؤل:هو مين اللى سمانى مريم يا ايمان بابا ولا ماما
ابتسمت ايمان وهى تقول:عمى كان مره قالى ان بابا هو اللى كان بيخترلنا اسامينا ...
ثم تابعت وهى تنظر لمريم بفرح:بس انا مبسوطه اوى انك بدأتى تحسى بالايات يا مريم ربنا يفتحها عليكى يارب اكتر واكتر

"""*********************************************** *****"""""""

دخلت وفاء غرفة وليد واستندت على الباب وهو يتحدث فى الهاتف عندما رآها تابع حديث قائلا:طب هكلمك بعدين سلام دلوقتى
اغلق الاتصال واتفت اليها قائلا:نعم عاوزه ايه
وفاء :مش مكسوف من نفسك بقى عبد الرحمن ينزل وايمان وفرحه يحضروا قاعدة الاتفاق واخويا مش موجود معايا
ضحك بسخريه وقال:وهما كانوا يقدروا ميحضروش دى كانت امك جرستهم وقالت عليهم مش عاوزين يشوفوا عريسك علشان بيغيروا منك...
وبعدين ما انتى عارفه النظام فى البيت ده كله لازم يحضر يعنى هما مجوش من نفسهم من كتر حبهم فيكى يعنى
وفاء:ولما انت عارف كده مجتش ليه
قال بنفاذ صبر:مكنش ينفع انا وابوكى نسيب الشركه فهمتى ولا اقول كمان

قالت وفاء بحزن:انت ليه وليد بعيد عنى مش زى عبد الرحمن ويوسف مع فرحه مش بحس انك اخويا كده وهامك مصلحتى
زفر بقوة وقال:اطلعى من نفوخى يا وفاء بلا عبد الرحمن بلا يوسف بلا زفت الطين انا مش فاضيلك
قالت بحزن:كده يا وليد اومال فاضى بس للبنات اللى بتعرفهم ده انا بحس ان عبد الرحمن بيقف جنبى اكتر منك
قام وهو يدفعها خارج غرفته:طب خاليه ينفعك بقى ياختى مع السلامه

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """"""""""""""""

دخلت عفاف غرفة الحاج حسين وهى يبدو عليها الحيرة وجلست بجواره وهى تقول :انا مش فاهمه حاجه يا حسين مريم مش عاوزه تستعد لكتب الكتاب خالص اقولها يابنتى ننزل نجيب الفستان تقولى هلبس فستان ايمان اقولها نتفق مع الكوافيره تجيلك انتى ووفاء تقولى تيجى لوفاء بس انا مش هحط حاجه فى وشى معقوله دول كتب كتابهم بعد يومين لالالا ده فى حاجه كبيره ولازم اعرفها الحكايه دى مش داخله دماغى ابدا

شعر الحاج حسين بالقلق فهو يعلم ان زوجته ستظل تضغط على مريم او يوسف حتى تعلم سبب واحد لما هم فيه الان نظر لها باهتمام وقال:انا هقولك بس متقوليش لمريم انك عرفتى حاجه ماشى يا عفاف
اومأت برأسها قائله :طالما عارف قولى وريحنى وانا مش هجيب سيره

حسين: مريم صحيح موافقه على يوسف وصحيح بتحبه وهو كمان بس اللى عامل فيها كده انها قلقانه لتكون بموافقتها دى بتنفذ خطة امها
صمتت عفاف بتفكير وقالت بحيره:طب وبعدين الحال هيفضل كده ولا ايه
هز رأسه نفيا وقال بجديه:لا طبعا انا هطلع اكلمها وهقنعها المره دى واشيل من دماغها احساسها بالذنب اللى هى حاسه بيه ده وان شاء الله تبقى كويسه زيها زى اى عروسه
نهضت وهى تقول :ربنا يصلح الحال يارب

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """
دخلت ايمان غرفة مريم قائله:تعالى يا مريم عمك بره وعاوزك
مريم:عمى مين
ايمان:عمى حسين ..يالا بسرعه احسن مستعجل
خرجت مريم بصحبتها وسلمت على عمها نظر الى شحوب وجهها وقال بحزن:ازيك انتى يابنتى عامله ايه
مريم:الحمد لله ياعمى انا بخير

نظر الى ايمان وقال اعمليلى قهوة يا ايمان لو سمحتى ...فهمت ايمان انه يريد مريم على انفراد فدخلت المطبخ وتركتهما
جلس بجوارها وربت على يدها قائلا:ام عبد الرحمن بتقولى انك مش عاوزه فستان فرح ورافضه الكوافيره تجيلك زى وفاء
نظرت له بأنكسار وقالت:معلش ياعمى مش عاوزه فساتين ولا حتى عاوزه فرح

قال بحنان:انا فاهمك يا مريم وحاسس بيكى بس لازم تاخدى بالك ان انا بس اللى فاهمك لكن الناس اللى حوالينا مستغربين من اللى بيحصل وانا مش عاوز حد يقعد ينكش ورا تصرفاتك يابنتى
مريم:يعنى ايه يا عمى اعمل ايه يعنى

حسين:يعنى حاولى تبقى طبيعيه وطاوعى مرات عمك ولو حتى من ورا قلبك يا ستى انا مش عاوز حد يقعد يقول ليه ومش ليه ..فاهمانى
قالت باستسلام:حاضر يا عمى منا خلاص مبقتش املك حاجه غير كده...انا بس ليا عندك رجاء
:اتفضلى يابنتى قولى عاوزه ايه

مريم:يوم كتب الكتاب الله يخاليك مش عاوزه اشوفه ايهاب يبقى يطلعلى الدفتر وانا همضى عليه وخلاص
:يابنتى مينفعش اولا المأذون مش هيوافق ثانيا حتى لو وافق هنقول للناس ايه العروسه مش عاوزه تشوف العريس ليه
ثم تابع :انا عارف انك مش طايقاه ولا طايقه تشوفى وشه وانا كمان والله مبقتش طايقه فى البيت بس هنعمل ايه لازم كل واحد فينا ييجى على نفسه شويه علشان الامور تعدى ده انا كمان مش هاطلب منك هتشوفيه وبس لا ده انا كمان هاطلب منك تضحكى فى وشه وترسمى السعاده على وشك ومتنسيش انكم هتقعدوا لوحدكوا شويه بعد كتب الكتاب

انتفضت قائله:لا يا عمى لا انا مش ممكن اقعد معاه لوحدى ابدا حتى لو قتلتونى
قال مطمئنا:هو انتى مش بتثقى فى عمك ولا ايه
مريم:العفو يا عمى طبعا بثق فى حضرتك بس
قاطعها:مفيش بس احنا مش عاوزين فاطمه مرات عمك تاخد بالها من حاجه حاكم دى لما بتاخد بالها من حاجه بتفضل تحرك وراها لحد ما تجيب قرارها انتى هتقعدى معاه فى الجنينه مش فمكان مقفول وعلشان تطمنى انا هبقى واقف فى بلكونة اوضتى وشايف كل حاجه ده غير ان وفاء وخطيبها هيبقوا قريبين منكوا يعنى مفيش حاجه تخليكى تقلقى

شعرت مريم ان حمل من الجبال وضع على صدرها تكاد تتنفس بصعوبه كلما تخيلت نفسها تجلس معه بمفردها فقالت بصوت اشبه بالبكاء:حاضر يا عمى بس بعد اذنك قول لطنط عفاف انى عاوزه بجد البس فستان ايمان مش هعرف اجيب فستان محترم زيه ايمان ساعتها لقيته بالعافيه
ابتسم قائلا:اتفقنا بس اسمعى كلامها فى حكايه الكوافيره دى ..وارسمى الضحكه على وشك يابنتى
مريم:حاضر

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """"""""""""""""""""""""""
وفى المساء عادت ايمان الى شقتها أغتسلت وصلت العشاء ونقلت ملابس عبد الرحمن كاملة الى الغرفه الاخرى التى نام فيها بالامس........ جائتها رسالة منه على هاتفها النقال فتحتها وابتسمت رغما عنها وهى تقرأها "يا ايمانى انا كلى حيرة.. ونار... وغيرة... وشوق ليك.. نفسى اهرب من عذابى نفسى ارتاح بين ايديك "

اعدت طعام العشاء ل عبد الرحمن وبمجرد ان سمعت صوت سيارته هرولت الى غرفتها واغلقتها واطفأت المصباح وتدثرت جيدا وتصنعت النوم
دخل عبد الرحمن المنزل فوجد الطعام معد على المائده والجو يسوده الصمت والهدوء اغتسل وبدل ملابسه وطرق باب غرفة ايمان طرقات خفيفه لم ترد ايمان على طرقاته فزادها بتصميم نهضت فوقفت خلف الباب وقالت:نعم فى حاجه
عبد الرحمن:ممكن تفتحى فى حاجه مهمه عاوز اخدها من جوه
ايمان:انا نقلتلك كل حاجتك فى الاوضه التانيه
قال وهو يتصنع الجديه :لاء فى فردة شراب مش لاقيها اكيد فى الدولاب عندك
صدقته وذهبت تنظر فى الدولاب للتأكد ولكنها لم تجد شىء عادت مره اخرى قائله:ملقيتش حاجه
تحدث بنفس النبره قائلا:ازاى يعنى انا متأكد انها جوه انا محتاجها بكره ضرورى لو سمحتى افتحى

وقفت ايمان متردده ثم ارتدت اسدال الصلاه وفتحت الباب ببطء رسم على ملامحه علامات الحنق وهو يدخل الغرفه ويقول:مش معقول كده اقف ساعه بره علشان شراب اومال لو كانت فانله كنتى وقفتينى قد ايه
قالت بسرعه:انا دورت كويس وملقتش حاجه ولو مش مصدقنى شوف بنفسك
وقف امام خزانة الملابس ينظر بعبث ثم قال:مش موجوده ودتيها فين
ايمان :منا قلتلك مش هنا مصدقتنيش

عبد الرحمن:طبعا مش مصدقك شكلك كده طمعتى فيها طب كنتى قوليلى وانا كنت هجبلك
شعرت بنبرة المزاح بدأت تتسلل فى صوته فعلمت انه اخترع قصة الجوارب ليدخل ويتحدث معها
ايمان :لو سمحت اتفضل عاوزه انام

عبد الرحمن:على فكره لو بقيتى على طبيعتك هيبقى احسن وانا يا ستى مش هادخل الاوضه من غير ما استأذن لكن تقفلى الباب والحركات دى مش حلوه بحس كده انك خايفه منى
لم ترد عليه فوقف امامها قائلا:طب بلاش كل ده دعتيلى زى ما طلبت منك
قالت وهى تشيح بوجهها:ايوه دعتلك ربنا يرزقك بزوجه تحبها
أقترب وهو يقول:طب ماهو ربنا رزقنى بيها خلاص الحمد لله

ابتسمت بسخريه وقالت:لا منا عارفه ...ثم تابعت بجديه كل اللى بتعمله ده مالوش لازمه على فكره وفر على نفسك مجهود انك تحاول تقنعنى بحاجه مش موجوده ......
انا قلتلك انى قررت ومش هرجع فى قرارى ولعلمك انا من بكره هلم حاجتى كلها وارجع اقعد مع مريم انا مش هقبل على نفسى ولا على كرامتى اكتر من كده

وقف وعقد يديه امام صدره وقال:بس انا مش مصدقك انا متأكد انك بتحبينى وعايزة تعيشى معايا
زى ما انا متأكد انى بحبك وعايز اكمل حياتى معاكى
سيطر عليها الانفعال وهى تقول بعناد :انا قررت وخلاص....
وكلامى ده مفيهوش راجعه يا عبد الرحمن
بادلها نفس النبره العنيده قائلا:قرارك ده تبليه وتشربى ميته
قالت بدهشه:يعنى ايه

اقترب اكثر وامسك وجهها بين كفيه قائلا:يعنى انتى مراتى وهتفضلى مراتى لحد ما اموت فاهمه ولا لاء
قالت بانفعال :يعنى ايه هو بالعافيه
اغلق الباب وهو يقول :ايوه بالعافيه..انا مش هصبر عليكى اكتر من كده
انتى دماغك ناشفه اوى ...وبعدين انا عاوز افهم انتى ليه بتلبسى اسدال الصلاة قدامى

هو انا مش جوزك ولا ايه ..اتجه الى خزانة ملابسها واخرج قميص نوم قصير ومده يده به امامها وهو يقول ده بيعمل ايه فى الدولاب مبشوفش يعنى الحاجات دى ..ثم قال بلهجه آمره اتفضلى البسى ده حالا

لم تصدق ايمان ما يحدث لم تكن تتوقع انه يثور الى هذه الدرجه وينفعل هكذا حتى يخرج عن اطار هدوءة بهذه الطريقه ......ظلت تنظر فى ذهول وصمت فوضع الملابس على المقعد وامسكها من يدها واوقفها امام المقعد وأشار اليها محذرا :انا هخرج بره خمس دقايق لو رجعت لقيتك مش لابساه هلبسهولك انا .....نظرت له وهو يغلق الباب خلفه ولا تكاد تصدق ما يحدث لم تمضى ثوانى حتى طرق الباب بقوه :ها خلصتى ولا اجى اساعدك
قالت بخوف :حاضر حاضر ..هخلص اهو

تناولت القميص ونظرت اليه وهو تقول:لا مش ممكن البس ده ..مش ممكن... اعمل ايه بس ياربى
هوت الى المقعد وهى تنظر لصورتها فى المرآه بحيرة وخوف شعرت انها تريد البكاء حاولت ان تبكى لعله يرأف بحالها ويتركها ..ولكنها تعجبت من نفسها وهى تقول:هو مفيش دموع بتنزل ليه اعتصرت عيناها كالاطفال دون جدوى ..حاولت ان تتذكر اسوء ذكرى فى حياتها لعلها تبكى ولكن لا دموع ايضا

خفق قلبها على صوت طرقاته القويه وصوته:الخمس دقايق خلصوا يا آنسه
انتفضت وهى تبدل ملابسها بسرعه وتقول:حاضر حاضر..

الفصل الثانى والعشرون

 

أنتهت فى سرعة من أرتداءه ونظرت مرة أخرى فى المرآه وقالت:

- ينهار مش فايت .. أنا مش ممكن اطلع كده أبدًا

فتح الباب فجأة وهو يقول بحنق:

- بقالك ربع ساعة بتلبسى

أختطفت اسدال الصلاة واحتضنته على صدرها لتخفى جسدها , تضرج وجهها بحمرة الخجل فى ثوان ولم تستطع أن تنظر إليه مباشرة وهى تقول بتلعثم:

- انا لسه مخلصتش لو سمحت اطلع على ما اخلص

اقترب منها قائلاً:

- لا شكلك خلصتى والله..

قالها وهو يجذب الإسدال من بين يديها فشقهت , نظر لها يتفحصها بإعجاب وقال بمزاح وهو ينظر لعلامات  الخجل والخوف البادية عليها ثم قال بمزاح :

- متخافيش انا هتجوزك مش هتخلى عنك أبدا

قالت  بحنق دون أن تنظر إليه:

- حرام عليك عامل فيا كل ده وواقف تهزر

تصنع الدهشة قائلا:

- أنتِ هاتتبلى عليا ولا أيه...هو انا لسه عملت حاجة

وأخذ يدور حولها وهو يقول:

- بس انا مكنتش اعرف انك حلوة أوي كده

خفق قلبها بشدة عندما شعرت بيده توضع على كتفها وهو يقول:

- تعالى

تصورت انه سيأخذها فى اتجاه ولكنه خيب ظنها وأخذها خارج الغرفة حتى وصل للمائدة التى وضعت عليها طعام العشاء وقال بلهجة آمره:

- اقعدى

جلست وهى تنظر له بدهشة وقالت :

-  جايبنى هنا ليه

جلس أمامها على طاولة الطعام وبدأ فى تناول طعامه وهو يقول :

- جايبك تاكلى معايا.. أصلى نفسى بتتفتح وانتِ قاعدة قدامى وانا باكل

تملكتها الدهشة وهى تقول:

-  يعنى رعبتنى كل الرعب ده علشان آجى اقعد معاك وانت بتاكل

قال مداعباً وهو يتناول طعامه :

- وانا اللى فاكرك مؤدبة.. اومال انتِ افتكرتى أيه

تحركت لتنهض فى انفعال ولكنه أمسك يدها وهو يضحك وجذبها لتجلس مرة أخرى وهو يحاول السيطرة على ضحكاته

وهى تشيح بوجهها عنه فى غضب , فوضع كفه على وجنتها وأدار وجهها نحوه وقال بابتسامة واسعة:

- أسمعى بس.. بلاش الانفعال الزايد ده..

جلست وهى تنظر له بعدم فهم فقال وقد استعاد جديته وهدوءه:

- لو كنتِ عرفتينى كويس كنتِ هتعرفى انى مش ممكن اجبرك على حاجة زى كده.. أنا عملت كده علشان  اصفى الجو بينا.. وكل اللى انا عملته ده كان هزار.. لكن انا عمرى ما المسك غصب عنك أبدًا

زادت نظرات الحيرة فى عينيها فقال برقة شارحاً:

- صممت تلبسى كده علشان تاخدى عليا وتقعدى قدامى براحتك وتحسى انى جوزك.. متبقيش خايفة مني ولا خايفة من دخولى عليكِ فجأة

همست بحيرة:

- بس كده؟

أومأ برأسه فى مداعبة قائلاً:

- أوعى تفهمينى صح

أرادات إيمان النهوض مرة أخرى ولكنها وجدت نفسها تقول:

- طب اتفضل كل وخلصنى خلينى اقوم انا بردانه

أقترب بمقعده منها وقال بهمس:

- طب ما انا ممكن ادفيكِ

أبتعدت وهى تقول محذرة :

- عبد الرحمن

قال على الفور:

- أيه يا إيمان فى أيه.. أنا قصدى اقوم اجيبلك الدفاية.. انتِ كل شوية تفهمينى صح كده

وضعت يدها على خدها وتصنعت أنها تحرك شعرها بيدها لتخفى ابتسامتها

***

مضى اليومين ووقف يوسف أمام مرآته يرتدى حلته السوداء وهو شارد الذهن مشتت الأفكار, يشعر برهبة خفية من لقائها, كيف سينظر إلى عينيها, كيف سيواجهها عندما يخلو بها , ماذا سيقول , وكيف سيبدأ , هل يبدأ بالإعتذار, أم يقبل يديها ورأسها لتسامحه , نفسه لم تتركه ظلت تحدثه:"لم تكن أنت المذنب الوحيد .. هى التى دفعتك لذلك دفعا .. ولم تكن أنت الوحيد.. هناك وليد والشابان الذى استقلت سيارة سلمى بصحبتهما والمكان الذى ذهبوا إليه .. هل نسيت كل هذا " .

جلس على المقعد وهو ينظر لصورته بالمرآة وكأنه يحادثها قائلا بحيرة:

- بس انا اتأكدت  .. أنا كنت أول واحد

حادثته نفسه مرة أخرى " نعم كنت أنت الوحيد .. ولكن كنت الوحيد الذى اندفع هكذا.. أما البقية فكانوا حذرين.. وهى استطاعت أن تفعل كل شىء دون أن تؤذى نفسها "

وضع يديه فوق رأسه, شعر بأنه سيذهب عقله, خرج للشرفة ووقف ينظر للسماء وقد تجمعت الدموع فى عينيه قائلاً:

- ياااااارب ... يارب بصرنى بالحقيقة .. هتجنن

****

أستعدت وفاء بفستانها المميز الرقيق بلونه الوردى بينما ارتدت مريم فستان العقد الذى ارتدته إيمان فى يوم عقد قرانها , كان فى غاية الروعة علي جسدها وبساطته واحتشامه وبساطة زينتها أعطتها مظهرًا ملائكيًا, تحركت بصحبة إيهاب وهى ممسكة بيده كالطفلة التى تتشبث بأبيها فى الزحام مخافة الضياع, ألتفت لها إيهاب مداعبًا وقد شعر بأصابعها تقبض على يده بقوة وترتعش:

- مالك مرعوبة كده ليه؟

هزت رأسها بشكل عشوائى , لم تجد كلمات ترد بها على دعابته , لأول مرة تستقل المصعد وتشعر أنه يأخذها للجحيم لا إلى الطابق السفلى, ارتجف قلبها بشدة عندما توقف المصعد معلنا انتهاء رحلته, تحرك إيهاب خطوتين للخارج وهى تتبعه ومازالت ممسكة بيده وبمجرد ان وقع بصرها على الشقة مكان الحادث تجمدت قدماها واصفر وجهها ومادت بها الأرض, أسندها إيهاب ولحقت به إيمان التى كانت تنتظرهما بالأسفل وهو يقول فى قلق:

- مالك يا مريم؟ 

أشاحت بوجهها بعيدًا عن أكثر مكان تكرهه على ظهر هذا الكوكب وهى تقول فى اضطراب شديد :

- مفيش حاجة.. بقالى كتير بس منزلتش فى الأسانسير .. دوخت شوية

تقدم حسين منهم وقال لإيهاب وهو يرسم ابتسامة مبهجة على شفتيه:

- عن اذنك بقى العروسة دى تخصنى ..

أخذ يدى مريم وأسندها إلى يديه وربت عليها بحنان, كان يعلم أنها المرة الأولى التى تتحرك فيها مريم وتهبط إلى الأسفل , كان يعلم بأنها لن تمر على مكان الحادث مرور الكرام, كانت الخطوات بطيئة وهى تتذكر كل صوت وكل حركة مرت بهما  فى هذا المكان الذى لم يعد يحمل إلا الألم.

أتجه بها حسين إلى حيث ينتظرها المأذون تحت مظلتهم ورأته لأول مرة منذ الحادث , فى البداية لم تتعرف عليه لأول وهله, كان وجهه شاحب للغاية وكأن الأيام مرت عليه سنوات طويلة, تفرست ملامحه بغل واضح وكادت أن تتحرك من مكانها تجاهه دون وعى , ولكن حسين قبض على يديها بقوة , كانت يدها بارده كالثلج وترتجف من الأنفعال .. همس فى اذنها:

-  الناس كلها مركزة معاكى اقعدى هنا ومتبصيلوش

جلست بجانبه وهو مازال ممسك بيدها وبدأ المأذون فى إجراء مراسم الزواج , نهض يوسف ليمضى على الأوراق فخطف نظرة سريعة إليها حتى انتهى ووضع القلم مكانه, وأشار لها المأذون أن تأتى لتذيل الأوراق بتوقيعها ففعلت ثم وضعت القلم وعادت بجانب عمها , أنتهى المأذون قائلاً:

- زواج مبارك إن شاء الله

أنطلقت الزغاريد معلنة ارتباط جديد فى الأسرة ولكنه من نوع خاص جداً

ربت عبد الرحمن وإيهاب على كتف يوسف وعانقاه واحدًا بعد الآخر ومهنئين له زواجه وكذلك فعلت فرحة ووالدته وعمه إبراهيم وهنأته إيمان ووفاء بابتسامة , ثم أقبلوا على مريم يعانقونها ويقبلونها وهى تجاملهم بابتسامة خاوية ضائعة .. مرتعشة

أقترب وليد من يوسف ليعانقه ولكنه ابتعد عنه واكتفى بالمصافحة فقط , نظر له وليد بحنق ثم اقترب من عبد الرحمن قائلا:

- هو اخوك بيعاملنى ناشف كده ليه هو انا دوستله على طرف

ربت عبد الرحمن على كتفه قائلاً بمزاح:

- معلش بقى عريس لازم نستحمله

كان عبد الرحمن يحادثه وعينيه لم تفارق إيمان وهى تجلس بين مريم ووفاء وتداعبهما بينما جلس عماد بجوار وفاء وشرع فى وضع خاتم الخطوبة فى أصبعها فهمست لها إيمان :

- مينفعش يمسك أيدك دلوقتى  ده لسه خطيب مش زوج

همست لها وفاء:

-  طب والعمل

قاطعهم صوت عماد :

- هاتى أيدك يا وفاء علشان البسك شبكتك

 نهضت إيمان وهى مبتسمة وقالت له :

- ثانية واحدة يا عريس

واتجهت إلى والدة عماد وقالت لها:

- تعالى يا طنط لو سمحتى

أخذتها واجلستها بجوار وفاء وتناولت العلبة القطيفة التى تحوى خاتم الخطبة وأعطتها لوالدة عماد وهى تقول لها بمرح :

- لو سمحتى يا طنط لبسيهالها حضرتك .. معلش بقى معندناش بنات بتسيبه يمسكها يا فوزية

ضحك الجميع ونظر لها محمد أخو عماد بإعجاب شديد يكسوه الحزن وهو لا يشعر بنظرات  عبد الرحمن الذى كان يتابعه عن بعد, شرعت والدة عماد فى وضع الخاتم فى أصبع وفاء وانطلقت الزغاريد مرة أخرى .

تقدم عبد الرحمن من إيمان وجذبها بعيدًا ولكن برفق , وقف بجوارها قائلاً بعتاب:

- ممكن تقعدى على جنب وتبطلى تتمشى قدام كل الناس كده

قالت إيمان بتلقائية :

- أنا مش بتمشى انا كنت ...

قاطعها بحنق:

- ولا كنت ولا مكنتش .. خالى الفرح ده يعدى على خير متخالنيش ارتكب جريمة

 ثم نظر إلى محمد بطرف عينيه وقال لها:

- أنتِ مش شايفة اللى عمال يبصلك ده

نظرت إيمان إلى حيث ينظر , حاولت أن تخفى ابتسامتها وهى تقول بلا مبالاة:

-  يبص ولا ميبصش وانا مالى

وقف أمامها ليحجب عنها الرؤية قائلا بغضب:

- متخلنيش أطلعك فوق واقفل عليكى .. أنتِ تفضلى فى أيدى لحد ما يغور من هنا

وضعت يدها فى خصرها وقالت بلا مبالاة :

- زى ما تحب

عاد بها مرة أخرى ولكنه لم يترك يدها, ظل ممسكا بها بتملك وأجلسها بجواره وهو ينظر لـ محمد نظرات حادة جعلته يصرف بصره عنها طوال الحفل.

لم يترك  حسين يد مريم أيضاً,  ظل بجوارها يربت على يدها ويطمئنها , وكان يوسف يجلس بجوارها من الطرف الآخر ولكن بعيد عنها نسبيًا دون أى تلامس , لم تنظر له أبدًا ومازالت ترسم ابتسامة باردة على شفتيها كأنها صورة مجسمة بلا روح.

تفاجأت مريم بحضور سلمى التى اقتربت منها وقبلتها ببرود قائلة:

- مبروك يا عروسة .. زعلانه منك يا وحشة كده متعزمنيش

بادلتها مريم القبلة الباردة دون أجابة فاعتدلت سلمى ومدت يدها لتصافح يوسف قائلة :

- مبروك يا عريس

نظر لها باحتقار دون أن يمد يده فأعادت يدها مع احتقان وجهها ونظر الناس إليها واتخذت مكانًا بجوار وليد الذى أشار لها أن تأتى بجانبه ...همس لها:

- متزعليش .. بكرة هطلعه على جتته

قالت ببرود :

- أهو كلام..  قلتلى كده المرة اللى فاتت ومعملتش حاجة

قال بخفوت  :

- ومين قالك انى معملتش .. هى بس مظبطتش معايا بس اوعدك هتتعوض

وقفت فرحة بجوار إيهاب وقالت بطفولية:

- انا متغاظة.. عاوزه البس فستان فرح تانى ماليش دعوة عاوزه نتجوز تانى

قال إيهاب موافقًا:

- من عنيا يا حبيبتى أوعدك هتجوز تانى واعزمك

ضربته على كتفه فوضع يده على كتفه متألمًا وهو يضحك:

-  آآآآآه ...يا مفترية

عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت:

- قال يتجوز عليا قال ده انا كنت ادبحك

لف ذراعه حول كتفها وقال ضاحكا:

- بحبك يا مجنونة

***

أنتهى الحفل وسمح إبراهيم لوفاء أن تجلس بعض الوقت مع خطيبها فى الحديقة قريباً من مريم ويوسف, بينما  كان  حسين آخر من ينصرف ويترك مريم ولكنها أطبقت على ذراعه قائلة :

- ماتمشيش يا عمى

أطرق يوسف برأسه وسمع والده يقول لمريم مطمئنا:

- متخافيش

ثم التفت إلى يوسف ناظرًا إليه بحدة وهو لا يزال يوجه حديث لمريم وقال:

- انا واقف فى البلكونة وعينيا عليكِ لحد ما تطلعى شقتك

 ثم انصرف وتركهما بعد أن سمحت له على مضض , لم تعد تحتملها قدماها فجلست قبل أن تسقط , شعرت بأطرافها متجمدة وألم فى معدتها وهو يجلس أمامها و ينظر إلى الفراغ وطال الصمت , تملك جسدها قشعريرة فلفت ذراعيها حول جسدها وكأنها تحتضن قلبها وتطمئنه كعصفور طار طويلاً تحت زخات المطر ووقع على ذراعيها فى أجهاد شديد يخفق فى ألم ووحدة

ظن يوسف أنها تشعر بالبرد فأخذ سترته التى وضعها من قبل على المائدة أمامه ومد يده به إليها قائلاً بصوت مرتبك:

- خدى ألبسى ده.. شكلك بردانة

نظرت لسترته ثم نظرت إليه باشمئزاز قائلة بتقرف:

- أخاف المسه ينجسنى

كلمتها كانت ثقيلة على أذنيه , ولكنه لم يرد, وضع السترة بجواره متمتماً:

- أستغفر الله العظيم

قالت على الفور وقد بدا وجهها يشتعل بغل:

- بتعرف ربنا أوى يا ندل ؟

أبتلع ريقه فى صعوبة وشعر بجفاف حلقه , وضع رأسه بين يديه وهو يزفر بقوة.. فقالت:

- ياريت لما تنفخ تانى تودى وشك الناحية التانية علشان متلوثش الهوا اللى بتنفسه

شعر باستفزازها له فقال وهو يضغط على أسنانه :

- الكلام ده مالوش لزوم

قالت بحقد:

- إن شاء الله ربنا هينتقم لى منك يا حقير

أشار لها يحذرها قائلاً:

- شوفى .. أنا كنت ناوى أتأسفلك واستسمحك .. بلاش تستفزينى علشان متضطرنيش أرد عليكى رد مش هيعجبك

قالت باستهزاء:

- كمان ليك عين تتكلم ..أما بجح صحيح

لم تكن تعلم مريم ما هذه الجرأة التى تملكتها وهى تتحدث معه, ولكن كل ما تعلمه أنها بمجرد ما خلت به شعرت بكمية حقد وغل لا مثيل لهما , بل وبحثت بنظرها على الطاولة لعلها تجد سكين أو ماشبه ولكنها لم تجد فقررت ذبحه بكلماتها, كانت مطمئنة بأن عمها يراقبهما من بعيد ووفاء وخطيبها بالقرب منهما فشجعها ذلك على الإسترسال فى أهانته وأشباع حاجتها فى تمزيقه وقتله بعباراتها.

أشاح بوجهه بعيدا عنها وهو يحاول كتم غيظة والسيطرة على انفعالاته, فهو يلتمس لها العذر فى كل ما تقول وتفعل, ما فعله ليس بهينًا , فما جدوى الإعتذار فى مقابل الجريمة التى ارتكبها فقرر أن لا يرد عليها مهما قالت, صمته استفزها كثيرًا فهى لم تنتهى بعد من أخراج ما بداخلها من لعنات عليه , ولم يشفى صدرها مما يعتمل بداخله من حقد وغل تجاهه فقالت بسخرية:

- لاء واخويا بيباركلك ...

ثم نظرت له باحتقار وقالت:

- فاكرك بنى آدم

ضرب المائدة بقبضته فى غضب والتفت إليها قائلاً:

- يابنت الناس بطلى تستفزينى.. أنا ماسك أعصابى بالعافية

قالت بسخرية :

- ده على أساس أنك عندك دم زى البنى آدمين

قال بلهجة حادة:

- أوعى تفتكرى ان انا علشان ساكت ومش عاوز اتكلم انك هتستضعفينى وتهزئى فيا براحتك لاء.. أنا ساكت علشان خايف عليكي .. أنا لو اتكلمت هاجرحك..أنا مش غلطان لوحدى يا هانم.. ومتعمليش عليا طاهرة.. أنا كنت بشوفك بعينى وانتِ واقفه مع راجل واتنين كل واحد فيهم بيبصلك كأنك كنتِ فى حضنه من شوية.. قدام باب الكلية وفى فرح اختك .. كل ده كوم والسفالة اللى كنتِ بتعمليها مع وليد كوم تانى

قالت بانفعال مكتوم:

- أخرس يا ندل .. كمان بتشوه سمعتى.. مش كفاية اللى عملتوا فيا

قبض على يدها بقوة قائلاً:

- أنا لو كنت ندل كنت مشيت من البيت وسافرت أى مكان ومكنتش اتجوزتك.. مكنش هايهمنى غضب ابويا عليا مانا ندل بقى .. لكن انا ندمت على اللى عملته وتوبت لربنا وكان لازم استر عليكى علشان ربنا يقبل توبتى..  الدور والباقى عليكى .. شوفى نفسك قبل ما تتهمينى بالحقارة ..على الأقل انا عملت كده وانا شارب مخدرات تغيب عقل بلد.. لكن انتِ كنتِ بتعملى اللى بتعمليه مع وليد ومع غيره وانتِ عارفة بتعملى أيه كويس... لا وطلعتى شاطرة وحافظتى على نفسك لآخر لحظة رغم كل اللى كنتِ بتعمليه

قالت بكره شديد :

- منك لله يا .. مصمم تشوه سمعتى ماكفاش  اللى عملته فيا

نهض وهو يقول:

- اقعدى مع نفسك وانتِ تعرفى ان سمعتك كانت متشوهة لوحدها ...اه صحيح انا نسيت اقولك  انى كنت ماشى وراكى بالعربية انتِ وصاحبتك السفلة وشفتكوا ..شفت كنتوا رايحين فين ومع مين

وقبل أن ينصرف سمعها تقول بحقد:

- ربنا ياخدك ويرحنى  منك

عاد مرة أخرى وقال لها بألم :

- أهى دى أحلى دعوة سمعتها من ساعتها .. أيوه كده ادعيهالى دايمًا وان شاء الله ربنا هيستجيب منك ويريحك مني ويرحنى انا كمان.

***

قبل قليل كانت إيمان تقف فى الشرفة تنظر إلى نفس المشهد الذى تكرر من قبل , ولكن مع أختها التى ترتدى نفس الفستان وتجلس مع زوجها وكل منهما ينظر فى اتجاه , تذكرت كيف كانت تجلس هكذا  يوم عقدها على عبد الرحمن واسترجعت نفس المشاعر المؤلمة, كان عبد الرحمن قد بدل ملابسه ثم دخل إليها غرفتها فوجدها تقف شاردة أمام شرفتها تنظر إلى مريم ويوسف فى وجوم, شعر فورًا بما يعتمل فى نفسها وانها تذكرت يوم عقدهما , حاول أن يطفى جو من المرح على الموقف فاقترب منها وهو ينظر إلى منامتها القطنية الوردية   قائلاً بمرح:

- بتعملى أيه عندك يا باربى ..

أنتشلتها كلمته من أعماق ذكرياتها فالتفتت إليه ثم نظرت إلى رسوم باربى المطبوعة على ملابسها وقالت ببرود:

- عاوز حاجة؟

أقترب منها أكثر ووضع كفه على وجنتها قائلاً برقة:

- مش عاوز حاجة غيرك

دفعته بخفة فى صدره وابتعدت عنه , دخلت الفراش وتدثرت وهى تقول:

- لو سمحت اطفى النور وانت خارج

جلس بجوارها على طرف الفراش وأزاح الغطاء قليلاً وهو يقول بعذوبة:

- طب انا مش خارج .. أيه رأيك نفضل فى السرير ونجيب حد يطفلنا النور

أبتسمت وهى تضع الوسادة على رأسها واكتسب صوتها نبرة جدية وهى تقول:

- من فضلك انا تعبانة وعاوزه انام روح نام فى اوضتك

طبع قبلة صغيرة على رأسها وقال:

- تصبحى على خير ..

أطفأ المصباح وخرج لينام فى الغرفة الأخرى, دخل فراشه ووضع يديه تحت رأسه وهو ينظر للأعلى  شاردًا فى حاله "معقول اكون حبيتها بسرعة كده! .. هو انا لحقت .. ده انا لسه من كام يوم كنت حاسس انها زى اختى ! ...لا.. بس انا لما زعلتها وسابت البيت ومشيت مكنتش عارف ارتاح .. ومرتحتش غير لما رجعت البيت .. ومكنتش عارف ليه.. معقول كنت بحبها وانا معرفش؟! ... أعتدل جالسًا فى فراشه وقال وكأنه يحدث شخص آخر:

- الله .. طب لما هو كده ليه واحنا مسافرين مكنتش حاسس بحاجة ناحيتها ومكنتش عاوز حتى المسها ... يمكن علشان كنت حاسس أن بابا هو اللى كان عاوزنى اتجوزها؟!

نهض من فراشه وسار قليلاً يتكلم مع نفسه ويتذكر يوم زفافه وكيف تركها ونام , وقعت عينيه على صورته فى المرآة فوقف أمامها قائلاً:

- ماهو حاجة من الاتنين .. أنت يا أما عبيط يا أما اهبل.. والاحتمال الأكبر انك الاتنين مع بعض.

***

أوقف وليد سيارته أمام منزل سلمى وقال بضجر:

- أدينى وصلتك اهو زى ماكنتى عاوزه .. يالا اتفضلى

أستدارت بجسدها كله إليه قائلة:

- دلوقتى بقيت توصلنى غصب عنك الله يرحم....

ثم تابعت بغيظ :

- مش كفاية الكسفة اللى اكسفتها فى الفرح وهى بتسلم عليا ببرود والناس شايفانا

- ياستى قلتلك اصبرى هخدلك حقك

قالت بعصبية:

- كله بسببك.. قعدت توعدنى انك هتاخدلى حقى من القلم اللى يوسف ضربهولى قدامك.. وانا صدقتك لما قلتلى هتفضحه فى كل حتة ونفذتلك اللى انت عاوزه .. وادى النتيجة مفيش حاجة حصلت.. لا وفى الآخر اتجوزها كمان

قال بشرود:

- ومين قالك ان مفيش حاجة حصلت..أنا بس لسه مش متأكد

قالت بسخرية:

- ما انت قلتلى قبل كده الكلام ده  واهو راح اتجوزها

قال بنفاذ صبر:

- يا غبية افهمى.. الجواز السريع ده حصل نتيجة لحاجة من الاتنين.. يا أما بعد ما شافها طالعة معاكى انتِ وولاد خالتك وقرر يواجهها وفعلاً واجهها وهى قدرت تضحك عليه ... ودى حاجة بستبعدها لأنه كان شارب مخدرات تخليه تلاجة ماشية على رجلين .. يا أما حصل عكس اللى كنت مخططله واضطر يستر عليها.

عقدت سلمى حاجبيها وقالت بعدم فهم:

- عكس اللى كنت مخططله ازاى.. أنت مش كان هدفك انه يحاول معاها وهو شارب وهى تروح تفضحه عند ابوك وتبقى كده ردتله اللى عمله معاك لما هددك انه يفضحك .. وفى نفس الوقت ابوك ميصدقوش بعد كده لو قال عليك حاجة؟!

- بالظبط .. بس واضح ان اللى حصل اكبر من كده.. واضح ان الحكاية تعدت المحاولة بمراحل.. وإلا مكانش شكلهم بقى زى ما شفتى كده كأنهم بيتجوزوا غصب عنهم .. ومش طايقين بعض .

أستدار فجأة إليها قائلاً بضيق:

- يالا انزلى بقى وجعتيلى دماغى ..عاوز اروح امخمخ كده مع نفسى ..الحكاية دى لازم اتأكد منها بأى شكل بس مش عارف ازاى

 

 

 

 

***
الفصل الثالث والعشرون

دخل يوسف مكتب أبيه مطرقا وقال:حضرتك بعتلى يا بابا
نظر له والده فى حده وهو يقول:انت ايه اللى جابك الشركه النهارده
نظر له يوسف بدهشه قائلا:جاى اشوف شغلى

نهض والده وقال بلهجه صارمه:ملكش شغل عندى
ثم تابع بنفس نبرته الحاده:تروح دلوقتى تلم حاجتك من مكتبك وتروح بيتكوا ولا تشوفلك مصيبه تانيه تروحها
شعر بغصه فى حلقه وهو يقول:يعنى ايه يابابا
الحاج حسين:زى ما سمعت مشوفش وشك فى الشركه تانى وكفايه انى مطردتكش من البيت
وشغلك هيتوزع على اخوك ...واسمع مش عايز اشوف خيالك فى البيت طول مانا هناك تغور فى اى حته من قدامى فاهم ولا مش فاهم

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """"""""""

خرج يوسف من مكتب والده والدنيا تميد به لماذا لم يدافع عن نفسه ولو بكلمة واحده ...لماذا دائما لاعيطيه فرصه ليتحدث .....لماذا لا يتكلم معه ليعرف لماذا فعل ذلك؟
أستقل سيارته وقاداها بلا هدف وجد نفسه يمر بكورنيش النيل ركن سيارته جانبا ونزل منها .....وقف امام سور الكورنيش ينظر الى الماء فى وجوم يتذكر الليله المشؤمه

تذكر عندما قاد سيارته مراقبا لسيارة سلمى ....وظل خلفها متابعا لها بتركيز والغيرة تفتك بقلبه .....وبدون سابق انذار توقفت سلمى تحت أحدى البنايات.. خرجت سلمى من سيارتها ثم الرجلين... وقفا يتحدثان قليلا ثم صعد الرجلين لفتره من الزمن قصيرة وهبطا اليها مره اخرى ....وخرجت مريم من السياره وصعدت معهما هى وسلمى

توجه يوسف الى حارس العقار وتحجج انه يسأل عن شقه مفروشه خاليه فى البنايه فقال له الحارس بتأفف :بلا مفروش بلا قرف ثم أشار الى سيارة سلمى قائلا ادى اللى بناخده من المفروش بلا هم.. بنات عايزة قطم رقبتها ملهمش اهل يلموهم

توقفت ذكرياته عند هذه النقطه عندما شعر بألم شديد فى عضلات قلبه عاد الى السيارة وقادها مره اخرى عائدا الى المنزل
بمجرد ان دخل من بوابه المنزل الخارجيه تفاجأ بخروج فرحه ومريم من المصعد وما ان رأته فرحه حتى تعلقت فى ذراعه قائله:جيت فى وقتك يا اخويا يا حبيبى ثم طبعت قبله على كتفه تداعبه وقالت:ممكن توصلنا الكليه وهنيالك يا فاعل الخير والثواب

لم تعد مريم تحتمل رؤية ابغض وجه اليها اكثر من هذا أشاحت بوجهها بعيدا وهو يقول لاخته:معلش يا فرحه خلى ايهاب يوصلكوا
فرحه:ايهاب مش هنا وهيتأخر النهارده واحنا كنا هناخد تاكسي بس ربنا بعتك لينا يرضيك نروح ندور على تاكسى انا ومراتك وانت موجود
نظر يوسف لمريم ولكنه تفاجأ بشكلها الجديد ملابسها مختلفة كثيرا ...واسعه ومحتشمه ولا تفصل جسدها كما كانت ترتدى من قبل ....نظر الى وجهها الحجاب طويل يغطى صدرها لم تصبغ وجهها بأى الوان .....ظل ينظر اليها حتى قاطعته فرحه قائله بمشاغبه:انت ياعم الرومانسى سيبك من مراتك دلوقتى وركز معايا

انتبهت مريم انه ينظر اليها بتمعن فقالت لفرحه:انا هستناكى عند باب الجنينه بره
تابعها يوسف بعينيه حتى وصلت لباب الحديقه ادارت فرحه وجهه بيدها قائله:ياعم انت هنتأخر تعالى وصلنا وابقى بحلق براحتك فى السكه بس اوعى تعمل بينا حادثه

أضطرت مريم ان تركب بجواره وفرحه فى الخلف وطوال الطريق تتحدث فى الهاتف مع صديقتها المقربه كعادتها دائما
أخرجت مريم مصحف صغير من حقيبتها وظلت تقرأ فيه طوال الطريق كان يختلس النظر اليها من حين لاخر وهو لا يصدق ما يرى تردد قليلا ثم قال:انتوا رايحين دلوقتى تعملوا ايه مش المفروض فى اجازه
لم تسمعه فرحه وهى تتحدث الى صديقتها فى الهاتف فأعاد السؤال مره اخرى وهو ينظر لمريم:فقالت ببرود:عندى تدريب صيفى
وجد نفسه يقول:هتخلصى امتى
قالت بصوت اشبه للهمس:ملكش دعوه

بعد ان اانتهت فرحه واغلقت الهاتف قال يوسف بسرعه:هتخلصوا امتى يا فرحه علشان اجى اخدكم
قالت فرحه بسعاده :ايه ده بجد
أومأ برأسه :ايوه خلصينى هتخلصوا امتى؟
فرحه:انا هخلص على 3 ..ثم نظرت الى مريم قائله :وانتى يا مريم هتخلصى امتى
تصنعت مريم ابتسامه وهى تقول:لا متشغلوش بالكوا انا لما هخلص هروح

قال يوسف:خلصى براحتك بس قوليلى على امتى علشان اجى اخدك
قالت فى سرها"ربنا ياخدك انت يا اخى"
فرحه:ها يا مريم هتخلصى امتى
مريم:يعنى على الساعه 2 او 3 مش عارفه بالظبط
قال يوسف بحسم:الساعه اتنين هتلاقينى واقف مستنيكى

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """"""
خرج وليد من مكتبه وأقترب من مكتب علا التى لا تعيره اهتماما رسم ابتسامه على شفاه قائلا:انا هروح اتغدى تحبى تيجى معايا
هزت رأسها نفيا قائلا بجديه:متشكره يا استاذ وليد وبعدين لسه معاد الراحه فاضل عليه نص ساعه
اتكأ على المكتب قائلا:ياستى انا صاحب الشغل ولا يهمك وبعدين انا عاوزك فى موضوع مهم ومش هينفع هنا
نهضت ونظره له بجديه وقالت:انا مفيش مواضيع بينى وبين حضرتك غير الشغل وبس... لو فى حاجه فى الشغل افتكر هنا مكانها مش فى حته تانيه

أعتدل وهو يتفحصها ببرود وعقد ذراعيه امام صدره قائلا:انتى بتعاملينى ناشف كده ليه
جلست وهى تتابع عملها:اصل حضرتك متصور انى علشان بشتغل عندك يبقى سهل عندك تاخدنى اى مكان بره الشغل .....لايافندم انا مش كده واظن حضرتك تعرف ان ابن عمك كان خاطب اختى يعنى لو كانت اخلاقنا عليها غبار مكنش فكر يرتبط بيها من الاول.... ثم القت عليه عبارتها الاخيره قاصدة اياها:احنا مالناش غير فى الجد وبس يا فندم...ولو سمحت يا استاذ وليد سبنى اكمل شغلى
أخرج وليد علبة من القطيف من جيبه ورسم على وجهه علامات الحزن قائلا:انتى فهمتينى غلط على فكره انا بس كنت عاوزك علشان اقدملك دى وفتحها وادارها اليها

القت عليها نظره سريعه كانت تحوى خاتم ذهبيا مرصع بفصوص الالماس اللامعه اعادت نظرها اليه ببرود وقالت:ايه دى
وليد :دى هديه بسيطه
علا: بمناسبة ايه
وليد:بمناسبة جمالك

تصنعت الانفعال وهى تقول:حضرتك ليه مصمم تضايقنى.. قلت لحضرتك انى ماليش فى الحاجات دى ......انت ليه مبتقدرش تفرق بين البنات وبعضها وأخذت حقيبتها وهى تتصنع البكاء وهرولت سريعا من امامه وهى تخفى ابتسامة خبيثه بداخلها
شعر بحيرة شديده من تصرفاتها معه فهو لم يعتاد على ذلك من اى فتاة أخرى

هاتف صديقا له وواعده على الغذاء ..التقى به فى احدى المطاعم القريبه من الشركة
:ايه يا عم مختفى فين بقالى مده مش شايفك على الشاشه يعنى
وليد:اسكت يا معتز فى بت مطلعه عينى

معتز باندهاش:ايه ده بقى وليد باشا مش قادر على حتة بت لا قول كلام غير ده..مين البت دى
زفر وليد بضيق قائر:بتشتغل معايا فى مكتبى فى السكرتاريه ..بس رخمه رخامه يا أخى
ولا تضحك فى وشى الا بطلوع الروح.. اقولها نرفع الالقاب تقولى مينفعش...أعزمها على غدا مترضاش وتقولى انا مش بتاعة الكلام ده.. اجيبلها هديه تديهوملى فى جنابى وتسيبنى وتمشى.. لما خنقتنى

ضحك معتز ضحكات عابثه قائلا:لا ده انت حالتك صعبه اوى..قولى هى حلوه تستاهل يعنى
وليد:وانا هعمل ايه بحلاوتها وهى منشفه ريقى كده..لا وقال ايه تقولى انا ماليش غير فى الجد
معتز:اوبااااااا... بس يا باشا انا كده فهمت..البت دى رسمه على جواز

قال وليد بسخريه :جواز مين يابا هو انا بتاع جواز ..ما انت عارفنى كويس..انا بس مش متعود ان واحده تنفضلى كده
معتز:طب انا بقى عندى حتة فكره تخليك تاخد راحتك معاها على الاخر
وليد :منكم نستفيد

معتز:بص يا باشا البت اللى تلاقيها معصلجه معاك وماشيه فى طريق الجواز ..اخطبها
وليد باستهزاء:لا والله وده من ايه
معتز :اسمع بس لما اكمل كلامى...الحكايه دى ناس اصحابى جربوها كتير قبل كده
الواحد منهم يخطب البت اللى منشفه راسها معاه يروح ويتقدم بقلب جامد ويعمل خطوبه ويقدم شبكه متوسطه كده ..ويقعد سنه بقى داخل خارج معاها ماسك ايدها عزومات وسهر وسينما والذى منه... ولما تحبك معاه اوى ياخدها تتفرج على شقة المستقبل وهى بتتوضب اه طبعا يعنى تعيش فى شقه من غير ما تقول رأيها فيها

لمعت عينى وليد وهو يقول:يابنى اللعيبه شقة المستقبل ..ازاىمخطرتش على بالى الفكره دى قبل كده ..صمت ثوانى فى تفكير ثم قال :بس يابنى ده كده ممكن يتدبس فيها ويضطر يتجوزها
قال معتز بسخريه:لا ماهو اللى يعمل كده لازم ياخد باله انه ميدبس نفسه يعنى ياخد راحته من غير ما يدخل فى الغريق علشان فى الاخر لما يزهق يقولها معلش يا حبيبتى احنا شكلنا كده متفقناش ومش قادرين نفهم بعض كل شىء نصيب بتمنالك حياه سعيده
وليد:طب ماهى البت ممكن تروح تقول لاهلها

معتز:هتقولهم ايه كنت بروح معاه شقه بيقول اننا هنتجوز فيها ......وحتى لو عملت كده هيقولهم محصلش دى كدابه واكشفوا عليها هتلاقوها صاغ سليم...واهو اتبسط وعمل كل حاجه بالدبله اللى لبسهالها وفى الاخر طلع منها زى الشعره من العجينه ولا حد يقدر يقوله تلت التلاته كام
قال وليد بمكر:يابن الايه ده انت حلتهالى على الاخر..ده على كده الدبله دى بتحل مشاكل كتير وبتقرب البعيد

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """"""""
خرجت سلمى من الكليه ووقفت تبحث عن سيارتها بين السيارات فرأت فتاه تشبه مريم أقتربت منها ثم قالت بدهشه :ايه ده مريم
التفتت لها مريم وقالت ببرود:اهلا يا سلمى
أقتربت سلمى اكثر منها وهى تنظر لملابس مريم:ايه اللى لابساه ده من امتى ......يعنى ثم قالت بسخريه :ايه هو يوسف غصبك تلبسى كده ولا ايه من اولها كده هيتحكم فيكى

نظرة لها مريم بحنق:لا يا سلمى انا غيرت لبسى علشان ابقى محجبه زى ما ربنا عايز مش زى ما الموضه عاوزه
صفقت سلمى ببطء وهى تقول:برافووووو ايه ده ياربى واقفه قدام ايمان بذات نفسها
نظرت لها مريم بضيق وهمت بالانصراف تاركه لها المكان ولكن سلمى قبضت على ذراعها وتصنعت التفهم:متزعليش بس استنى هنا انا والله مبسوطه انك مرتاحه انا بهزر معاكى مش اكتر.. انتى حبيبتى يا مريم

مريم:خلاص مفيش حاجه عن اذنك بقى مش عاوزه اتأخر استدارت لتذهب فوجدت احد الشباب مقدم فى اتجاههم وهو يشير لسلمى من بعيد بالتحيه ..حاولت ان تذهب ولكن سلمى قبضت على يدها مره اخرى وهى تقول استنى بس انتى وحشانى اوى ولسه مشبعتش منك
ارتبكت مريم ونزعت يدها من يد سلمى وقالت:معلش مش دلوقتى عن اذنك

التفتت لتذهب مره اخرى فوجدت الشاب قد اقترب منهما قائلا وهو يبتسم لمريم:ازيك يا مريم وحشتينا
قطبت جبينها وهى تقول :ايه وحشتينا دى لو سمحت اتكلم معايا بأحترام وتركتهم وذهبت مسرعه
التفت الشاب الى سلمى وهو يقول بسخريه دى مالها دى

ما ان خطت مريم خطوات قليله وكأنها تعدو حتى اصطدمت بيوسف.. توترت وهى تنظر اليه وهو يقول لها:الواد ده ضايقك
هزت رأسها نفيا فقال لها وهو ينظر الى سلمى وصديقها :طب يلا كويس انى جيت بدرى
أستقلت معه السياره نظرت للخلف فلم تجد فرحه فقالت فى توتر :فين فرحه
يوسف :صحابها روحوا بدرى وخدوها فى سكتهم

توترت اكثر وشعرت باضطراب فى جسدها وخفق قلبها بشده ادار محرك السياره وهو يقول:كان بيقولك ايه
مريم:هو مين
نظر لها نظره جانبيه وهو يقول:الواد اللى ضايقك من شويه
قالت بضيق قلتلك مضايقنيش

يوسف:اومال انا ليه شفتك بان عليكى ملامح الضيق اول ما شفتيه وسبتيه ومشيتى على طول
نظرت له بدهشه:انت كنت بتراقبنى ولا ايه....ثم اضافت بحنق :وبعدين انا بطلت اقف مع ولاد
نظر امامه ولم يرد عليها فقالت بأستنكار:اظاهر انك نسيت نفسك وافتكرت انك جوزى بصحيح
قال بهدوء :متبدأيش فى استفزازى تانى من فضلك كفايه اللى قولتيه قبل كده

كانت تتمنى ان تستفزه فعلا وان توجه اليه اللعنات ولكن هذه المره تختلف كثيرا انها وحدها معه فمن الافضل ان تصمت
فتحت مصحفها وظلت تقرأ بعينيها فى صمت وهو ينظر اليها بين الحين والاخر حتى وصل الى المنزل
وعند البوابه تفاجأ بمرور سيارة والده فى طريقه للعبور للداخل لمح والده مريم تجلس بجواره فى السياره ..تراجع يوسف بسيارته ليفسح المجال امام ابيه للعبور توقفت السيارتان وهبطت مريم فى سرعه وتوجهت الى سيارة عمها وهو يترجل منها فى هدوء ..وضع يده على كتفها بترحاب قائلا:ازيك يا بنتى كنتى فين

مريم:كان عندى تدريب فى الكليه وكان المفروض ارجع مع فرحه بس هى روحت بدرى مع اصحابها
نظر الحاج حسين الى يوسف الذى يقف امام والده باحترام شديد ثم نظر مره اخرى الى مريم وقال لها:ضايقك؟
هزت رأسها نفيا وهى تقول :لاء

اعاد الحاج حسين نظره الى يوسف قائلا:انا كنت هسحب منك العربيه كمان بس خلاص خليها اهو تبقى توصلهم بدل ما تقعد عاطل كده ..واخذ مريم وأتجه بها الى الداخل
استند يوسف الى سيارته ومسح على شعره وقد احمر وجهه مما سمعه من كلمات لازعه امام مريم
توقف بهما المصعد فى الطابق الثانى فقال الحاج حسين بحنان:متيجى تقعدى معايا بدل ما تطلعى تقعدى لوحدك فوق تلاقى ايمان عندنا دلوقتى

اومأت برأسها موافقه لمح فى عينيها التوتر والحيره فقال:عاوزه تسألى على حاجه
قالت :ايوه يا عمى عاوزه اعرف معنى الكلام اللى قلته تحت من شويه
ابتسم وهو يقول:يهمك تعرفى
زاغت نظراتها ولم ترد ..فقال وقد اتسعت ابتسامته أكثر:طردته من الشركه وقلتلوا مالكش شغل عندى وكنت ناوى اسحب منه العربيه بس خلاص طالما ممكن ينفعك بيها خليها معاه

شعرت مريم بشىء من الارتياح عندما تخيلته وهو يطرد من عمله ويتكلم معه ابيه بهذه الطريقه المهينه
طرق الباب وفتحت له ايمان بابتسامتها المشرقه:حمد لله على سلامتكوا ايه كان عندكوا راند فو ولا ايه
قال الحاج حسين مداعبا :هزرى براحتك علشان جايبلك خبر هيفرحك اوى
ايمان:خبر ايه
حسين:عبد الرحمن سافر بور سعيد وهيقعد كام يوم هناك

شعرت ايمان بصدمه وهى تقول:سافر امتى ومقاليش ليه
ابتسم وهو يقول طب كويس انا كنت فاكرك هاتفرحى اكمنه كان كابس على نفسك يعنى
أنطفأ اشراقتها وقالت:مكلمنيش يعنى للدرجة دى مش فاضى

حسين:كان لازم يسافر بسرعه مع العملاء فى مشكله فى المينا ومفيش حد غيره هيعرف يحلها وتلاقيه مش عارف يكلمك وهو راكب معاهم
قالت بذبول:طب ياعمى متشكره انك قولتلى اروح اكمل الغدا مع طنط عفاف
جلس بجوار مريم بعد انصراف ايمان وقال لها:بقولك ايه يا بنتى انا شايف ان مفيش داعى نستنى كتير... ايه رأيك نعمل الفرح اول ما عبد الرحمن يرجع

انتفضت وهى تلتفت اليه:لا يا عمى كده بدرى اوى
حسين :بدرى على ايه انتى ناسيه انتوا هتعيشوا مع بعض ازاى.... يعنى مش هتفرق بقى نعمل الفرح دلوقتى ولا بعدين كده ولا كده مش هيبقى فى بينكوا تعاملات
مريم بتوتر:بس انا اخاف اقعد معاه فى مكان واحد ده انا كنت مرعوبه وانا راكبه معاه العربيه لوحدى
قال فى ثقه متخافيش:ميقدرش يأذيكى بأى شكل من الاشكال هو عارفنى كويس وعارف انا ممكن اعمل فيه ايه
:بس يا عمى

حسين :خلاص بقى يا مريم خلينا نخلص من الحكايه دى بدل مانتى كده على ذمة واحد بتكرهيه ......خليكى تدخلى وتقعدى معاه شهر ولا حاجه وبعدين تطلقى تبدأى حياتك من جديد ..عاوز أطمئن عليكى يا بنتى...ها قولتى ايه
مريم :معاك حق يا عمى التأجيل مالوش لازمه خلينا نخلص

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """"""""""""""
جلس وليد امام ابيه وهو يقول:يابابا الكلام ده مالوش لازمه البنت عاجبانى وهاخطبها خلاص
والده:انت ناسى دى تبقى مين دى اخت هند اللى ابن عمك فسخ خطوبته منها والله اعلم عمل كده ليه
وليد ببرود :ميهمنيش ..وبعدين انا قلت هاخطبها هو انا قلت هتجوزها
نظر له والده بتسائل:نعم ...يعنى ايه

قال وليد بارتباك:لا انا قصدى يعنى انى هخطبها واشوف اخلاقها لو طلعت كويسه نكمل ..طلعت غير كده يبقى خلاص
والده :يابنى مش عاوزين حاجه تفرق بينا وبينا وعمك وولاده ازاى بس هتيجى بينا كده هى واختها اللى كانت مخطوبه لأبن عمك
قال وليد فى تصميم يابابا انت مكبر الموضوع اوى دى مجرد خطوبه وخلاص ...وبعدين يعنى هو عبد الرحمن ومشاعره اهم عندك مني انا

قال ابراهيم فى انكار: لله الامر من قبل ومن بعد انا عارفك لما بتحط حاجه فى دماغك ..خلينى اقول لعمك واشوف هيتصرف ازاى
وليد بلا مبالاه :يتصرف فى اى بس انا خلاص دخلت بيتهم وقعدت مع امها وحددنا معاد كمان يومين ....ولا يرضيك ابنك يخلف وعده ويطلع عيل

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """"""""
ربت الحاج حسين على كتف اخيه ابراهيم وقال بابتسامه:هدى نفسك يا ابراهيم خلاص سيبه يعمل اللى هو عاوزه
ابراهيم:ازاى بس الواد ده مخه طول عمره تاعبنى يا حسين ومش قادر عليه

حسين:خلاص يا ابراهيم يخطبها هو حر هو اللى اختار سيبه على راحته علشان ميجيش بعد كده يقولك انت غصبت عليا
ابراهيم :هتدخل العيله ازاى دى هى واختها.... طب وعبد الرحمن
ابتسم حسين وقال محاولة تهدئته:عبد الرحمن بيحب مراته يا ابراهيم ووجود هند من عدمه مش هيفرق معاه بلاش نعاند مع وليد وانا متأكد انه هيسيبها لوحده

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """"""
جلس وليد بجوار علا وامسك يدها والبسها خاتم الخطبه الذهبى ..والذى حرصت علا على ان تنتقيه بسيط لتعطى انطباع لوليد عنها انها قنوعه ولا تطمع فى امواله وانما وافقت على الخطبه من أجل مشاعرها تجاهه فقط لا غير
جلست هند فى بهجه بجانبها وطبعت قبله على وجنتها قائله بسعاده كبيره:مبروك يا لولى

كانت هند تشعر انها اقتربت خطوه كبيرة من عبد الرحمن ولابد ان تلحقها بخطوة اخرى سريعه ولكنها ستنظر عودته اولا
كانت فاطمه تجلس بجوار الحاج ابراهيم وتهمس له ابنك اتجنن باين عليه.... بقى دول ناس نناسبهم
وخزها بلطف قائلا:مالناش دعوه يا فاطمه احنا جينا بس علشان منسيبوش لوحده لكن كده ولا كده كان هينفذ اللى فى دماغه
مالت وفاء عليها قائله :بس يا ماما الناس بتبص

نظرت علا لوليد بدلال وقالت:اومال عمك مجاش ليه هو وولاده هما مش موافقين على خطوبتنا
طبع قبله على يديها قائلا:مش بابا وماما واختى موجودين عاوزه عمى فأيه بس .....وبعدين يا حبيبتى ملكيش دعوه غير بيا انا بس انتى فى قلبى واللى مش عاجبه بخبط دماغه فى الحيطه
ضحكت بدلال وهى تقول:ربنا يخليك ليا يا حبيبى

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """
دخلت عفاف مندفعه الى زوجها فى غرفته:انا عاوزه اعرف فى اى بينك وبين ابنك
رفع وجهه من بين اوراقه وقال بهدوء:مالك يا عفاف فى ايه وابنى مين
عفاف بانفعال:ابنك يوسف ...انا عاوزه اعرف فى ايه تشوفه فى مكان تسيبه وتمشى.. وهو مبيقعدش معاك فى مكان واحد ودايما قاعد فى الجنينه وامبارح نام فيها.. انا عاوزه افهم فى ايه
نظر لها بضيق قائلا:وانا مالى متسأليه يا عفاف

قالت بحنق:انا عارفاكوا كويس ..مش ده يوسف اللى كان بينقى الكرسى اللى جنبك ويقعد فيه ..قولى فى ايه يا ابو يوسف
نظر لها نظره جانبيه وقال:مفيش هو بس غلط غلطه كبيرة اوى فى شغله حملنا بيها خساير كتيرة وكان لازم يتعاقب... اصله مش صغير يعنى علشان يغط غلطه زى دى ميغلطهاش موظف لسه جديد

عفاف:كلنا بنغلط يا ابو يوسف مش معقول علشان
حاجه غصب عنه يتعامل بالشكل ده... ده بقى لا بياكل ولا يشرب لحد ما خس وعدم
رسم ابتسامه رضى على محياه قائلا:خلاص يا عفاف علشان خاطرك انتى هسامحه علشان تعرفى بس غلاوتك عندى ولو انى مبسامحش فى الشغل ابدا
ابتسمت فى رضى قائله:ربنا يخاليك لينا يا حاج.. وخرجت بغير الوجه الذى دخلت به

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """""""""""""""
كانت مريم تمسك بجهاز التحكم وهى تشاهد التلفاز وتتقلب بين قنواته فى ملل شديد.. اطفأته ونهضت ..ذهبت للشرفه لتجلس فيها قليلا ..رأته يتجول فى الحديقه ويدور حول نفسه
..يدور كالنمر المحبوس بين قضبانه لا يجد مخرجا ..ظلت تنظر اليه فى شرود وهى تتذكر كلماته

"" اقعدى مع نفسك وانتى تعرفى ان سمعتك كانت متشوهه لوحدها ...اه صحيح انا نسيت انى كنت ماشى وراكى بالعربيه انتى وصاحبتك السفله وشفتكوا وشفت كنتوا رايحين فين ومع مين""

جلست على المقعد فى وجوم وهى تقول:كنت ماشى ورايا ليه يا يوسف ولما شفتنى وانا طالعه معاهم ليه مجتش تاخدنى..كنت همشى معاك والله

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """"""""""""""""""""
فى نفس اللحظه كانت ايمان تتقلب فى فراشها يجافيها النوم لقد تعودت على وجوده فى المنزل كيف تنام بدونه.. نهضت ودخلت الغرفه التى ينام فيها دست جسدها تحت غطاؤه وتدثرت به وأغمضت عيونها وهى تستنشق عبيره الذى يملاء فراشه ووسادته وبدأت بالفعل فى الاسترخاء
حتى سمعت صوت هاتفها التقتت الهاتف ونظرت فيه وابتسمت عندما وجدت اسمه تضىء به شاشته

ردت بلهفه :السلام عليكم
اتاها صوته عبر الهاتف بشوق كبير:وعليكم السلام وحشتينى يا حبيبتى وحشتينى اوى
:لم تستطع كلماتها ان تعبر عما يحمله قلبها فصمتت فى خجل وشوق
أتاها صوته مرة اخرى بشوق اكبر:هو انا كل ما اقولك حاجه تتكسفى كده
انا قلت وحشتينى يا حبيبى.. يعنى مش قصدى حاجه عيب.. انتى دايما كده تفهمينى صح

ابتسمت ابتسامه كبيره فتابع:ابتسامتك وحشتنى اوى
نظرت للهاتف فى دهشه ثم قالت بصوت هادىء:هتيجى امتى
عبد الرحمن:وحشتك؟

حاولت ايمان ان تصبغ صوتها بصبغة جديه وهى تقول:اخبارك ايه
قال مادعبا :لا يا شيخه ..عليا انا

احمر وجهها بشده وهو يتابع حديثه :انا دلوقتى فى الفندق ولسه قدامى يومين مش عارف هبات يومين كمان بعيد عنك ازاى يا حبيبتى
واكمل مداعبا كل ما اتقلب على السرير اشوف صورتك على الوساده الخاليه اللى جانبى
ابتسمت رغما عنها وهى تقول:هو انت مبتتكلمش جد ابدا

ظهر الشوق فى صوته وهو يقول:ماهو انا لو اتكلمت جد معاكى دلوقتى مش عارف هيحصلى ايه مش بعيد اقوم انط فى اى عربيه واجيلك
قالت محاولة ان تغيير مجرى الحديث:مش عمى حدد معاد فرح مريم ويوسف
قال عبد الرحمن:قديمه عارفها من ساعه ...كنت بكلم بابا وقالى احاول اخلص واجى فى اقرب وقت....ثم همس لها وهو يقول:ميعرفش انى عاوز اطير واجى بسرعه

قالت معاتبة:يعنى كنت فاضى اهو من ساعه وبتكلمى عمى اومال مكلمتنيش ليه
تنهد بقوة قائلا:كنت بكلمه وانا بره مع الناس وكنت مستنى لما اقعد لوحدى علشان اكلمك..اول ما دخلت اوضتى فى الفندق كلمتك على طول
ثم قال مداعبا مره اخرى:بصراحه باربى وحشتنى اوى

ضحكت برقه وهى تقول:مكنتش اعرف انك بتحبها اوى كده
فقال بسرعه:اعمل ايه بس من ساعة ما شفتها وانا نفسى اروح معاها للرذيله وهى اللى مش موافقه

وظل يحادثها ويبثها حبه ولا ينتظر منها ردا فهو يعلم انها مازالت تخجل منه ولن تستطيع ان تجاريه فى الحديث الان
أنهى اتصاله وهو يضع قبله على هاتفه لتصل الى قلبها بل لاعماق قلبها بحديثه الهامس
احتضنت الهاتف وهى تغمض عيونها لتنام تفاجأت بصوت رساله جديده فتحتها لتقرأ كلماته لها
وقلبها يختلج بشده بين ضلوعها...

الفصل الرابع والعشرون

أنت بتقول ايه يا وليد.....معقوله الكلام ده...بقى عبد الرحمن فسخ خطوبته من هند علشان عرف انها جاسوسه لاحلام
قال وليد بنظرة انتصار:علشان تعرفى بس ان مفيش حاجه تستخبى عليا

قالت فاطمه بتفكير:الموضوع ده لازم ولاد حسين يعرفوه حالا...مش لازم يستخبى ابدا
ضحك وليد بسخريه وهو يقول:عبد الرحمن هو اللى سمعها ومفتكرش انه قال ليوسف او فرحه
التفتت له بتصميم قائله:لازم تقول ليوسف

حرك رأسه نفيا قائلا:يوسف مش طايقنى اليومين دول...انتى قولى لفرحه بصنعت لطافه كده وهى اكيد هتقول ليوسف
نظرت له امه بتسائل:ويوسف مش طايقك ليه يا واد
وليد:ابدا يا ستى كله من تحت راس البت اللى اسمها مريم دى ..كل ده علشان نبهته ان مشيها مش كويس..طلع فيا ومن يومها وهو زعلان
فاطمة:وانت عرفت عنها حاجه متأكد يعنى يا وليد
وليد:هو انا لو مكنتش متأكد كنت اتكلمت يا ماما
شردت فاطمة فى تفكير وهو تقول:سيبلى الحكايه دى

صعدت فاطمه الى شقة فرحه وطرقت الباب فتحت لها فرحه مرحبة بها وادخلتها وهى متعجبة
جلست فاطمة وبدأت فى سرد ما جائت لاجله وعندما وجدت علامات الزهول على وجه فرحه
قالت:ايه ده هو انتى مكنتيش تعرفى ده انا فاكراكى عارفه....

نهضت فرحه وهى مصدومه وقالت:حضرتك متأكده يا مرات عمى
تصنعت فاطمة الارتباك وهى تقول:لالا يا بنتى مش متأكده..بصى كأنك مسمعتيش حاجه وذهبت سريعا وهى تقول بصوت مسموع...يقطعنى ياريتنى ما كنت اتكلمت

هوت فرحه الى مقعدها مره اخرى وجلست تفكر فى كلام زوجة عمها"معقوله ..معقوله ايهاب اتجوزنى علشان امه هى اللى خططت لكده مش علشان بيحبنى ..يعنى ايهاب مبيحبنيش وبيخدعنى"
تناولت الهاتف وهى مازالت مصدومه وقالت:ايهاب لو سمحت تعالى دولقتى
ايهاب:طب قوليلى وحشتنى وانا اجى
جائه صوتها متجمدا:لو سمحت تعالى حالا متتأخرش

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """"""""
لم تكن صدمة ايهاب اقل من صدمة فرحه حينما قصت عليه حديث فاطمة زوجة عمها وقال:انتى بتقولى ايه يا فرحه ..انا امى خططت لكل ده
والتفت لها بحنق:وانتى مصدقه انى اتجوزتك علشان امى هى اللى قالتلى اعمل كده

زاغ نظرها اضطرابا ولم ترد ..فأومأ برأسه قائلا بعصبيه :اجابتك وصلت يا هانم..وعلشان اثبتلك بقى انك لسه معرفتنيش
جوازت مريم ويوسف مش هتكمل وكده ولا كده ايمان مش مبسوطه مع اخوكى وهاخد اخواتى وامشى من هنا
وورقتك هتوصلك قريب
تعلقت فرحه بذراعه وهى تبكى :ارجوك يا ايهاب استنى انا مش قصدى انا بس.......

قاطعها بانفعال :خلاص يافرحه عنيكى جاوبت قبل لسانك.... مفيش داعى تقولى اكتر من كده
ونزع ذراعه منها وانصرف فى سرعه...
تناولت فرحه الهاتف واتصلت على اخيها يوسف تستنجد به فى بكاء:الحقنى يا يوسف ايهاب هيطلقنى وهياخد اخواته ويمشى من البيت
يوسف:ليه ايه اللى حصل..متنطقى

سردت له ما حدث فى عجالة.....اغلق الهاتف وصعد اليها فى سرعه ولكنه تفاجأ بزوجة عمه فى طريقها للحديقه أوقفته وهى تقطع الطريق امامه مالك يا يوسف بتجرى كده ليه ياخويا
يوسف وهو يحاول ان يتخطاها:معلش عن اذنك بس علشان فرحه عاوزانى ضرورى

وضعت يدها على فمها وهى تقول:يلهوى هى قالتلك ولا ايه
استدار لها قائلا:قالتلى على ايه
قالت بحزن مصطنع:ابدا ياخويا انا اصلى حكتلها على سبب فسخ خطوبة عبد الرحمن لخطبته هند وان عبد الرحمن عرف ان هند جاسوسه لاحلام وانها خططت كل ده علشان تجوزكوا ولادها بالاتفاق معاهم

نظر اليها ساخرا وقال:كتر خيرك يا مرات عمى ......تركها وصعد الدرج فى سرعه.. كانت فرحه قد لحقت بمريم فى شقتها وأخذت تبكى ومريم تحاول تهدئتها
سمع يوسف ضجيج يخرج من شقة ايمان وعبد الرحمن ومن الواضح ان ايهاب يتكلم مع ايمان بشكل انفعالى
طرق الباب وتراجع خطوات للخلف :فتح الباب وطل منه وجه ايهاب غاضبا.. فقال بسرعه :عاوزك شويه لو سمحت يا ايهاب
ايهاب فى غضب :انا اللى كنت عاوزك
خرجت ايمان بعد ان اترتدت حجابها وهى تقول لايهاب بترجى:ارجوك يا ايهاب اهدى شويه
فى نفس اللحظه فتحت مريم الباب ووقفت تنظر لهم بتسائل فقال يوسف:لو سمحت يا ايهاب نقعد نتكلم طيب..وبعد عدة محاولات دخل الاربعه عند مريم

جلس ايهاب فى حنق وتعمد عدم النظر الى زوجته التى كانت تبكى بشده .. وجلس بجواره يوسف قائلا بهدوء:ممكن نسمع بعض علشان نعرف نفهم
استشاط ايهاب غضبا وهو يصيح:خلاص كل حاجه بانت نسمع ايه ونفهم ايه ونهض قائلا بغضب:اسمع يا يوسف احنا من هنا ورايح ولاد عم وبس وانا هاخد اخواتى ونمشى من هنا
نهض يوسف ووقف امامه قائلا:ايهاب الطريقه دى متنفعش نتكلم طيب
.....قالت ايمان بسرعه:وبعدين فرحه مقالتش حاجه غلط الكلام ده حصل فعلا ماما كانت بتكلم هند وعلشان كده عبد الرحمن فسخ الخطوبه
..قاطعها يوسف:عبد الرحمن هو اللى قالك

هزت رأسها نفيا وقالت:لا طنط عفاف قالتلى وهى فاكرانى عارفه..لانى كنت فى اليوم ده راجعه من عند عمى فى الشركه ..كنت بسألها على موضوع يخص ماما فهى افتكرت انى قصدى موضوع هند
ابتسم يوسف بهدوء وقال لايهاب:ماهو بالعقل كده عبد الرحمن هو اللى سمع هند وهو اللى فسخ الخطوبه لو كان بقى متأكد ان حد فيكوا موافق على الكلام ده ايه اللى هيخليه يتجوز ايمان ..

قال ايهاب بعصبيه:ما انت لو كنت شوفته بيتعامل مع ايمان ازاى بعد يوم واحد جواز مكنتش قلت غيرانه مكنش عاوز الجوازه دى
اشاحت ايمان وجهها بضيق ولمعت عيونها ثم قالت بألم :لا يا ايهاب الحكايه مش زى ما انت فاكر عبد الرحمن بيحبنى وانا الوحيده اللى اقدر احكم عليه اذا كان اتجوزنى غصب عنه ولا بأرادته
تابع يوسف:ولو كان كده حتى ايه اللى يخليه يوافق على جوازتك من فرحه هو وبابا ...وبعدين لو بابا عرف ان انتوا موافقين على كده ايه اللى هيخليه يوافق على ده

مفيش حاجه تخلى بابا يوافق الا اذا اتأكد انكوا مالكوش دعوى بالحكايه دى واظن انت اتعاملت معاه وعرفته
والقى نظره على مريم واقترب منها ووقف بجوارها ..تناول يدها بيد يديه وهو ينظر لايهاب قائلا بمرح:وبعدين يا جدع انت اللى خلاك تفتكر انى اوافق انك تاخد مراتى وتمشى هى سايبه ولا ايه
حاولت مريم سحب يدها بهدوء من بين يديه ولكنه قبض عليها بقوة وهو يابع حديثه مع ايهاب:فرحه بتحبك يا ايهاب تلاقيها بس اتصدمت من الكلام ده معلش اعذرها لسه صغيره

قالت فرحه ببكاء:والله هو كده يا يوسف
زفر ايهاب بضيق وهو يقول:لا مش صغيره يا يوسف ...بس هى معاها حق امى هى اللى حطتنا فى الموقف ده وخلت الناس تبصلنا على اننا طمعانين فيهم وبنعمل عليهم خطط علشان نوصل لفلوسهم ونظر الى ايمان بضيق وقال:وانتى غلطك اكبر انك عرفتى حاجه زى دى ومقولتليش فى ساعتها ..انا ماشى رايح شقتنا القديمه

خرج ايهاب فى سرعه هرولت ايمان وفرحه خلفه وهى تناديه:استنى بس يا ايهاب استنى...كان يوسف يستعد للنزل خلفهم ولكنه وقف على الباب واستدارعلى صوت هاتف مريم وجدها تأخذه وتدخل غرفتها وهى تتكلم بعصبيه واضحه:ايوا يا ماما خير عاوزه ايه مني تانى
تتبعها يوسف الى غرفتها فى فضول ووقف يستمع لها من خلف الباب المفتوح لم يبذل جهد ليستمع لانها كانت تصيح وهى تتحدث:ادب ايه اللى اكلمك بيه مش كفايه اللى عملتيه فينا ايهاب هيطلق مراته... فاطمه مرات عمى قالتلها على اللى عملتيه مع هند ...وايمان مش مرتاحه مع جوزها وقاعده معايا على طول وانا جوازتى مش هتكمل......ايهاب ساب البيت وانا اول واحده همشى وراه

ايوه اتجننت حرام عليكى بقى ولعلمك حتى لو يوسف قبل يكمل الجوازه انا مش هكملها ..تخطيطك كله حطم حياتى عارفه يعنى ايه حطم حياتى ..اوعى تتبسطى وتفتكرى ان الجوازات دى كلها جات على هواكى لا يا مدام احلام ..
يوسف قبل يتجوزنى علشان يتستر عليا عارفه معنى الكلمه دى ولا مش عارفاها..قالت اخر كلمه وهى تصرخ ثم سقطت مغشيا عليها وقع الهاتف من يدها ودخل يوسف عليها وهى ممده على الارض وقد سمع ما قالت

حملها بين يديه ووضعها على الفراش وأخذ ينظر اليها بتمعن والى ملامح الالم التى بدت على وجهها
أضاءت صور مشاهد الاغتصاب فى عقله صوره تلو الاخرى وتذكرها وهى مغشيا عليها فى المرة الاولى بين يديه ..تذكر وهو يحاول خلع ملابسها وتمزيقها وهى فاقدة الوعى

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """"""""""""""""""""""
فتحت عفاف باب شقتها على صوت فرحه وهى تهرول خلف ايهاب وتناديه وتبعتها ايمان ...اوقف عفاف ايمان فى خوف وقلق :فى ايه يا ايمان مال فرحه وايهاب
وبدون مقدمات ارتمت ايمان على صدر عفاف وهى تبكى بشدة..لم تستطع عفاف ان تفهم شيئا من كلام ايمان أدخلتها للداخل وتركت الباب مفتوحا..
وجلست بجوارها ولكن ايمان ظلت متشبثه بحضن عفاف وتواصل بكائها
مما جعل قلبها يخفق بشده وهى تقول:مالك يا بنتى احكيلى ايه اللى حصل مالكم بس يا ولاد
عادت فرحه ودخلت عند امها عندما وجدت الباب مفتوحا وسمعت صوت بكاء ايمان..دخلت وانهارت على اول مقعد وجدته وهى تقول بنفس متقطع :ملحقتوش خلاص يا ماما ايهاب هيطلقنى

تركت ايمان ونهضت فى فزع وهى تضرب على صدرها :يطلقك ليه عملتى ايه
لم تكن ايمان تبكى لما فعله اخيها وحسب ولكن لانها لاول مره تلتفت للسبب الذى ظنته حقيقى فى جفاء عبد الرحمن منها فى اول ايام الزواج

وجعل عقلها يردد الكلمات تباعا:يعنى هو ممكن كمان يكون متصور انى بنفذ تخطيط امى ده غير انه كان مغصوب عليا اومال ليه قالى انه بيحبنى وليه معاملته اتغيرت وكلامه اتغير"
أستمعت عفاف لرواية فرحه كاملة وكان رد فعلها بالنسبة لهم عجيب لم تتفوه بكلمه وانما دخلت غرفتها بدلت ملابسها وخرجت بعد ثوانى وفى عينيها صرامه غريبة عليها

قالت ايمان بصوت لم يخلو من البكاء رايحه فين يا طنط ..لم ترد عليها وهى فى طريقها للخارج وقفت فرحه مكانها وهى تنظر الى امها بدهشه وهى تقول بخفوت رايحه فين يا ماما دلوقتى
لم ترد ايضا وانما تابعت طريقها خرجت واغلقت الباب خلفها

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """"""""""""""
نهضت مريم فزعه عندما فتحت عيونها ببطء ووجدته يجلس على طرف فراشها ...وقف فى سرعه وابتعد خطوات عندما رآها تلف ذراعيها حول قدماها وتنظر له فى خوف وفزع وقال:متخافيش انا مكنتش لسه نزلت لما ممامتك اتصلت بيكى وسمعتك وانت بتصرخى وبعد ين وقعتى على الارض ....زمكانش ينفع اسيبك وامشى

نهضت بخوف وهى تنهض وتهرول نحو باب الغرفه ومنه الى باب الشقه التى وقفت عنده وقالت باضطراب:اتفضل اطلع بره
أقترب منها ووقف ينظر اليها فى صمت فقالت مرة اخرى:بقولك اطلع بره
ظل ينظر اليها بصمت واخيرا تكلم وكأن صوته يأتى من بعيد قائلا:مروحتيش ليه توصلى اختك واخوكى المطار يوم فرحهم
قالت بحنق وتوتر:ملكش دعوه بيا مفيش بينى وبينك كلام

اعاد سؤاله بنفس الطريقه وقال:اتكلمى كنتى طالعه الشقه المفروشه ليه
حاولت ان تصبغ صوتها بنبرة تحذير قائلا:انا بحذرك تستمر فى اللى بتعمله.. انت مصمم تشوه سمعتى علشان تبرر عملتك السوده..اتفضل اطلع بره بقولك

أمسكها من ذراعيها بقوة قائلا بغضب:انا شفتك بعنيه وانتى طالعه معاها والرجلين اللى كانوا معاكوا وروحت سالت البواب وقالى انها شقه مفروشه وانكوا بنات مش محترمه
نفضت ذراعيها بقوة وهى تهتف به:كداب..كداب انا كنت طالعه شقة سلمى ودول ولاد خالتها
امسك ذراعها مره اخرى وقال حانقا:انتى هتستعبطى ..عاوزه تفهمينى انك سبتى اختك واخوكى ورايحه معاها شقتها ولما هى شقتها البواب ليه قالى كده
تملصت منه وخرجت خارج الشقه وقالت بصوت مكتوم من البكاء:علشان تعرف انك كداب وبتفترى عليا ..نظر اليها نظرة باردة وتركها وذهب

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """""
وقفت فاطمة فى زهول أمام عفاف التى يطل الغضب من عينيها وتتحدث وكأنها أمرأة اخرى أمرأة غير التى كانت تتعامل بطيبة وصبر وكأنها قطة بريه تدافع عن صغارها فى شراسه
:انا صبرت عليكى كتير يا فاطمة وكنت بقول معلش دى عشرة عمر معلش دى سلفتى قبل ما تكون جارتى وليها حق عليا ..لكن يوصل كرهك ليا ولولادى انك عاوزه تخربى عليهم كلهم كده مره واحده لا انا مش هسكتلك تانى يا فاطمة وهوقفك عند حدك

لاول مره تشعر فاطمة بالقلق من كلمات عفاف وقالت بتوتر:انا مكنش قصدى يا عفاف انا كنت بكلم فرحه والكلام جاب بعضه
ضحكت عفاف بسخرية لازعه وقالت بصرامه:انا عارفاكى كويس وعارفه انك عمرك ماكنتى هتزورى بنتى الا لما تكونى عاوزه حاجه...اوعى تكونى انى ساكته عليكى ضعف لا ..انا ساكته علشان رأفه بحالك علشان عارفه الغل اللى جواكى واللى مخليكى تاكلى فى نفسك
طلعتى الغل ده زمان وخليتى احلام تاخد عيالها وتهرب ودلوقتى جايه تكملى فى ولادى يا فاطمه
لا انا مش هقف ساكته تانى واسيبك تهدى بيوتهم زى ما هديتى زمان

صرخت فيها فاطمة :اومال كنتى عاوزانى اعمل ايه ..كنتى عاوزانى اعمل ايه وانا شايفه جوزى بيحب مرات اخوه وعنيه هتطلع عليها كنتى عاوزانى اعمل ايه وانا شايفه نظراتها كلها احتقار ليا وتريقه عليا فى الرايحه والجايه..طبعا منا مش ماليه عين جوزى
هتفت بها عفاف :وعلشان انتى حاسه بالنقص من ناحية جوزك تقومى تدمرى عيله بحالها وجايه دلوقتى تكملى يا فاطمة على ولادى
قالت فاطمه:ولادك..ولادك اللى طول عمرهم بيتعاملوا احسن معامله حتى ابراهيم كان حاططهم فوق ولادوا وبيقدمهم على ولادوا

وانا مكنش ينفع اسكت وانا شايفه كل ده قدامى انا حقى مش هيفضل طول عمره مهضوم بينك شويه وبين احلام شويه
هوت الى المقعد وقالت وكأنها مغيبه عن الواقع:طول عمر اسمع جوزى بيشكر فيكى وبيقولى اتعلمى من عفاف طول عمري حاسه انى اقل منك
اطلع عندك اشوف جوزك بيدلعك ولحد ما كبر فى السن وهو بيحبك وطلباتك اوامر وعيالك مدلعين على الاخر وواخدين حقهم تالت ومتلت
ابص على نفسى الاقينى مش عاجبه جوزى ابدا مهما عملت وحتى ولادوا مش عاجبينوا وعلى طول يقولهم عاوزكوا تبقوا زى ولاد حسين..... ليه انتوا احسن مننا فأيه

لاء انا وولادى مش ملطشه ليكى انتى وولاد احلام ... ولو جوزى حطنى تحت رجيلكم ابنى هيحطنى فوق رأسكم وبكره تشوفوا
قالت عفاف بحسم:انا مش هتنى كلامى يا فاطمه اياكى تقربى من ولادى ولا من حياتهم تانى ولو حصل ده ساعتها متلوميش غير نفسك...خرجت عفاف وصفعت الباب خلفها بقوة

اسندت فاطمة ظهرها للمقعد وهى تغمض عينيها بقوة وتتنفس بصعوبه ..لم تكن هى الوحيده التى تتنفس بصوبه بل كانت وفاء ايضا التى استمعت الحوار بكامله وهى تقف خلف باب غرفتها
جلست على فراشها وبدأت دموعها بالانهمار

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """""""
انتى ايه اللى خلاكى تحكيلوا يا غبيه
هتفت علا بهذه العباره وهى تجلس بجوار هند مؤنبة لها فقالت هند فى ارتباك:معرفش بقى انا لما ملقتكيش وهو عزمنى على حاجه فى مكتبه قعد يجرجنى فى الكلام واتكلم بطريقه كأنه عارف كل حاجه وبعدين يعنى ايه المشكله انه يعرف
زفرت علا فى ضيق وقالت:انتى هتفضلى طول عمرك كده متشغلى عقلك شويه ..دلوقتى احنا استفدنا ايه لما هو عرف
هند بتذمر :هو احنا لازم نستفيد يعنى

زفرت مره اخرى بنفاذ صبر قائله:هفضل افهم فيكى لحد امتى ..لما تكونى عارفه معلومه تخليكى محتفظه بيها متطلعيهاش الا اذا كنتى هتستفيدى لو مش هتستفيدى يبقى تخاليها فى معاكى لحد ما تلاقى فرصه تخليكى تتقدمى خطوه ساعتها تقوليها
واستدارت فى شرود قائله:وبعدين احنا لازم نلحق الموقف لازم نستفيد من اللى حصل
قالت هند:ازاى يعنى ما خلاص ده خد المعلومه منى وطار زمانه بلغ امه

التفتت اليها علا:انا متأكده انه زمانه قال لامه الفتره اللى عرفته فيها عرفت انه بتاع امه وانه مبيخبيش عليها حاجه لازم نشوف حاجه نطلع بيها من الحكايه دى بسرعه
ثم لمعت عينيها بقوة وقالت ل هند :اسمعى اللى هقولك عليه ده ونفذيه بالحرف الواحد
لو عملتيه صح هترجعى مهمه تانى عند الحاج حسين وهيثق فيكى وهتبقى خطوة مهمه اوى علشان ترجعى ثقتهم فيكى تانى

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """""""""""""""
وقفت هند على باب مكتب الحاج حسين تنتظر الاذن بالدخول ..خرجت اليها السكرتيرة قائله:اتفضلى
دخلت فى ارتباك مصطنع وقالت بصوت خفيض :انا اسفه يا حاج انى هعطل حضرتك
اشار لها بالجلوس امامه قائلا:خير يا هند ايه الحاجه المهمه اللى عاوزانى فيها

قالت فى توتر:انا اسفه يا حاج فى حاجه حصلت غصب عنى وانا قلت اجى الحق اقول لحضرتك قبل ما حاجه تحصل من تحت راسى
استمع لها الحاج حسين فى اهتمام ثم تصنع الا مبالاه وهو يقول:خلاص يا هند متشكر اوى تقدرى تتفضلى
وقفت وهى تطرق برأسها للأسفل وقالت:انا اسفه تانى مره يا حاجه حقيقى كنت فاكره انه عارف لكن لما بان علي وشه انه انه اول مره يسمع الكلام ده اتخضيت وافتكرت انى كده ممكن اسبب مشكله تانيه ..اصل انا اتعلمت من اللى حصلى اول مره لما افتكرت يعنى انكوا قرايب مع بعض ومفيش ضرر هيحصل لحد من تحت راسى علشان كده جيت بسرعه المره دى علشان اقول لحضرتك

ثم نظرت له بضعف قائله:انا اتعلمت من غلطى يا حاج حسين واخدت عهد على نفسى انى مكرروش تانى والله
أومأ برأسه متفهما وقال:خلاص يا هند وعموما مفيش مشكله ولا حاجه متقلقيش يالا اتفضلى على شغلك
خرجت من مكتبه وعلى ثغرها ابتسامة نصر واغلقت الباب خلفها بهدوء ..بمجرد ان اغلقت الباب تناول حسين الهاتف واجرى اتصالا بالمنزل فى البدايه لم يتم الرد فى المرة الثانيه اجابته فرحه وهى تبكى ..احلقنى يا بابا..... روت له ما حدث وظل يستمع حتى قال :ومريم وايمان فين دلوقتى

بكت مره اخرى وهى تقول:لسه ماشين رايحين يقعدوا مع ايهاب
تناولت عفاف سماعة الهاتف وقالت :متقلقش يا حسين انا هاخدها هى ويوسف دلوقتى ونروحلهم
قاطعها :لا خليكى انتى خلى يوسف ياخد فرحه ويروح وانا هحصلهم

بمجرد ان انهى الاتصال حتى وجد عبد الرحمن يتصل به رد قائلا:السلام عليكم ازيك يا عبد الرحمن يابنى
أتاه صوت عبد الرحمن قلقا وهو يقول:وعليكم السلام يابابا ...الحمد لله انا كويس ..بس انا بتصل بأيمان بقالى كتير اوى وتليفونها مقفول ومش بترد على تليفون البيت وبكلم البيت عند ماما تليفونهم يا اما مش بيرد يا اما مشغول طمنى يا بابا فى حاجه عندنا فى البيت
قال حسين بهدوء:انت جاى أمتى
عبد الرحمن :بكره بالليل ان شاء الله

حسين :طب متقلقش على مراتك هى بخير بس فى مشكله كده لما تيجى هحكيهالك
قال عبد الرحمن بتوتر :فى ايه يا بابا انا كده قلقت اكتر
قال:لما تيجى حكيلك كل حاجه...

الفصل الخامس والعشرون

جلس الحاج حسين بجوار زوجته وهو يعاتبها :

- ليه كده يا عفاف ..أنا مش قلت محدش يفتح فى القديم تانى

حاولت أن تسيطر على انفعالها وهى تقول:

- يعنى أقف اتفرج عليها وهى بتهد بيوت عيالى يا حاج ... لا والله ده لايمكن يمر بسهولة أبدا.. كله إلا ولادى.. أنا صبرت عليها كتير لكن توصل لخراب البيوت

تابع حسين حديثه معاتباً:

- من أمتى يا عفاف وانتِ بترديلى كلمة

قالت عفاف بلوم:

- يا حاج انا سمعت كلامك كتير واتعاملت بالحسنى مع فاطمة .. ياما كنت بتقولى معلش غيرانه خديها على قد عقلها لكن الغيرة توصل لكده ومع ولادك وتقولى مفتحش القديم

نظر لها بحدة قائلا :

-  واستفدنا ايه بقى ... كل اللى اتقال مش هايصلح حاجة وادينى اتصلت بإيهاب ومريم قالتلى مش عاوز يتكلم ونايم من ساعة ما رجعوا البيت .. وايمان كمان شيطانها هيألها ان عبد الرحمن كان مصدق الكلام ده .. وأنا كمان قلت نأجل زيارتهم لبكرة.. أهو يكون عبد الرحمن رجع وتكون النفوس هديت شوية.

ثم التفت وكأنه تذكر شيئا وقال:

- أومال يعنى مشوفتش يوسف من ساعة ما رجعت

أنتبهت هى الأخرى وقالت:

- والله ما اعرف راح فين ... فجأة كده اختفى

قالت وقد بدا عليها القلق:

- طب والفرح والناس اللى عزمناهم .. دى شقة مريم خلاص خلصت وهدومها اترصت فيها هى ويوسف

قال فى حسم:

- كل كوم والفرح ده كوم تانى ..الفرح هيتعمل فى معاده مش هيتأجل يوم واحد

****

طرقت إيمان باب غرفة إيهاب وهى تقول:

- إيهاب يالا علشان تتغدى

أتاها صوته الحزين:

- ماليش نفس يا ايمان اتغدوا انتوا

فتحت الباب ودخلت إليه فوجدته يجلس على طرف الفراش واضعا رأسه بين يديه , عندما شعر بها قال دون أن يرفع رأسه:

- لو سمحتى يا ايمان سيبينى لوحدى دلوقتى..

جلست بجواره وربتت على كتفه وهى تنتزع ابتسامتها انتزاعا وقالت:

- يا ايهاب انت قاعد لوحدك من امبارح .. لازم تخرج من الحالة دى دلوقتى لازم نتكلم .. يوسف عاوز يتكلم معاك كلمتين

رفع رأسه تجاه الباب فوجد يوسف يقف مستندًا إلى حافته وقال:

- ممكن أدخل يا باشمهندس

قال دون أن ينهض :

- أتفضل يا يوسف

قال يوسف متفهما:

- أنا حاسس بيك.. بس الحكاية متتاخدش قفش كده .. بطل الحمقة بتاعتك دى .. ده انت مدتهاش فرصة تنطق .

قالت إيمان على الفور:

- والله فرحة بتحبك أوى يا إيهاب

قال دون أن يتلفت اليها:

- صدمتنى يا إيمان.. آخر واحدة كان ممكن اتخيل انها تعمل كده.. كنت فاكرها حافظانى وفاهمانى وأى حد هيجيب سيرتى فى غيابى هتدافع عنى من غير حتى ما تسألنى

حاولت أن تداويه وهى المجروحة وقالت:

- متظلمهاش يا إيهاب .. أى واحدة فى مكانها هاتتلخبط ومتعرفش تفكر

لم يأتيها منه ردًا فقالت بترجى:

- أديها فرصة تدافع عن نفسها يا ايهاب.. ده ربنا سبحانه وتعالى  بعزته وجلاله مش هيدخلنا الجنة أو النار يوم القيامة إلا لما يخلينا نقرأ كتاب أعمالنا  "اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا".. حتى العبد المؤمن ربنا سبحانه وتعالى هايعاتبه زى ما الرسول عليه الصلاة والسلام قال "اما العبد المؤمن يدنيه ربه فيضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول أتذكر ذنب كذا وكذا أتذكر ذنب كذا وكذا ، قال : حتى إذا ظن أنه قد هلك قال : أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم: فيعطى كتاب حسناته بيمينه "

أومأ برأسه وقد هدأ قليلا وهو يقول :

- عليه الصلاة والسلام..ربنا يبارك فيكى يا ايمان

أخترقت هذه الكلمات قلب وعقل يوسف الذى كان جالسا فى شرود ويستمع لها وهى تتحدث

"انا كمان مدتش فرصة لمريم انها تدافع عن نفسها.. كنت القاضى والجلاد من غير ما اسمع دفاعها.. كنت بسمع عنها أسوء شىء فى الدنيا وفى نفس الوقت ماكنتش بديها فرصه تتكلم .. أزاى احكم من غير ما اسمع من الطرفين ده انا كده ابقى سفيه واستاهل كل اللى جرالى"

أنتبه الجميع على صوت رنين باب المنزل ارتدت مريم أسدال الصلاة وخرجت من غرفتها التى دخلتها بمجرد أن علمت أن يوسف بالخارج  , فتحت الباب وسمعها الجميع وهى تهتف بدهشة:

- ماما  !!!

خرجت إيمان وتبعها إيهاب ثم يوسف ليجدوا والدتهم تقف على باب المنزل ويظهر عليها القلق والإضطراب وهى تخطو داخل المنزل وتتجه لتعانق أولادها  , قال ايهاب وهو يشير إلى يوسف:

- يوسف ابن عمى يا ماما

ثم التفت إليها بتسائل :

- هو حضرتك جيتى أمتى

قالت وبصرها معلق بمريم:

- لسه واصله

 وقالت موجهة حديثها لمريم :

- خدت أول طيارة نازلة مصر بعد مكالمتك امبارح

قال يوسف بارتباك :

- طيب استأذن انا بقى

خرج يوسف وجلست أحلام بين أولادها الثلاثة , نظر ايهاب إلى مريم قائلا بحنق:

- طبعا كلمتيها وحكتلها التفاصيل

قالت أحلام بغضب:

- لا مكالمتنيش يا باشمهندس .. أنا اللى كلمتها ومعرفتش تفاصيل ولا زفت وبعدين يعنى هى جريمة انها تكلم أمها

نهض بعصبية قائلا:

- لا مش جريمة .. لكن الجريمة اننا نقعد نتجسس على ناس ونخطط علشان فى الآخر ناخد فلوس مش من حقنا أصلا

وقفت أمامه وقالت بغضب:

- أتكلم مع أمك كويس يا ولد .. أنت نسيت نفسك ولا أيه.. وبعدين مين قال أن الفلوس دى مش من حقكم أوعى تكونوا صدقتوهم ونسيتوا كلامى

قالت إيمان بمرارة:

- لا يا ماما أحنا مصدقانهمش أحنا صدقنا الورق اللى شفناه بعنينا

قالت فى تهكم:

- وايه يعنى ..هما يعنى هيطلعوا الورق الحقيقى أكيد ورق مزور

وقفت إيمان ونظرت فى عينيها وقالت:

- وأعلان الوراثة كمان مزور.. والورق اللى بابا مضاه بخط أيده على أنه استلم ميراثه كله يا ماما ...كل ده مزور ...مفيش داعى للكلام ده يا ماما ...أنا اتأكدت من كل حاجة بنفسى .. ظهرالإضطراب والتوتر على ملامح أحلام , تابع ايهاب بحنق:

- طبعا حضرتك مكنتيش متخيلة أنهم هيورونا الورق ده أبدا.. مش عارف ليه.. يمكن علشان مكنتيش متخيلة أن حد فينا يسأل عن الحقيقة.. علشان زرعتى جوانا الخوف منهم من واحنا صغيرين ... أفتكرتى أن محدش فينا هتجيله الجرأة ويروح يسأل ويدور ويطلع المستخبى .. مش كده

نظرت له أحلام بارتباك وقالت:

- وقالولكوا أيه كمان عنى

قالت ايمان بخفوت:

- الشهادة  لله محدش جرح سيرتك قدامنا أبدا

تنهدت بارتياح ثم قالت بغطرسة:

- ومحدش أصلا يقدر يجيب سيرتى بحاجة

وبدون مقدمات توجه إيهاب لباب المنزل وفتحه وهو يقول بضيق:

- أنا خارج شوية

جلست أحلام بين مريم وايمان وقالت لمريم :

- أنا عاوزه افهم أيه الكلام اللى قلتيهولى فى التليفون ده

زاغت نظرات مريم بين والدتها وأختها ففهمت أحلام أنها لا تريد أن تتحدث فى وجود ايمان

ألتفتت إلى إيمان وهى تربت على يدها وهى تقول:

- بغض النظر عن مقابلتك الباردة دى .. لكن وحشنى طبيخك هتأكلينى ولا ايه

أبتسمت إيمان أبتسامة باردة ونهضت وهى تقول:

- أنا أصلا كنت بخلص فى الأكل قبل ما يوسف يجى ..عن أذنكم

 وذهبت للمطبخ.. تناولت أحلام يد مريم وقالت :

- تعالى نقعد فى أوضتك ...

دخلت وأغلقت الباب واستدارت لمريم بجسدها كله وقالت بحسم:

- فهمينى معنى الكلام اللى سمعته فى التليفون ده .. يعنى أيه يوسف وافق يستر عليكى .. أنتِ أيه اللى حصلك بالظبط ..عمل فيكى أيه ابن حسين

جلست على طرف الفراش وهى تبكى وقالت بصوت متقطع:

- مش هو اللى عمل يا ماما.. أنتِ اللى عملتى

نظرت لها بحدة وقالت:

- بتقولى أيه يا مريم

مريم:

- بقولك الحقيقة يا ماما .. أنتِ معلمتنيش ازاى احافظ على نفسى فكان من السهل أى حد ينهشنى .. من صغرى وانتِ بتجبيلى لبس مكشوف لما بقى كشف جسمى شىء عادى ..

كنت بالبس قدامك عريان وضيق وكنتِ بتسبينى اخرج كده من البيت .. مكنتيش بتخافى على لحمى للناس تنهشه بعنيها.. كل ما كان إيهاب يضايق ويتكلم تقوليلوا دى لسه صغيرة خليها تتمتع بسنها خليها تلبس وتخرج خليتنى معرفش أفرق بين الحرام والعيب.. طول ما لبسى فى بنات تانية بتلبسه يبقى عادى .. وكل ما إيمان تقولك اللبس ده حرام تقوليلها ما أصحابها بيلبسوا كده ولا عاوزاها تبقى نشاز وسط أصحابها.. كنت باحكيلك على صحابى الولاد فى المدرسة وكنتِ بتضحكى وتتبسطى ان بنتك كبرت وبقى ليها اصحاب ولاد وكنتِ بتكبريها فى دماغى وتقوليلى وماله  بس حافظى على نفسك .. هو فى حد عاقل يقول نحط وردة فى وسط كوم زبالة وتفضل الوردة محتفظة بريحتها الجميلة .. طب ازاى ... طب احافظ على نفسى ازاى وسط كل ده .. أحافظ على نفسى بأنهى مقياس.. بمقياس العيب اللى خلانى أقلد اصحابى واقول لو كان عيب مكنش كل البنات دى عملته .. ولا بمقياس الحرام اللى لو كنت مشيت وراه زى ايمان كان زمانى محترمة ...

أنهارت أحلام على المقعد وهى تقول:

- أنا كنت بحبك وعاوزاكى تبقى مبسوطة وزيك زى اصحابك

قالت مريم بأنفاس متلاحقة من كثرة بكائها:

- لو كنتِ بتحبينى كنتِ سترتى جسمى ولو غصب عنى.. كنتِ خفتى عليا اموت وانا كده وادخل قبرى اتحاسب..  كنتِ منعتينى أكلم ولاد وعلمتينى ان ده حرام .. كنتِ علمتينى ازاى أنقى اصحابى وعرفتينى أن مفيش حاجة اسمها ابقى كويسة وصاحبتى وحشة وماليش دعوة ... وادى النتيجة سمعتى اتشوهت ولحمى اتنهش

أمسكت أحلام ذراعها بقوة وأوقفتها أمامها وهى تحاول خفض صوتها:

- قوليلى مين اللى عمل فيكى كده .. يوسف ولا مين

هزت رأسها نفيا وقالت:

- يوسف معملش حاجة.. يوسف هو اللى ستر عليا ووافق يتجوزنى

ونظرت لها بتهكم قائلة:

- شفتى بقى الناس اللى كنتِ بعتانى انتقم منهم وألعب على ابنهم وقلتى عليهم انهم سرقوا ابويا وخدوا ميراثنا .. هما دلوقتى اللى ستروا بنتك .. وعمى ضغط على يوسف لحد ما وافق انه يتجوزنى وماعرفش أى حد أى حاجة ولا حتى اخواتى.. مفيش غيرى أنا وهو ويوسف بس .. حتى مراته طنط عفاف مقلهاش حاجة وسترنى  وستر سيرتى عن كل الناس

قالت أحلام بذهول:

- أنتِ بتقولى أيه؟  واللى عمل كده متجوزكيش ليه وراح فين فهمينى

قالت مريم بسخرية لازعة:

- هو اللى عاوز الحلال بيروح للحرام برضة يا ماما ولا حتى بيفضل لحد ما حد يجيبه  يصلح غلطته.. طبعا بيختفى ومحدش بيعرفله طريق .... مش ده المهم .. المهم انك تعرفى عمى حسين وقف جنبى ازاى هو وابنه علشان تعيشى بقية عمرك تشكريهم وتحمدى ربنا انه رزقنا بناس زى دول يستروا عرضنا.

بكت أحلام لأول مرة بحياتها بمرارة شديدة وهى تتذكر ماكانت تنوى فعله وما كانت تخطط له لتأخذ مال ليس من حقها ... وفى نفس الوقت يستر هو ابنتها بكل شهامة ورجولة  ويخفى الامر عن الجميع ويضغط على ولده ليتزوجها .. ظلت تبكى وتبكى بمرارة حتى دخلت عليهم إيمان التى وقفت تنظر إليهما بتساؤل وقالت:

-  بتعيطى كده ليه يا ماما

قالت أحلام بضعف:

- مفيش يابنتى ...مفيش ..

والتفتت إليها قائلة:

- أحكيلى ومتخافيش أخوكى عاوز يطلق مراته ليه

نظرت إيمان إلى مريم التى كانت تنظر إلى امها ودموعها تنهمر فى صمت شديد ثم أعادت النظر إلى والدتها وهى تقول:

- هى مريم محكتلكيش حاجة

ربتت أحلام على ظهرها وهى تقول:

- يابنتى قلتلك قوليلى ومتقلقيش مني.. أنا خلاص مبقاش مني قلق .. مش عاوزه حاجة من الدنيا غير سعادتكوا وستركوا وبس

****

أختلت أحلام بنفسها فى غرفة إيهاب وهى تبكى على حالها وماوصلت إليه مريم بسبب سوء تربيتها وبسبب أهمالها  لهم جميعا, لماذا ظلت تلك السنين العجاف تكذب وتنمى فيهم كره أعمامهم بالباطل وهى تعلم أن كلامها غير صحيح, هل هو داعى الأنتقام الذى كان يسيطر عليها أم هو غبائها الذى أوقف عقلها فى لحظة من اللحظات وصدقت كلام فاطمة وهربت بالأولاد.

عادت بذاكرتها سنوات طويلة وتذكرت لحظة دخول فاطمة عليها هى وعفاف ويظهر على وجههما علامات الفزع الذى كان مسيطر بشكل أكبر على وجه عفاف التى أخبرتها بأن فاطمة سمعت حوارا بين إبراهيم وحسين وعاملين عندهما فى المصنع يخبروهما  بأنهما يعلما أن علاقاتها بعصام قائمة من قبل أن يتوفى زوجها علي بسنوات

 وأنه كان يراه بصفة مستمرة يصعد شقتها فى وقت غياب زوجها ولا ينزل إلا بعد ساعات وانه كان عندها بالأمس وغادر بعد حلول الظلام, وأكدت فاطمة على أن حسين وإبراهيم صدقا العاملين وبدءا  يتشاوران بأمر الأولاد هل هم أولاد علي أم لا .. وقالت فاطمة برعب" عندنا فى الصعيد اللى بيشكوا فيها بيقتلوها هى وولادها ومحدش بيعرفلهم طريق ومتنسيش ان علي كان بيشك فيكى فى حياته وكان بيقول كده لحسين علشان كده كان سهل ان حسين وابراهيم يصدقوا العمال دول"

تذكرت وجه عفاف  الذى كان يحمل كل معانى الخوف والذعرعلى زوجها وهى تقول"انا مش عاوزه جوزى يروح فى داهية .. انا ماليش غيره فى الدنيا.. أرجوكى يا أحلام خدى الفلوس دى واختفى شوية زى ما فاطمة اقترحت لحد بس ما براءتك تبان وبعدين ابقى ارجعى هنا تانى"

لو لم تكن فاطمة أعطتها أمارة بأن عصام كان عندها بالأمس فلم تكن لتصدق, ولكنه بالفعل كان عندها بالأمس وغادر بعد حلول الظلام , معنى هذا انها مراقبة,  ولكن هى بريئة, لم تكن هذه العلاقة قائمة قبل وفاة زوجها, كان مجرد شك من زوجها فقط , ربما كانت هى التى زرعت الشك بتصرفاتها لتجعله متعلق بها دائما ولتشعل نار غيرته بشكل دائم,  كانت تظن انه بذلك سيظل يحبها وسيظل بقربها ولكنها لم تخنه أبدا, تعرفت على عصام قبل وفاة علي , ولكن كانت علاقتهما عادية,  نعم هو صارحها بحبه ولكنها كانت تصده بطريقتها التى تجعله يتشبث بالأمر اكثر ... نعم لو كانت بريئة مائة بالمائة لكانت دافعت عن نفسها بكل ما تأتى لها من أدلة فهى بطبيعتها ليست ضعيفة ولا مستكينة, ولكنها هى نفسها تشك ببراءتها الكاملة, فكيف هم سيصدقونها .

وفى الحال جمعت ما لديها من متاع وأموال وهربت مع عصام الذى أخبرته الأمر فى عجالة وخاف هو ايضا على حياته وهرب معها , قالت أمام البواب بصوت مسموع"اطلع على المطار يا اسطى" وحجز لها عصام التذاكر على بلد لم يفكرا بالذهاب إليها أبدا فى يوم من الأيام وكان كل هذا تدبير الخوف لا تدبيرهم هم.

أستفاقت من ذكرياتها وهى تضرب الفراش بقبضتها وتقول:

- لو كنت سليمة ساعتها وواثقة من تصرفاتى ومن أنى ست محترمة بجد  مكنتش صدقتها بغبائى .

كانت واجمة وهى تقول:

- مكفاكيش يا فاطمة اللى عملتيه .. كمان جاية تخربى بيت ولادى  ... لا ده انتِ حسابك تقل اوى

***

لم تكن تعلم مريم لماذا برأت يوسف , ولكن ما علمته هو أنها أرادت أن تلقن أمها درسا قاسيًا يجعلها تعيد التفكير فى حياتها ككل لعلها تفيق مما هى فيه, لعلها تصلح نفسها وقد تخطت الخمسين من عمرها وبدأ الشيب يتسلل إلى خصلات شعرها ويزحف إليه ببطء

ولكن الدرس لم يكن لأحلام وحدها لقد لقنت نفسها أيضا دون أن تقصد نفس الدرس , نعم لم يكن يوسف هو المخطئ وحده, هى أيضا تتحمل معه الوزر والذنب  بل هى صاحبة الذنب الأكبر لآنها هي من دفعته ليشك بها وهي من أعطته انطباع سيئ عن سلوكياتها

هى التى دفعته دفعا إليها واتخذت نفس سبيل والدتها التى اتخذته منذ سنوات , لجأت إلى أشعال الغيرة فى قلبه وحرثت قلبه بعناية وبذرت فيه بذور الشك وروتها بطريقتها الخاصة حتى نبتت فكانت هى أول من أكلت حصاده المُر.

****

وفى المساء وبعد صلاة العشاء بقليل طرق حسين بابهم وبصحبته أبناؤه جميعا "عبد الرحمن" .. "يوسف" و "فرحة" , لم يكن إيهاب قد عاد من الخارج بعد , أستقبلتهم إيمان ومريم,   وكاد عبد الرحمن أن يعانق زوجته ولكنه تماسك أمام أبيه وأخوته وصافحها بحرارة ولكنه لم يستطع أن يترك يدها طواعية ولكنها سحبت يدها بهدوء وأقبلت على فرحة وعمها,  خرجت أحلام إليهم , وقف حسين وهو ينظر إليها وكأنه قد عادت به السنوات فى لحظة واحدة وكأن تلك اللحظات لم يمر عليها سوى شهور قليلة,  قطعت هى صمته قائلة بترحاب:

- اهلا وسهلا يا حاج نورت ..

أومأ برأسه فى وقار :

- اهلا وسهلا.. حمد لله على السلامة

أشارت لهم وهى تقول:

- أتفضلوا يا جماعة البيت بيتكم

لم يتحدث حسين معها كثيرًا ولكنه شعر بتغير قد طرأ عليها, نظرتها بها الكثير من الأمتنان,

هذه ليست أحلام المتجبرة, وكأنها قد كسرت غطرستها فجأة , هل هو تقدم العمر أم شيئا آخر!

لم يكن عبد الرحمن يجلس بينهم بل كان يغوص فى عيون زوجته وكأنه يتحدث معها بلغة العيون وهنا قالت فرحة بلهفة:

- اومال فين ايهاب؟

قالت إيمان وهى تحاول تحاشي نظرات زوجها:

- خرج ولسه مرجعش

نهضت فرحة وقالت لمريم :

- عاوزاكى شوية يا مريم وهمست لها :

- ممكن تودينى أوضة ايهاب

أومأت لها مريم موافقة وأخذتها وأدخلتها غرفته, طلبت منها فرحة أن تتركها فى غرفته قليلا وحدها وأغلقت الباب خلفها

***

تحدث الحاج حسين إلى أحلام قائلا:

- أخبارك ايه يا أم ايهاب؟

أحلام :

- الحمد لله يا حاج أحنا كويسين طول ما انتوا كويسين

ثم نظرت إلى يوسف وقالت بانكسار وكانها ترجوه:

- إن شاء الله الفرح فى معاده؟

قال يوسف بحسم:

- إن شاء الله فى معاده

نهضت إيمان وهى تقول :

- ثوانى هعمل الشاى يا عمى

 وتوجهت إلى المطبخ تبعتها نظرات عبد الرحمن وتحرك فى مكانه فى لهفة ولكنه لم يقم بعد , لاحظت أحلام ذلك فقالت له بأبتسامة:

- أدخل لمراتك يابنى

نهض مسرعًا خلفها متوجهاً نحو المطبخ ,  فجأة شعرت إيمان بيد تطوقها من الخلف وقبلة تطبع على شعرها , حاولت أن تستدير فساعدها على مواجهته وقال وهو ينظر فى عينيها :

- وحشتينى .. كده برضة تسيبى بيتك من غير ما تقوليلى

تراجعت خطوة للخلف وهى تقول بخجل :

- مكنش ينفع أسيب ايهاب لوحده

أقترب منها مرة أخرى قائلا:

- يعنى ينفع تسبينى انا

أبتعدت مرة أخرى وهى تقول بعتاب:

- وبعدين يا عبد الرحمن.. ممكن  مريم أو ماما يدخلوا فجأة

نظر فى عينيها فى تمعن قائلا:

- لا الحكاية مش كده ..أنتِ اللى مش عاوزانى أقرب منك .. طب انا عملت أيه مزعلك مني قوليلى

شعرت إيمان بالإحراج من أن تتحدث فى الموضوع مرة أخرى فقالت:

- صدقنى مفيش حاجة .. أنا بس مش هينفع أسيب اخواتى لوحدهم

قال عبد الرحمن بضيق:

- يعنى مش هترجعى معايا إلا بيهم

أومأت برأسها قائلة :

- متزعلش بس كمان ماما لسه واصلة النهاردة مينفعش أمشى واسيبها

أطرق برأسه وقال بحنق:

- براحتك يا ايمان

****

تملكت الدهشة من يوسف عندما سمع مريم تناديه وتقول له بارتباك:

-  لو سمحت يا يوسف عاوزاك لحظة

خرج إليها ووقف أمامها متسائلا , فقالت فى خفوت وبملامح هادئة:

- أنا بعفيك من جوازك مني .

***
الفصل السادس والعشرون

 

- أنا بعفيك من جوازك مني ..

تفحص ملامحها الهادئة فى سكون يحاول أن يستشف ما خلفها وقال:

- مش فاهمك

أحتفظت بملامحها الهادئة وهى تقول له:

- زى ما سمعت .. أنت عملت اللى عليك وكتبت كتابى مش مطلوب منك اكتر من كده .. أنا خلاص بقى معايا قسيمة جواز ولما تطلقنى هيبقى معايا قسيمة طلاق وكل واحد فينا يبدأ حياته صح .. أعتقد انك فهمتنى

مسح على رأسه وقال فى توتر بالغ:

- بس انا مش هطلق

نظرت له بدهشة وتساؤل فأردف على الفور بارتباك:

- قصدى يعنى مش هطلق دلوقتى..  المفروض اننا نعمل فرح ونعيش مع بعض قدام الناس وبعدين نبقى نطلق .. وبعدين فى حاجة مهمة عرفتها عن سلمى والبيت اللى قلتى انه بيتها لازم اقولك عليها

قاطعته رافضة لحديثه :

- لو سمحت ده مش موضوعنا دلوقتى .. ومن فضلك توافق علشان ...

فى هذه اللحظة فتح إيهاب بمفتاحه ودخل , تفاجأ بيوسف ومريم فى ردهة المنزل, حاول يوسف أن يبتسم وهو يصافحه بحرارة:

- أيه يابنى فينك من بدرى ...

إيهاب:

- معلش كنت مع واحد صاحبى ... أنت هنا من أمتى

قالت مريم بسرعة :

- عمى حسين هنا.. وقاعد جوه مع ماما

طرق الباب المفتوح ودخل إليهما , رحب به عمه وعانقه وعاتبه قائلاً:

- أنا زعلان منك أوى يا إيهاب.. كده برضة متعمليش اعتبار وتاخد اخواتك وتمشى

خجل إيهاب وهو يقول:

- معاك حق يا عمى انا غلطان .. معلش انا أصلى كنت غضبان جدا ساعتها مقدرتش استنى وبعدين انا مشيت لوحدى وهما جم ورايا

ربت حسين على كتفه قائلا:

- أنا عذرك يابنى بس مراتك ملهاش ذنب دى برضة لسه صغيرة واتفاجأت زى ما يوسف قالك كان لازم تديها فرصة تتكلم مش تمشى كده وتسيبها

توتر ايهاب قليلا فهو مخطأ فعلا ولكن هذا لا يغير شىء فى الأمر فقال:

- ياعمى انا غلطان .. لكن ده مش معناه انها مش غلطانة .. أزاى تصدق كده عليا دى عاشت معايا وعرفتنى كويس

وهنا نهضت أحلام واقفة قبالته وقالت:

- لا يا ايهاب لو اللى بتحكيلها صورتلها الموضوع على أنكم عارفين وعارفة كويس أوى هى بتعمل أيه.. الكلام هيخيل على بنت صغيرة  ملهاش خبرة زى فرحة مراتك

نظر لها حسين متعجبا منها, لقد كان يتوقع أن تدافع عن هذه الزيجة بكل ما تملك ولكن طريقة حديثها هى التى أدهشته, كانت تتكلم كما لو كانت امرأه عاقلة تريد أن تحافظ على بيت ولدها لا لشىء إلا  لرأب صدع حياته الزوجية فقط

قال إيهاب بحنق:

- الكلام ده لو هى متعرفش طنط فاطمة كويس لكن هى عارفاها

قالت والدته بثقة:

- لا يابنى.. إذا كنت انا كنت كبيرة وواعية وعندى خبرة كفاية فى الدنيا وصدقت فاطمة من أكتر من عشرين سنة

وأشارت للحاج حسين وقالت:

- واسأل عمك

نظر لها إيهاب بدهشة قائلا:

- أنتِ مقلتلناش حاجة عن الموضوع ده

نظر لها حسين بحدة قائلا:

- من فضلك يا ام ايهاب مش عاوز كلام فى أى حاجة فاتت .. ده لا من صالحك ولا من صالح أى حد فينا ولا هيحقق أى نتيجة

قالت فى سرعة :

- لاء يا حاج هيحقق .. وانا متأكدة ان إيهاب هيعذر فرحة  لما يعرف ان اللى ضحكت عليها هى نفسها اللى ضحكت على امه من سنين

ألتفتت إلى إيهاب وقالت بحسم:

- من غير دخول فى تفاصيل مالهاش لازمة .. فاطمة حطت السم فى ودن مراتك وخلتها متلخبطة زى ما حطت السم فى ودانى من سنين وخلتنى اخدكوا واهرب

قال فى حيرة :

- مش فاهم

كادت نظرات حسين أن تخترقها محذرة إياها من الدخول فى تفاصيل فقالت:

- ولا حاجة.. فهمتنى ان اعمامك هيخدوا ولادى مني ومش هيخلونى اشوفكم مدى الحياة وادتنى فلوس اهرب بيها منهم  وانا صدقتها بمنتهى الغباء

ربت حسين على كتفه بحنان قائلا:

- مراتك بتحبك يا إيهاب .. حتى يا سيدى لو غلطت سامحها ده ربنا بيسامح مش من أول غلطة كده تسيب البيت وتمشى

أطرق برأسه متفهما " هو يعلم أنها تحبه بل تعشقه " , لاحظت أحلام بوادر الأقتناع على وجهه فقالت بهدوء :

- مراتك فى اوضتك جوه ادخلها .. عاوزه تتكلم معاك أديها فرصة تتكلم براحتها

خرج ايهاب ونظر إلى يوسف ومريم  يقفان أمام بعضهما وكأن على رؤوسهما الطير .. صمت مطبق

تركهما وتوجه إلى غرفته, وقف مترددًا بعض الشىء ثم فتح الباب ودخل , تعلق بصره بفرحة وهى نائمة على فراشه , كانت ترتدى ملابس نومه فوق ملابسها وتلف ذراعيها حول نفسها وكأنها تتخيله يعانقها ,  تبدو كمهرجين السيرك بالملابس الكبيرة التى تتدلى منها لفرق الطول بينهما ووجنتيها وأنفها حمراء للغاية من كثرة البكاء, محياها حرك المشاعربداخله نحوها , أعتدلت هى فى فراشه وعقدت ذراعيها أمام صدرها بطفولية . وهى تقول بعينين لامعتين من أثر الدموع:

- طب أعمل ايه .. كنت واحشنى أوى ملقتش غير هدومك قدامى

تماسك إيهاب وهو يحاول أن يرسم ملامح الجدية ولكنه لم ينجح بشكل كبير , بل لم ينجح  على الإطلاق ,  فأبتسم وفتح ذراعيه لها وهو يقول بحب:

- وانتِ كمان وحشتينى أوى

هرولت إليه  لتدفن نفسها بين أحضانه وبكت من شدة انفعالها واشتياقها لحنان زوجها واحتياجها إليه , وجعلت تضربه فى صدره بقبضتها الصغيرة وهى تقول بطفولية:

- زعلانه منك أوى .. زعلانه .. زعلانه زعلانه...

وهو يضحك ويضمها إليه أكثر وأكثر

كان الحاج حسين يقول لأحلام بثقهة فى تلك اللحظة:

- عارفة لو كنتِ كلمتينى وقولتيلى على مكانهم  وقولتيلى جوزهم لولادى كنت هقولك وانا كمان ناوى على كده من غير ما تتعبى نفسى وتدفعى فلوس لهند وتقعدى تتجسى علينا عن طريقها

أشاحت أحلام بوجهها وقالت:

- معلش يا حاج تفكيرى كان مختلف ساعتها مكنتش اعرف انك هتستقبلهم كده ولا هتعاملهم المعاملة دى

ضرب حسين الأريكة بجواره بخفة وهو يقول بسخرية:

- ومخفتيش بقى لما تقوليلى على مكانهم انى أقتلهم .. ولا قلتى الراجل كبر وعجز

قالت فى شرود:

- لا يا حاج أنا متابعة أخبارك كويس متنساش انى كنت عايشة فى مصر لحد ما ايهاب وإيمان خلصوا ثانوى .. وكنت متابعه كل حاجة من بعيد بس مكنتش عارفة أوصل للى كنت بتفكر فيه من ناحية ولادى.. حتى لما اتأكدت انك مش هتفكر تأذيهم مقدرتش اقولك على مكانهم .. ولما جوزى جاتله سفرية وأضطرينا نسافر والولاد مرضيوش يسافروا معايا كنت مطمنة انك حتى لو لقيتهم مش هتأذيهم .. كل اللى كنت خايفة منه ساعتها انك تشوه سمعتى قدامهم وتحكيلهم على عصام ..

تابع هو بتهكم :

- وكنتِ عاملة حسابك ساعتها انى حتى لو شوهت صورتك فانتِ من قبليها وانتِ مشوها صورتنا وقايله علينا اننا سرقنا ميراث ابوهم .. يعنى شىء طبيعى اننا نفترى عليكِ .. مش كده يا أحلام

أومأت برأسها وقالت:

- مش هكدب... الكلام ده حصل لكن دلوقتى الوضع اختلف

حسين :

- وأيه اللى خلاه اختلف

قالت فى امتنان:

- موقفك مع مريم انت وابنك يوسف وشهامتكوا معانا

قال فى شك وحذر:

- موقف أيه؟

قالت فى ضعف :

- انا عارفة انك مبتحبش تفتح كلام فى الحكايات اللى زى دى .. علشان كده انا مش هتكلم أكتر من انى اشكرك انت وابنك .. اللى عملتوه مع بنتى محدش يعمله

قاطعهم دخول يوسف وهو يقول حائراً:

- عبد الرحمن نزل من غير ما يقول لحد.. وبكلمه مبيردش

خطى الحاج حسين خطوات للخارج وهو يبحث بعينيه عن إيمان قائلا:

- اومال فين إيمان

قالت مريم وهى تستدير :

- هشوفها فى المطبخ

دخلت مريم على اختها فوجدتها تبكى وقد أغرورقت عيناها بالدموع , فقالت فى قلق:

- كفاية بقى يا ايمان كفاية.. تعالى عمك عايزك ضرورى

جففت دموعها وخرجت بجوار مريم وقفت أمام عمها وقالت:

- نعم ياعمى حضرتك عاوزنى

قال فى حنان:

- انتِ كنتِ بتعيطى ؟ ..بس خلاص انا كده عرفت

رفعت رأسها إليه بتسائل فقال:

- عبد الرحمن خلص كلامه معاكى ومشى .. مش كده؟

أومأت برأسها وهى تمنع نفسها من البكاء مرة أخرى فقال :

- خلاص هو تلاقيه روح البيت أصله جاى من سفر وزمانه هلكان عاوز يرتاح

قالت أحلام فى حسم:

- طيب يالا يا إيمان روحى بيتك مع عمك

والتفتت إلى مريم قائلة :

- ولو عاوزه تروحى معاهم يا مريم روحى

حركت رأسها نفيا وقالت:

- لا يا ماما انا هقعد معاكى شوية .. لو إيمان عاوزه تروح تروح هى

ايمان:

- لا انا كمان عاوزه اقعد مع ماما شوية .. انا هدخل اشوف ايهاب

تحركت ايمان ودخلت إلى غرفة أخيها ونسيت أمر فرحة تماما , فتحت الباب فجأة ثم أشاحت بوجهها وهى تبتسم فى خجل , فدفع إيهاب فرحة بعيدا عنه وهو يقول بمرح:

- يا دى الفضيحة من دى وأيه اللى جابها فى حضنى يا إيمان

أبتسمت إيمان رغم ما تعانيه وقالت بمكر:

- ها هتروح مع عمى وفرحة ولا هتقعد فى حضنى انا هنا

تصنع ايهاب التفكير وهو يقول:

- بصى يا ايمان أنتِ اختى وكل حاجة بس بصراحة يعنى.. هروح طبعا..

أوقفته فرحة وهى تضحك وتقول:

- طب استنى لما اقلع الهدوم دى بدل ما انا عاملة زى البلياتشو كده

بعد دقائق خرج إليهم إيهاب وفرحة ويظهر على وجوهيهما البهجة , نظر حسين إلى أحلام قائلا:

- خلاص يا ام ايهاب زى ما اتفقنا الفرح فى معاده يوم الخميس ان شاء الله

تدخلت مريم قائلة:

- عمى .. يمكن بس يوسف ملحقش يجهز نفسه فمحتاج يأجل شوية

قاطعها يوسف بوضوح:

- انا مش محتاج أأجل حاجة .. أحنا شقتنا هناك جاهزة من كله

أرتبكت وهى تنظر إليه قائلة:

- مش أحنا كنا بنتكلم من شوية وقلتلى ان الفرح ممكن يتأجل

قاطعها بثقة:

- لا يا مريم تلاقيكى فهمتى غلط ...

ونظر لها بعمق مؤكدا على كلماته وهو يقول:

- الفرح فى معاده ان شاء الله

قالت أحلام :

- طالما كل حاجة جاهزة يبقى خليها معايا اليومين دول

أنهى حسين الحوار قائلا:

- خلاص يا مريم خليكى مع والدتك بس ليلة الفرح لازم تباتيها هناك على الأقل.. أتقفنا

قالت أحلام بتردد :

- تسمحلى يا حاج احضر فرح مريم

قال على الفور :

- طبعا يا ام ايهاب ده فرح بنتك

والتفت إلى ايمان :

- ها يا ايمان لسه مصممة متروحيش بيتك

أطرقت برأسها وقالت:

- معلش ياعمى سبنى على راحتى .. انا عاوزه اقعد مع ماما اليومين دول قبل ما تسافر

***

كان عبد الرحمن يدور فى غرفته حول الأريكة مرة  وحول المقعد مرة حتى سمع صوت رنين باب المنزل , خرج فى سرعة على أمل أن يجدها قد عادت معهم ولكنه أطرق فى حزن ..لم تعد

ما الذى يشقيها مني .. لماذا كلما اقتربت تبتعد ..لماذا كلما غصت فى عالمها تنسلخ هى من عالمى.. لماذا أنتِ كتومة إلى هذه الدرجة.. ليس من السهل أن تبيح بمكنون قلبها ..لماذا يا عذابى؟

أقبلت عفاف على ايهاب وفرحة فى سعادة لم تكن تتوقع أن يعود ايهاب ولكنه عاد .

أخذ ايهاب زوجته وصعدا إلى شقتهم الخاصة ودخل يوسف غرفة أخيه ليطمئن عليه

:

- ايه يا عبد الرحمن اللى خلاك تسيبنا وتمشى ومكنتش بترد ليه على مكالماتى.. أنت عارف كلمتك كام مرة؟

أستقبله عبد الرحمن بابتسامة باهتة وقال:

- خلاص يا يوسف معلش سبنى لو سمحت دلوقتى

جلس بجوار أخيه قائلا:

- مالك يا عبد الرحمن فى ايه

واستدرك قائلا:

- مراتك كان شكلها مضايق أوى ايه اللى حصل بينكوا

قال عبد الرحمن بألم:

- مقالتش حاجة بس شكلها مضايق من اللى حصل ومن اللى قالته مرات عمى ..هى حساسة زى ايهاب وبتحب تحافظ على كرامتها

قال يوسف:

- بس ايهاب رجع مع فرحة .. يبقى أكيد بقى عاوزه تقعد مع والدتها زى ما قالت لبابا

ألتفت له عبد الرحمن قائلا:

- هى قالت كده

أومأ برأسه قائلا:

- ايوه بابا قالها تعالى معانا قالتلوا عاوزه اقعد مع ماما يومين قبل ما تسافر

***

خرج يوسف من غرفة عبد الرحمن متوجها إلى غرفته فسمع والده يناديه :

- يوسف

ألتفت اليه وأقبل عليه فى اهتمام  ولهفة وهو غير مصدق أنه سمع أسمه من فم والده اخيرًا فقال:

- نعم يا بابا

وقف حسين ينظر إليه وقد لانت ملامحه كثيرًا وقال:

- مريم كانت عاوزه تأجل الفرح ليه؟

نظر له بدهشة قائلا:

- وحضرتك عرفت ازاى

أعاد حسين سؤاله وكأنه لم يسمع تعليقه :

- مريم كانت عاوزه تأجل ليه؟

يوسف:

- كانت بتقولى أنا بعفيك من الجواز مني .. وكانت مصممة ومش عاوزه توضح السبب يمكن علشان كنا واقفين فى الصالة مش عاوزه حد يسمعنا .. وبعدين ايهاب دخل ومعرفتش اكمل كلامى معاها.

أخرج حسين هاتفه وأعطاه ليوسف قائلا:

- الرساله دى مريم بعتتهالى واحنا راجعين فى السكة.. أقراها

أخذ هاتف والده وقرأ رسالتها " أنا فهمت ماما اللى حصلى .. بس مقولتلهاش مين اللى عمل كده فيا .. وفهمتها انك ضغط على يوسف علشان يستر عليا ويتجوزنى وهو وافق شهامة منه "

ظل يوسف يقرأها مرات ومرات وهو غير مصدق ما فعلته, نظر إلى أبيه متسائلا وقال:

- طب ليه؟

قال حسين بخفوت وثقة:

- ده فسرلى سبب تغير أمها وكسرت نفسها قدامى

وقال وهو يستدير وكأن الأمر ليس ذو أهمية:

- بس انت اتصرفت كويس

ودخل غرفته وأغلق الباب , أبتسم يوسف  وقد شعر ببداية لين والده تجاهه ولكنه يعرف والده جيدا,  ليس من السهل أن يظهر مشاعره بسهولة

***

دفعت علا وليد بعيدا عنها بجدية وهى تقول:

- عيب كده يا وليد

قال وهو يحاول جذبها مرة أخرى :

- ليه بس يا حبيبتى.. أنتِ خطيبتى

قالت وهى تدفعه مجدداً :

- أديك قلت خطيبتك مش مراتك...

أصطنع وليد الحزن ورسمه على ملامحه ببراعة وهو يقول:

- خلاص يا علا براحتك .. خليكى كده بعيده عنى .. أنا بصراحة مش قادر اتأكد من مشاعرك وانت بعيده عنى بالشكل ده..

ونظر لها نظرة جانبية وهو يقول:

- نتجوز ازاى وانا لسه مش متأكد من مشاعرك ناحيتى

جلست بجواره وقالت برقة:

- يعنى ماما تدخل ولا هند هيبقى المنظر مش لطيف .. وبعدين يعنى هو انت لسه هتتأكد من مشاعرى ما انت عارف انى بحبك

أطرق برأسه ثم نظر إليها بعتاب قائلا:

- الحب من غير ثقة مالوش لازمة.. وانتِ مع الأسف مش بتثقى فيا أبدا ... حتى لما بنخرج مع بعض وبمسك ايدك بتحسسينى انك بتمنى عليا وانك مش موافقة

ونهض واقفا وقال بتبرم:

- بصراحة بقى يا علا انا راجل حامى ومحبش الست اللى مشاعرها باردة.. كده مش هنفهم بعض ... لو انتِ يابنت الناس هتفضلى كده يبقى مفيش داعى نضيع وقت مع بعض اكتر من كده

اقتربت منه وامسكت يده قائلة:

- بس انت عارف انى بثق فيك  ليه بتقول كده

اومأ برأسه بسخرية قائلا:

- اه صح بأمارة لما قلتلك تعالى اتفرجى على شقتك علشان تقوليلى هتتوضب ازاى رفضتى وقلتيلى لا ميصحش

قالت علا بهدوء ظاهرى :

- يعنى ينفع يا وليد اروح معاك شقة واحنا لسه مخطوبين

قال بسرعة:

- هو انتِ هتروحى تعملى ايه .. خلاص بقى متجيش تقوليلى خلصت الشقة ولا لسه وهتحدد معاد الجواز امتى والكلام بتاعك ده.. وبعدين للدرجادى خايفة مني وبعدين الشقة دى فى بيت عيلة يعنى مش هتبقى لوحدك معايا

ثم قال بنفاذ صبر:

- بصى يا علا انا كده اتأكدت ان درجة مشاعرنا مش زى ما انا كنت متخيل.. أنتِ كده مش هتفهمينى .. لما بتعملى كده وبتردى كلامى وانتِ لسه خطيبتى اومال هتعملى أيه لما نتجوز

تناول مفاتيح سيارته وهم بالإنصراف وهو يقول :

- مستنى ردك ...

تركته يذهب وجلست تفكر وتدور كلماته فى عقلها .." أنا كده عرفت انك مش ناوى على جواز وانك خطبتنى علشان ابقى سهلة معاك" .. ولمعت عينيها بخبث وهى تقول:

- ماشى يا وليد يابن الأكابرلما نشوف انا ولا انت.

***

اليوم التالى تقابلت مريم بسلمى فى الكلية , صافحتها سلمى وهى تنظر لها بسخرية وتقول:

- أزيك يا حجة مريم

قابلت مريم سخريتها بهدوء وقالت:

- يارب ...أدعيلى أبقى حجة بجد دى حاجة تشرف ان الواحد يزور بيت ربنا

شعرت سلمى بغصة فى حلقها من وقع كلمات مريم عليها وقالت :

- اه اه طبعا هو حد يطول

وتابعت :

- وأخبار العريس ايه

- الحمد لله تمام

أقبلت صديقة أخرى لمريم وعانقتها بحرارة وهى تقول :

- وحشتينى أوى يا مريم

نظرت سلمى لصديقتها الأخرى بتهكم, فقد كانت هى الأخرى محتشمة فى ملابسها فقالت سلمى للفتاة:

- أنتِ بقى صاحبتها الجديدة

نظرت لها صديقتها بنظرة هادئة وقالت:

- ودى حاجة تزعلك يا سلمى

نظرت لها سلمى بدهشة وقالت:

- ايه ده انتِ تعرفينى

قالت:

- الكلية كلها عارفاكى شباب وبنات ... ده انتِ اشهر من النار على العلم

ثم نظرت لمريم بابتسامة مشاغبة وقالت:

- ربنا يبعدنا عن النار ويجعلنا من أهل الجنه

نظرت لهما سلمى شذرا وقالت :

- ربنا يهنى سعيد بسعيدة

ضحكت الفتاة مرة أخرى وقالت لها:

- لا يا ستى ربنا يهنى يوسف بمريم

والتفتت إلى مريم قائلة:

- فى عروسة تيجى الكلية قبل فرحها بيوم

قالت سلمى متفاجأة:

- أيه د انتِ فرحك بكره يا مريم..كده متعزمنيش يا وحشة

قالت مريم ببرود:

- لا ازاى انتِ معزومة طبعا

كعادة سلمى دائما ما أن يراها الشباب من الصنف الذى ينجذب للحلوى المكشوفة يقبل عليها وعلى من بجوارها دون تردد, أقبل عليهن فجأة أحد الشباب صافح سلمى وقال لمريم وصديقتها :

- هاى يابنات ازيكم

نظرت مريم لصديقتها وقالت:

- يلا  نمشى

أخذتها صديقتها وذهبت لمكان آخر بعيد عن سلمى , تابعهما الشاب بعينيه ثم الفتت إلى سلمى قائلا بتعجب:

- هى البت دى بقت محترمة كده ازاى

ضربته سلمى على كتفه قائلة بغضب:

- قصدك ايه يعنى هو انا مش محترمة

غمز لها وهو يقول:

-  أنت باشا يا باشا ...هو أنت فى زيك يا قمر !

***

مال الحاج حسين للأمام وقال بتركيز :

- زى ما فهمتك كده يا عفاف أحلام هتيجى الفرح ولازم تحجزى بينها وبين فاطمة بأى شكل.. أحنا مش عاوزين مشاكل ولا عاوزين حد يعرف عننا حاجة.. الفرح هيبقى فيه ناس غرب كتير

قالت عفاف بتوتر:

- والله ده انا قلقانة من دلوقتى يا حسين.. حتى لو زى ما قلتلى كده ان أحلام فيها حاجات كتيره اتغيرت .. برضة عمرها ما هتتغير من ناحية فاطمة.. ده اللى بينهم كبير أوى

قال بهدوء:

- إن شاء الله ميحصلش حاجة .. انا كمان هبقى حاطط عينى عليهم .. و كلمت إبراهيم وبلغته علشان يبقى واخد باله وميتفاجأش ونبهت عليه ميجيبش سيرة لمراته

تنهدت عفاف وقالت باضطراب:

- ربنا يستر

***

الفصل السابع والعشرون

صعد عبد الرحمن إلى شقته وأخذ يتجول فى أركانها يتلمس عطر زوجته التى فارقته, أخذته قدميه إلى غرفة نومها, فتح بابها وأضاء مصباحها فى شجن , نظر إلى فراشها ويالها من مفاجأة , لقد كانت نائمة فيه, أختلج قلبه واقرب منها ببطء وحذر, أزال خصلات من شعرها كانت لا تريد أن تفارق وجنتاها, طبع قبلة رقيقة على وجنتها فاستيقظت , نظرت له بحب وشوق وقالت:

- وحشتنى أوى

أحاطت رقبته بذراعيها, فاقترب منها اكثر وهو يقول بابتسامة عذبة :

- مش أكتر مني يا حبيبتى ..

أقترب أكثر وأكثر وفجأة, تلقى ركلة شديدة فى معدته أستيقظ على آثارها المؤلمة, أعتدل فى جلسته فوجد نفسه فى فراشه ويوسف نائما بجواره , مسح وجهه وهو يقول:

- استغفر الله العظيم ...

وأمسك بساق يوسف التى ركتله ودفعها بعيدًا وهو يوقظه ويهتف به:

- أيه يا أخى ده.. صحتنى من أحلها نومة كنت عاوز أكمل الحلم..

أعتدل يوسف فزعًا وهو يقول:

- أيه فى أيه؟!

قال عبد الرحمن بسخط :

- الله يقلق منامك يا أخى .. أنت أيه اللى منيمك جانبى

قال يوسف وهو يتثائب:

- مش عارف.. أنا آخر حاجه فاكرها اننا كنا بنرغى مع بعض

دفعه عبد الرحمن بعيدًا لينهض من فراشه قائلاً :

- طب امشى روح نام فى أوضتك الله يكون فى عون مراتك اكيد مش هتستحمل تنام جنبك ليلة واحدة

خرج يوسف من غرفة أخيه وهو يتمتم بشجن :

- ولا حتى ليلة يا عبد الرحمن

***

وفى الصباح كانت أحلام تنادى مريم وإيمان:

- يالا يا بنات ..إيهاب قال جاى ياخدكوا بعد ربع ساعة خلصتوا ولا لسه؟

خرجت ايمان وهى تجر حقيبتها الصغيرة قائلة:

- خلاص يا ماما مريم فاضلها حاجات بسيطة

جلست بجوار أمها حول مائدة الأفطار وهى تقول باهتمام:

- هو حضرتك مش هتيجى معانا فعلا

ألفتت إليها أحلام قائلة:

- آجى فين... أنا هاجى على معاد الفرح على طول بالليل

خرجت مريم ووضعت حقيبتها بجوار حقيبة ايمان وهى تقول:

- ليه يا ماما ما تيجى معايا

أبتسمت أحلام وهى تقول :

- مينفعش يابنتى البيت الكبير ميتحملنيش انا وفاطمة اليوم كله

ردت إيمان بتفكير:

- والله يا ماما انا مش مصدقة ان طنط فاطمة يطلع منها كل ده..هى اه صحيح مش ودودة معانا زى طنط عفاف بس مكنتش اتخيل انها تطلع كده

ألتفتت لها أحلام وقالت محذرة اياها:

- أسمعى يا ايمان الست دى لازم تخلى بالك منها كويس اوى ومتخطلتيش بيها إلا فى المناسبات بس .. دى ست مش سهلة واوعى يخيل عليكى حركات الطيبة اللى بتعملها ..دى ممثلة درجة أولى.. أسرار بيتك أوعى تطلعيها بره أبدا.. وأوعى تصدقى حاجة على جوزك إلا لما تسأليه وتسمعى منه كويس .. أنتِ فاهمانى انتِ واختك ولا لاء؟

أومات برأسها وقالت مريم:

- أنتِ كده خوفتينا اكتر

هزت رأسها نفيا وقالت بثقة:

- لا متخافوش طول ما عمكم حسين موجود وفى صفكم متخافوش منها ...لكن محدش فيكوا يرميلها ودنه أبدا ولا يسمع منها نصيحة

تنهدت ايمان وقالت:

- عموما احنا كده كده مش بنختلط بيها حتى وفاء مفيش بينا وبينها علاقات قوية زى فرحة

أبتسمت وهى تربت على يدها قائلة :

- أديكى شوفتى وجربتيها بنفسك

قالت مريم متسائلة :

- أنتِ صحيح يا ماما هتسافرى بكره الصبح

أومأت برأسها وهى تقول:

- ايوا مش هينفع اقعد اكتر من كده.. وادينى اهو اطمنت عليكوا

أعلن هاتف أحلام عن اتصال من إيهاب وأخبرها أنه ينتظرهما بالأسفل, ودعت أحلام كل منهما وانطلقتا عائدين  إلى البيت الكبير مرة أخرى

****

وقفت سيارة إيهاب الصغيرة أمام المنزل قائلا بعجلة من أمره:

- يالا انزلوا عندى شغل لازم اخلصه قبل العصر

قالت إيمان بتعجب:

- كمان مش هتدخلنا الشنط ..مش كفاية نزلتنا بيهم من عند ماما لوحدنا

أشار ايهاب إلى باب المنزل قائلا:

- أومال ده واقف بيعمل ايه

ألفتت إيمان فوجدت عبد الرحمن واقفا ينتظرهم عند البوابة الخارجية ,عندما رآهم اقترب من السيارة وفتح الباب الخلفى وأخرج الحقائب , ترجلت إيمان من السيارة وبعدها مريم بخطوات متثاقلة حين قال إيهاب لعبد الرحمن:

- أنا راجع العصر ان شاء الله

أومأ له عبد الرحمن برأسه والتفت إلى إيمان ومريم قائلا بابتسامة:

- حمد لله على السلامة

ظهر يوسف وهو يمر بالبوابة ويتجه إليهم بابتسامة صغيرة, اقترب منهم وقال مرحبا وهو يهم بحمل أحدى الحقائب :

- حمدلله على السلامة.. أتأخرتوا أوى

أوقفته يد عبد الرحمن تقطع عليه الطريق قائلا بحزم:

- معلش دى شنطة مراتى شيل التانية

نظر له يوسف بدهشة قائلا:

- وفيها أيه؟

قال بجدية:

- لا معلش محبش حد يمسك شنطة مراتى

أختلج قلب إيمان مرة أخرى ودق بقوة أكثر فهومن الأساس يطرق بشدة منذ أن رأته قادما نحوهم, حمل عبد الرحمن حقيبة إيمان التى سارت خلفه واتجه إلى الداخل, نظر يوسف إلى مريم وهو يحمل حقيبتها قائلاً:

- أنا عاوز اتكلم معاكى ضرورى

لم ترد ولم تنظر إليه بل أشاحت بوجهها واستبقته للداخل, وقف عبد الرحمن أمام المصعد والتفت إلى إيمان قائلا بهدوء وهو ينظر لعينيها:

- طبعا الشنطة هتطلع شقتنا مش كده

خفضت بصرها وهى تقول:

- أيوه .. بس هفضل مع مريم علشان الكوافيرة زمانها جاية

أمسك كفها بحنان قائلا:

- على فكرة أنا منمتش غير ساعة واحدة بس .. من ساعة ما كنت عندكم وانا بافكر فيكى وحتى الساعة دى حلمت بيكى فيها ..مش قادر استحمل الدنيا ولا ليا نفس لحاجة وانتِ زعلانة مني.

قاطعه اقتراب مريم ووقوفها بجوارهما , صعدوا إلى الطابق الثانى أولا حيث كانت عفاف تنتظرهم , تهلل وجهها بسعادة غامرة حين رأتهما وعانقتهما بحب كبير وحنان بالغ

ثم قالت فى سرعة:

- يالا يابنات أطلعوا بسرعة جهزوا نفسكم .. فرحة بتقولى الكوافيرة جاية كمان ساعة

ثم التفتت إلى مريم قائلة:

- وانتِ يا مريم بصى كده فى شقتك ولو لقيتى حاجة ناقصة قوليلى على طول

أبتسمت مريم أبتسامة باهته وهى تقول:

- حاضر .

كان عبد الرحمن ويوسف قد صعدا بالحقائب للطابق العلوى وهبط يوسف إليهم وترك عبد الرحمن , أستقلت الفتاتان المصعد وعندما توقف توجهتا إلى شقة مريم ولكنهما وجدا عبد الرحمن ينتظر إيمان عند باب شقتهما وقال لها على الفور:

- ايمان عاوزك خمس دقايق بس

توترت إيمان وهى تنظر إلى مريم ثم تنظر إليه معاتبة :

- معلش أصل يدوب نلحق ..مفيش وقت

مالت مريم على أذنها قائلة بهمس:

- روحى شوفيه انا لسه هدخل آخد دوش .. على ما اطلع من الحمام تكونى جيتى

أومأت برأسها موافقة فى اضطراب وذهبت إليه , دخلت شقتها ودخل خلفها وأغلق بابها بهدوء, نظر إليها نظرة طويلة معاتبة ولكنها مشتاقة, نظرة محبة شغوفة ولكن تغلفها الحيرة وأخيرًا تكلم قائلاً:

- ممكن اعرف انا عملت أيه علشان تتغيرى كده معايا

أطرقت برأسها وقالت فى خفوت :

- مش وقت الكلام ده دلوقتى لازم أروح أجهز مريم

أقترب منها يتفحصها بعمق وقال:

- يا ايمان متسبينيش كده قوليلى حاجة .. ريحينى.. أنا معرفش غير موضوع كلام مرات عمى لكن أيه علاقة كلامها بيا أنا وأنتِ

قالت بابتسامة شاحبة:

- أوعدك بعد الفرح ما يخلص هقعد معاك ونتكلم زى ما انت عايز

قال بحب:

- طب ينفع اقولك وحشتينى

قالت بدون تفكير:

- ليه

أبتسم ابتسامة حائرة وقال:

- ليه ؟.. علشان بحبك

قالت دون أن تنظر إليه:

- متأكد؟

أقترب منها ومسح على وجنتها قائلا:

- طبعا متأكد معقول مش حاسة بيا كل ده

أطرقت برأسها مرة أخرى ولم ترد , فاقترب منها وأخذها بين ذراعيه وضمها بقوة , أستسلمت لضمته فلقد كانت تشتاق لرائحته مثلما يشتاق هو إليها, ضمها أكتر وأغمض عينيه وقال :

- والله لو تعرفى لما بتبقى زعلانة مني بيحصلى أيه عمرك ما هتزعلى مني أبدا.. بقولك من ساعة ما رجعت من عندكوا وانا حاسس انك زعلانة مني وحتى معرفش ايه السبب .. وانا النوم مجافينى منمتش غير ساعة وحتى الساعة دى حلمت بيكى.. كل ما احاول انام افتكر ملامحك وانتِ مضايقة وعنيكى اللى بتلمع بالدموع  احس وانا بغمض عينى انى بغمض على شوك .. وادى النتيجة بقالى يومين منمتش بسبب حضرتك يا هانم.

أبتسمت وهى تدفن رأسها فى صدره بهدوء, لقد كانت تشعر بالسكينة والراحة من وقع كلماته الرقيقة الصادقة, ومن أثر ضمته التى تستمع فيها إلى نبضات قلبه المتسارعة وكأنها تهفو إليها شوقًا, ظلا هكذا وقت ليس بالقصير لم يشعرا بالوقت ولا بعقارب الساعة التى كلما قفزت زادت ضمته لها وكأنه يخشى أن تتركه وتمضى.

قطع هذا الوصال رنين هاتف عبد الرحمن , رفعت رأسها وقالت وهى تنظر إليه :

- تليفونك

وضع رأسها على صدره مرة أخرى وقال بهمس:

- سيبيه يرن

ولكن هاتفه أصر على قطع  هذا الوصال الحميمى فقالت بابتسامة:

- هو بقى مش هيسيبك .. شوف كده لتكون حاجة مهمة

نظر إلى عينيها بعمق قائلاً:

- مفيش أهم منك عندى

أبتسمت وهى تضع يدها فى سترته وتأخذ منها الهاتف , نظرت إليه وقالت:

- ده عمى

أغمض عينيه مرة أخرى وتنهد تنهيدة طويلة وكأنه يطبع صورتها داخل مقلتيه حتى لا تفارقهما أبدا , تناول منها الهاتف وهو يتلمس أطراف أناملها مداعباً, وضع الهاتف على أذنه قائلا :

- السلام عليكم ..

أستمع إلى والده قليلاً بتركيز وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة عابثة ثم قال :

- حاضر يا بابا ثوانى واكون عندك

رفع رإسها إليه لتلتقى عينيهما مرة أخرى قائلا:

- كنا بنقول أيه

أبتعدت وهى تخطو باتجاه الباب وتفتحه قائلة:

- يلا انزل شوف عمى وانا رايحة لمريم

توجهت إلى شقة مريم وأخرجت مفتاحها ودلفت بسرعة للداخل وأغلقت الباب ببطء وهى تعلو وجهها ابتسامة خجلة , أتجهت إلى غرفة مريم التى كانت انتهت من الإغتسال للتو وتجفف جسدها بالمنشفة , فتحت إيمان الباب فانتفضت مريم وهى تحتضن منشفتها وعندما وقعت عينيها على اختها  فزفرت بقوة وهى تقول:

- يخرب عقلك يا ايمان رعبتينى

تبادلت الفتاتان الضحكات ولكن نظر إيمان وقع على جرح غائر أعلى ساق مريم فاقتربت منها وهى تنظر إليه فى تفحص وتقول :

- أيه الجرح ده يا مريم ؟

نظرت مريم إلى حيث تنظر إيمان , ووضعت أطراف أناملها على الجرح تتحسسه فتذكرت لحظة سقوطها وهى يغشى عليها, تذكرت قطع الزجاج التى سقطت على أطرافه المهشمة

قطع ذكرياتها صوت إيمان وهى تقول:

- أنتِ وقعتى على أيه ولا اتخبطتى فأيه .. أرتجفت مريم مع تذكرها الحادث وشعرت بالألم وكأن الجرح مازال حديثا وقالت بارتباك :

- مش فاكرة .

قالت ايمان وهى تضغطه قليلاً:

- مش فاكرة ازاى ... مش بيوجعك طيب؟

حركت مريم رأسها نفيا وقالت:

- لا ..

ثم لفت المنشفة جيدًا لتخفيه وهى تتصنع المرح:

- يالا بقى الست زمانها جاية , أدخلى خدى دش انتِ كمان

****

أستسلمت مريم للمُزينة تمشط شعرها وتُزينها بينما جلست إيمان وفرحة يتجاذبان أطراف الحديث ويتضاحكان .. قالت إيمان بتساؤل:

- فين وفاء مطلعتش ليه ولا حتى سلمت علينا لما رجعنا

مطت فرحة شفتيها وقالت:

- مش عارفة بس شكلها محرجة من اللى امها عملته

قالت إيمان بتعجب:

- سبحان الله وفاء غيرهم خالص

أومأت فرحة موافقة:

- ده حقيقى.. بس أكيد اللى أمها بتعمله هى مش راضية عنه علشان كده تلاقيها مكسوفة تطلع

تناولت إيمان هاتفها وطلبت رقم وفاء وانتظرت ثوان  إلى أن أتاها صوتها بخفوت:

- السلام عليكم ..ازيك يا إيمان

- وعليكم السلام .. أيه يابنتى مطلعتيش ليه.. الكوافيرة هنا

قالت وفاء بخجل:

- معلش يا إيمان انا هبقى احط حاجة خفيفة كده

قالت إيمان بإصرار:

- لا مينفعش .. لازم تطلعى حتى لو مش هتعملى حاجة .. كفاية انك تقعدى فى وسطينا

سيطرت وفاء على دموعها وقالت بتماسك:

- ربنا يخاليكى يا إيمان بس بجد مش هقدر

زاد إصرار إيمان وهى تقول:

- لو مطلعتيش هنزل اخدك بنفسى ..ها قلتى ايه

أبتسمت وفاء من بين دموعها وهى تقول:

- لالا خلاص خليكى انا طالعة اهو

أغلقت إيمان الهاتف فى حين قالت لها فرحة:

- والله انتِ طيبة أوى يا إيمان.. يابخت عبد الرحمن بيكى

***

وفى المساء كانت الحديقة تتلألأ فى زينتها الجديدة بلمسات جمالية وضعها إيهاب وفرحة بذوق عالى وأحساس فنان,  كان الجو العام يبعث على البهجة وشاركت الطبيعة فى تزينه بنسمات عليلة وعبير الورود المتسلل إليها ليجعل النسمات تتحول إلى شذى رائع يأخذ بالألباب ويبعث على الإسترخاء فيحلو استنشاقه ببطء وكأنه سحر.

ومرة أخرى يتكرر نفس المشهد ويوسف يقف أمام مراته يرتدى حلته الأنيقة السوداء ولكن كانت تعلو شفتيه ابتسامة لا يستطيع تفسيرها, قطع ابتسامته صوت عبد الرحمن الساخر وهو يقول:

- اضحك اضحك ما انت مش عارف أيه اللى مستنيك

ألتفت إليه يوسف قائلا:

- أيه ده انت لحقت تتعقد من الجواز

وقف عبد الرحمن بجواره فى المرآة وهو يهندم سترته وقال:

- ياعم مش لما اتجوز الأول ابقى اتعقد

نظر له يوسف متعجبا من كلماته وقال:

- نعم .. اومال إيمان دى تبقى أيه خطيبتك

دفعه عبد الرحمن ليلتفت مرة أخرى إلى المرآة وهو يقول:

- خليك فى حالك..

خرج يوسف إلى شرفته ينظر إلى الحديقة التى تزينت كالعروس وهو متعجبًا من السعادة التى يشعر بها برغم من أنه يعلم أن هذا الزواج ماهو إلا غطاء شرعى لما حدث بينهما

, بدأ المدعوين بالحضور وكان أول من حضر هى علا بصحبة والدتها وأختها هند التى وقفت تنظر حولها وهى تقول لأختها :

- شايفة اللى اتحرمت منه اختك

قالت علا بصوت هامس:

- ممكن ترجعيله انتِ وشطارتك

ألقت مريم النظرة الأخيرة فى مرآتها بينما قالت إيمان:

- ماشاء الله.. أنتِ قمر والله يا مريم اللهم بارك

عانقتها فرحة ووفاء , ألتفتت إليهم مريم قائلة:

- أنتوا كمان قمرات

قالت وفاء بمشاكسة وهى تقول:

- أنتوا بقى غيرانين منها ولابسين فساتين كتب الكتاب بتاعتكوا

ضحكت فرحة قائلة:

- والله ياختى مش بمزاجنا .. كل واحدة فينا جوزها صمم تلبس كده

أقتربت إيمان من مريم وقالت مداعبة :

- بس أيه ده يا مريم .. فى عروسة تلبس الحجاب يوم فرحها ده ايه العقد دى

تلون وجهها خجلا وقالت:

- خلاص بقى بطلى .. مكنتش فاهمة وادينى فهمت ياستى

طرقت عفاف الباب فالتفت الجميع إليها وقالت مريم فى سعادة متفاجأة:

- ماما !

كانت أحلام بصحبة عفاف  فهرولت مريم إليها وعانقتها , نظرت أحلام إليها وإلى فستانها الأبيض وحجابها الحريرى الذى زاد جمالها وقالت:

- عروسة زى القمر يا مريم .. كان حلمى اشوفك انتِ واختك واخوكى يوم فرحكوا

قالت إيمان مداعبة :

- ما انا لابسه فستان كتب كتابى اهو يعنى كأنك حضرتى فرحى برضة

عانقتها والدتها وقالت:

- ربنا يسعدكوا يا ولاد

ربتت عفاف على ظهرها قائلة:

- ربنا يديكى طولة العمر وتشوفى ولادهم

نظرت إليها أحلام بمودة وامتنان وقالت:

- متشكرة يا عفاف .. طول عمرك طيبة وانا مطمنة على ولادى معاكى

أدمعت عينيى إيمان ومريم وهما يتبادلان النظرات بينما قالت فرحة:

- وبعدين .. الميكب هيبوظ كده

نظرت إليهم عفاف قائلة:

- هو فين الميكب ده انا مش شايفة غير زبدة كاكاو

ضحك الجميع .. وفجاة عم الصمت حينما ارتفع صوت فاطمة بغضب وقسوة وهى تقف على باب الغرفة وتستند إلى حافته بيد ومتخصرة باليد الأخرى وذبذبات الشر تتقاف من حولها وتقول :

- أنتِ أيه اللى جابك يا أحلام

نظر الجميع إليها بينما استدارت أحلام نحو عفاف وقالت بابتسامة هادئة :

- يالا يا ام عبد الرحمن العريس مستنى تحت خدى البنات وانزلى

قالت عفاف باضطراب:

- انا هتصل بإيهاب يطلع ياخدهم

ساد الصمت للحظات وصعد إيهاب فى الحال وتناول كف مريم وقال لوالدته:

- يالا يا ماما

أومأت برأسها وقالت:

- انزلوا انتوا وانا جاية وراكوا

زاغت نظرات الجميع بين أحلام وفاطمة فى صمت قطعته أحلام :

- يالا اتحركوا الناس تحت

بدأوا فى الهبوط للأسفل وتأخرت عفاف عنهم فقالت لها أحلام :

- انزلى انتِ يا عفاف

حركت رأسها نفيًا وقالت بإصرار :

- مينفعش .. والمفروض ننزل كلنا .. مش وقته الكلام ده احنا فى فرح ولادنا

أوقفتها فاطمة وهى تصيح بها :

- بقيتى حبيبتها يا عفاف .. اه ما انتوا بقيتوا نسايب

أقتربت منها أحلام بعينين حادتين قائلة:

- أنتِ عاوزه أيه يا فاطمة

قالت فاطمة بنظرات تشع حقداً:

- تطلعى حالا من البيت ده ومتوريناش وشك تانى

ضحكت أحلام بطريقة استفزازاية وقالت:

- تانى يا فاطمة .. تانى عاوزانى امشى ..  مكفكيش أول مرة مشيت فيها من عشرين سنة

قالت فاطمة بحدة وبغض:

- وياريت المرة دى مترجعيش تانى لحد ما حد فينا يموت ماهى الدنيا متستحملناش سوا

أحتفظت أحلام بابتسامتها وقالت:

- لسه بتغيرى مني يا فاطمة ؟ معقول .. مع انى كبرت اهو زى ما انتِ شايفة ..واللى بتغيرى عليه كبر هو كمان وقرب هيبقى جد.

واقتربت أكثر وهى تحدق بعينيها قائلة :

- ولا انتِ لسه بتكرهينى علشان علي الله يرحمه فضلنى عليكى

كادت فاطمة أن تصفعها على وجهها ولكن أحلام أحكمت قبضتها على يدها ونظرت لها بتحدى اكبر , تدخلت عفاف هاتفة بحنق:

- لا انا كده هتصل بالحاج حسين يجى مينفعش كده يا جماعة .. يالا يا أحلام انزلى لولادك

فى هذه اللحظة كان يوسف ينظر إلى مريم بإعجاب شديد وهو يراها بفستان زفافها الأبيض وحجابها الذى زادها إشراقًا,  تناول يدها من إيهاب وهى تتحاشى النظر إليه وسار بها إلى المكان المخصص لهما بالجلوس بينما أمسك عبد الرحمن يدي زوجته وطبع قبلتين على كل واحدة منهما وعينيه لم تفارق عيناها الخجلتين وكذلك كان حال إيهاب وفرحة

سار الأربعة خلف العروسين كل منهما يتأبط ذراع عروسه فى سعادة

أما فى الطابق العلوى فلا تزال المعركة مستمرة وكانت فاطمة تصفق بغضب وتقول:

- مبروك يا أحلام برافو عليكى.. حققتى كل اللى كنتِ بتتمنيه وخدتى حسين وولاده ومراته فى حضنك

زفرت عفاف بضيق هاتفة:

- انتيهنا بقى يا فاطمة ...

ثم نظرت إلى الهاتف وتقول:

- يارب يسمع الجرس فى الدوشة دى

وقفت أحلام أمام فاطمة وقالت بصرامة:

- أنا بحذرك يا فاطمة لو اتعرضتى لحد من ولادى انا ممكن ادمرك

ضحكت فاطمة بجنون قائلة:

- هتعملى أيه يعنى .. انتِ اللى المفروض تخافى على نفسك يا أحلام .. سمعتك مش متسحملة

بادلتها أحلام الضحكات وقالت بهدوء:

- هعمل كتير يا فاطمة.. يعنى مثلا هقول لكل الناس وأولهم ولادك وجوزك انك كنتِ بتحبى علي الله يرحمه وبتجرى وراه بالمشوار وهو كان مطنشك وكنتِ بتسوقى عليه ناس كتير وهو ولا هو هنا لأنه كان بيحبنى ساعتها .. وفى الآخر يا مسكينة لما رضيتى بالأمر الواقع

ووقع فيكِ ابراهيم الراجل الغلبان وهو ميعرفش انك كنتِ بتحبى اخوه الصغير ..اكتشفتِ برضة انه بيبصلى من تحت لتحت .. نارك قادت مني وخصوصا  لما علي مات خفتى لجوزك يعملها ويتجوزنى بحجة انه يربى ولاد اخوه..علشان كده اتجننتى وعملتى عليا فيلم انهم هيقتلوا ولادى ويقتلونى وادتينى فلوس , وأشارت إلى عفاف قائلة :

- وضحكتى على الغلبانة دى وخوفتيها ان جوزها هيروح فى داهية وجبتيها معاكى علشان اصدق .. لأنك عارفة انى بصدق عفاف, صرخت بها فاطمة :

- أخرسى يا أحلام.. أنا عمرى ما جريت ورا حد.. أنا مش زيك .. أنتِ اللى كنتِ بتجرى ورا ابراهيم ولما لقيتيه شخصيته ضعيفة ومش هيقدر يقف قدام ابوه سبتيه وادورتى على علي الله يرحمه

ضحكت أحلام قائلة وقد أعجبها اشتعال النار بقلب فاطمة وقالت:

- وهو ده اللى غيظك مني.. أن الاتنين كانوا بيحبونى

كادت فاطمة أن تهم بصفعها ولكن عفاف صرخت :

- كفاية.. كفاية.. حرام عليكوا .. ده الزمن بينسى الموت ورغم كده معرفش ينسيكوا كرهكوا لبعض

وفجأة دخل إبراهيم وحسين واقترب حسين من عفاف وامسك يدها بقلق قائلا:

- مالك يا عفاف بتصرخى ليه ايه اللى حصل

نظر إبراهيم لزوجته قائلا:

- انتوا ايه اللى مقعدكوا هنا سايبين الناس والمعازيم وقاعدين هنا ليه

قالت فاطمة بغل واضح:

- أبدًا كنا بنصفى حساب قديم

أشار حسين إلى أحلام وقال بحسم:

- لو سمحتى يا ام ايهاب انزلى دلوقتى اقعدى جنب بنتك متسيبهاش فى لحظة زى دى

***

أما فى الأسفل فكانت عينيى هند تراقب عبد الرحمن وتتبعه كظله, وكان وليد يهمس لعلا أن تصعد معه الآن ليريها شقتهما ولم يكن يلحظ العين التى تراقبه بابتسامة غاضبة كريهة, بينما لم تكن تعلم إيمان وفرحة المفاجأة التى أعدها لهما عبد الرحمن وإيهاب

***

 

الفصل الثامن والعشرون

- أسمعى بس .. أنتِ هتطلعى تشوفيها وننزل على طول

أبتسمت علا وهى تضغط على يد هند الجالسة بجوارها وقالت:

- أوك مفيش مشكلة علشان تتأكد بس انى بثق فيك

أنتبهت هند لضغطة علا وكما اتفقت معها سابقًا بأن هذه الضغطة معناها أن تتدخل فورًا

أفلتت علا يد هند وهى تنهض واقفة مع وليد فنهضت هند هى الأخرى ووقفت أمامهما قائلة:

- أيه يا علا رايحة فين .

قالت علا بتلقائية مدروسة:

- طالعين نبص على الشقة بتاعتنا علشان نشوف هتتشطب ازاى

أدت هند دور الشغوفة بإمتياز وهى تقول:

- ايه د بجد  طب انا جاية معاكوا

تدخل وليد وهو يلف كتف علا بذراعه قائلا:

- خليكى مع ماما يا هند لحس تضايق .. أحنا مش هنتأخر

أدت دورها جيدًا مرة أخرى وهى تقول:

- اه صحيح طب ما نجيب ماما تشوفها معانا .. دى برضة ام العروسة

عادت هند خطوتين للخلف لتخبر والدتها فى حين قال وليد بضيق:

- أيه بقى الخنقة دى

نظرت له علا وتظاهرت بعدم الفهم وهى تقول:

- مالك يا حبيبى فى حاجة؟

عادت هند ومعها والدتهما وقد أبدت موافقتها للصعود معهم لرؤية منزل الزوجية

أبتسم لها وليد ابتسامة حانقة وهو يقول:

- اه طبعا يا طنط اتفضلى

أستبقهم للداخل وهو يزفر بقوة فى غضب بينما هند وعلا يتبادلان نظرات مكر وانتصار

لم يمكثوا كثيرا فى الداخل بمجرد أن فتح لهم باب الشقة المخصصة لزواجة ودخلوا وطالعوها فى دقائق وخرجوا سريعا, وما إن خرجوا إلى الحديقة حيث حفل الزفاف حتى وقعت عيناه على سلمى التى تنتظرهم عند المدخل وعينيها يتطاير منها الشرر , لم تنتظر كثيرًا بل أسرعت إليه وصاحت فى حدة:

- بقى دى أخرتها يا وليد.. بقى أعمل علشانك كل ده وفى الآخر تروح تخطب واحدة تانية.. أما وريتك ..أما فضحتك.. أنا هاروح اقول ليوسف كل خططك

أمسك ذراعها بقوة وهو ينظر إليها بغضب ويضغط  أسنانه بقوة وقال:

-عارفة لو ماتخرستيش هاعمل فيكى أيه

تقدمت علا منهما بينما وقفت هند ووالدتها يشاهدان ما يحدث فى دهشة , أقتربت علا قائلة:

- فى حاجة يا آنسه؟

هتفت سلمى بغضب :

- وانتِ مالك انتِ بتدخلى ليه بين واحدة وجوزها

نظرت له علا بدهشة وقالت:

- نعم..جوزها

ألتفت إلى سلمى بغضب وحنق:

- أنتِ بتخرفى ولا أيه.. أنا اتجوزتك امتى ان شاء الله ..فى الحلم

قاطعته وهى تصيح بوجهه وتشير إلى الشقة المشئومة بجوار المصعد:

- لا يا خويا فى الشقة دى

جذبها من يدها وحثها على الخطى السريع خلفه مرغمة حتى  وصل بها إلى جراج السيارات

والتفت إليها وصفعها بقوة حتى ارتدت إلى أحدى السيارات وسال الدم من بين شفاها

فصرخت فى غضب:

- ماشى يا وليد والله لاروح أحكى ليوسف واقوله أنك كنت بتفترى على مريم وانك مطلعتش شقتها ولا حاجة وانك كنت مستنيه وكنت عارف انه هيجى وراك وهقوله انك قصدت تديله حبوب علشان يتخدر وميحسش هو بيعمل ايه وانك اتفقت معايا انى اخد مريم شقة مفروشة وافهمها ان ده بيتى وكنت عارف انه هيراقبها وكان كل هدفك انك تفضحه والرؤوس تتساوى وميقدرش يفتح بقه معاك تانى

أحكم قبضته على ذراعها حتى آلمتها وصرخ فيها:

- اسمعى يابت انتِ...  مش انا اللى تهددينى

لو عاوزه تروحى تحكى روحى .. ميهمنيش .. أنا كده ولا كده شريك فى البيت وشريك فى الشركة يعنى اللى هتقوليه مش هيأثر عليا لا حد هيرفدنى ولا حد هيقدر يطردنى... ديتها ابويا يزعل منى يومين وخلاص .. وانتِ مش هتطلعى بحاجة من ورا كده إلا انى عمرى ما هبص فى وشك تانى ومش هتشوفى مني اللى كنتِ بتشوفيه.. لكن لو طلعتى عاقلة وحلوة كده ... هنفضل مع بعض .. فلوس وفسح وكل اللى انتِ عرفتينى علشانه ..ها قولتى ايه؟

بكت وهى تحاول أن تخلص ذراعها من يده وهى تقول:

- سيبنى بقى أيدى حرام عليك

تركها وهو يدفعها للخلف مجدداً ويشير إلى رأسه قائلا:

- عقلك فى راسك تعرفى خلاصك دورى على مصلحتك احسنلك

أشتد بكاؤها وهى تقول:

- كده برضة يا وليد تعمل فيا كده .. يعنى اللى خطبتها وهتتجوزها دى فيها أيه احسن مني

أقترب منها ومسح على شعرها وكأنه لم يفعل شىء وقال:

- يا عبيطة ده انتِ اللى فى القلب ..وبعدين جواز أيه هو انا بتاع جواز

نظرت له بدهشة وقالت:

- يعنى ايه.. اومال خطبت ليه

أقترب منها ولف ذراعيه حول خصرها قائلا:

- هما وحياتك يومين وهخلع منها وهرجعلك صاغ سليم

قالت وهى تبتعد عنه:

- انت بتضحك عليا بكلمتين.. فاكرنى هبلة فى حد بيخطب يومين ويخلع

قال وليد ضاحكا:

- أنـــا

قالت بدهشة وقد تغيرت ملامحه تماما:

- أنت بتضحك عليا

قال بنفاذ صبر:

- من الآخر كده.. البت دى منشفة دماغها وانا حبيت ألينها بالدبلة اللى لبستهالها .. فهمتى بقى

- يعنى انت بقى عينك فارغة

أومأ برأسه مؤكداً بعبث قائلاً:

- بالظبط كده أديكى عرفتى... يالا بقى خديها عن قصيره وامشى دلوقتى

قالت باستفزاز:

- انا لسه مباركتش لمريم

هتف بحنق:

- قال يعنى بتحبيها أوى ...  يالا اطلعى من باب الجراج وهنتقابل بكرة وهقضى معاكى يا ستى طول اليوم

خطت هند وعلا خطوات سريعة بخفة ليعودا أدراجهما إلى مكانهما قبل أن يعود وليد, جلستا وهما يلتقطان أنفاسهما بصعوبة وقالت هند:

- سمعتى يا علا

أومأت برأسها  ووضعت أصبعها على فمها وهى تقول لهند:

- ولا كأنك سمعتى حاجة

قالت هند باستنكار :

- يعنى ايه يا علا .. هى دى كمان فيها مصالح

قالت علا مؤكدة:

- بالظبط كده زى ما اتفقنا قبل كده أى معلومة تعرفيها تحوشيها لحد ما يجى وقتها

ونظرت بعيدًا فى شرود وهى تقول:

- أما بقى بخصوص هدفه من خطوبتنا ... انا هخاليه يندم ويقع فى شر أعماله

أستقلت سلمى سيارتها الصغيرة وقادتها فى شرود والأفكار تتزاحم فى عقلها:

- صح .. أنا هستفاد أيه لما افضح كل حاجة ... كل اللى هيحصل انى هخسره للأبد ومريم سمعتها هتتصلح عند يوسف

وأبتسمت فى سخرية وهى تقول:

- متضحكيش على نفسك يا سلمى انتِ كده ولا كده كنتِ متأكدة انه مش هيتجوزك ومكنش هامك حاجة متعمليش فيها مصدومة طالما بيصرف عليكى يبقى خلاص خالى الفايدة تكمل للآخر

عاد وليد إليها قائلا بلهفة مصطنعة:

- متزعليش يا حبيبتى دى واحدة مجنونة كانت بتشتغل معايا زمان ومشيتها .. وانا طردتها خلاص

أبتسمت برقة وقالت:

- تصدق فعلا شكلها مش طبيعى خالص .. وبعدين دخلت هنا ازاى دى

رفع كتفيه وقال:

- انا عارف .. اهو كل فرح ولا مناسبة فى بيتنا لازم تحصل فيه بلوى شكل.. أسترها علينا يارب

****

وقفت فاطمة بجوار زوجها تراقب نظراته جيدًا فالتفت إليها وقال بحدة:

- أنتِ وبعدين معاكى هتفضلى تراقبينى كده لحد امتى

قالت فاطمة بحنق:

- لحد ما زفته دى تمشى من هنا وتغور

قال متأففاً:

- لاحول ولا قوة إلا بالله .. يافاطمة عيب كده احنا مش صغيرين على العمايل دى.. روحى طيب سلمي على خطيب بنتك ووالدته

تأبطت ذراعه رغما عنه وقالت:

- اه وماله يالا نروح سوا

شعر حسين ببعض الهدوء عندما وجد ملامح السعادة عادت مرة أخرى إلى وجه عفاف بعد أن كانت  يغلب عليها الحزن مما سمعت من أحلام وفاطمة وهى تجلس بجوار يوسف بسرور وتربت على يده وتبتسم له بحب هو ومريم, أما احلام فكانت تجلس بين مريم وإيمان... حتى جاء عبد الرحمن وبسط كفه أمامها قائلا :

- تعالى يا إيمان لحظة لو سمحتى

وضعت يدها فى يده فتناولها وسار بها خطوات ووقف أمامها قائلا بحب:

- أيه رأيك فى شهر عسل جديد بدل اللى راح مننا

نظرت له بدهشة يغلفها الخجل وقالت:

- ازاى يعنى

أشار لإيهاب الذى كان يقف بعيدا عنهما بخطوات يتكلم مع فرحة وهى تبدو فى كامل سعادتها , أقبل إيهاب وفرحة التى تعلقت بذراع عبد الرحمن بابتسامة واسعة وهى تقول:

- متشكرة يا عبد الرحمن حقيقى مفاجأة تجنن

نظر لها إيهاب باستنكار:

- ياسلام.. على أساس ان انا ماليش دور فى المفاجأة يعنى

قالت إيمان بابتسامة حائرة :

- مفاجأة ايه؟

لف إيهاب ذراعه حول كتفها وقال بمرح:

- هنروح مع يوسف ومريم نقضى شهر العسل معاهم

دفع عبد الرحمن ذراع إيهاب ولف ذراعه هو على كتفها قائلا:

- لو سمحت متحطش أيدك على مراتى تانى

والتفت إليها قائلاً :

- ها أيه رأيك فى المفاجأة دى

أرتبكت إيمان واقتربت فرحة منها قائلة :

- هى دى عاوزه رأى.. طبعا موافقة

قالت إيمان بتردد:

- بس احنا مجهزناش هدومنا ومش معقول نطلع نجهزها دلوقتى

قالت فرحة بحماس :

- لا يا ستى مش هنوضب حاجة .. دول كانوا متفقين مع ماما على كل حاجة وهى قامت بالواجب وزيادة

أكد عبد الرحمن على كلام فرحة وقال:

- الحقيقة دى كانت فكرة بابا .. هو اللى اقترح وخطط واحنا نفذنا

داعبته إيمان وقالت وهى تضع يدها على خصرها:

- ده انتوا عصابة بقى

أومأت فرحة وقالت :

- بالظبط كده.. عصابة بودى وهوبة

أقتربت هند منهم وهى تتهادى بدلال ووقفت أمام عبد الرحمن وهى تنظر إليه بشوق وتمد يدها لتصافحه وتقول:

- أزيك يا عبد الرحمن ليك وحشه والله

ارتبك عبد الرحمن بسبب نظرات إيمان الحارقة لهما وقال :

- الحمد لله تمام

قالت وهى مازالت باسطة كفها ليصافحها:

- مش هتسلم عليا ولا ايه ...

شعرت إيمان أن عبد الرحمن سيصافحها لشعوره بالحرج من يدها الممدودة فأسرعت واخذت يدها وصافحتها هى وقالت بابتسامة باردة:

- معلش بقى .. أصله مش بيسلم على ستات

أبتسمت لها هند ابتسامة صفراء وهى تقول:

- ليه ده حتى عبد الرحمن مثقف ومتعلم

بادلتها إيمان نفس الإبتسامة وقالت:

- شرع ربنا مالوش علاقة بالثقافة أو الجهل

وتابعت :

- المثقف الحقيقى هو اللى يبقى عارف امور دينه وبيقوم بيها أما الجاهل هو اللى مهما اتعلم وخد شهادات يفضل برضة مش عارف دينه بيأمره بأيه وبينهاه عن أيه

أختفت الأبتسامة وقالت فى حنق :

- فرصة سعيدة يا مدام

وغادرت فى سرعة بخطوات حانقة , فقالت فرحة موجهة حديثها لإيمان:

- البت ياعينى غرقت فى شبر ميه حرام عليكى يا إيمان

نظرت إيمان إلى عبد الرحمن الذى كان ينظر إلى الأسفل وكانه يتأمل حشائش الأرض التى يقف عليها وقالت له:

- بتبص على الأرض كده ليه

قال وكأنه يفكر بعمق:

- لا ابدا بفتكر انا صليت العشاء ولا لاء ...

نظر إيهاب إليه بدهشة ثم انفجرا فى الضحك , لم تستطيع فرحة كتم ضحكاتها وهى تحتضن إيمان وتقول :

- أخويا شجاع أوى قدامك على فكرة

لم تتمالك إيمان نفسها وضحكت رغمًا عنها.

 

***

مالت أحلام على أذن مريم قائلة:

- مالك يا مريم مكشرة كده ليه؟

انتبهت مريم لحديث والدتها وقالت بخفوت:

- أبدا ياماما.. تلاقينى سرحت ولا حاجة

قالت أحلام بتنبيه:

- لا أبتسمى الناس بتبص عليكى وبعدين جوزك بيبص عليكى هو كمان

ألتفتت مريم بحركة تلقائية ليوسف الذى يجلس بجوارها فأشاح بوجهه عنها والتفت إلى والدته التى تجلس بجواره فقالت له:

- ايه يا حبيبى عاوز حاجة؟

يوسف :

- مش كفاية كده مش نمشى بقى لسه ورانا سفر

أومأت برأسها وهى تبتسم له موافقة وقالت :

- طيب استنى اروح اقول لابوك

ذهبت عفاف إلى زوجها وأبلغته بالأمر فذهب إلى عبد الرحمن وإيهاب وقال:

- يالا  بقى علشان تلحقوا وقتكوا لسه الطريق طويل

تحرك الجميع وسط تبريكات الأهل و المدعوين وتقديم التهانى وعانقتهم أحلام عناق طويل وودعتهم فهى أيضا ستسافر وتعود من حيث جاءت.

بعد ساعات مرهقة دخل أًخيرًا كل زوجين إلى جناحهما الخاص , أسرعت إيمان إلى شرفة جناحها الكبيرة لتنظر إلى المنظر البديع, فلحقها عبد الرحمن ولف ذراعه حولها قائلا:

- هنا بقى تقدرى تستمتعى بجد .. البلد هنا مش زحمة خالص والشواطىء تقريبا فاضية

تنهدت فى أرهاق قائلة:

-  طبعا دى بعيدة جدا لازم تبقى رايقة

قال بابتسامة عذبة:

- أنا جبتك هنا مخصوص علشان تعرفى تستمعى براحتك.. علشان المرة اللى فاتت مكنتيش عاوزه حتى تنزلى تبلى رجلك فى المية وكنتِ خايفة الهدوم تلزق عليكى.. هنا الحياة بسيطة أوى وعلى طبيعتها والشط بين الجبال ووراه نخيل كتير .

نظرت إليه وقالت فى اهتمام :

- مصر فيها أماكن حلوة جدا المصريين نفسهم عمرهم ما شافوها طب احنا ليه دايما مركزين على السياح اللى جايين من بره ومهملين فى السياحة الداخلية جدا... تقريبا معظم المصريين ميعرفوش ان بلدهم فى اماكن ساحرة كده

قال بتركيز:

- فكرة برضة.. سيبينى افكر فى الحكاية دى بس لما نشوف الأول السياحة الزوجية

لم تفهم معنى كلماته فقالت بتسائل:

- يعنى أيه السياحة الزوجية

تصنع عبد الرحمن أنه يهم بشرح معنى كلماته وقال بجدية:

- تعالى وانا اشرحلك بالتفصيل

ثم توقف فجأة قائلا:

- ولا اقولك غيرى هدومك وانا هدخل اخد دش .. ولما اطلع اشرحلك كل حاجة بالتفصيل الممل

***

كانت مريم جالسة على طرف فراشها تنظر حولها وتدور عينيها فى الجناح الخاص بهما حتى دخل يوسف وأغلق بابه ووقف ينظر إليها ويتأملها حتى شعرت بالإضطراب أكثر, وراودها شعورها بالخوف تجاهه مرة أخرى فأغلقت عينيها وهى تحاول أن تهدئ من روعها  فقال:

- طبعا تعبانة من السفر ومحتاجة تنامى

اشار إلى الحمام الملحق بالغرفة الداخلية قائلا:

- ادخلى غيرى لو تحبى وانا هدخل البلكونة لحد ما تخلصى علشان نصلى ركعتين مع بعض

نهضت فى سرعة واقفة مكانها وقالت بسخرية:

- نصلى ركعتين ليه.. ده لما يبقى جواز حقيقى مش زينا كده

شعر بالتوتر وصمت قليلا ثم قال:

- خلاص زى ما تحبى

تركها وخرج إلى الشرفة يستنشق الهواء العليل ويحاول أن يركز تفكيره فى طريقة التعامل التى ستكون بينهما فى الأيام القادمة , اخذت مريم ملابسها ودخلت الحمام , أغتسلت فى سرعة وبدلت ملابسها وخرجت من الحمام إلى الفراش مباشرة وتدثرت جيدا ,عندما شعر بها قد انتهت دخل هو الآخر وأخذ ملابسه من حقيبته الشخصية ودخل إلى الحمام أغتسل وخرج سريعاً , مر أمام فراشها فوجدها متدثرة جيدًا وتلف الغطاء حولها بعناية وتنظر إليه وتتابع تحركاته بقلق وخوف , آلمه كثيرًا ذلك الشعور وتلك النظرة الخائفة من عينيها فوقف أمام باب الغرفة الداخلية قائلا:

- الأوضه دى ليها مفتاح لو حابة تقفلى على نفسك وانا هنام على الكنبة بره قدام التلفزيون لو احتاجتى حاجة نادى عليا.

لم يتلقى منها أى أجابه فخرج واغلق الباب خلفه وبعد ثوان شعر بها توصد الباب بالمفتاح جيدا من الداخل , لم تتمالك نفسها كثيرًا فلقد كان الأرهاق أكبر من أى مقاومة فاستسلمت للنوم سريعا , وكذلك هو استسلم للنوم على الأريكة فى الخارج

***

خرج عبد الرحمن من الحمام وهو يدندن بسعادة رغم الأرهاق الواضح على عينيه

ولكن سعادته لم تكتمل, فلقد وقع بصره على إيمان التى استسلمت للنوم سريعًا هى الأخرى  , حاول إيقاظها ولكنها لم تستجيب , حاول مجدداً وهو يكاد أن يبكى:

- إيمان أصحى بقى عاوز اشرحلك السياحة الزوجية

تمتمت وهى تغط فى النوم  :

- بعدين ابقى اشرحلى السياحة النيلية

أعتدل وهو يمسح رأسه بحنق وهو يردد:

- نيلية ... النيلية دى على دماغى انا دلوقتى ياختى

وأخذ الوساده وقذفها بها وهو يقول:

- نامى ياختى نامى ..

تحسست الفراش بجوارها حتى وصلت لتلك الوسادة , أخذتها ووضعتها على رأسها ثم فتحت عينيها ببطىء وابتسمت  ثم عادت للنوم مرة أخرى

***

أستيقظت فرحة فى الصباح ونظرت إلى ملابسها قائلة:

- ياه ده انا نمت بهدومى من كتر التعب

نظرت بجوارها فوجدت حال إيهاب ليس افضل من حالها , هو أيضا نام بملابسه

حاولت ان توقظه مرارًا حتى استيقظ وقال وهو مازال مغمض العينين:

- ده مش سفر دى علقة سخنة .. اخوكى ده مجنون ملقاش غير آخر بلاد المسلمين

أبتسمت فرحة بإرهاق قائلة:

- بس المكان هنا هادى أوى ومش زحمة زى باقى المصايف .. وبعدين أول مرة آجى نويبع .. المنظر تحفة

قام بصعوبة قائلا:

- طب انا هدخل اخد دش و اخرج اطلب الفطار ..

ثم نظر إليها وهى مازالت بفستان العقد فقال ضاحكا:

- فى عروسة تنام بفستان الفرح.. لو حد شافك دلوقتى يقول عليا ايه ... فسيخة!

ضحكت فرحة وهو يأخذ ملابسه ويتجه للحمام ثم تناولت الهاتف وأجرت اتصال بإيمان التى أجابتها بعد مدة قصيرة وقالت بصوت ناعس:

- السلام عليكم

- وعليكم السلام .. انتِ لسه نايمة

- اه يابنتى المشوار كان صعب أوى حتى اخوكى لسه نايم فوجأت به يأخذ الهاتف من يدها وأستند برأسه على ذراعها وهو يتحدث إلى فرحة :

- عاوزه ايه يا رخامة بتتصلى ليه على الصبح كده

- ايه ده مالك طلعت فيا كده ليه.. طب الحق عليا انى بطمن عليكوا

حاولت إيمان أن تسحب يدها من تحت رأسه وهو يتحدث ولكنه لم يسمح لها بذلك وهو يقول لفرحة:

- لا متشكرين متطمنيش تانى ومش عاوز اسمع صوتك انتِ ولا جوزك النهاردة يلا سلام

أنهى الأتصال ثم أغلق الهاتف تماما وهى مازالت تحاول عبثًا أن تنهض من جواره ولكنه لف ذراعيه حولها وقال بابتسامة مشرقة:

- متحاوليش دخول الحمام مش زى خروجه.. انتِ وقعتى يا قطة

حاول أن يقبلها ولكنها وضعت يدها على شفاه وقالت بسرعة:

- أنا جعانة وعاوزه افطر حالاً.. وكمان عاوزه ادخل الحمام

جلس بجوارها قائلا بضجر :

- اه هنبدأ بقى فى شغل العيال ..عاوزه ادخل الحمام عاوزه اكل عاوزه انام .. ناقص تقوليلى عاوزه اروح لماما

نهضت مسرعة واتجهت إلى الحمام بخطوات واسعة وهى تقول :

- طب والله جعانة أوى لو سمحت اطلب الفطار على ما اطلع

تناول الهاتف وطلب الرقم الداخلى للفندق وهو يقول :

- لما نشوف هتتحججى بأيه تانى

جلست إيمان وعبد الرحمن يتناولان طعام الأفطار فى الشرفة, تناولت إيمان أول رشفة من كوب الشاى وهو تقول باستمتاع:

- الله كان نفسى فيها أوى الكوبايه دى من امبارح

أمسك كفها وخلل أصابعها بين أصابعه وقبض عليها برقة ونظر إليها بحب قائلا:

- طب وبالنسبة للى قاعد جمبك ده .. طب يارب ابقى كوباية شاى علشان تحبينى أوى كده

ضحكت إيمان على طريقته وقالت برقة :

- ربنا يخاليك ليا

ألقى نظرة على كوب الشاى فى يدها قائلا:

- هى الكوباية دى مبتخلصش ولا أيه

أخذت عدة رشفات وقالت متسائلة:

- بتسأل ليه؟

أخذها منها ووضعها على الطاولة الصغيرة أمامهما وهو ينهض قائلا:

- انا بقول كفاية كده الشاى مضر بالصحة

نهضت معترضة وقالت:

- لا لسه مخلصتش

جذبها للداخل وهو يقول:

- ده انا اللى خلصت خلاص ارحمينى شوية

***

فتحت مريم باب غرفتها ببطء بعد أن ارتدت ملابسها ونظرت إلى الأريكة تبحث عن يوسف ولكنها لم تجده , تقدمت خطوتين ونظرت داخل الشرفة فوجدته متكأ إلى السور وغارق بعمق فى تأمل المنظر البديع على مد بصره , أتجهت نحو باب الغرفة الخارجى وفتحته وهمت بالخروج ولكنها سمعت صوته آتى من خلفها قائلا:

- رايحة فين

أستدارت ببطء وهى تتجنب النظر إليه وقالت:

- خارجة اتمشى على البحر شوية

تحرك من مكانه واتجه إليها ووقف بمسافة ليست بعيدة منها وقال بهدوء:

- مينفعش تخرجى دلوقتى

قالت بحنق:

- ليه ان شاء الله

حافظ على هدوءه قائلا:

- أولا الفطار جاى حالا .. ثانيا المفروض اننا عرسان جداد .. على الأقل قدام اخواتك واخواتى ومينفعش حد فيهم يشوفك طالعة دلوقتى وكمان لوحدك

أبتعدت عن الباب بضيق وجلست إلى الأريكة بعصبية قائلة:

- يعنى هتحبس معاك هنا ولا أيه

طرق الباب , كانت خدمة الغرف , أخذ يوسف طعام الأفطار ووضعه أمامها على الطاولة وقال:

- طب افطرى الأول وبعدين نتكلم

قالت بضجر:

- مش عاوزه آكل معاك

أومأ برأسه وقال:

- زى ما تحبى

ثم أخذ أحد الأطباق الفارغة ووضع لنفسه بعض الطعام فيه ودخل الشرفة, جلس فيها وتناول طعامه , أنتهت مريم من طعامها ودخلت غرفتها وأوصدت الباب مرة أخرى بدلت ملابسها وجلست على فراشها تفكر:

- كيف من الممكن ان يجتمع المجرم والضحية فى مكان واحد , كيف يمكن ان تتعايش المغتصبة مع من اغتصبها تحت سقف واحد!

وفى أمواج الأفكار التى تعصف بعقلها سمعت طرقات خفيفة على الباب فقالت بضيق:

- افندم

- من فضلك عاوز اتكلم معاكى شوية

- مش عاوزه اتكلم معاك سيبنى فى حالى

أتاها صوته باصرار أكبر وهو يقول:

- من فضلك افتحى الباب لازم نتكلم

نهضت على مضض تنفست بعمق وفتحت الباب وقالت بتأفف:

- افندم ..خير

قال بهدوء:

- تحبى نقعد فين.. هنا ولا بره؟

نظرت خلفها ثم عادت برأسها إليه وقالت:

- هتقعد فين هنا.. بره طبعا

تنحى عن طريقها وتابعها بعينيه حتى جلست على الأريكه فجذب أحد المقاعد ووضعه امامها وبطريقة تلقائية مال للأمام فابتعدت حتى الصقت ظهرها بمسند الأريكة فى قلق وهى تقول:

- لو سمحت ابعد انت عاوز ايه بالظبط

وأشارت محذرة:

- انا بحذرك لو قربت مني

قاطعها :

- متكمليش انا اللى مش هقرب من غير ما انتِ تقولى

عقدت ذراعيها أمام صدرها وحاولت أن تتظاهر بالشجاعة وقالت:

- عاوز تقول أيه خلصنى

تكلم بهدوء وهو ينظر إليها بعمق :

- معلش انا مش قصدى اضايقك .. لكن فى حاجة مهمة عاوزك تعرفيها.. صحيح هى مش هتغير من وضعنا شىء لكن برضة لازم تعرفيها

أشاحت بوجهها فى صمت ولم ترد فتابع حديثه:

- لما كنت فى شقتك فوق وسألتك على الشقة اللى طلعتيها مع سلمى قولتيلى انها شقتهم بيتهم يعنى... أنا روحت تانى واتاكدت أن دى مش شقة عادية دى شقة مفروشة وكمان سمعتها مش ولابد.. والبواب أكدلى كده زى ما أكدلى يوم ...

صمت لعله يجد تعبير مناسب فقال:

- يوم الفرح

زفرت بقوة وقالت:

- تانى ..عاوز تشوه سمعتى تانى ..أنت أيه يا أخى انت ....

قاطعها بحسم قائلا:

- أنا مش عاوز غير انك تسمعينى للآخر.. أشوه سمعتك ازاى وانتِ بقيتى مراتى

- اومال بتقول كده ليه

قال وهو ينظر إليها بألم :

- لو سمعتينى للآخر هتفهمى.. لكن انتِ مش عاوزه تسمعى مني حاجة

صمتت مرة أخرى ثم قالت:

- اتفضل قول اللى عندك

أردف قائلا:

- انا راقبت البت اللى اسمها سلمى دى وعرفت عنوانها .. والبيت اللى عايشة فيه مع امها مش هو اللى خدتك فيه يوم الفرح

نظرت له بحدة وقالت :

- وأيه المطلوب مني

قالت بتأنِ:

- تحكيلى اللى حصل بالظبط من ساعة ما ركبتى معاها لحد ما وصلتك البيت

نهضت من أمامه وحاولت أن تتخطاه وهى تقول بغضب:

- انت عاوز تدور على أى مبرر للى عملته

قال ببعض الإنفعال:

- انا قلتلك من الأول ان مفيش شىء هيتغير .. لكن لو سمحتى جاوبينى انا مش عاوز الآقى مبرر لنفسى.. أنا عارف انى مجرم وانى استحق الأعدام مش أنى اتكافىء واتجوزك.. جاوبينى.. أنا حاسس ان الحكاية دى وراها سر .. مش هيحصل  حاجة لما تحكى اللى حصل

ردت إنفعاله بانفعال مماثل وهى تقول:

- حاضر هحكيلك اللى حصل علشان متفتحش الموضوع ده تانى

وتابعت وكأنها تتذكر:

- لما ركبت معاها قالتلى هنروح نتمشى بالعربية شوية.. قلتلها لا هنروح نوصلهم للمطار قالتلى هتدبى المشوار ده كله ليه واقنعتنى ..المهم.. بمجرد ما ركبت وقبل ما تطلع بالعربية لقيت ولاد خالتها ركبوا معانا وقبل ما اعترض كانت هى طلعت ولما عاتبتها قالتلى انها هتوصلهم البيت علشان مامتها طلبت من خالتها تبعتلها أمانه معاهم وبعدين نروح انا وهى نتمشى بالعربية زى ما كنا متفقين.. روحنا البيت واتصلت بمامتها مردتش مرة والتانية مردتش ... ولاد خالتها قالولها هنطلع نشوفها .. طلعوا واحنا استنينا فى العربية وبعد شوية نزلوا .. قالولها ان مامتها عاوزاها ضرورى وتقريبا كده كانت تعبانة

أتحايلت عليا اطلع معاها خمس دقايق تشوف مامتها وتنزل توصلنى تانى... طلعنا ودخلت هى لمامتها أوضتها هى وولاد خالتها وخرجت قعدت معايا وسابتهم جوه معاها وقالتلى ان مامتها مكنتش لاقيه الدوا بتاعها وهى ادتهولها.. وطلبت مني استنى شوية لحد ماتطمن على مامتها وتوصلنى البيت... بس هو ده اللى حصل..ازاى بقى دى شقة مفروشة وبيتهم فى مكان تانى

كان يستمع بإنصات شديد ويتفحصها وهى تقص عليه ما حدث وعندما انتهت قال:

- ومشوفتيش مامتها طبعا

حركت رأسها نفيا وقالت:

- لا مدخلتش عندها

أوما برأسه وقال:

- أنتِ عمرك ما روحتى بيتهم قبل كده؟

أجابته قائلة بنفاذ صبر:

- لا روحت طبعا وقعدت مع مامتها  بس هما كانوا ساكنين فى مكان تانى.. بس هما عزلوا قبل فرح إيمان بأسبوع تقريبا

قطب جبينه وقال بتركيز:

- أسبوع..

ثم نظر إليها وقال :

- لا يا مريم سلمى معزلتش ولا حاجة ولو حابة تتأكدى روحيلها لما نرجع هتلاقيها معزلتش ...

وتابع فى تفكير:

- طالما قالتلك قبلها بأسبوع انها عزلت يبقى الحكاية مترتبة .. بس ليه.. وأيه المقصود

قالت بعصبية :

- شفت بقى انت بتدور على مبرر ازاى ... مرة تقولى كنت واخد مخدرات ومرة تقولى سلمى ودتك شقة مفروشة.. أنت عاوز توصل لأيه ... ومخدرات أيه اللى بتقول عليها وجبتها منين وانت عمرك ما شربت سجاير أصلا

ألتفت إليها وقد ترابطت الأفكار فى ذهنه وقال فى شرود :

- أنتِ كده جاوبتى على سؤالى

****

الفصل التاسع والعشرون

 

- هتعمل ايه يا مجنون ..!

أخذ عبد الرحمن عصى ملقاة عند الشاطىء قائلا:

- أستنى وانتِ تعرفى

وبدأ فى حفر صورة لقلب كبير على الشط وكتب بداخله "بحبك يا إيمان"

أبتسمت إيمان وهى تنظر إلى ما يفعل وترقرقت عيناها بالدموع , وعندما انتهى ألقى العصاة جانبا والتفت إليها وهو يقول بسعادة:

- أيه رأيك فى خطى

نظر إلى عينيها فوجد آثار الدموع تلمع بها وهى تبتسم فى شجن وتنظر إليه بحب, أخذ كفها فى كفه ووضع عليه قبلة طويلة ثم لفها بذراعها وضمها إليه فى حنان وقال معتذرا:

- انا آسف.. أنا مكنتش مقدر النعمة اللى ربنا أنعم عليا بيها بس الحمد لله انى فوقت لنفسى قبل ما تضيعى مني يا حبيبتى

فاضت اللآليء من عينيها وهى تتأمل عينيه بحب فمسح دموعها بأنامله وهو يقول:

يا للآليء عينيها حدثيها أني عشقتها .. واجمعى عمرى ودمى واصنعى عقدا لها

أبتسمت وقالت بخفوت:

- أيه ده وكمان بقيت شاعر

همس لها:

- عمرى ما عرفت اقول شعر .. أنا لقيته طالع كده من قلبى معرفش ازاى

تشابكت أصابعهما فى بطء وعينيهما متعلقة ببعضها البعض , وفجأة وضعت يد بقوة على كتف عبد الرحمن من الخلف وسمع صوت أجش يقول بعنف:

- بطاقتك يا روميو

أستدار عبد الرحمن وهو يستعد للعراك ولكن ضحكات إيمان جعلته يلتقط العصا من على الأرض قبل أن يكمل استدارته ويسرع خلف إيهاب الذى هرول ضاحكا وهو يقول بترجى:

- خلاص ياباشا مكنتش اعرف انك مباحث

دفعه عبد الرحمن إلى المياة وهو يقول:

- والله ما انا سايبك

وقفتا إيمان وفرحة تضحكان على مزاحهما وتراشقهما بمياة البحر حتى جلس عبد الرحمن على الشاطىء بجوار إيهاب وهو يتنفس بصعوبة  قائلا:

- هاخد نفسى واقوم اقطعك

أقبلت فرحة وإيمان عليهما فقال إيهاب لإيمان بأنفاس متلاحقة :

- ضربته لحد ما مت من الضرب

أومأت برأسها قائلة:

- اه طبعا ماهو واضح

بينما هتفت فرحة :

- أنا هموت من الجوع لسه متغدتش لحد دلوقتى

نهض عبد الرحمن وأخذ يد إيمان فى يده قائلا:

- لا اتغدوا انتوا احنا هنروح الفندق نتغدى هناك

هتفت فرحة مرة أخرى :

- ليه ما نتغدى مع بعض

حرك رأسه نفيا وقال بجدية :

- لا مش هينفع أصل كنت بشرح لإيمان موضوع كده عن السياحة ولازم اكمله

نظرت له إيمان بعتاب وحاولت أن تخفى تلون وجهها خجلا من إيهاب الذى لم ينتبه لها وقال:

- سياحة أيه؟

تابع عبد الرحمن بنفس الجدية وهو يشرح بكلتا يديه لإيهاب وفرحة اللذان يتابعان شرح عبد الرحمن باهتمام وهو يقول:

- فى سياحة داخلية .. وفى سياحة خارجية فى النص بقى فى سياحة زوجية

قالت فرحة وهى تحاول فهم ما يقول:

- يعنى أيه سياحة زوجية

أردف عبد الرحمن بتركيز:

- أفهمى .. ده مشروع جديد

والتفت إلى إيمان التى تقف خلفه وغمز لها قائلا:

- مبقالوش يومين

ثم استدار إليهما مرة أخرى وهو يتابع:

-  يعنى يدوب قصينا الشريط

كانت فرحة تحاول استيعاب ما يقول حين قال إيهاب:

- هو انتوا هتدخلوا نشاط السياحة فى الشركة بتاعتكوا

استدارت إيمان تجاه البحر وهى تحاول كتمان ضحكاتها واستمرعبد الرحمن فى الشرح:

- هو الموضوع كبير لما نرجع مصر هبقى اشرحلك

أشار لهما وهو يضع يده على كتف إيمان:

- يالا بقى كفاية عليكوا كده سلام

بمجرد أن ابتعدوا قليلا ضربته على كتفه وهى تقول :

- ماشى يا عبد الرحمن

قال وكأنه لم يفهم :

- ليه هو انا عملت حاجة .. ده انا كنت بشرح لهم بس

ثم ضمها إليه أكثر وهو يقول:

- بس ايه رأيك مش انا بشرح كويس

أتسعت عيناها وهى تنظر له وقد تلونت وجنتاها احمرارًا فقال بسرعة:

- لالا متفهمنيش صح.. أنا قصدى انى كنت بشرحلهم كويس يعنى

استبقته بخطوات واسعه فلحقها وأمسك يدها , أفلتت يدها منه وأسرعت تجرى فأسرع خلفها يناديها :

- أستنى بس.. يا إيمان.. أستنى.. ده انا يدوب شرحت المميزات.. لسه هناخد الأهداف.. هدف ..هدف

***

كانت مريم تقف فى الشرفة تتابع أصوات البحر المختلطة بحفيف النخيل وقد جلس يوسف يشاهد التلفاز ويلقى عليها نظرة من حين للآخر حتى سمع طرقات خفيفة على الباب, أستدارت مريم فى مكانها واتجهت للداخل فى سعادة وهى تسمع صوت إيهاب وفرحة التى أقبلت وعانقتها وقبلتها على وجنتها وهى تقول:

- وحشتينى أوى يا مريم بقالى يومين مشوفتكيش.

ثم همست لها :

- ها أخبار الجواز ايه

أرتبكت مريم ثم قالت:

- تعالى لما اشوف إيهاب لحسن واحشنى اوى

خرجت إلي اخيها وعانقته واستكانت بين ذراعيه , فلقد شعرت بالأمان بمجرد أن استمعت لصوته, رفع رأسها وقبلها على جبينها وقال :

- ألف مبروك يا حبيبتى.. بصى جبتلك ايه

نظرت مريم إلى العقد المجمع من القواقع البحرية مختلفة الألوان وقالت بانبهار:

- ده جميل أوى جبته منين ده

قالت فرحة:

- نزلنا نتسوق شوية وجبنا الحاجات دى من هناك.. إيهاب اول ما شاف العقد قال هيعجب مريم أوى

اخذت تتأمله بين يديها بإعجاب وتقول:

- ده حلو اوى أوى.. متشكره اوى يا إيهاب

تدخل يوسف قائلا وهو يمسك بالهاتف :

- ها بسرعة تشربوا ايه

تقدم إيهاب نحوه وهو يقول:

- لالا مفيش داعى احنا ماشين على طول

طلب يوسف بعض العصائر وأغلق الهاتف وقال لإيهاب:

- اقعدوا معانا شوية

مالت فرحة على اذن مريم قائلة بخفوت:

- أيه ده يا بنتى فى عروسة تلبس عباية بعد يومين من فرحها

توترت مريم ورسمت ابتسامة على شفتيها قائلة:

- أصلى كنت واقفة فى البلكون زى ما شوفتينى كده ويوسف بيزعل لما بقف فيها بهدوم خفيفة

أومأت برأسها متفهمة بينما أشار لهم يوسف أن يجلسوا , جلس إيهاب وفرحة على الأريكة الكبيرة  , بينما جلست مريم بجوار مسند الأريكة الصغيرة وكانت تتوقع أن يجلس يوسف بعيدًا عنها نسبيًا ولكنه جلس بجوارها ملتصقاً بها, ولف ذراعه حول كتفها وضمها إليه بخفة حتى شعرت أنها التصقت بصدره وهو يقول مداعبًا موجهًا حديثه لفرحة:

- وانتِ بقى يا معزة أخبارك أيه

عقدت فرحة يدها أمام صدرها بغضب طفولى وهى تهتف:

- مش هتبطل تقولى يا معزة ماشى يا يوسف

أنتصر لها إيهاب قائلا:

- متزعليش يا حبيبتى هو يقصد المعزة اللى قعدة جنبه

صاح به يوسف وهو يضمها أكثر:

- نعم يا خويا .. انا مراتى  دى قمر منور الدنيا كلها.. انا أصلا مش عارف انت اخوها ازاى

تدخلت فرحة:

- بقى كده ..عموما إيهاب أحلى من مريم بكتير

ونظرت إلى إيهاب قائلة:

- مش كده يا هوبة؟

أومأ برأسه ممازحاً :

- طبعا يا حياتى

نسيت مريم أمر ضمة يوسف وهى تقاطع فرحة وهى تقول بمشاغبة:

- ياسلام بقى إيهاب أحلى مني.. تصدقى فعلا انتِ معزة

ضحك يوسف وطبع قبلة على رأس مريم وهو يقول:

- أيوا كده يا حبيبتى قطعيها

طرق الباب ونهض يوسف متوجها إليه , لا تعلم مريم لماذا شعرت بالفراغ بعد أن  أرسلها يوسف من ضمته, ولا تعلم لماذا تولد هذا الشعور لديها بمجرد أن فارقها وأنها كانت تود لو أنه بقى,  أنزعجت كثيرًا من هذا الشعور ونفضته سريعًا من عقلها ولكن بعد أن عاد بأكواب العصير كانت تتبعه بنظرها وتتوقع أن يعود إلى جلسته الأولى وخفقات قلبها تسابق خطواته, ولكنه لم يفعل , جلس بعيدًا عنها ولكن على نفس الأريكة , كادت أن تشعر بخيبة أمل ولكن قطبت جبينها وهى تحث نفسها على ترك تلك الأفكار الغريبة, تناول إيهاب العصير فى سرعة ونهض واقفا وهو يجذب فرحة قائلا:

- يالا بقى كفاية كده.. اخوكى خلاص قرب يطردنا

هتف يوسف مداعبا:

- بصراحة اه .. ولااقولك أعتبرنى طردتك خلاص

بعد أن خرجا وأغلق الباب خلفهما واستدار إليها وجدها مازالت جالسة فى مكانها وشاردة فى أفكارها المتصارعة وفجأة هبت العاصفة , وقفت مريم فى اضطراب وانفعال وقالت بارتباك:

- أنت ازاى تحضنى كده .. هه ازاى.. أنت بتستغل انهم قاعدين يعنى وعارف انى مش هقدر اتكلم

حاول أن يتحدث قائلا:

- أنا مكنش قصدى حاجة ..

قاطعته وهى تصيح به :

- لا انت كان قصدك .. لازم تعرف انى مش طايقاك

وتلعثمت أكثر وهى تهتف:

- مش طايقاك انت فاهم ولا لاء

حاول يوسف أن يكذب الشعور الذى راوده من نظراتها الزائغة وارتباكها, ولكن انفعالها وتلعثمها جعله يقترب منها ببطء وهى تصيح بكلماتها الغير مترابطة وهى تتحاشى النظر إليه , وهو يتفحصها بنظراته بعمق , أنتبهت إلى قربه منها فأسرعت إلى غرفتها الداخلية وأوصدت الباب بسرعة , لم يكن هناك شىء مجهد فى الأمر ولكن أنفاسها كانت تتلاحق وصدرها يعلو ويهبط فى قمة الانفعال , وقف خلف الباب يستمع إلى صوت أنفاسها المتقطعة وكأنها تبذل جهدا لتتنفس , وجد نفسه يطرق الباب قائلاً:

- مريم.. أفتحى

صاحت من الداخل :

- مش هفتح أبعد عنى

قال مهدئا للموقف:

- طب خلاص أهدى شوية بس وحاولى تنامى

صاحت مرة أخرى :

- ملكش دعوة بيا.. مفيش كلام بينا أصلا

- طب انا آسف طيب لو كنت ضايقتك

لم ترد عليه ودخلت فراشها وضمت ساقيها بيديها وأرخت رأسها عليهما وهى تقول بهمس:

- فوقى يا مريم فوقى متنسيش هو عمل فيكى أيه

ما هذا الشعور الغريب الذى يدور بين الكره والحنين !

****

جلست علا أمام وليد فى مكتبه وهى تقول :

- ياحبيبى ما انا أثبتلك انى بثق فيك عاوز ايه تانى

قال باستنكار:

- بأمارة أيه.. بأمارة ما جبتى معاكى أختك وامك

مطت شفتيها وهى تقول:

- طب وانا اعمل ايه.. هند هى اللى شبطت فينا وبعدين راحت قالت لماما

قال بلامبالاة:

- خلاص تعالى معايا النهاردة

قالت على الفور:

- ليه مش انا شفتها خلاص .. وبعدين يا حبيبى ذوقك عاجبنى.. أعمل فيها اللى انت عاوزه وانا موافقة

ألتفت إليها بحنق قائلاً:

- شفتى بقى .. شفتى خايفة مني ازاى

نهضت علا باضطراب وقد شعرت بأنه وضعها بين المطرقة والسندان وقالت:

- انت عاوز ايه مني بالظبط .. قلتلى تعالى شوفى الشقة علشان تقولى رأيك وافقت وشفتها خلاص وأى تعديل هتعمله انا موافقة عليه ..عاوز ايه تانى

شعر وليد بالضيق فهو أصلا لايحبها وإنما خطبها لهدف معين فى رأسه وهى لا تعطيه فرصة لتحقيق هذا الهدف فنظر لها وقال بجمود:

- خلاص براحتك وكويس انى عرفت اننا مش متفقين من دلوقتى بدل ما كنا نتجوز وبعدين نطلق

أستدارت له بجسدها كله وحاولت تدارك الموقف قائلة:

- وليد انت عارف معنى كلامك ده ايه

نظر لها وهو محتفظ بنظرته الباردة وقال:

- أسمى وليد بيه..  واعتبرى الخطوبة اتفسخت

تجمدت مكانها فهى لم تهزم طيلة حياتها, فلقد كانت الأذكى دائما , الشعور بالهزيمة مؤلم فلم تجد مفر من أن تقول:

- يعنى انت مبتحبنيش يا وليد

شعر باللين فى صوتها بعض الشىء فقال:

- طبعا بحبك أومال خطبتك ليه.. لكن انتِ مش فاهمانى واحنا مش متفقين فى حاجات كتير يبقى الأحسن ننفصل من دلوقتى

صمتت لبرهة ثم قالت ببطء :

- خلاص يا حبيبى انا موافقة

ألتفت إليها يتفحصها قائلا:

- موافقة على ايه؟

نظرت له بحب وابتسمت قائلة:

- موافقة آجى معاك..علشان تعرف بس انى واثقة فيك واننا مش مختلفين ولا حاجة

أرتسمت ابتسامة نصر على شفتيه وأخذ مفاتيح سيارته وأمسك يدها قائلا :

- طب يالا

أخذت حقيبتها وسارت معه , أستقلت سيارته وظلت طوال الطريق صامتة تحاول أن تجمع شتات نفسها لتجد مخرجاً مناسباً للموقف, فهى لا تريد فسخ الخطبة وتريد أن تتم هذه الزيجة بأى ثمن ولكنها تعلم أنه سيتركها فى كل الأحوال لذلك لابد من أن تبحث عن مخرج مربح حتى  لا تخرج منهزمة وخاسرة من جميع النواحى, وضع سيارته بهدوء فى الجراج وأخذها وصعد بها شقته بحذر فهو يعلم أن البيت لا يتواجد فيه فى هذا الوقت سوى أمه وزوجة عمه فقط.

فتح الباب بهدوء وبدون أن يصدر جلبة ولكنها أسقطت حقيبتها المفتوحة فوقعت على الأرض وأصدرت المفاتيح والهاتف صوتا مرتفعاً على أثر ارتطامهما بالأرض  , جذبها إلى الداخل وهى تقول بصوت مرتفع:

- فى أيه بتشدنى كده ليه..

نجحت فى أن تشتت انتباهه فلا يلتفت إلى حقيبتها التى مازالت على الأرض فى الخارج, كانت أمه قد سمعت صوت الأرتطام فشعرت بالقلق فهذا ليس وقت عودة أى منهم من العمل, فتحت الباب بحذر فوقعت عيناها على حقيبة علا المبعثرة أمام شقة وليد , وقفت تنظر إليها بتعجب

وفى هذه الأثناء كانت علا تحاول أن تتكلم بصوت مرتفع وهى تقول:

- فى أيه مالك بتعمل كده ليه كأننا بنسرق

حاول كتم فمها وقال بخفوت:

-  وطى صوتك أمى بتسمع دبة النملة

دفعته بعيدًا وهى تقول :

- المفروض انى خطيبتك وانى جاية اشوف شقتنا .. فيها أيه دى بتوطى صوتى ليه

كتم فمها مرة أخرى وجذبها لحجرة بعيدة عن الباب وحاول أن ينهى ما أراده سريعًا وقال:

- أنتِ عارفة الناس الكبيرة دقة قديمة ومبيفهموش فى الحاجات دى.

ثم اقترب منها بابتسامة قائلا:

- بس انتِ فعلا أثبتيلى انك بتحبينى زى ما بحبك

حاولت أن تتحدث وهى تبتعد ولكنه جذبها إليه مرة أخرى وضمها وهو يحاول تقبيلها

خرجت وفاء من غرفتها لتجد باب شقتهم مفتوحاً وأمها تقف فى الخارج وتقلب محتويات الحقيبة بين يديها فقالت:

- أيه الحاجات دى يا ماما

نظرت لها فاطمة بدهشة قائلة:

- مش عارفة يا وفاء.. سمعت صوت حاجة بتخبط على السيراميك خرجت لقيت الشنطة دى واقعة ومفتوحة كده

أمسكت وفاء محتويات الحقيبة وفتحت الحافظة الشخصية وبسهولة علمت لمن تنتمى هذه الحقيبة ولكنها تعجبت من وجودها هنا فى هذا الوقت فقالت:

- دى شنطة علا خطيبة وليد

- عرفتى منين

- بطاقتها اهي

جاءت اللحظة التى خططت علا من أجلها وغامرت بهذه الخطوة,  سمحت لوليد أن يعبث بملابسها ولقد كانت تقاومه بضعف وساعدته فى قطع ازار سترتها لتظهر بشكل المعتدى عليها , وعندما وصلت لهذه النقطة قاومت بشراسة ودفعته عنها بعنف وخرجت من الغرفة مسرعة إلى الباب الخارجى وهى تصرخ صرخات متتالية شديدة فزعت لها فاطمة ووفاء وهما بالخارج, فأخذت وفاء تدق الباب بقوة بينما فتحت علا الباب وخرجت مهرولة لتجد فاطمة ووفاء أمامها فاصطدمت بهما وحان وقت الأداء التمثيلى المقنع , أرتمت فى أحضان فاطمة وهى تبكى فى انهيار وتقول لها :

- شايفة يا طنط ابنك بهدلنى ازاى.. شايفة اخوكى يا وفاء

حاولت وفاء أن تهدئها وأخذتها للداخل فى غرفتها وأعطتها سترة أخرى عوضا عن الذى تمزقت ولقد كانت علا مقنعة جدا فى أداء دورها ببراعة وهى تتلاحق أنفاسها فى حضن وفاء وتقص عليهم ما حدث وهنا قال وليد بعصبية:

- انتِ هتستعبطى يابت .. انتِ جاية معايا بمزاجك وعارفة انا عاوز منك ايه

أخذته أمه للخارج ودفعته قائلة:

- كده يا وليد عاوز تشمت فيا الأعادى .. لو كانت مرات عمك شافتك كان زمانها فضحتنا

قال مدافعا :

- ياماما انتِ بيخيل عليكى الأفلام دى ..دى جاية معايا بمزاجها

دفعته أمه مرة أخرى وهى تقول:

- كتك القرف .. أهى دى آخرة المستوى الزفت اللى رايح تخطب منه

قال بضجر:

- خلاص بقى مالوش لازمة انا خلاص فسخت الخطوبة

عندما استمعت علا لهذه العبارة نهضت وخرجت لهم فى انفعال ولحقت بها وفاء التى سمعتها تصرخ فيه:

- يعنى أيه تفسخ الخطوبة

ثم نظرت إلى فاطمة وقالت :

- يرضيكى يا طنط ابنك يبهدلنى كده وفى الآخر يسيبنى

قالت وفاء على الفور:

- لاء طبعا

نظرت لها أمها شذرا وقالت بصرامة:

- بس يابت انتِ متدخليش

ثم أشارت لعلا وقالت:

- أنتِ اللى جيتى معاه برجليكى يبقى انتِ اللى غلطانة يا روحى.. أنا ابنى راجل

أنهارت مخططات علا بالكامل وهوت إلى أقرب مقعد وتقول بذهول:

- ده انتِ عندك بنات ازاى تقولى كده

فاطمة :

- أنا بنتى محترمة مبتروحش شقق .. يالا يا حبيبتى بطلى تمثيل وخدى بعضك عن قصيروا وروحى بيتكوا

صاحت وفاء بغضب:

- بس ده ميرضيش ربنا انتِ كده بتساعديه على الغلط

صفعتها أمها وصاحت بها:

- أمشى ادخلى اوضتك

والتفتت إلى علا وقالت ببرود:

- انتِ طالعالنا بهدومك يا حبيبتى يعنى الواد معملكيش حاجة وزى ما دخلنا بالمعروف نخرج بالمعروف .. وهنسيبلك الشبكة صدقة

وفتحت الباب وأشارت وهى تقول:

- أطلعى بره وما اشوفش وشك هنا تانى

سارت علا فى الطرقات متخبطة أنهارت أحلامها وآمالها , أنهار ما خططت له وحاولت أن تستفيد من وراءه,  كانت دائما تبحث عن المصلحة وفقط

كانت تتوقع أن تنتصر لها فاطمة وتجبره على الزواج بها ولكنها وجدتها امرأة بلا قلب وجدت نفسها تعود أدراجها إلى الشركة وهى تريد الأنتقام من وليد وأمه , ولأول مرة تتصرف وبدون تفكير عكس عادتها دائما.

دخلت مكتب الحاج حسين بدون استأذان كأنها مغيبة وبدأت فى سرد كل ما رأته وسمعته يوم زفاف مريم ويوسف وكل ما دار بين سلمى ووليد فى الجراج.

***

مسحت هند على ظهر علا وهى تقول :

- عيطى يا علا متكتميش فى نفسك كده انا خايفة عليكى

نظرت لها علا بحدة قائلة:

- أول مرة أخرج من معركة خسرانة يا هند

قالت هند بذبول:

- اأومال انتِ كنتِ فاكرة أيه .. أم وليد ميفرقش معاها حاجة.. وحتى لو كان ابنها عمل فيكِ حاجة مكنتش هتضغط عليه علشان يتجوزك

أكملت علا بشرود وكأنها لا تسمعها:

- مكنش قدامى حل تانى ومكنش ينفع ارميله الدبلة واقوله لاء.. ومكنش ينفع اضيع نفسى معاه .. كل حاجة كانت ماشية صح لو كانت امه زى منا كنت فاكرة.. لكن دى طلعت ست واطية أوى

أبتسمت هند بسخرية قائلة:

- أومال يعنى كنتِ فاكرة وليد جايبه من بره

ثم تابعت :

- بس كويس ان الحاج حسين سمعك وصدقك وكمان مهنش عليه انك يتقطع عيشك وشغلك معايا

قالت علا بنظرة تحدى :

- متقلقيش عليا.. بكره هتلاقينى رجعت اقوى من الأول .

***

- أنا معرفتش اربى الواد ده يا حسين هاين عليا أروح أموته واخلص منه

- أنا مش بحكيلك علشان تعمل فى نفسك كده يا ابراهيم

وضع ابراهيم رأسه بين يديه واستند إليهما وهو يقول بحزن:

- دى غلطتى من الأول .. أنا مخترتش أم تعرف تربي ولادى

ثم نظر إلى حسين متابعا:

- لا وأيه فاطمة واقفة تبجح فى وشى وتقولى محصلش .. البت دى كدابة .. لولا وفاء حكتلى على كل حاجة

ربت حسين على كتفه وهو يقف بجواره قائلاً:

- خلاص يا ابراهيم استهدى بالله .. المهم دلوقتى تسحب منه مفاتيحه حتى مفتاح شقتكوا ميبقاش معاه.. وتخليه تحت عينك لحد ما يعرف غلطه ويتربى بما أن الكلام والنصايح مش نافعة معاه

هتف إبراهيم فى دهشة:

- أنا اللى هيجننى ليه بيشوه سمعت بنت عمه .. وليه كان عاوز يوسف يقتنع أنها بنت مش كويسة وليه أدى ليوسف مخدرات وازاى يوسف ياخدها منه

شرد حسين فى وجوم وقال :

- متنساش ان امه مفهماه انهم مش ولاد علي الله يرحمه.. وانهم ولاد حرام علشان كده مش حاسس انهم ولاد عمه اللى المفروض يخاف عليهم

نهض إبراهيم وقال بغضب:

- الست دى مش هتقعد فى البيت ده تانى.. أنا هطلقها يا حسين وارجعها بيت أهلها

قال حسين فى أسى:

- أستهدى بالله بس.. ومتنساش وفاء.. هى ذنبها أيه تشوف امها مطلقة فى السن ده.. كفاية اللى البنت فيه من ساعتها..

وتابع وقلبه يعتصر من الألم:

- وبعدين يعنى ماهو يوسف مصدقش حاجة من اللى اتقالت واهو أتجوز مريم برضة وبيحبها .. متحملش همهم فكر بس ازاى تحاول ترجع مراتك وابنك لصوابهم بهدوء كده ومن غير انفعال.

****

شعر يوسف بالقلق عندما أعلن هاتفه عن اتصالاً من أبيه , أخذ الهاتف فى سرعة وأجاب والده:

- السلام عليكم

- وعليكم السلام..مراتك فين

عقد يوسف حاجبيه قلقاً وهو يقول:

- نايمة

- طب اسمعنى كويس .. فى حاجة حصلت وعاوز احكيهالك بس متقاطعنيش

زاد قلقه وهو يقول:

- أتفضل يا بابا خير ايه اللى حصل

قص عليه والده ما حدث بالتفاصيل , فاتسعت عيناه فى دهشة وذهول وهو يردد:

- أنا مش قادر استوعب

- ولا انا .. فى بعض التفاصيل مش قادر الم بيها برضة.. وعلشان كده كلمتك .. أكيد انت عندك حاجة اللى اسمها علا دى متعرفهاش

قال يوسف بشرود:

- أيوا يا بابا حكاية ان سلمى خدتها معاها بعد الفرح دى مريم حكتلى تفاصيلها وانا استنتجت منها أن الحكاية كانت مترتبة علشان اظن فى مريم انها بتروح شقق مفروشة

أردف والده بجدية:

- طب وحكاية انه طلع عند مريم وكان عارف انك ماشى وراه

قال يوسف وكأنه يتذكر:

- اليوم ده الصبح وقف وليد يكلمها فى الجنينة وبعدين عمل حركة كده وهو ماشى كأنه بيقولها مستنى تليفونك .. واحنا فى المكتب جالى وبعدين جاله اتصال وحسيت من طريقة كلامه أن مريم هى اللى كانت بتكلمه .. خرجت بعديه بنص ساعة ورجعت البيت وشفته نازل من عندها بيصفر وخد عربيته ورجع الشركة تانى

قال والده بحدة:

- وعرفت منين انه نازل من عندها

أجاب يوسف بتردد:

- شفت الأسانسير نازل من الدور بتاعها

هتف والده بحدة وانفعال:

- علشان انت غبى.. وهو أى حد يعمل الحركة دى خلاص نقول نازل من عندها ...عمرك ماعدت عليك كلام ربنا "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " .. أهو كان مرتب كل حاجة وكان عارف انك غبى وهتصدق وهتروح وراه والبنت المسكينة اتظلمت

صمت يوسف وهو يعلم أن والده محق بكل كلمة قالها, وشعر بحرارة الغضب تغلى وترتفع بداخله, ضغط أسنانه وهو يقول:

- أحنا هنرجع بكرا ان شاء الله وساعتها مش هرحمه .. لاهو ولا الحقيرة اللى اشتركت معاه فى كده

قال والده بسخرية لاذعة:

- ده على أساس انك معذور يعنى وانك انت كمان مشتركتش معاهم..  مع أن انت يا أخى كنت اللى هما اعتمدوا عليه علشان ينفذ حكم الأعدام فيها

أغمض يوسف عينيه فى ألم وحزن فاستدرك والده قائلاً:

- بس فأيدك تصلح علاقتك بمراتك وتخليها تسامحك.. خصوصا لما تعرف اللى حصل

قال يوسف بأسى :

- مفتكرش يا بابا انها ممكن تسامحنى ومعاها حق .. دى لسه بتخاف مني لحد دلوقتى ونايمة فى الأوضة اللى جوى وقافلة على نفسها بالمفتاح.. أنا والله مش زعلان منها.. أنا بس مش عاوزها تبقى خايفة مني كده

قال حسين بهدوء ووقار:

- طب انا هكلمها دلوقتى واحكيلها اللى حصل بالكلام اللى انت قلته دلوقتى

كاد والده ان ينهى الأتصال لولا انه سمع يوسف يقول:

- بابا... قولها اننا بعد ما ننزل مصر هاخدلها حقها من كل اللى ظلمها .. كل واحد فينا لازم ياخد جزاءه بما فيهم أنا

وضعت مريم هاتفها جانبا وهى غير مصدقة لما سمعت من عمها , تمتمت فى خفوت:

- ليه يا سلمى.. أنا أذيتك فأيه علشان تشوهى صورتى وتتفقى مع وليد عليا .. ده انتِ كنتِ صاحبتى الوحيدة وكنت بثق فيكى وماشية وراكى وانا مغمضة.. ليه تعملى فيا كده

فتحت الباب وخرجت فى اندفاع , كان يوسف يجلس على الأريكة الخارجية , وقفت أمامه فى ذهول وصرخت به:

- ليه عملتوا فيا كده ..أنا عملت فيكوا ايه .. صاحبتى وابن عمى يشوهوا سمعتى وانت تصدقهم ويخططوا علشان يخلوك تستفرد بيا وانت متخدر.. وتعملهم اللى هما عاوزينه  وتدبحنى .. ليه عملتوا فيا كده ليه

قال بصوت بعيد كأنه يخرج من أعماقه وهو ينهض فى مواجهتها  :

- أنا هاخدلك حقك مننا كلنا.. أوعدك

صرخت به ببكاء وهستيرية:

- علشان كده كنت بتقولى انتِ متستهليش الحب اللى حبتهولك يا حقيرة.. كنت شايفنى حقيرة يا يوسف .. كنت شايفنى ازاى قولى .. مدفعتش عنى ليه يا يوسف .. مخدتنيش ليه من اللى كنت فيه وضربتنى قلمين فوقتنى من اللى بعمله بسذاجة وانا ماشية وراها وفاكراها صاحبتى ... مفهمتنيش ليه حقيقة وليد.. بلاش كل ده .. مجتش ليه تسألنى هو كان عندى ولا لاء.. لو كنت طلعتلى كنت لقيتنى نايمة ومش درايانا باللى بيحصل .. لو كنت مسكت تليفونى مكنتش هتلاقى ولا مكالمة واحدة لوليد.. لو كنت طلعت ورايا  كنت هتلاقينى قاعدة بره مع سلمى لوحدنا وهما جوى .. مواجهتنيش ليه باللى بتسمعه عني ... وحتى لو كنت اتأكدت انى مش محترمة.. أيه اللى يديك الحق انك تعمل فيا كده.. انت أيه الفرق بينك وبين وليد وسلمى ..انتوا التلاتة أحقر من بعض

ظلت تتكلم وكأنها تهزى ودموعها تنهمر على وجنتيها وتطلق لنفسها العنان فى رحلة بلا عودة :

- ده انا لما دخلت البيت ولقيت الدنيا ضلمة كنت مرعوبة.. وكنت عماله افكر أرجع استناهم فى الشارع لحد ما سمعت صوتك حسيت بالأمان .. من كتر الأمان اللى حسيت بيه مقدرتش احس بالتغيير اللى كان فنبرة صوتك .. حسيت ان صوتك مش طبيعى كأنك نايم لكن كان يكفينى انه صوتك علشان احس انى كويسة وانى فى حمايتك ..

ألتفتت إليه من بين دموعها وهى تهتف بغضب:

- حتى لما شدتنى ليك.. انت عارف انا فكرت انك عاوز تتخانق معايا علشان كنت بهزر مع ولاد خالتها فى الفرح وانى مشيت معاها.. أتصورت انى نجحت اخاليك تظهرغيرتك عليا.. كنت فاكراك هتشدنى وتدينى بالقلم وتزعقلى وفى الآخر تعترفلى بحبك .. وفعلا اعترفت بحبك لكن وانت بتدبحنى يا يوسف .. مصعبتش عليك طيب بعد ما أغمى عليا وبقيت من غير اراده مصعبتش عليك...

وفجأة بدأت فى ضرب صدره ضربات متتالية بقبضتها الصغيرة وهى تصرخ :

- مصعبتش عليك يا يوسف .. مصعبتش عليك

تركها تضربه وأغمض عينيه وصدره يعلو ويهبط بأنفاس متلاحقة والنار تتأجج وهربت دموعه من سجنها وتحررت من مقلتيها , أنهارت مريم تمامًا ولم تتحمل قدماها أكثر من هذا تخلصت فورا من هذا الحمل الثقيل وتخلت عنها , كانت بين الحلم والواقع, لا تعرف هل تحلم أم لا, خارت قواها بشكل كامل وهى تسقط بين يديه , حملها بين ذراعيه وأدخلها غرفتها وسدحها على فراشها .

ظل ينظر إليها ويتفحصها , لم يكن يعلم هل هى فاقدة الوعى أم أن طاقتها نفذت ولا تقدر على الحراك, سقطت دمعة من عينيه على وجنتها فمسحها ببطء ومسح على شعرها وجلس بجوارها لا يدرى ماذا يفعل , شعر أن أنفاسها انتظمت وأخذت تتنفس فى هدوء فعلم بأنها سقطت فى نوم عميق.

ظل جالسا بجوارها حتى سمع صوت أذان الفجر , قام وتوضأ ووقف يصلى , هربت الآيات من صدره إلا ثلاث آيات من سورة الفرقان ظل يرددها مرارًا وهو يبكى بشدة

 " وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27(
يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29(

أستيقظت مريم على صوت بكاءه وشهقاته المتلاحقة , أعتدلت على فراشها وضمت ساقاها إليها وهى تنظر له وتسمعه يرتل نفس الآيات ويبكى, لمست الآيات قلبها وشعرت وكأنها أُنزلت من أجلها, وجدت الدموع طريقها إلى عينيهامجدداً وسقطت على وجنتيها فى صمت حتى انتهى يوسف من صلاته.

ألتفت إليها فوجدها قد استيقظت وتجلس مصوبة نظرها إليه ودموعها تنهمر فى سكون أقترب منها وحاول أن يجفف دمعها ولكنها دفعته بعيدًا, جلس بجوارها على الفراش قائلا :

- أنتِ معاكى حق فى كل كلمة قلتيها .. وماليش أى عذر ولو عندى عذر هيبقى أقبح من ذنبى .. بس انا الغيرة كانت هتقتلنى يا مريم .. يا مريم انتِ كنتِ أول حب فى حياتى وانا ماليش خبرة غير فى شغلى وبس .. ولا اعرف حاجة عن الحريم ولا كنت احب اتعامل معاهم غير من بعيد لبعيد ... فجأة لقيت نفسى بحبك وفى نفس الوقت مش راضى عن تصرفاتك ولا عن لبسك .. مكنتيش بتحسى بيا وانا بتخانق معاكى على لبسك وتصرفاتك ؟ .. كنتِ حاسة انى غيران وبرضة كنتِ بتتمادى كأنك مش هامك النار اللى جوايا.. كنت حاسس انك ملكى ومينفعش أى حد تانى يشوفك ولا يلمسك بس مكنتش قادر اتكلم .. وليد نفسه حس باللى جوايا وعلشان كده استغله لصالحه علشان يشككنى فيكى أكتر واكتر.. يوم ما كان واقف يهزر معاكى فى الجنينة وتضربتى كفك بكفه وهدومك لازقة عليكى من الميه كنت حاسس انى ممكن اقتلك واقتله.. عقلى طار مكنتش عارف افكر.. كل اللى مسيطر عليا الغيرة.. أحساسى انك بتخونينى  فضل يكبر جوايا لحد يوم الحادثة.. كنتِ واقفة فى الفرح مع الشباب بطريقة خلتنى كنت هروح اشدك من ايدك قدام كل الناس واضربك انتِ وهما.. فضلت ماسك نفسى وكل ما تيجى عينك فى عينى تبصيلى باستفزاز تجننينى اكتر.. مكنتش قادر افكر فى حاجة خالص لدرجة انى أخدت منه الحبوب دى والسجاير وانا عمرى ما شربتها من غير وعى .. ولا فكرت انى بدمر نفسى ولا ان ممكن ده يحصل ..كل اللى كنت عاوزه انى اطفى النار اللى جوايا بأى حاجة تغيبنى عن الوعى.. طلعت وراكوا بالعربية وانا كان كل هدفى انى أراقبك واعرف انتِ رايحة فين.. ولما كلمت البواب اتجننت اكتر لما عرفت انها شقة مفروشة.. ساعتها قررت انى اطلعك من حياتى تماما وانساكى بس بعد ما انتقم لقلبى منك .. لكن صدقينى عمرى ما فكرت انى هعمل فيكى كده.. أكبر حاجة فكرت فيها انى أطفى النور وارعبك وبالكتير أوى اقولك اللى قلتهولك ساعتها وخلاص.. لكن معرفتش اسيطر على حاجة بعد ما شديتك لحضنى.. فجأة لقيت نفسى خارج سيطرتى وابتدت دماغى تلف أكتر وافقد تركيزى واحدة واحدة.. حسيت انى ميت و أعصابى كلها متجمدة كأنى لا شايفك ولا سامعك لكن حاسس بيكى بين ايدى وبس ..

كانت تستمع له بدموعها المنهمرة على وجنتها وتشيح بوجهها بعيدًا عنه وهى ضامة ساقيها , كأنه فصل قلبها شطرين بسكين كلماته التى كانت تشعر بصدقها, شطر يصدقه ويشعر به وشطر يكرهه ولا يجد له مبررا , وكأن الشاعر عبد الله الفيصل يجلس بينهما قائلا

عَلَى أَنِّي أُغَالِطُ فِيكَ سَمْعِي  وَتُبْصِرُ فِيكَ غَيْرَ الشَّكِّ عَيْنِي

وَمَا أَنَا بِالمُصَدِّقِ فِيكَ قَوْلاً  وَلَكِنِّي شَقِيـتُ بِحُسْنِ ظَنِّي

 

****
الفصل الثلاثون

نهض يوسف مهزوماً أمام والده الذى وقف بعصبية شديدة وهو يهتف بانفعال:

- ازاى تعمل كده.. ازاى تطلقها من غير ما تقولى

تابع يوسف بحزن شديد:

- هى اللى أصرت يا بابا.. كانت حالتها صعبة ومكنش ينفع اقولها لاء.. لو كنت قلت لاء كانت انهارت أكتر ..لكن انا اشترطت عليها ان محدش يعرف بحكاية الطلاق دى لحد ما نرجع ونقولك الأول وهى وافقت

زفر والده وهو يستعيد جلسته الأولى خلف مكتبه وهو يقول :

- أستغفر الله العظيم يارب ..كل ما احلها تتعقد

ثم نظر إلى يوسف وتابع :

- وهنقول ايه للناس .. اخواتك واخواتها .. هنقولهم ايه سبب الطلاق بعد كام يوم .. كده هيفتكروا أنك لقيتها فيها حاجة

نهض يوسف وافقا وقال دون أن ينظر إليه:

- صدقنى يا بابا مكنش قدامى حل تانى

أسند والده ظهره إلى المقعد وأغمض عينيه وهو يستغفر وفجأة فتح عينيه قائلا:

- الحمد لله ربنا ألهمنى الحل

ألتفت له يوسف بنظرة متسائلة فأردف والده :

- أنتوا هتعيشوا مع بعض زى ما انتوا كده فشقتكوا عادى .. كأنكوا لسه متجوزين ومحدش هيعرف حكاية الطلاق دى دلوقتى خالص

زادت حيرة يوسف وهو ينظر لوالده قائلا:

- أزاى يابابا نعيش مع بعض وانا مطلقها

أبتسم والده وهو ينهض وافقا ويشير إليه أن يتبعه , خرج حسين من غرفة مكتبه وصعد هو ويوسف إلى مريم.

طرق الباب ففتحت , لم تكن قد أبدلت ملابسها بعد رغم الأرهاق الذى تشعر به من آثر السفر زاغت نظراتها بينهما فقال حسين مبتسما:

- مش هتقوليلنا أتفضلوا ولا ايه يا مريم

أفسحت الطريق أمامهما وهى تقول بخفوت :

- اتفضلوا

جلس حسين وهو يقول :

- أزاى تصممى على الطلاق كده يامريم من غير ما ترجعيلى .. فى بنت تطلب الطلاق من غير ما تاخد رأى ابوها

صمتت مريم وهى تتحاشى النظر ليوسف ثم قالت:

- سامحنى يا عمى بس انا مش هقدر استحمل اكتر من كده

نهض وافقا امامها وقال وهو ينظر لعينيها:

- طب واخواتك والناس كلها هيقولوا ايه دلوقتى

أشاحت بوجهها بعيدا وهى تقول بانفعال:

- اللى عاوز يقول حاجة يقولها .. أنا أصلا كده كده سمعتى متشوهه لوحدها

أطرق يوسف إلى الأرض  فى ألم فقد فهم ما ترمى إليه فتابع حسين حديثه إليها :

- تفتكرى إيهاب هيسكت لما يعرف ان أخته اطلقت بعد دخلتها بكام يوم.. أنتِ يابنتى كده هتقوملنا حريقة فى البيت

صاحت وهى تستند إلى أقرب مقعد أمامها وهى تقول:

- كفاية ضغط عليا يا عمى .. أنا مش هقدر استحمل اكتر من كده.. مش عاوزه ابقى على ذمته يوم واحد بعد كده.. وعمرى ما هوافق ارجعله أبدا مهما حصل

لف حسين ذراعه حول كتفها مهدئا أياها وقال بهدوء:

- ومين قال انك هترجعيله .. أنا مقلتش كده

قالت وهى تلتفت إليه:

- أومال حضرتك بتقولى كده ليه

ربت على كتفها وقال بحنان :

- بقولك كده علشان تتقبلى الحل الوحيد اللى هيرضيكى.. وفى نفس الوقت هيمنع المشاكل اللى ممكن تحصل لو حد عرف بالطلاق دلوقتى

- حل أيه

قال حسين بهدوء:

- شرع ربنا يابنتى بيقول ان الست اللى بتطلق طلاق رجعى تفضل قاعدة فى بيت جوزها لحد فترة العدة ما تخلص

وقف يوسف قائلا:

- يابابا طب ماهي هي .. منا هنزل أعيش معاكوا تحت وبرضة الكل هيسأل ليه

ألتفت إليه والده قائلا:

- ومين قالك انك هتعيش معانا تحت.. انت هتعيش فى بيتك برضة معاها.. لحد فترة العدة ما تخلص

نظرت له مريم بذهول وهتفت:

- وانت يا عمى ترضى كده لفرحة

أومأ برأسه قائلا:

- أيوا ارضاه.. علشان ده شرع ربنا مش حاجة جايبها من عندى

تدخل يوسف مستفهما:

- ازاى يابابا

جلس حسين وبدأ فى شرح الأمر قائلا:

- الآية الكريمه فى سورة الطلاق بتقول

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا )

يعنى يابنتى شرع ربنا اللى ناس كتير نسيته دلوقتى بيقول ان الست اللى تطلق طلاق رجعى تفضل قاعدة مع جوزها فى بيتها زى ما كانت بتقعد معاه بالظبط وهما متجوزين .. يعنى تقعد بلبس البيت عادى .. وتكلمه ويكلمها وكأنه زوجها لكن بدون جماع .. عرفتى بقى ليه بقولك اه ارضاه لبنتى .. لأن ده شرع ربنا وأمر من ربنا انها متخرجش من بيتها بعد الطلاق الرجعى لاء دى كمان لو خرجت تأثم

صمتا يوسف ومريم وهما يستمعان لأول مرة لهذا الحكم الشرعى الذى لم يكونا يعلما عنه شيئا من قبل , أردف حسين قائلا:

- علشان كده بقولك الحل ده هو أفضل حل هيمنع الخلافات .. وفى نفس الوقت هيريحك لأنه هيفضل مطلقك زى ما انتِ عايزة .. ولما العدة تقرب تخلص نبقى نشوف ساعتها هنعمل أيه بس يكون عدى وقت .. مش الناس تعرف انكوا اطلقتوا بعد دخلتكوا بكام يوم

تنحنح يوسف بحرج وقال بتردد وهو يتحاشى النظر إليهما :

- بس يا بابا أنا مدخلتش بيها يبقى مالهاش عدة  أصلا
أشاحت بوجهها بعيداً بينما قال حسين بنفاذ صبر:

- فى حاجة اسمها عدة احترازية ودى بتطبق على الحالات اللى زى حالتكوا كدة .. لما بيحصل فرح ويتقفل عليهم باب واحد والناس كلها بتبقى عارفة انها دخلة .. لما بيحصل طلاق بعدها حتى لو مدخلش بيها بيطبق عليها العدة الاحترازية اللى بقولكم عليها دى

قالت مريم فى شرود:

- بس يا عمى انا طلبت الطلاق علشان مش عاوزه اعيش معاه فى مكان واحد.. يبقى انا كده عملت ايه

أومأ برأسه متفهما وقال:

- انا فاهمك يا مريم.. بس ده دلوقتى حكم ربنا مش حكمى انا.. وإذا كان فى أيدك تنفذيه .. وإذا كان فى أيدك توافقى عليه وتمنعى مشاكل ممكن تحصل .. يبقى  ليه متجيش على نفسك شوية ؟ وبعدين دى فترة العدة يعنى بعدها هتبقى حرة خلاص .

تدخل يوسف بشكل حاسم قائلاً:

- متقلقيش يا مريم.. أنتِ فكل الأحوال مش هتشوفينى تانى.. أنا وعدتك انى اخدلك حقك من اللى ظلمك وأولهم انا.. وأنا هوفى بوعدى ليكى  والنهاردة مش بكره

تركهم يوسف وفتح الباب وخرج مسرعًا , هبط الدرج بسرعة كبيرة وهو ينوى الوفاء بوعده .

*****

وفى الصباح وأثناء متابعته لأعماله فى انهماك شديد جاء أتصال داخلى من مديرة مكتبه الذى أجابها دون أن يرفع عينيه عن الأوراق التى بين يديه, فقالت :

- فى واحد على التليفون عاوز حضرتك وبيقول انه من النيابة

قطب حسين جبينه وقال بقلق:

- وصلينى بيه

وبعد دقائق خرج حسين ملهوفا من مكتبه وهو يقول للسكرتيرة:

- أجلى أى شغل دلوقتى لحد ما ارجع

جلس أمام يوسف بلوعة شديدة وقال:

- أيه يابنى اللى خلاك تعمل كده

تدخل وكيل النيابة فى الحديث قائلاً:

- والله يا حاج حسين لولا سمعتك الطيبة وسمعت شركاتك اللى مفيش عليها غبار مكنتش  اتدخلت فى الموضوع بشكل ودى .. وكنت مشيت فى المحضر بشكل رسمى .. لكن انا قلت أديك خبر الأول لعل وعسى

ألتفت إليه حسين بامتنان قائلا:

- جميلك فوق راسى

نهض يوسف فى انفعال قائلا:

- وانا مش عاوز الجميل ده.. أنا عاوز المحضر يمشى بشكل رسمى وانا معترف على نفسى والتفت إلى وكيل النيابة قائلا:

- ولو سمحت يا فندم والدى شاهد أثبات فى القضية دى

حاول والده أقصاءه عما يريد ولكنه هتفت بتصميم:

- لو سمحت يا بابا أنا عاوز آخد جزائى علشان ابقى عبرة .. وعلشان ربنا يتقبل توبتى

أعتدل وكيل النيابة فى جلسته وقال:

- انا قدام التصميم ده مفيش قدامى غير انى استدعى البنت اللى بتقول انك اعتديت عليها

صاح حسين بوجل :

- دى تبقى فضيحة يا فندم.. دى بنت عمه .. وكلنا ساكنين فى بيت واحد.. ازاى عسكرى يدخل البيت ويجيبها ويجى هنا ازاى

طرق وكيل النيابة بأصابعه على حافة المكتب فى تفكير ثم قال:

- خلاص مفيش مشكلة.. حضرتك ممكن تروح تجيبها بشكل ودى ولما تيجى وتدلى بشهادتها نبقى نشوف هنعمل ايه ساعتها

هاتف حسين مريم وهو فى طريقه إليها وأمرها أن تبدل ملابسها بسرعة وتهبط للأسفل وتنتظره فى الجراج , حاولت أن تعرف مريم ماذا حدث , ولماذا يريدها ولكنه قال باقتضاب :

- لما اشوفك هقولك

أبدلت مريم ملابسها فى عجلة وذهبت لتنتظر عمها بالجراج ولم يتأخر كثيرًا, استقلت سيارته وبمجرد أن اتخذت مكانها بجواره حتى قالت:

- خير يا عمى فى ايه

أنطلق بسيارته وهو يقول:

- يوسف راح النيابة قدم بلاغ فى نفسه واعترف فيه انه اعتدى عليكى

شهقت مريم وهى تضع يدها على فمها وتنظر له بذهول وقالت:

- وحبسوه

هز رأسه نفيا وهو يقول:

- لا .. وكيل النيابة مرضيش يقفل المحضر إلا لما اتصل بيا.. ولما روحت لقيته هناك مصمم ان المحضر يكمل بشكل رسمى .. ووكيل النيابة كتر خيره مرضيش يبعتلك عسكرى ولا أمين شرطة يستدعيكى علشان تقولى أقوالك وسابنى آجى اخدك بشكل ودى

مازال الذهول يسيطر عليها وهى تنظر إلى الطريق أمامها حتى وصلوا إلى مقر النيابة وبعد السماح لهم بالدخول , دخل حسين بصحبة مريم التى كانت تخطوا ببطء وهى تنظر حولها حتى وقعت عيناها على يوسف الذى يجلس على مقعد جانبيا واضعًا رأسه بين يديه وكأنه فى عالم آخر.

وقفت مريم أمام وكيل النيابة فرفع يوسف رأسه ولم يجروء على رفع ناظره إليها وهو يسمعها تجيب سؤال وكيل النيابة وتقول:

- أنا مريم يا فندم

مد يده إليها قائلا:

- بطاقتك لو سمحتى يا مريم

نظر إليها ثم وضعها على المكتب أمامه وهو يشير لهما بالجلوس قائلا:

- اتفضلى يا مريم.. اتفضل يا حاج حسين

ثم أشار ليوسف أن يأتى ويقف فى مواجهتها وقال:

- الأستاذ يوسف قدم بلاغ بيعترف فيه انه قام بالأعتداء عليكى .. ايه أقوالك

نهضت مريم واقفة فى سرعة وقالت:

- محصلش يا فندم

هتف يوسف صائحا:

- لاء حصل وانا معترف ومش هتنازل عن البلاغ وأقوالها مالهاش أى لازمة

نظر له وكيل النيابة بحدة قائلا:

- أنت هتعرفنى شغلى ولا أيه

ثم التفت إلى مريم قائلا:

- يعنى انتِ بتنفى الواقعة

أومأت برأسها بجدية وثبات وهى تقول بثقة:

- أيوا يا فندم بنفيها.. الكلام ده محصلش

هتف بها يوسف:

- حرام عليكِ .. أنتِ كده بتضيعى حقك.. أنا عاوز اتعاقب واخد جزائى حتى لو أعدام هبقى مرتاح انى رجعتلك جزء من حقك

أشاحت بوجهها عنه ونظرت إلى وكيل النيابة قائلة:

- اقدر امشى يا فندم

شبك وكيل النيابة اصابعه قائلا:

- طبعا تقدرى تمشى

ثم نظر إلى يوسف قائلا:

- وانت كمان تقدر تمشى  كده مفيش قضية من الأساس

***

وقف حسين أمام سيارته وهو يقول ليوسف بحدة :

- أركب

هز يوسف رأسه نفيا قائلا:

- سيبنى لو سمحت يا بابا

فتح حسين باب المقعد الخلفى للسيارة ودفعه داخلها بغضب شديد, أضطر يوسف أن يمتثل لأمر والده, استقل حسين سيارته وجلس خلف المقود ومريم بجواره , نظر له فى المرآة التى أمامه قائلا بغضب:

- انت هتفضل متهور ومتسرع كده لحد امتى .. رايح تبلغ فى نفسك .. عارف لو القضية دى راحت المحكمة هيحصل أيه.. هتبقى فضيحة للعيلة كلها واللى ميعرفش يعرف

قال يوسف بحزن :

- يا بابا انا كل اللى عاوزه انى ارجعلها حقها وبس

وضعت مريم يديها على وجهها وظلت تبكى بحزن شديد ومرارة , بينما انطلق حسين بسيارته عائدًا إلى المنزل

بمجرد أن دلف الثلاثة إلى الحديقة وقع نظر يوسف على وليد الذى كان خارجا من المنزل متجها للبوابة الخارجية بحنق , وبدون وعى هرول إليه يوسف وباندفاع شديد وبكل الغضب الذى يعتمل فى صدره هجم عليه ووجه له لكمة فى أنفه أرتد على أثرها للخلف بقوة ونزفت أنفه,  تلقى يوسف ارتدادته مرة أخرى ووجه إليه لكمة ثانية وثالثة أردته أرضاً وهو يترنح حتى كبله أبيه من الخلف ولف ذراعيه حوله بقوة وهو يصيح به :

- كفاية يا يوسف.. كفاية هيموت فى أيدك

حاول يوسف أن يتخلص من ذراعى أبيه ولكنه أحكم ذراعيه حوله بقوة و دفعه للمدخل الداخلى للمنزل ثم داخل المصعد الذى صعد بثلاثتهم إلى الطابق حيث شقة يوسف ومريم

حاول وليد أن ينهض ولكن لكمات يوسف القوية جعلته يفقد توازنه فترة من الزمن فلم يستطع القيام إلا بعد وقت ليس بالقصير, لجأ إلى صنبور صغير فى جانب الحديقة وجعل يغسل انفه من أثر الدماء , وما إن انتهى حتى جلس إلى الأرض ثانية  يحاول التقاط أنفاسه

كانت مريم مشدوهه لا تصدق ما يحدث منذ أن عادوا من سفرهم , نيابة وتحقيق ثم مشاجرة انتهت بدماء ينزفها وليد من وجهه , ألفتت إلى حسين الذى كان يصيح فى ولده بغضب:

- أنت ايه اللى حصلك..  أتجننت ولا أيه.. أياك تتحرك من هنا النهاردة .. أنت فاهم ولا لاء

وتركهم وغادرمغلقاً  الباب خلفه بقوة , جلست على المقعد المجاور له ووضعت رأسها بين يديها وأغمضت عينيها تحاول استيعاب ما يحدث حولها , ألقى عليها نظرة سريعة ودخل غرفة النوم , أخرج حقيبة سفر كبيرة وفتح الخزانة , أخرج ملابسه منها ووضعها فى الحقيبة بغير ترتيب  وخرج من الغرفة واتجه إلى غرفة أخرى صغيرة, وضع ملابسه وأشيائه بها  ثم ألقى بجسده على الفراش وراح فى نوم عميق

بعد دقائق ليست بالقليلة تقدمت خطوات من غرفته ونظرت نظرة جانبية من خلف الباب الذى لم يوصده فوجدته غارقا فى النوم , من الواضح بأنه لم ينم منذ ليلة أمس , ظلت تنظر اليه وهى تتذكر صياحه بها أمام وكيل النيابة لتقول الحقيقة وتتهمه بما فعل

كانت الفرصة سانحة لها أن تفعل لتنتقم منه , ولكنها لم تفعل, وهذا ما زاد عذابه وحزنه وحنقه على نفسه ومنها ومن والده , عادت لغرفتها وأوصدتها وجلست تفكر فى الوضع الجديد التى اضطرت أن تتعايش معه , ولكن شيئا ما فى نفسها كان يشعر بالإرتياح بعد الموقف الذى اتخذه يوسف من نفسه وبعد تصميمه على إعادة حقها المسلوب من نفسه أولاً

****

أستقلت سلمى السيارة بجوار وليد وقالت فى لهفة :

- مالك يا حبيبى فى أيه.. وأيه الجرح اللى تحت عينك ده

تحسس وليد عينيه وهو يقول بحنق:

- ده الزفت اللى اسمه يوسف.. خدنى على خوانة وهو عامل زى الطور كده

هتفت سلمى بدهشة:

- ويوسف عمل فيك كده ليه

تحسس أنفه بألم وهو يقول:

- ما انتِ نايمة على ودانك .. الحكاية اتكشفت يا سلمى.. يوسف ومريم عرفوا كل حاجة

أتسعت عيناها وهى تقول:

- ومريم عرفت انى معاك

قال بسخرية :

- طبعا ياختى

ثم تابع وهو ينظر أمامه ببغض:

- ومش كده وبس .. النهاردة ابويا طردنى من البيت ومن الشركة وامى بجلالة قدرها مقتدرتش تقف قدامه.. وفى الآخر سبتله البيت ومشيت

- وانت دلوقتى هتعمل ايه هتروح تقعد مع والدتك

قال بغضب:

- نعم ياختى أومال الشقة اللى انا مأجرهالك دى راحت فين

أرتبكت وهى تقول:

- موجودة طبعا .. موجودة هتروح فين.. بس هو انت يعنى هتيجى تعيش فيها

نظر إليها بتفحص قائلاً:

- ومالك اتخضيتى كده ليه .. مالها الشقة

أرتبكت أكثر واصفر وجهها عندما انطلق بالسيارة قائلا:

- وانا اقعد اسالك ليه انا هروح اشوف بنفسى

وفى الطريق أطلق ضحكة عالية وهو يقول لها:

- يابنت اللذين.. قال وانا اللى كنت فاكر انى انا السبب فى انحرافك.. أتاريكى كان عندك استعداد اصلا بس محتاجة حد يوجهك

أشاحت بوجهها وهى تقول:

- أنا مكنش قصدى على فكرة .. دى الحكاية كلها جات صدفة وعموما دى صاحبتى واللى بيجى معاها ده جوزها بس عرفى يعنى

نظر لها نظرة جانبية وقال باستهزاء:

- عرفى...

ثم أردف بخبث:

- وبتاخدى منهم كام فى الليلة تمن بياتهم فى الشقة

قالت بسرعة :

- مبخدش حاجة .. بقولك صاحبتى والراجل يبقى جوزها

قال بمكر:

- عاوزه تفهمينى انك بتبيتيهم عندك لوجه الله

تلعثمت وهى تقول:

- هما مش بيباتوا كل يوم.. ده هو يدوب تلات أو أربع أيام فى الأسبوع

حرك رأسه وهو يقول:

- يابنت الأيه..  بتعرفى تستخدمى كل الأمكانيات اللى تحت أديك بكل الطرق

لمعت الفكرة برأسه وقال:

- وماله.. فكرة برضة .. أهو الواحد يلاقى شغلانة بدل ما انا بقيت عاطل كده

قالت على الفور:

- يعنى هتستسلم كده ومش هترجع البيت تانى

قال بغل :

- لا يا أموره مش انا اللى استسلم.. مسيرى هرجع واللى هلاقيه قدامى هتبقى امه داعية عليه

***

لم يكن عبد الرحمن يصدق ما يسمع وهو ينظر إلى فرحة وإيمان ووالدته ووفاء فهتف بدهشة قائلا:

- معقول اللى بسمعه ده.. ووليد يعمل كل ده ليه.. أيه اللى بينه وبين يوسف ومريم علشان يخطط كل التخطيط ده

قالت وفاء بانكسار:

- وليد اضايق لما حس ان يوسف بيحب مريم.. وماما بقى الله يسامحها كانت مكرهاه فى ولاد عمى من زمان ومكنش عاوز أى حاجة بينهم تتم

ألتفت لها عبد الرحمن متسائلا:

- واشمعنى مريم ويوسف يعنى.. طب ما انا اتجوزت إيمان وإيهاب اتجوز فرحة

قالت :

- أنا كنت حاسة من زمان ان مريم عجباه.. لكن مكنتش افتكر أبدًا انه هيعمل كده لما ترفضه

زاغت نظرات فرحة بينهم ثم قالت برجاء:

- أرجوكوا محدش يجيب سيرة لإيهاب عن اللى حصل .. إيهاب متهور وممكن يعمل حاجة فى وليد واخسره للأبد .. والحمد لله هو شغله بعيد ومبيرجعش غير متأخر أوى يعنى مش هيحس بحاجة

نظرت وفاء نحو إيمان وقالت :

- أنا آسفه يا إيمان.. مش عارفة أودى وشى منكوا فين .. لكن انا خلصت ضميرى وحكتلكوا على اللى عرفته

ربتت عفاف على ظهرها قائلة:

- مكنش فى داعى يابنتى

قالت بحزن:

- لاء فى يا طنط عفاف .. لما بابا طرد وليد سمعته بيتوعد مريم ويوسف .. خفت عليهم وانا عارفة وليد شرانى .. كان لازم تعرفوا علشان تخلوا بالكم منهم وخصوصا من مريم

وضعت إيمان كفها على صدرها قائلة بأسى ممتزج بالخوف:

- هو فى كده فى الدنيا معقول

أطرقت وفاء رأسها وقالت بخفوت:

- أنا اتصلت على عماد وقلتله يعجل بالجواز .. أحنا المفروض مكناش هنتجوز قبل شهرين لكن انا خلاص مبقتش قادرة اقعد فى البيت ده.. وهو قدر الظروف ووعدنى انه هيكمل اللى ناقص بسرعة ونتجوز بالكتير بعد أسبوعين وقلت لبابا وهو وافق

نهض عبد الرحمن بحدة قائلا:

- متعرفيش وليد ممكن يروح فين بعد ما مشى من البيت يا وفاء

وقفت إيمان بقلق وصوبت والتفتت نحوه وقالت بلهفة:

- عبد الرحمن أرجوك .. ملكش دعوه بيه

أعاد سؤاله مرة أخرى على وفاء وكأنه لم يسمعها فلمعت عيناها بالدمع قائلة:

- أرجوك يا عبد الرحمن انا ماليش غيرك...

بينما قالت وفاء:

- لا معرفش

نظرت إليه والدته قائلة :

- أسمع كلام مراتك يا عبد الرحمن .. وبعدين الحكاية خلصت وابوه طرده

قال بجدية:

- وانتِ فاكره انه هيسكت يا ماما

قالت :

- خلاص ناخد بالنا وخلاص .. لكن مش نروحله احنا لحد عنده يابنى

هتف قائلا بانفعال:

- اللى حصل ده مش حل يا ماما.. كده الموضوع هيفضل متعلق ..لازم نحسمه علشان نخلص .. وبعدين يعنى انتوا شايفنى هروح اقتله

تعلقت إيمان بذراعه قائلة :

- أرجوك اسمع كلامنا ..

نظر إلى عينيها فوجدها ترجوه بشدة فربت على وجنتها بحب قائلا:

- متخافيش يا حبيبتى.. انتِ عارفة انى مش متسرع.. وبعدين انا معرفش مكانه لحد دلوقتى

قالت وقد أفلتت دمعة من عينيها:

- طب على الأقل استنى لما النفوس تهدى وبعدين ابقى دور عليه .. بلاش دلوقتى علشان خاطرى

أفلت ذراعه التى كانت متعلقة بها وأحاطها بها وضمها إليه وقبل رأسها قائلا:

- حاضر يا حبيبتى ..مش عاوز اشوفك متوترة كده وخايفة

***

مر الأسبوعين وأضطرت فاطمة إلى العودة للمنزل لحضور حفل زفاف ابنتها , فى هذه الفترة كانت مريم لا ترى يوسف تقريبا , كان يخرج باكرًا جدًا ولا يعود قبل منتصف الليل فيدخل غرفته ولا يخرج منها إلا وقت أذان الفجر , لم تكن تسمع صوته إلا مرة واحدة  عندما يطرق باب غرفتها قائلا:

- الفجر يا مريم قومى صلى

ولم تكن تراه إلا حين عودته من صلاة الفجر وهو يلقى عليها السلام ذاهبا إلى غرفته مرة أخرى , حتى أيام العطلات لم يكن ليبقى فى المنزل حتى لا يضايقها بل كان يتطوع مكان عبد الرحمن ليسافر فى عمليات التخليص الجمركى

***

كان حفل الزفاف فى أضيق الحدود لم يحضرها سوى المقربين فقط من العائلتين واضطر حسين إلى الضغط على أولاده وأزواجهم لحضور الحفل من أجل وفاء ووالدها فقط , جلست فاطمة بالقرب من ابنتها ولم تتحرك إلا لمصافحة المدعوين ببرود.

ضغطت إيمان على يد زوجها قائلة يعتاب:

- انت مش هتبطل تبصله بقى.. الراجل مش عارف يودى وشه منك فين.. شيله من دماغك بقى

ألتفت إليها  وقال بجدية:

- وهو يهمك فى حاجة يا هانم

أبتسمت بحب قائلة:

- اه يهمنى .. يهمنى انك تعرف انى بحبك انت وبس

لانت ملامحه كثيرا وقال بخفوت:

- من ساعة ما شفته بيبصلك أول مرة لما اخوه جه يتقدم لوفاء وانا بكرهه لله فى لله ومبطيقهوش

قالت مداعبة:

- بس انا بقى بتبسط لما بشوفه

ضغط على يدها بقوة وقطب جبينه قائلا:

- نعم بتتبسطى لما بتشوفيه

أبتسمت بألم وهمست تشاغبه قائلة:

- أصله بصراحة لى عليا فضل كبير أوى.. من ساعة ما شوفته بيبصلى وانت بقيت تغير عليا وتحبنى

نظر لها بتأمل وعمق يتفرس فى ملامحها عن قرب وقال :

- لا انا كنت بحبك من قبلها بكتير بس انا مكنتش عارف

أسندت رأسها إلى قبضتها برقة قائلة:

- وأيه بقى اللى خلاك تاخد بالك

تنهد بارتياح وقال بثقة:

- ربنا..

نظرت له بعينين حائرتين فتابع قائلا:

- ربنا رزقنى حبك يا إيمان وأنا مكنتش لاقى تفسير لده .. لحد ما قربت منك اكتر واكتر وعرفت انتِ قد أيه قريبة من ربنا وانك بتلجأى له سبحانه وتعالى فى كل شىء كبير أو صغير ومبتشتكيش لحد غيره  .. وساعتها عرفت معنى الحديث اللى بيقول(من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة)

ساعتها بس عرفت ليه ربنا طوعلك قلبى وبقيت احس بيكى فى دمى وان ربنا حط حبك فى قلبى ومن غير مقدمات لقيت نفسى بعشقك ومبقتش اقدر استغنى عنك زى ما اكون بحبك من سنين

كانت ايمان تستمع إليه وعيونها تنطق بالحب والهيام , تعلقت عينيهما ببعضهما البعض لفترة طويلة وهما تبوحان بالكثير, قطع صمتهم المتحدث هذا زفرته القوية وهو مازال يتفحصها وقال بعذوبة:

- هو مش احنا حضرنا وعملنا الواجب ماتيجى نمشى بقى

ضحكت وقال برقة:

- أحنا لحقنا !

قال بنظرة تعرفها جيدًا:

- أنا بقول نروح بقى.. أصل احنا مخلصناش موضوع السياحة بتاعنا

أبتسمت وقد احمرت وجنتاها وقالت:

- هو الموضوع ده مش هيخلص ولا ايه دى مكانتش كلمة دى

مط شفتيه وهو يمسح على وجنتها بيد ويضغط برفق على يدها الأخرى وقال :

- لا طبعا مبيخلصش .. أنا راجل بحب الأتقان و الشفافية !

***

فجأه وبدون سابق أنذار شعرت مريم بالتوعك الشديد وهى تجلس إلى مائدتها هى ويوسف , أمسك يوسف كتفيها وقال بقلق:

- مالك يا مريم

ظهرت علامات الألم على وجهها وقالت بصوت متقطع:

- مغص بيقطع فى بطنى يا يوسف الحقنى

ساعدها على النهوض ولف خصرها بزراعه وأسندها إليه برفق وهو يحاول أن لا يلاحظ أحد ما يحدث , وبمجرد أن خرجت إلى الهواء استنشقته بقوة شديدة  ثم بدأت فى التقيأ إلى أن أفرغت ما فى معدتها حتى شعرت بالإعياء الشديد وخارت قواها , كانت متشبثة به وهى تسير بجواره حتى وصلا إلى السيارة ثم سقطت مغشيا عليها.

هتف بها يوسف يحاول أن يعيدها إلى وعيها ولكنها لم تستجب له , أزداد قلقه عليها ووقف حائرًا هل يدخل لينادى أختها أو والدته أم يذهب بها إلى أى مشفى قريبة , وأخيرًا قرر أن يأخذها إلى أقرب مشفى منهم

حملها وأدخلها برفق فى المقعد الخلفى وانطلق بها وقلبه ينتفض خوفا عليها , ظل يبحث بعينيه وهو يقود سيارته عن مشفى يمينا ويسارًا تارة,  وينظر إليها فى مرأته تارة أخرى وكلما ابتعد ولم يجد شيئا ضرب المقود بقوة , وأخيرًا لاحت له من بعيد لوحة مضاءة كتب عليها اسم طبيبة , لم ينتظر حتى يعرف تخصصها وإنما أوقف سيارته فى سرعة وخرج منها, فتح الباب الخلفى وأخرجها بحذر حتى لا تصطدم رأسها  وأغلق الباب بقدمه بأهمال وصعد بها, بمجرد أن خرج من المصعد ووقع بصر بعض النساء اللآتى كن يجلسن بجوار باب العيادة حتى أسرعن إليه بتلقائية وأسندوها حتى غرفة الكشف الداخلية , ألقت الطبيبة نظرة عليها وقالت بشك:

- حصلها أيه؟

قال بقلق:

- أحنا كنا معزومين فى فرح قريب من هنا وفجأة بطنها وجعتها أوى وبعدين بدأت ترجع جامد وأغمى عليها

فتحت الطبيبة جفنيها ونظرت فيهما وشرعت فى فحصها ثم التفتت إلى يوسف قائلة:

- هو حضرتك تبقلها ايه

تلعثم فهل يقول زوجها أم طليقها فحسم الأمر قائلا:

- أنا جوزها

أرتباكه لفت نظرها فنظرت له بريبة وقالت ببطء:

- طب اتفضل حضرتك استنى بره لحد ما اكشف عليها

خرج مسرعًا وأغلق الباب خلفه , أستند برأسه إلى الحائط والقلق ينهش قلبه نهشًا, أخرج هاتفه واتصل على والده وأخبره بالأمر , وبعد دقائق وجد حسين يخرج من المصعد ويقبل عليه بلهفة قائلا:

- خير يابنى

قال يوسف بلوعة:

- لسه الدكتورة بتفوقها

نظر حسين إلى اللوحة على باب العيادة وقال بدهشة:

- وجايبها عند دكتورة نسا ليه.. مودتهاش مستشفى ليه

نظر يوسف إلى اللوحة ثم عاد بنظره إلى والده وقال بضيق:

- هو انا لقيت حتة تانية يابابا ومودتهاش .. ده انا كل ما اسأل حد يقعد يبصلى ويبص عليها وهى نايمة ورا وبعدين يقولى معرفش.. وبعدين أكيد يعنى هتعرف مالها ماهى دكتورة برضة

وبعد دقائق أخرى خرجت مريم وهى تستند إلى يد مساعدة الطبيبة التى أوصلتها للخارج وأوقفتها بجوار يوسف , أستندت مريم إلى ذراع عمها وهى تبكى بشدة وتنتفض, ضمها حسين بقلق قائلا:

- الحمد لله يابنتى انك فوقتى

قالت مساعدة الطبيبة بابتسامة :

- الحمد لله كانت أغماءه عادية متتخضوش كده...

ثم ربتت على ظهر مريم قائلة بعطف:

- نفسى اعرف بتعيطى ليه دلوقتى

قالت مريم من بين دموعها وهى تشيح بوجهها :

- مفيش ... لسه بطنى بتوجعنى شوية

ربتت على ظهرها مرة أخرى وقالت بابتسامة :

- طيب ماهو ده عادى ... مش الدكتورة فهمتك كل حاجة ؟!!

***
الفصل الحادى و الثلاثون

- حمد لله على سلامتك يا بنتى ,ده انا اتخضيت أوى لما يوسف كلمنى وقالى أنك أغمى عليكى

جففت مريم دموعها وهو مازال يضمها إلى صدره بحنان وقالت بخفوت:

- ربنا يخاليك ليا يا عمى متقلقش عليا .. الدكتورة قالتلى ان يمكن اكون أكلت حاجة ملوثة و الحمد لله أنى رجعتها بسرعة

مسح حسين على رأسها قائلا:

- الحمد لله يابنتى .. يالا اركبى علشان اوديكى البيت وارجع آخد عفاف والولاد من الفرح شكلك تعبانة

تدخل يوسف قائلا:

- أرجعلهم حضرتك يا بابا علشان محدش يقلق .. وانا هوصلها

نظر لها حسين وكان يتوقع أن ترفض ولكنها قالت:

- خلاص ياعمى يوسف هيوصلنى

أبتسم وضمها للمرة الأخيرة وهو يربت على ظهرها قائلا:

- طيب يابنتى الحمد لله انى اطمنت عليكى .. يالا مع السلامة.. فى رعاية الله

أنتظرها يوسف حتى استقلت السيارة بجواره وانطلق بها عائدًا إلى البيت , كان يخطف النظرات إليها بين الحين والآخر, كانت تبدو مختلفة عن كل مره رآها فيها , نعم مازالت شاردة واجمة وكأنها فى دنيا أخرى ولكنها مختلفة , لم يستطع أن يقاوم فضوله الذى ألح عليه بشدة ليتحدث إليها :

- مـريـم

ألتفتت إليه وكأنه قد انتشلها من بئر عميق دفعة واحدة وقالت:

- ها .. قلت حاجة؟

قال مسرعاً قبل أن تهرب منه شجاعته:

- الدكتورة كانت قلقانة مني وطلعتنى بره علشان تكشف عليكى.. مقالتلكيش حاجة.. بعد ما فوقتك

ألتفتت مرة أخرى تنظر أمامها وقالت بإقتضاب:

- سألتنى  تقربلى أيه

قال وهو يخطف النظرات السريعة إليها:

- وقلتلها أيه

نظرت أمامها ولم ترد فشعر بسخافة سؤاله , صمت مرة أخرى , طال الصمت بينهما كثيرًا , حاول الحديث مرة أخرى قائلا:

- أقولك على حاجة حصلت امبارح ومحدش يعرفها لغاية دلوقتى

أنتبهت لحديثه مرة أخرى وقالت :

- حاجة أيه؟

ظهر شبح ابتسامة على شفتيه وهو يقول:

- البت اللى اسمها سلمى لبست قضية تسهيل دعارة

أتسعت عيناها وشهقت وهى تضع يدها على فمها وأخذت تتمتم:

- لا حول ولا قوة الا بالله

ثم نظرت إليه بدهشة قائلة:

- وانت عرفت ازاى؟

أتسعت ابتسامتة وهو يقول:

- ماهو انا اللى عملت الواجب ده معاها

لم تكد تصدق ما تسمع وهى تنظر إليه بحيرة , قطبت جبينها وقالت بضيق:

- وانت عرفت ازاى حاجة زى كده علشان تبلغ عنها أصلا

شرد وهو يقول ببغض :

- زى ما وليد عارف مداخلى وطريقة تفكيرى وعرف ازاى يقنعنى بكل اللى كان عاوزه .. أنا كمان عارف مداخله كويس أوى.. علشان كده عرفت اوصله بسهولة واعرف هو راح فين بعد ما ابوه طرده .. وساعتها كان سهل عليا اعرف انه عايش مع سلمى فى شقة مأجرها .. فضلت وراهم لحد ما عرفت انهم بيشغلوا الشقة دى فى أعمال منافية للأداب.. وفرصتى جات لحد عندى علشان أوفى بوعدى ليكى واخدلك حقك

كانت تنظر أمامها  بذهول وهى تستمع إليه وقالت ببطء:

- يعنى وليد كمان اتقبض عليه

مط شفتيه وقال بحنق:

- مع الأسف نفد منها.. الشقة طلعت متأجرة باسم سلمى وهى اللى لبست الليلة كلها

أسندت رأسها إلى زجاج النافذة وأخذت تنظر إلى الطريق من خلاله فى حسرة وهى تشعر بالحزن لأجلها ... نعم هى ظلمتها وساعدت فيما حدث لها ولكن.. ليس من السهل أبدًا أن لا تشعر بالشفقة عليها .. أغمضت عينيها وهى تستغفر وتهمس بخفوت :

- للدرجة دى.. توصل بيهم لكده

تمتم قائلا وكانه لم يسمعها :

- بس مش هيفلت مني برضة

قالت دون أن تفتح عينيها :

- سيبه لربنا... ربنا هو المنتقم الجبار

كاد أن يتكلم ولكن رنين الهاتف قاطعه , نظر سريعًا إلى شاشة هاتفه قائلا:

- ده بابا... لو سمحتى ردى يا مريم ..

نظرت إليه فقال:

- معلش نسيت السماعة فى البيت

تناولت الهاتف وأجابته:

- السلام عليكم.. أيوا يا عمى ..لا أحنا لسه فى الطريق.. أنتوا لسه طالعين دلوقتى؟.. لاء أحنا قربنا نوصل .. اه الحمد لله بخير.. ماشى يا عمى مع السلامة

وضعت الهاتف مكانة مرة أخرى فقال:

- هما طلعوا من الفندق

أومأت برأسها قائلة:

- أيوا.. عمى بيقولى راح خدهم ومشى على طول  وجايين ورانا

أبتسم بحزن قائلا:

- طبعا هو بيتصل علشان يطمنك انه جاى ورانا ومش هتروحى معايا البيت لوحدك

نظرت له ببرود ولم تجبه فتابع حديثه بسخرية حزينة قائلا:

- أبويا خايف عليكى مني

قالت بجفاء:

- لو سمحت متكلمش فى الموضوع ده تانى

صمتت لثوانى ثم قالت وهى ترفع أحدى حاجبيها بتفكير :

- لا.. ولا اقولك .. أتكلم

نظر إليها متعجبا فتابعت ببرود وجرأة:

- أحكيلى عملت فيا أيه بعد ما أغمى عليا يوم الحادثة

ضغط مكابح السيارة حتى كادت أن ترتطم بزجاجها الأمامى لولا حزام الأمان التى كانت تلفه حولها , بمجرد أن توقفت السيارة بعنف حتى استدار إليها فى غضب:

- أنتِ ليه بتحاولى تستفزينى وتخرجينى من شعورى كل شوية .. ليه كل ما احس ان ربنا قبل توبتى تفكرينى بذنبى تانى .

ثم عاد لجلسته الأولى وهدأ قليلاً ثم انطلق بالسيارة مرة أخرى, ظلا فى صمت مطبق إلى أن وصلا إلى المنزل, دخل يوسف بالسيارة فى هدوء وهو ينظر يمنة ويسرة و يقول :

- هو نور الجراج مطفى ليه

شعرت مريم بخوف يدب فى أوصالها ويقشعر له بدنها وهى تتذكر يوم الحادثة والظلام الذى كان يحيط بها فقالت فى فزع:

- مش عارفة

شعر يوسف بها وبصوتها المرتجف خوفًا فحاول طمئنتها قائلاً:

- خليكى فى العربية لحد ما انزل اشوف فى أيه

تشبثت بذراعه قائلة:

- لا متسبنيش لوحدى

فى هذه اللحظة لعن يوسف الظلام لعنات طوال , فلولاه لكان ينظر الآن لعينيها ليرى هذا الشعور الذى تمنى أن يراه فيهما كثيرًا , شعورها بالأمان بجواره , ربت على يدها بحنان قائلا:

- متخافيش .

قالت على الفور :

- لاء ارجع بالعربية نستناهم .. زمانهم جايين

ضغط على يدها برفق وقال:

- طيب تعالى أدخلك من باب الجنينة اللى قدام وابقى ارجع انا اشوف ايه اللى قاطع النور فى الجراج واركن العربية واحصلك

تشبث به مرة أخرى وهى تقول بتوتر:

- لا ..هتسيبنى لوحدى وتروح لوحدك مينفعش

خفق قلبه بشدة للمستها وقال بهدوء:

- يعنى يرضيكى يرجعوا يلاقونى واقف مستنيهم علشان النور بايظ ..  هيبقى شكلى وحش أوى

أضطربت كثيرًا وترددت وهى تقول:

- خلاص هاجى معاك

كان يتمنى أن تتطول هذه اللحظة أكثر من هذا ولكنه أحب طمئنتها أكثرمن حبه لبقائه معها فقال بخفوت:

- طيب خلاص اطمنى عموما كلهم طالعين بعربياتهم يعنى الجراج فاضى ..هنور كشافات العربيه لحد ما اركن وبعدين انزل اشوف سكينة الكهربا

قالت وهى تبتلع ريقها الجاف :

- طيب

زحف بالسيارة قليلا داخل الجراج إلى أن وضعها جانبا ثم ترجل من السيارة وماهى إلا ثوان حتى سمعت مريم صيحة مكتومة لا تحمل سوى الألم  :

- آآآآآآآه

أرتدعت بقوة وهى تصرخ:

- يوسف

لم تلقى جوابا وهى ترى على ضوء السيارة ظلاً يركد خارج الجراج ويعدو نحو الباب الذى يفصل الحديقة الداخلية عن باب المرآب , ظلت تصرخ باسمه :

- يوسف .. يوسف رد عليا ..

لم تستطع أن تنتظر أكثر من هذا , خوفها عليه غلب فزعها من الظلام , ترجلت من السيارة ببطء شديد وتعلو شهقاتها من شدة البكاء خوفا وفزعا وترقبا وعندما دارت حول السيارة   سمعت صوت تأوهاته المكتومة ,  رأته يزحف بجوار السيارة فى اتجاهها وخيل لها أن قميصه قد تلطخ بالدماء , أقتربت منه وجلست إلى الأرض بجواره وهى تهتف بلوعة :

- يوسف .. مالك؟

تمتم بأنفاس متقطعة :

- أنتِ كويسة؟

حاولت أن تساعده على النهوض ولكنها لم تستطع, وفجأة أقتربت أضواء كثيرة فى طريقها للدخول إلى الجراج , وقفت تنظر إلى السيارات القادمة فتبين لها انها سيارات أخوتها وعمها , فأخرجت كل ما فى صدرها من خوف وفزع كانت تكتمه فى صرخاتها وهى تصيح بهم :

- ألحـقونا...ألحـقونا

توقفت السيارات وترجل منها الجميع فى فزع باتجاه الصوت , أول من وصلا إليها كان إيهاب وعبد الرحمن , صرخت عفاف وهى تسرع باتجاه يوسف المسجى على الأرض مدرج فى دماءه  وبجواره مريم تسند رأسه على ركبتيها , صاحت بها :

- مين عمل فيه كده يا مريم ...

أسرع عبد الرحمن بالأتصال بسيارات الأسعاف بين صرخات وشهقات النساء, وإيهاب يهتف به:

- مش هينفع نستنى لما الأسعاف تيجى تعال شيله معايا نوديه أقرب مستشفى

وماهى إلا ثوان وسمع الجميع صوت ارتطام شديد اهتزت له الأرض التى يقفون عليها وكأن المنزل انهار بأكمله أو ضربه زلزال شديد , وبعد ساعة كانت سيارات النجدة والأسعاف تحيط بمنزل آل جاسر

***

وقف الجميع فى الممر المؤدى إلى غرفة العمليات التى يرقد يوسف داخلها , أخطلطت مشاعرهم بين الحيرة والتسائل والفزع والخوف والألم والحزن , تحركت إيمان باتجاه عفاف التى كانت تبكى بين ذراعى زوجها وتتمتم بالدعاء وقالت هى تربط على ظهرها:

- أنتِ مكانك مش هنا دلوقتى يا طنط .. تعالى نروح نصلى وندعيله لحد ما الدكتور يخرج يطمنا

نظر حسين إلى إيمان ثم نظر إلى عفاف وقال وهو يجفف دموعه:

- أسمعى كلامها يا عفاف .. روحى صلى وادعيله احسن من وقفتك هنا مية مرة ولما الدكتور يخرج هاجى اندهلك على طول

أومأت برأسها وقالت وهى تبتعد عنه وهى تبكى :

- أول ما يخرج تعالى على طول

- حاضر

ذهب عبد الرحمن إلى والده قائلا:

- بابا تعالى اقعد شوية انت واقف على رجلك من بدرى

أستند حسين إلى ذراعه قائلا:

- أرتاح ازاى بس مش لما نطمن على اخوك

قبض عبد الرحمن قبضته فى غضب وعينيه تحدق بالفراغ قائلا:

- أنا غلطان اللى سمعت كلام ماما وإيمان وسيبته.. كان المفروض اعلمه الأدب .. وادى النتيجة.. يضرب اخويا بسكينة فى الضلمة ... الجبان

شد حسين على ذراعه وقال:

- أمسك نفسك يا عبد الرحمن .. أهو ربنا اداله جزاءه.. فى ساعتها

ثم انتبه متسائلا:

- عمك لسه ما اتصلش؟

حرك عبد الرحمن نفيا قائلا:

- آخر مره كلمنى كان من ساعة ولسه واقفين قدام العمليات .. ربنا ياخده ونرتاح من شره

قال حسين على الفور بضعف:

- متدعيش عليه يا عبد الرحمن.. ده عمك ممكن يروح فيها .. روح يالا شوف اختك.. جوزها مش عارف يسكتها ..

وقبل أن يذهب عبد الرحمن ألتفت إليه قائلا بانتباه:

- فين مريم؟

تلفت حسين حوله وقال :

- كانت هنا من شوية .. روح انت حاول تهدى اختك وانا هادور عليها

كانت تجلس على الأرض بجوار غرفة العمليات وهى ضامة ساقيها إلى صدرها وتستند رأسها إلى الحائط للخلف وقلبها يتمزق لوعة عليه , تسكب دمعها وهى تتمتم بتضرع إلى الله سبحانه وتعالى فى خفوت:

- يارب نجيه.. يارب انا مسمحاه على أى حاجة يارب نجيه يارب ... يارب علشان خاطرى

أقترب حسين منها ووضع يده على كتفها قائلا :

- قومى يا مريم قومى يابنتى ..

رفعت راسها إليه وهى تقول ببكاء متقطع:

- يوسف يا عمى .. يوسف هيضيع

أنهمرت دمعة كانت حبيسة عينيه وأطلقتها كلمات مريم , أمسك كتفيها وساعدها على النهوض واقفة  , ضمها إليه وهو يمسح على رأسها بوهن:

- أدعيله يابنتى.. أدعيله ربنا ينجيه

قالت وهى تسكب العبرات فى صدره :

- والله العظيم بدعيله من كل قلبى

رفع رأسها إليه ونظر إليها بضعف ورجاء قائلا:

- سامحيه يا مريم سامحيه علشان ربنا يسامحه

قالت فى خفوت:

- أسامحه على أيه يا عمى .. يوسف معمليش حاجة

قال فى أسى:

- انا قصدى على الحادثة يابنتى...

ثم تركها واستند إلى الجدار بكفه وأطرق برأسه بحزن قائلا:

- أنا عارف ان اللى عمله صعب تسامحيه عليه .. وعارف انك عمرك ما هتنسى أبدًا .. لكن ده دلوقتى بين إيدين ربنا ومحدش عارف هايطلع منها ولا لاء

تقدمت منه ووضعت كفها على كتفه قائلة:

- أرفع راسك يا عمى متعملش كده فى نفسك.. مفيش حادثة من الأساس يا عمى .. يوسف ملمسنيش

****
الفصل الأخير

 

ألتف الجميع حول فراش يوسف فى غرفته بداخل المشفى وهم يستمعون إلى الطبيب الذى يتكلم بابتسامة مطمئنة:

- الحمد لله .. الجرح مكنش عميق بدرجة خطيرة .. مش محتاجين العناية المركزة

فتح يوسف عينيه بضعف , كانت الصورة مشوشة أمامه غير واضحة المعالم بعد وبعد دقائق استطاع الكلام بوهن فقال وكأنه يهزى:

- مريم.. أنتِ هنا؟

أقتربت منه وربتت على كفه بهدوء قائلة بخفوت:

- حمد لله على السلامة

حاول أن يستوضح ملامحها بصعوبة وأعاد سؤاله مرة أخرى:

- حصلك حاجة؟

قالت بصوت مبحوح:

- الحمد لله انا كويسة.. المهم انت

أبتسم بضعف وهو يغمض عينيه بألم فأقبلت والدته فى لهفة وهى تقبل رأسه وتقول :

- ألف حمد لله على سلامتك يابنى .. أنا مش عارفة ده كان مستخبلنا فين

بدأت الصورة تتضح أمام عينيه وهو ينظر لوالدته وقال بضعف يحاول أن يداعبها:

- كان مستخبلنا فى الجراج

قالت فرحة التى تجلس عند قدمه على طرف الفراش:

- انت فيك حيل تهزر يا أخى موتنا من الخوف عليك

تابع عبد الرحمن قائلا:

- ياستى سبيه يهزر الحمد لله انه كويس

بحث يوسف عن وجه أبيه بين الوجوه الدامعة :

- فوجده مصوباً بصره إليه بلهفة وابتسامة حزينة , تعلقت أنظارهما ببعضهما البعض ,شعر يوسف أنه أحب تلك الطعنة لما رآه أخيرًا من عطف أبيه الذى كان يفتقده, فلقد كانت لها الفضل عليه أن يسترجع نظرة حنان فى عينيى أبيه , كان ينظرإلى عينيه ينتظر كلماته الحنونة, لم يبخل عليه والده ولم يجعله ينتظر قليلا  فقال:

- حمد لله على سلامتك يابنى

تنهد يوسف بارتياح وقال وهوينظر إليه بحب:

- الله يسلمك يا بابا

قبض على كف مريم بوهن وهو يوجه حديثه لعبد الرحمن:

- وليد هو اللى عمل كده صح؟

قالت فرحة على الفور:

- والحمد لله ربنا انتقملك منه فى ساعتها والأسانسير وقع بيه

أتسعت عيناه بذهول وقال بدهشة كبيرة:

- أيه ... أسانسير أيه.. وحصله أيه؟!

أجابه عبد الرحمن بهدوء:

- أسانسير البيت عندنا يا يوسف

تدخل إيهاب قائلا:

- نفسى أعرف كان طالع البيت يعمل ايه.. اللى يعمل عملته دى كان المفروض يهرب طالما محدش شافه.. ايه اللى خلاه يطلع البيت مش عارف

قالت ايمان بثقة:

- أكيد ربنا ليه حكمة فكده

تنهدت عفاف وهى تقول:

- ونعم بالله يابنتى

اكتسى وجه يوسف حزنا وهو يتسائل:

- وحصله ايه لما الاسانسير وقع بيه

قال عبد الرحمن:

- الأسعاف نقلته المستشفى بعد ما عرفوا يفتحوا باب الاسانسير بصعوبة.. لكن انا مش عارف ده حصل ازاى .. أحنا لسه كنا عاملين صيانة وكانت حالة الأسانسير ممتازة.. ازاى يقع فجأة كده

وجه له والده الحديث قائلا:

- أتصلت بالشركة بتاعة المصاعد ؟

أومأ عبد الرحمن برأسه قائلا :

- أتصلت بعد ما يوسف خرج على طول.. وأصلا كده المفروض النيابة هتبدأ تحقيق فى الموضوع .. وكانوا مستنين يوسف لما يفوق علشان ياخدوا أقواله ..

وبعد ساعتين وهم جلوس حول يوسف, طرق إبراهيم الباب ودخل وهو يتوجه ليوسف مباشرة:

- حمد لله على سلامتك يا يوسف يابنى

نظر إليه الجميع , كان كأنه يحمل جبال فوق كتفه وهم الدنيا فوق صدره وكأن المشيب قد زحف إليه بعنف على حين غرة , جلس على طرف الفراش  بجوار يوسف قائلا بأسى:

- ربنا خدلك حقك يابنى

ونظر إلى مريم وقال:

- وانتِ كمان يابنتى .. ربنا خدلكوا حقكوا انتوا الاتنين

طأطأ رأسه وقال بألم:

- الخبطة كانت شديدة أوى .. جاله شلل نصفى

تسمر الجميع وكأن عقارب الساعة قد توقفت فجأة , أتسعت عيونهم فى ذهول وعدم تصديق وهو يتابع بحزن:

- من ساعة ما فاق وعرف اللى جراله وهو بيصرخ من الحسرة والندم .. ده غير الألم اللى حاسس بيه

ثم التفت إليهم مقراً بذنوب ولده قائلا:

- كان موصى امه تنقله الأخبار.. ولما قالتله ان مريم تعبت ويوسف خادها البيت لوحدهم .. سبقنا على هناك وعمل اللى عمله .. لا وطلع علشان يسرقنى كمان

اقترب منه حسين وأمسك كتفه قائلا:

- انت راجل مؤمن يا ابراهيم .. وان شاء الله ابنك يقوم منها .. أصبر وأحتسب

***

 

فى الصباح حضر وكيل النيابة ليأخذ أقواله قائلا:

- أنت شفت اللى ضربك يا يوسف؟

نظر له يوسف بصمت ثم قال بحسم وهو يهز رأسه نفيا:

- لاء... الدنيا كانت ضلمة مشوفتش حد

خرج وكيل النيابة من غرفته ودخل الجميع إليه متسائلين , قال حسين:

- قلت ايه يا يوسف

أبتسم يوسف وهو يقول:

- هقول ايه يا بابا ..هو انا شفت حد علشان اقول عليه

أبتسم والده وهو يربت على كتفه قائلا باعتزاز:

- راجل يابنى ..

حاول يوسف أن يحرك ذراعه الأخرى ليمسك يد أبيه ويقبلها ولكن جرحه آلمه , قال حسين وهو ينظر إليهم :

- يالا يا جماعة الحمد لله اننا اطمنا عليه

ثم نظر إلى عبد الرحمن وايهاب قائلا:

- يالا  روحوا ده محدش فيكم نام من امبارح .. أنا هقعد معاه

قال عبد الرحمن على الفور:

- معلش حضرتك يا بابا.. روحهم انت وانا هستنى

تدخلت عفاف قائلة:

- محدش هيفضل مع ابنى غيرى .. روحوا انتوا

قاطعهم يوسف بأشارة منه وقال مبتسما :

- ياجماعة روحوا كلكوا .. أنا لو احتاجت حاجة هبقى انده على الممرضة

ألتفتت مريم إليه لتتكلم أخيراً قائلة :

- وتنده على ممرضة ليه.. أنا هفضل معاك

خفق قلبه مع ابتسامته فلم يعلم أيهما سبقت الآخرى, كل ما كان يدركه هو الدهشة فلم يكن يتوقع أن تفصح عن رغبتها فى البقاء معه, بل لم يكن يحلم وهو يلمح الغيرة فى عينيها من أمرأة أخرى

قالت عفاف بإرهاق:

- يابنتى روحى انتِ.. شكلك تعبانة أوى ..

قاطعها حسين بابتسامة لامعة:

- لا يا عفاف .. مريم معاها حق ..هى اللى المفروض تقعد معاه .. يالا احنا نروح البيت نريح شوية ونشوف هنعمل ايه ونبقى نرجعلهم تانى

ودعه الجميع بعد أن اطمئنوا عليه أما هو فقد نام طويلاً بعد تناوله الدواء وعندما استيقظ وجدها تغفو على مقعدها بجوار فراشه الأبيض , ألتفت إليها وناداها بلهفة وعندما استيقظت قال بهدوء:

- قربى الكرسى بتاعك من السرير

نهضت واقفة وتمطت بتكاسل ثم وضعت مقعدها بجواره وجلست فقال وهو ينظر لعينيها بعمق :

- مروحتيش ليه

تجنبت النظر إليه وهى تقول:

- المفروض انى اكون معاك

قال على الفور:

- الكلام ده لو لسه مراتى.. لكن انتِ اللى صممتى على الطلاق

نظرت له بتحدى قائلة:

- وانت مصدقت وطلقتنى

أبتسم من طريقتها الطفولية فى الحديث نظرلها قائلا:

- أنا كنت متمسك بيكِ لآخر لحظة ومقدرش الومك.. واهو ربنا خدلك حقك .. وفنفس الظروف .. يوم فرح .. وبالليل والدنيا ضلمة

تنهد فى ارتياح وقال:

- الحمد لله ان ربنا خلص مني فى الدنيا .. مش ناقص غير حاجة واحدة بس...

لمس يدها وهو يقول:

- أنك تسامحينى من قلبك

رفعت رأسها إليه قائلة بتلعثم :

- أنا سامحتك من قلبى فعلا

قبض على يدها بضعف وهو يتأملها وقال ببطء:

- مريم.. لو رديتك .. هتحسي انى رجعتك غصب عنك؟

حاولت سحب يدها ولكنه تمسك بها وقال برجاء:

- أنا مش قادر اضغط .. متسحبيش ايدك ...كده هتتعبينى

قالت بصوت يسمعه بالكاد:

- طيب سيب أيدى

تمسك بها أكثر قائلا بحب:

- لما تردى عليا الأول.. انتِ عندك استعداد تكملى حياتك معايا وتنسى اللى فات؟

صمتت ولم تجبه , كانت تشعر بأن قلبها سيقفز من صدرها من فرط الإنفعال والإضطراب والخجل , حاولت أن تهرب من حصار عينيه ولكنها لم تستطع , كانت نظراته تحيط بها من كل اتجاه , تحتويها بل وتفصلها عمن حولها

قاطعتهم طرقات خفيفة على الباب, يتبعه دخول الطبيب الذى أخذ يفحص يوسف الذى لم يرفع بصره عن مريم, وبعد أن انتهى الفحص وخرج الطبيب , توجهت مريم إلى ركن من أركان الغرفة لتصلى

تعمدت أن لا تنظر إليه وهى تتوجه إلى الفراش المقابل له , صعدت إليه واسندت بظهرها وهى تغمض عينيها بأرهاق يبدو على ملامحها بشكل واضح فقال يوسف :

- شكلك مرهق أوى.. نامى انتِ ارتاحى شوية

قالت وهى تسحب الغطاء وتتدثر به جيدًا:

- هنام ساعة بس .. لو احتاجت حاجة صحينى بسرعة متترددش

قال مداعبا وهو لا ينظر إليها:

- لالا نامى انتِ ولو احتجت حاجة هبقى اقول للممرضة

أعتدلت لتجلس مرة أخرى فقال وهو يشير لها أن تعود كما كانت:

- بهزر والله .. نامى .. أنا كمان محتاج ارتاح شوية

***

فى اليوم التالى صباحا كان حسين هو أول من طرق باب غرفة وليد فى المشفى ودخل بعد سماع الأذن بالدخول , لم يكن هناك أحد بالغرفة سوى وليد المسجى على الفراش ووالدته تجلس بجواره تبكيه , فقال بحرج:

- السلام عليكم

فتح وليد عينيه على صوت عمه فلم يستطع مواجهته , كانت آلامه رهيبة ولكن رؤيته لعمه جعلته يشعر وكأن الهواء انقطع من الغرفة فجأة , وأخيرا تكلم حسين قائلا بجمود:

- حمد لله على السلامة

وقفت فاطمة فى حرج وهى تتمتم :

- الله يسلمك يا حاج حسين ..أتفضل

قال بهدوء:

- لا متشكر مفيش داعى .. أنا جيت بس أطمئن على وليد واقوله ان ابن عمه قال فى التحقيق انه ماشفش اللى ضربه وكان هيموته.. ياريت لو حد سألكوا تقولوا نفس الكلام سواء من النيابة ولا من غيرها...

أطرقت فاطمة برأسها ولم ترد فقال حسين:

- حمد لله على السلامة مرة تانية.. سلام عليكم

خرج حسين من الغرفة وقبل أن يصل للمصعد وجد إبراهيم مقبل عليه من بعيد فوقف ينتظره , سبقته عينيه ونظراته المتسائلة قبل أن يصل إليه بجسده , وما إن وقف أمام أخيه قال:

- انت كنت بتزور وليد ؟

أومأ حسين برأسه قائلا:

- ده واجب مهما كان .. وبرضة كنت باعرفه يوسف قال أيه فى التحقيق.. علشان تحت أى ظرف يبقى عارف انه مش متوجهله أى تهمة

زفر إبراهيم بارتياح وقال بامتنان:

- أنا مش عارف اقولك ايه يا حسين.. بس انت عارف ان يوسف احسن عندى من ابنى

ربت حسين على يده قائلا:

- المهم دلوقتى أخبار فريق العمال اللى جايين علشان الأسانسير أيه.. وصلوا للسبب؟

قال إبراهيم بحيرة:

- هما خلاص بيخلصوا ومعاهم كمان ناس من الحكومة بيطلعوا على التقارير النهائية

قال حسين فى قلق:

- والنتيجة ايه؟

قال إبراهيم وقد خلا وجهه من كل تعبير:

- قضاء وقدر

نظر له حسين بتمعن وقال بدهشة:

- معقول ؟.. يعنى مفيش سبب معين

حرك إبراهيم رأسه نفيا وقال:

- بكرة المحرك فلتت من غير أى سبب واضح .. ومنقدرش نتهم الشركة بأى حاجة لأن مفيش أى عيب يخص الصيانة أو التركيب

ثم نظر إلى أخيه نظرات مضطربة حزينة فقال حسين :

- عاوز تقول حاجة يا ابراهيم

فقال على الفور بانكسار:

- سامح وليد يا حسين .. اللى وصله ده غلطتى انا وامه مش غلطته هو لوحده .. سامحه وخلى يوسف يسامحه... يوسف راجل وكفاية انه قال انه ميعرفش مين اللى ضربه

وضع حسين يده على كتف أخيه قائلا:

- ربنا يسامحنا كلنا يا ابراهيم.. احنا محتاجين نسامح بعض علشان ربنا يسامحنا.. يلا استأذن انا بقى علشان اروح أطل عليه.. سلام عليكم

ذهب حسين بينما دخل إبراهيم حجرة وليد فوجد الطبيب يتمم فحصه وعندما انتهى سأله فى رجاء:

- أيه الأخبار يا دكتور.. هيقدر يمشى تانى ولا لا؟

أومأ الطبيب برأسه وهو يدون ملاحظاته عن حالة وليد وقال:

- يا حاج انت بتسأل عن حاجة لسه بعيدة أوى احنا لسه يدوب فى البداية ..والحالات اللى زى دى بتاخد وقت طويل لحد الشفا الكامل وده محتاج جهد وصبر واستعانه بالله

خفض إبراهيم رأسه وهو يقول :

- ونعم بالله يا دكتور..

ربت الطبيب على كتفه وخرج من الحجرة وتركهم, جلس إبراهيم بجوار زوجته وهو ينظر لولده الممدد أمامه على فراش المرض , حالته غير مستقرة, آلامه متواصلة , قلبه يعتصره الألم حزنا وندما,  فلم يكن له الأب الناصح المربي الحنون , وإنما انشغل وتركه هو وأخته وتصور أن جمع المال هو أقصى جهد يمكن بذله من أجلهم, نسى دوره الأصلى , حتى زوجته لم يعاملها كما يجب ليصلح أخطائها وعيوبها, وإنما كان يتركها ويهرب منغمسا فى عمله , شعر أنه المسؤل الأول والرئيسى عن ما وصلوا إليه جميعا , أخذ يستغفر ويسترجع ويدعو الله أن يساعده ويقويه فى طريق أصلاح ما تركه يفسد  طيلة السنوات الماضية

***

طرق حسين باب حجرة ولده فى المشفى ودخل إليه مبتسما , أقترب من فراشه وقال بابتسامة حانية:

- أزيك النهاردة يا يوسف

حاول يوسف النهوض أو الأعتدال فى فراشه ولكن والده ساعده فى العودة كما كان فى وضع الأستلقاء وهو يقول:

- خليك يابنى متتعبش نفسك

قال يوسف بسعادة لرؤية أبيه:

- الله يسلمك يا بابا ..انا بخير طول ما  حضرتك راضى عنى

وضع المقعد بجوار فراشه وجلس عليه وهو يقول:

- ربنا يرضى عنك وعنا يابنى ...

ثم قال وهو ينظر إلى الفراش الآخر:

- مريم فين؟

قال يوسف بابتسامة:

- فى الحمام بتتوضا

- وهى عامله ايه دلوقتى كان شكلها تعبان أوى امبارح

خرجت مريم من الحمام وهى تجفف يدها من أثر ماء الوضوء , أبتسمت وهى تنظر إلى عمها وذهبت إليه تصافحه فقبل جبينها وهو يقول:

- عاملة أيه النهاردة.. شكلك اتحسنتى عن امبارح كتير الحمد لله

قالت بابتسامة رضا:

- الحمد لله يا عمى .. كنت مرهقة بس مش أكتر

قبلها على رأسها مجدداً وهو يهمس لها بخفوت :

- قولتيله ؟

حركت رأسها نفيا بينما قال يوسف:

- انتوا سابينى هنا وواقفين تتكلموا.. المفروض ان انا المريض على فكرة

قال حسين وهو يتجه إلى مقعده مرة أخرى ويجلس عليه:

- متستعجلش دلوقتى تلاقى اخواتك وامك طابين عليك

ذهبت مريم إلى ركنها الذى اتخذته مصلى فى الحجرة ووقفت تصلى , فنظر يوسف لأبيه وقال بصوت منخفض بعض الشىء:

- بابا لو سمحت انا عاوز ارد مريم بس مش عاوز يبقى غصب عنها ومش عارف اعمل أيه

تفحصه أبيه وقال بنفس النبرة الخفيضة:

- ومسألتهاش ليه

مط يوسف شفتيه فى تبرم قائلا:

- سألتها مردتش عليا.. مرضتش أحاول معاها كتير علشان متحسش انى بضغط عليها بتعبى واللى حصلى ده..

وأستدرك قائلا برجاء خجل:

- ممكن حضرتك تكلمها وتحاول تقنعها

حسين:

- أنا رأيى انك تستنى لما ربنا يتم شفاك وتخرج من المستشفى وترجع البيت .. ساعتها تكلم معاها تانى وهيبقى ليها وقتها حرية الرفض أو الموافقة.. لكن انا لو كلمتها هتفتكر ان دى رغبتى وممكن توافق علشان متزعلنيش

أنتهت مريم من صلاتها وجلست تتلو الأذكار, طرق الباب ودخلت عفاف مسرعة إلى ولدها جلست جواره تتحسسه بلهفة:

- عامل ايه يا حبيبى النهاردة.. أنا كنت هموت واجيلك من بدرى بس ابوك منعنى

أخذ يد أمه وقبلها قائلا:

- الحمد لله يا ماما متقلقيش انا بقيت زى الحصان

أطل إيهاب برأسه إلى الداخل قائلا بابتسامة مرحة:

- صباح الخير يا مطعون

ضحك يوسف وهو يتحسس جرحه قائلا:

- بطل تضحكنى يا جدع انت حرام عليك .. الجرح بيألمنى لما بضحك

تبعته فرحة التى لحقت بأمها بجواره تطمئن عليه وقالت:

- ايمان وعبد الرحمن بره ومعاهم وفاء وجوزها

نظر حسين إلى إيهاب قائلا:

- خليهم يدخلوا يابنى

وقفت وفاء أمامه بعينين دامعتين وقالت بخجل:

- حمدلله على السلامة يا يوسف ربنا يقومك بالسلامة

قال بابتسامة صافية:

- الحمد لله يا وفاء انا كويس ..

بينما قال عماد بدهشة :

- أنا مش عارف ايه اللى حصلكوا ده .. انت ووليد فى يوم واحد حاجة غريبة فعلا

قال عبد الرحمن مقاطعا:

- قدر الله وماشاء فعل ربنا يقومهم بالسلامة هما الاتنين

واستدرك قائلا:

- تعال معايا نجيب للجماعة دول حاجة يشربوها بدل ما يدعوا علينا ولا حاجة

نهضت وفاء قائلة:

- لا مفيش داعى يا عبد الرحمن احنا ماشين على طول

قال عبد الرحمن بتصميم :

- لا مينفعش .. يالا يا أستاذ عماد

خرج عماد وعبد الرحمن وأغلق الأخير الباب خلفه فقالت وفاء:

- أنا عرفت اللى عملته مع وليد فى التحقيق يا يوسف.. حقيقى انت راجل أوى.. وطول عمرك شهم ... وانا عارفة انى موقفى صعب لأنى أخته لكن انت عارفنى كويس ..

ولم تستطع أن تتحدث أكثر وبدأت دموعها فى الحديث عنها فقالت عفاف:

- متعيطيش يابنتى .. انتِ طول عمرك قريبة مننا وعارفينك كويس واخوكى ربنا يسامحه ويسامحنا كلنا

قال يوسف مستكملا لحديث والدته:

- متعيطيش يا وفاء دموعك غالية عندى.. وانتِ عارفة مكانتك عندى كويس مش محتاجة تتكلمى الكلام ده ..

نظرت له مريم نظرة ذات معنى  وجلست بعيدًا وهى تشعر بالحنق من كلماته لها بينما قالت إيمان:

- الحمد لله الدكتور طمنا قبل ما ندخلك وقالنا بالكتير يومين تلاتة وتخرج بالسلامة

ذهبت وفاء وزوجها وانصرف الجميع عند انتهاء الأوقات الرسمية للزيارة وبقيت مريم مرافقة له , جلست على الفراش الآخر بجواره وفتحت المصحف وبدأت بالقراءة فى همس

جعل ينظر إليها وهى تقرأ وكلما واتته الفرصة ليقاطعها ويطلب منها العودة تخونه شجاعته ويصمت فى تردد حتى انتهت ووضعت المصحف وقامت لصلاة العشاء وبعد أن انتهت من أذكار الصلاة ونهضت متجهة إلى فراشها مرة أخرى قال سريعاً:

- مريم..

ألتفتت له فقال:

- ممكن تحطيلى المخدة ورا ظهرى ..عاوز اتعدل علشان اصلى انا كمان

ترددت لحظات فقال:

- خلاص لو هضايقك...

قالت متلعثمة :

- لا.. مفيش مضايقة ولا حاجة

كان لابد أن تتخذ وضعاً معينا لكى تستطيع أن تساعده على الإتكاء قليلاً لتضع الوسادة خلف ظهره فابتعدت مرة أخرى مترددة فى ارتباك وخجل فقال لها :

- طيب خلاص ارفعى السرير مش لازم مخدة

وعندما انتهى من صلاته التفتت إليه وقالت :

- تحب انزلك السرير شوية

أبتسم وهو يحرك رأسه نفيا قائلا:

- لا متشكر.. انا اصلى مش جايلى نوم دلوقتى

تنحنحت فى حرج وهى تقول بارتباك:

- طبعا انت مش زعلان من وفاء .. صح

نظر إليها قائلا:

- وهزعل منها ليه وهى ذنبها أيه.. وفاء طول عمرها بنت كويسة أوى

شعرت بالحنق مرة أخرى وظهر ذلك على نبرة صوتها وهى تقول:

- اه ما انت قلتلها كده

ونظرت له نظرة جانبية وهى تستدرك قائلة:

- وأكتر من كده كمان

راوده أحساس بالسعادة عندما لمح الغيرة فى صوتها ونظر إليها بعمق يتأملها ويتفحص معالم وجهها المضطرب وقال بخفوت:

- قلتلها أيه مش فاكر

قالت باندفاع وهى تلوح بضجر:

- قلتلها دموعك غالية عليا أوى وانتِ عارفة مكانتك عندى كويس

منع الأبتسامة التى كانت تريد القفز على شفتيه حتى لا يقطع عليها استرسالها الحانق على كلماته لوفاء وقال بهدوء:

- ماهى فعلا طول عمرها ليها مكانة عندى

لم تلحظ استدراكه لها فقالت بضيق:

- ومتجوزتهاش ليه بقى لما بتحبها أوى كده

لم تستطع الأبتسامة الصبر أكثر من هذا , خدعته وقفزت على شفتيه رغما عنه وهو يقول:

- أنا قلت برضة أنى بحبها.. جبتى الكلام ده منين

رأت ابتسامته وشعرت بمراوغته فى الحديث فأشاحت بوجهها بعيداً ولم تجبه ,فأردف قائلا وهو يتفحصها بابتسامته العذبة:

- أنا محبتش غير واحدة بس ... وبدعى ربنا فى كل وقت انها تسامحنى وترضى ترجعلى تانى

سحبت غطاءها وهى تنظر بعيدًا عنه وقالت باقتضاب:

- تصبح على خير

قال ببراءة مصطنعة :

- يعنى هتسبينى متعلق كده .. طب نزليلى السرير الأول كده ظهرى هيوجعنى

نهضت مرة أخرى واتجهت إلى فراشه فقال مشاكساً:

- طب ممكن تظبطيلى المخدة دى تحت راسى.. مش مرتاح خالص

قالت وهى ترفع رأسه بيد وتحرك الوسادة باليد الأخرى :

- أنت شكلك بتدلع على فكرة

أمسك يدها وجذبها إليه برفق فشعرت بأنفاسه تلفح وجهها وهى تحاول الأعتدال ولكنه لم يسمح لها واستنشق عبيرها وقال بصوت رخيم:

- أنا رجعتك لعصمتى يا مريم

ثم فك أسر يدها فاعتدلت وقد شعرت بسخونة تسرى فى اوصالها اقشعر لها بدنها وكأن نبضات قلبها أخذت تبطئ شيئا فشيئا مما أشعرها بالدوار , لكنها لم تغضب ولم تستنكر ما قاله , خطت نحو فراشها وصعدت بصعوبة وتدثرت, جملة واحدة منه جعلتها تذوب بعضها فى بعضها ونامت فى ثوان معدودة كأنها غابت عن الوعى

***

فى اليوم التالى فحصه الطبيب وقال بابتسامة :

- والله أنت بطل يا يوسف .. ماشاء الله عليك

قال يوسف على الفور:

- هخرج أمتى طيب يا دكتور

أبتسم الطبيب وقال:

- مستعجل أوى كده ليه

قال يوسف بشغف:

- الله يخاليك يا دكتور أنا أصلى بكره القاعدة الطويلة دى وعاوز اروح بيتنا بقى

دون الطبيب ملاحظاته قائلا:

- خلاص خاليك النهاردة بس وروح بكره الصبح لو عايز.. وقوم اتمشى لوالراقدة مزهقاك اوى كده

زم شفتيه تبرما  ثم قال:

- طب مينفعش اروح اتمشى فى بيتنا .. أنا والله حاسس انى بقيت كويس

زفر الطبيب بنفاذ صبر ثم ابتسم له قائلا:

- أنت ملكش حل بجد.. لكن عموما هكتبلك على خروج اخر النهار ...

حاول يوسف الكلام ولكنه قاطعه قائلا:

- ومفيش خروج قبل كده... فاهم

ثم نظر إلى مريم وقال:

- تعالى يا مدام لو سمحتى علشان افهمك هتتعاملى مع الجرح ازاى بعد ما يخرج وربنا يقدرك عليه... بصراحة جوزك ده لا يُحتمل

أبتسم يوسف وشعر بالبهجة , أخيرا سيعود لمنزله بصحبة زوجته ليبدأ معها حياة جديدة لن يشوبها إلا ما حدث فى الماضى , فهل من الممكن أن يرأب هذا الصدع فى يوم من الأيام؟!

وفى المساء كان يخطو خطواته الواهنة بعض الشىء داخل بيته وعبد الرحمن يساعده إلى الصعود إلى فراشه والجميع ملتف حوله فى سعادة مرحبين بعودته لمنزله سليماً معافى.

بعد أن اطمأنت مريم لأستغراقه فى النوم, فتحت خزانتها بهدوء وأخذت ملابسها وأغلقتها بهدوء , دخلت الحمام واغتسلت وبدلت ملابسها وخرجت وهى تجفف شعرها بالمنشفة, فوجئت به يجلس على طرف الفراش ينتظرها , تعثرت قليلاً فى خطواتها ثم استعادت توازنها بسرعة واتجهت إلى المرآة لتمشط شعرها , فقال وهو ينظر لصورتها المنعكسة فى المرآة:

-  مريم .. لو سمحتى تعالى غيريلى على الجرح

ألفتت إليه بدهشة وقالت :

- الدكتور لسه مغيرك عليه الصبح!

قال بعناد مشاكساً:

- لا مش مرتاح , حاسس ان فى حاجة مش طبيعية.. لو سمحتى تعالى شيليه , حاسس ان فى نملة بتقرصنى

تنهدت بتعجب قائلة:

- نملة !! ..أظاهر الدكتور كان عنده حق لما قالى ربنا يصبرك عليه

وضعت المنشفة وأحضرت الأدوات الطبية , وضعتها بجوارها على طاولة صغيرة بجوار الفراش وقالت :

- طيب فك زراير القميص لو سمحت

تصنع الألم وهو يقول:

- مش قادر يا مريم .. ممكن تفكيهالى انتِ

ونظر لها برجاء وقال:

- من فضلك

جلست أمامه وشرعت فى فك الأزرار بارتباك, حاولت أن تسرع ولكن سرعتها جعلتها ترتبك أكثر وتتعثر , كان فى قمة سعادته من قربها منه إلى هذه الدرجة , وأخذ يتأمل شعرها الندى الذى مازال تعلق به قطرات الماء ود لو أنها تعثرت أكثر لتبقى , قال بعبث ليربكها أكثر وهو يتأملها :

- كل ده بتفكى كام زرار

قالت بارتباك وقد أحمرت وجنتاها :

- أهو خلاص خلصت

أنتهت وقامت بمساعدته فى خلع قميصه فى حرج شديد وجلست تزيل أثار اللآصق الذى وضعه الطبيب , حاولت أن تنتهى سريعًا كما علمها الطبيب , تهرب من نظراته المخترقة لها وكأنه يغوص بداخلها من عمق النظرات المتفحصة محتفظًا بابتسامته العذبة الحانية, مرت اللحظات القليلة عليها وكأنها ساعات طويلة وأخيرًا انتهت وهى تقول بتلعثم:

- يعنى لا كان فى نملة ولا حاجة

تتبعها ببصره وهى تلملم أشيائها وتضعها فى صيدلية صغيرة فى الغرفة ,أتممت تمشيط شعرها وعقصته للخلف بطوق بنفس لون ملابسها وقالت وهى تخرج من الغرفة:

- أنا هروح انام بقى تصبح على خير

فقال ببطء وهو ينهض متجهًا إليها بخطوات ضعيفة:

- مريم... أنتِ لسه بتخافى مني؟

أشاحت بوجهها وهى تستدير لتنصرف قائلة بخفوت:

- مش وقته الكلام ده .. أنا مرهقة وعاوزه انام

وضع يده أمامها ليمنعها من المرور وقال بحزن:

- أنتِ لسه مسامحتنيش يا مريم.. مش كده؟

قالت دون أن تنظر إليه :

- أنا قلتلك قبل كده انى مسامحاك

قال بتلكأ:

- طب انا راجعتك غصب عنك ؟ .. يعنى مكنتيش عايزة ترجعيلى؟

تابعت وهى مازالت تنظر بعيدًا عنه:

- ده حقك اللى ربنا ادهولك... أنت ممكن ترجعنى لعصمتك حتى من غير ما تقولى

حرك رأسه نفيًا قائلا:

- بس انا مش عايزك تعملى حاجة غصب عنك ... أنا راجعتك تانى علشان حسيت انك بتحبينى وبتغيرى عليا .. لكن لو الأحساس ده غلط وانتِ مش عايزانى قوليلى

لم تستطع أن تجبه, أنما اكتفت بنظرة لوم وعتاب طويلة ودفعت يده بلطف ومرت من أمامه للخارج ثم إلى غرفتها الأخرى لتنام بها, جلس على طرف فراشه وهويشعر بالحيرة, أهذه النظرة المعاتبة من أجل كلماتى , أم من أجل أنى راجعتها رغما عنها,  أم ماذا ؟! , لكن أحساسى يقول غير ذلك , أشعر بنبض قلبها لا أخطىء هذه النظرة أبدًا , أستجيبي حبيبتى ..أستجيبي .. فأنا وإن كنت شتاء , ففى قلبى ربيع نابض لكِ بالأزهار .

دخلت فراشها وتدثرت جيدًا وكالعادة عندما تواجهها أزمة , وضعت الوسادة فوق رأسها وحاولت أن تنام, لكن هيهات , تشعر بالضجر الشديد:

- لماذا لا يشعر بى , لماذا يعتقد أنى عدت إليه رغما عنى , لماذا لا يتمسك بى أكثر من هذا,   لا تجعل ترددك سكينًا يمزق قلبى فيصبح حافرًا لقبر حبى.

غلبهما النوم,  وفى الصباح كانت والدته أول من تطرق بابهم , أبتسمت لها مريم مرحبة بها قالت عفاف:

- هو يوسف لسه نايم

مريم :

- ثوانى اشوفه لحضرتك

طرقت الباب ولم يأتيها رد فعلمت أنه مازال نائماً, ترددت فى الدخول ولكن لابد وأن تدخل , لم يكن الباب مغلقًا بشكل كامل فدفعته بهدوء ودخلت , ذهبت إليه فى فراشه لتوقظه , كان ما يزال على نفس هيئته السابقة عندما تركته بالأمس, شعرت بالخجل الشديد وهى تلمس يده لتوقظه ونادته بهدوء حتى استيقظ ونظر لها قائلا بتكاسل:

- صباح الخير

قالت على الفور وكأنها تدفع تهمة وجودها فى غرفته:

- صباح النور.. مامتك بره  يلا قوم

وقبل أن تستدير لتغادر أمسك يدها قائلا:

- أستنى طيب قومينى

نظرت له وقالت بعناد:

- أنت بقيت كويس.. بلاش دلع يلا قوم بقى

تصنع يوسف الضعف وهو يقول:

- بطلى ظلم بقى يا مفترية حرام عليكى تعالى ساعدينى

تسائلت مريم بضجر:

- أساعدك ازاى يعنى

قال ببراءة مصطنعة :

- أمسكى أيدى بس

أستدارت مندهشة وقالت:

- افندم

ترك يده تسقط على الفراش بضعف قائلا:

- حرام عليكى انا تعبان قومينى بقى زمان ماما مضايقة بره

زمت شفتاها بحنق وقالت رافضة:

- طيب خاليك بقى وانا هروح أنده مامتك تقومك بطريقتها

وخرجت سريعًا وهو يهتف متوسلاً:

- لا بلاش ماما الله يخاليكى يا مريم.. معندهاش هزار فى الصحيان

وفى اليوم التالي وبعد يوم طويل , دخلت مريم الشرفة ووضعت أكواب الشاى أمام يوسف على الطاولة الصغيرة وجلست بجواره وقد بدى الإرهاق على وجهها وهى تقول:

- أنت فعلا بتدلع أوى.. مع انك بقيت كويس يعنى ماشاء الله

نظر لها وداعبها قائلا:

- هو أنا عملتلك حاجة.. ده أنا غلبان

قالت بحنق:

- اه غلبان أوى ..عاوزنى أقومك واقعدك وافصصلك واحطلك الأكل فى بؤك واغسلك ايدك وانشفها

قال بحزن مصطنع:

- زهقتى مني قوام كده .. ده انا مريض

قالت ساخرة:

- اه مريض أوى .. شكلك كده هتخف وانا هرقد مكانك

قال بنظرة حانية:

- بعد الشر عليكى يا حبيبتى .. خلاص مش هتعبك تانى.. أنا فعلا بدلع بس ببقى مبسوط وانتِ مهتمة بيا كده .. وبعدين الأكل ليه طعم تانى من أيدك

بدأت مريم بارتشاف بعضا من الشاى وهى تنظر إليه نظرة جانبية وقد بدا أنه سيهم بقول شىء ما ولكنه يقاوم التردد بصعوبة , لحظات صامتة منه ومترقبة منها حتى قال ببطء:

- مريم انا عاوز اسألك سؤال كده بس متردد

واستدرك قائلا:

- وبصى لو ضايقك خلاص مش مهم

أومأت برأسها موافقة فقال:

- هو احنا لما كنا فى الجراج ... والدنيا ضلمة .. مكنتيش خايفة مني؟

حركت كتفيها للأعلى وقالت بلامبالاة:

- واخاف منك ليه

أردف قائلا وهو يبتلع ريقه بشرود:

- يعنى بقيتى تحسى بالأمان معايا؟

نظرت له بجانب عينيها وقالت:

- أنت ليه مهتم أوى بالسؤال ده .. سألتهولى أكتر من مرة

زفر بحزن قائلا:

- لما كنا مسافرين قولتيلى وانتِ بتعيطى انك لما سمعتى صوتى فى الضلمة حسيتى بالأمان...

ثم التفت إليها متابعًا:

- نفسى ترجعى تحسى بالأمان معايا تانى

أجابته بخفوت وهى تضع عينيها فى الكوب الذى بين يديها:

- لو مكنتش حسيت معاك بالأمان مكنتش فضلت ماسكة فيك واحنا فى الجراج والدنيا ضلمة ومفيش حد غيرنا زى ما كنا فاكرين

تنهد بارتياح وهو ينظر إلى الحديقة قائلا:

- الحمد لله ... دى أقصى حاجة كنت بتمناها

سمعت صوت رنين هاتفها فقالت:

- هروح اشوف مين

أخذت الهاتف وابعتدت عنه لتتحدث إلى عمها دون أن يسمعها , فتحت الأتصال واستمعت إليه ثم أجابته قائلة:

- النهاردة أحسن كتير الحمد لله

قال باهتمام:

- هو جانبك دلوقتى

- لا فى البلكونة

- قولتيله ولا لسه؟

أبتسمت ابتسامة خفيفة وقالت:

- لاء لسه .. بصراحة يا عمى عاوزه اربيه شوية

ضحك بسعادة قائلا:

- يبقى ردك لعصمته تانى مش كده ؟

قالت مريم بحرج :

- أيوه ردنى قبل ما يخرج من المستشفى

ضحك مرة أخرى وقال:

- خلاص ربيه براحتك انا موافق

دخل يوسف من الشرفة إلى الغرفة التى تتحدث بها فوجدها تغلق الهاتف وتضعه مكانه فقال وابتسامة مشاكسة مازالت عالقة بشفتيها:

- كنتِ بتكلمى مين ؟

قالت بعدم اهتمام:

- ده عمى حسين .. كان بيطمن عليك

كادت أن تتركه وتخرج من الغرفة لولا أن وقف أمامها يسد عليها الطريق , تلاقت عينيهما فقال بهمس:

- بحبك

كان يتوقع أن تشيح بوجهها وتتركه وتذهب كالعادة كلما قالها , ولكن هذه المرة وقفت تنظر إليه ثم قالت بنظرة لم يفهم معناها:

- من أمتى؟

تفاجأ بالسؤال فقال:

- يعنى أيه؟

تابعت :

- يعنى بتحبنى من أمتى .. أحنا من ساعة ما اتقابلنا واحنا بنتخانق زى القط والفار

قال يوسف بخفوت:

- والله ما انا عارف من أمتى.. أنا فجأة كده لقيتنى بغير عليكى من كل حاجة وكان نفسى أوى تسمعى كلامى وتغيرى تصرفاتك

بدت على وجهها ملامح ساخرة وهى تقول:

- ليه مكلمتنيش بود وقولتلى انك مش راضى عن تصرفاتى  بدل ما كنت بتتخانق وتزعق وتتريق أحيانا

أرسل تنهيدة حارة وقال بوجوم:

- زى ما قلتلك واحنا فى نويبع.. أنا عمرى ما حبيت قبلك.. ومكنتش عارف أعمل ايه.. كل اللى كنت بحس بيه انك لازم تسمعى كلامى ومجاش على بالى ساعتها طريقة نصحى ليكى خالص .. كل اللى كنت بفكر فيه انك مبتسمعيش الكلام وبتعاندى وخلاص

أستعاد نظرته العذبة وهو يتابع :

- وبعدين يا مريم انا كنت حاسس انك حاسة بيا.. وكنت متوقع انك لما تحسى بمشاعرى وتلاقينى بغير هتحترمى ده وهتسمعى كلامى من أول مرة.. لكن انا لقيتك بتعاندى أكتر من الأول مش عارف ليه

نظرت له نظرة طويلة وقالت بهدوء:

- مكنتش متأكدة .. وتصرفاتك العصبية كانت مشككانى .. لو كنت اتعاملت بطريقة مختلفة ونصحتنى بهدوء ولمحتلى انك غيران من كلامى مع وليد مكنتش عمرك هتشوفنى بكلمه .. لو كنت فى الفرح جيت قلتلى مين اللى واقفة معاهم دول ومتقفيش معاهم كنت هاسمع كلامك.. لو كنت لما مشيت ورايا بالعربية نزلت وشدتنى قدام الناس غصب عنى علشان مطلعش مع سلمى كنت هسمع كلامك .. صدقنى كنت هسمع كلامك.. وكنت هتأكد من اللى كنت بعمل كل ده علشان أتأكد منه.. أنك بتغير

لكن انت كنت دايما تكتم فى نفسك .. وتكتفى بالتصرفات العصبية.. وحتى لما كنت بتكلمنى كنت بتحسسنى انك بتأمرنى لمجرد أنى بنت عمك وبس

لمعت دمعة فى عينيها فمسحها بأنامله وقال بحب:

- كنت غلطان سامحينى.. أنا كنت سىء الظن لأبعد الحدود معاكى .. لكن عاوزك تعرفى انى مكنتش مبسوط يعنى وانا بكتم فى نفسى كده.. أنا كنت بتعذب يا مريم .. وعذابى وصل للمنتهى ولأبعد حد فى يوم الحادثة .. لدرجة انى أخدت الحبوب والسجاير من غير تفكير وكأنى منوم وفاقد للسيطرة على نفسى.. لغيت عقلى .. سامحينى يا حبيبتى

نظرت له مرة أخرى بنفس النظرة المبهمة قائلة:

- فاكر لما سألتك فى العربية واحنا راجعين من فرح وفاء وانت اضايقت من سؤالى وقلتلى أنى باستفزك .. أنا عاوزه اسألك نفس السؤال تانى ولو سمحت جاوبنى

أشاح بوجهه بعيدًا وأغمض عينيه وهو لا يريد التذكر وقال ببطء وقد شعر بغصة فى حلقه : - صدقينى لو قلتلك انى مش فاكر حاجة خالص .. كل اللى فاكره أني حضنتك وقلتلك الكلام اللى قلته وانتِ بتقاومينى .. وفجأة لقيتك اتخبطى فى الحيطة ووقعتى على الأرض

صمت وهو يضغط عينيه بقوة كرها لما تذكره فى هذه اللحظة فقالت :

- وبعدين أيه اللى حصل؟

مسح وجهه بيديه وقال لها :

- أنا مش عاوزك تفتكرى التفاصيل دى .. انا ماصدقت انك بقيتى كويسة معايا

فتابعت وكأنها لم تسمعه:

- وبعدين يا يوسف حصل أيه

رضخ لرغبتها وقال بشرود:

- صدقينى مش فاكر.. كل اللى فاكره ساعتها لما وقعتى على الأرض وانا قربت منك ..

بدأ جبينه يتعرق وهو يستحضر تلك اللحظات بصعوبة شديدة وهو يقول:

- كنت بحاول اشيل عنك الهدوم وانا دماغى بتلف .. وبعدين بدأت اشيل هدومى وفجأة حسيت أنى صنم ..عقلى أتجمد وقلبى ابتدى ينبض ببطء شديد .. حاولت بعدها افتكر أى تفاصيل مافتكرتش حاجة أبدًا.. مش فاكر غير أبويا وهو بيشدنى يقومنى من جنبك وأديه بتنزل على وشى وشفتك فى حضنه ورجليكِ كلها دم فتوقعت انا عملت أيه .. صدقينى ده كل اللى فاكره

تركها وخرج من الغرفة إلى حجرة المعيشة, هوى إلى الأريكة وبدأت دموعه تنهمر بصمت وهو يتصور كل مشهد مر أمام عينيه وهو يعصى الله فيها , وهو يتذكر كلماتها وهى تصرخ فيه "فوق يا يوسف انا مريم"

خرجت إليه ورأته يدفن رأسه بين كفيه ويبكى وشهقاته تعلو وهو يستغفر الله, أطرقت برأسها ولم تعد تتحمل كتمان الأمر أكثر من هذا فهو يتعذب بما لم يفعله يومًا بعد يوم ويأكله الندم ويلوكه بين فكيه بكل قوة , شعرت أن عقلها ينبض فى قلبها ويحثها على أخباره بما حدث فهو قد تربى بما فيه الكفاية , لم تتردد أكثر من هذا وقالت وهى تجلس بجواره:

- مصدقاك يا يوسف .. عارف ليه.. لأنك ملمستنيش .. معملتليش حاجة أبدًا بعد كده

توقفت الدموع فجأة وكأن الدنيا قد توقفت فجأة عن الدوران وسكت الكون , ألتفت إليها بذهول وقطب جبينه قائلا:

- يعنى ايه ؟

أفلتت دمعتين من عينيها وقالت:

- فاكر لما ودتنى لدكتورة النسا لما أغمى عليا والدكتورة طلعتك بره

أومأ برأسه وهو ينظر إليها بصمت مخلوطاً بذهول فقالت:

- الدكتورة فوقتنى وسألتنى عليك وقلتلها انك جوزى.. قالتلى طب احتمال يكون القىء والدوخة بسبب الحمل نتأكد .. طبعا انا كنت هموت .. وافقت على طول وبعد الفحص بصتلى باستغراب وقالتلى أومال بتقولى عليه جوزك أزاى ووافقتى أعمل فحوصاتى ليه لما انتِ لسه بنت بنوت ! ..

ساعتها روحت فى دنيا تانية .. مبقتش عارفة أضحك ولا اعيط .. أصرخ ولا اعمل أيه مش عارفة .. لقيت دموعى نازلة  زى المطر.. ولما خرجت من عندها والبنت الممرضة شافتنى بعيط  سألتنى مالك لقيت نفسى بقولها الدكتورة كانت فاكرانى حامل .. طبعا هى افتكرت ساعتها انى بعيط علشان مطلعتش حامل وفضلت تواسينى.

توقفت الساعات والعقارب  حتى أنه شعر بأن الهواء أيضا توقف, فلا يستطيع التنفس ولا الحركة, وكأن قلبه رفض نبضه وكأن عقله تمرد عليه ورفض التصديق, لا يستطيع شيئًا سوى الذهول ... الذهول وفقط , فقال فى هذيان :

- يعنى أيه .. والدم.. أومال ده حصل ازاى ..ازاى ..؟!

قالت من بين دموعها:

- أكيد أغمى عليك .. وإلا مكانش عمى لما دخل بعد الفجر لقاك جمبى.. وطبعا كانت رجلى غرقانة دم علشان لما وقعت على الأزاز اتجرحت جامد والموقف مكنش يحتمل تفسير تانى

قفز المشهد فى عقله مرة أخرى بقوة , لقد تذكر فجاة لحظة سقوطه وكأنها حلم بعيد من مشهد قديم, نعم لقد سقط وهو ينزع ملابسه ,عندها كان يترنح



تتمة الفصل الأخير 
....

بدأ جبينه يتعرق وهو يستحضر تلك اللحظات بصعوبة شديدة وهو يقول:

- كنت بحاول اشيل عنك الهدوم وانا دماغى بتلف .. وبعدين بدأت اشيل هدومى وفجأة حسيت أنى صنم ..عقلى أتجمد وقلبى ابتدى ينبض ببطء شديد .. حاولت بعدها افتكر أى تفاصيل مافتكرتش حاجة أبدًا.. مش فاكر غير أبويا وهو بيشدنى يقومنى من جنبك وأديه بتنزل على وشى وشفتك فى حضنه ورجليكِ كلها دم فتوقعت انا عملت أيه .. صدقينى ده كل اللى فاكره

تركها وخرج من الغرفة إلى حجرة المعيشة, هوى إلى الأريكة وبدأت دموعه تنهمر بصمت وهو يتصور كل مشهد مر أمام عينيه وهو يعصى الله فيها , وهو يتذكر كلماتها وهى تصرخ فيه "فوق يا يوسف انا مريم"

خرجت إليه ورأته يدفن رأسه بين كفيه ويبكى وشهقاته تعلو وهو يستغفر الله, أطرقت برأسها ولم تعد تتحمل كتمان الأمر أكثر من هذا فهو يتعذب بما لم يفعله يومًا بعد يوم ويأكله الندم ويلوكه بين فكيه بكل قوة , شعرت أن عقلها ينبض فى قلبها ويحثها على أخباره بما حدث فهو قد تربى بما فيه الكفاية , لم تتردد أكثر من هذا وقالت وهى تجلس بجواره:

- مصدقاك يا يوسف .. عارف ليه.. لأنك ملمستنيش .. معملتليش حاجة أبدًا بعد كده

توقفت الدموع فجأة وكأن الدنيا قد توقفت فجأة عن الدوران وسكت الكون , ألتفت إليها بذهول وقطب جبينه قائلا:

- يعنى ايه ؟

أفلتت دمعتين من عينيها وقالت:

- فاكر لما ودتنى لدكتورة النسا لما أغمى عليا والدكتورة طلعتك بره

أومأ برأسه وهو ينظر إليها بصمت مخلوطاً بذهول فقالت:

- الدكتورة فوقتنى وسألتنى عليك وقلتلها انك جوزى.. قالتلى طب احتمال يكون القىء والدوخة بسبب الحمل نتأكد .. طبعا انا كنت هموت .. وافقت على طول وبعد الفحص بصتلى باستغراب وقالتلى أومال بتقولى عليه جوزك أزاى ووافقتى أعمل فحوصاتى ليه لما انتِ لسه بنت بنوت ! ..

ساعتها روحت فى دنيا تانية .. مبقتش عارفة أضحك ولا اعيط .. أصرخ ولا اعمل أيه مش عارفة .. لقيت دموعى نازلة  زى المطر.. ولما خرجت من عندها والبنت الممرضة شافتنى بعيط  سألتنى مالك لقيت نفسى بقولها الدكتورة كانت فاكرانى حامل .. طبعا هى افتكرت ساعتها انى بعيط علشان مطلعتش حامل وفضلت تواسينى.

توقفت الساعات والعقارب  حتى أنه شعر بأن الهواء أيضا توقف, فلا يستطيع التنفس ولا الحركة, وكأن قلبه رفض نبضه وكأن عقله تمرد عليه ورفض التصديق, لا يستطيع شيئًا سوى الذهول ... الذهول وفقط , فقال فى هذيان :

- يعنى أيه .. والدم.. أومال ده حصل ازاى ..ازاى ..؟!

قالت من بين دموعها:

- أكيد أغمى عليك .. وإلا مكانش عمى لما دخل بعد الفجر لقاك جمبى.. وطبعا كانت رجلى غرقانة دم علشان لما وقعت على الأزاز اتجرحت جامد والموقف مكنش يحتمل تفسير تانى

قفز المشهد فى عقله مرة أخرى بقوة , لقد تذكر فجاة لحظة سقوطه وكأنها حلم بعيد من مشهد قديم, نعم لقد سقط وهو ينزع ملابسه ,عندها كان يترنح بقوة , لابد وأنه قد سقط غائبا عن الوعى بعدها

أستدار إليها بجسده كله دفعة واحدة , وكأن روحه التى غادرت سقطت فجأة بداخل جسده من جديد وهتف بها:

- ومقولتيش ليه من ساعتها .. ليه يا مريم  

ثم وقف ناهضًا وقال بعينين زائغتين مشدوهتين :

- يعنى ايه ؟  يعنى انا مش زانى ؟... يعنى ... يعنى انا لسه يوسف .. أنا مضعتش من نفسى .. أنا ربنا حصنى وحمانى من الجريمة دى

نهضت لتقف أمامه وقالت ودمعها تنهمر كالشلال وتمد أناملها تمسح الدموع عن وجهه وتقول:

- وأنا لسه مريم .. أنا كمان لسه مريم يا يوسف .. لسه بعفتى وطهارتى وربنا حمانى وحصنى رغم كل  الافترا اللي اتقال عنى

نسي ألمه وجرحه الذى لم يندمل بعد وحملها بين ذراعيه وطاف بها وهو يهتف تارة ويصرخ تارة أخرى ويبكى بضحكات ويضحك بدموع واختلطت دموعه بدمعها وهو مازال يهتف:

- مش مصدق .. مش مصدق يا مريم.. مش مصدق

أنزلها إلى الأرض فجأة هاتفاً بسعادة:

- بابا .. بابا لازم يعرف

عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بمكر:

- وانت فاكر انه لسه مايعرفش .. أنا قلتله وانت فى العمليات .. وهو كمان مكنش مصدق زيك كده

أحتضن وجهها بكفيه بقوة قائلا:

- ومقولتليش ليه من ساعتها

قالت وهى تنظر لعينيه وتمسك بقبضتيه:

- كنت عاوزه اربيك شوية

تأمل وجهها لفترة طويلة وقد عادت روحه تلمع فى عينيه مجدداً واحتضنها بين يديه للحظات ثم أبعد وجهها مرة أخرى ونظر إليها يتفحص عينيها ثم قال بشغف و تحدى:

- تصدقى بقى ده انا اللى هربيكى

قرأتها فى عينيه فابتعدت وهرولت سريعاً إلى غرفتها وأغلقتها من الداخل , لحق بها و طرق الباب بقوة هاتفًا :

- أفتحى يا مريم احسنلك

وقفت خلف الباب وقلبها يخفق بشدة هاتفة :

- مش هفتح

طرقه مرة أخرى صائحاً :

- بقولك افتحى بدل ما اكسر الباب

بادلته الصياح من خلف الباب وهى تضع يدها على صدرها اضطرابًا وسعادة :

- بقولك مش هفتح مهما عملت .. مش هفتح يعنى مش هفتح

وبعد مرور شهرين وفى يوم الجمعة  تحديداً كان موعد اللقاء الأسرى المعتاد حول مائدة الطعام الكبيرة , جلس حسين على رأس المائدة كالعادة وهو يقول :

- أومال يوسف ومريم منزلوش ليه لحد دلوقتى

قالت عفاف بنفاذ صبر :

- والله زهقت يا حاج .. بقالى ساعة كل شويه اتصل ويقولوا نازلين ومفيش فايدة

ضحك حسين ضحكات جعلت الجميع يبتسم ثم قال:

- وباقى البنات فين .. إيمان وفرحة ووفاء مش كانوا هنا من شوية

تدخل عبد الرحمن قائلا:

- أصل يا بابا إيمان عملت حركة تمرد عليك وقالت الستات لوحدها والرجالة لوحدها .. طبعا حضرتك عارف انا جاى اهدى النفوس مش أكتر

ضحك والده مرة أخرى وقال:

- خلاص طالما هى حابة كده والبنات موافقين خاليهم على راحتهم

طرق يوسف ومريم الباب ففتح إيهاب باب المنزل وهو يمسك معدته قائلا:

- حرام عليكوا موتنا من الجوع

دخل يوسف وهو يلف كتف مريم بذراعه ويقول:

- معلش يابنى انا عارف ان اختى مجوعاك .. قدرك ونصيبك بقى

خرجت فرحة قائلة بشغف:

- أنا سامعة حد بيجيب سيرتى

تلقاها يوسف بذراعين مفتحتين قائلا بمرح:

- أهلا يا ام العيال وحشانا يا غالية

ضربت يده وهى تقول هاتفة باعتراض:

- أم العيال فى عينك .. ده انا لسه يدوب فى الشهور الأولى.. سابقة إيمان بشهر واحد .

نهض عبد الرحمن واقفا وهو يقول باعتراض:

- لا بقولك أيه.. ولا سابقاها ولا حاجة.. دى الحكاية كلها فرق التوقيت مش أكتر

علت الضحكات بينهم مجدداً وقالت مريم :

- طب ادخل انا بقى للبنات قبل ما حد فيكوا يصطادنى

ربت يوسف على كتفها وقال مشجعا :

- أدخلى يا حبيبتى بس على مهلك ..

ثم نادها برجاء :

- الله يخليكى يا مريم كفاية ترجيع بقى.. كده على ما تيجى تولدى مش هنلاقى حاجة جوه أصلا

وأثناء الغذاء ألتفت عبد الرحمن إلى والده قائلا:

- عمى مجاش النهاردة ليه يا بابا

- بيحضروا نفسهم علشان هيسافروا يعرضوا وليد على دكتور بره مصر

ألتفت إليه يوسف قائلا:

- هوأبتدى يتحرك ولا لسه

تدخل إيهاب قائلا:

- على كرسى متحرك كده جوى البيت

تمتم يوسف قائلا بعدم اهتمام:

- ربنا يشفيه

ربت والده على يده قائلا:

- لا يابنى أدعيله من قلبك إن ربنا يشفيه.. وليد عرف غلطته وندم على اللى عمله وعرف ان اللى هو فيه ده عقاب من ربنا

تدخلت عفاف قائلة :

- ومش هو وبس والله يا حاج .. دى فاطمة كمان كأنها اتبدلت لواحدة تانية خالص.. الحزن على ابنها كسرها أوى وخلاها فى دنيا تانية.. ربنا يرفع عنهم ويسامحهم

***

- يوسف

- نعم يا حبيبتى

- ناولنى البسكوت المملح اللى جانبك ده

- مريم.. مكنش حمل ده.. كل شوية بسكوت بسكوت .. أنتِ حامل فى عيل فى الحضانة ولا أيه

- كده يا يوسف .. مش كفاية امبارح زعلتنى ومرضتش تشيلنى

- أولدى انتِ بالسلامة يا حبيبتى وانا اشيلك زى ما انتِ عايزة.. أصل بصراحة معنديش غير عمود فقرى واحد

- قصدك أيه.. أنا تخنت يعنى

- لا يا حبيبتى هو انا أجرؤ اقول كده

- طب هات البسكوت بقى

- بقولك أيه يا مريم

- نعم يا حبيبى

- عبد الرحمن كان بيحكيلى على سياحة جديدة كده.. أسمها السياحة الزوجية

- يعنى أيه.. الناس بتسافر مجوز؟

- مجوز!

- مجوز ايه بس هو انا بكلمك على جوز حمام

- طب فهمنى انت

- طب تعالى جوه.. الدنيا برد هنا

- طب شيلنى

- لــــيه ؟!

- علشان تحكيلى جوه على السياحة !

- سياحة أيه؟

- السياحة الزوجية اللى عبد الرحمن قالك عليها !

- عبد الرحمن مين؟

- أخوك !!

- أخويا مين انا ماليش أخوات ... قال شيلنى قااال !

 

***








تعليقات

التنقل السريع