![]() |
رواية إمبراطورية الرجال الفصل الحادى والستون/الثاني والستون
بقرب حلول المساء....هبطت الطائرة بالعاصمة البريطانية "لندن" وتزاحم الوافدون بمطار هيثرو....
استقل يوسف سيارة أجرة واخبر السائق بلغة انجليزية ممتازة عن عنوان الفندق الذي تم حجزه منذ يومين...
جلس يوسف وهو ينظر من خلال النافذة للسيارة الأجرة التي نهبت الطريق سيرا وبدأت نوبة من السعال تهجم على رئتيه فجأة....التقط يوسف أنفاسه بأعين تلتمع.....نظر السائق عبر المرآة له بنظرة غريبة ثم تابع طريقه بنظرات متشككة....
لم يكترث يوسف كثيراً للأمر فهذا طبيعياً مع تغير الهواء والطقس من بلد لبلد أخرى...مر الوقت حتى وقفت السيارة أمام بوابة الفندق الذي زينت واجهته بلوحة معدنية يُنقش عليها اسم الفندق بلغتين الانجليزية والفرنسية...
ترجل يوسف من السيارة وانهى حساب السيارة وغادرت.....دخل الفندق وهو يجر حقائبه ليستقبله عامل الاستقبال ببسنة رسمية وترحيبية وبعد نقاش دام لدقائق اعطاه مفتاح الغرفة المحجوزة وأشار لعامل خدمة ليذهب معه لحمل الحقائب....
** بداخل الغرفة.**
جلس يوسف على مقعد مواجه لشاشة تلفاز سوداء وخلع عنه سترته السوداء الثقيلة بعض الشيء ثم بدأ يخلع حذائه ليأخذ دشا سريعا للأنتعاش قبل تناول الطعام....
اقترب من حقيبته وبدأ يخرج من الملابس وينظمها بداخل الخزانة حتى انتهى بعد دقائق مع شعور الأرهاق البادي على وجهه...
احتفظ فقط بقطعتين أحداهما بنطال أسود رياضي والأخرى تيشرت أبيض بأكمام يبدو مناسبا للجلوس مسترخياً بعض الوقت قبل عناء المقابلات الرسمية والمناقشات حول العمل والعقود التجارية...
اتاه اتصال داخلي من الفندق من هاتف الغرفة وكان الاتصال يخص وجبات الطعام المرسلة فأختار يوسف نوعين من الأطباق مع طبق خضراوات طازجة مقطعة وتم انتهاء الاتصال على ذلك....توجه مباشرة الى حمام وبيده القطعتين من الملابس ومنشفة نظيفة خاصة به قد وضعتها حميدة بنفسها....نظر يوسف للمنشفة وتذكر زوجته الحبيبة التي يتذكر جيدًا دموعها وهي تضع هذه المنشفة ضمن ملابسه وما سيحتاجه...ابتسم بشوق عميق وقال :-
_ وحشتيني أوي يا حميدة....عموما كلها كام يوم وارجعلك تاني يا حبيبتي...
تقدم بخطواته اتجاه الحمام وبدأ الاستحمام...
************
بمنزل الفيوم....
وقف وجيه بنظرات محتقنة بالغضب ينظر لزوجته وهي تجري اتصال على هذا الحقير المسمى ب "راشد"
إلى متى سيطل هذا الأمر ويُفرض عليه واقع رغما عن أنفه حتى تنتهي تلك المهزلة ؟
نظرت لِلي له بنظرة راجية حتى يتحلى بالصبر قليلا وسماعة الهاتف على أذنيها تنتظر اجابة الطرف الآخر....أجاب راشد بعد وقت حتى تثنى له الابتعاد عن زوجته "جين" وولج لمكتبه سريعاً واغلق الباب ثم أجاب....
تبدلت نظرة للي للجدية وقالت :-
_ أنا ليان
ابتسم راشد وهو يجلس أمام مكتبه وقال بمكر :- حافظ صوتك ! بس حيرتيني معاكِ يا عروسة البحر !
ابتلعت للي ريقها وهي تنظر لوجيه بقلق أن يكن انتبه لما قاله راشد فوجدته على حاله من الغضب....أجابت بثبات :-
_ وجيه قالب الدنيا عليا ، كل ما اروح لمكان ما الحقش اقعد فيه والاقيه قريب مني وأهرب بالعافية من بين ايديه...مش بلحق حتى استقر في مكان واقولك عليه...والاحسن تكون بعيد لحد ما اتطلق..
صمت راشد لدقيقتين وكان في صمته بعض القلق والحيرة لـ للي فقال :-
_ مبقتش بعرف أصدق حد ، اللي هيخليني أصدق هو طلاقك رسمي...وبالنسبة للمواعيد اللي بتديهالي وبتطلع فشنك في الأخر لو كانت كذبة ولعبة منك أنا هعرفك أزاي تكذبي...ما تفتكريش أني مقدرش اوصلك ، بس سايبك بمزاجي ، عايزك تجيلي بمزاجك ولمزاجك...
قال ما قاله بضحكة ماكرة بينما حاولت للي امتصاص غضبها والتحكم به حتى انتهاء المكالمة ولا تتسبب في اتقاد غضب وجيه أكثر فقالت بهدوء :-
_ انا بعت لوجيه رسالة تانية أنه لو مطلقنيش هرفع عليه قضية ، يعني هو مضطر يطلقني عشان سمعته ، بس هو مش هيصدق غير لو وكلت محامي بالفعل ووصله الخبر بنفسه...
راشد بتعجب :- ومستنية ايه ؟!
وضعت للي يديها على أول الخيط فقالت :- المحامي محتاج مصاريف كتير ، كل فلوسي صرفتها على السنتر الجديد بتاعي وبعدين قفلته لما اتجوزت...ومافيش امكانية حتى أني ابيع حاجة دلوقتي والموضوع هياخد وقت....الفلوس اللي معايا يدوب تكفي وجودي في فندق على ما المشكلة تتحل واتطلق...
تنفس راشد ببسمة ماكرة وقال :- وليه تصرفي فلوسك اصلا !! عندي الفلوس وعندي المحامي...وعندي المكان اللي تقعدي فيه معززة مكرمة...
اشتد المكر بعينيه بينما وقفت غصة متكورة بحلق للي وتسارعت انفاسها برجفة....بينما عرضه على يقين انه يؤل الى اغراضه الشهوانية ولكن في حقيقة الأمر هذه فرصة كبيرة ستسخدمها وأن صحت ستضرب عصفورين بحجر واحد.....قالت دون تردد :- موافقة
رفع راشد حاجبيه بمكر شديد وقال :- اهو كده صدقتك...حضري نفسك بكرة ونتقابل في ......
قاطعته قائلة :- في نفس المطعم اللي اتواعدنا فيه قبل كده الساعة ٥مساءً...بس هتوديني فين ؟
وافق راشد بترحاب شديد وأجاب :-
_ شقة التجمع ...ما أنتِ عارفاها...حضرتي مع حسام حفلة هناك
وافقت للي سريعا وانتهى الاتصال....اغلقت الهاتف فهتف وجيه بعنف :- موافقة على ايه ؟ قالك ايه انطقي !
ازدردت للي ريقها بخوف وهي تنظر له ...ماذا تقول ؟!
نهضت من مقعدها ووقفت أمامه بنظرة راجية وقالت :-
_ نتكلم بهدوء عشان خاطري...أنا عارفة أن اللي ناويه عليه صعب عليك لكن....
جذبها وجيه من يدها وهزها بعنف وعينيه تقدح شرر وصاح :-
_لكن ايه... تقصدي ايه بالضبط ؟!
طفرت عينيها دموع وهي تخبره بينما انتفضت الشراسة بمقلتيه وهي تتحدث عما قالته لراشد....دفعها وجيه بعيدا عنه بنظرة شرسة واسودت عينيه من العنف...وهتف :-
_ مستحيل...لو ده حصل هطلقك بجد ...مش هتفضلي على ذمتي يوم واحد كمان !
اقتربت له وهي تبكي بقوة وقالت بضعف :- مش هبقى لوحدي صدقني...يا وجيه اسمعني للآخر عشان خاطري....
رماها بنظرات نارية عنيفة ثم ذهب من امامها مغادرا الممر بالطابق الثاني.....ابتعد خطوات فاسرعت خلفه لتوقفه ولكنه دفعها لتبتعد عنه وقال بغضب :- كلمة واحدة كمان وهتبقي طالق بجد...
تركها تقف متسمرة بمكانها حتى استندت على الحائط وانخرطت ببكاء شديد...نوبة ضعف هائلة انتابتها بابتعاده وغضبه...تقوى على الجميع وهو بجانبها...جلست على الارض تضم قدميها لصدرها واسندت رأسها عليهما ولا زالت على حالة البكاء الشديد .....كانت تمتم الكلمات وهي تبكي بقوة لتجد صوته أمامها فجأة وكأنه عاد بعد غياب سنوات !!
_ للي
رفعت رأسها سريعا اليه لتجد ملامحه اصبحت أكثر رفق ولين...نظرت له بعتاب وأعين مليئة بالدمع ليجذب يدها حتى اوقفها وخطفها الى صدره بضمة عنيفة....كانت انفاسه سريعة لحد غير مسبوق وكأنه يجاهد شيء شديد لا يستطيع تحمله....مرر يده على رأسها بحنان وقال بأذنيها بصوت اجش اقشعر له بدنها :-
_ أنا أسف....بس اللي أنتِ قولتيه فوق طاقتي اتحمله...أنا كنت رافض حتى تقابليه تقومي توافقي على اللي قاله !
دفنت رأسها بصدره بقوة حتى استطاعت أن تتحكم بدموعها بعض الشيء ونظرت اليه بقوة قائلة :- ما سمعتنيش للآخر...انا مش هكون لوحدي...قراره ده زي ما يكون حفر قبره بإيده...هنوصل لچين ميعاد المقابلة تاني واكيد هتراقبنا لحد ما نوصل للمكان اللي هيوديني ليه...غير كده الضابط رأفت هيكون مستنينا هناك واكيد هيعرف يدخل الشقة بطريقته...دي فرصة عشان نكشفه.
زفر وجيه بحمل ثقيل ينخر قلبه وكبريائه ولم يجيبها بينما كانت عينيه تعانق عبراتها بعشق ووعد أن لا أحد يستطع الاقتراب منها مهما حدث.
************
بقصر الزيان....بالغرفة الخاصة التي اعدت من قبل ليوسف وزوجته....
دفنت حميدة رأسها بالوسادة على فراشها وكتمت دموعها بقوة بعدما ظلت طويلا تبكِ.....ساعات مرت منذ الصباح حتى عصف ظلام الليل ولم تسمع صوته.....شوقها اليه كأنه هاجر للأبد !!
ارتفع صوت هاتفها فانتفضت من الفراش واسرعت الى طاولة بقرب الشرفة تستطلع هوية المتصل فوجدته رقم دولي.....أجابت بلهفة وهي تبكي بشوق ولم تضع احتمال ولو بسيط انه احدا آخر...قالت ببكاء :-
_ يوسف..
أجابها بنبرة حملت كل شوقه اليها خلال هذه الساعات الماضية وأجاب :-
_ وحشتيني....ما تخيلتش فراق ساعات يخليني كده ، نزلت من الفندق بمجرد ما خدت دوش وغيرت هدومي ...عشان اتصل بيكِ واسمع صوتك...بس عايز اسمع صوتك مش صوت دموعك !
اشتد بكائها دون كلمات....البُعد بينهما اميالا ولن تستطع حتى النظر اليه ولو من بعيد....قالت اخيرا وهي تمسح دموعها :-
_ انا مش بعيط
قال بابتسامة رغم ما به من شوق والم :- طب احلفي !
حاولت التحكم ولم تستطع فبكت بقوة ثم قالت :-
_ أنا مش حاسة أن جوزي بس اللي سافر يا يوسف...أنا حاسة أن ابني هو اللي بعد عني...أيوة أنت جوزي وابني وكل اللي ليا....خلي بالك من نفسك يا نور عنيا...كل كويس ، وماتنامش بحاجة خفيفة...
قال بصوت عاشق يرتجف شوق :- وايه كمان ياروح يوسف...خليني أشبع من صوتك...الله يكون في عون اللي متغربين عن اهلهم...يوم وحاسس أنه سنين !!
تمالكت حميدة قليلا ثم قالت :- معلش هحاول استحمل غيابك ، المهم خلي بالك من نفسك ، أنا عارفة أنك مش متعود تسافر كتير ومابتحبش السفر اصلا....
سعل يوسف رغما عنه أثناء الحديث فأنقبض قلب حميدة وقالت :-
_ مالك يا يوسف؟
قال يوسف بابتسامة وهو يلتقط أنفاسه :- لا يا حبيبتي مافيش حاجة....شكلي خدت برد....المهم خليني فيكِ....انا عارف أن القصر هيبقى ممل وأنتِ لوحدك فيه بس أيام بسيطة واكون عندك...
قالت حميدة وتظاهرت بالمرح رغم دموعها :- هعملك كل الأكل اللي بتحبه ، مش هخلي اكلة غير وهعملها بإيدي وحتى الحلويات كمان وكل اللي نفسك فيه...
تنهد بثورة شوق بقلبه تتأجج وقال :-
_ ما اعتقدش أني نفسي في حاجة اد اني أشوفك دلوقتي قدامي...مش عارف ليه وحشاني أوي كده !! وحشاني بكل لحظة خوفك في بعادك عني !! بس تعرفي...أنا بعشق طريقتك لما بتحسسيني وكأني أبنك..
ابتسم بصدق وتابع :-
_ فيكِ كل اللي محتاجه....وكمية حنان تكفي بلد !
ابتسمت وهي تمسح عينيها من الدموع وقالت :-
_ ابقى كلمني فيديو عشان أشوفك واطمن عليك...
أجاب بمحبة :- حاضر....تليفوني لقيته مكسور للأسف معرفتش اكلمك صوت وصورة ، هجيب فون تاني ونتكلم براحتنا....بس لو لقيتك بتعيطي هخليها صوت بس ، بحبك فرفوشة
قال ذلك واتسعت ابتسامته بمشاكسة قصدها فقالت بعتاب :-
_ بتلومني أنك واحشني !! ولا هتلومني أني قلبي اتاخد مني وسافرله يومين بعيد عني ؟!
ابتسم بتنهيدة وقال :- لا انا هحاول اخلص النهاردة مقابلة العملا...كان ايه اللي خلاني اسافر اصلا !!
ابتسمت رغم دموعها واستمعت لباقي حديثه بحياء....
************
أشرقت الشمس بصباح يوم جديد.....
استيقظ يوسف بذلك الصباح على شعور مؤلم بصدره وحلقه وسعال استمر طيلة الليل جعل نومه يتخلله الأرق....تناول طعام فطاره بالكاد وقرر قبل مقابلة أي شخص إجراء كشف طبي لهذا العارض المرضي....
استعد للخروج بأناقة عالية ثم خرج من الفندق ذاهبا لمستشفى قريبة من الفندق قد أخذ عنوانها من الاستعلامات....
استقل سيارة أجرة لتقله للمكان المطلوب حتى وقفت السيارة أمام المبنى الضخم لأحد أكبر المستشفيات بالعاصمة...ترجل سريعا من السيارة وانهى حساب السائق ثم دخل المبنى مع ظهور حرارة بجسده للتو !!
_يوسف !
سمع يوسف اسمه يُنطق باللغة العربية السليمة وصوت يشتبه به فأستدار ليجد "الدكتورة عايدة " والدة سمر أمامه بشكل مفاجئ...قال مبتسما :-
_ اهلا يا طنط عايدة عاملة ايه ؟
وقفت المرأة امامه في نظرة غامضة ثم قالت ببطء :- كويسة...أنت بتعمل ايه هنا ؟ جاي تشوف نور ؟
شعر يوسف بالحرج والتعجب معاً وقال بصدق :-
_ هي نور هنا ؟!! مكنتش أعرف والله
اشتد شيء غاضب بعين المرأة فقالت :- اومال جاي هنا ليه ؟!
أجاب يوسف وهو يشعر بازدياد درجة حرارته :-
_ جيت في شغل بس اظاهر خدت دور برد جامد ، معرفش دكاترة هنا فجيت لأقرب مستشفى أسهل...هو مش كنتم هتسافروا أمريكا ؟!
قالت عايدة في ضيق :-
_ نور صممت تيجي لندن وتبقى جنب سمر اختها...ده غير أن حالتها الصحية بتدهور يوم عن يوم ،تعالى معايا أكشف عليك أنا دكتور هنا كمان لحسن الحظ ..
ابتسم يوسف بامتنان وذهب معها حتى سار بممر طويل على جوانبه غرف مغلفة من الجانبين...فتحت عايدة أحد الأبواب فدخل يوسف خلفها واشارت له ليتمدد على فراش المرضى لتفحصه سريرياً قبل أي إجراء.....كشفت بسماعتها الطبية على صدره وهو يسعل بقوة ثم أخذت مقياس الحرارة وضغط الدم....نظرت له لبعض الوقت وقالت :-
_ الأعراض بتقول أنها انفلونزا عادية...لكن لازم ولابد تعمل أشعة وتحليل cbc وشوية تحاليل تانية عشان نطمن....تعالى معايا
تعجب يوسف من الأمر ولكنه لم يبدي أي مظاهر للقلق وقال :-
_ يمكن اتعديت ، كان واحد جانبي في الطيارة بيكح وتعبان جدًا ونام على كتفي اكتر الوقت...
قالت عايدة وهي تكتب بعض الأشياء بورقة :-
_ يمكن....لازم الفحوصات دي تتعمل النهاردة ضروري....لو فاضي تقدر تستنى النتيجة لو مش فاضي تجيلي بكرة...
نهض يوسف من على فراش المرضى وقال :-
_ بصراحة مش فاضي وعندي مقابلات كتير...يعني يدوب اعمل تحليل بس ...ممكن تديني أي مسكن أو خافض للحرارة على ما نتيجة التحليل اخدها بكرة ؟
وافقت عايدة قائلة :- اكيد طبعا...تعالى الأول نعمل تحليل ...أنت فطرت ؟
اجاب يوسف :- اه للأسف...
زمت عايدة شفتيها بضيق وقالت :- طب خلاص نخلي الأشعة النهاردة والتحليل بكرة وتجيلي وأنت صايم مش أقل من ٦ساعات...ما تستهترش في صحتك...
اتسعت ابتسامته ولا يكترث للأمر فقال :- لأ هاجي اوعدك...بالمرة ازور نور واقعد معاها براحتي لأن النهاردة اليوم كله مواعيد للأسف...
خرجت عايدة وهو معها باتجاه غرفة الأشعة لإجراء الفحص الأشعاعي...
**********
سانتوريني.....
تسلل رعد خلف الصخرة مثلما يفعل منذ عدة أيام ويراقبها ثم يعود ويبدأ مشاكسته لها طيلة اليوم....وقف يتأملها وهي تسبح على مقربة من الشاطئ ليتفاجئ بها وهي تطفو فجأة ويبدو انها تستغيث !!
اتسعت عينيه بخوف وسبح بالماء اليها ليجدها قد سرقتها موجة لجهة الصخرة فتمسكت رضوى بها بقوة.....لم تلاحظ الذي يقترب اليها من الجهة الأخرى حتى لمحته فإزدردت ريقها برجفة شعرت بها رغم وجود جسدها بالماء.....
حاولت أن تبتعد ولكن خوفها من الاقتراب من الموجة الغارقة اوقفها لتجد يد رعد تجذبها بقوة حتى احاط خصرها بذراعه...نظرت له بتوتر وارتباك ولم تستطع قول شيء....لم يتركها فسحبها للشاطئ بسرعة عالية ورشاقة يُحسد عليها !
لم تستطع الوقوف على قدميها فور خروجها من الماء فوقف رعد يلتقط أنفاسه وهو ينظر اليها ثم بعد لحظات وجدت نفسها محمولة بين ذراعيه فجأة !
حملها حتى دلف للكوخ بخطا غير سريعة ثم وضعها على الفراش بنظرة تتعمق بوجهها وكأنه يحاول أن يصدق أنها بخير....قالت بارتباك وتلعثم :-
_ كنت...كنت
لم تتابع فقد ضمها اليه بقوة قائلا بعد تنهيدة طويلة :- كنتِ هتضيعي مني ! طالما مالكيش في العوم بتنزلي البحر ليه !
قالت بحرج :- بعرف بس مش اوي...ومكنتش ببعد عن الشط بس النهاردة كان في موجة شدتني وكنت هغرق...
💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖
- الفصل الثانى والستون
نظر رعد لها للحظات وقال فجأة دون سابق انذار :-
_ أنا ما قولتهاش قبل كده لأي حد...ولا حتى ليكِ....بس يا رضوى أنا بحبك
وقفت نظرتها على عينيه للحظات بلمعة تخترق عالم آخر بأمل جديد...كانت الكلمة على مسامعها جميلة ،ودودة ومحببة بينما لا زالت مخاوفها من كل شيء تتخلل آمالها....ابتعدت عينيها عنه في بطء ونظرت للفراغ بشرود فتأمل لنظراتها التائهة للحظات وقال بقوة:-
_ أنا عايز أعرف ايه اللي مخوفك ؟ ليه كل ما أقربلك بتبعدي ؟! وليه مش عارفة تطمني مع كل محاولاتي ؟ الوضع ده ماينفعش يستمر !!
قاطعته بدموع ارجفت جسدها وضمت قدميها واسندت رأسها عليهما في ألم وقالت :-
_ أنا بخاف من كل حاجة ، خوف مش طبيعي ، كل حاجة واي حاجة مابعرفش انساها ، بداية من صغري لما كان عندي ٤سنين ، اتنقلت من بيت لبيت واتضربت واتبهدلت كتير لحد ما خالتي بهية لقيتني وربيتني ، رغم أني كنت طفلة بس فاكرة حاجات كتير....وصاحبتي اللي حكايتها أشبه بحكايتي وطلع في الاخر عايز يوصلها بس !!
تخيل تحب حد وتوصل في حبك ليه أنك معندكش احتمال ولو بسيط أنه بيضحك عليك...يطلع في الاخر مكنش بيعمل حاجة اكتر من انه بيضحك عليك !!! صاحبتي ادمرت وجالها جلطة مش عارفة تفوق منها لحد دلوقتي وترجع زي الأول....أنا خايفة لتعمل معايا كده
نظرت له بقوة وانخرطت في موجة قوية من البكاء وهي تقل ذلك ثم تابعت بارتجاف شديد:-
_ كنت محتاجة لأهلي أوي ، يبقوا جانبي ، بس كبرت لقيتني لوحدي ماليش حد ويتيمة ، عارف يعني ايه تبقى طفل يتيم مالكش حتى حق تقول جعان وعايز تاكل ؟! مالكش حق تطلب أي شيء !!
اتعلمت أخاف ، اخاف من الناس ، وابعد عنهم ، لأن قليل اللي طبطب عليا ، لما قابلت حبيتك أوي بس خوفت حتى ابينلك تطلع بتضحك عليا...مش حمل أني اتكسر وأنا اصلا قلبي مكسور من صغري... تقدر تقول أني_____
هذه المرة كان مقاطعاً ولكن بجذبها وضمها بكل قوته وقبل رأسها كثيرا ...تنهد بقوة وهو يضع رأسها بصدره فكثر بكائها وهي تتمسك به...قال بحنان وهي بين ذراعيه :-
_ اقسم بالله أنا معرفت يعني حب غير لما عرفتك....حاجة فيكِ قالتلي أنك هتبقي حته مني ، هو تفتكري لو بس عايز اوصلك كنت هصبر عليكِ كده ؟! كنت هقبل بالوضع ده لمجرد احساس تافه ارضي بيه غروري؟!
يارضوى أنا بحبك ...عارفة يعني ايه ؟
يعني سندي ودنيتي وأم ولادي ، لما اسيب كل حاجة وما افكرش غير فيكِ أنتِ بس وتبقي شغلي الشاغل..
رفعت رأسها قائلة برجاء وعينيها غارقة بالدموع :-
_ يعني أنت بجد بتحبني ومش هتسيبني ؟ مش هلاقي نفسي لوحدي تاني ؟
قبّل جبينها ببطء ثم نظر اليها بابتسامة وقال بنفي :-
_ انا ماسك فيكِ بإيديا وقلبي ، لو بعدتي خطوة هخنقك ..بس قولي كلمة بحبك تاني ابوس ايدك...
ابتسمت وهي تمسح عينيها من الدموع وتعلقت برقبته بذراعيها وقالت بقوة :-
_ أنا بموت فيك مش بحبك بس...
ربت على ظهرها حامداً شاكراً...وردد كلمة أحبك مراراً وتكراراً بكل قوته...ابتعد قليلا ونظر اليها بمكر وقال بابتسامة :-
_ غيري هدومك المبلولة دي لحد ما احضرلك الفطار....
نهضت بابتسامة واسعة وهي تشعر أن الحياة اخيرا ابتسمت لها واخذت احد الملابس من الخزانة واسرعت للحمام لتبدل ملابسها....راقبها رعد بابتسامة ماكرة ثم نهض ليبدل ملابسه واستطاع ذلك قبل أن تخرج هي من الحمام.....
اتجه لزاوية المطبخ واعد طعام سريع فخرجت رضوى بوجه مشرق مبتسم وهي ترتدي رداء اشبه بالعباءة ولكنه قصير جعلها تبدو أقرب في مظهرها للأطفال...ضحك بخفة وجذبها من يدها لتتناولها طعامها....
شاكسها خلال الطعام وتبادلوا الضحكات ثم نهض ليضع الاطباق الفارغة في حوض المياه وشاركته في ذلك....بعد الانتهاء اتجهت لمقعد لتأخذ المنشفة تجفف يدها ثم استدارت لتصطدم به يقف ناظرا لها بثبات وابتسامة اربكتها....قال بهدوء ماكر :- رضوى...
ازدردت ريقها بتوتر وابتعدت بنظرها عنه في ارتباك وحياء....أضاف بنبرة تحمل حنان شديد وقال :- لسه خايفة ؟
هزت رأسها بابتسامة خجولة وهي تنظر للأسفل بإشارة النفي.....
كانت اجابة على سؤال خفي لم يريد قوله مباشرة...وأجاب عليها وكانت اجابته ترضي الله ولا تعصيه....
وجمع الله بينهما في حلاله بخير وألفة ومودة...
*************
انتهى يوسف من أجراء الأشعة وترك المستشفى بموعد المجيء غدًا مبكراً لإجراء بعض التحاليل الطبية.....
غادر المشفى متوجهاً لموعداً هاماً لـ "جون" في مشفى آخر بالمدينة....
.....بمنزل الفيوم
استعدت لِلي عقب حديثها للذهاب للقاهرة....كان في مغادرتها منزل الفيوم شيء من الخوف الغامض والقلق ، وقف وجيه منتظرا عند سيارته بالخارج ويبدو عليه الشرود والضيق الشديد....انهت استعدادها للذهاب وخرجت ثم مضت اليه بنظرات تتفحص ملامحه بدقة..
وقفت أمامه متمعنة النظر فيه وقالت :-
_ بأذن الله هنرجع النهاردة ومرتاح بالنا
استدار وجيه ليفتح باب السيارة فأوقفته لينظر لها من جديد ثم ارتمت على صدره بقوة وقالت :- متخافش عليا ، هفضل جانبك مهما حصل ، محدش في الدنيا يقدر يبعدك عني ،كل اللي بعمله عشان يبقى كل شيء قانوني لكن...
قاطعها وهو يشدد بضمها قائلا :- لكن اللي هيقربلك همحيه من على وش الدنيا....هكون قريب منك طول الوقت...مش هسمح لمخلوق يقربلك..
نظرت له بابتسامة وقالت :-
_ وأنا مطمنة طول ما أنت قريب...شوف مراتك هتعمل ايه عشانك.
طافت نظرات حنان بعينيه ثم توجهوا بالسيارة حتى الهدف المنشود.....
ومرت ساعات أخرى كثيرة حتى وقفت سيارة وجيه على بُعد خطوات كثيرة من مكان المطعم....كانت الساعة لم تأتِ الخامسة مساءً بعد فقد انتهت ساعات الظهيرة بالطريق....
زفر بحدة وعلى وجهه العصبية وقال لرأفت الذي رافقهم منذ ساعة تقريبا :- أنت متأكد أن مراته بتراقبه دلوقتي ؟
اكد رأفت قائلا :- كل تحركاتها متراقبه ، هي خرجت اصلا بعد راشد على طول ولما وصل لهنا كانت وراه ، بس عربيتها واقفة قريب من المطعم في طريق جانبي ، نبدأ بقى الخطة....
قالت للي وهي تخرج من السيارة:- بأذن الله الموضوع ده هينتهي النهاردة للأبد....عندي أمل كبير...
لم يستطع وجيه النظر اليها عندما خرجت وشعر اذا وجدها خارج السيارة فسيقسم انها لن تبتعد خطوة واحدة....رمقته للي وابتعدت سريعا قبل أن يثور...بدت انفاسه سريعة غاضبة مع كل خطوة تبعدها عنه فكاد أن يخرج من السيارة حتى اوقفه رأفت وقال بتحذير :-
_ لأ يا وجيه استحمل شوية معلش....لو مرات راشد شافتك أو حست بحاجة هتعرف ان ده كله فخ وكده راشد هيطلع منها وصعب نقلل ثقتها فيه تاني...ارجوك استحمل شوية رجالتي هنا ماليين المكان...راشد مش هيعمل حاجة وماتنساش اننا في مكان عام...
اطرق وجيه على عجلة القيادة بعصبية وصاح بشراسة :-
_ مين اللي يقدر يتحمل ان تبقى مراته بتقابل واحد تاني ويقعد متكتف كده !! لو أنت هتتحمل ؟!
قال رأفت بصدق :- أنا مقدر موقفك وعارف أنه صعب لكن فكر لو خطتنا نجحت هيحصل ايه ، ولو اتهورت هيحصل إيه...مش طالب منك الصبر لأكثر من ساعة واحدة بس...
تنهد وجيه بحدة ونظرات عينيه تقل انه على وشك الانفجار....
*******
بالمطعم....
رحب راشد ب "للي" ونظراته تقتحم تفاصيل جسدها بجرأة ووقاحة....جلست للي وهي أقرب أن تلقي بكوب العصير الذي أمامه في وجهه وتهرب من هنا....قالت بابتسامة مزيفة :-
_ تعبت كتير على ما عرفت اجيلك هنا من غير ما احس أن وجيه مراقبني...الدنيا مقلوبة عليا من وقت ما مشيت من القصر...
ابتسم راشد بخبث قائلا :- عنده حق ، أنا لو مكانه كنت هعمل اكتر من كده ، أنتِ مش حاسة بقيمة نفسك !! بس مكنتش أعرف انك اتحجبتي !! شعرك كان يجنن !
صرت للي على اسنانها بقوة كي تحاول التحكم بغضبها الداخلي وقالت بذات الابتسامة المزيفة :-
_ لحد وقت قريب كنت متمسكة بيه ، لكن لقيت أن حياته كلها شغل في شغل ده غير ولاد اخواته ، انا على الهامش رغم تحكمه فيا !
اقترب راشد واعتدل بمقعده قائلا بهمس :- بس معايا الامر مختلف....كل وقتي هيبقى ليكِ ، أنا عيني عليكي من زمان ، لولا جين كان زمانك معايا ، حسام مكنش يشغلني اصلا وجوده...
قالت بمراوغة :- افرض عرفت في أي وقت علاقتك بيا وطلبت منك تسيبني ، هتختار مين ؟
ابتسم راشد بمكر يحوم بمقلتيه وقال بعد فترة صمت جعلت للي تتعجب :-
_ أنا اخترت جين كتير....اخترتها عشان أقوى فقط ، دلوقتي انا اقوى منها ومن عيلتها ، محدش فيهم يقدر يقف قصادي دلوقتي...ولعلمك انا مستني اللحظة اللي هكشف فيها خبر مهم لعليتها....وهتكوني من ضمن الخبر ده...
ضيقت للي عينيها بتوجس وقالت :-
_ مش فاهمة تقصد ايه ؟ عايزة اطمن
طافت نظرت راشد على ملامحها الفاتنة وقال بثقة عالية :-
_ بعد ما تطلقي...هتجوزك رسمي...الاعلان ده هيكون معاه اعلان تاني يخص شركات" ثابت "
فغرت للي فاها بذهول بينما ضحك بسخرية على صدمتها......
بخارج الفندق......
جلست جين تستمع لما قاله راشد للتو بعدما وضعت شيء بملابسه يصلها بما يقوله بوضوح.....كان ماجد شقيقها يستمع للحديث بهدوء غريب وهو يجلس بجانبها في السيارة وقد عاد من سفره عقب وصول راشد ولكنه لم يخبره بذلك تحت طلب شقيقته جين....هتفت جين بشراسة وقالت :-
_ الحيوان اللي وقفت جانبه لحد ما خليته بني ادم....لازم اعرفه مين چين ثابت...
كادت أن تخرج من السيارة حتى جذبها ماجد من معصم يدها لتجلس مجددا :- تبقي غبية لو ظهرتي نفسك دلوقتي...انا هخلص عليه وبنفسي...راشد قضى غلى نفسه بنفسه وما سابليش حل غير أني انهيه....
قالت جين بدهشة :- هتموته !
نظر لها بعنف وقال :- ولو رفضتي هخلص عليكِ أنتِ كمان ، يا احنا يا هو ....اختاري وقرري وخليكي عارفة يا جين ، أني في كل الاحوال هخلص عليه...مستغرب انك لسه باقية عليه !!
ادمعت عينيها وقالت :- كنت حبيته ، خلاني احبه وضحك عليا ، لكن دلوقتي بكرهه لأنه عايز يذلني ، مش همنعك لأني مش بإيدي حلول...
أخرج ماجد سلاحه الخاص الذي اعده من قبل مجيئه لهنا وقال بثبات وثقة :-
_ فاضلك دقايق معدودة يا راشد ، كنت حاسس أن نهايتك هتكون على ايدي في الآخر...
وضع سلاحه بملابسه مرة أخرى وخرج من السيارة قائلا :-
_ زي ما اتفقنا ، راقبيه أنتِ هنا وانا هروح شقة التجمع ، رجالتي هناك مستنيني بس الحفلة دي مافيهاش معازيم غيري انا وهو بس...
ذهب مبتعدا عنها لتنزلق دموعها بقهر من خنجر الغدر والخيانة التي غرز بقلبها....
خرج راشد ومعه للي من المطعم بينما سيارة چين تراقبه من طريق جانبي وسيارة وجيه تقف مصفوفة خلف عدة سيارة ومختبئة عن الانظار.....قال رأفت بعدما استمع بسرية لما قاله راشد بواسطة جهاز التنصت ولم يخبر وجيه بالأمر تجنبا لأي رد فعل متهور بعدما يستمع لحديث راشد الذي متوقع انه لا يخلو من المغازلة الوقحة....
سارت سيارة وجيه خلف سيارة جين التي أمامها سيارة راشد....كانت عينيه تقدح شرر شرس وهو يقود سيارته...
*********
وقفت سيارة راشد أخيرا أمام مبنى وترجل منها وتملأ عينيه الثقة والزهو !! خرجت للي من السيارة بأقدام تكاد تحملها...اختلست النظر حولها فلم تجد سيارة قريبة فقلقت بعض الشيء...بينما سيارة وجيه أخذت مكان بعيد تماما عن الأعين وتركت جين سيارتها على بعد امتار وسارت حتى المبنى ثم اختبأت حتى دخل زوجها مع للي بداخل المبنى....
نظرت للمفتاح بيدها الخاص بالشقة والذي أخذت منه نسخة سرا وانتظرت بضع دقائق حتى اقتربت من المبنى وولجت بداخله...
خرج رأفت من سيارة وجيه وهو يتحدث بالهاتف ثم انتهى الاتصال قائلا :-
_ ماجد في الشقة مع رجالته ، رجالتي أنا بقى مداريين مؤقتا...كده لازم اكون موجود فوق معاهم ، بس أزاي ؟
خرج وجيه من سيارته بغضب وعنف وقال :- انا هطلع واللي يحصل يحصل ،كده للي في اخطر اكبر مع المجرمين دول...
قال رأفت ليطمئنه :- بقولك رجالتي فوق ومعايا أمر بضبطهم بس لازم اسجلهم كلامهم الأول ، بعد المواجهة ، المشكلة مش مع مراتك بس يا وجيه دول مجرمين ولازم يتكشفوا....انا هتصرف وهدخل بأي
طريقة ، استناني هنا واوعدك اسلمك مراتك بخير....
ذهب رأفت من احد المداخل الأخرى للمبنى دون المدخل الاساسي وابتعد...وقف وجيه يزفر بضيق وغضب مكبوت ولم يستطع أن يظل مكتوف الإيدي هكذا....
*********
دلفت للي خلف راشد الى الشقة وقد جف ريقها من التوتر والخوف ، لم تستطع رؤية شيء بدقة فعقلها كان تائها وعينيها لا تكسب دقة التفاصيل للرؤيا...
اغلق راشد باب الشقة عليهما ظنا انهما منفردين واقترب منها بنظرة جريئة...استدارت له وقالت بتلعثم وهي ترتجف من اقترابه المخيف :-
_ الشقة ....ما اتغيرتش...
حاولت أن تشغله بالحديث ولكنه اقترب منها ولم يكن بعينيه سوى هدف واحد....ابتعدت عنه سريعا وهي ترتجف وقالت :- حاسة اني عطشانة ، ممكن تجيبلي حاجة أشربها ؟
قال بضحكة ساخرة ولا زال يقترب لها:- واجيبلك ليه والشقة دلوقتي بقت تقريبا ملكك ؟!
اغمضت عينيها لتحاول الثبات ثم قالت بقوة :- مخدتش عليها لسه..
جذبها اليه فدفعته بكل قوتها صارخة بكراهية واحتقار رغم دموعها المسترسلة على خديها :- حقير ....لو قربت مني هقتلك
نظر اليها راشد بسخرية وقال :-
_ ما تفتكريش أني دخل عليا كلامك ، أنا عارف انك بتحبيه ، لكن دخلتي القفص برجلك ومش هتخرجي منه الا بمزاجي...ده لو خرجتي يعني....
توحد الوقت الذي فتحت فيه چين باب الشقة مع ظهور ماجد من أحد الغرف وبيده سلاحه....أشهر ماجد سلاحه اتجاه راشد الذي نظر اليه مصدوما ...قال ماجد بسخرية :-
_ أنت اللي مش هتخرج من هنا حي يا راشد ، ولا حتى بمزاجي ، مهمة قتلك جت من كبير العيلة بنفسه...عاصم ثابت ...جدي ، مكنش ينفع أي حد يخلص عليك وينول الشرف ده غيري....
راشد بصدمة :- أنت بتقول ايه وجيت مصر امتى ؟!
اشتدت سخرية ماجد قائلا :-
_ وده هيفيدك يعني ولا بتكسب وقت ؟!
لوت جين شفتيها باحتقار وهي تقترب له وقالت :-
_ أنت اللي اخترت نهايتك....دلوقتي مرتاحة أني مخلفتش منك والا كان هيبقى عندي نسخة منك وللأسف مكنتش هقدر اتخلص منهم...انما أنت خلاص انتهيت..
ورغم ما يعبأ الأجواء من خوف ولكن اطمأنت للي بوجودهم لتنظر لها چين بكره وازدراء قائلة :-
_ احسن مني في ايه عشان تجري وراها وتسيب جين ثابت ؟ طول عمرك غبي وبرضو هتموت وأنت لسه غبي!
توجست للي من نظرات چين المتوعدة لها بينما قال راشد بغضب :-
_ عايزة تعرفي؟ هقولك ، بما أني كده ميت ميت فاسمعيني الأول....لما اتجوزتك حفيت وراكي ، كنت بحبك ، ومش هنكر ان عيني برضو كانت على ثروة عيلتك لكن أنتِ لو مكنتيش مغرورة وشايفة الناس كلها عبيد واولهم أنا يمكن كنت فضلت احبك وما بصيتش لغيرك!
عمري ما وثقت فيكي لأني عارف أي مشكلة بتجري لعيلتك تتحامي فيهم ، بتشوفي اهانتي قدامك من ابوكي وجدك وأخوكي وعمرك ما دافعتي عني ولو بكلمة ! أحبك ليه ؟! ابقى عليكي وعلى عيلتك ليه ؟ طب تعرفي أنا حبيت للي ليه وجريت وراها ؟
عشان في قمة كرهها لحسام دافعت عن نفسها وشرفها وصانته ! مكنتش بغلط فيه قدامها لأني عارف انها هدافع حتى لو بتكرهه...لو أنتِ زيها عمري ما كونت فكرت اخونك...
ماجد بعصبية :- أنت بتبرر خيانتك للعيلة وعايز تكسب تعاطف چين ، انما.....
قاطعه راشد بدفعه قوية جعلت ماجد يفقد اتزانه وسقط من يده المسدس بينما اخذه راشد سريعا وقبض على ذراعي چين يحتمي بها ووضع المسدس بعنقها بتهديد...ضحك بسخرية وهو يرى رجال ماجد يلتفون حوله ويأمرهم بالابتعاد.....قال راشد بتهديد :-
_ خطوة واحدة وأختك هتدفنها بإيدك....انا اصلا بكرهكم كلكم....
نظر ماجد له بعنف وامر رجاله بالابتعاد موقتا ثم نهض قائلا :-
_ لو فكرت تعملها حاجة تبقى قضيت على نفسك
ضحك راشد بسخرية :- بجد !! دلوقتي عامل نفسك خايف عليها ؟! ولا فاكرني غبي ومش عارف انك حاولت تقتلها قبل كده عشان ميراثها ؟!
وعشان انا افضل منك وخدت اكتر من نص اسهم شركات ثابت !
هي غبية وفاكرة أن اللي بتعمله دلوقتي عشانها انما عشان حقدك وطمعك أنت... وهي اللي عليها الدور بعدي....لو هي بتفهم كانت عرفت أني كنت السبب انها لسه عايشة لحد دلوقتي....
اتسعت عين چين بصدمة ودموعها تسقط من عينيها بصدمة....نظرات شقيقها المرتبكة اخبرتها أن الحديث ليس كاذب....تفوهت بصدمة :-
_ أنت يا ماجد ؟! ده أنا أختك ؟! حاولت تقتلني معقول !
راشد وهو يشدد على قبضته عليها قال بسخرية :-
_ ما تتصدميش....انتوا عليتكوا كده يا حبيبتي...معندهمش غالي ولا عزيز...
هتف ماجد بغضب :- أنتِ لسه بتصدقيه ؟!
قال راشد بسخرية :- آه هتصدقني المرادي بالذات ، عارف ليه ؟ لأن معايا تسجيل صوتي ليك وأنت بتتفق عليها ، ماتستغربش أني مكشتفتكش لحد دلوقتي بيه كنت سايبه للأخر....وكمان التوكيل اللي خليتها لغيته ليك وبعدها سافرنا نقضي شهر العسل...محاولة ضربها بالنار وبعدها محاولة خطف فاشلة ، كل ده انا اللي انقذتها منها...وكل ده أنت اللي وراه !!
وقفت چين بجسد متيبس كالحجر وقلب تهشم لفتات...ونظرت لشقيقها بقهر...كانت الصدمات تتوالى عليها دفاعاً....نظرت لها للي ببعض الشفقة بينما نظرت لراشد بكره شديد....استطرد راشد قائلا :-
_ ابعد انت ورجالتك قبل ما افتت دماغها يا ماجد ومخليش فيه حته سليمة...
قال ماجد فجأة :- اقتلها
نظرت له چين بصدمة اكبر وقالت بتهتهة :- يقتلني !
هز راشد رأسه بعصبية وعنف :- كنت متوقع منك كده بس خلي بالك...
اشار ماجد لرجاله حتى يصوبوا عليه دون مراعاة حياة شقيقته ولكن هجم على الرجلين أثنان من رجال الشرطة خلفهم وقيدوهم في لحظات....نظر راشد لوجه الضابط رأفت الذي ظهر فجأة وقال وهو يشهر سلاحه بوجه راشد :-
_ سيبها وإلا مش هتطلع من هنا سليم يا راشد..
تفاجئ راشد برجال آخرين من قوة الشرطة بينما كان يتجه بظهره الى الباب ، نظرت للي لآنية زجاجية توضع فيها الزهور ،تسللت اصابعها اليها ثم حملتها سريعا ودفعتها بوجهه حتى تأوه راشد بألم من جبهته التي نزفت الدماء وارتخت قبضته على چين التي كانت كالجثة المتحركة بين يديه...وفي غمرة تيهته ركض اليه رأفت محاولا انقاذ چين من قبضته فالتقط من يده المسدس سريعا بلكمة قوية من يده ثم اسرعت للي لجين وجذبتها بعيدا عن هذا العراك.....
نهض راشد من اللكمات العنيفة الموجهة اليه من الضابط رأفت ليركض خارج واغلق الباب عليهم وظن أنه قيدهم بداخل الشقة حتى يتثنى له الهروب بينما ما كاد أن يستدير حتى تلقى لكمة قوية من يد وجيه قد وضع بها كامل غضبه لتنزف أنف راشد بعنف واسودت الرؤية أمام عينيه قليلا ليُكيل اليه وجيه ضربات متتالية بغضب.....استطاع الضابط رأفت فتح الباب وخرج سريعا ليجد راشد يفترش الأرض مغشيا عليه ودوائر الدماء حوله ووجيه يقف ناظرا له باحتقار.....اسرع رأفت اليه قائلا :-
_ كويس أنك لحقته قبل ما يهرب ومحدش يلحقه....
جذب رجال الشرطة رجال ماجد شقيق چين بينما خرج ماجد وهو ينظر لهم جميعا بنظرة قوية وفجأة سرق من أحد رجالة سلاح كان بحوزته واطلق اربع أعيرة نارية بصدر راشد بتصويب احترافي لتنفتح عين راشد دون انفاس باقية....ولقى مصرعه إثر ذلك....نظر له ماجد بسخرية وقال :-
_ كلب وراح...وكام يوم وهطلع
هتف الضابط رأفت بعصبية ولكمه بغضب :- كام يوم ! انا هعرفك الكام يوم دول هيبقوا كام سنة ويمكن أعدام..
نظرات ماجد كانت ساخرة وكأنه لا يعنيه الأمر حتى دفعوه رجال الشرطة لخارج المبنى.....
خرجت للي ومعها چين التي نظرت لراشد دون حركة من جفن عينيها...كأنها تتحرك دون روح....نظر وجيه لراشد الذي انتهى امره للأبد وقال :-
_ اللهم لا شماته....كده أفضل
خبأت للي وجهها بخوف حتى جذبها وجيه اليه بضمة وربته حنونة لتهدأ من روعها.....همس بأذنها بشيء جعلها تتمسك بملابسه تحتمي به
نظرت لهم چين وقالت بقهر :-
_ اللي افتكرت انهم بيحبوني كان عايزين يموتوني !! واللي عشت اكرهم كانوا من اسباب أني لسه عايشة !! كنت بكرهك يا ليان !! بس النهاردة عرفت اني انا اللي استحق اتكره...
قالت للي وهي بين ذراعي زوجها :- مافيش داعي للكلام دلوقتي يا چين....انا عمري ما كرهتك...انتِ ضحية ناس كتير حواليكي..
اتى رأفت قائلا بأمر لهما ومعه عدة رجال من الشرطة وامرهم بحمل الجثة....ثم قال لوجيه :- تعالى معايا يا وجيه أنت ومراتك عشان التحقيق...
تساءلت للي :- وچين ؟
أجاب رأفت :- هتيجي معانا وتشهد باللي حصل ، مافيش حاجة ضدها لحد دلوقتي...
*******
قد قارب قرص الشمس عن المغيب.....بينما سانتوريني تلك الجزيرة اليونانية كان الغروب لها ساحر كعادته....يحتضن السماء برفق...
كانت نائمة بين ذراعيه وظل ينظر لها للحظات...اليوم يُعد أول يوم بزواجهم رغم انهما تزوجا منذ أيام....
كانت تغمض عينيها بهدوء وسلام تام وكأنها تختبر الأمان لأول مرة بعمرها...ظل يبتسم لها بعشق وبين الحين والأخر يقبل جبينها برقة حتى لا تستفيق من غفوتها.....
كانت بريئة تماما...
خجولة جدًا ....
كل مرة ينظر لها بجرأة كأنها أول مرة تراه وتخجل !
للحظة قارنها بالفتيات المفترض فاتنات وعملن معه...أين تلك المقارنة بحبيبته ذات الحياء والرقة وبين تلك العاريات ؟!
مقارنة غير عادلة....ثمة شيء من الأنوثة التي تسلب العقل في نظرات الفتاة التي تستحي وتحب بآنٍ واحد....شيء لا يتقنه سوى الطاهرات العفيفات....أنوثة صارخة بالفتاة التي تدخر كل دلالها لزوجها فقط...
تمتمت بشيء وظهر أنها تحلم ربما...كتم ضحكته لذهابها بالنوم مجددا بقوة فضمها بقوة أكثر وأغمض عينيه مرة أخرى....هناك أيام رائعة ستأتي وزوجته حبيبته معه دون عثرات بينهما...وقد جمع الله بينهما في خير.
**********
بقسم الشرطة .....بالمساء...
أتى والد چين ثابت...ليجد ابنته تجلس ويديها تلتف حولها ويبدو عليها وكأنها محمومة.... ....اسرع اليها واخذها بين ذراعيه قال :-
_ أنا عرفت كل حاجة واللي ماجد كان عايز يعمله...
نظرت چين لأبيها بحسرة وقالت :-
_ روحت تطمن عليه الأول ، مسألتش عني ، كالعادة
نظر اليها والدها وتحكم في عصبيته وقال :-
_ چين...أخوكي بيتحقق معاه في قضية قتل ! أنتِ متخيلة المصيبة اللي احنا فيها ؟! والمصيبة الأكبر انه عمل كده قدام ضابط شرطة وشهود ! انا مش عارف عقله كان فين !!
چين بسخرية ومرارة تملأ قلبها :-
_ ممكن اطلب منك طلب ومترفضش ؟
هز والدها رأسه بموافقة وقال :- اطلبي مع أن ده مش وقته خالص !!
ابتلعت چين ريقها بألم وقالت وهي ترتجف بقوة :-
_ ماجد مطمن انك هتطلعه !! لكن أنا مش عايزة أعيش معاكم ، انا متنازلة عن ورثي كله ، كل حاجة ، مش عايزة أي حاجة ، بس سيبوني أعرف أعيش..
والدها بغضب :- ايه التخاريف دي !!
جين بدموع حارقة :- يعني عارف أنه حاول يقتلني واخرهم النهاردة كان عايز راشد يقتلني ولسه بتقولي تخريف !! مش فارق معاك أنه كان عايز يموتني ؟! للدرجة مصلحة العيلة أهم مني ؟!
والدها بعنف :- أنتِ اللي صممتي عليه ، لو كنت أعرف أنه هيخليكي تلغي التوكيل من اخوكي مكنتش وافقت عليه ابداً....أنا مسلمك ورث والدتك لأن ده كان وصيتها وأخوالك صمموا لكن ده مش معناه أنك تسلميه لحد غريب !! ولما ادينا فرصة ليه عشان يبقى واحد مننا عض الايد اللي اتمديتله !!
چين بقهر....:- هتنازل عن كل شيء ، مابقتش عايزة فلوسكم ، ولا عايزة ابقى منكم ، انا نفسي أعيش في امان اللي عمري ما حسيت بيه معاكم...
نظر لها والدها وقال بأمر :- من غير شوشرة تعالي معايا نرجع القصر ،وجودنا هنا مالوش داعي والمحامي معاه...كلمة زيادة يا چين أنتِ عارفة عصبيتي عاملة أزاي....
أخذها رغما عنها وهي تبكي بقوة كالطفلة المذنبة بينما وقف رأفت ينظر لهما من بعيد بضيق وقال :-
_ ايه العيلة الدموية دي !! الكتكوته دي أزاي عايشة وسطهم ؟!
قال وجيه مبتسما لكلمة رأفت :- كتكوته يا رأفت !! اخشن شوية يا حضرت الضابط !
رغم ما يعبأ الأجواء من هواء يكتم الانفاس من دخان السجائر ورائحة التبغ لبعض المجرمين ولكن اخفت للي ابتسامتها لحديث وجيه....قال رأفت بغيظ :-
_ يا وجيه صعبت عليا...انا انسان برضو
تمسك وجيه بيد زوجته وقال :- كده التحقيق معانا انتهى ، فش شيء تاني ؟
قال رأفت موضحا :- آه ، شوية اجراءات كده بس تقدر تمشي دلوقتي وهبعتلك تاني....
كاد وجيه ان يبتعد ومعه للي حتى تفاجئ رأفت بأحد العساكر الذي يحمل له مغلف يخص القضية.....تعجب رأفت من الأمر وأخذ المغلف ليرى محتواه حتى صدم بالأوراق التي كان يهدد بها حسام ، يبدو أن المجهول علم بما حدث وارسل هذه الأوراق ليزج ماجد شقيق چين بالسجن وذلك إذا تم التلاعب بقضية القتل المتعمد....ابتسم رأفت لوجيه وقال :-
_ اظن كده دوركم مع عيلة ثابت انتهى....حسام لعبها وحسبها صح لأنه عارفهم واحد واحد....وقعهم كلهم في شر اعمالهم....انتوا كده في الأمان..
تنفس وجيه براحة ثم ظهرت ابتسامة خفيفة على وجهه وخرج ومعه زوجته....
جلست للي بجانب زوجها بسيارته الخاصة وقالت بمشاكسة :-
_ هنرجع الفيوم بقى ، البيت هناك وحشني زي ما اكون سيباه بقالي سنين....الحمد لله ربنا انصفنا وخلصنا من الشر ده للأبد...راشد مات هو وحسام ، وعيلة چين اعتقد بعد الاوراق اللي وصلت دي مشكلتهم هتكون كارثية وهيتقبض عليهم كلهم...مشكلتهم دلوقتي مع القانون...
قال وجيه براحة :-
_ كنت عارف أن مع حبي ليكِ الطريق مش سهل ، لكن أنا مش هسيب ايدك مهما حصل ، اظن كده خلصتي من الماضي كله ومافيش داعي للخوف من أي حد تاني....
ارتمت بين ذراعيه بابتسامة آمنة وقالت :-
_ اكتر مرة حاسة فيها بالآمان ، الحمد لله اد الدنيا ، نشوف بقى حياتنا
كانت ابتسامتها واسعة مرحة فنظر اليها بمحبة خالصة وقال بغمزة :-
_ نرجع الفيوم....
***********
باليوم التالي.....
أتى يوسف للمشفى مبكرا مع صيام المدة المحددة لإجراء التحاليل....استقبلته الدكتورة عايدة ويسرت الاجراءات ورافقته حتى انتهى التحليل وقالت :-
_ استنى ٣ ساعات بالضبط وهجيبلك التحليل عشان ما تضطرش تجي تاني تاخده....
سحب يوسف كم قميصه واغلق زرار معصمه وقال بعفوية :-
_ هقعد مع نور لحد ما النتيجة تطلع واخدها وامشي...
اخذته عايدة بنظرات شاردة بعض الشيء حتى غرفة ابنتها التي خسرت من وزنها كثيرا واشتد شحوب وجهها وكأنها جثة هامدة.....دلف يوسف للغرفة بينما حركت نور رأسها ببطء واعياء لتتسع عينيها بابتسامة وكأن الحياة تعود اليها بكل خطوة من اقترابه..تمتمت :- يوسف !
جلس يوسف بمقعد قريب وقال مبتسما :-
_عاملة ايه يا نور ؟ الف سلامة عليكِ ، مكنتش أعرف أنك في المستشفى هنا والله غير بالصدفة.
ادمعت عين نور بألم وقالت بالكاد :- سبتني ليه ؟ أنت عارف أني طول عمري بحبك..
صحح يوسف بحنان وقال :- يا نور أنتِ حبتيني عشان وقفت جانبك لكن هيجي الوقت وهتعرفي أن الحب كان وهم...هتعرفي لما تقابلي الحب اللي بجد وساعتها هتعرفي أن كان عندي حق...
هزت نور رأسها بنفي وانكمشت ملامحها من البكاء وقالت :-
_ ما تقولش كده ، بس على العموم مش مهم اي حاجة ، المهم أنك هنا وعارفة انك جيت عشاني...عشان نور
صمت يوسف بحرج ولم يستطع التكذيب.....مر الوقت وانقضت الثلاث ساعات حتى أتت الدكتورة عايدة وهي تولج للغرفة وترتدي كمامة طبية وتشير ليوسف من بعيد أن يتبعها....نهض يوسف قائلا لنور :-
_ هجيلك تاني ...سلام مؤقتاً
خرج من الغرفة مع نظرات نور الدامعة بلهفة واتبع خطوات والدتها بالخارج حتى مرت عايدة بممر طويل بأحد الطوابق دون حديث فتعجب يوسف وتساءل :-
_ احنا رايحين فين ؟!
قالت بصوت مكتوم من الكمامة :- هتعرف دلوقتي يا يوسف وهفهمك...
بدأ القلق يدب بقلبه حتى دخلت عايدة لأحد الغرف البعيدة تماماً وأشارت له ليدخل....دخل يوسف وجلس على مقعد فقالت بقوة :-
_ لأ....نام
ضيق يوسف عينيه ولم يستطع الا أن يستفسر وقال :-
_ في اشعة تاني ؟! انا مش فاهم حاجة !!
جلست عايدة بعيدة عنه وقالت بعد فترة صمت دامت دقائق قليلة :-
_ عشان اكون صريحة معاك يا يوسف ، الاشعة والتحاليل بينت أنك حامل لفيروس بدأ ينتشر هنا من شهر تقريبـًا....أنا أسفة بس المستشفى امرت بعزلك والا هتحصل مشكلة لو خرجت وهيتصلوا بالشرطة والمشكلة هتكبر......
تجمد يوسف في مكانه والصدمة تحوم بمقلتيه...ثم تمتم بذهول :-
_ عزل وفيروس !! يعني أنا مريض ؟
قالت عايدة بنظرة اظهرت فيها الشفقة :-
_ مش عارفة أقولك ايه بس الفيروس ده خطير ، وكويس انه اتكشف بسرعة ، نلحقه في الأول لأن لو اتمكن منك ممكن لاقدر الله...
ضيق يوسف عينيه بخوف وليس فقط على حياته بينما لعائلته...لأحلامه مع حبيبته وزوجته...لجميع من تركهم ببلده فأضافت الدكتورة عايدة :-
_ لازم تسمع كلامي ، انا بشتغل هنا ولولا كده كنت هتلاقي صعوبة ، هتقعد هنا كام يوم وهتاخد الأدوية اللازمة لحد ما تتخلص من الفيروس ده نهائي وبعدها تقدر تخرج....
الجمت الصدمة صوته والتمعت عينيه بالألم والحزن لما وقع على رأسه فجأة
رفعت عايدة إبرة طبية وملأتها بسائل اصفر ثم نظرت ليوسف قائلة بغموض :- ده فيتامين سي ، عشان المناعة..واضح أن مناعتك ضعيفة
يتبع
......رواية إمبراطورية الرجال الفصل الثالث والستون
دست سن الإبرة بذراعه بينما كانت عينيه ضائعة بتيهه الفكر....
شعر بعدها يوسف بدوار شديد ورغما عنه تمدد على الفراش الطبي والرؤيا تهتز أمام عينيه....خرجت عايدة من الغرفة وتركته يغفو ثم وقفت قائلة ببعض الضيق :-
_ معنديش حل تاني ، لازم يفضل جنب نور لحد ما تقوم بالسلامة وتعمل عمليتها...هو سبب الحالة اللي هي فيها يشوف شوية من اللي هي فيه ليل نهار...
سارت بالطريق مع افكار كثيرة بعقلها.....
*********
مضى أسبوع.....بقصر الزيان
كانت عينيها منتفخة من البكاء ووجهها يبدو شاحبا والدوائر السوداء حول عينيها من قلة النوم.....لم تستطع الوصول لأي من عائلة الزيان حتى اتى اتصال فجأة على الهاتف الأرضي للقصر واخبرت احدى الخادمات حميدة بالأمر فركضت حميدة للطابق الأرضي سريعا.....
كادت ان تتعثر على درجات السلم وهي تركض حتى اقتربت لسماعة الهاتف واجابت بلهفة قاتلة :- ايوة يا يوسف أنت فين ؟!
تعجب آسر من الأمر وقال :- يوسف !! ماله يوسف ؟! أنت بحاول اتصل بيه لكن رقمه مغلق فاتصلت بالقصر يمكن اعرف اي شيء عنه ...
هتفت حميدة بصراخ وبكاء :-
_ يوسف سافر لندن يا آسر من ١٠أيام واتصل بيا مرة واحدة بس وبعدها معرفتش عنه حاجة.....روحت الشركة وحاولت أعرف حاجة معرفتش ، وتليفوناتكم كلكم مش معايا ، وتليفون جميلة وسما وللي مقفول مش عارفة اوصل لحد فيكم ، يوسف فين يا آسر ، يوسف فين ؟!
ركضت الدماء بعروق آسر في رجفة مرتعبة وقال بصدمة :-
_ طب بطلي عياط ، انا هرجع القصر النهاردة وأن شاء الله مافيش حاجة...
اغلق آسر الاتصال لتسأله سما بخوف :-
_ حميدة بتصرخ ليه يا آسر ؟!
التمعت عين آسر بالرعب واجرى اتصال سريع على هاتف جاسر فوجده مغلق...أجرى اتصال على رقم آخر يخصه فوجده الرقم متاح وتم الاتصال....اجاب جاسر ويبدو أنه كان يضحك :-
_ ايوة يا غتت ، يابني أنا
قاطعها آسر بصياح :- يوسف مختفي يا جاسر ، محدش عارف عنه حاجة ،انا راجع القصر النهاردة وهقلب الدنيا عليه لحد ما الاقيه...
ضيق جاسر عينيه بذهول وترك المنشفة من يده التي كان يجفف رأسه بها ويضحك عاليا على جميلة التي تركض خوفا وخلفها قطة.....قال بتلعثم :-
_ يعني ايه مختفي ؟! انت بتقول ايه ؟!
صاح آسر بعينين تعتصر خوف وقال :-
_ يعني مختفي ومش موجود ، انا هتصل بالشركة وأشوف سفره للندن كان سببه ايه !!
اغلق اسر الاتصال وقال بعصبية :- حضري الشنط بسرعة ، هنرجع القاهرة حالا....
ركضت سما وبدأت عينيها تدمع بخوف من المجهول وبدأت تعد الحقائب....
*******
وعند الفجر وجدت حميدة آسر وسما يركضون من مدخل القصر للداخل والسائق خلفهم يحمل الحقائب فركضت اليهما قائلة بانهيار وبكاء لم يتوقف منذ أيام :-
_ في رقم دولي اتصل بيا وقالي هيتصلوا بيا بعد ساعة كمان وحاولت اعرف في ايه بس محدش قالي ....
اسر بقلق وخوف تملك من قلبه :-
_ انا عملت اتصالات كتير ، يوسف سافر لندن وقابل جون بالفعل بس جون ما شافوش بعدها ، انا لازم اسافر لندن في اسرع وقت والاقيه....
ربتت سما على ذراع حميدة وعينيها تتسرب منها الدموع لأجل حميدة التي وكأنها تعاني من أمراض العالم أجمع بشحوب وجهها وهزال جسدها....
دق هاتف آسر فنظر آسر لهاتفه ووجد المتصل عمه وجيه الذي كان هاتفه مغلق لساعات ، أجاب سريعا :- ايوة يا عمي انا في كارثة
ترك وجيه باب سيارته الذي كان يغلقه بعدما اتى لمنزل الفيوم بعد قضاء وقت النهار بأكمله بالخارج يطفو بين الأسواق والمحلات في تنزه مع زوجته....ضيق عينيه بذهول وهتف :- كارثة ايه ؟!
قال آسر بألم :- يوسف ياعمي...بعد ما سافر لندن اختفى ومحدش عارف هو فين !!
هربت الدماء من وجه وجيه وكاد قلبه ان يتوقف من الصدمة....قالت ل
لي وهي تقف بجانبه بقلق :- مالك يا وجيه ؟!
لم يستطع وجيه النطق لدقائق من الصدمة حتى دخل سيارته وامرها تفعله مثله دون نقاش وحرك سيارته سريعا والاتصال لا زال مفتوح ...هتف بعنف وتصميم :-
_ يوسف بخير ، انا متأكد ، انا هسافرله بنفسي ، يوسف بخير يا آسر ما تقلقش...
اغلق بعدها الاتصال ومرر يده على شعره بألم وكأن خناجر تغرز بقلبه .....
نظرت له للي وهي ترتجف من الخوف ولم تستطع حتى سؤاله وهو بهذه الحالة ....
*******
بقصر الزيان....مرت ساعة حتى اتى جاسر وجميلة مثلما أتى آسر وزوجته راكضين للداخل.....قال جاسر بشراسة دون مقدمات لهما وهما جالسين على مقاعد بالردهة وحميدة ترمي رأسها على صدر سما بدموع لم تتوقف :-
_ كلمت جون وانا جاي على هنا ، قال أن يوسف في أخر مرة كان بيعمل تحاليل وشكله تعبان !! يوسف قاله كده...
سمعت حميدة الأمر فاهتز جسدها بقوة من الارتعاش ثم اسودت الرؤية أمامها....
ركضت جميلة لها بهلع وحاولت وهي وسما افاقتها حتى بدأت تستعيد الوعي بعد دقائق....قال آسر والتمعت دمعة بعينه :-
_ أنا خايف ، حاسس أن روحي بتتسحب مني ، مش معقول يكون...
جذبه جاسر من ياقته بشراسة وصرخ بوجهه قائلا :-
_ يوسف هيرجع أنت فاهم ، لو نطقت وقلت كده تاني هضربك....
دفعه جاسر بقوة بينما تحكم بنفسه وتركهم واتجه اتجاه المسبح....
وقف تحت ضوء القمر ولأول مرة تسقط دموع عينيه خوف وتمتم باسمه برجاء ومحبة ....وضع آسر يده على كتفه قائلا بمواساة :-
_ هيكون بخير أن شاء الله...هيرجعلنا...
استدار جاسر والدموع تملأ عينيه وقال :-
_ مكنتش عارف انه غالي عندي كده ، مكنش ابن عمي وبس ، كان أخويا وصاحبي ، ساعات كمان كنت بحس أنه ابني
آسر بحزن :- وانا كمان ، عمي جاي في الطريق ،هو اتصل بسكرتيرته عشان ترتبله السفر للندن في أول طيارة....
نظر جاسر للسماء برجاء وعينيه تدمع الم وخوف.....
بعد عدة ساعات وقفت سيارة وجيه أمام القصر وخرج منها وتبعته للي....ولج للداخل حتى الصالون المجتمعين فيه ينتظرون أي شيء ونظر لهم بقوة قائلا بهتاف :-
_ مش عايز المنظر ده أشوفه ، يوسف بخير وهيرجع ، انا هسافر في اول طيارة وهرجع بيه....
قالت حميدة ببكاء شديد :- حتى اللي اتصلوا بالقصر ما اتصلوا تاني ،معرفش حصل ايه !
وجيه بتعجب :- مين اللي اتصلوا ؟!
توجهت للي لمكان حميدة واخذتها بضمة قوية تواسيها فأجابت حميدة وهي بين ذراعيها ببكاء :- معرفش...مابقتش عارفة حاجة ، رقم من برا اتصل وقالوا هيرجعوا يتصلوا تاني ! اكيد الاتصال ده يخص يوسف...
قبعت الحيرة والرجفة والخوف بعين وجيه وهو مكتوف الايدي عن فعل شيء وبينه وبين لندن اميال....
قال ليهدأ روعها :- أنا قلت هرجع بيه ...يعني اطمنوا
قالت للي برقة :- أن شاء الله خير ، وهيرجع بالسلامة...
هتف جاسر قائلا :- جون قالي أن يوسف كان تعبان ورايح يعمل تحاليل واشعة واعتذر عن تأخير معاده مع جون وقاله أنه قابل حد من قرايبنا في المستشفى بس مذكرش مين !
وجيه بتفكير :- قرايبنا ...لندن ، أنا هعرف مين قرايبنا اللي في لندن....
صاح آسر متذكرا :- يمكن سمر وجوزها !
اكد وجيه بقوة :- صح ، اللي أعرفه أن والدها ووالدتها سافروا أمريكا مش لندن....اكيد هما...
رفع وجيه هاتفه بأحد اقاربه وطلب رقم زوج سمر حتى املاه الطرف الأخر الرقم .....انتهى الاتصال ليجري وجيه اتصال دولي على رقم زوج سمر فأجابه " عمرو" وتقدم وجيه بالتعريف عن نفسه فرحب به عمر ثم قال وجيه مجددا :-
_ انت شوفت يوسف عندك يا عمرو ؟ قابلته في اي مكان ؟
قال عمرو بنفي :- لأ بصراحة ....استنى اسألك سمر
توجه الى زوجته بالشرفة الخاصة بغرفتهما وكانت تضع سماعات أذن وتستمع للموسيقى....اخفضت السماعة عندما أشار لها زوجها كي تجيب...فأجابت سمر بترحاب شديد :- ايوة يا عمي ازيك ، مبسوطة اوي أنك كلمتني....
وجيه بلهفة :- الحمد لله اتطمنت عليكي يا سمر بس كنت عايز أعرف منك أي شيء عن يوسف...شوفتيه ؟
صمتت سمر بمحاولة التذكر ثم قالت بصدق :-
_ بصراحة لأ ، اللي أعرفه أنه زار نور في المستشفى وعمل تحليل واشعة لأنه كان تعبان....ماما قالتلي انه كويس وبعدها معرفتش عنه حاجة ولا حاول يسأل عني انا زعلانة منه أوي !
ضيق وجيه عينيه بدهشة :- هي نور ووالدتك عندك !
اجابت سمر :- اه..ماما بتشتغل في المستشفى اللي موجودة فيها نور......الدنيا هنا واقفة من وقت الفيروس اللي انتشر من قريب فجأة ده ومابقتش بعرف اروح لنور المستشفى خالص...
دق قلب وجيه فجأة بخوف وانهى الاتصال مع سمر....بجميع الأحوال لا بد أن يكن بالعاصمة البريطانية بأقرب وقت.....
*********
بعد مضي ثلاث أيام أخرى.....دلفت الدكتورة عايدة للغرفة المعزولة لتجد يوسف الممدد على الفراش بوجه مائل للصفرة وتتحرك عينيه ببطء ....جلست على بُعد مترا وقالت بتظاهر الاسف :-
_ مع الاسف....الادوية مش جايبة نتيجة وحالتك بتسوء ، ومستحيل تقدر ترجع مصر وانت كده....
قال يوسف بالكاد والدموع تملأ عينيه :-
_ اللي معذبني ...أن محدش من أهلي معايا ، ولا ينفع يبقوا معايا ، هموت لوحدي وبعيد عنهم....
قالت عايدة قنبلتها الموقوتة :- يوسف ...ليا رجاء عندك ....مستعدة ابوس ايدك عشان توافق....
نظر لها والرؤية أمامه ضبابية وقال بالكاد :-
_ قولي
قالت عايدة بدموع حقيقية :- نور...هتعمل عملية بكرة ، حاجة واحدة ممكن تغير حالتها النفسية وترفعها للسما كمان ....
نظر لها يوسف وقال بتلعثم :- حاجة...ايه ؟
قالت عايدة ببكاء :- اتجوزها....نور بتحبك أوي ، لو اتجوزتها حالتها النفسية هتتحسن أوي وهيكون في أمل تتمسك بيه...اديك شوفت بنفسك رغم تحذيري ليها من القرب منك لكنها كل يوم بتجيلك وتفضل جانبك بالساعات ومش هاممها تتعدي...مافيش حد بيحب للدرجة دي !! ابوس ايدك وافق ،نفسي بنتي تعيش
ابتلع يوسف ريقه بقوة وقال :- اتجوز على حميدة !! مستحيل
نظرت له عايدة بعنف رغم دموع عينيها وقالت بقسوة :-
_ أنت اصلا تعتبر ميت ! كلها أيام وانا مش راضية أقولك كده وبديك أمل ! انا لو منك اخلي الحواز من نور حجة مقنعة قدام مراتك تخليها تقدر تعيش بعدك ويخف عنها الوجع....لما تعرف أنه خونتها...
هز يوسف رأسه برفض تام فتابعت عايدة بكلماتها القاسية التي لا تعرف من أين اتت بها...كل ما تراه أبنتها وتمسكها بيوسف.....قالت وهي تنهض :-
_ كان نفسي يبقى عندك ضمير وتنقذ حياة انسانة كل ذنبها أنها بتحبك ، عموما هسيبك تفكر براحتك....وانت وضميرك...
نهضت عايدة من مقعدها ليوقفها بوسف بدموع عينيه المجبورة وقال :-
_ اتصليلي برقم القصر ، او أي حد من ولاد عمامي....
تساءلت عايدة بقلق:- ليه ؟!
اغمض يوسف عينيه وهو يرتجف من الحزن :- هقولهم خبر جوازي..
ابتسمت عايدة بفرحة حتى اخرجت هاتفها واجرت الاتصال سريعاً.......
تلقى جاسر الاتصال ولم يستطع السفر مع عمه وجيه وآسر منذ الأمس مساءً لعائق ظهر بجواز سفره وسيحتاج وقت للتجديد :-
_ قال جاسر بلهفة :- الو ؟
تحدث يوسف بالكاد وكلمات متقطعة...وقد تعرف على صوت جاسر :-
_ جاسر....
انتفض جاسر من مقعده بالحديقة وابتسم والدموع بعينيه بفرح :-
_ يوسف أنت فين ؟ كده تقلقنا عليك !!
قاطعه يوسف بصوت بالكاد يخرج وقال :- اسمعني يا جاسر...أنا ....
ابتلع ريقه الجاف تقريبا وتابع :-
_ أنا مش راجع مصر....قول لحميدة كل شيء انتهى
فغر جاسر فاه من الصدمة....حتى قال يوسف بصوت ضعيف :-
_ خليها تنساني ....
قال جاسر بصدمة :- انت بتقول ايه ؟ اقولها تنساك أزاي ! في ايه بيحصل معاك يا يوسف وصوتك ماله كده ؟!
كافح يوسف ليبدو صوته طبيعيا وقال :- ده قراري ، مش راجع
اغلقت عايدة الاتصال وقالت بانتصار :-
_ كده كفاية عليهم يا يوسف....اروح اشوف بقى نور وافرحها بقرارك قبل ما تدخل العملية بكرة بدري....انا حاسة انها هتقوم تتنطط من الفرحة....
ركضت من الغرفة بسعادة بينما سقطت دموع يوسف بقهر وكان تفكيره مشتت بسبب العقاقير الغامضة التي تدسها بجسده الدكتورة عايدة....
*********
وقف جاسر مصدوم مما سمعه حتى استدار عندما شعر بأحدهم.....صدم بحميدة وهي تقف مرتجفة بقوة كالتي سكب عليها ماء باردة بطقس أشد برودة....قال بمحاولة اخفاء الأمر :-
_ ده اللي كان ...بيكلمني ...كان....
قالت حميدة بانهيار :- يوسف ، عايزني انساه ، بس اللي ما يعرفهوش أنه روحي وعمري ما هنساه....مش همشي من هنا غير لما يرجع ويوقف قدامي ويقولي كده بنفسه...ساعتها بس همشي.
صرخت ببكاء وظلت تصرخ حتى هرع الفتيات من الداخل ومعهم للي وحملوها للداخل.... مرر جاسر يده على رأسه بحيرة وضيق ثم قال :-
_ مستحيل اصدق أن ده يوسف ...في حاجة غلط بتحصل !
**************
خرجت عايدة من غرفة ابنتها لتزف اليها الخبر حتى كادت أن تقفز نور من فراشها من فرط السعادة......
لتصطدم بأخر شخص كانت تريد أن تراه بهذا الوقت....وجيه الزيان الذي وطأت قدميه أرض العاصمة البريطانية منذ ساعتين.....قال بنظرة ثاقبة :-
_ يوسف فين ؟ اللي عرفته أنه جه هنا ومطلعش !!
توقفت الكلمات بفم عايدة من الذهول ليأتي آسر لعمه سريعا وقال بقوة :-
_ انا عرفت مكان يوسف يا عمي بس في حارس على الباب وبيقولي مكان عزل !! منعني ادخل وطلبلي أمن المستشفى ....
أتى أثنين من رجال الأمن ذو البشرة البيضاء يتحدثون بلغتهم الأم حتى تحدث معهم آسر بلغة انجليزية سليمة ولكن تحدث بعصبية وغضب.....صاح وجيه بأمر :- قولي مكان يوسف يا آسر ولو ما شوفتهوش هقلب الدنيا على دماغكم....
قالت عايدة برعب من غضبه :- اسمعني بس....يوسف ماينفعش حد يدخله عشان عنده فيروس خطير ، معزول حاليا....
صدم وجيه وثبتت عينيه للحظات دون رد فعل....حتى قال والألم ينهش كيانه وروحه :- أنا عايز أشوف ابني...لو ما شوفتهوش دلوقتي هطلع على السفارة حالا...مش هيهمني قرابة ولا هيهمني حد....
بينما تجمد آسر من الصدمة وخرست الكلمات بحنجرته....
ارتعبت عايدة داخليا ولكنها جاهدت ان لا يظهر عليها ذلك فقالت :-
_ ارجوك ، محدش هنا يعرف بحالة يوسف غير قليل ولولا ان ليا مركزي هنا كان يوسف اتبهدل....هخليك تشوفه بس ارجوك اهدا....هجيبلك كمامه وتعقيم....
****&**&**
فتحت عايدة باب غرفة يوسف وأشارت لوجيه وأسر أن يرتدوا الكمامة الطبية....لم يكترث لتوجيهاتها وجيه وهو ينظر لأحب انسان الى قلبه وهو يرقد هزيلا ضعيفا شاحباّ.....المرض يظهر عليه ولكنه لم يدرك للآن أن ما يظهر عليه تابع لحالته النفسية طيلة الأيام الماضية....
نظر يوسف بصدمة له وحاول أن يعتدل ولكنه لم يستطع النهوض بسهولة لثقل جسده من العقاقير المخدرة.....
هز وجيه رأسه برفض هذا المشهد أمامه....ركض اليه مع هتاف عايدة بتظاهر الخطر بينما لم يعبأ وجيه لأي شيء....اخذ يوسف بين ذراعيه بضمة قوية ولأول مرة يختبر وجيه هذا القدر من الدموع وهو يضم يوسف بكل قوته ويردد :- ابني...
انسابت دموعه التي نادرا ما كانت تزور خديه وهو يشدد ذراعيه حول جسد يوسف الذي بدا ضعيفاً ويظهر أعراض المرض عليه بقوة...تجمد يوسف للحظات من المفاجأة الذي لم يخرج منها منذ دقيقة تقريبـًا حتى حاول أن يبعد عمه عنه بدموع طفرت على وجنتيه رغما عنه....كأنه أصبح وباء يخشى على أحبائه حتى من نفسه....قال بصوت ضعيف :-
_ ابعد عني يا عمي....أنا تعبان وممكن أعديك...و
قاطعه وجيه بأشارة من سبابته بعدما ابتعد قليلا ونظر اليه بشوق....قال بصوت متهدج من الدموع :-
_ اوعى تقول أنك تعبان تاني قدامي...أنت هتخف وهتبقى كويس ، ليه فضلت هنا ومعرفتش حد !! ليه يا يوسف ليـه ؟!
ابتلع يوسف ريقه الجاف تقريبا وقال وعينيه تذرف الدمع :-
_ كان عندي أمل أني أخف وارجع لكم من غير ما تشوفوني بالحالة دي ، كنت فاكر أن الموضوع يومين وتعدي لكن كل يوم صحتي في النازل لحد ما بقيت خلاص...أنا خلاص ياعمي...يمكن بعد أيام اودعكم ، ده نتيجة التقارير الطبية اللي بتتعملي كل يوم...خلاص
ضمه وجيه مرة أخرى وأغمض عينيه بغصة حارقة بحلقة من فرط الألم ومرارة بالقلب عالقة ومتيبسة عن الفرار....هز رأسه رافضا ما يسمعه وعينيه تنطق الحزن بالدمع...من يستطع أن ينتظر موت صغيره وهو مكتوف الأيدي؟!
قال بتصميم وتأكيد :-
_ما تقولش كده....هتقوم بالسلامة وبكرة افكرك ، أنا هفضل جانبك لحد ما تقوم بالسلامة.....لو هصرف عليك اللي ورايا واللي قدامي انا موافق...
هتف آسر بصوت مرتعش من البكاء وهو يرى يوسف الذي لم تكن تفارقه الابتسامة والمرح بهذا الضعف وقال :-
_ تقوم بالسلامة وحسابك معايا بعدين على بعدك عننا..
نظر يوسف له بألم حتى اقترب منه آسر وخطفه من ذراعي عمه وضمه بقسوة قائلا بعصبية ودموع :-
_ ماتزعلش مني ، انت حته مننا كلنا يا غبي ، جالك قلب تتحمل ده كله لوحدك أزاي؟! كلنا لازم نبقى جانبك في المحنة دي...
اطرفت عين يوسف بدموع وقال بضعف :-
_ مكنتش عايز اعذبكم معايا ، كل لحظة بتمر عليا صعبة ، محبتش اغير الصورة اللي في خيالكم ليا بصورة واحد مريض مستني موته بين كل لحظة والتانية....سيبوني وامشوا وابعدوا عني ارجوكم...
هتف آسر بغضب وعينيه حمراء من البكاء فأقتربت "عايدة" إليهم في نبرة تحذيربة :-
_ على فكرة قربكم منه كده غلط وخطر عليكم ، بعد الزيارة تعالوا معايا في تحليل كده سريع هنعمله احتياط...
التفت وجيه بعصبية والقى الحديث بوجهها بدهشة :-
_ ليه ما اتصلتيش بيا وقولتيلي ؟! طب هو حتى لو رافض يعرفنا ليه تسمعي كلامه !! لو أبنك مكان يوسف كنتي عملتي ايه ؟!
التمعت عين عايدة بدمعة سرعان ما اخفتها وقالت :-
_ عندي نور مكان يوسف وحالتها أخطر منه كمان ، لكن دي كانت رغبته
اكد يوسف قائلا :-
_ دي الحقيقة يا عمي...أنا خليتها توعدني انها ما تكلمش حد ولا تعرف حد أني هنا لحد ما اطلع سواء طلعت حي أو ميت...
نظر وجيه حوله وقال :-
_ انا هنقله لأكبر مستشفى هنا في لندن....مش حاسس أن هنا رعاية كافية لحالته وهو معزول وكأنه مسجون بالشكل ده !
شرعت عايدة بالحديث وهي ترتجف رعبـًا من مجرد الفكرة وفضح أمرها فقالت :-
_ ماينفعش...هنا في رعاية اكتر من كافية لحالته وكمان هنا مش زي مصر مافيش مستشفى هتقبله بسهولة بسبب الفيروس حتى لو دفعت كل فلوسك مقدما....ده غير أنه لو طلع من هنا وحصل مشكلة ومعرفتش تلاقي مستشفى فيها اماكن عزل لحالة يوسف هيبقى صعب ترجع هنا تاني....فكر قبل ما تاخد خطوة تندم عليها وكل لحظة بتمر من غير رعاية لحالته بتشكل خطر كبير عليه....وماتنساش اننا مش في بلدنا ومتغربين....
اعترض يوسف قائلًا وكأن الأمر أصبح جميعه سواء:-
_ مافيش داعي يا عمي...هنا بيعملوا اللي عليهم ومافيش تقصير منهم...
تنهد وجيه بأسى وثقل عظيم على قلبه ثم قال :-
_ خلاص مش هيخرج بس هتكلم مع اكبر دكاترة هنا وهجيبهم لحد عندك....وده آخر كلام...
جف حلق عايدة من الرعب التي لم تستطع اخفائه اكثر من ذلك ......
**************
بعد إجراء فحص طبي سريع صممت عليه عايدة ريثما تقنعهم بالأمر ولو بشيء بسيط كهذا....وقف وجيه أمام غرفة يوسف وبجانبه آسر ....تحدثوا مع عايدة قليلا ثم انصرفت لمتابعة عملها بقدم بالكاد تخطو من الخوف مما ينتظرها اذا انفضح أمرها....أتت ممرضة بزيها الوردي وتحدثت مع وجيه بلغة انجليزية ثقيلة وأخبرته أن مريضة تدعى "نور" في انتظارهما بغرفة بآخر الممر بالطابق الثاني....تساءل آسر وقال بعدما انصرفت الممرضة وقال :-
_ هي نور عرفت أزاي اننا هنا ؟!
رد وجيه سريعا وقال:- معرفش....يمكن حد من الممرضات...يلا نزورها بما اننا هنا...
سارا في الممر باتجاه المصعد حتى هبطوا للطابق الثانِ واتبعوا الخطوات حتى آخر الممر ليجدوا غرفة تشبه غرفة يوسف بإنعزالها ولكن حركة الطاقم الطبي تدب بالمكان....دلف وجيه للغرفة بخطوة بطيئة ونظرة تتفحص تلك الفتاة الممدة على فراشها بوجه يظهر علبه الشحوب لدرجة كبيرة وبعض الاسلاك المتصلة بالأجهزة الطبية موصولة بجسدها وأصابع يدها.....اقترب وجيه اليها وقال بلطف :-
_ سلامتك يا نور ، عاملة ايه دلوقتي ؟
ابتسمت نور وهي تنظر له بأعين ذابلة ناعسة....قالت ببطء :-
_ الحمد لله أنك جيت ياعمي وجيه....كنت مستنياك
تعجب وجيه قليلا وشعر بشيء غامض بينما القى آسر السلام فأجابته نور ببطء أيضا ، اقترب وجيه اليها وتساءل:-
_ أنتِ عايزة تقوليلي حاجة ؟!
هزت رأسها بهزة خفيفة ويبدو أنها المتها فأنكمش حاجبيها قليلا قبل أن تتابع وقالت :-
_ عايزة اريح ضميري....أنا ..داخلة عملية كبيرة بكرة الصبح ، نسبة نجاحها ضعيفة اوي ، مش عارفة أن كنت هخرج منها ولا لأ....
قال آسر بمحاولة أن يظهر بعض المرح :-
_ بتقولي كده ليه !!! أنتِ بسبع أرواح زي القطط !
ابتسمت نور له بالكاد وقالت بصوت كأنه منهك ومتعب حد التيهة :-
_ اوعدني الأول يا عمي أنك ما تتسببش لأمي أو بابا بأي أذية ، مش هتكلم غير لما توعدني...
نظر آسر ليه بريبة بينما حدق بها وجيه لبرهة وبدأ يصدق ظن قلبه وتمنى أن يكن صحيحا وقال :-
_ اوعدك يا نور...قولي اللي عندك...
تنهدت نور براحة ثم قالت بدموع تسللت من عينيها :-
_ يوسف مش مريض ، كل اللي عنده كان نازلة برد جامدة من تغيير الجو من بلد لبلد...
ابتسم وجيه وكأن خنجر كان مغروس بقلبه واندفع بعيدا بحديثها ولكنه اخفى فرحته الشديدة لشدة مرضها وحالتها التي يرثى لها فقال :-
_ قلبي كان حاسس...بس
قاطعته نور بشهقة بكاء :- بس ماما حجزته هنا بأدوية خاصة أثرت على صحته شوية ووهمته انه تعبان فعلا....عشان ما يمشيش ويسيبني ،عشان عارفة أني بحبه ووجوده بالنسبالي كل احلامي ، أنا سمعتها وهي بتتكلم مع بابا عن اللي عملته وكانت بتعيط .....بس أنا خلاص مابقتش عايزة حاجة غير أني امشي وانا مش سايبة حد زعلان مني....انا حاسة أني هموت في العملية....
امتلأت عينيها بالدموع والخوف معا بينما شفق عليها وجيه وقال :-
_ لا يا حبيبتي ما تقوليش كده ، هتطلعي بالسلامة وهترجعيلنا بخير....
قالت راجية بتوسل وبكاء :-
_عشان خاطري سامح ماما ، خد يوسف من هنا وقوله أني حبيته يمكن فعلا عشان وقف جانبي كتير في مرضي....أو يمكن عشان كان حنين عليا أوي اكتر من أهلي.....قوله يسامحني ويسامح ماما لأن اللي عملته كان بسببي....ولو مت خليه يدعيلي دايمـًا..
قال آسر بقوة :- بس يا نور اللي والدتك عملته ما يتغفرش بسهولة ، يوسف حالته النفسية واضحة عليه ، لو الخوف من المرض بعد فالخوف من حالته النفسية لسه موجود وده بسبب....
قاطعه وجيه بحسم وقال بلطف وهو ينظر لها :-
_ خلاص ، انا هاخد يوسف من هنا بهدوء يا نور من غير أي مشاكل ، كلامك أوامر من غير نقاش....واعتبريني سامحت والدتك ، انما أنتِ بنتي ومحدش بيزعل من بنته ، وكمان أنتِ ما عملتيش حاجة تزعلني منك.
ابتسمت نور بين دموعها وقالت بامتنان :-
_متشكرة أوي...لو جبت بنوته سميها نور
هز وجيه رأسه موافقا بابتسامة لإرضاء تلك الصغيرة المسكينة......
************
بغرفة يوسف بالمشفى......
كان ممدد بجسد متيبس على فراشه عينيه تخشى حتى أن تتيه بالغفو خوفا أن لا تستيقظ مجدداً....فتفاجئ بصوت مقبض الباب ينفتح بقوة ويولج للداخل وجيه ومعه آسر بخطوات واسعة والابتسامة على وجهيهما !!
اقترب وجيه له وجذبه ليعتدل قائلا بنظرة تملأها السعادة والراحة :-
_ أنت مش مريض يا يوسف ، أنت سليم مية في المية
ضيق يوسف عينيه بتعجب حقيقي فأكد آسر بهتاف :-
_ الدكتورة عايدة ام نور هي اللي عملت كده عشان تخليك جنب بنتها لحد ما نور تعمل العملية وحالتها النفسية تتحسن بوجودك...حجزتك هنا ووهمتك بالمرض !! اكيد كانت بتديلك أدوية تخليك ما تقدرش تقوم بخلاف حالتك النفسية اللي وصلتك بالشكل ده !!
تمتم يوسف بعدم فهم ولكن الأمل وكأنه انتشر بخلاياه فقال ببطء:-
_ يعني..أنا ...
ضمه وجيه بقوة وتنهيدة قوية ....قال براحة وقلب مطمئن :-
_ انا مسامح الدنيا بحالها مع الخبر ده ، أبني رجعلي اتمنى ايه تاني ؟!
قوم غير هدومك هنروح عند دكتور آسر حجز ميعاد عنده من شوية ، نشوف الادوية اللي دخلت جسمك ايه وعلاجها ايه...غير كده أنت مافيكش أي حاجة يا حبيبي...
ابتسم يوسف بالتدريج ، الأمل قادر على استعادة الطاقة الكامنة بروح البشر ليستطيع الانسان المواصلة بالحياة....قال بدموع سعادة :-
_ يعني أنا معنديش فيروس ؟ انا مش مصدق ...كأني بحلم
مرر آسر يده على رأس يوسف وقال بمشاكسة :-
_ وحشتني غلاستك يا مفجوع ، شكلك هترجع مفجوع اكتر من الأول
اتبع جملته بابتسامة عريضة ليضمهما عمهما هما الاثنان بقوة.....
أتت الدكتورة "عايدة" بخضم هذا المشهد لتقف متسمرة للحظات تحاول أن تكذب حدسها حتى انتبه لها يوسف بنظرة تحمل من العتاب ما جعلها تتأكد من ظنها.....قال يوسف لعمه :-
_ عايز أمشي من هنا يا عمي ، نفسيتي هترتاح لو خرجت من هنا.
اسنده وجيه بمساعدة آسر حتى وقف يوسف ثابتا من قلة الحركة.....قالت عايدة ونبرتها تهدد بالبكاء:-
_ في ايه بيحصل هنا ؟!
التفت لها آسر بملامح توضح ما بداخله ونظرات غاضبة :-
_ زي ما حضرتك شايفة....هناخد يوسف ، عارفة ليه ؟ لأن ببساطة هو مش مريض وأنتِ السبب في حجزه هنا في العزل !!
قال وجيه بقوة :- مالوش داعي يا آسر ، أنا هاخد يوسف من غير مشاكل ، وكفاية أني راعيت حاجات كتير وما اعملش مشاكل....
اتسعت عين عايدة بذهول فقد تأكدت من معرفتهم الحقيقة....أكثر ما أثار غضبها هو بث النشاط بجسد يوسف وكأنه أخذ جرعة من الطاقة بدلا من الجرعات التي كان تدسها بجسده حتى تثقل حركته....هزت رأسها برفض ووقفت أمام باب الغرفة تحجز الخروج وقالت بغضب والدموع تملأ عينيها :-
_ يوسف مش هيطلع من هنا قبل ما بنتي تخرج بالسلامة...
تحكم وجيه بغضبه وقال بتحذير :-
_ لحد دلوقتي مراعي صلة الرحم اللي ما بينا ووعدي لحد غالي عندي ، لكن أي اعتراض منك بخروج يوسف من هنا ههد الدنيا على دماغك ، انا معنديش اغلى من ولادي واللي يقربلهم اخسف بيه الأرض....ماتفتكريش أن سكوتي ضعف!!! أنتِ عارفة كويس أني اقدر اعمل كتير لكن انا وعدت ولازم اوفي بوعدي.....مش من مصلحتك توقفي الوقفة دي قدامي خصوصا بعد اللي اكتشفته واللي ممكن يتسبب في طردك من هنا.....
كثرت الدموع في عين عايدة وتحول غضبها لتوسل ورجاء فقالت وهي ترتجف من البكاء :-
_ ابوس ايدك خلي يوسف جنب نور لحد بكرة بس...وجوده هيفرق كتير هي بتفرح لما بيكون جنبها ، مش بشوف الابتسامة مالية وشها غير بوجود يوسف ، حس بيا ارجوك
كاد آسر أن ينفعل عليها ولكن اوقفه وجيه قائلا :-
_ لا يا آسر ، كفاية احساسها ، هنكون هنا الفجر بس هشوف ابني فيه ايه الأول وانتِ عملتي فيه ايه بالأدوية اللي اديتهاله...مش هنفضل هنا وعشان نور بس هجيبه قبل ما تدخل العمليات...أظن كده عملت اكتر من اللي عليا...
قالت عايدة ببكاء:- مأذيتهوش زي ما أنت فاكر.....يوم من غير الأدوية االي كنت بديهاله وهيرجع زي ما كان..
صمتت بعد ذلك باكية بقهر على كل شيء بينما بدل يوسف ملابسه الذي اتى بها من ملابس المشفى وخرج أمام عينيها دون أن تستطع التفوه بكلمة وكأنه افرج عنه للتو من سجن دام سنوات !!
*************
مرت عدة ساعات حتى استقر وجيه بالفندق ومعه يوسف وآسر بعدما تم إجراء عدة تحاليل طبية وأخذ نتائجها.....
جلس وجيه على مقعد بغرفة الفندق وتنفس الصعداء وهو يحمد ربه بكامل قلبه ....قال :-
_ الحمد لله ، الحمد لله الف مرة ، نتيجة التحاليل تمام مافيهاش مشاكل غير انه هيحتاج شوية فيتامينات الفترة الجاية....
ربت آسر على قدم يوسف الذي يفرد ساقيه امامه وهو يجلس على المقعد بإرتخاء وقال :-
_ حمد الله على سلامتك يا يوسف ، شدة وعدت الحمد لله
تنهد يوسف بعمق وقال :-
_ ما اعتقدتش أن هنسى الأيام دي طول عمري...زي ما اكون اتولدت من جديد...عمري ما حسيت بقيمة ونعمة الصحة غير دلوقتي !!
وجيه بحنان :- رجعت لأبوك ، أنا لو مكنتش لاقيتك مكنتش هرجع مصر واقف رجلي ، أنت متعرفش غلاوتك عندي عاملة أزاي
ابتسم له يوسف بمحبة كبيرة وقال :-
_ وجودك دايمًا كان بيبقى الحل لكل المشاكل ، وجودك كان فيه كل الأمان في عز الخوف....تعرف أنا دايما كنت بدور على دور اقرب من دور الأب بس مافيش...أنت في روحي يا عمي...
جذب وجيه رأس يوسف بجانبه وقبلها بمحبة وبعض من المشاكسة قائلا :-
_ حمد الله على سلامتك يا حبيبي...مراتك كان هيحصلها حاجة في غيابك....والحمد لله أننا لحقناك قبل موضوع الجواز من نور ده
يوسف شاردا بعض الشيء :- حميدة وحشتني أوي...انا حاسس أني متغرب عنها هي مش عن بلدي !!
قال آسر ليطمأنه :-
_كلها كام يوم ونرجع ونتلم كلنا في مكان واحد....لمتنا هتبقى حلوة أوي ، كل ما اتخيلها ارتاح نفسياً....زي ما يكون ربنا بيعوض فرقتنا طول السنين اللي فاتت بلمة كبيرة وعيلة بجد ، كل فرد فيها قلبه على التاني ، لا في بينا غيرة ،ولا حد بيكره التاني....هتصل بيهم اطمنهم علينا كلنا اكيد قلقانين أوي...
وجيه متنهدا بابتسامة وارتياح :-
_ الحمد لله...ربنا حقق حلم من أحلامي....
************
قبل الفجر بساعة تقريبـًا....كان ثلاثي إمبراطورية الزيان يتقدمون الخطا بالمشفى...ليتفاجأ وجيه بعايدة تقف أمام الطبيب الذي يستعد لإجراء العملية.....تقدموا اليه حتى خرجت نور على سريرها الطبي المتحرك بواسطة اثنين من الممرضات...التفوا حولها ولكنها نظرت ليوسف بنظرة غامضة وقالت :-
_ فضلت ادعيلك طول الليل وأنا بقرأ قرآن...اوعى تكون زعلان مني ؟
اغرورقت عينيها بالدموع حتى نفى بقوة وقال برفق :-
_ لا يا نور ، عمري ما زعلت منك ، هستناكي تخرجي بالسلامة أن شاء الله ، وانا كمان هفضل ادعيلك لحد ما تخرجي....
قالت بدموع ونظرة غريبة :- افضل ادعيلي دايمًا ، دعواتك هتوصلني..
ابتلع يوسف ريقه بغصة بحلقه...كلماتها المته فهي بمثابة شقيقته الصغرى وفراقها مؤلم كثيرا عليه.....ابتسم رغما وقال :-
_ حاضر...بس متتأخريش بقى في العملية عشان انتِ عارفة أني بجوع بسرعة وهروح اتغدى واسيبك...
حاول ان يبدوا مرحا في حديثه ولكن نظرتها الراضية المبتسمة للجميع اقلقته حتى دخلت غرفة العمليات....
مرت عدة ساعات.....
خرج الطبيب بزيه الأخضر الخاص بالمشفى وبغرفة العمليات تحديدا في نظرات آسفة....ركضت اليه عايدة برعب حتى هز رأسه بإعتذار متمتا عدة كلمات وكانت....عزاء
صرخت عايدة ببكاء وقهر واسندها زوجها الذي اتى منذ ساعة تقريبا بسبب مهمات عمله بمشفى آخر....
تطلع بهم وجيه بشفقة وألم على تلك الصغيرة التي رحلت وتركت أثر بقلوب الجميع.....التمعت عين يوسف بدمعة مقيدة فقد شعر بألم لفراقها حقا.....نالت الشفقة والألم أيضا من قلب آسر الذي توجه الى عايدة بعزاء صادق....
قالت عايدة ببكاء وقهر :- نور ماتت...بنتي ماتت ، احلى حاجة في حياتي ماتت وسابتني....
قال يوسف بحزن شديد :- البقاء لله
قالت عايدة بقهر وندم :-
_ سامحني يابني....سامحني عشان خاطر نور
أجاب يوسف بصدق :- مسامحك ، عشان خاطر نور
اسدلت عايدة نظرتها وهي ترتجف من البكاء بينما اتت سمر وزوجها لتتفاجأ بوفاة شقيقتها وتجهش بالبكاء بعد صدمة دامت للحظات.....
قدم وجيه والشباب خالص العزاء ثم رحلوا من المشفى لعلمهم أن الجثة ستشحن في تابوت بالطائرة حتى بلدها مصر....
***********
بعد عدة أيام بمطار القاهرة....
وقف جاسر ومعه للي وجميلة وسما.....بينما حافظ على عدم اعلام رعد بالأمر وهو ببلد آخر علمه بحالة يوسف وما حدث معه فلم يجد جاسر داعي لشن القلق مع رعد الذي سيعود بعد أسبوعين في جميع الأحوال.....
وقف جاسر وعينيه تتنقل يمينا ويسارا على العائدين حتى طل وجوه الثلاثي...كاد أن يقفز فرحا وكانت عينيه على يوسف الذي ركض اليه بعدما استعاد صحته قليلا....استقبله جاسر وهو يفرد ذراعيه كأنه يستقبل صغيره بلهفة.....ارتمى يوسف بين ذراعيه بضمة قوية حتى احاطه جاسر بيديه وكأنه سيخنق ضلوعه من الضمة....
تنهد بقوة وشوق قائلا :- وحشتني أوي....أنا أول مرة دموعي تنزل كان بسببك !!
ابتسم يوسف له بحنان وقال :- اديني عرفت غلاوتي
لكمه جاسر بغيظ وقال :- بقى مكنتش عارف يا غبي يا مفجوع !!
ابتسمت للي لوجيه بنظرة مشاكسة فقالت ليوسف بابتسامة :- حمد الله على سلامتك يا يوسف
التفت لها مرحبا بابتسامة :- الله يسلمك
تمسكت سما بذراع آسر في مرح وقالت بابتسامة عريضة :-
_ حمد الله على سلامتكم كلكم
وتابعتها جميلة أيضا بينما يوسف انشغلت عينيه بالبحث فقال جاسر له بهمس :-
_ سمعتني وانا بكلمك وبتقولي خليها تنساني....في معاهدة صلح تنتظرك يا چو
ابتسم جاسر بمرح له بينما توترت عين يوسف بقلق وريبة من الأمر....
قال وجيه بجدية :- طب يلا بقى عشان وحشني البيت أوي.....
تمسكت للي بذراع وجيه وأمامها الشباب يسيرون بضحكاتهم ومشاكستهم....قالت له هامسة :-
_ ما اتصلتش بيا بقالك يومين !! ينفع ؟!
هز رأسه بثقة وكتم ابتسامته :- آه ينفع....بحب اطير من عينك النوم
رفعت حاجبها بثقة وقالت :- بقى كده !!!
هز رأسه مؤكدًا ببسمة ماكرة فقالت بغيظ :-
_ ماشي يا وجيه
قال بتعجب :- ايه ماشي يا وجيه دي ؟! بتفكري في ايه يعني ؟!
أجابت ببساطة وشيء من الدلال في صوتها :- مخصماك
قال بسخرية :- في حد يخاصم حد لسه جاي من السفر ؟!
أجابت دون اكتراث :- أنا
ابتسم ابتسامة واسعة رغما عنه وقال :- أنتِ روحي اللي وحشتني موت.
ابتسمت بالتدريج ونظرت له قائلة :-
_ لو فاكر أنك كده صالحتني يبقى عندك حق ..
اطلقت ضحكة خفيفة وشاركها في ذلك وهما يسيرون سويًا...
**********
بقصر الزيان.....
انعزلت حميدة بغرفتها.....معرفتها الحقيقة جعلتها روحها تتحرر من الخوف ولكن يبقى بالقلب شيء عالق بجراح لم تضمد....لم تستطع الذهاب معهم....لم تريد مقابلتها به عامة للجميع....بها شيء تريد قوله معه سرا...ظلت تطوف بالفكر حتى وجدته يفتح باب الغرفة....وهنا وكأن الوقت توقف.....
اعتدلت حميدة بفراشها ببطء....وقف يتأملها بشوق عصف عينيه ولكنه يريد سبيلا بها يدعوه لذلك....اقسى شيء عليه أن ترفض ذراعيه لضمها لذلك تمهل....
تقدم يوسف عدة خطوات إلى غرفته ليجدها جالسة على الفراش تبكِ بصمت...عينيها متورمة من عنف الدموع فدلف ببطء ومضى إليها حتى وقف أمامها بجسده الذي ظهر عليه الهزال جليـًا ونقص الوزن....قال بصوت يحمل من الألم ما اضعفه :-
_ كان نفسي أول ما أنزل من الطيارة ألاقيكِ مستنياني ، تجري عليا واخدك في حضني لحد ما اطمن واصدق أني رجعت !
تماسكت حميدة بعض الشيء واخفت دموعها وهي تنهض...ابتعدت خطوة دون إجابة بملامح جامدة حتى قبض على معصم يدها وقربها اليه بنظرة متوسلة.....بها ضعف ورجاء ابكى قلبها...تابع بألم :-
_ أنا عارف أني جرحتك
حاولت الابتعاد ولكنه شدد على يديها ورفض ابتعادها ...يكفي فراق وبُعد لوع قلبه لأيام....بعدما شارف على النهاية...قال بضعف وعينيه به عبرات مقيدة :-
_ انا محتاجلك يا حميدة....ربنا وحده اللي عالم اللي مريت بيه....محدش بينتظر موته...بس أنا كنت منتظره في أي لحظة..
هزت حميدة رأسها بمرارة واجهشت بالبكاء فقد علمت بخطة والدة نور أيضا فقالت :-
_ تقوم لما تختار حد جانبك يكون حد غير مراتك !! الأيام اللي أنت عيشتها أنا عيشت أسوأ منها !! من خوف ورعب عليك ، ومن وجعي وصدمتي بقرارك !! أول مرة أحس أني قليلة عندك للدرجة دي !
قال رافضا بألم :- عمرك ما كنتِ قليلة عندي ، بس ....
قاطعته ببكاء أقوى :-
_ مش عايزة أي مبررات ، أنت لسه في محنة وأنا مراتك ولسه بحبك...لسه على عهدي معاك ، لكن مش عارفة انسهالك !! معرفش هقدر اكمل كده ولا لأ !
ضيق عينيه بحزن ودهشة قائلا ببطء :- تكملي !! هو ده العهد اللي ما بينا ؟!
كانت تنظر للأسفل وتبك بعصبية حتى رفعت عينيها لتصيح به فصدمت...بدموعه
نظرت له بألم شديد فقد كانت دموعه أكبر اعتذار ممكن أن يتقدم به....ارتمت على صدره بضمة قوية دون كلمات....احاطها بذراعيه بكامل قوته وقال معتذرا وعينيه بها دموع لم تجفف :-
_ أنا أسف يا حبيبتي.....أنا غلطان ، عاقبيني واعملي اللي أنتِ عايزاه بس اوعي تفكري تبعدي ، أنتِ كل حاجة ليا...
قالت بشوق وعشق :-
_ وأنت أزاي فكرت للحظة أني هبعد عنك ! زعلي منك حاجة ،وأني ابعد دي حاجة تانية....
قبّل رأسها معتذرا عدة مرات حتى رضيت وابتسمت بين دموعها.....ابتسم لها قائلا :-
_ ميزة اللي حصلي أني عرفت قيمة كل حاجة كانت معايا واتحرمت منها لكام يوم.....أولهم أنتِ....وأخرهم أنتِ
إلي هنا ينتهي الفصل الثالث والستون من رواية إمبراطورية الرجال
رحاب إبراهيم
الفصل_الرابع والستون
إمبراطورية_الرجال
استغفر الله عدد ما كان وعدد ما يكون وعدد الحركات والسكون..
اللهم صلِ وسلم وبارك على محمد ...٣مرات
سبحان الله ، الحمد لله، ولا حول ولا قوة الا بالله
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
نظرت وهي تمسح عينيه من الدموع :- وأنا مابعرفش أزعل من روحي...وأوعى أشوف دموعك دي تاني...أنا واثقة فيك...المهم أنك تكون بخير
أخذها بضمة قوية وقال متنهدا براحة :- أنا بخير طول ما أنتِ مبسوطة وبخير....زعلك مني بيحسسني أني غلطت في حق نفسي غلطة كبيرة بس والله...
وضعت حميدة أصبعها على فمه لتوقفه عن الحديث وقالت بابتسامة :-
_ اوعى تحلف....اللي فات خلاص مش عايزة افتكره المهم أنك دلوقتي معايا وبخير...هضيع فرحتي برجوعك بشوية زعل ليه !! خدت دقيقتين زعل واتصالحنا والباقي وحشتني....
قبل رأسها قائلا بحنان :- والأحلى أنك تكوني مراتي بقلب أمي وأحبك بكل مشاعري....
****************
بقصر الزيان .....في الصالون ....
صعد وجيه لغرفته وتبعته لِلي بينما جلس جاسر مع آسر في الصالون وقال آسر بتساءل :-
_ هو رعد عرف اللي حصل ؟
أجاب جاسر موضحاً بهدوء :-
_ محبتش اقوله وارعبه وهو في بلد تانية زي ما اترعبنا كده على يوسف....لما كلمتني وطمنتني من لندن اتصلت بيه وحكيتله كل حاجة وهيجي ممكن بكرة أو بعده...بس قولي....ايه اللي عمي عمله مع ام نور بعد ما عرف ؟
تنهد آسر بضيق وقال :-
_ فكرتني بنور الله يرحمها....مكنش ينفع حد يعمل حاجة بعد ما نور ماتت ، خصوصا أنها خدت وعد من عمي قبل ما تموت أنه يسامح والدتها....كانت حاسة أنها هتموت...بصراحة حزين على البنت دي وصعبانة عليا...لولاها مكناش عرفنا الحقيقة بسهولة...
ردد جاسر الدعاء بالمغفرة ولمح زوجته تأتي من اتجاه المطبخ قائلة :-
_ الغداء جاهز.....
نهض آسر قائلا :-
_ لا مش عايز اكل دلوقتي ، محتاج أنام شوية ما نمتش كويس الأيام اللي فاتت...
مر من أمامهم صعودا لغرفته فأتت سما سريعا تقول :-
_ عملت كل الأكل اللي بتحبه يا آ....
لم تتابع جملتها بعدما انتبهت لعدم وجوده فأشارت لها جميلة على الدرج وقالت :-
_ طلع فوق ، اطلعي أنتِ كمان..
**بغرفة آسر **
فتحت سما الباب وتقدمت عدة خطوات وعينيها تبحث هنا وهناك ولم تراه !! فجأة شعرت بأصابع يد تُحيط خصرها من خلفها فاستدارت مبتسمة وهي تعرف صاحبها....اغلق آسر باب الغرفة بقدمه ثم جذبها إليه في شوق قائلا :-
_ وحشتيني موت يا سمكة ، كنتِ هموت وارجع عشانك..
وضعت يديها على كتفيه بابتسامة رقيقة وقالت :-
_ وأنت كمان وحشتني أوي....حمد الله على سلامتك.
ابتسم بخبث لحيائها وقال بمشاكسة :-
_ لسه وشك بيحمر لما بكلمك ! امتى هتبطلي كسوف مني !!
رفعت نظرتها يمينا ويسارا بتفكير ثم أجابت بابتسامة :-
_ مش عارفة...بس حاسة أن كل مرة بشوفك كأنها أول مرة بشوفك...نفس احساسي بيك ما بيتغيرش...
الصق جبينه بجبينها وقال لعينيها هائما بمحبة :-
_ هفضل أقولك وحشتيني لحد ما أعوض الأيام اللي فاتت..
ابتسمت ووجنتيها تشتعل احمرارا بخجل بينما لم تصدق أن ذلك القاسي تحول هكذا وأصبح أرق العاشقين !
***************
مر يومين.....كان خلالها عائلة الزيان من الرجال تنتظر وصول رعد وزوجته بالمطار بإستثناء لِلي التي امتنعت لوعكة صحية انتابتها بالصباح والفتيات الذين انتظروا بالقصر أيضاً....
استقبل وجيه ومعه الشباب الثلاث "رعد" بالمطار ولكن أول من ارتمى رعد بين ذراعيه كان يوسف....قال رعد بضمة قوية له :-
_ أنا بحمد ربنا أن جاسر قالي اللي حصل بعد ما اطمن عليك والا معرفش كان حصلي ايه ، انا عرفت اللي حصل والمفروض أنك بقيت كويس ومع ذلك لحد دلوقتي مش عارف اتلم على أعصابي يا يوسف...
قال يوسف بعدما استعاد صحته بعض الشيء وعادت لمعات المرح بعينيه :- أنا أسف أن بسببي قطعت شهر العسل بس..
قال رعد بحدة :- وأنت فكرك بعد ما عرفت اللي حصل كنت هعرف اكمل شهر عسل ومش أشوفك ! لما عرفت كنت عايز اخدك في حضني زي ما تكون أبني االي تاه مني ورجع بعد سنين !!
قالت رضوى بابتسامة هادئة :- حمد الله على سلامتك يا يوسف ، بصراحة من بداية معرفتي برعد بس كان أول مرة أشوفه متوتر وحزين بالشكل ده بعد ما عرف اللي حصلك.... يمكن دي أول مرة يبتسم فيها من أيام...
هتف جاسر بغيظ :- يعني اخلي عصابة تخطفني عشان سيادتك تتعطف وتسلم عليا وتمثل أني وحشك وكده يا ندل !!
ابتسم رعد بمرح وعانقه بضحكة عالية وفعل ذلك آسر ووجيه حتى قال وجيه :-
_ ليكم عندي اجازة تكملوا فيها شهر العسل اللي مكملش ده ، بس نشوف شغلنا الأول وبعدين ناخد اجازة....
************
بقصر الزيان.....
عاد الغائبون للقصر واستقبلهم الفتيات الثلاث حتى لاحظ وجيه اختفاء للي فسأل عنها جميلة قائلا :-
_ هي للي فين ؟!
أجابت جميلة وهي تنظر لرضوى بابتسامة :-
_ هي خرجت من نص ساعة بس بصراحة ما قالتش رايحة فين
تعجب وجيه بنظرات ضيق فمن المعتاد أنها تخبره قبل الخروج من المنزل!!
توجهت جميلة لرضوى بشوق وضمتها بقوة والفتيات حولها بينما كان دائرة الشباب الاربعة مثلها ويتشاركون الأحاديث والضحكات....
ظل وجيه ينظر لمدخل الباب بصمت وعينيه يملأها الضيق.....
تم أعداد طعام الغداء والتفت العائلة حول المائدة بينما جلس وجيه بمقعده صامتا ينتظر عودتها بعدما طال غيابها لبعد الساعة !!
انتبه له الجميع فقال يوسف بنظرة قلقة لصمت عمه :-
_ نستني شوية ياعمي ، احنا اتعودنا نتلم كلنا مع بعض الايام اللي فاتت...
انشغل الثنائيات بالحديث مع بعضهم البعض سراً....
كان جاسر يهمس لجميلته بكلمات تجعلها تكتم ضحكتها ثم تلكمه بضربة على ذراعيه حتى يصمت....
بينما آسر تتسلل أصابعه ليد سما ويأخذ أصابعها بضمة رقيقة مع نظرات عاشقة جانبية يتخللها بعض المكر....
رفع وجيه رأسه على مدخل باب غرفة الطعام ليجد للي تنظر له وهي تقف بالمدخل بعينين دامعتين !!
نهض من مقعده بنظرة متفحصة لوجهها وعينيها الباكية وتقدم اليها بعصبية ،كاد أن يهتف بغضب ويلقي الحديث بوجهها ختى ارتمت على صدره بدموع عينيها التي رافقت ابتسامة وكأنها وجدت ضالتها....
تعجب مما تفعله ريثما أمام الجميع ونهض الشباب والفتيات حتى يتدخلون بالأمر قبل أن تبدأ حالة الغضب بين عمه وزوجته....
ولكن قالت للي وهي ترتجف من البكاء :-
_وجيه....أنا حامل
تسمر وجيه مكانه...ماذا قالت ؟! للحظة لم يستوعب ما قالته !! يريد أن يثبت احدا ما قولها !! هل سيكون أب بعد هذا العمر الاربعيني!
ولما لا ليس بغريب ولكن هو ذاته امتنع عن الحديث لا يعرف لما !
كأنه للتو يختبر شعور الأبوة !! طفل من صلبه ، سيكن طفله هو ليس ابنا لشقيق له ، ارتبكت عينيه لتنظر له للي بدموع سعادة اضافت :-
_ عملت تحاليل وكنت مستنية النتيجة ، أنا هبقى أم اخيرا ، هيكون ليا طفل بدل اللي راح مني وقلبي مولع عليه لحد دلوقتي...
نظر الشباب لبعضهما البعض في شيء من الفرحة وشيء من الغيرة لأخذ طفل حيزا كان لهما بقلبه....
أول من اقترب له كان يوسف ....قال يوسف وهو يحاول أخفاء شيء بعينيه :- ألف مبروك يا عمي ، أنا فرحان أوي ليك..
تدرجت الابتسامة على وجهه لتصبح نظرة ملتعمة بشدة بعينيه وقال برجاء لهما :-
_ أنا هبقى أب يا يوسف...حلم كان بعيد أوي...كنت صدقت أنه مش هيتحقق...
التف حوله الشباب مهنئين بينما ظل يوسف ينظر له كأنه طفل سيفقد ذراعي والديه.....ضم وجيه زوجته بقوة وابتسامة وهو يربت على رأسها ببضع كلمات هامسة لم ينتبه لها أحد.....
قال يوسف بنبرة تبدو خائفة :-
_ بس هنفضل فرحتك الأولى ياعمي...هتفضل أبويا ومكانتي عندك محفوظة....أنا عارف أنك مش هتنساني لأن...
ضاق وجيه من قوله وجذبه من ذراعيه بعدمما التمعت عين يوسف بلمعة دامعة لم تفسح الطريق لخارج عينيه....قال وهو يحيط وججه بيديه :-
_ أنت بتقول ايه ياغبي ! كل واحد فيكم مكانته عندي هتفضل زي ما هي ولو بقى عندي الف طفل!
ضمه يوسف بابتسامة وقال :- كده أفرح براحتي واحتفل كمان
أخذ الفتيات الاربعة للي بينهما في عناق ومباركة بينما كانت للي تبكِ من السعادة وعينيها لا تفارق وجه زوجها الا قليلاً...
***************
**بغرفة وجيه **
سكنت لدقائق بين ذراعيه...ثم نظرت له للحظات مبتسمة ،مدققة ، تحفر ملامحه ببصرها ، ليقل مبتسما بحنان :-
_ جيتيلي بكل الأماني والفرحة....أنا هبقى أب !! من ساعة ما قولتيلي وانا برددها بيني وبين نفسي عشان أصدق...
رفعت أناملها لوجهه وقالت مشيرا لعينيه :-
_ سواء كانت بنت أو ولد ، عايزاهم نسخة منك ، بالذات عينيك..
قال بعدما قبل رأسها :-
_ لو جت بنت هسميها نور ، دي وصية ولازم انفذها...بس خايف يطلع ولد ويبقى شبهك
اتسعت ابتسامته بقوة وأضاف :- ساعتها هيزهق من كتر ما البنات هتحبه وتجري وراه ، ماهو مش معقول يبقى في ولد بالجمال ده !
قالت بمشاكسه :- طب لو بنت وطلعت شبهي ؟
قال بنظرة قوية :- مش هبعدها عني أبدًا ، انا عايز منك نسخ كتير..
ادمعت عينيها وقالت رغما :-
_ كل ما كنت بفتكر أبني اللي مات قبل ما يتولد بشهرين قلبي يوجعني ، معرفتش انساه حتى بعد السنين دي كلها ، دلوقتي احساسي وكأنه رجع لقلبي تاني وبيقولي وحشتيني يا ماما....نفسي اسمع أوي كلمة ماما
قبل خدها أيضا بقبلة ناعمة رقيقة وقال هامسا :-
_ هتسمعيها ، ومش هتكون مرة واحدة بأذن الله...بس ما تدمعيش تاني وتزعليني وتزعلي ابننا...
ابتسمت وهي تصمه بقوة وقالت :-
_ الأحلى أنه هيكون أنت ابوه ، اخترتله احسن أب في الدنيا..
**************
منذ أن علمت عائلة الزيان بما تحمله في رحِمها زوجة كبيرهم "وجيه الزيان" وهم يوفرون لها جميع سُبل الراحة والهدوء بينما تبعها "حميدة" بشهر واحد فقط وأخبرت الجميع بحملها أيضاً.....
ذلك الشيء الذي جعل يوسف لا تفارقه الابتسامة طيلة اليوم...كأنه وجد شيء لطالما بحث عنه وهو صغير يخصه ، من دمه...
كان يشرد كثيرا ويتخيل كيف سيتعامل معه عندما يأتي ، وكيف سيكون له صديقا واخ وليس فقط أب له....سعادة كامنة بمنطقة الأبوة بداخل الرجال لا يُمكن نُكرانها....
***مرت ثلاث أشهر***
أصبحت فيهم "لِلي" على مشارف شهرها الرابع بينما "حميدة" ستكمل شهرها الثالث بعد عدة أيام....
بصباح هذا اليوم اجتمعت العائلة حول مائدة طعام الفطار صباحاً...يتشاركون الطعام مع الابتسامات والمشاكسة لتقل سما بابتسامة مرحة لحميدة :-
_ نويتي تسمي البيبي إيه يا حميدة ؟
ابتسمت حميدة وتوقفت عن تناول طعامها المخصص لحالتها الصحية بفترة الحمل وكادت أن تقول شيء حتى قال يوسف بابتسامة واسعة وهو ينظر لعمه وجيه الذي يترأس مائدة الطعام وعلى جانبه الأيمن زوجته لِلي....قال :-
_ هسمي...وجيه
هتف بقية الشباب بغيظ في ذات اللحظة وقالوا بعصبية:-
_ نعـــــــــم يا أخويا ؟!!!
صمت يوسف بنظرة متوجسة من نظراتهم المغتاظة وتمتم بقلق :-
_ إيه ؟! الاسم جميل وأنا بحبه !
كتم وجيه ضحكته وتابع تناول طعامه بغمزة ماكرة لزوجته التي كادت أن ترتفع ضحكتها ولكن تحكمت بها بالكاد من مرأى الشباب وغيظهم من يوسف....قال جاسر بغيظ :-
_ ما أنا عارف أنه جميل يا بــــارد !! أنا الكبير فيكم والأولى بالاسم ده ، لما اجيب ولد هسميه وجيه ولو سميت وجيه يا يوسف هغطسك في حمام السباحة في البرد اللي احنا فيه ده عريان....اصرف نظر احسنلك
عبس وجه يوسف بضيق بينما قال رعد بنبرة تحذيرية لهما :-
_ لا أنت ولا هو ، أنا طول عمري مريح عمي وماتعبتهوش معايا وانا اللي هسمي وجيه واللي هيتكلم بسلك الشاحن وهعلقه في شباك اوضته....ما تختبروش صبري عشان لنا بتعصب ببقى غشيم ويتخاف مني...
قال يوسف بقلق وهتف :- ما تتكلم يا عمي ؟!
ابتلع وجيه ما بفمه بالكاد وقال مبتسما :-
_ أنا مش عارف أقول إيه بصراحة...مش عيب تبقوا كبار وعقلين كده وتتخانقوا على اسم ؟!
قال آسر بحسم لهما جميعا :-
_ انتهى الأمر يا يوسف....الاسم ده يخصني أنا ، مافيهاش نقاش دي معروفة !
هتف يوسف بعصبية تشبه عصبية الأطفال :- يـــــا عمي !
نهض جاسر وهو يضم شفتيه بقوة وقال مشيرا لهما بتحذير شديد :-
_ ما تتحدونيش احسن، ما تخلونيش أرجع البلطجي بتاع زمان وافرض سيطرتي عليكم...
نهض رعد بنظرة متحدية ونظر لجاسر قائلا :-
_ انت عمرك ما سيطرت عليا !! ده انا كاتم أسرارك الدنيئة !
نظرت جميلة لجاسر بتقطيبة بعدما كانت تضحك في خفوت مثل باقي الفتيات فرمقها جاسر سريعا وتراجع بقلق قائلا لها :-
_ بيهزر يا روحي....
نظر لرعد بغيظ وقال وهو يلكمه كأنه يمزح:-
_ خد الاسم يا حبيبي ....خده بدل ما تاخد بإيدي في خلقتك
ابتسم رعد بانتصار فجلس جاسر ناظرا لجميلة وهمس :-
_ يابت....يابت ده أنتِ من غرست بمخالبي الزهورُ ! اتصدقي قول الحمير وتتركي قسم الصقورُ ؟!!....الصقور دي عايدة على جاسر...انا يعني.
قالت جميلة بسخرية :-
_ صادق ! ده أنت تمثال للصدق والمصداقية والانسانية !!
قال متساءلا بنظرة ضيقة :-
_ اعملك ايه عشان تثقي فيا؟! اجيبلك جمعية حقوق الانسان ؟ يمكن قلبك يلين !
ابتسمت رغما وقالت وهي تتابع طعامها في هدوء :-
_ بقى أنا قلبي قاسي ؟!
قال مبتسما بمشاكسة :- ساعات وساعات !
قال آسر بحدة بعدما تبين من حديثه جاسر مع رعد تنازله عن الاسم :-
_ بص يا رعد يا ابني....احنا ما اتخنقناش قبل كده بس انا مستعد...
قال رعد بلا اكتراث :-
_ ولا يهمني....
نهض آسر من مقعده وقال :- الفرعون العاشق جاهز للأحتفال
أجاب رعد وهو ينهض بثبات :- على الرحب والسعة
هتف وجيه لهما واخفى ضحكته مرةً أخرى :-
_ بطلوا خناق ، أنا قررت خلاص
نظر الجميع لوجيه حتى تابع وهو ينظر ليوسف بمحبة :-
_ يوسف أصغركم ، غير كده هو قرر من قبل الجواز كمان وقالي الموضوع ده ، ما تزعلهوش انا مابحبش أشوفه مضايق...وبعدين اللي أهم من الاسم انكم لما يبقى عندكم أطفال تربوهم صح وتكونوا مسؤولين عنهم ، مش الاسم اللي هيخليهم زيي مع أني اتمنى يبقوا احسن مني مليون مرة...
نظر يوسف لرعد وآسر في ود ورجاء فنظروا اليه بطيف ابتسامة وقال آسر باستسلام :- أمري لله...
تبعه رعد وهو يجلس عابسا :- اوامرك يا عمي...أنا برضو هزعل لو يوسف زعل....
اختلس جاسر نظرة منتصرة لرعد وكتم ضحكته.....
دق هاتف جاسر واعلن عن مكالمة فنهض مبتعداً عن الجميع حتى يتحدث دون ازعاج لأحد......وقف أمام المسبح بالحديقة وقال :- الو؟
اجابت "كاريمان" وكان رقم أرضي من المشفى وقالت بغضب :-
_ أنت فين ؟! توتو تعبانة وجبتها المستشفى...لسه الدكتور بيكشف عليه ومخرجش....تعالى بسرعة
ازدرد جاسر ريقه بقلق وقال :-
_ انا ببعتلك فلوس ، عايزة مني ايه تاني ؟! وبعدين هي لسه في السابع !
هتفت كاريمان بعصبية وقالت :-
_ يا أعصابك ؟! فلوس ! دي ما بطلتش سؤال عليك ومن كتر عياطها صعبت عليا وانا مافيش حد بيصعب عليا اصلا ! ممكن تولد بدري عن ميعادها وخصوصا أن شكلها تعبان أوي وعلى وش ولادة....لو ماجيتش هجيلك انا وأنت عارفني !
قال سريعا بتوتر:- لأ جاي ،ساعة واكون عندك بس أنتِ في أي مستشفى ؟
أخبرته كاريمان العنوان واغلقت الاتصال عندما وجدت الطبيب يخرج من الغرفة ويُعلمها بالأمر....
راقبت جميلة خروج زوجها بخطواته السريعة في توجس وقلق ...
***********
بالمشفى.....
دلفت كاريمان غرفة "تقى" المسماه بتوتو فقالت تقى بأنفاس بالكاد تأخذها :-
_ كاريمان...ابوس ايدك اعملي اللي هقولك عليه بالحرف
قالت كاريمان بنفاذ صبر :- قولي عايزة وهعمله يا توتو...
سخطت تقى سمعها بهذا الاسم الذي يذكرها بماضيها الشنيع وادمعت عينيها بقوة ثم قالت بعين تتيه كل لحظة :-
_ انتِ عارفة رقم القصر بتاع عيلة جاسر....خلي مراته تجيلي ضروري ، ارجوكي اعملي اللي بقولك عليه....
صدمت كاريمان وقالت بقوة :- انا كلمت جاسر وجاي في السكة ،هكلم مراته ليه وتقلبي الدنيا على دماغك ليه ؟! مش في مصلحتك اصلًا !!
هزت تقى رأسها بقوة وقالت بتصميم :-
_ اعملي اللي بقولك عليه ،ولو جه جاسر الأول ما تقوليلهوش أن مراته جاية....كده كده هتعرف ، يبقى اوصيها على بنتي قبل ما اسيبها للأبد....
قالت كاريمان بشيء من الشفقة :-
_ هتقومي بالسلامة ،ما تحطيش في دماغك انك هتموتي كده وحش لحالتك النفسية...
أخذت تقى نفس عميق بألم وقالت بتوسل وبكاء :-
_ اعتبري ده آخر طلب بطلبه منك ، ارجوكِ
أخرجت كاريمان هاتفها مرة أخرى من حقيبتها واحرت اتصال على الرقم الأرضي لقصر الزيان.....
كادت أن تصعد جميلة لغرفتها بعد تناول الفطار مع العائلة وكلا ذهب لعمله بينما بقية الفتيات جلسوا مع للي بغرفة الصالون بعد ذلك حتى اوقفتها أحدى الخادمات قائلة :-
_ في اتصال ليكِ يا مدام جميلة
استدارت جميلة بتعجب نظرا لعدم إتيان أي اتصال لها على الهاتف الأرضي للقصر وعائلتها يهاتفوها على هاتفها الخاص...من إذن ؟!
أومأت جميلة برأسها دلالاة الإيجاب واتجهت للهاتف على بُعد عدة خطوات على طاولة زجاجية.....أجابت بعدما وضعت السماعة على أذنها :-
_ الو ؟ مين معايا ؟!
قالت كاريمان باختصار:- أنتِ مرات جاسر ؟
اجابت جميلة في قلق لتتابع كاريمان بنبرة لا تخلو من الحقد والغيرة :-
_ في واحدة عايزاكي ضروري....خدي كلميها
اعطت كاريمان الهاتف ل"تقى" فتحدثت تقى ببطء وإعياء قائلة :-
_ محتاجة اتكلم معاكي ضروري...أنا كنت أعرف جاسر لفترة كبيرة قبل ما يعرفك ويتجوزك....دلوقتي أنا في المستشفى وربنا وحده اللي عالم هوصل لإيه....هسيبلك وصية
ارتجف جسد جميلة على ذكر اسم زوجها فقالت دون تفكير :-
_ اسم المستشفى وعنوانها ايه ؟
اخبرتها تقى بصوت خرج بالكاد ثم انتهى الاتصال......
**********
اندلعت نيران ملتهبة بقلبها حتى تسارعت أنفاس جميلة في حدة وهي تشعر أنها على خطا النهاية.....أتت للي من الصالون لتصعد غرفتها وتبدل ملابسها لملابس اكثر دفء في هذئا الطقس الشتائي....انتبهت لوجه جميلة التي وكأنها ستنشب اظافرها في عنق أحدهم...تساءلت للي بقلق :-
_ في إيه يا جميلة مالك ؟!
أخبرتها جميلة بالمكالمة وهي تبكِ بعصبية حتى سمع صوتها سما ورضوى وحميدة واتوا مسرعين بخوف وقلق....وبعد دقائق كانوا علموا بأمر المكالمة ...قالت حميدة بحدة :-
_ تروحي فين أنتِ اتهبلتي ؟! افرضي ده فخ لحد ناوي على شر !
وافقها البقية فقالت جميلة بدموع :-
_ أنا هروح وأعرف فيه ايه بالضبط وبعدين هي ادتني عنوان مستشفى مش مكان تاني ! هروح المستشفى واتأكد بنفسي
هتفت للي برضوخ :-
_ روحي بس السواق هيوصلك وهيفضل معاكي ، لو مش تعبانة كنت هروح معاكي وماينفعش ابعت حد من البنات معاكِ برضو....
خرجت جميلة بخطوات سريعة وكانت ملابسها مناسبة تماما للخروج لأي مكان.....
***********
بالمشفى.....
تقدم جاسر بخطوات مبطئة بالممر المؤدي لغرفتها والذي اعلمه عنه موظف الاستعلامات بالمشفى....وقف أمام غرفتها مترددا بنظرات مرتبكة وقلقة....اتت كاريمان فجأة واقتربت منه قائلة بسخرية :-
_ أنت خايف تدخلها ولا ايه ؟ عموما هي حالتها وحشة أوي وصحتها بسبب الحمل ادهورت اكتر....هتفضل في المستشفى لحد ما يجي ميعاد الولادة اللي ممكن يكون بعد أيام قليلة...شكلها هتجيب ابن سبعة !
تجاهل جاسر حديث كاريمان وفتح باب الغرفة....استقبلته تقى بنظرة دامعة وعاتبة ......أشارت له ليقترب منها فنفذ الأمر ببطء....
أمارات الضيق ظاهرة على وجهه بقوة وكأنه يود لو يركض من هنا بأسرع خطواته.....جلس على مقعد قريب منها لتقل تقى بدموع :-
_ ماجتليش غير مرة من شهرين تتهمني أن اللي في بطني مش ابنك....وغصب عني عملت تحليل النسب وانا حامل رغم أن ده خطر على صحتي وانا في الحالة دي بالخصوص....لكن عشان اثبتلك .....مطلعتش كدابة يا جاسر ....والبنت اللي في بطني تبقى بنتك وبالدليل....
قال جاسر بتنهيدة ثقيلة وضيق حاق بعينيه :-
_ اللي كان بينا بطلته وتوبت...بطلب من ربنا كل يوم يسامحني وبعمل كل اللي اقدر عليه عشان اكفر عن ذنبي...
قالت تقى ببكاء مرير:-
_ بتعمل كل حاجة الا الحاجة اللي انا عايزاها....مع أن ده حقي !
جاسر بعصبية وقد نظر اليها :-
_ حقك ؟! أنتِ عمرك ما كان ليكِ حقوق عليا !! أنا عرفتك وأنتِ كده وسيبتك وأنتِ كده بلاش كدب !! كنتي حريصة أنك ماتبقيش حامل في كل اللي فات وكل اللي قابلتيهم قبلي انما عندي أنا كنت ورقة كسبانة بنظرك وورطيني وجاية تقولي حقك !!
بأي حقك تطلبي مني اتجوزك ؟!
انتفضت تقى من البكاء وقالت بنظرة متوسلة :-
_ لو مكنتش مريضة مكنش الحمل هيكمل زي ما حصل قبل كده معاك ، غلطت كتير واذنبت اكتر ، كنت بموت ابني بإيديا ده غير الفجور والقرف اللي كنت عايشة فيه لحد ما المرض فوقني ...انا بطلب منك تكتب كتابك عليا بس...عشان بنتي ما تكبرش وهي مذلولة بذنب معملتهوش ! ويتقالها بنت حرام ! خليني اموت وانا قلبي مرتاح عليها .....
قال جاسر بألم ورفض :-
_ مقدرش....مقدرش اعمل كده في جميلة ، مش هتسامحني مهما عملت..
أنا مش رافض من نفسي ، أنا برفض غصب عني ، انا مش قادر أشوف حتى بكرة ايه في خيالي ....اللي أنا فيه مش سهل ياريت تفهمي...
اشتد بكاء تقى بقوة وقالت مترجية :-
_ حرام عليك ...بنتك هتتذل وسط الناس بسببك ، ورقة واحدة ممكن تخليها ترفع راسها ومحدش يعايرها ، حكم ضميرك
ظل جاسر صامتا بحيرة تغمر عينيه فتأملت تقى في بكاء صامت حتى نهض بعد فترة وكاد أن يخرج من الغرفة فأوقفه صوت تقى بتوسل :-
_ لو لسه في قلبك رحمة ارحمي بنتي وبنتك ،ما تسبيهاش ، أنت كده كده هتستلمها لو جرالي حاجة ، وساعتها هتعرف أن كان عندي حق وهتندم ...مش هسامحك يا جاسر ...مش مسمحاك
أغمض جاسر عينيه بألم وطعنة غرزت بقلبه حتى عندما فتحها كانت جميلة تفتح باب الغرفة وخلفها السائق....يظهر أنها علمت بالأمر ليس بالاستماع ولكن بابتسامة كاريمان وهي تستند على الحائط خارجـًا بنظرة منتصرة وشامته......نظرت جميلة له بدموع تنزلق على خديها بخذلان وحسرة.....حتى وقفت نظرته عليها بصدمة من وجودها الكارثي هذا !!
رمته بنظرة عنيفة ثم نظرت للممدة على فراشها تبكي بقوة واقتربت اليها....استجمع جاسر فكره المشتت وحاول ايقافها ولكنها أشارت له أن يبتعد ولا يلمس حتى اصبع واحد من اصابع يديها.....تسمر جاسر في مكانه من نظرتها الشرسة وتأمله اقترابها من تقى .....
قالت تقى في رجاء :-
_ اكيد أنتِ جميلة الحمد لله أنك جيتي....أنا
قاطعتها جميلة بدموع منكسرة وكتمت صراخها بداخلها وقالت :-
_ صاحبتك قالتلي على كل حاجة ، مستنية اتأكد من جاسر عشان اخد قراري......
التفتت جميلة لجاسر بنظرة عنيفة وقالت :-
_ البنت اللي في بطنها تبقى بنتك بجد ؟ وأنت كنت عارف من شهور ؟
انسدلت نظرة جاسر للأسفل في الم وغضب مكبوت من كل شيء وطال صمته.....هزت جميلة رأسها بالايجاب قائلة ببكاء حاد :-
_ يبقى صح .....
نظر اليها مجددا في رجاء قائلا :-
_ مكنش ينفع أقولك ، أنتِ اسهل قرار عندك أنك تمشي !
هتفت جميلة بصراخ وبكاء :- مكنش ينفع تقول بس ينفع تخبي وتكدب مش كده ! أنا قولتهالك كتير انا مكنش ينفع اتجوزك أنت بالذات وكل الظروف للأسف كانت ضدي...لو بإيدي مكنتش كملت معاك واحد زيك ....
قالت تقى في رجاء وتوسل :- اكيد عرفتي طلبي من كاريمان ...ارجوكِ ...
قاطعتها جميلة بقدة وقالت :- هيتنفذ...طالما غلط لازم يصلح غلطته ، ماينفعش طفلة بريئة تشيل ذنب مقرف مالهاش علاقة بيه....المأذون اللي هيكتب كتابكم هيطلقني...
ضيق جاسر عينيه بعنف ونفذ رباط الجأش تماما فصاح بشراسة :-
_ كنت عارف أن ده اول حل بيجي في دماغك ! أنتِ دايمًا كده مش جديد عليكِ....واحد زيي تاب وندم وكان بيندم اصلا من قبل ما يعرفك ونفسه يتصلح ! بنظرك ما استحقش مساعدتك ووقفوك جانبي !!
واحد زيي من أول يوم دبلتك اتحطت في صباعه وهو خد أول خطوة بالفعل أنه يبعد صحيح ضعفت مرة بس كانت مرة واحدة ومحصلتش تاني ولا هتحصل تاني وصارحتك ومش عشانك بس ، عشان نفسي قبلك....عارفة ما قولتلكيش ليه ؟!
عشان عارف دماغك وقراراتك ....وعشان عارف انك أول كلمة هتنطقيها "طلقني" مش هتسمعيني حتى !! أنا هكتب كتابي على تقى عشان خاطر بنتي وعشان هي وامها يسامحوني ، بس طلاق مش هطلقك ووريني هتعملي ايه !!
التهبت نظرتها بسخرية ومرارة وقالت :-
_ دلوقتي بتطلع لنفسك حق !! دلوقتي أنت المظلوم ! لكن أنا فين؟ واحدة زيي عمرها ما خلت مخلوق يقربلها يوم ما تتجوز يكون واحد من كتر اللي عمله مش ملاحق على المشاكل !! أنا ما استحقش اتعذب كده !
وما استحقش اتحمل معاك ذنوب انا ما عملتهاش !! ما استحقش ابقى عايشة مع واحد وفي دليل حي قدام عيني لماضيه الـ.....انا مش عايزة أعيش معاك ،استحق عيشة احسن من كده !
أخذ جاسر نفسا عميقا ثم جذبها من يدها للخارج وهي تحاول الفكاك منه وهي تبكي بقوة...حتى اوقفها بممر خلفي للمشفى لا يوجد به مخلوق ....الصق ظهرها بالحائط وقال بغضب :-
_ تقصدي ايه ؟ عايزة تطلقي وتتجوزي واحد تاني تبني معاه احلامنا مش كده !! بس ده على جثتي....لو هموت مش هطلقك...أنتِ ليا وهتفضلي ليا لآخر عمرك وعمري...
اقترب من عينيها بنظرة شرسة فبكت اكثر من الم موضع قبضته على ذراعيها وقالت بضعف :-
_ مش هقدر اتحمل حرام عليك...ده فوق طاقتي !
ضمها جاسر بقوة وتبدلت قسوته للحنان وقال هامسا :-
_ وضع اتفرض عليا ومش بإيدي....مش قدامي أي حلول صدقيني...
شهقت جميلة من البكاء وقالت :-
_ كدبت عليا ليه ! يمكن لو كنت صارحتني من زمان كنت أقدر اقبل الوضع ده عن دلوقتي ، كدبك عليا ما بينتهيش !! ارحمني..وطلقني بقى
غلى الدم بعروقه مرةً أخرى وهزها من ذراعيها بعنف قائلا :-
_ قلت لو على جثتي مش هطلقك ، شيلي الموضوع ده من دماغك لأنه مش هيحصل !
نظرت له بعينيها الغارقة بالدموع وهتفت بحدة :-
_ مش هفضل معاك غصب عني ، مش هتحمل اكتر من كده ، غلطك شيله لوحدك أنا تعبت وزهقت منك ومن كل حاجة تخصك ....
قال بمحاولة أن يتحكم بأعصابه :-
_ مقدرك صدمتك وزعلك ، هسيبك تهدي شوية يا جميلة وعارف هراضيكي أزاي...
صرخت بمرارة وعنف :-
_بطل بقى غرورك ده !! يوم ما تمس كرامتي يا جاسر يبقى قلبي هحطه تحت رجلي ، والحمد لله أن الوقت ما طالش وبقى بينا اطفال يتعذبوا ما بينا....كل واحد يروح لحاله من دلوقتي...
اتت كاريمان مسرعة بهذا الوقت وهتفت على بُعد خطوات :-
_ يا جاسر.....الدكتور طالب يشوفك ضروري
تنهد جاسر بهم ثفيل على قلبه وجذب جميلة من معصمها مرة أخرى للداخل حتى أشارت له كاريمان باتجاه غرفة مقابلة لغرفة تقى وقالت :-
_ الدكتور هنا ادخله
نظر جاسر لجميلة التي تكتم فمها من البكاء وقال :-
_ ما تتحركيش من مكانك ، هتكلم معاه وأشوف في ايه وراجع...
انتظرته جميلة حتى دخل الغرفة واغلق الباب وقالت للسائق بأنهيار:-
_ وصلني للحارة اللي ياريتني ما خرجت منها....عايزة امشي
تردد السائق فهتفت به بعصبية حتى سألها على العنوان تحديدا فأخبرته.......ثم خرجت من المشفى برفقة السائق....
جلست بالسيارة التي اتت بها وتحرك السائق بها في الطريق حتى مضت دقائق واعلن هاتف جميلة اتصال من جاسر الذي يبدو أنه انهى حديثه مع الطبيب وخرج من مكتبه....فتحت الاتصال وتلقت صوته العنيف وهو يصيح فقالت جملة واحدة قبل أن تغلق الهاتف تمامًا :-
_ مش هتراجع عن الطلاق يا جاسر....مش هقدر اكمل معاك صدقني ...
اغلقت الهاتف والقته بجانبها ودخلت نوبة شديدة من البكاء طوال طريقها للحارة الشعبية .......
________________
نسأل الاسئلة المهمة....انتوا متعاطفين مع جاسر ولاجميلة اكتر؟
روبا
#الفصل_الخامس والستون_والأخير
#إمبراطورية_الرجال
**بالحي الشعبي**
أصوات حد السكين الذي يتطاير منه الشرر تحت آلة كهربائية للسن تبدو مزعجة لمارة الطريق وتعبأ الهواء بالأدخنة السامة....وأصوات مرح ولهو الأطفال بالطريق قريب للقلب وبه شيء غامض من الحنين ..
وقفت السيارة السوداء بالقرب من منزل عائلة حميدة والذي يقابله المنزل القديم الذي قطنوا به الفتيات الأربعة قبل زواجهن...
خرجت جميلة من السيارة بأقدام ثقيلة كأنها أصبحت عجوز بطرفة عين!
وقفت مستندة بيدها على باب السيارة وهي تنظر حولها بدموع نازفة....
هنا كانت تبتسم ، وتضحك ، وتغفو ، وتستيقظ بهناء البال....
وأحيانـًا ما يأتي مع الحب سوى الدموع والآلام..
قالت للسائق بصوت بالكاد خرج من ضيق الدموع المكبوته :-
_ ارجع أنت للقصر يا عم احمد ...ما تستنانيش
رمقها السائق بنظرة شفقة لعلمه بما حدثه بالمشفى وأطاع الأمر بهدوء وسرعة وغادر من الحارة الشعبية مع زحام الأطفال حول السيارة فرحين بها ....
تمنت بهذه اللحظة أن لا يراها أحد لأنها أبغض شيء تراه الآن هو الحديث....دلفت ببطء إلى المنزل القديم لعائلة حميدة وصعدت خطوة خطوة حتى سطوح المنزل....
بآخر الخطوات كانت تركت لدموعها العنان والحرية...لم تستطع لجم ثورة دموعها أكثر من ذلك..
فتحت باب الغرفة التي تركتها منذ أشهر قليلة لتجدها مثلما تركتها...اغلقت الباب جيدًا ثم اقتربت من الغرفة الداخلية الصغيرة وارتمت على الفراش باكية بجسد متعب ومتهالك....
**************
**بالمشفى**
انتهى جاسر من عقد القران بداخل غرفة "تقى" بعدما أتى بالمأذون الشرعي وشاهدين من الرجال ليُنهي هذا الأمر ويُستخرج عقد زواجهم ليتم الطلاق بعد ولادة الطفلة...
خرج المأذون والشاهدين من الغرفة لتسعل تقى بشدة وحكمت رباط رأسها الذي اعتادت عليه بعدما ارتدت الحجاب....غابت عين جاسر للبعيد بألم وحزن شديد فرمقته تقى بحسرة وقالت ببطء :-
_ أنا عارفة أنك بتحبها ومش هاين عليك زعلها...وعارفة أنك وافقت تكتب كتابك عليا عشان هي قالت كده ، مكنتش اتخيل يا جاسر أن في واحدة في الدنيا ممكن تعمل فيك كده...بس أنت محظوظ أكتر مني...
أنا مالقتش حد يحبني ولا يمدلي ايده وينقذني من اللي أنا فيه...أنت ممكن مراتك تسامحك في أي وقت ، لكن أنا مهما عملت وتوبت محدش هيقبل توبتي غير ربنا سبحانه وتعالى....لكن الناس ....محدش هينسى أنا كنت إيه !!
نظرت له ببكاء والم وتابعت :-
_ ربنا قال الزاني والزانية...هيحاسبهم زي بعض وهيحكم بالعدل ، لكن الناس مش بتبص غير للي زيي وبس ، بس يكفيني رضا ربنا وانه يتقبل توبتي برحمته...يمكن اللي أنا فيه رحمة مش واخدة بالي منها...
ابتلع جاسر ريقه بمرارة والتمعت عينيه بقوة ثم أجاب بصوت مخنوق :-
_ الناس مابتنساش أي حاجة يا تقى ، واللي بيتوب مش بيهمه الناس...كل همه رب الناس ، أنتِ شيفاني محظوظ !! غريبة !!
أنا في أسوأ لحظات حياتي ، وأوجعها ...عارفة ليه ؟
زمان كنت بعمل اللي بعمله ولما بتحصل مشكلة كنت بحس أني استحقها ، دلوقتي أنا توبت بجد....نفسي االي فات يسيبني في حالي ،حاولت ابعد كل حاجة ممكن تهدم حياتي لكن كل ذنوبي اللي عملتها كأنها شيطان بيجري ورايا وحالف ما يسبنيش ، لو الزمن يرجع بيا كنت بعدت من زمان ، مكنتش هسمح لنفسي ادخل المتاهة دي...
قالت تقى ببكاء :-
_ ده جحيم مش متاهة بس....صدقني محدش بيدخله ويخرج منه سليم ، ارجع لمراتك وصالحها ، شكلها بنت حلال وبتحبك ،هي بس موجوعة وانا مقدرة اللي هي فيه...
سخر جاسر بألم وقال :-
_ بتحبني ! من كتر حبها طالبة الطلاق !! لأول مرة ما ابقاش عايزة اتكلم معاها....رغم أني برضو عاذرها
اخذت تقى نفسا عميقا قبل ان تتحدث ببطء :-
_ هي مش زينا ياجاسر ، احنا استصغرنا الذنوب كتير ، لكن هي باين عليها انسانة محترمة وبنت ناس ومتربية ، مش سهل انك تفرض عليها وضع بالنسبالها كارثة ومصيبة كبيرة هي مالهاش ذنب فيها....روحلها وصالحها..
صمت جاسر لبعض الوقت ثم استدار وخرج من الغرفة مغادرا مبنى المستشفى.....
**********
**بقصر الزيان**
رفعت للي هاتفها بعدما اعلن اتصال من رقم زوجها وأجابت سريعا :-
_ ايوة يا وجيه ....السواق رجع القصر وقالي اللي حصل في المستشفى وجميلة راحت الحارة ....أنا خايفة أوي
ظهر القلق بعين للي جليا فتطلع بها الفتيات بحزن وخوف منبعث من أعينهن....أجاب وجيه بعجالة :-
_ طب أنا جاي في الطريق يا للي ، جاسر حسابه كبير أوي معايا....
صمتت للي بقلق حتى انتهى الاتصال بعد قليل.....
قالت حميدة بدموع :- أنا لازم اروح لجميلة ، أنا عارفة انها دلوقتي زمانها مموته نفسها من العياط ،ماينفعش اسيبها لوحدها...
وافقها الفتيات لتقل للي بتوتر :-
_ أنا كان لازم أقول لوجيه اللي حصل لأن دي كارثة ولازم يعرفها ، ماينفعش نتحرك من القصر غير لما وجيه واجوازكم يرجعوا....ربنا يستر...
قالت سما بعصبية وغضب :-
_ جميلة عمرها ما عرفت واحد غير جاسر ، عمرها حتى ما حبت حد قبله ، مش بسهولة حتتقبل اللي بيحصل ده !!
رضوى بزفرة حارة وضيق :-
_ بس هو برضو تاب !! ده كله حصل قبل ما يعرفها !! وهي سامحته ووافقت تتجوزه ليه بقى جاية تحاسبه دلوقتي !
نظرت لها للي بضيق وقالت :-
_ لا يارضوى....جميلة لما وافقت في حاجة جواها مش راضية عن قرارها...كان المفروض تاخد وقت تفكر وتقرر ، لكن الوقت كان ضيق للأسف وكان لازم تحسم قرارها في أسرع وقت...وافقت تحت ضغوط كتير وأولهم ضغط نفسها عليها لأنها حبته بجد رغم كل عيوبه...
واحدة بشخصية جميلة الجادة دي صعب تمشي في طريق مش مقتنعة بيه ، ولو حصل هتفضل دايمًا خايفة وعايزة تبعد عشان تطمن لنفسها من تاني....
وافقتها حميدة وهي تزيل دموع عينيها بأصبعها :-
_ هي حبته واتحملت شيء ضد مبادئها عشانه ، بس ما قدرتش تكمل مواجهة اخطاء جاسر اللي ما بتنتهيش !! أنا خايفة لتعند وتصر على الطلاق ....دي تعتبر لسه عروسة !
قالت للي بقوة :-
_ القرار قرارها يا حميدة....بصراحة أنا مش عارفة حتى لو اتكلمت معاها هقولها ايه لأن اللي هي فيه صعب جدًا ومش أي حد يتحمله ، وبصراحة اكتر أنا لو مكانها مش هقدر اتحمل خصوصا لو بحب جوزي كمان ، الموضوع ده محتاج طاقة تحمل عالية أوي...
سما بعصبية :- والاكتر من كده وجود طفل هيفضل قصاد عنيها العمر كله انتوا متخيلين المصيبة !! دي لو حاولت تنسى مش هتعرف !
قالت رضوى بضيق :-
_ ولو رجعت وربت الطفل ده هتكسب فيه ثواب....كل اللي يهمني أن جاسر ما غلطش الغلطة دي بعد ما اتجوزها....كل ده من اللي فات...
*****************
انتبهت جميلة في شد بكائها إلى صوت طرق على باب الغرفة ، اعتدلت بالفراش وابتلعت ريقها وهي تمسح عينيها سريعا.....نهضت وتوجهت للباب لتفتحه حنة وجدت "الأسطى سمعه " أمامها.....
تطلع بها الرجل لدقيقة وقال بتعجب :-
_ عيال الشارع قالولي أنك جيتي .....جاية غضبانة !!
انزلقت دموع عينيها من جديد وقالت بحزن :-
_ اكتر من كده...أنا طالبة الطلاق
حملق الرجل بها في ذهول للحظات ثم قال مشيرا لمقعدين بخارج الغرفة في الهواء الطلق وقال :-
_ بطلي عياط عشان تقدري تحكيلي اللي حصل ، أنتِ بالذات مش هتقولي كده غير لحاجة كبيرة....تعالي يابنتي...
اتجه الرجل للمقاعد وتبعته وهي تكتم دموعها حتى جلسوا متقابلين على مقاعد بلاستيكية بيضاء قديمة....ليقل الرجل بمحاولة أن يجعلها تهدأ :-
_ كل شيء وليه حل بأذن الله....قوليلي حصل ايه يمكن أقدر افيدك....بس احكيلي كل حاجة بأمانة وصدق متخبيش شيء ....
هزت جميلة رأسها بالايجاب والموافقة وبدأت تروي له كل شيء منذ البداية حتى هذه اللحظة.......
صمت الرجل تمامـًا وهي تتحدث ببكاء وألم واضح بعينيها ثم قال بعدما انتهت من الحديث وبدأت البكاء بقوة :-
_ أنتِ وافقتي عليه رغم أن كل حاجة فيه أنتِ رفضاها ، يمكن أنا صحيح قولتلك فكري وكلام الناس وكده لكن ماتنكريش أنك لو رفضتي واصريتي على الرفض مكنتش همنعك !! اتحملتي فوق طاقتك عشان بتحبيه وده غلط....
قالت جميلة بكل صدق وهي تبكِ :-
_ مش هنكر يا عم سمعة أني كان ممكن اوقف الجوازة دي من البداية ،ومش هنكر أني خدت كلامك حجة عشان ابرر لنفسي الموافقة ، بس حتى لما وافقت من جوايا مكنتش مقتنعة باللي بعمله ، دايمًا كنت ببعد الاحتمال واللي ممكن يحصل عشان فعلا حبيته ، ضعفت ودي أول مرة اضعف بالشكل ده قدام نفسي واختار غلط ...
قال الاسطى سمعة بعبوس ملامحه :-
_ بس هو تاب يابنتي ، اللي بيشوفه دلوقتي توابع ذنوبه ونتيجتها...
قالت جميلة بألم :-
_ عارفة....بس انا كنت عارفة من البداية أني مش هقدر اتحمل نتيجة اخطائه كلها ومع ذلك كملت !! أنا ندمانة أوي ، مكسورة أوي من جوايا وحاسة أني اضعف انسانة على وش الأرض....يمكن جاسر تاب ....بس ذنوبه لسه بتجري وراه وبتعاقبه ، وافقت ليه وانا عارفة أني مش هقدر اتحمل !!
الاسطى سمعة في يأس :- ايه المطلوب مني دلوقتي ؟...اللي أنتِ عايزاه هعمله...
ظهر الألم بشدة بعينيها وقالت وهي تبك :-
_ كفاية أوي كده يا عمي سمعه ، نصيبنا وقف لحد هنا مع بعض ، كل واحد يروح لحاله احسنله واحسنلي...وجع ساعة ولا كل ساعة ، هزعل يوم ،يومين ،شهر حتى ،بس هقدر اقف على رجلي تاني ، لكن لو رجعتله هموت في اللحظة الف مرة وأنا شايفة نتيجة اللي عمله قدامي كل لحظة....
الرجل بضيق :- ده أنتِ لسه عروسة ٣شهور ونص...و
قاطعته جميلة بعصبية ودموع :- مش هبص لكلام الناس تاني ! كفاية بقى !! فضلت اقول كلام الناس وهيقولوا لحد ما وصلت للي وصلتله....مش هبص بعد كده غير للقرار اللي يريحني وبس...
قال الرجل بدقة على كل كلمة يتفوه بها :-
_ والطلاق اللي هيريحك ؟
هربت نظرتها بكسرة وقالت بألم :-
_ افضل الحلول بالنسبالي.....حتى لو هيوجعني
نهض الرجل قائلا :- أنا هروح لعمه دلوقتي ، هروح القصر بتاعهم واستناه ، هتكلم معاه وابلغه قرارك...
**********
بقصر الزيان .....
دخل وجيه من مدخل القصر في خطوات واسعة وتبدو ملامحه على أشدها من العصبية ، كان جاسر للتو اتى وصعد عدة خطوات للأعلى حتى نظر له وجيه وهدر صوته بقوة قائلا :-
_ جاسر....تعالى ورايا المكتب
نظرت للي للفتيات وهما جالسين على مقاعدهن بنظرات حادة لجاسر وبينما قال وجيه ذلك نهضت وهرعت له سريعا تدقق النظر له في قلق :-
_ اهدأ يا وجيه ارجوك....لازم تمسك أعصابك وانت بتتكلم معاه أنت مش شايف شكله عامل أزاي !!
زفر وجيه بغضب وقال :-
_ سكتله كتير ، ونصحته اكتر ، مقصرتش في وقوفي جانبه عشان يطلع بالاستهتار والضياع ده !! أنتِ متخيلة أن في طفل هيكون موجود في العيلة ابن حرام ! دي فضيحة !!
نظر وجيه لجاسر الذي يقف على درجات السلم مواليا ظهره في صمت ثم توجه لمكتبه قائلا لزوجته :-
_ متخليش اي يدخل علينا
ولج لمكتبه في عصبية ووقف بنصف الغرفة حتى دلف جاسر بخطوات بطيئة واغلق باب المكتب خلفه في ترقب.....استدار ليواجه عمه حتى صفعه وجيه على وجهه بقوة وعنف قائلا :-
_ ما تخيلتش أن ممكن توصل مصايبك للدرجة الحقيرة دي !! أنت زي ابوك مافيش اختلاف ، كنت دايما بتجيب الذنب عليه وتقول عشان هو كان بيعمل كده مع أن ده مش مبرر!!
وضع جاسر يده على موضع الصفعة بصمت تام وكأنه توقعها مسبقا....ليستطرد وجيه بغضب :-
_ دمرت حياتك بإيدك ، تقدر تقولي أي مبرر هتقوله المرادي وهتدافع عن نفسك بإيه ؟! البنت اللي اتجوزتها مش هتعرف تعوضها وضيعتها للأسف .... المرادي أنا مش هقدر أقف جانبك..
نظر جاسر لعمه بنظرة منكسرة وقال بصوت يحمل الكثير من الألم :-
_ لأول مرة هعترف قدامك أني مكنتش بغلط بس عشان شوفت أبويا بيعمل كده....هعترف أن كان جوايا حافز أني اجرب لحد ما غرقت في المستنقع ده...وهعترف برضو أني حاولت اطلع منه حتى قبل ما اقابل جميلة....معرفتش..
كرهت نفسي ، مابقتش قابل اسمع أي نصيحة تسمعني اد ايه انا قذر ! حطيت مبرر لكل اللي بعمله ولومت أبويا مع انه مش لوحده اللي وصلني لكده....كان ممكن اكون احسن من كده بكتير....بس أنا توبت ،توبت وندمت على كل حاجة بمنتهى الصدق....بس محدش مصدق توبتي منكم !!
بس ربنا وحده اللي عالم ،وهو اللي قادر يخرجني من اللي انا فيه...شكرًا يا عمي على القلم اللي حقيقي استحقه...
استدار جاسر مغادرا المكتب....تنهد وجيه بألم ولأنه لأول مرة يرفع يده على أحد صغاره....
جلس أمام مكتبه بنظرة شاردة محاولًا ترتيب افكاره لحل تلك الأزمة حتى أتت للي مسرعة واشتد القلق على ملامحها قائلة :-
_ والد حميدة برا وعايز يقابلك ، اكيد عرف
اغمض وجيه عينيه بضيق شديد فلم يسعفه الوقت للتفكير بروية ولكن قال :- دخليه يا للي ، وخلي عم نعيم يعملنا أي حاجة نشربها ...
نفذت للي الأمر حتى دخل "الأسطى سمعه " للمكتب واستقبله وجيه بترحيب وحسن ضيافة حتى جلس امامه على مقعدين متقابلين بجانب المكتب ...
بدأ الرجل بالحديث قائلا :-
_ يمكن عندك فكرة باللي حصل وتقصر عليا المسافات في الشرح
هز وجيه رأسه بالايجاب وقال بصدق :- عرفت
قال الرجل دون مقدمات :-
_ وهي طالبة الطلاق ، ده قرارها....وحقها
تنفس وجيه بضيق وقال بجدية مخفيا عصبيته:-
_ اظن قرار زي ده لازم تفكر فيه كويس قبل ما تطلبه ، ماينفعش تقرر في لحظة غضب !!
قال الرجل بحزن :- انا ضغطت عليها كتير بسبب الجوازة دي ،وبصراحة حاسس بالذنب ،يمكن ما قولتلهاش كده لكن مش عايز اضغط عليها تاني وهعمل اللي تطلبه.
قال وجيه بثبات :-
_ بص يا اسطى سمعه ، احنا الكبار ودورنا اننا ننصحهم ونفهمهم ، ما نسبهمش لقرارات ممكن يندموا عليها بعدين....جاسر ما خنهاش ، ده كله حصل قبل ما يعرفها اصلا ، اما عرفها بس كويس وبعد عن كل حاجة ،اظن دي حاجة تشفعله عندك.....كل اللي بطلبه منك تسيبلي الموضوع ده وأن شاء الله خير....
أجاب الرجل :- اللي تشوفه....أنا واثق في عقلك وتفكيرك وأنك مش هتظلمها ....
اكد وجيه قائلا :- ربنا يبعدنا عن الظلم يا راجل يا طيب....دوري هيقتصر بس أني هتكلم معاها واوجههم ببعض ، بعد كده أي قرار هتاخده هي هنفذه على طول من غير كلام...نسيبها يومين تريح أعصابها في هدوء
تساءل الاسطى سمعه :- وبعد اليومين ؟
أجاب وجيه بهدوء :- بعد اليومين هعمل زي ما قولتلك....هواجههم ببعض واتكلم معاهم....بعدها القرار ليهم
بعدما عاد الاسطى سمعة للحي الشعبي توجه إلى غرفة السطوح وأخبر جميلة بما حدث بمقابلته مع وجيه الزيان.....قالت جميلة بعصبية :-
_ قراري مش هيتغير لا بعد يومين ولا اكتر !!
أجابها الرحل بتريث :- دي الأصول وما يتزعلش منها ، وبصراحة الراجل اتكلم عنك وكأنك بنته ، اهدي واستخيري ربنا ولو عايزة اكتر من يومين مافيش مشكلة....بس أنا عارف انك مش هتستحملي اكتر من يومين وأنتِ عصبية كده !
قالت جميلة بسخرية مريرة :-
_ عمي وجيه عارف أن طول المدة زي قصرها مش هيغير من قراري حاجة ، ياريت جاسر طلع زيه !
اتى سقراط فجأة واقترب مبتسما اليهما :-
_ ازيك يا ولية عاملة ايه ؟ هتولدي امتى ؟
نظرت له جميلة بدهشة ليقل مصححاً :-
_ ما أنتِ اكيد جاية تقوليلنا انك حامل وكده وتفرحينا...كل الافلام بتقول كده !! ماتجبيش عيال شبهك ولا شبه تايسون جوزك...هاتيهم شبه للي...
زفرت جميلة بحنق ولم يكن وقته الآن فهتف والده به قائلا :-
_ لم لسانك يا سقراط مش وقتك !!
قالت جميلة بمرارة :-
_ ولا هيبقوا شبهي ولا حتى شبه للي...
قال سقراط بضحكة :- اومال شبهي !! ما تحلميش أنا من الفلزات
ادمعت جميلة فتعجب سقراط من الأمر وسأل والده عن سبب دموعها حتى اخبره الاسطى سمعه الحقيقة.....اتسعت عين سقراط مرددا في خفوت :- يابن ال......يا جاسر !
ثم هتف بجميلة قائلا :- طلاق ايه يا خيبة أنتِ ، الناس هتاكل وشنا بعيش الفرن المحروق ! بقى في ولية لسه متجوزة مابقالهاش اربع شهور تقول طلاق !! اقول لعيال الحارة ايه !!
صرخت جميلة في وجهه بعصبية ثم دخلت لغرفتها باكية....توجس سقراط من نظرة والده الغاضبه منه فقال بقلق :-
_ والله كنت بحاول اضحكها بس....
أشار له والده بأمر :- يلا قدامي يا غتت عشان تجيبلها أي حاجة تاكلها
غادروا بعد ذلك....
***********
بعد مرور اليومين .....
كان الوقت تخطى ساعات الظهيرة حتى انتبهت جميلة لطرق على باب غرفة السطوح....تأكدت من حجابها سريعا وقد كانت ترتدي أحدى ملابسها القديمة التي تركتهم بالغرفة دون الحاجة اليها....وكانت عباءة بيتيه نظيفة من اللون الأصفر الهادئ منقوشة برقة بزهور زرقاء صغيرة....وحجاب ازرق قطني طويل....
تسارعت دقات قلبها مع ضيقها بعينيها المنتفخة من البكاء والواضحة للعيان من أول رمقة....فتحت الباب بيد ترتجف من ترقب رؤيته ربما....صدق حدسها وكان جاسر يقف خلف عمه ومعهم الاسطى سمعه....قال الاسطى سمعه :-
_ اتفضلوا ادخلوا ...
صوب جاسر نظره على عينيها في عتاب عميق وحزن كبير يغلف نظراته حتى انسحبت نظرة جميلة لجهة اخرى وسمحت لهم بالدخول وتظاهرت بالقوة والثبات أمامهم وداخلها لا سبيلا حتى لتقف دقيقة ....
قال الاسطى سمعه مستأذنا :-
_ طب هروح اخلي الحجة أمي تحضر غدوة كده سريعة وتبعتلكم حاجة تشربوها....ربنا ييسر الأمور أن شاء الله...بعد اذنكم
انصرف الرجل كي لا يجعلها وجوده تشعر بالحرج وقد شعر بعينيها بذلك.....
جلس وجيه على آريكة قديمة وظل جاسر واقفا بجانبه يتطلع بوجهها في ثباتٍ وصمتٍ تام كأنه يحسب عدد طرفات عينيها دون كلل !!
نظر وجيه لهما في لحظات صمت ونظرات عاتبة من جاسر ونظرات قاسية وحادة من جميلة.....بدأ وجيه الحديث :-
_ ممكن تقعدوا عشان نعرف نتكلم براحتنا !
جلست جميلة بصمت ثم بعد لحظات جلس جاسر بالقرب منها وهذا جعلها تشتعل غضب وعصبية وهي تعرف ما يكنّه ويخفيه لولا وجود عمه....
قال وجيه بثبات وهو ينتقل بنظراته لكلاهما :-
_ أنا مش جاي للطلاق يا جميلة ، أنا جايبه معايا للصلح مش للطلاق لأنه باقي عليكي وشاركي ...حتى منعته يجيلك اليومين اللي فاتوا عشان تعرفي تهدي وما تتعصبيش ....أنا مقدر احساسك
قالت جميلة بملامح جامدة لا تعبر عما بداخلها :-
_ وأنا عايزة اتطلق ، مابقتش شرياه أو باقية عليه ..أنا قولتلك قراري...ايه هو قرار حضرتك ؟
هز جاسر رأسه بسخرية ومرارة والم ملأ عينيه ولكنه لم يتحدث ....لجم غضبه حتى لا يزيد الأمر سوءً....
تنهد وجيه بحدة ثم رفع نظرته لها وقال :-
_ قراري....موافق على أي قرار تاخديه....اظن ده كان وعدي ليكِ من البداية...بس قبل ما القرار ده يتنفذ لازم انتوا الاتنين تسمعوني....زي ما هسمع كل واحد فيكم دلوقتي ومشكلته الحقيقية مع التاني....
تحدث جاسر بألم وقال :- سيبلي أنا البداية يا عمي....هقولك كل حاجة....مش هنكر أني كنت في اول معرفتي بيها بتسلى....وهي عارفة...بس حبيتها أوي ، حبيتها اكتر من أي حاجة في حياتي ولا زلت ، كانت طاقة النور اللي ربنا بعتهالي ونورلي طريقي ....كنت عايز اتوب وكنت بحاول وبفشل ، بس لما عرفتها نجحت وبعدت....
توبتي ربنا شاهد عليها....كل مرة كانت مشكلة بتحصل معانا كان سببها كل اللي عملته قبل ما أعرفها....عذرتها في خوفها وقلت هتتأكد مع الأيام ، هتتأكد أني فعلا توبت من كل قلبي وبمنتهى الصدق ، بس هي دايما كانت بتحسسني انها احسن وانضف مني !! دايما محسساني اني مهما عملت وندمت على اللي فات هفضل مش لايق عليها ولا استحقها !!
مع أن يمكن بعد توبتي مكانتي عند ربنا تبقى احسن من مكانتها مين عارف !!
كدبت عليها ايوة....بس كدبت وخبيت عليها موضوع تقى لأني عارف انها هتختار تبعد...وانا بحبها ومش عايزها تسيبني
رقت عينيه وهو يعترف بذلك وينظر لها في لهفة وشوق.....قابلت نظرته بدموع فقالت :-
_ يمكن بعترف أني غلطت في أني دايمًا محسساه أني احسن منه ، مش بنكر ، بس ده لأنه مخلنيش اثق انه فعلا تاب !! كل مرة كنت بصدقه بكتشف بعدها كدبة جديدة !! شيء ما اعرفهوش !
ولما اجي الومه يقولي كنت خايف لتسبيني !! زي ما بيقول دلوقتي بالضبط !! مع أنه لو صارحني بكل شيء وسابلي الاختيار يمكن كنت اخترته واتحملت معاه كل نتايج اخطائه...
مشكلتي أنه ما سابليش فرصة اثق فيه ، حياتي معاه عبارة عن خوف دايمًا من اللي جاي ليكون مخبي عليا شيء تاني يوجعني !!
لما بنفقد الثقة في حد مابنعرفش نتعامل معاه تاني...ما بالك دي حياتي مع انسان المفروض انه بالنسبالي كل حاجة...
حبي ليه عماني وخلاني أوافق اتحمل حاجات مكنتش عارفة انها تقيلة أوي كده ! الحمل ده تقيل أوي على حد زيي...انسانة كل حلمها الحب والأمان وبيت صغير ...بس هو وفرلي الحب والبيت...بس مالقيتش الامان !! ومافيش حب بيستمر من غير احساس الأمان...وده اللي حصلنا بالضبط...
تنهد وجيه بعمق ثم قال بعدما صمتت جميلة :-
_ انتوا الاتنين غلطوا يا جميلة....والغريبة ان غلطكم كان بمحاولة أنكم تفضلوا مع بعض !! هو كدب عشان ما تسبيهوش وأنتِ وافقتي تتجوزيه من البداية عشان حبتيه ومفكرتيش هتقدري تواجهي معاه ماضيه ولا لأ...وفي نفس الوقت مش قادر الومك أو الومه....
الحب بالذات مش بخلينا نفكر بعقل تام ، كل تفكيرنا اننا نبقى جنب اللي بنحبهم ، مابنفكرش في بكرة كتير ، ولا عواقب قراراتنا وافعالنا ....بس أنتِ عارفة أنا جيتلك وجبته معايا عشان نصالحك ليه ؟
نظرت له دون أن تسأل ولكن عينيها تلهفت للإجابة فقال :-
_ لأن اللي بيحصل ده نتيجة اللي فات ، مش بوجودك ...تعرفي لو الطفل اللي هيجي ده بعد ما عرفك جاسر مكنتش هسعى للصلح صدقيني...ده غير شيء مهم جدًا لازم تفكري فيه....كام سؤال كده لازم تسأليهم لنفسك ....
هل أنتِ لو اطلقتي واتقدملك شخص زي ما بتتمني بالضبط هتنسي جاسر ؟ هتعرفي تبدأي مع شخص من اول وجديد ؟
محدش خالي من العيوب والأصعب لما ترتبطي بانسان وتبدأي تكتشفي عيوبه ويا عالم هيحاول يتغير عشانك أو لأ...أنتِ عارفة أن جاسر تاب وعارفة أنه كدب عشان زعلك أنتِ ورغم أني مش موافقه على كدبه ده ولكن غلطك أن كلمة الطلاق ما بتفارقش كلامك ! دي مش حياة بتتبني !
هتف جاسر بشراسة اتقدت بعينيه :-
_ عمرها ما هتنساني لحظة ، انا عارف بقول ايه
أشار وجيه له ليصمت فقالت جميلة ببكاء :-
_ يعني أنا اللي بقيت غلطانة دلوقتي في كل حاجة !!
هز وجيه رأيه بنظرة رقيقة وقال :-
_ لأ طبعا انا مقولتش كده ، انا قلت أن غلطكم أنتوا الاتنين بدافع انكم ما تسيبوش بعض ، بس ده كان غلط منكم انتوا الاتنين برضو....الصدق دايمًا هو الحل في كل شيء...أنا شايف انكم محتاجين آخر فرصة...انتوا الاتنين تستحقوها...والظلم انكم تسيبوا بعض..
أصرت جميلة برفض :- مش هقدر اكمل...مش هقدر ...
كاد وجيه أن يتحدث حتى قاطعه جاسر بقوة :-
_ كفاية يا عمي كده....هي فعلا عندها حق ، كل مرة كنت بتمسك بيها بس كفاية كده....انا كتبت كتابي على تقى بعد ما سابتني في المستشفى معاها...تقى ولدت امبارح بليل ووصتني قبل ما تدخل اوضة العمليات أنك تروحيلها...بالنسبة لبنتي انا هاخدها وهنعيش بعيد عن الكل ، مش عايز حد معايا ، انا هعيش لبنتي ودلوقتي بقى عندي دافع اكبر بكتير اني ما اغلطش تاني ولا ارجع للي كنت فيه...طفلة صغيرة بس هتكون ارحم عليا من كل البشر .....مش هخليها تشوف اللي شوفته ولا تكبر وهي تايهة زي أبوها ، يمكن كنت محتاجلك تبقي معايا لكن طالما قررتي تبعدي ومصممة مش همنعك ولا اذل نفسي اكتر من كده...
نهض وجيه بعصبية وهتف به :-
_ تبعد عن الكل يعني ايه أنت اتجننت ؟!!
اجاب جاسر بدمعة فرت من عينيه رغما عنه وبصوت عنيف :-
_ هبعد عشان محدش يجرح بنتي حتى بنظرة ، محدش فيكم هيتقبلها ولا هيحبها ، إذاكان من دلوقتي وولادي عمامي خدوا مني موقف وبعدوا عني وزعلانين، كلكم هتبصولها على انها بنت حرام وهي مذنبهاش حاجة ، كل ما افتكر أني انا ابوها هكون سبب عذابها في الدنيا ببقى هاين عليا اموت نفسي ، مافهمتش قذارة اللي عملته غير لما شيلتها امبارح بين ايديا ، فرق كبير أوي أنها تكون بنت حلال أو بنت حرام...لكن بالنسبالي هخليها كل دنيتي وهعيشلها ، ومش هسمح لحد يجرحها ....مش ذنبها أني ابوها ...
خرج جاسر من الغرفة وهو يكتم دموعه....وقف وجيه مدهوشا للحظات ثم خرج خلفه دون إبداء حديث لن يُفيد بعد ما كل ما قيل.....
انهمرت دموع جميلة وقد المها كثيرًا دموعه وكرهت أن قلبها رق اليه من جديد.....
تذكرت قوله بخصوص تقى ....بدلت ملابسها بملابس من الخزانة القديمة وخرجت من غرفة السطوح متوجهة للمشفى..
****************
بالمشفى.....
توجهت جميلة للغرفة التي كانت بها تقى ولكن اخبرتها الممرضة بأنها انتقلت بعد إجراء العملية القيصرية.....واخبرتها برقم الغرفة...
اسرعت جميلة للغرفة المقصودة لتجد كاريمان تخرج من الغرفة وترمقها بنظرة عابسة كارهة....تجاهلتها جميلة وولجت بداخل الغرفة .....
تطلعت به تقى بوجه شاحب وابتسمت قليلا وهي تشير لها لتقترب....لم تستطع التحدث كثيرا.....
اقتربت جميلة ببطء حتى قالت تقى بالكاد :-
_ كنت مستنياكي....معرفتش ...اكلمك المرة اللي فاتت
قالت جميلة وقد شعرت بالشفقة اتجاهها وقالت :-
_ انا سمعاكي ....
قالت تقى بدمعة متوسلة :-
_ ما تسبيش بنتي...هسيبها معاكي أمانة ، حلفتك بالله ما تقسيش عليها ، ربيها وخليها زيك ....نفسي تبقى زيك
ادمعت عين جميلة من حديثها فقالت بلطف :-
_ قومي بالسلامة وهنربيها سوا ،ما تقلقيش
هزت تقى رأسها وقالت وعينيها تتيه كل لحظة :-
_ كان نفسي...بس أنا حاسة أني خلاص...يمكن بنتي حظها حلو أنك أنتِ اللي هتربيها ، احترام الناس ليها هيكون من احترامهم ليكِ....لكن أنا....
قالت ذلك وانهمرت دموعها بندم شديد لتقل جميلة بعطف :-
_ أنتِ توبتي وربنا بيقبل التوبة ....
تردد الجملة بداخل جميلة وهي تلوم نفسها على شيء .....
نظرت لها تقى بإعياء وقالت :-
_ سامحي جاسر بالله عليكِ....ماتخلنيش امشي وانا حاسة بالذنب أني فرقت ما بينكم ....جاسر عمره ما حبني ولا حب أي واحدة عرفها قبلي....عمري ما تخيلت أني أشوفه خايف من بعاد واحدة عنه وهو اللي كان بيبعد بمزاجه وبيعرف كل يوم واحدة.....انا اعرف ماضيه اكتر منك ، انا شوفته زمان وشوفته دلوقتي ....لو سبتيه هتخسري واحد ساب كل حاجة عشانك ....جاسر بيحبك بجد ...
صمتت جميلة وبعدت عينيها الدامعتين حتى لفظت تقى أنفاسها الأخيرة فجأة .....اتسعت عين جميلة بصدمة وركضت تهتف على الممرضات والأطباء واتوا راكضين بينما ابتعدت جميلة وهي تبكِ بقوة....ليخرج الطبيب اليها معزياً.....سقطت مغشيا عليها
الحياة لن تقف على آثم أو صالح ، لن تبقى لمخلوق....ولكل كتاب اجله فلنحسن سطور كتبنا ونجعل الخاتمة ...تمت بحمد الله...
***********
مر أسبوع....بقصر الزيان....
رفع يوسف سماعة الهاتف الذي كان صوته يصدح بمكتبه بالشركة ليهتف آسر :-
_ جاسر مختفي يا يوسف ، خد بنته من الحضانة في المستشفى ومحدش عارف هو فين !
نهض يوسف بانزعاج وقال :-
_ يبقى نفذ اللي قاله لعمي وجيه ! خدت البنت وبعد عننا....أزاي يفكر أننا هنقسى على بنته ! دي طفلة مالهاش ذنب
قال آسر بألم :-
_ هو موجوع بسبب قرار جميلة وهي مافيش خبر عنها بقالها أسبوع !
تحدث يوسف قائلا :-
_ هروح شقته يمكن فيها
نفى آسر :- لأ مش فيها ، رعد راحها ومافيش حد هناك والباب مقفول اصلا .....
يوسف بتصميم :- لازم نلاقيه ونبقى جانبه ،هو آه غلطان بس ماينفعش يفضل لوحده في الظروف دي....
انهى يوسف الاتصال وخرج من مكتبه سريعا.....
********
بأحد العيادات النسائية ......
فحصت الطبيبة تقرير بيدها لتقل لجميلة بابتسامة تهنئة :-
_ مبروك...أنتِ حامل ...الاختبار العادي مش اكيد بس التحليل اكد انك حامل....
وقفت جميلة بين الابتسامة والشرود ، بين القفز فرحا والجمود ،بين كل شيء ونقيضه....نهضت بنظراته تائهة وقالت دون تركيز :-
_ الله يبارك فيكِ
تعجبت الطبيبة من ردة فعلها ومغادرتها بهذه الحالة الضائعة من الحزن .....
سارت جميلة بالطريق تضم يديها حولها كأنها تضم جنينها....قالت وهي تسير تحت المطر ببكاء :-
_ ليه دايمًا لما بحاول ابعد كل حاجة بتقربني تاني !! كنت محتارة في البنت اللي معاك واللي بقت وصيتي....دلوقتي بقوا اتنين !
ارتفع صوت هاتفها فجأة لتجد حميدة تهاتفها ...أجابت جميلة :- الو
قالت حميدة بضيق :-
_ جاسر نفذ كلامه ومشي يا جميلة....خد بنته من المستشفى ومشي ومحدش عارف مكانه .....
شعر جميلة بخوف مجهول على الطفلة ! كيف سيراعيها وهو يحتاج من يراعيه...وخوف عليه وقلق ...خوف عليهما كلاهما.....اغلقت الاتصال لتجري اتصال على هاتفه وقاومت كبريائها .....وجدته غير متاح فأجرت اتصال على الرقم الأرضي لشقته عله يكون بها ولا يريد رؤية احد.....
**********
بشقة جاسر.....
ظل ينظر للطفلة الجميلة ذات العيون الواسعة البندقية بشكل ملحوظ....كان يبتسم لها بحنان تارة وبدموع تارة أخرى ....نظراته تحمل اعتذار وكأنه بأيامها القليلة ستفهم مقصده !
قال بألم وعبرات تنزف من عينيه وهو. يضمها اليه :-
_ مش هسمح لحد يجرحك بحرف واحد حتى....أنتِ دلوقتي حياتي بحالها يا عمري....
بقلم رحاب إبراهيم
انتبه لصوت الهاتف الأرضي مجددا فوضع الطفلة على الفراش وقرر نزع حرارة الهاتف ...توجه اليه وقبل أن ينزع الحرارة تفاجئ برقمها يملأ مساحة اظهار الرقم....خطف سماعة الهاتف بلهفة واجاب :-
_ جميلة .
قالت وقد تحكمت بلهفتها :- أنت خدت البنت من المستشفى ليه ؟! مش هتعرف تراعيها ولا هتعرف تتعامل معاها ....أنت...أنت كويس ؟
قال بصوت ضعيف ظهر به رجفته :-
_ وحشتيني
صمتت بدموع عينيها وقالت :- انا حامل يا جاسر ، لسه عارفة دلوقتي...ومن حقك تعرف
ابتسم ببعض الدهشة وقال :- ومن حقنا اننا نرجع انا مش عارف أعيش وحاسس أني تايه ....انا محتاجلك اكتر من أي وقت فات..
بكت بقوة ثم قالت :-
_ مافيش مرة قررت ابعد غير لما بلاقي سبب قوي يرجعني...مش عارفة ليه !
قال مبتسما بعتاب :- يمكن ربنا قبل توبتي وبيديني فرصة ....انا جيلك لحد عندك عشان اخدك
*************
مرت ساعة......بغرفة السطوح.....
اطرق بابها مرتين....اسرعت لتفتح الباب مع حمرة خديها....كان يحمل طفلته ويقف مبتسما مشرق الوجه ....ملابسه مرتبه كأنه على موعد هام لا يبدو عليه أي اهمال بمظهره....
تطلعت به دون تعابير تقريبا حتى دخل الغرفة ووضع الطفلة على الفراش برقة وغمز لها بمشاكسة .....
ثم استدار لجميلة وجذبها اليه بقوة ...بضمة عنيفة تثأر من فراق الأيام الماضية وكان بكائها عتاب ....تعلقت ذراعيها برقبته وظل يعتذر لها كثيرا ويربت على رأسها بحنان..ثم نظر لعينيها الدامعتين بابتسامة وقال :-
_ تحبي نرجع القصر ولا نرجع شقتنا ؟
ابتسمت له وهي تمسح عينيها وقالت :-
_ نرجع القصر..انا اتحرمت من العيلة كل سنين عمري اللي فاتت...مش هحرم نفسي منها تاني ....وممكن كل فترة نقضي كام يوم في الشقة كتغيير...
قبل رأسها وقال بسعادة :-
_ كل اللي فات مافيهوش أي شيء انتِ ما تعرفيهوش ، كل اللي جاي ليكِ أنتِ واطفالنا ....أنا سميت بنتي جميلة على اسمك ...
نظرت جميلة للطفلة بحنان وقالت :-
_ امها وصيتني عليها وسابتهالي أمانة ، وأنا اد الأمانة
قبل يديها ورأسها قائلا بعشق :-
_ أنتِ في عنيا احلى مافي الدنيا كلها....
******************
بعد عدة أيام.....في حفل صغير ضم الأهل والأصدقاء.....
وقف وجيه وبجانبه للي يستقبلون الضيوف.....همس وجيه بتعجب لزوجته قائلا :-
_ أنا مش شايف حد من الشباب ليه ! كانوا هنا من ربع ساعة !!
تعجب للي وأجابته :- ولا البنات !
اتى احد الضيوف من الأصدقاء فرحب به وجيه كثيرا ثم انتبه لرنين هاتفه وكان من رقم جاسر !! ...
غمز جاسر بنظرة ماكرة لزوجته جميلة وهما يجلسون بالسيارة ومعهما الطفلة وقال غبر الهاتف بضحكة مكتومة :-
_ معلش يعني يا عمي انا قررت أخد اجازتي بتاعت شهر العسل ...اللي اختصرتها في أيام دي ...
ابتسم وجيه قائلا بموافقة :- اوك يا مشاغب العيلة....اسبوعين والاقيك قدامي
انتهى الاتصال بابتسامة ليأتيه اتصال آخر من هاتف رعد الذي ابتعد بالفعل مع زوجته رضوى بالطريق الى احد الفنادق المحجوز بها جناح مسبقا وقال بضحكة :-
_ يا عمي يا عمي.....انت عارف أني بحبك صح ؟
كتم وجيه ضحكته وقال :- وبعدين ؟
تابع رعد بمرح وضحكة عالية :- أنا في طريقي للساحل يا عمي ...هدعيلك هناك
ارفق جملته بضحكة وشاركها وجيه ضحكته رغما.....
بقلم رحاب إبراهيم
رحب وجيه ببعض الحضور حتى اعلن هاتفه رقم آسر الذي بطريقه لقضاء عطلة أيضا تحت طلب سما بذلك وقال بنبرة ماكرة :-
_ بصراحة يا عمي كده أنا كنت مخنوق قلت اما اطلع أشم شوية هوا جنب الغردقة بشارعين كده....البحر هيفرح بيا أوي أوي ....
رفع وجيه حاجبيه بصمت وتعجب وقال :-
_ طب حاسب للتوه يا حبيبي ...
ما كاد أن ينتظر دقيقة من انتهاء مكالمة آسر حتى اتصل بيه يوسف فأجاب وجيه بقوة :- طالع تتفسح ...اقفل يا يوسف
اطاع يوسف الأمر سريعا :- حاضر يا عمي
اغلق يوسف الاتصال ونظر لحميدة زوجته بجانبه في السيارة وقال بثقة :- انا مسيطر برضو...
انتهى الاتصال لينظر وجيه لهاتفه وتنخرط للي من الضحك بدرجة هستيرية..ثم قالت بالكاد :-
_ شكلهم اتفقوا عليك !!
تمتم وجيه بضحكة :- يا ولاد الـ....
***********
انتهى الحفل الذي ظلت فيه للي كلما نظرت لزوجه تدخل بنوبة من الضحك بشكل لا إرادي حتى وقف وجيه بخارج القصر يودع آخر ضيوفه بلطف....
انتبه لصوتها خلفه وهي تقول :- وجيه
ذات الدرجة من نعومة صوتها يذكره بأول لقائهما...استدار بابتسامة ماكرة وقال وهو يتفحص وجهها الفاتن الذي زاده الحمل إشراقة وجمالا اكثر بكثير من ذي قبل وأجاب وهو يقترب لها :- نعم
قالت بدلال وابتسامة ماكرة :- فاكرني ؟!
حتى كلماتها ذاتها باللقاء الأول !! فأجاب مقترباً لها أكثر وضمها بين ذراعيه بعشق :-
_ ومن يوم ما شوفتك ما غبتيش عن بالي لحظة...يا ذات الرداء الأحمر
************
تمت بحمد الله....
كلمتين بقى بقولهم.....الرواية اظن ما كررتش أحداث فيها ، كل دور أخد حقه بالتمام ، في أحداث زي الولادة وكدن ودي اتكررت كتير وبقى شيء تقليدي جدًا ماحبتش اختم بيه ....الرواية كده من ٦٥حلقة مش طوال أوي بس اديتها حقها ، اتمنى من كل قلبي تكونوا خرجتوا منها ولو بكلمة مستفيدين بيها لأن ده يهمني جدًا ، استودعكم في حفظ الله ورعايته مع رواية أخرى بالقريب بأذن الله واتمنى أعرف آرائكم كلك سواء واتباد أو جروبات وتفرحوني بتفاعلكم بآخر حلقه
مع السلامة يا أصدقائي 😍❤😘💟😊❤❤❤
تعليقات
إرسال تعليق