القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية إمبراطورية الرجال للكاتبه رحاب ابراهيم كامله جميع الفصول مع البرنس محمد السبكي


رواية إمبراطورية الرجال  الفصل الحادى والخمسون/الثاني والخمسون


 طـل ضياء القمر على شرفة غرفتـه..وتسلل الضوء منها بين النسمـات....نسمات تخللت أنفاسـه وهو يقف شارداً ناظرا أمامه للاشيء !!


ماذا تفعل بنا الحياة؟!


لماذا الحياة ترفض جميع اختيارتنا وتُبعدنا عن كل ما أردناه رغم أنها تضعنا بذات الطريق بعد ذلك !!


يُحبها...غارق تمامـًا في هذا الأمر...ولكنه لن يستطيع أعلان الموافقة على الاقتران بها...رغم أن قلبه يقفز فرحاً !!


هي من وضعت هذا الحاجز بينهما أم هو ؟! ربما كانوا سويًـا على خطى متعرجة بعثرت الأماني المخبأة بينهما دون إعلان مسبق للحب..


ولكنه غير قادر على الرفض أيضاً ! وكيف يقول لا لقربها ؟!


هو رجل...الرجال مشاعرهم تختلف عن الأنثى...لا ينكر أمام نفسه أنه يتلهف للقرب ، لقربها هي وليس غيرها...لابتسامة خجولة...لكلمة تجعلها تحمر خجلا...لهمس صوتها بجانب أذنيه...لعناق طويل بعد عتاب..


تبدو هذه الخواطر بعقله تخصها فقط...


لا يرى بخاطره وجه غيرها يشاركه جميع أحلامه...فتاة كالطفلة ولكنها بعثرت ثباته أمام قوته وكبريائه...


واحياناً يجعلنا الشوق المختبئ في حظر عن الموافقة أو الرفض...عن إعلان المسامحة أو الفراق...عن كل ما نريده ولا نستطيع قوله..


يبدو أن الحب حتى العذاب يبتسم فيه عشقاً....


كان ضوء الغرفة مغلق وهو يقف أمام باب الشرفة في الظلام...يكتفي بضي قمر الأحلام أمام عينيه...حتى أنتبه للضوء ينتشر حوله فأستدار بنظرة منزعجة ليرمقه جاسر بابتسامة ماكرة كعادته وقال :-


_ الـــف مبروك يا آسر


دلف الشباب أيضا وقال يوسف بحماس :-


_ احلى حاجة أن فرحنا كلنا هيبقى في يوم واحد ، كنت بتمنى كده من زمان بصراحة..


اقترب رعد إلى آسر الذي عاد لشروده ووضع يده على كتف آسر بلطف وقال :-


_ لو جتلنا هدية نفسنا فيها من زمان وقومنا وسيبناها يبقى ما نرجعش نزعل لو ضاعت مننا ، ممكن نكون زعلانين شوية بس المهم مانخليش زعلنا ينسينا احلامنا...وينسينا بكرة


ارتبكت نظرة آسر بعدما فهم مغزى حديث رعد ، لم ينظر إليه ، فقال جاسر بخبث :-


_ واحنا احنا هنتكلم بالألغاز ليـه ؟! هو زعلان منها دلوقتي بس اتحداه أن بعد الجواز هيفضل كده ! دي لو قالتله بحبك في ودنه هيتوه !


انخرط يوسف في ضحكات عالية بينما ظل آسر في صمته....استند رعد على الحائط بظهره ووضع يديه بجيوب بنطاله الرياضي وقال بابتسامة شاردة :-


_ اللي يلاقي نصه التاني ويضيعه يبقى غبي....اللي يلاقي انسانه يلاقي فيها قوته وضعفه ويسيبها يبقى هيندم طول عمره...


الزعل والخناق والكبرياء خلى ناس كتير تبعد ، وتعند ، رغم أن كل مشكلة ممكن تتحل بالمسامحة والود ، بالأحترام والحب...


تعرفوا....انا لسه فاكر نظرة أبويا وأمي زعلانة منه ، فاكر برضو نظرته لما بيصالحها...كان هو دايمـًا اللي بيصالحها حتى لو هي اللي غلطانة !


جاسر بإعتراض :- يعني تبقى غلطانة وأنا اللي اتحايل !! لا ياعم انا بحب أسيطر !


ابتسم رعد بسخرية:- سيطرة !! أنت فكرك السيطرة بالشخط والنطر ؟!


السيطرة أنك تمتلك روحها وقلبها...تخليها تخاف على زعلك ما تخافش منك ! يبقى ليك رصيد مسامحه لو غلطت...أصلك بشر وهتغلط اكيد...


يوسف بابتسامة صادقة :- أنا بحب كلامك يا رعد...كمل


نظر رعد بنظرة ماكرة لآسر وقال :- تعرف أنا لو منك يا آسر اعمل إيه؟


نظر له آسر نظرة جانبية متوترة....كان في لهفة ليجد إجابة لحيرته ، ليرشده أحدهم للصواب فتابع رعد بابتسامة :-


_ ما ابعدهاش...أصل رفضها كان قلة ثقة وأنت اللي وصلتها لكده...أخد وقتي لحد ما اروق بس وهي جانبي...مش أقول لأ ومش عايز !! ده الظروف بنفسها اديتلك فرصة تانية!! لو رفضت يبقى أنسى أي فرص للقرب تاني...


تنهد آسر بضيق شديد...وبشيء يعترك بصدره وبقلبه من صراع ما بين القلب والكبرياء...


يوسف بتأكيد :- عندك حق ، والله عندك حق


نظر رعد ليوسف بابتسامة عريضة وقال :-


_ أنت تعرف يا يوسف أنك أنجح واحد فينا في حياته الشخصية ؟


بساطتك وطيبتك وصلتك لقلبها بسهولة...ومش لقلبها بس لقلوبنا كلنا ، بستغرب من نفسي لما مش بغير من قربك لعمي وجيه وانك الأقرب ليه فينا كلنا...


وضع يوسف ساق على ساق بثقة وقال بابتسامة :-


_ عشان أنا الصغير فيكم ولازم ادلع


لكمه جاسر بضحكة على ذراعه :- لأ عشان أنت تافه ، وحد شخصيته حادة زيي محتاج حد تافه زيك في حياته


بدت ملامح يوسف مقتضبة فتعالت ضحكة جاسر بمرح ثم اقترب لآسر وقال بضحكة مكتومة :-


_ أنت أول ما تشوفها بكرة تثبتها كده وتقولها....بت أنا بحبك....وتخشن كده وأنت بتقولها...وبعدين تشتمها


اتسعت ابتسامة رعد بمرح حتى صاح يوسف برفض :- ماتسمعش كلامه يا آسر ده هيوديك في داهية..


تابع جاسر بنظرة متسلية وقال :- لو زعلت قولها...ايه ده أنتِ زعلتي ؟! أنا متأسف ياحبيبتي...وأشخط فيها هما بيحبوا العصبي..


يوسف بغيظ :- انا عرفت دلوقتي خطيبتك دايمـًا بتهزأك ليه !


احتد جاسر وهتف بعصبية :- محدش يقدر يهزأني....


نظر له الشباب ومن بينهما آسر فأعترف جاسر بعبوس :- إلا جميلة


تعالت ضحكات رعد ويوسف بينما ابتسم آسر ابتسامة خفيفة فقال جاسر بضحكة :- ايوة كده اضحك يا كئيب ،يابني أفرح هو حد طايل يفرح !


تاهت الابتسامة من على شفتيه مجدداً ، فالفرحة لا يشعر بها قلب مشتت ، لا يعرف للآمان طريق...


************


**بمنزل الاسطى سمعه**


هبت سمـا من مقعدها بعدما أخبرها والد حميدة أمر خطوبتها....جف ريقها تقريبـًا من المفاجأة...مع سعادة غامرة أخفاها الارتباك...يُجدد عهده !! ورغم ضيقها وما قاله إلا أنه أصرّ على القرب !!


_ عمه كلمني عليكي وأنا بصراحة مش شايف فيه عيب...شاب عاقل ومحترم وهيصونك ،    


ابتلعت سما ريقها بصعوبة وبخجل شديد وودت لو تقفز فرحاً.....


هذه المرة لن تترك فرحتها...لن تترك الشك يتخلل لنفسها ويثقب سعادة القلب بمجيء الأماني على موكب العمر...


  قالت بتلعثم :- اللي تشوفه يا عمي سمعه


لم تنظر للرجل بل ركضت للخارج وصعدت لغرفة السطوح حيث الفتيات ينتظرنَّ بفضول...


**بغرفة السطوح**


تمددت جميلة بوضعية الجنين على جانبها الأيمن وعينيها لم تنفك عن سكب الدموع...ربتت رضوى برفق على كتفها وقالت :-


_ يعني للي كانت بتكدب لما قالت أن جاسر محدش لاقيه ؟!


حميدة بنظرة مغتاظة لرضوى :- لأ مكنتش بتكدب...أنا سألتها وفعلا جاسر فضل محدش عارفله طريق لوقت كبير لحد ما لقوه ، بس لما كلمت جميلة كانت بتحاول تخليها تفكر مش أكتر...


نظرت حميدة لجميلة التي لا زالت تبكِ وتساءلت بضيق :-


_ هتفضلي تعيطي كده لحد امتى ؟! انا شايفه أنه شاريكي وده شيء يريحك !


مسحت جميلة بضع من دموع عينيها وقالت :-


_ عشان كدب عليا ، فضل مفهمني أن علاقاته كانت عادية وطيش والحقيقة أنه كان....


لم تستطع جميلة المتابعة في الحديث ولكنها تابعت بكاء فقالت رضوى بمواساة :- ده كان قبل ما يعرفك يا جميلة...المفروض تحاسبيه من بعد ما عرفك...


نظرت جميلة لرضوى بعصبية وهتفت :- طب ما الفيديو اللي سما شافته كان بعد ما عرفني وخطبني كمان !! كل ما اتخيل أنه كان مع واحدة وأنا معاه ببقى هتجنن...مش قادرة اقتنع أنه قاوم ، كل الموضوع أن لا الوقت ولا المكان يسمحوله باللي هو عايزه..


فتحت سما بهذا الوقت باب الغرفة ونظرت لهنّ بنظرة طويلة مبتسمة...نظرة تبعث الأمل....تتألق بالسعادة....ولكن ستتعامل هذه المرة مع السعادة بتمهل وتعقل....دلفت للغرفة والابتسامة على وجهها تدعو للتساءل.....قالت حميدة بشك :- أبويا كان عايزك في إيه ؟


قالت سما بعينين تلتمع بمحبة وأجابت :- آسر طلب إيدي...عمه كلم عمي سمعه واتقدملي..


نظرت الفتيات الثلاث لها بأعين متسعة ، حتى جميلة تركت دموعها ونظرت لسما بدهشة ثم تهللت اساريرهنّ وركضوا الثلاثة إلى سما بضحكات ومباركة....قالت حميدة بابتسامة  :-


_ اهو حلمك اتحقق يا سمكة زي ما اتمنتيه بالضبط ، الف مبروك يا حبيبتي


ضمت جميلة سما بقوة وهي تمسح دموعها وقالت بابتسامة :- مليون مبروك يا سمكة ، كنتي منكدة علينا بس الحمد لله هترجعي هبلة وفرفوشة تاني.


اتسعت ابتسامة سما بفرحة حقيقية فهتفت رضوى وهي تحاوط كتفيها بذراعها :- مش لازم واحدة فينا تبقى كئيبة ، خلونا نفرح شوية بقى


نظروا الفتيات لجميلة فقالت سما بلطف :-


_ عياطك مالوش داعي ، خلاص الفرح اتحدد وكله اترتب ، بصي لحياتك الجاية ماتبصيش للي فات


ابتسمت جميلة بأعين حمراء من البكاء :- عقلنا وبقينا ننصح أهو ، بس كده احسن...


رضوى بهتاف :- بطلوا نكد بقى ، انا مش مصدقة أننا هنتجوز في يوم واحد لأ وكمان هنعيش في مكان واحد ! ده زي ما يكون لما دعينا الدعوة دي باب السما كان مفتوح...


حميدة بنظرة راضية :- الحمد لله.


************


بالصباح.......في شركة الزيان...


**بمكتب آسر**


دلف الشباب الأربعة للمكتب وبدأ رعد في شرح ما سيفعلونه بخالد...قال يوسف وهو يرفع هاتفه على أذنه :- هتصل بحميدة عشان تجيب سما ونفهمها اللي هيحصل....


انتهى الأتصال ومرت دقائق مرت على آسر ثقيلة مملة.... 


ثوانِ أخرى وانتبوا لقرع على الباب حتى فتحه يوسف لتظهر سما وحميدة خلفها......كانت جميلة أكثر من السابق ، اهتمت كثيرا بأناقتها لليوم...وأكثر ما أربكه هي القلادة التي أهداها لها بالأمس...ترتديها اليوم وكأنها تتحداه ! أو ربما تعني شيء ربما تمنى أن يكن صحيحا.....هرب بعينيه وتحرك لنافذة المكتب....مثل ما يفعل دائمًا !!


ولكن هذه المرة لم تغضب بل تمايلت ابتسامة على شفتيها ، تعرف أنها تؤثر على ثباته لذلك يهرب منها....


رمق يوسف آسر بغيظ ثم بدأ يتحدث وهو يعطي لسما أحد الأقراص المخدرة.....وقال :- هتحطيه في العصير....وقبل ما يتوه تخليه يمضي على الشيك ده


اخذت سما القرص وورقة الشيك المصرفي من يوسف حتى استدار آسر بنبرة أظهرت عصبيته :- لأ....تحطله العصير اللي فيه مخدر وتخرج من المكتب فورا...


يوسف بتعجب :- أزاي مش فاهم ؟!


آسر بعصبية :- أنت عايزها تفضل مع واحد مش واعي ؟! أنت مش قولت هتعمل أنت كده ؟!


يوسف بتوضيح :- ممكن يشك ، خالد دماغه تقيلة مش هيتوه بسهولة


هتف آسر بنبرة أشد عصبية :- وأنا قلت لأ يا يوسف


كتم جاسر ضحكته ثم همس ليوسف قائلا :- وافق قبل ما يبلعك


فهم يوسف الأمر فابتسم قائلا :- خلاص ...قدميله العصير بس قبلها بدقيقة رني عليا..


رمقت حميدة سما بابتسامة ونظرة جانبية ثم قالت :-


_ طيب كده تمام ، سما بقى تروح المكتب قبل ما خالد يجي ، 


تحركت سما بجسد ينتفض من الخجل وهي تدرك نظرته المثبته عليها وكأنه يمنع من الابتعاد...


خرجت ومعها حميدة فأغلق يوسف الباب خلفهم وتوجه لآسر قائلا :-


_ ما تزعقليش كده تاني يا آسر !


آسر بعصبية :- ماهو مستحيل اسيبها مع واحد المفروض أنه مش داري ومش واعي باللي بيعمله ! كفاية أني وافقت أنها تكمل الخطة دي !


يوسف بغيظ :- زي ما زعقتلي هزعقلك قدامها ها


ارتفعت ضحكة رعد قائلا :- بطلوا خناق وخلينا في اللي احنا فيه...


**********


**بمكتب خالد**


جلست سما والابتسامة على ثغرها تتسع لضحكة حتى دلف خالد بعد لحظات ولاحظ شرودها وابتسامتها فقال بمكر :-


_ صباح الخير يا سما....انا متفائل


كان يظن أن سيتلقى خبر موافقتها اليوم وتفائل بتلك الابتسامة الصباحية فأجابته بسخرية أخفتها :- صباح النور...وأنا كمان متفائلة جدًا


رمقها بخبث ثم دلف للمكتب وتصنع الجدية بعض الشيء.....تنفست الصعداء وتمتمت بغيظ من سماجته حتى تلقت صوته من جهاز الارسال يطلبها بالمجيء....نهضت وهي تزفر بحدة وأخذت معها بعض الأوراق.....


دلف للمكتب بنظرات جدية فوجدته يقف باستقبالها....تعجبت من الأمر وبدأت الحديث بشؤون العمل.....قاطعها قائلا بابتسامة ماكرة :-


_ شكل الرد هيكون زي ما أنا عايز....وشكلنا هنتخطب قريب


صرت على أسنانها بضيق وغيظ واحتارت بالاجابة ثم قالت :-


_ هيوصلك النهاردة اكيد...ما تستعجلش


نظرة التأكيد بعينيها تعني أن بأجابتها شيء...ظنه الموافقة فاتسعت ابتسامته قائلا :-


_ أخترتي صح


ابتسمت بصدق وتاهت بعض الشيء....رغم أنه مخادع ولكن جملته أصابت الحقيقة...نعم كان اختيارها هو الصواب...ذاك الآسر كان اختيارها دائمـًا وسيظل اختيارها الوحيد...بكل ما به من عيوب تحبه !!


قالت بنظرة راضية وتذكرت المخطط:- اجيبلك حاجة تشربها ؟


ضيق عينيه بتعجب....لأول مرة تهتم بذلك وهذا ما اكد له ظنه بموافقتها....قال بترحاب :- اكيد طبعا...اطلبي أي حاجة تحبيها مع فنجان قهوة ليا...


هزت رأسها بموافقة وخرجت من المكتب....


جذبته تلك الفتاة...ببرائتها ، وطفوليتها ، وسذاجتها ، بكل شيء يظهر منها من ضعف !! ابتسم بتعجب من نفسه وجلس على مقعده مجددًا....


أتى الساعي للمكتب بعد دقائق من طلب سما ووضع المشروبات على مكتبها وذهب....أخرجت سما هاتفها والقت اتصال على يوسف سريعا ثم اغلقت الهاتف ووضعته على المكتب.....ثم وضعت قرص المخدر بالقهوة وتمنت أن لا يتعكر مذاقها ولو قليلًا


انتظرت يوسف حتى أتى وقال بصوت خافت :- ادخلي ولما يشرب القهوة اخرجي وسيبيني معاه....


وضعت سما القهوة أمامه على المكتب تحت نظراته المدققة بتفاصيل جسدها وكأنها بالفعل أصبحت ملكه !!


أشار لها لتجلس فوافقت تحت ضغط حتى يشرب قهوته المخدرة...اخذت كوب العصير بابتسامة مزيفة وأشارت له ليرتشف قهوته....


رفع خالد كوب القهوة لشفتيه وبدأ يرتشف ببطء....اعتقدت أن الأمر سيكن أسرع من ذلك ولكنه بدأ يتحدث بعدة أمور وهي تنظر له بتيهة وتنتظر مفعول المخدر......ربما بطأ المفعول بسبب القهوة ذاتها !!


لم يأت بعقلها ذلك الأمر ولكن بالتأكيد سيكن للقرص مفعول وأن قل بسبب الكفايين....مر وقت حتى بدأ خالد يظهر عليه بعض التلعثم في الحديث وعينيه بدت ذابلة وتائهة وكأنه يقاوم الغفوة......


نهضت من مقعدها وقالت سريعا :- طب هرجع واكمل شغلي....


اشار لها لتجلس وهو يقاوم عينيه التي تغلق رغم كل محاولاته ولكنها خرجت راكضة......


استقبلها يوسف بغيظ وقال :- اتأخرتي ليه كل ده ؟!


اجابته سريعا :- مكنش لسه تاه معرفش إيه السبب ، ادخل بسرعة وخلص موضوع الشيك ده...


اخذت سما الشيك الذي اخفته ببعض الأوراق فأخذه يوسف من يدها مع ملف أوراق ودلف للمكتب سريعا....


رمقه خالد بتعجب ثم مرر يده على رأسه بضيق وتمتم :- دماغي...مش عارف مالها !


ادرك يوسف أن مفعول القرص بدأ يعمل فوضع ملف الأوراق أمام خالد قائلا بعجالة :- عمي باعتلك الورق ده تمضيه بسرعة عشان محتاجه


أغمض خالد عينيه بقوة من ثقل رأسه فهتف يوسف يحثه على الانتهاء....رفع خالد قلمه وبدأ يوقع على الأوراق دون مراجعة أو تدقيق فقال يوسف بتحذير:- ركز عشان الورق يبقى سليم ومايرجعش تاني


هز خالد رأسه بالايجاب حتى اتى ورقة الشيك فضغط يوسف بيده على نصف الملف وقال بعجالة :- امضي يا خالد بسرعة مالك كده ؟!


نظر له خالد بأنزعاج وبدأت الرؤية أمامه مشوشة شيء فشيء حتى وقع جميع الأوراق دون أن ينظر لأي ورقة وكانت أنامله تفعل ما اعتادت عليه 


رفع يوسف الملف امام عينيه بابتسامة منتصرة ثم نظر لخالد الذي سقط رأسه بين يديه وبدأ يظهر وكأنه مخمور.....تركه يوسف وذهب المكتب للخارج....أشار لسما باتمام الأمر وقال بعجالة :- تعالي ورايا


وافقت وهي تتنفس الصعداء وأخذت حقيبتها وتوجهت للخارج بينما يوسف توجه مباشرةً لمكتبه حيث ينتظره الشباب.....


خرجت سما من المكتب فتذكرت أنها تركت هاتفها فعادت للمكتب لتأخذه سريعاً.......دلفت مرة أخرى للمكتب ومضت باتجاه الهاتف الخاص بها وحملته ثم همت بوضعه في حقيبتها لتجد من يخرج من المكتب وينظر لها نظرة عميقة.....وخطرة.....


نظرته كانت غائبة عن معنى الصواب من الخطأ ، اذهب عقله عن كل شيء وبدا تفكيره بالكامل مشوش...جف ريقها وهي تنظر له بخوف وابتعدت عنه لتركض بعد ذلك ولكنه لحقها سريعا واغلق باب المكتب....قبض على معصمها وهو يتحدث بتمايل وسكر.....قال خالد بضحكة عالية تلاها كلمات متقطعة :- بتجري...مني


حاولت الافلات منه ولكنها كانت أضعف من قوته بكثير حتى دفعها بعنف داخل مكتبه فصرخت بأعلى صوتها.....


************


عاد يوسف لمكتب آسر مبتسما سعيدا وصاح بانتصار :- كله تمااام


توجه آسر بتساءل وتعجب :- وسما فين ؟!


نظر يوسف خلفه بدهشة وقال :- كانت جاية ورايا راحت فين ؟!


حملق آسر بوجه يوسف للحظات حتى بدت عينيه ككتل مشتعلة من الجمر وركض من المكتب بأسرع خطواته....تبعه الجميع ومعهم حميدة التي شحب وجهها خوفا من أن يمس سما مكروه....


صرخت سما وهي تبكِ وتشير لخالد كي يبتعد فقد طفا مفعول القرص المخدر وبدا خالد كالمجذوب.....صرخت :- ابعد عني


ضحك عاليا وقال وهو يترنح بغير إتزان :- وليه ابعد طالما عايز أقرب !


انتفض جسدها وعينيها تطفر دموع حتى انتبهت لكوب العصير الذي كانت ترتشف منه منذ وقت.....


كادت أن تأخذ الكوب حتى اقترب خالد فصرخت وابتعدت عنه بزاوية أخرى...


انتبهت سما فجأة لصوت قرع شديد على الباب وصوت آسر يتسرب اليها وهو يلفظ الشتائم ويصرخ بغضب.....


الباب على يمينها وهذا المخمور بالجانب الآخر يقترب اليها....ركضت سريعا لتفتح الباب الذي اغلقه خالد من الداخل ولكنه لحق بها وجذبها بعنف اليه فحركت سما القفل قبل أن تدفعها يد خالد بعنف على المكتب وصرخت بألم شديد من ارتطام رأسها بالمكتب....


استطاع آسر فتح الباب بعدما فتحته سما من الداخل قبل أن يجذبها خالد  


هجم آسر على خالد وسدد له عدة لكمات عنيفة بكل قوته وساعده الشباب في ذلك......


صرخت حميدة عندما اتت راكضة وشاهدت سما تسقط فاقدة الوعي....


انتبه آسر للصوت فاتسعت عينيه بذهول من التي سقطت على الأرض مغشيا عليها....


***********


**بمكتب وجيه**


وقف رعد ويوسف وجاسر بجهة وخالد بجهة أخرى أمام مكتب وجيه الذي كان ينظر لخالد بأحتقار وغضب هائل وهتف :-


_ احمد ربنا أن البنت بخير واللي حصلها مجرد جرح في رأسها والا كنت هسجنك بإيدي يا حيوان


اجاب خالد بعدما استفاق من مفعول المخدر ونظراته تهدد بالانتقام وقال بحدة :- اللي عملته مكنش بإرادتي ولو حد يستاهل العقاب فمش أنا ، حضرتك عارف أن اللي حصل كانوا هما اللي وراه انا مش بتعاطى مخدرات !!


جاسر بنظرة غاضبة :- وبالنسبة للفيديو ؟ بتراقبني !


نظر اليه خالد بمكر وقال :- الفيديو وصلني من رقم غريب ، انا مراقبتكش اصلا !! وبالنسبة لسما فعملت كده عشان توافق لأني بحبها ، لكن مكنتش هأذيك حتى لو رفضت..


ضيق جاسر عينيه بسخرية فقال رعد بحدة :-


_ كداب ، وكل اللي بتقوله مش منطقي


يوسف بعصبية :- الشيك اللي معانا يوديك في داهية ، أنت تخرج من هنا ومش عايزين نشوف وشك تاني ولو فكرت تأذي حد فينا ولا حتى تبصله فجهز نفسك للسجن والا تحضر ١٠٠مليون جنيه تدفعهم !


اقتدح الغضب بعين خالد وشعر أنهم قيدوه بداخل هذا الأسر.....هتف وجيه بغضب :- مالكش مكان هنا يا خالد ، كفاية مشاكل لحد كده ، الشيك ده محدش هيعمل بيه حاجة لو أنت بطلت تجري في الشر لكن لوفكرت تعمل حاجة ما تلومش غير نفسك وعلى فكرة أنا مكنتش مستني شيك عشان اوقفك عند حدك...لكن صلة الرحم هي اللي موقفاني لحد دلوقتي...بس في النهاية انا معنديش أغلى من ولادي واللي يأذيهم امحيه من على وش الدنيا....قدم استقالتك فورا


نظر خالد لوجيه بنظرة طويلة ضيقة وقال بغموض:-


_ حاضر....هقدم استقالتي وامشي


خرج من المكتب بنظرات شرسة انتقامية حتى تنهد وجيه وقال :-


_ هيضيع نفسه بأنانيته وكرهه للي حواليه ، مكنتش أحب اطرده بس وجوده هنا اكتر من كده هيسبب مشاكل كتير أنا في غنى عنها.....والحمد لله انها جت على اد كده....آسر فين ؟


أجاب يوسف بهدوء :- مستني الدكتور اللي بيكشف على سما بسبب الجرح اللي في رأسها...هو جرح مش كبير الحمد لله ولكن نزف...


نهض وجيه من مقعده وقال :- تعالوا نشوفها


********


انتظر آسر الطبيب حتى انتهى من عمله وخرج معه حميدة وجميلة ورضوى من المكتب حتى هرع اليهم وقال :- عاملة ايه ؟


طمأنه الطبيب وقال :- جرح سطحي ، بس زيادة اطمئنان نعمل أشعة على المخ نطمن...


 ...تطلعت به حميدة بنظرة هادئة وقالت :- اطمن هي بخير وفاقت وبقيت كويسة أوي


_ ممكن أشوفها ؟


وافقت حميدة وقالت :- ممكن طبعا ،بس خلي الباب مفتوح وأنت داخل


***********


استندت سما برأسها على الأريكة الجلدية السوداء وطافت ابتسامة على محياها كلما تذكرت هجومه للمكتب وتفوه باسمها....خوفه عليها لهذه الدرجة أكد حبه ، وصفع مخاوفها....خرجت بهذا المكسب بهذا الجرح الصغير برأسها....تفاجئت بدخوله فشعرت بموجة من الدوار والخجل بآن واحد....


اقترب اليها بخطوات مترددة....ونظرات مرتبكة...قلقة ، وملتهفة لرؤيتها...تطلع بها عن كثب فقالت وهي تعتدل بمقعدها :- أنا كويسة


_ مجتيش ورا يوسف ليه ؟! مكنش حصل كل ده


ابتلعت ريقها واوضحت الأمر بصوت يبدو ضعيف :-


_ نسيت تليفوني ورجعت أخده ، فجأة لقيته قدامي وقفل المكتب قبل ما أهرب منه...


شعر آسر بنيران تشتعل بداخله وشعر بأنه يريد رؤية خالد الآن ليوسعه ضربا مرة أخرى ويشفي غليله....فتابعت ببسمة خفيفة :-


_ بس أنت جيت بسرعة ، فتحتلك الباب وهو زقني واتخبطت في المكتب...


هتف آسر بعصبية :- كفاية بقى !!


قالت وهي تخفي ابتسامتها :- كنت خايف عليا ؟


التفت لها بنظرة غاضبة وعاتبة ، هل ما زالت تتساءل ؟!


ما زالت تشك في عشقه الى الآن ؟! غبية !


كررت سؤالها عندما لاحظت صمته وأضافت :- مش بترد ليه ؟


قال وتظاهر بالجدية واهمل سؤالها عن قصد بينما فتح يوسف الباب ودلف ومعه وجيه وأبناء الأعمام....


وقف وجيه أمامها متساءلا بابتسامة هادئة عن حالتها فأجابت :-


_ أنا بخير الحمد لله


قال وجيه ملطفا الأجواء :- طب خفي بسرعة بقى عشان كلها يومين على الخطوبة يا عروسة...ولا أنتِ رأيك ايه ؟


احمر وجهها بخجل ونظرت لجهة أخرى بابتسامة بسيطة ظهرت رغما عنها قال وجيه بلطف :- يبقى نقول مبروك....


هتف يوسف :- نجهز بقى للخطوبة...خطوبة ايه ؟! نجهز لفرحنا يا عمي


💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖


 - الفصل الثانى والخمسون


 تسللت نظرة آسر إليهـا بشيء من العشق والكبرياء....لا زالت كلماتها تدور بأذنيه وبعقله...لا زال هذه الهواجس تُشكل حاجز كبير بينها وبينه....


تركهم بالمكتب وخرج بخطوات سريعة ليستجمع شتات فكره....التفتت سما بنظرة قلقة من انسحابه المحير هذا !


نظر الشباب لبعضهم البعض حتى انتبه وجيه لذلك ولكنه لم يريد أن يشكك سما بالأمر...قال بلطف :-


_ هترجعي شغلك مع آسر ، خالد يعتبر قدم استقالته ، بس شغلك هيبدأ من بعد الخطوبة عشان ترتاحي شوية بعد اللي حصل..


ما كان ينقصها هذا الخبر لتزيد حمرة خديها بحياء شديد....هذا كثير على قلبها...تُهديها الحياة الأماني دفعة واحدة وهذا شيء يُخيفها!!


العودة للعمل معه كانت أمنية مختبأة....للآن لم تصدق أنها ستكن زوجته بعد أيام معدودة...


تمنت أن يتركها الجميع لتنفرد مع فكرها ودقات قلبها المتسارعة ، وتترك لابتسامتها وخجلها العنان..


**********


دخل مكتبه بنظرات مرتبكة...حائرة...شيء يدفعه للهجر والف شيء يقربه اليها....ما أصعب الأختيار عندما يكون بالأمر عشق !


دلف يوسف للمكتب ، أتى لآسر خصيصاً.....وقف أمام مكتبه قائلًا بشيء من الضيق :- أنا مش عارف ليه أنت مش عايز تفرح ؟!


تطلع به آسر وهو يجلس على مكتبه بتنهيدة ثقيلة وأجاب بعتاب:-


_ في حد مش عايز يفرح ؟!


أكد يوسف :- أنت....لو أي حد مكانك كان زمان الفرحة مش سيعاه !! يا آسر أنت مش بتشوف نفسك وأنت بتتعامل معاها !


آسر بضيق :- صدمتني يا يوسف لما وافقت على خالد !! لحد دلوقتي مش عارف انسهالها ،   !! شيء صعب عليا أوي..


يوسف بحدة :- أنت اللي خليتها تعمل كده ،ومتنساش أنك خطبت شاهي وسيبتها !!


آسر بعصبية :- الفترة اللي رجعت واشتغلت معايا لمحتلها أني محبتش شاهي ، وقرار الخطوبة كان لظروف خاصة...انا روحتلها يا يوسف واعترفتلها أني بحبها وهخطبها...على الأقل لو كان لسه جواها زعل مني كانت سألتني واتكلمنا...عاتبتني...حتى لو بعدت كنت هحترم قرارها...لكن ما قالتش حاجة ، أي حاجة !! ومجرد ما خالد اتقدملها وافقت !!


دي كانت عايزاني أمضي على عقد جوازها كمان !!


للأسف يا يوسف في حاجات بتتكسر جوانا حتى الحب مابيعرفش يرجعها...


زفر يوسف بضيق وقال :- صارحها يا آسر...قولها السبب اللي خلاك تبقى كده...


انتفض آسر من مقعده بنظرة شرسة وقال :- أنت بتقول ايه ؟! أقول أن أمي كانت....


ظهر العذاب بعين آسر بعد هذه الجملة....


الأم دائمـًا أكثر ما يؤثر بحياة الطفل...تعطيه ما تشعر به...فإذا كانت فاقدة لكل شيء أفقدت طفلها النشأة السوية...


تحدث يوسف بنظرة حنونة :- هي هتكون مراتك ، يعني سرك وأقرب ليك مننا كلنا ، اتكلم وفهمها وأنا متأكد أنها هتفهمك وهتقدر...


نمت نظرة آسر عن آلالام مختبأة...تتخفى وراء الجمود والقسوة...تحدث :- في حاجات ماتنفعش تتقال ، خصوصا لما تكون تمسنا بالشكل ده ، قرار عمي بالخطوبة مكنش ينفع دلوقتي...


يوسف بحيرة :- طب هتعمل ايه ؟! مش معقول هتفضل كده !!


صمت آسر لدقيقة ثم قال :-


_ هسيبها للظروف...انا ما اعترضتش على الخطوبة...حتى ما قولتلهاش أن القرار ده قرار عمي...عشان ماتزعلش


ربت يوسف على كتف آسر قائلًا :- كل شيء هيتصلح بأذن الله...


************


**بمكتب جاسر**


دلف جاسر لمكتبه فوجد جميلة منكبة على بعض الأوراق لتدرسها وتفحصها.....نظرتها واضحة أنها لاتنظر لما أمامها ولكنها شاردة بعالما آخر...يعرف سبب حيرتها وهذا الحزن بعينيها.....


أقترب ببطء حتى سحب مقعد وجلس امام مكتبها....كانت تتجنب رؤيته ، والنظر اليه ،  


_ نفسي تنسي اللي فات


استمرت في النظر للأوراق ولم تجيبه بل كانت اجابتها اللامبلاة..

..قال بحدة :- جميلــة !! احنا محتاجين نتكلم


رفعت رأسها بنظرة منفعلة ودفعت الأوراق على مكتبها بعصبية وقالت :-


_ نتكلم في ايه ؟ أنت عملت اللي أنت عايزه ؟ خطبتني بالغصب وخلتني أخاف من كلام الناس....كنت همشي بكرامتي وبهدوء ،ومن غير ما اجرحك لكن وصلتني لنفس البداية معاك ، هتجوزك غصب عني عشان كلام الناس وكرامة الراجل اللي رباني وجمايله مغرقاني....ماتفتكرش أن الموافقة كانت برضايا !!


جاسر بضيق وعصبية :- يعني أنتِ عايزة تفهميني أنك رافضة تتجوزيني؟! وأن فترة الخطوبة اللي فاتت كانت غصب عنك ؟!


ادمعت عينيها رغما وقالت :- ادتيلك فرص كتير ، بس واضح أنك لسه مش عارف تبقى انسان ينفع اثق فيه ، بص ياجاسر أنا مش هنكر وأقول أني كنت موافقة على الجواز وبرضايا...كنت مبسوطة وأنت بتقوى عشاني بس موضوع الفيديو لغبط كل حساباتي...أنت ضعفت وأنا معاك !!


هتف جاسر بعصبية :- اثبتلك أزاي أني ما ضعفتش ؟!


جميلة بدموع :- أنت بنفسك اعترفت أنك غلطت مرة قبل موضوع الفيديو ، مش عارفة أنسى كلامك !! أنا مش قوية كفاية عشان استحمل الخيانة وأصبر عليها ! ولا في حب ممكن يخليني اسامحك لو خونتني !


شوية الثقة اللي اتبنوا جوايا الفترة اللي فاتت وقعوا وكل شيء راح....حتى لما وافقت مكنش قلبي اللي قال آه...كل الظروف اللي حواليـا مخلتنيش أقدر أقول لأ.


_ الظروف اللي خليتك توافقي دي دعواتي أنك ما تسبنيش...أنتِ بالنسبالي قارب النجاة لحياة نفسي اعيشها...متمسك بيكِ عشان أعيش ولو عايز أفضل غرقان كنت سيبتك !!


ثقتك فيا هرجعها واكتر من الأول ومع الوقت ، والمرادي أنا اللي هصبر عليكي لحد ما ترجعيلي تاني...اعتبري ده اتفاق ما بينا..خدي وقتك


نظرت له بنظرة سريعة ثم انسحبت نظرتها لجهة أخرى....مع اخلص أمانيها أن يكن صادقا.....


**********


مر اليومان.....وأتت الخطوبة بفترة المساء....


بغرفة حميدة حيث تجمع الفتيات مع للي وقد اتمت للي زينتهنّ.....ثم اقتربت لسما التي التمعت عينيها بسعادة غامرة  


_ أجمل مرة شوفتك فيها يا سمكة....أنتِ فرحانة وباين عليكي...


ابتسمت سما بحياء ثم قالت :-


_ فرحانة أوي....بس بقيت بخاف اتعشم زيادة في الفرحة...اصل أنا يا أفرح أوي يا ازعل أوي....


تطلعت بها للي بمحبة وقالت برقة :- لأ أفرحي عشان هو بيحبك بجد


اتسعت ابتسامة سما بسعادة حتى دلف سقراط للغرفة ونظر لهنّ بمرح قائلا :- يلا يا ولية أنتِ وهي عشان نخلص


ارتفع ضحكات الفتيات ثم أخذ سقراط رضوى وسما وخرج معهم حيث الحفل بصالة المنزل البسيط....


************


همس جاسر لرعد قائلا بضحكة مكتومة:-


_ فاكر اول يوم اشتغلوا معانا ونزلنا تريقة عليهم ؟! احنا اتغفلنا ياصاحبي !!


اجاب رعد وعينيه مثبته بأتجاه الغرفة التي اعتاد الفتايات الخروج منها بأنتظار أميرته وقال :- احلى تغفيلة...من تاني نظرة لرضوى عرفت أنها هتكون ليا...


جاسر بتعجب :- مش من أول نظرة يعني ؟!


هز رعد رأسه بالرفض وأجاب :- أول نظرة لينا كشباب بتكون على الشكل ، وانا مخترتهاش عشان الأحلى ، أنا اخترت الروح الحلوة اللي تسعدني ، واللي تستحملني ، واللي ما اهونش عليها وتحبني حتى لو جيبي فاضي ، ماهو الغنى غنى النفس مش الفلوس...والفلوس مش مضمون وجودها للأبد....


جاسر بابتسامة متسلية :- يا شكسبير عليتنا ومصور نبضات القلب ياروحي....ايه يابني ده !! بس تعرف أنا حبيت جميلة من النظرة الكام


رعد بفضول :- الكام ؟


جاسر بضحكة :- الخامسة..


بزاوية أخرى.....


تطلع يوسف بنظرات آسر الملتهفة بشوق عنيف لرؤيتها....منذ يومين وهي غائبة عن نظره بقرار عمه....يومان كعامين في بعادها...قال يوسف بتعجب :- هتموت وتشوفها وادي دقني أنك لما تشوفها هتبقى دبش


آسر بحدة :- مش وقتك يا يوسف !!


يوسف بغيظ :- بعتني قبل ما تشوفها ؟؟ اومال لما تتجوزها هتتبرا مننا؟!


نظر له آسر بعصبية بينما انخرط يوسف بضحكة لم يستطع كتمانها...


خرج سقراط وبيده الفتيات حتى تعالت الزراغيد من حولهم....تطلع آسر بحبيبته بشوق ولهفة واضحة ،ونظرات عشق لم تعلن ثورتها إلى الآن....جلست سما بجانبه على مقعد ، الحياء والابتسامة الخجولة يغمر وجهها ، بينما نبضات قلبها تتسارع بعنف منذ أن وقعت النظرات بينهما في شوق عنيف.....


جلست رضوى بابتسامة جميلة للحاضرين بينما تطلع بها رعد بنظرة ماكرة ويبدو أنه يضع خطط مستقبلية لإيقاعها في شباك قلبه....ستغرم به رغما عنها...ستعشقه حد الجنون.....هكذا توعد...فلم يكن من العدل أن يحبها بهذا القدر وحده...


بدأ الحفل تحت نظرات الجميع المبتسمة والسعيدة والضحكات العالية حتى وضع كلا من رعد وآسر خاتم الخطوبة بأصابع الفتاتان....


شعرت كلًا منهما أن هذا أكبر من خاتم يوضع بالأصبع...هذا وعد بالبقاء...وعد بأن يأتي غدا وهما معاً....وعد ألا يفترقا....


شبكت للي أصابعها بيد زوجها ، ثم مالت رأسها على كتفه بابتسامة واسعة...فهمس لها بشيء جعلها تحمر خجلًا ورفعت نظرتها اليه بمرح...


مر وقت الحفل حتى استأذن وجيه من الجميع وترك الشباب بمنزل والد حميدة لبعض الوقت....


************


وقفت سما مع آسر بشرفة الجلوس بالمنزل....بينما جلس رعد مع رضوى بداخل الغرفة على أحد المقاعد المبتعدة عن بعضها.....


وبالشرفة....


تسارعت نبضات قلبها....التمعت بعينيها المحبة الخالصة التي تنتظر الوقت المناسب لتعترف بها....تنظر للطريق تحت ضوء القمر وجسدها يرتجف من الخجل....


انتظرته يقول شيء...ليس من اللائق أن تتحدث أولًا أو ربما شعرت بذلك..فقال بصوت ثابت محاولا ايجاد أي شيء للحديث به :-


_ اليوم النهاردة حلو


اربكها صوته أكثر فهزت رأسها بموافقة وهي تكاد تكون لم تنتبه لما قاله....رمقها بتسلية من رجفتها الواضحة فتابع عن قصد :-


_ فستانك حلو أوي...عجبني


هذا المدح لم يغفل له القلب بل افترش له الوعي وتربع....نظرت للأسفل بابتسامة وهي تفرك يديها ببعضهما في توتر حاد...قال بتعجب :-


_ مش بتردي ليه ؟!


خرج صوتها بصعوبة وقالت بتلعثم :- هقول ايه ؟!


وقف أمامها بهالة مسيطرة وقال بثقة :- مبسوطة ؟


رغم بساطة السؤال الا أنه جعلها ترتجف اكثر...يبدو أنه يتلذذ بأرباكها !! هزت رأسها بالايجاب وببسمة خجولة...اكتفت بذلك...إن كان يقصد ارباكها بمكر فستضع اجابتها غير مكتملة....اجابة دون إجابة...تنتظر الافصاح


شعر ببعض الغيظ فقال :-


_ هتيجي الشركة بكرة عشان نكمل شغلنا..


رفعت نظرتها اليه بضيق....اهذا وقت للحديث عن العمل ؟! تبدلت ملامحها للضيق بينما ابتسم بعدما نال مقصده واستفزها....لاحظت ذلك فزاد غيظها حتى تحركت لتعود للداخل ولكنه وضع يده على مدخل الشرفة مغلقا الطريق بيده قائلا بابتسامة ماكرة وهمس:-


_ نسيت أقولك أني تقريبًا ما شوفتش حد غيرك من وقت ما وقفتي قدامي....دبلتي نورت ايدك ، مبروك رجوعنا لبعض يا سمكة...سمكتي


بدت وكأن فراشات قلبها تحلق عاليـًا حتى حدود السماء....وانتفض القلب بغمرة جنون وهي تلتفت له ببطء ونظرتها في حالة ذهول من هذا التحول....اشتد مكر عينيه من ارتباكها حتى أفسح الطريق..نظرت له بابتسامة اتسعت بالتدريج ودمعة التمعت بعينيها بغير مناسبة....


لم تعرف لما ركضت للداخل وابتعدت عنه لأبعد مسافة حتى غرفة أخرى تختبأ فيها بهذا الكم الهائل من العشق....


راقبت رضوى سما بنظرة ضاحكة حتى نهض رعد وقال :- تعالي نقف في البلكونة....


نظرت رضوى لآسر الذي لم تغادر الابتسامة شفتيه وخرج من الشرفة فنهضت هي ووافقت رعد.....


خرج آسر من المنزل كاملا وهو يعرف أن هذا يبدو كافيا لليوم....لا قلبه ولا قلبها يتحمل المزيد....


بالشرفة.......


تطلع رعد بوجه رضوى البيضاوي الشكل ببشرة حنطية....عينان سوداء كحبات الزيتون الأسود وطابع الحسن يزين أسفل شفتيها بفتنة !!


هناك سحر عند السمراء لا يضاهيه سحر....فتنة عنيفة لا يدركها الا رجلا ماكر....قال بنبرة تقرب للهمس :- بعشق الليل وقمره....


توترت عينيها وشعرت أنها ممزوجة بهذا الحديث....وأن الأمر يخصها....وشيء من البهاء لأنه جذبه سمارها...قالت بمكر :-


_ دايمـًا الليل أحلى....هدوء ، غموض ، دفا وبرد !! كل شيء وعكسه


أجابها وقد فهم مقصدها :-


_ عشان كده بحبه....فيه السحر كله...


ابتسمت برضا وقالت :- كنت بتحب الكاميرا اكتر من أي شيء


ضحك ضحكةٍ بسيطة وأجاب :- العاصفة لما بتيجي بتغطي على كل موجة شغلت البحر عن الشط......على فكرة أحنا هنسافر تاني يوم من الفرح ، هنكون في المطار الفجر...


انكمشت تعابير رضوى وأصبحت قلقة....قالت بتلعثم :- عمري ما ركبت طيارة....خايفة أوي


هز رعد رأسه بالنفي وقال بابتسامة خبيثة :- الخوف ده لما تكوني لوحدك ، مش وأنتِ ايدك في ايدي!!


هربت نظرتها لجهة أخرى وحاولت تغيير دفة الحديث فقالت :-


_ شوقتني لسنتوريني ، بقيت مستنية الايام تعدي عشان أشوفها !!


لم تلاحظ ما قالته الا عندما انتهت ، ارتبكت فابتسم بتسلية وقال بخبث :-


_ وأنا بعد الأيام عشان نسافر....


************


باليوم التاليــ.....


صبيحة اليوم استيقظت بالكاد....ظلت حتى بعد صلاة الفجر ولم تغفل بالليل إلا لماماً....تنهدت سما تنهيدة عميقة وهي تتثاءب وتشاجرت ابتسامة مع عينيها الكسولة.....اسرعت من فراشها إلى الحمام لتأخذ حماما سريعا قبل أن تستعد للخروج.....


استيقظت الفتيات واحدة تلو الأخرى......


بشركة الزيان.....


أتى الشباب للشركة مع عمهم "وجيه " بالصباح الباكر....توجه كلا منهم لمكتبه الخاص...


***********


**بمكتب آسر**


دلفت وهي تجر قدميها جرًا للمكتب...كانت تريد التأكد من هيئتها قبل أن تراه ولكن لم تتاح الفرصة لذلك سوى بمرآة المصعد....


جلست على مكتبها بالخارج وبدأت تلتقط أنفاسها حتى تهدأ قبل أن تراه ولا يظهر توترها كالأمس...


فتح باب مكتبه وظهر بطوله الفارع وجسده الرياضي وهو مثبت نظرته عليها لبعض الثوانِ.....اطرفت عينيها بتوتر قبل أن تلتفت له قائلة بتلعثم :- صباح الخير


تحرك وجهتها ببطء متعمد حتى وقف أمام مكتبها قائلا بابتسامة :-


_ صباح النور....


لم يقل شيء أكثر من ذلك ولكن عيناه الماكرة قالت كل شيء....بحثت بتوتر عن شيء لا تعرف ماهو بالتحديد أمامها فتساءل :-


_ بتدوري على ايه ؟!


تلعثمت في الأجابة:- ال....ال


اتسعت ابتسامته بتسلية وقال مشيرا لها على المكتب :-


_ تقصدي الأجندة بتاعت مراجعة التصميمات ؟


نظرت بحرج بعيدا عنه وصمتت....أضاف بابتسامة :-


_ على فكرة هي قدامك...نفس الأجندة...ما اتغيرتش !


نظرت سما على المكتب لتتسع عينيها وهي ترى الأجندة أمامها مباشرة!! يا للغباء !!


رفعت نظرتها له ببطء وتوتر حتى وجدته يبتسم بمرح مستمتعا بإحراجها....قالت بغيظ :- أنت مبسوط كده ليه ؟!


التمعت عينيه بخبث فأجاب :-


_ في حد يشوف القمر بالنهار وما ينبسطش ؟! على فكرة أنا حجزت شهر العسل في اوتيل ، هنقضي فيه أسبوع بعد كده هنسافر أي مكان تحبي تروحيه...


توقفت عند جملته الأولى....تسمرت في مقعدها وتخشب جسدها ، حتى رفات عينيها بدت بلا حركة....ردات فعلها تجعله يضحك رغما ، أراد أن يسرق من الألم السعادة ، لابد أن يترك الماض بأكمله.... 


دلف لمكتبه تحت نظراتها المصدومة حتى تمتمت بذهول :- أنا قمر !! آسر بيقول أنا قمر !! قلبي هيوقف..


*********


**بمكتب يوسف**


جلست حميدة بنظرات جدية أمام مكتب يوسف وقالت :-


_ في عملا هنقابلهم النهاردة والمواعيد....


قاطعها في غيظ :- سيبك من الشغل دلوقتي....أنا مش راضي اضغط عليكي بالسؤال لكن بصراحة عايز أعرف قريتي اللي في الأجندة ولا لأ


اخفت حميدة ابتسامتها ثم نظرت له بثبات وأجابت :-


_ كنت مشغولة وقريت حاجات منها


رمقها يوسف بصمت وغموض ثم قال :- أنتِ قرتيها كلها على فكرة يا لئيمة !!


ابتسمت رغما واعترفت :- بصراحة آه...بس أنت عارف أني مش عايزة اتكلم في المواضيع دي دلوقتي...خصوصا أن خلاص الفرح فاضله أيام


تبدل ضيقه وغيظه الى ابتسامة وقال :-


_ كل ما افتكر أفرح والله ومزاجي يروق....ماشي هصبر بس والله خايف عند الفرح تعملي نفسك عبيطة وماتقوليش بحبك برضو


***********


الأيام....مرت بابتسامات...على قلب أحدهم


وحيرة وتردد لأحدا آخر....حتى أتى يوم كتب الكتاب قبل الزفاف بيوم فقط....وبعد صلاة الظهر بيوم الجمعة بدأ عقد القران بالمسجد المجاور لمنزل الاسطى سمعه....


بغرفة حميدة.....


جلس الأربع فتيات في صمت....كل واحدة شاردة بسعادتها ، ينظرن لبعضهن بضحكات متشاركة وراقبتهن "للي" بمحبة وسعادة ثم قالت :-


_ الف مبروك يا بنـــات كلها دقايق ويتكتب كتابكوا ، بس ليه والدك يا حميدة رفض تقعدوا معاهم بعد كتب الكتاب ؟!


أجابت حميدة بابتسامة :- في الخطوبة كان بيسيبنا وواثق فينا ، بس بعد كتب الكتاب مش واثق في واحد من الشباب ، وكده كده الفرح بكرة


للي بضحكة :- والله صح...حتى توحشوهم اكتر


سما بابتسامة شاردة :- ما هما اصلا وحشينا


ضحكت للي ضحكة عالية ثم لاحظت أن جميلة يتخلل ضحكتها بعض الحزن ، لم تشأ التحدث بشيء وتعكر تلك المناسبة السعيدة...


انتهت مراسم عقد القران للفتيات والشباب مع مباركات الأهل والجيران......


تجمع الجمع حول مائدة الطعام بعد ذلك......


جلست الفتيات بجهة مقابلة للشباب وكل فتاة تهرب بنظراتها خجلا من زوجها.....


**********


باليوم التالي...يوم الزفاف


بغرفة العرائس الخاصة بالفندق لتحضير العروس قبل الذهاب لقاعة الاحتفالات....تجمع الفتيات وعلى رأسهن "للي" التي جهزت الأمر منذ أيام حتى انتهت تماماً من وضع اللمسات الأخيرة وطلتهن التي بدت كالأميرات بحجاب رأسهن الأبيض المطرز بحرفية واناقة... ووقفت أمامهنّ في ابتسامة سعيدة وراضية :-


_ كده تمـــام أوي...مكياجكوا خلص وكله تمام ، رضوى وجميلة هيطلعوا الأول وبعدين حميدة وسمكة


دلفت للغرفة الجدة حميدة....نظرت للفتيات بدموع حتى اقترب اليها الفتيات الأربعة وضمت كل واحدة على حدى.....


قالت وهي تمسح دموعها التي غلبتها :-


_ بنتي بهية الله يرحمها كان نفسها تشوف اليوم ده بالذات ليكوا ، ووداد مرات أبني الف رحمة ونور تنزل عليها...


ادمعت عين الفتيات فما أقرب من الأم بهذا اليوم....دلف الأسطى سمعة للغرفة وتمالك دموعه بالكاد وهو يبارك لهنّ....قال بتحذير يتخلله محبة :-


_ اللي جوزها هيشتكيلي منها في يوم ماتزعلش من اللي هعمله ، ارفعوا راسي


هزت حميدة رأسها قائلة بابتسامة :- ما تقلقش علينا ، ده احنا تربية الاسطى سمعه...الراجل الجدع الطيب


قال سمعه وانسابت دمعة من عينيه رغما عنه :- هتوحشوني ، اربع بنات مرة واحدة يعني بياخدوا روحي مني....ماتنسوش ابوكم


ارتمت حميدة بدموع على صدر أبيها حتى ابعدها بضحكة شاركت دموعه وقال :- في عروسة تعيط يوم فرحها ؟!


مرر يديه بحنان على رأس الفتيات الثلاث ورافقت دموعه دعوات لسعادتهنّ...


فتح سقراط باب الغرفة بابتسامة واسعة وبذلته السوداء الانيقة وقال :-


_ اخيرا هخلص منكم يا عرر وهاخد السطح لوحدي


رمقته حميدة بسخرية حتى ركض اليها باكيا وفهمت أنه كان يجاهد حتى لا يبكِ طيلة الأيام الماضية....ربتت على كتفه قائلة بابتسامة :-


_ مش كنا عرر !!


قال سقراط وهو يمسح عينيه :- لأ انا فرحان أنكم هتغورو في داهية ، مش مصدق نفسي والله


تجمع الفتيات حوله بضربات على كتفيه وضحكات تشاركن فيها...


مسحت للي عينيها وقالت :- هروح بقى اجهز أنا كمان ، مهمتي انتهت


بعد قليل كان جاسر ورعد  يدلفون للغرفة.....


وقف جاسر بنظرة تلتمع عشق ومكر أمامها....كان يرتدي حلة سوداء فائقة الاناقة ، يبدو بها وكأنه عارض للأزياء بعرض عالمي..


توترت جميلة وسرت رعشة طافت بكامل جسدها....لا زالت لم تثق به ...ولكنها تحبه....تحبه بقوة لم يتخيلها...اقترب إليها وقبل رأسها بقبلة طويلة أمام الجميع جعلت جسدها بكامله ينتفض خجلا....


وضع يديها بيده وتقدم للأمام بابتسامة راضية تماما عن الآت ، 


نظرت رضوى بخجل شديد بعين رعد....حاولت أن تستشف مدى اعجابه بطلتها....ولكن عيناه الزرقاء الماكرة لم تفصح بهذه السهولة عن أي شيء... ولم تغفل عن وسامته الآخاذة التي سحرته لأول وهلة....رفع رعد أناملها بنظرة حنونة لشفتيه....وبقبلة رقيقة على أناملها قال:-


_ الف مبروك يا حبيبتي


 وأخذها بيده للخارج....


نظرت سما لهما وانتظرت بشوق ظهور آسر.....قال الاسطى سمعة لوالدته :- تعالي معايا ياما عشان نستناهم في القاعة...يلا يا سقراط


خرج سقراط ومعه والدته وجدته بينما طل آسر الذي كان آسرا بحق....ويوسف الذي لم يقل عنه سحرا وأناقة....


توجه يوسف لحميدة مباشرة...وقف أمامها بابتسامة كانت الأسعد على الأطلاق....وقال :-هيكون أجمل يوم بعمري


ابتسمت حميدة بسعادة وهي تنظر لحلمها الذي أصبح حقيقة.....هو لا غيره...كان حلمها فقط أن يبتسم ، أو ربما تطمع وتنتظر كلمة منه....فكيف وهو يقف أمامها....حبيب وزوج !!  


اقترب آسر لسمائه....لعشقه وجنونه....لحبه الذي رغما عن كبربائه انتصر واقترب اليها بابتسامته الساحرة وكاد أن يتحدث حتى هتف "خالد من خلفه قائلا بحقد ونظرة شيطانية:-


_ عملت اللي أنت عايزه....


نظر اليه الجميع بصدمة فتابع خالد :- عارف أنا اتقدمتلها ليه ؟ لأنها استخدمتني عشان توصل لهدفها...خسرتك يبقى كسبتني ، كسبتك يبقى لعبتها صح....


ضيق آسر عينيه بذهول ....اتسعت عين سما بصدمةثم قالت :-


_ أنت بتقول ايه يا مجنون أنت ؟!


أشار خالد بنظرة شيطانية شرسة لها وقال :-


_ مش ده اللي فضلتي تتكلمي عنه وتشتميه عشان معاملته ليكِ ؟! مش كنتِ حالفة لتخليه يركع قدامك !! وأنا ؟ ضحكتي عليا وفهمتيني أنك معجبة بيا !! أنا عمري ما كنت هتقدملك وأنا عندي شك واحد في المية أنك هترفضي....بس كنت غبي ولعبة سهلة في ايدك


هتفت حميدة باحتقار :- أنت كداب وكل اللي بتقوله افترا وكدب


هز خالد رأسه بتأكيد :- لا مش كداب ، ومكدبتش على حد فيكوا حتى الفيديو بتاع جاسر حقيقي وهو معترف بيه ، مكنتش هأذيه لكن لما لقيتها هترفض عشان حست انها ممكن تكسب آسر تاني بعد ما رجعت للشركة هددتها....سما استخدمتني ومكنش عندها مانع تستغلني عشان توصل لهدفها...هدفها اللي هو اكيد مش الحب


نظرت سما لآسر الذي تسمر مكانه بصدمة جعلته يصمت تماما....هتفت به :-


_ ما تصدقهوش يا آسر ده كداب..


صاح خالد بعنف :- وكل اللي حكيتهولي عنه ؟ وكرهك ليه ؟ حتى يوم ما اغمى عليكي في فرح سمر وجاب والدتها عشان تفوقك !!


ضيق آسر عينيه بصدمة أخرى ، كيف عرف خالد بهذا الأمر !!


فغرت سما فاها من الصدمة ،نظرت حميدة لسما بذهول حتى اقترب يوسف لخالد يدفعه للخارج بصياح :-


_ محدش هيصدقك لأنك عمرك ما كنت صادق 


دفعه يوسف بقوة للخارج ثم عاد لآسر الذي كان يقف كلوح الثلج لا يتحرك....يبدو أن هناك بؤرة تكونت من جديد للحيرة....


قال يوسف برجاء :- ده كداب يا آسر ما تصدقهوش !!


نظر آسر لسما التي بدأت تبكِ بقوة وقال 


يتبع 

....


رواية امبراطورية الرجال  الفصل الثالث والخمسون /الرابع والخمسون 


نظر آسر لسما التي بدأت تبكِ بقوة وقال بهدوء ما قبل العاصفة :-


_ كل ما افتكر نظرة عنيكي وأنت بتقولي موافقة لما اتقدملك أحس أني هبقى غبي لو كدبته...مكنش لازم اسمع كلام عمي وأوافق على الجوازة دي ، للأسف اتحطيت قدام الأمر الواقع


اتسعت عين سما بصدمة وتلعثمت في القول :- تسمع كلام عمك !! يعني ايه ؟!


نظر يوسف له بعصبية وهتف :- كفاية يا آسر بقى


أجاب آسر بعنف وبنظرة انتقامية :-


_ يعني عمي اللي طلب ايدك ليا من قبل موافقتي ومن غير إرادتي...كنت حاسس أنك كدابة...كنت شاكك


صعقت سما مما سمعته وكادت أن تسقط حتى اسندتها حميدة سريعا....خرج آسر من الغرفة بنظرات نارية من الغضب.....


زفر يوسف بعصبية وهتف فجأة :- مش هصبر اكتر من كده ولازم أقول الحقيقة...آسر بيضيع نفسه بنفسه ومش حاسس.


نظرت له سما ببكاء حتى قال بضيق :-


_ آسر نفسيته تعبانة يا سما...تقدري تقولي مريض نفسي ، والسبب...


**********


كاد آسر أن يصعد يلغي الغرفة المحجوزة له مسبقا بالفندق حتى تفاجئ بعمه الذي كان ينوي الصعود لزوجته بالطابق الثاني للفندق....تطلع وجيه بآسر بتعجب وقال :- المفروض تكون في القاعة دلوقتي مع عروستك !!


ظل آسر صامتا للحظات حتى قال وجيه بشيء من العصبية :- في ايه يا آسر ؟!


أتى يوسف من خلفه وقال بغضب :- هقولك أنا يا عمي


تطلع وجيه بهما بريبة حتى تحدث يوسف وروى ما حدث بالتفصيل ، نظر وجيه لآسر بعصبية وقال :- وأنت بقى كنت هتسيب الفرح وتمشي ؟!


اجاب آسر بعصبية :- مش هقدر اكمل


ضيق وجيه نظرته بعنف على آسر وقال :-


_ لو ماجيتش معايا دلوقتي وكسرت كلامي اعتبر أن مالكش عم وأنت عارف يا آسر أني اد كلامي ، أنت فاهم يعني ايه تسيب الفرح وتمشي ولا غبائك عاميك !! لا يمكن اسمحلك تعمل كده وتأذي سمعة بنت بريئة من ظنونك !!


تطلع به آسر بغضب فهتف وجيه مجددا :- ايوة بريئة لأن خالد كداب ، وطول عمره كداب ، أنت اللي مابتعرفش تثق في حد وهضيع عمرك كله وأنت تايه كده.....قدامي


تحدث يوسف قائلا :- انا سايبها منهارة من العياط والله صعبت عليا


وجيه بصرامة :- قدامي يا آسر...والا قسما بالله لتشوف مني وش عمرك ما شوفته....


*********


ظلت دموعها تنزف بصمت....انحدر حزنها على نفسها بعدما اكتشفت ما خلف تصرفاته...وغضبه الدائم...وعدم ثقته بالآخرين...ربتت حميدة على كتفها وقالت :- ما تقوليش ليه أنك عرفتي حاجة زي ما يوسف حذرك ...هتتعبي معاه شوية بس....


سما بدموع والم :- حتى لو ظلمني يا حميدة بس قلبي وجعني عليه....دلوقتي فهمت كل تصرفاته كان سببها ايه...حتى لما صدق خالد ، هو شاف امه فيا ما شافنيش أنا !!


حميدة بشفقة :- والله يا سمكة أنتِ طيبة أوي حتى وهو ظالمك ادتيله عذر وهو برضو معذور شوية....


مسحت سما عينيها ولاحظت بالمرآة أن زينة وجهها لم تتأثر كثيرا حتى أتى وجيه وبيده آسر يدفعه للداخل.....


وقف وجيه بمنتصف الغرفة بهيمنة وقال بأمر :- خد عروستك للفرح ، ما اسمعش أي اعتراض منك لأنه مش مقبول


تطلعت سما بنظرة وكأنها ضمة....هرب منها ووقف متبلدًا....اقتربت منه هي...لابد أن تأخذ هي تلك الخطوة...وتمسكت بيده بنظرة صادقة ومحبة بعينيها جعلته في ارتباك وحيرة من أمر قلبه....


مضى الخطوات وهي تتمسك بيده بإتجاه الحفل....


تنفس يوسف الصعداء حتى أشار وجيه له ليفعل مثل آسر.....اقترب يوسف من حميدة بابتسامة عادت لشفتيه وقال ليجعلها تبتسم :-


_ ما تقلقيش....كله هيبقى تمام وهيتصالحوا أنا متأكد..


ابتسمت حميدة له وحقأ اطمأنت.....


***********


بقاعة العرس.....


تجمع العرائس على الجهتين وكلا أثنين على حدى حتى بدأت أصوات الموسيقى تعلو.....أتى حشد كبير من أصدقاء جاسر ورعد وجذبوا جاسر من مقعده ثم يوسف ورعد ولكن آسر رفض بشدة......


قال جاسر بضحكة :- الليلة ليلتي بقى


نظر جاسر جانبا لرعد ليبتسم رعد بهزة من رأسه ثم نظر ليوسف فقال يوسف :- ايوة هرقص ده فرحي ، يلااااااا


تجمع الشباب تحت أصوات الموسيقى العالية وبدأ جاسر يشارك أصدقائه عدة رقصات وضحاته تعلو مع كل حركة....


ظهر يوسف مضحكا وهو يردد كلمات المقطوعة الغنائية وهو يمرح راقصا بين الأصدقاء.....


كتمت جميلة ضحكتها كلما نظرت لجاسر......


دخلت رضوى بنوبة من الضحك لمظهر الشباب هكذا بينما تعجبت من آسر الذي لم يشاركهم الاحتفال......


انتهت المقطوعة وعاد جاسر لمقعده وهو يتنهد بابتسامة واسعة قائلا :-


_ والله هيوحشني الانحراف وشلة الأنس.....دنيـــــا !!


سومته جميلة بنظرة غيظ حتى همس لها فجأة بشيء جعلها تدير رأسها عنه فأطلق ضحكة عالية استفزتها أكثر.....


جلس رعد بجانب رضوى قائلا :-


_ يلا.. اهي اي حاجة تحسسني أن فرحي النهاردة وأني عريس وكده


فهمت رضوى مغزى حديثه واطلقت ضحكة فرت منها رغما فقال بابتسامة خبيثة:-


_ ضحكت يبقى قلبها مال...يا مسهل


التقط يوسف أنفاسه اللاهثة من فرط الحركة عندما جلس بجانب حميدة فقال فجأة :- كويس أني اتعشيت ، رقصت وهضمت


حميدة بدهشة :- يعني مش هتتعشى معايا انا مكلتش من صباحية ربنا !


نظر لها يوسف بابتسامة وقال بهدوء :- هتعشى طبعا


تساءل بفضول :- حميدة...هي ستك طبخالنا ايه ؟


ابتسمت حميدة بفخر وأجابت :-


_حمـــام وبط ومحشي


يوسف بقلق :- مافيش ملوخية ؟!


حميدة بتأكيد :- اكدت عليها تعملك...عرفاك بتغرق في الطبيخ


التزم آسر الصمت تماما ولم يتحدث مع سما ولو بكلمة......كانت سما تختلس النظرات الجانبيه اليه في الم...ليس لأجلها بل لأجله....كان معروفا كبيرا من يوسف بأخبارها ما يخفيه هذا الآسر....قلب الموازين تماما بفكرها.....


**********


بغرفة للي بالفندق.....


انتظرها حتى اتمت زينتها وارتدت الحجاب....تطلع بها بنظرة عاشقة وجذبتها يديه لصدره قائلا :-


_ هو في حد أجمل منك في الدنيا ؟!


ابتسمت له برقة واجابت :- قلبك


نظر لملامح وجهها بشوق ثم لعينيها مجددا وقال :-


_ حاسس. كأن يوم فرحي النهاردة


اتسعت ابتسامتها وقالت :- على فكرة احنا هنتأخر كده


رفع حاجبيه بغيظ ثم قال مستسلما للأمر :- اوك ....ممكن ايدك ؟


وضعت يدها بيديه وخرجت معه من الغرفة بابتسامة تشرق وجهها....


انتهت حفلة العرس حيث توجه كل واحدا منهم في طريقه لقضاء شهر العسل مثلما خطط.....


ذهب جاسر لشقته الخاصة التي جهزها لقضاء عدة أيام قبل السفر لشرم الشيخ...بينما ذهب الشباب الثلاث لغرفهم المحجوزة بالفندق مسبقا....


************


**بغرفة يوسف**


وقف يوسف أمام باب الجناح الخاص به وفتح بابه على مصراعيه....ثم كادت حميدة أن تخطو لتتفاجأ بأنه حملها ..... اغلق الباب بطرف قدميه حتى تحرك وهي على ذراعيه ترتجف خجلا.....وضعها أمام غرفتهم بالجناح.....


سرت رعشة شديدة بجسدها عندما وضعت قدميها على الأرض مجددا وحاولت أن تبدو ثابته أكثر من ذلك....نظرت حولها جيدا وانتبهت للطعام التي صممت جدتها على أحضاره ولم تعير للفندق اهتمام.....قالت :-


_ اكيد جوعت ، يلا عشان تتعشى


فتح يوسف باب الغرفة بابتسامة وقال :- طب نصلي الأول....


جذبها للداخل حتى أصبحت على بعد ثوان من السقوط مغشيا عليها من فرط الخجل والقلق الذي غمرها.....


فتح يوسف باب خزانة الملابس وأخرج ردائين أحداهما له والآخر لها....قال بعدما استدار لها ووضع الملابس على الفراش :-


_ نصلي الأول...نبدأ حياتنا بدعوة حلوة ....


اطمأنت لحديثه....كانت تحتاج تطمأن ....  ....ذهب لزاوية بالغرفة وافترش سجاد الصلاة....


بعد عدة دقائق انتهت فيها حميدة بدعوات وهي ترفع يديها مغمضة العينين....فتحت عينيها لتجده ينظر لها بابتسامة عاشقة ويبدو أنه انهى صلاته وتسبيحه قبلها...


نهض وجذبها من يدها لتنهض قائلًا بهمس :-


_ استنيتك كتير...ودلوقتي بقيتي حلالي...أقول بقى اللي نفسي فيه


ابتسمت بخجل ونظرت للأسفل بارتباك شديد حتى جذبها اليه من خصرها بتملك وقوة....بجرأة لم تعهدها فيه وقال بمكر :-


_ بموت فيكِ.....أظن دلوقتي مالكيش حجة


تلعثمت بعض الشيء...شعرت وكأن حتى كلمة أحبك لها عذرية مثل الجسد...لم تقولها لأحد غيره...حتى هو لم تخبره بها قط.....رفعت عينيها لعيناه المنتظرة منذ زمن وقالت بابتسامة ودمعة كانت دليل فرحتها :-


_ أنا عمري ما حبيت غيرك يا يوسف...بحبك دي قليلة عليك أوي...بس أنت عايز تسمعها وأنا عايزة أقولهالك وهفضل أقولهالك.....بحبك وبموت فيك في كل لحظة مليون.....


قاطعها بأقترابه.......إقتراب حلله رب العالمين لم يكن به شيء محرم...اقتراب زينه الانتظار شوق وعذوبة....وزاده الحرص لهفة مثيرة....حتى الكلمة بدت أكثر رقة وجمالًا لأنها خرجت لأول مرة بأول يوم زواج بينهما......بارك الله لهما وبارك عليهما وجمع بينهما في خير...💖💖


 ***&**&&******&&&


صعد رعد ومعه "رضوى" التي أصبحت الحلم الذي تحقق...ما أطيب العمر عندما يكن الحبيب هو صاحب النصيب...وأن الآت معـه...


دخل المصعد وهي معه...رغم أن بينهما اتفاق ولكنّ موجة التوتر تحوم بطرفاتها ورمقات عينيها...اختلس نظرة جانبية مبتسمة برضا تام...بنظرة حامدة لربه أنه تمنى فتحققت أمنيته...


تلك السمراء...لو تعرف كم تجذبه لسقطت بغرامه بجنون....لا يعرف أن احب السمار لأجلها أو أحبها لأنها سمراء !!


وقف المصعد عند أحد الطوابق فخرج منه رعد وأخذ بيديها ، يعرف أنها ترتجف ورفق بحيائها....


مضى في الممر المؤدي للغرفة وهي بجانبه...سؤال يتردد بعقلها على استحياء...ما التي ستأتِ بها الدقائق الآتية ؟


وما الذي يخطط له ؟


تعرف أنه يحترم وعوده...


ولكنه رجل !!


الرجال لا يكترثون كثيراً بالوعود عندما الأمر يقترب لرغبتهم...


فتح باب الغرفة المحجوزة مسبقاً...وعندما فتح باب الغرفة قصدت أن تبتعد عنه خطوة للأمام....لافته ألا يقترب...فهمها بهدوء غريب...وبضيق أخفاه حتى لا يُضيقها !!


كما يشعر باللهفة للقرب يريدها كذلك...هي زوجته...لا خطأ أن تشعره بذلك...ولكنه تفهم موقفها فبجميع الأحوال هكذا الفتاة بأول يوم....لا بأس


سينتظر.....


تجنبت النظر إليه تمامـًا حتى أقترب ٱليـها بنظرة مبتسمة...هادئة ،تبعث الراحة والهدوء....لو كان قصد ذلك فنجح في مقصده...طافت ابتسامة خفيفة على ثغرها دون أن تدري...أراد أن يبدأ حياته معها بالصلاة...فمرت دقائق حتى انتهيا من قضاء ركعتين قالوا فيها ما يتمنى القلب أن يتحقق....نهضت واتجهت للغرفة حتى تبدل ملابسها فتركها تذهب....


بداخل الغرفة وقفت بمنتصف المكان...لا تصدق أنها وافقت على الاقتران به...لا تصدق أنها ترتدي الأبيض !! شعرت أنها بحلم والأغرب أن الحلم لم يضيق قلبها بل أنشرح له القلب وابتسم !!


انتبهت لدخوله الغرفة فاستدارت بنظرة متوترة وهي تبتلع ريقها بتلعثم...


اقترب رعد أكثر بابتسامة جميلة وقال :-


_ مبروك يا رضوى...أنا مبسوط أوي ، وراضي أوي


تبدل توترها لخجل شديد ونظرت للأسفل بحياء...جذبها إليه عنوة ، كانت يديه قبضتها تملكية ، وبذات الوقت كالربته الرقيقة !!


نظرت له بأعين متسعة ودهشة فأقترب وقبّل خدها برقة شديدة ، وقبس من حنان بثه بشعورها...لفته تخبرها دون حديث أنه سيكن ابعد ما يكون عن القسوة....ورغم انها تفاجئت بفعلته ولكنه عندما ابتعد قليلا ونظر لعينيها بعمق ومحبة ظاهرة قال بهمس :-


_ أنا عارف أن أنتِ خايفة ، اتفاقي معاكِ مش هخلفه ، بس اللي بطلبه منك وبتمناه....أنك ما تضيعيش وقت كتير في الخوف...لأني محتاجلك


حديثه الهامس...نظرات عينيه القوية الصريحة والعطوفة ، ونبرة الاصرار بصوته تخبرها أنه صادق....


قبّل رأسها بقبلة طويلة صاحبت تنهيدة سريعة ونظر لها مبتسما بسعادة :-


_ أول مرة أحس بحياتي وأني عايش....وجودك معايا فرق كتير أوي


التهب وجهها بحمرة شديدة بينما ابتعد بتلك الابتسامة وقال :-


_ هستناكِ برا عشان نتعشى مع بعض


تبدو خطواته في البُعد وكأنه تريد القرب مجددًا ، ولكنه خرج من الغرفة وتركها تقف كالتمثال بلا حركة!!


رغم ما اتفقا عليه ولكنها خشيت أن ينكث وعده...اظهر لطفا أكثر مما توقعت....ابتسمت بالتدريج ، وباطمئنان


مر بعض الوقت حتى خرجت من الغرفة الملحقة بالجناح وهي ترتدي "بچامة " ببنطال قصير تشبه في طلتها الأطفال....وشعرها المصفوف بعناية ويتخلله بعض الخصل المصبوغة ويسترسل على كتفيها


نظر اليها بابتسامة اتسعت كلما اقتربت....كانت تنظر له بحياء حتى قالت بعبوس وهي تقف أمامه :- الشنط مقفولة عشان السفر بكرة ، مكنش في غير البچامة دي و____


طافت نظرة ماكرة بعينيه وهو يعلم ما لم تستطع قوله فابتسم قائلا وتظاهر بعدم المعرفة :- وإيه ؟


انكمش حاجبيها بحرج فأطلق ضحكة مرحة وجذب يديها حتى تجلس...جلست بجانبه حول المائدة المعدة لهم خصيصا وقال بمكر :-


_ خلاص ما تتكسفيش كده حصل خير ، بس أنتِ بيبي أوي بالبچامة دي


نظرت له بعبوس رغم أنها أخفت ضحكتها فضحك هو أكثر 


********


**بغرفة آسر **


وقف أمامها وهي تنظر للأسفل بتوتر شديد....كانت القسوة تعتلي ملامحه ، والتشوش يبعثر بقاع التركيز....قال بأمر وحدة :-


_ مش هنقعد هنا في الفندق ، عايز ابعد عن هنا ، غيري هدومك عشان هنسافر اسكندرية دلوقتي


رفعت نظرتها اليه بدهشة ورددت :- هنسافر دلوقتي !!


أجاب بعصبية :-


_ على ما تغيري هدومك هكون كلمت الفندق وقدمت الحجز...


تحرك من أمامها باتجاه الهاتف فزفرت وهي تعلم أن الطريق لم يكن خاليا من الأشواك معه....ولكنها تعرف أنه سيعود حبيبا من جديد....وبأقرب وقت....يفعل ما يفعل....يقسو مثلنا يريد ، ستظل بجواره حتى يطمئن قلبه....ابتسمت بمحبة وهي تراه يتحدث بالهاتف.....


دلفت للغرفة القريبة وأخذت وقتٍ ما يقرب من النصف ساعة حتى انتهت من ارتداء ملابس أخرى مناسبة للخروج....


خرجت من الغرفة ولا يبدو عليها أي ملامح للضيق بل وكأنها تستعد للمرح فنظر لها بتعجب وعصبية قائلًا :-


_ اظاهر أن مافيش حاجة فارقة معاكِ !!!


اقتربت له عدة خطوات ، الخطوة الأخيرة اربكت عينيه واظهرت لهفته قليلا وجعلته يبتلع ريقه بتوتر.....ابتسمت بحنان وأجابت :-


_ وهيفرق معايا إيه وأنت جانبي ؟! طالما معاك مش خايفة


تطلع بها بنظرة طويلة...عاتبة ، غاضبة ، بكل كل شيء وعكسه وقال :-


_ مش عارف افهمك !!


رفعت حاجبيها بابتسامة مرحة وقالت :-


_ مسيرك تفهمني...وبصراحة بقى أنا فرفوشة ومابحبش أزعل ، أو قررت أني ما ازعلش تاني...حظك أنك اتجوزت واحدة مجنونة !!


ارفقت حديثه بابتسامة واسعة فابتعد عنها بتلك النظرات الغاضبة التي لم تتغير ولكنها تعرف أنه يهرب من أمر قلبه....


توجه لباب الغرفة وكاد أن يخرج حتى ركضت اليه وتمسكت بيديه قائلة بابتسامة :-


_ ماتنساش أني مراتك بقى وكده ، بينا على اسكنـــــدرية


اغتاظ من مرحها وابتسامتها هذه رغم أن بداخله شيء يبتسم....


خرجت معه من الجناح بينما دلف أحد العاملين لنقل الحقائب للأسفل....


********


وقف جـاسر أمام باب شقته ونظر لها بنظرة ماكرة وقال :-


_ ممكن أبقى رخم وغتت واطلب طلب عارف انه مش من حقي ولأني قليل الأدب هطلبه...


التفتت له جميلة بملامح جامدة وقالت :- طلب إيـه ؟!


طافت ابتسامة مرحة على شفتيه وقال :- هفتح الباب واشيلك...اشمعنى أنتِ شيلتيني الهم ؟!


ثبتت حتى لا تبتسم فأجابته بثبات :- مهم يعني الموضوع ده ؟!


هز رأسه بتأكيد ونظرة خبيثة :- أوي أوي


انسحبت نظرتها من جهته وهزت رأسها بموافقة مع نظرات جادة.....


ابتسامته ماكرة لا تخفي نوايـاه حتى فتح الباب وحملها بين ذراعيه قائلًا :- أنتِ تقلتي من التورته ولا إيـه ؟!


لكمته على صدره بخفة وهي تكتم ضحكتها......


وضعها على الأرض أمام باب غرفة النوم ثم فتح باب الغرفة قائلًا بتلك الابتسامة الماكرة التي وترتها :-


_ غيري هدومك يا جميلة.....هحضرلك العشا ياروحي


توجهت جميلة وهي تحمل فستان زفافها كي تستطيع الحركة بسهولة ورمقته بنظرة جانبية وقالت :- طريقتك مش مريحاني !!


قال بابتسامته المستفزة :- ولا أنا كمان مرتاحلي.


اسرعت لداخل الغرفة فاتسعت ابتسامته متمتما ببعض الكلمات واتجه للطعام المعد خصيصا من الجدة حميدة ومرتب على مائدة الطعام.....


مرت دقائق كثيرة وخرجت جميلة من الغرفة وهي ترتدي إسدال الصلاة   


انتهى جاسر من إعداد المائدة حتى انتبه لأقترابها فنظر اليها في غيظ واقترب لها عندما وقفت دار حولها بنظرة  :-


_ هو حلو وكل حاجة بس أنتِ جاية تتوبي النهاردة ؟!


قالت بعدم اهتمام :- اتعودت اقعد كده


هز رأسه بموافقة مرغما وقال :- طب تعالي نصلي....انا مستنيكي من بدري عشان....نصلي


تعجبت وقالت :- هو أنت بتصلي ؟!


أجابها بغيظ :- ليـه هو أنا مُلحد ؟!


كتمت ابتسامتها وقالت :- خلاص يلا...


بعد الأنتهاء....وقف جاسر قائلًا :-


_ العشا مستنينا بس هغير هدومي واجيلك....


توجه للغرفة وهو يدندن :- اسبقني يا قلبي اسبقني ، على الجنة الحلوة اسبقني، اسبقني وقول لحبيبي....


استدار خلفه وغمز بابتسامة واسعة :- أنا جاي على طول يا حبيبي...


اسرعت جميلة بتوتر ظهر بقوة على عينيها فارتفعت ضحكته بمرح..... *************


خرج بعد دقائق وقد ارتدي رداء رياضي باللون الأسود بدا فيه وسيما للغاية...تجنبت جميلة النظر اليـه بشدة.....


جلسوا سويـًا حول مائدة الطعام فلاحظ أنها تبتعد عنه بمقعد فارغ....قال بقوة :- تعالي اقعدي جانبي...ده بعد اذنك يعني


نظرت له بضيق وقالت :- ليـه ؟!


أجاب :- اكليني


جميلة بسخرية :- ليه طفل ؟!


هز رأسه وعادت ابتسامته الماكرة واكد :- آه


هتفت :- ياريت نتعشى من سكات !!


رمقها بغيظ ومرت لحظات حتى نهضت جميلة وقالت :-


شيل الأكل بعد أذنك....انا عروسة بقى ولسه مخدتش على الشقة وكده


قال بسخرية :- مخدتيش على الشقة !! هو مش ده كان المكتب !!


قالت وهي تبتعد عنه :- في فرق طبعــًـا !!


قال بمراوغة :- أنتِ صح....كل كلامك صح وأنا بستفيد منك


نهض سريعا ودلف خلفها للغرفة قبل أن تغلق بابها وقال ناظرا للغرفة وحاول أن يبعد تفكيرها عن وجوده :-


_ يـــاه...شقتي وحشتني...عارفة يا جميلة.....


نظرت جميلة ليده المحاوطة كتفها فابتعدت عنه بعصبية وقالت :-


_ أنت بتعمل ايه هنا مش احنا اتفقنا !


جاسر بابتسامة واسعة :- اتفقنا على إيه ؟!


صاحت جميلة بغيظ :- أنت نسيت كلامك ليا وأنك هتصبر لحد ما أثق فيك تاني ؟!


أجاب بضحكة :- مش فاكر


شهقت من الصدمة....ثم ضيقت عينيها بغضب شديد وأشارت له بتحذير :-


_ ابعد احسنلك بدل ما أصوت والم الناس عليك...وبعدين أنت ليه غاوي كدب !! ماينفعش مرة تصدق في كلامك معايا ولا لازم اتصدم فيك ؟!


تبدلت نظراته للغيظ وقال بعد صمت دام لدقيقة :-


_اوك....هسيبك النهاردة ترتاحي....ماتاخديش على كده ها عشان انا عصبي وبتنرفز بسرعة...


عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت :-


_ أخرج بقى عشان عايزة اتخمد ، مش كفاية مصدعني طول الفرح ومبطلتش رقص وضحك !!


جاسر بسخرية :- أنا أسف أني كنت فرحان يا كوكب الدموع ، يا مأساة حياتي ! وبعدين أخرج ده ايه ؟! دي أوضتي وأنتِ مراتي !!


جميلة بعصبية :- يعني ايه ؟!


اقترب جاسر للفراش بابتسامة مستفزة وتمدد بطوله على الفراش وقال بثقة :- يعني مش خارج ! مكنش من ضمن اتفاقنا أني أنام في الصالة ! ممكن تسمعيلي بنود الاتفاقية ؟


توجهت للباب وقالت بعصبية :-


_ أنا اللي هطلع ، خليك في أوضتك حبيبتك اشبع بيها


نهض سريعا وأسرع اليها جاذبا اياها من معصمها الى صدره وقال بابتسامة مستفزة :- وربنا أنتِ اللي حبيبتي


حاولت التملص من قبضته بعصبية فقال متلذذا بغضبها :-


_ وأنا مايرضنيش أن مراتي حبيبتي تنام في الصالة ، اغور أنا في داهية بس المهم راحتك....شوفتي أنا طيب أزاي ؟


ابتعدت عنه وقالت بسخرية :- طيبتك تتبروز على جدران الشقة ، وربنا شقتك بحس أنها خبيثة شبهك...الوانها غريبة كده زي ما نكون في كباريه !


جاسر بضحكة :- ايوة ما أنا اللي مختار الألوان دي لأجل البعيدة تحس لكن هقول ايه.....اتجوزت باندا !!


رمقته بغيظ فكرر كلمته بضحكة استفزتها :- يا بااااندا


جميلة بتعجب :- شيفاك مبسوط رغم كل شيء !!


جاسر بضحكة عالية :- مبتسم رغم الاعاقة...الجوازة دي زي الست اللي رايحة تولد لقت نفسها عندها الزايدة !!


بقولك ايه أنتِ هتنامي بالاسدال ده ؟!


أجابت بثقة :- آه


رمقها بغيظ وقال :- ليه بتقابلي الملايكة في الحلم !


أشارت له ليخرج حتى ابتعد عدة خطوات والتفت لها قائلا :-


_ لو احتاجتي أي حاجة اندهي وقولي يا تايسون ، انا جوزك يعني ابو تيم وجنى


جميلة باستغراب :- مين دول ؟!


دلف جاسر مجددا ووضع يده على كتفها شارحا :- عيالنا ياروحي...تعالي احكيلك عنهم...


كان يتحرك باتجاه الفراش فنفضت يده بعيدا وهتفت بغيظ :-


_ كفاية بقى وسيبني....اطلع برا لو سمحت


جاسر بغيظ :- بيعجبني فيكِ رقتك وطيبة قلبك !! يابحر الرومانسية يا ليالي الهنا !


رماها بنظرة مغتاظة ثم خرج من الغرفة وأغلق الباب خلفه....تسمرت جميلة عدة ثوان حتى كتمت ضحكة عالية كادت أن تفلت منها....


**********


دلفت رضوى لغرفة النوم وكاد رعد أن يغلق ضوء الغرفة ويتركها تخلد للنوم حتى هتفت برفض :- لأ سيب النور مفتوح


تعجب قائلا :- هتنامي والنور مفتوح !!


_ بصراحة بخاف أنام والنور مقفول.....ومش متعودة أنام لوحدي...كنا أنا والبنات بنام في أوضة واحدة ومكنتش بخاف


طافت نظرة حنان بعينيه حتى دلف للغرفة وترك بابها مفتوح ولكنه اغلق الضوء تاركا ضوء الممر الخارجي ينير بعض الشيء....


قالت بصوت متوتر :- ايه !!


تمدد بجانبها قائلا بحنان :- نامي يارضوى انا جانبك ، ماتخافيش


تسمرت للحظات  وكادت أن تقل شيء حتى جذب يدها فسقط رأسها على صدره....


وضع يده على رأسها بربته حنونة وقال بنبرة مرحة :-


_ اعتبريني جدتك وهحكيلك حدوته....


لم تعرف لما ابتسمت واطمأنت...لم تبدي أي اعتراض أو رفض.... .....


وضعت رأسها بهدوء تام وقالت بابتسامة :- ماشي ، احكيلي حدوته


تنهد براحة.....أول الطريق ربح آمان...هناك عشق أتي.


*****


وكل لحظة تمر على القلوب وهي تنعم بالحب تُعد عمراً آخر بالحياة....


وقلب الأربعيني لم يغفل عن أحلام عينيها الوردية....


نجمات لياليها تضيء عتمته وأنارت وحدته....كأنه أمير المملكة وأتت حبيبته بموكبها على هودج السعادة ، والحب....مهما مر من عثرات ستكن هي رفيق الطريق...


وقف أمام باب الشرفة بعدما بدل ملابسـه.....ساهم ، شارد ، ولكنه مبتسم رغم ذلك....


المـال بيديه لم يفكك عقد ، أو يرفع الأذى عن طريق صغاره...المال لا يفعل أي شيء سوى أنه يُزيد مخاوفنا خوف لفقدانه !!


ولم يجعله المال سعيدا...بل قضى تعاسته برفاهية لا أكثر....بينما كل شيء بالحب الصادق يصبح ممكن !!


لا تجتمع الألام والتعاسة بالحب مثلما لا تجتمع الملائكة والشياطين....انتبه أن ضوء الغرفة انخفض لتصبح الغرفة تغط في ظلمة عميقة...باستثناء ضوء القمر المطل أمام عينيه....


توجهت إليـه برداء نومها الحريري وكأنه الملجأ من كل شيء بالحياة ، احتضنت ظهره برقة وقوة معاً....رقة الأنوثة وقوة البقاء.... 


ابتسم وهو يرفع يديه القوية ويلمس يديها على صدره....شعر بإرتعاش أناملها على غير العادة.....هناك شيء !!


سحب يديها حتى أصبحت بين ذراعيه ورأسها على صدره قائلًا بهمس :-


_ إيه اللي مخوفك ؟


ابتسمت بمحبة تتمايل ميلًا عظيماً على قلبهـا ، ونبضها ، وما تبقى من عمرهـا...أجابت بنبرة ظهرت مرتعشة :-


_ ساعات كتير بحس أنك حلم ، وأني هفوق ودموعي مالية عنيا وخايفة ، اظاهر أني بقيت بخاف أفرح....أو يمكن خايفة تبعد ! اوعى تسيبني مهما عملت...خليك باقي عليـا


ضمها إليه أكثر ولم يعرف لماذا مع عشقه الهائل لها يتخلل بعض اللحظات التي يشعر وكأنها طفلته الصغيرة !! قال بصوتٍ تعمد هدوئه :-


_ البقاء اختيار...في عز الألم بنشوف الأفرب لقلوبنا ونسلم أوجاعنا في كام دمعة..بنشوف الحياة في كلمة حلوة ونظرة حب بتتكلم من غير ولا كلمة....كام مرة قولتلك بحبك ؟


رفعت رأسها اليه بنظرة مبتسمة وقالت :- ده فخ ؟!


ابتسم بمحبة ورفع يديه ومررها على شعرها برقة متناهية وقال :-


_ معرفتيش تجاوبي ، لأني أنا نفسي معرفش الأجابة ، بس اللي أعرفه أن كل نظرة ليكِ بقولها الف مرة من غير ما تعرفي...


للي بابتسامة عذبة :-


_ هو كان لازم اتبهدل واتوجع في حياتي كتير عشان اقابلك ؟! كان نفسي اقابلك وأنا لسه بنوته بضفاير !!


تنهد وجيه براحة ورضا ثم أجاب بهدوء وابتسامة :-


_ الفرحة لو مجتش بعد تعب مش هنحس بيها ، أنا راضي جدًا عن قدري ونصيبي....راضي أن القدر اختارلي احسن وقت هكون فيه كل حاجة ليكِ.


الأختيار السليم مالوش عمر....والناس الصح ممكن نقابلهم في آخر لحظات حياتنا....مش مهم امتى اللقاء....المهم أننا يكون لينا نصيب نقابلهم....


وضعت رأسها على صدره بابتسامة وقالت :-


_ ساعات بنادي عليك عشان ترد عليا واتأكد أني مش بحلم...


قبل رأسها بقبلة طويلة ثم قال وهي بين ذراعيه:-


_ البقاء مش أني أقول أنا موجود....البقاء احسسك أني موجود.....وتفضل كل المشاكل بقلوب المحبين قليلة...إلا الفراق...


*********


شهد الليل صوت الطيور المحلقة تسبح رب العالمين....وفي الطريق إلى الأسكندرية كانت سيارة تدق الطريق سيراً.....


لفح الهواء وجهها مرارا حتى شعرت بثقل رأسها وبدأت عينيها تُغلق من حين لآخر رغماً عنها.....ودقائق أخرى حتى سندت رأسها على كتفه وتاهت بغفوة....لم يضيق من ثقل رأسها بل ضاق من ثقل هذا الألم على قلبه....زوجته ولكن هناك شيء يفرق بينهما....يشعره أنها ليست له ، يؤلمه بقوة قاتله....وقفت السيارة فجأة....انتبه آسر لذلك وتسأل في ضيق :-


_ حصل إيـه ؟!!


خرج السائق من السبارة بتأفف ونفاذ صبر  :-


_ مش عارف يا بيه ، استنى أشوف المشكلة فين...


تفحص السائق إيطار السيارة ولكنه لم يجد بهم أي خلل !! فتح صندوق السيارة الخلفي ودقق النظر في الموتور تحت ضوء كشاف هاتفه الصغير....لاحظ وجود قطع بأحد الأسلاك الداخلية فقال بدهشة :-


_ العربية كانت سليمة !! كده عايزة ميكانيكي !


كاد أن يخرج آسر من السيارة ولكنه انتبه للنائمه ورأسها على كتفه فأزاح رأسها على المقعد بهدوء ثم خرج من السيارة بعصبية....قال للسائق :-


_ وهنجيب ميكانيكي منين في الوقت ده وفي المكان ده ؟!! احنا على الصحراوي !


رد السائق بنظرة المدرك والملم بالأمر وقال :- ما تقلقش ، أنا شغلي كله على الطريق ده وعارف مداخله....خليكم هنا وساعة بالكتير وارجعلكم...


اتجه السائق لمقعد القيادة وأخذ محفظة نقوده منها ثم أشار له بالوداع المؤقت.....


تأفف آسر من الأمر وتملكته العصبية للحظات وهو يرى السائق يبتعد ويتركهم بهذا المكان الذي وكأنه مهجور من كل شيء.... .....


عاد لداخل السيارة التي كانت مضاءة بضوء أزرق خفيف...بالكاد يرى ملامحها النائمة بجانبه....انتبه لرعشة جسدها من لفحات الهواء المطلة من النافذة بجانبها....رق قلبه بشوق عنيف لضمها بأكثر ما بقوته....خلع سترته السوداء ثم اقترب اليها ليس لشيء بل كي يغلق النافذة المفتوحة بجانبها حتى فتحت عينيها بارتباك شديد وهي ترى هذا القرب....نظر لها بتوتر وصحح الأمر قائلا بتلعثم :-


_ كنت بقفل أزاز العربية


هرب بعينيه اتجاه النافذة لتبتسم هي رغما عنها.......


أغلق النافذة بالكاد وأزاح الستارة القطنية أمام الزجاج بينما دقات قلبيهما تتسارع بقوة 

 :- البسي چاكت البدلة


هزت رأسها برفض وأجابت :- هتاخد برد


صمم بحدة :- اعملي اللي بقولك عليـه !!


صمتت واغلقت عينيها ولم تنصاع له حتى جذبها اليه كي يضع السترة السوداء على كتفيها ولكن هذا القرب أصبح مدمرا لأعصابه....انتفضت من الخجل وتوترت عينيها تحت نظرته المتعمقة بتفاصيل وجهها ببطء...


وضع السترة على كتفيها ببطء كأنه متعمد !! وكأنه كره الابتعاد حتى دثرها بسترته السوداء التي بدت كبيرة الحجم عليها بدرجة مضحكة...ولكن عينيه لم تترك ملامح وجهها الحبيب....لم يدرك قوة عشقه أكثر من الآن....ولم يدرك كم الشوق الهائل لقربها أكثر من الآن.....نظر لها مليًا....ومرت دقيقتان فقط وقد قطف فيهما بعض ثمار الحب من حقه كزوج.....لم يندم ولكنه استضعف نفسه أمامها.....ابتعد عنها بنظرات نارية وخرج من السيارة بعصبية.....


ابتلعت سما ريقها وهي تنتفض خجلاً....ما كانت تستطيع أن تنظر اليه لولا أنه تركها بهذه العصبية.....غضبت منه وعليه....خرجت من السيارة وتتبعت خطواته حيث يقف....وقفت خلفه وقالت :-


_ نفسي تصدقني....خالد كداب ،والله العظيم كداب ، أنا عمري ما حبيته ولا حاولت اوصله حتى أني معجبة بيه.....اسمعني زي ما سمعته


استدار بحركة عصبية وغاضبة.....وقفت أمامه ولا تعرف اكانت تترك لقلبها قبسٍ من أمل يخفق أم توصم على القلب بالفراق !...وإذ كان الزواج أقوى مواثيق البقاء...فكيف يصلح جسراً للفراق..


أطرفت عينيها بجمود وهي تتهرب من عيناه القاسية وتساءلت بنفسها...إذا كان الاتفاق قبل به الطرفين لما عليه التردد!! التراجع والقرب ! الشوق والكبرياء... ربما لإيلامها !


قال آسر بحدة يختبأ خلفها شيء يئز غليان:-


_خليكي فاكرة أن جوازنا ده مؤقتاً...امضا على ورقة ومسيرها تنتهي...يعني مالكيش عندي أي واجبات أو حقوق.


قابلته سما بنفس نظرته القاسية وادها العتاب قسوة...ولكن سبق حديثها يد غريبة القت بشيء حاد على رأس آسر من الخلف افقدته الوعي !!


اتسعت عينيها بفزع وصرخت بصوتٍ عالِ ولكن أشهر خالد سلاحه بوجهها كي تصمت


**********


طل الصباح بضحكة مشرقة من شمس يوم جديد...


كادت أن تتململ جميلة في فراشها بكسل ولكنها لم تستطع بسبب ذلك الذي يحجز الطريق أي حرية للحركة....فتحت عينيها على أخرهم عندما رأت عينان تنظران لها عن قرب....صرخت بزعر حقيقي حتى انتبهت انه هو.....ابتسم ابتسامة واسعة وقال بهدوء :-


_ صباح الخير


دفعته بغيظ وهي تعتدل بدقات قلب متسارعة والتفتت له بعصبية هاتفة :- أنت تاني ! في حد يبرأ لحد كده وهو نايم ؟! رعبتني !!


قال جاسر بسخرية :- بقى وشي يرعب بذمتك ! تفاحة آدم والدقن دي اللي دوخت نص بنات مصر ترعب يا سالمون!


زمت شفتيها بغيظ وحاولت أن تتحكم بأعصابها فتطلعت به بحدة قائلة :- أنت بتعمل ايه هنا ؟ وجانبي بالتحديد


نظر لها بمكر وأجاب بابتسامة :- بصراحة بقى...كنت بحاول أبوسك


شهقت جميلة من جرأته وظلت تحدق به للحظات ثم صاحت :- يا قليل الأدب....أنت جاتلك الجرأة تكلمني كده ؟!


اعتدل جاسر بجانبها ورمقها بغيظ وهتف :- يعني هي المحاولة نجحت !! أنا أول مرة أفشل !! أول مرة أحس أني.....إيــــه !


اتسعت عين جميلة بذهول من جملته حتى ادرك ما قاله ونظر لها بتوتر وصحح جملته :- أقصد يعني أن الفشل مكنش يعرفني في أي حاجة...هو مين يا جميلة في الحياة دي ما اتولدش بريء ؟!


دفعته بعصبية حتى ينهض من الفراش فنهض بنظرة مرحة قائلًا :-


_ طلبت الفطار يجيلنا ، هأكلك بإيدي


جميلة بسخرية :- وأنت هتاكل بإيه ؟!


جاسر بمكر :- طالما أنتِ كلتي أنا تمام....شبعت


تابعت جميلة سخريتها :- يا حنين !! مش عايزة أفطر ولو سمحت سيبني


ضيق عينيه عليها للحظات وكادت أن تتمدد مرة أخرى على الفراش فجذبها بعنف لتقف أمامه.....لم تستطع مجابهة قوته حتى سجن يديه بقبضتيه خلف ظهرها وفال بتحذير ونظرات جدية لا سبيل للمرح فيها :-


_ أنا لحد دلوقتي هادي وما اتعصبتش بس ما تفتكريش أني مش هقدر عليكِ !! ، لكن مش عايز اعاملك بالطريقة دي !!


نظرت للأسفل وادمعت عينيها وبدأت تبكِ....ارتخت قبضته على يديها عندما انتبه لعبراتها ثم رفع ذقنها لأعلى حتى تنظر له....قال بنظرة حنونة :-


_ لو تفكري شوية هتلاقي أن قراري بسرعة الجواز كان الصح ، وطريقتك دي غلط وحرام ، ومش ده الحل اللي هيخليكي تثقي فيا تاني !!


قالت بعتاب ودموع :-


_طب وثقتي اللي اتكسرت فيك ! فرحتي اللي مش لقياها !! وكلمة موافقة اللي اتجبرت عليها !! لو عايز تاخدني بكل اللي جوايا ده مش همنعك ، لو ده بس اللي يهمك يبقى كان عندي حق لما كنت هبعد....المشكلة دلوقتي بينا مابقتش فرصة اديهالك....المشكلة أن ثقتي أنك هتتغير عشاني ادمرت لما خونتني...أنت كسرتني وبتلومني لأني مش قادرة أقف !


قالت بصدق نبع من قلبه :-


_ أنا بحبك...وعارف ومتأكد أن هيجي اليوم اللي اكون فيه زي ما بتتمني ، وحاسس أنه قريب كمان ، بس مع ده كله أنا محتاجلك.


ابتلعت ريقها بقوة.....بألم ، هو لا يدرك أن كلماته تؤلمها بحدة ، قالت بعذاب :-


_ وأنا محتاجة وقت...مش هقدر اكون معاك وقدام عنيا لسه خيانتك حية !! فكر فيا زي ما بتفكر في نفسك


ابتعدت خطوات واتجهت للمرحاض حتى تغسل وجهها من الدموع....وقف جاسر ومرر يده على رأسه بضيق وينعت نفسه تارة وتارة أخرى يعطيها العذر....


*********


غردت الطيور على زجاج نافذة الغرفة.....صاح النسيم بأنشودة رقيقة مرت على القلب حالمة....وبشاعرية وعذوبة....


فتحت حميدة عينيها ببطء وكسل....زارت الابتسامة شفتيها بتردد...وخجل شديد احمر له وجنتيها.....لم عقلها ذكرها بما حدث وجدد منابع الحياء بها !!


لطالما عهدته هادئا مرحاً....طفلًا كبير أحيانًا ولكن يبدو أنه أكثر من ذلك بكثير....حتى أنها للحظات تفاجئت بجرأته !! ساذجة !!


ابتسمت بسخرية لنفسها ، لا يوجد رجل كما تخيلت وظنت ببراءة....ومع هذا وضعها بعالما اجمل مما تخيلته ، به كل شيء ونقيضه....ابتسمت مرة أخرى حتى تفاجئت أنه مضجع على جانبه الأيمن بإتجاهها وتعلو ملامحه ابتسامة جميلة....عاشقة تبدو ، ونظرات تسهم محبة خالصة....


ارتبكت بحياء وهربت نظرتها ثم اعتدلت لتنهض....جذبها من يدها اليه حتى اقتربت منه....اعطاها أحدى اجمل نظراته عشق....ثم قبّل رأسها بحنان.....لم تكن المرة الأولى التي يقبّل رأسها منذ الأمس....قال بهمس ورقة:-


_ كنت عارف أنه هيكون أجمل يوم بعمري....صباحك عمري ياعمري..


اطرفت عينيها بحياء واسدلت نظرتها اتجاه آخر....حاوط شعرها الغجري جوانب وجهها....رفع شعرها لجهة واحدة وقال يوسف بابتسامة :-


_ متخبيش عنيكي عني ، بصيلي واتكسفي...


للحظات ظنت أنها تمر بخلم تمناه قلبها لسنوات....نظرت له للحظة لتتأكد أنه واقع....أنه حقيقة...فربما يكن حلم وتستيقظ غريبة مرة أخرى!!


اجابها بنظرة متسلية :- بحبك مكسوفة مني


تدرجت نظرتها حتى وقعت على عينيه التي تحولت للمكر الشديد.....لم تستطع اطالة النظر فابتعدت عنه وتوجهت لمرحاض الغرفة بنظرات أفرب للهروب من عينيه....


***********


وقفت رضوى أمام المرآة بعدما أيقظها رعد مبكراً.....انتهى من ارتداء ملابسه بينما هي وقفت عاجزة عن غلق سحابة ردائها المحتشم المناسب للسفر......رمقها بنظرة ماكرة وابتسم بخفاء.....توجه لها وقال بتعابير جادة :- تحبي اساعدك ؟


تلعثمت من التوتر ولكن يبدو أن هذا الخيار الوحيد فلا متسع للوقت كي تجد حلول أخرى....فهم حيرتها ووقف خلفها يصعد بسحاب الرداء حتى أغلقه بعد ثوانِ.....


ضغطت على أسنانها من التوتر واغلقت عينيها حتى انتهى....ضم كتفيها بابتسامة مشرقة وقال :-


_ مش عايزك تتكسفي مني...أنتِ مراتي ماتنسيش ده


ازدردت ريقها بتوتر طاف بأطرافها حتى هزت رأسها بموافقة....ولكن بحقيقة الأمر كانت تريده يبتعد حتى تستطع أن تلتقط أنفاسها.....شعر برجفتها فابتعد عنها بضحكة متسلية وقال :-


_ الطيارة فاضلها ساعتين....يلا بينا ياحبيبتي


  أخذ الحقائب لخارج الغرفة حتى يتركها تنهي استعدادها للسفر.....


 💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖


رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الرابع والخمسون


بغرفة شِبه مظلمة...تشبه غُرف السجون !


نوافذها من الخشب المُجمع من عدة قطع متهالكة...كانت سما جالسة على الأرض مقيدة من يديها وقدميها بجانب تلك اللاصقة اللعينة على فمها...نظرات الهلع لم تهجر حدقتيها وتتناوب نظراتها بين المُلقى مغشياً عليه بجانبها وبين ذلك الذي يجلس على مقعد على بُعد عدة خطوات بسيطة....


عينيه تقطر شرر وتوعد...كأن بينهما ثأر قديم !! منذ أن قيدها واطاح بضربة غادرة على رأس آسر وهو يجلس ناظرا لهم بنظرة منتصرة....لا تخلو من الشماته....حرك المسدس بقبضته وقال بسخرية :-


_ حتى الظروف خدمتني أني اجيبكم لحد هنا بمنتهى السهولة...لا كنت متفق مع السواق...ولا كنت عارف أن العربية هتتعطل !!


بس حتى لو كنتوا فضلتوا في الفندق كنت هخطفكم....آسر مش أذكى مني...


رمته سمـا بنظرة عنيفة من الكره والاحتقار وهزت رأسها بقوة....تريد الصراخ بوجهه ولكن تلك اللاصقة تمنعها من الحديث.....نهض "خالد" من مقعده وتوجه إليهـا حتى اقترب واطلق سراح شفتيها للحديث   


وقف بثبات قائلًا :- عايزة تقولي إيه سمعيني ! بس إياكِ تغلطي وماتنسيش أنك تحت رحمتي أنتِ وحبيب القلب !!


ختم حديثه بنظرة شرسة وصوت حاد....صرخت به سما بغضب :-


_ عمري ما هكون تحت رحمتك واللي أنت عملته مش هيعدي بسهولة....ماتنساش أنك ماضي على شيك يخرب بيتك ويسجنك !! أنا مصدومة !! لما كنت متخدر كان ليك عذرك انما دلوقتي عذرك ايه !! أنت انسان مريض ولازم تتعالج قبل ما تدمر نفسك !!


تطلع بها "خالد" للحظات...أصابت الهدف ومكمن علته.....مضى الى مقعده وجلس وبدا عليه الوجوم والصمت....وتعجبت سما من ذلك فقد ظنت أنه سيثور من حديثها !!


انسحبت نظرة خالد إلى "آسر" المغشي عليه وقال بنظرة ضائعة :-


_ اللي أنتِ ماتعرفيهوش أني أنا وآسر كنا أعز صحاب...كنت بحبه زي أخويا...مكانش ليا صاحب غيره...بس كرهته لأنه كان السبب في شرخ كبير بعد بيني وبين أهلي....


بالنسبالهم كان هو الأفضل والأحسن...حاولت أثبت نفسي بس معرفتش عشان كده كرهته....لأني معرفتش ابقى زيه....


موضوع الشيك مفرقش معايا على اد ما فرق أني احسسه باللي حسيته أنا من سنين....


سما بعصبية :- وآسر ذنبه ايه ؟! بتنتقم منه ليه ؟!


صرّ "خالد" على أسنانه بعنف وقال:-


_ لأنه كان عارف اللي بيحصل وبيتعمد يبين نفسه عليا قدامهم ، يقلل مني في كل شيء....


هزت سما رأسها برفض وقالت بألم :-


_ وليه مفكرتش أنه لجأ ليهم لما اتحرم من ابوه وأمه؟! مكنش عايز يحس أنه يتيم وقربه ليهم كان احتياج ويتم !!


نهض بحركة غاضبة وهتف بعنف :-


_ مش عايز اسمع تبريرات ماتهمنيش !


رمقها بنظرة نارية قبل أن يخرج من باب الغرفة صافقاً الباب خلفه.....ظلت سما لثوان تتطلع اتجاه الباب حتى تحركت زاحفة بصعوبة حتى اقتربت لآسر ونظرت له بدموع وخوف.....قيد يديها منعها من لمس وجهه لتحاول ايقاظه....وتمنت أن الضربة لم تسبب خطرا على رأسه وتكن كدمة سطحية


_ آســر....فوق عشان خاطري...آســــر


ظلت تناديه وهي تبكِ وعاجزة تمامًا عن فعل أي شيء ، أغمضت عينيها بدموع منهمرة وقعت على وجهها بقوة ثم ارتمت على صدره ببكاء وهي تتوسل ربها كي ينقذهما من هذا الموقف.....ضربات قلبه تبدو منتظمة !!


رفعت رأسها حتى عنقه واجهشت مجددًا بالبكاء وهي تردد اسمه كثيرًا....


كان صوتها يبدو بعيدا بعيدا عن سمعه.....


حتى بعد دقائق بدأ يحرك جفنيه بصعوبة شديدة وتمتم باسمها !!


ظلت دقيقة صامته بجمود حتى رفعت رأسها بقوة تتأكد مما سمعته لتجده بدأ يفيق بالفعل.... 


_ آسر....حبيبي عشان خاطري فـــوق


حرك رأسه ببطء ثم انفرج جفنيه بنظرة تائهة لوجهها الباكي وقال بحروف متقطعة :- سمــا


هزت رأسها بقوة وهي تبتسم وعينيها تضاد بسمتها :- ايوة أنا سما...أنت كويس ؟!


قاوم ثقل جفنيه وقال بالكاد :- آه


_ كنت هموت من الرعب عليك....أنا مقدرش أعيش من غيرك أنت عمري كله....آسر أنا بحبـك


وكأن قلبه لم يثمل ولم يتيه بل انتفض بداخله من أعترافها....طافت ابتسامة بطيئة ومتعبة على شفتيه ثم بدأ يستعيد وعيه وما حدث يمر بعقله.....اتسعت عينيه بالتدريج ونظر حوله ليقل بأنفاس متسارعة :-


_ حصل ايه !! احنا فين ؟!


شعر بقيد جسده فتملكه الغضب والجنون حتى رفعت سما رأسها وقالت :- خالد اللي عمل كده....ضربك على راسك وكتفنا احنا الاتنين وجابنا هنا ، بس مش عارفة احنا فين !


انتفض جسد آسر من مكانه وجلس بنظرة نارية شرسة وهو يحرك يديه المكبلة خلف ظهرة بغضب....حركته المنفعلة جعلت رأسه يدور ولكنه كافح حتى لا يتيه مجددا.....قال لها بنبرة آمرة :-


_ حاولي تفكي ايديا بأي طريقة....بســـــرعة


ارتعش جسدها وهي تتحرك خلف ظهره حتى خفضت رأسها وبدأت تحرك الأكبال المعقدة على معصمه بأسنانها....كان الأمر مؤلم ويحتاج لكثير من المجهود والمصابرة....استطاعت فك عقدة واحدة فقط بينما تملك آسر ثورة جنون الغضب وبدأ يحرك معصمه بقوة حتى وسعت العقدة واستطاع سحب أحد يديه وهكذا نجح بالخطوة الأولى وأهم خطوة أيضا....بعد لحظات كان تحرر تماما من القيد وحرر سما أيضاً وكاد أن يقف حتى


انتبه لصوت أقدام آتيه فتظاهر بالقيد ووضع يده خلف ظهره حتى دلف "خالد" للغرفة.....فعلت سما مثل ما فعل آسر ولكن تبدو عقدة قدميه واضحة أنها تحررت من وثاقها!!


نظر "خالد" لهما بدقة....لم يغفل عن الأمر حتى أقترب لآسر وأشهر سلاحه قائلا :- ما تحاولش تتحرك يا آسر....أي خطوة هتعملها أقرأ الفاتحة على روحك الأول....


صرخت سما بزعر حتى تظاهرت بالأغماء بينما وقف آسر بشعور قوي بالدوار ولكنه لم يظهر ذلك بكل قوته.....أجاب :-


_ مكنتش فاكر أنك هتوصل للدرجة دي من الحقارة ! بس مش هسيب حقي يا خالد....طول عمرك حقود وأناني وباصص للي مش ليك !!


هز خالد رأسه بعصبية وقال :-


_ يا أخي أنت ايه !! ده انا كنت حسيت بشوية ندم من كلام مراتك وكنت هسيبكم وأمشي.....بس أنت ما تستاهلش...ولا كنت تستاهلها !!


فتحت سما عينيها بخفاء واستغلت انشغال خالد بالحديث وبحثت عن أي شيء حولها تستطيع استخدامه حتى لمحت قدم مقعد خشبي مكسور....على بُعد خطوة واحدة من يديها....لابد أن تفعل شيء فآسر بخطر حقيقي.....


انتظرت حتى استدار خالد ليأتي ببعض الأحبال ليقيد آسر مجددا حتى التقطت قدم المقعد وبسرعة عالية نهضت وهبطت بها على كتفه بكل قوتها.......وقع المسدس من يد خالد وصرخ بألم وهو يمسك كتفه....


تطلع آسر بها بتعجب حتى أخذ المسدس الملقى أرضا وأشهره باتجاه "خالد" بنظرة شرسة ولكن اسرعت سما اليه لتمنعه فقالت :-


_ لأ...ما توديش نفسك في داهية عشان واحد زي ده


تطلع بها آسر بعصبية بينما نهض خالد وهو يترنح من ألم كتفيه ليأخذ آسر قدم المقعد الخشبية ويهوي بها مرة أخرى على ذراع خالد اليسرى فصرخ بأعلى صوته بألم شديد....


تطلع به آسر بكره واحتقار ثم قبض على يد سما وخرج من هذا المكان المعبأ بالقمامة..


****************


كان يضغط على أسنانه من شدة الم رأسه وهو يخطو بالطريق وهي بقبضته....نظرت له بابتسامة وحمدت ربها أنه بخير....قال بعصبية :-


_ أوصل القاهرة وهسجنه


سما بضيق :- انساه يا آسر ، ده مسكين !


وقف آسر إثر كلمتها ونظر لها بذهول مردد هذه الكلمة فقال :-


_ مسكين !! بعد اللي عمله مسكين !! ولا يكون صعبان عليكي !!


سما بضيق :- مسكين لأنه كان ضحية أهل بيقارنوه بيك طول الوقت...هو قالي كده ، عشان كده كان بيكرهك وبيغير منك بس هما السبب بدليل أنكم كنتوا صحاب من صغركم !!


آسر بغضب :- ده أنتوا قعدتوا بقى وحكيتوا وأنا مش داري !!


ضيقت عينيها بغيظ وقالت :-


_ أنا مش هرد عليك ، وخليك فاكر اللي عملته من شوية ، اظن واحد غيرك كان زمانه بيشكرني !


زم شفتيه بعصبية تم نظر للطريق وقال بضيق :- حتى معرفش احنا فين !


لمح سيارة خالد بعيدة بمسافة ليست قليلة....جر سما خلفه بعصبية وهي تتلوى بقبضة يده حتى اقترب للسيارة بعد دقائق....


نظر لها لبرهة وقال وقرر العودة لخالد :- مش معايا المفاتيح بتاعت العربية ، خليكي هنا ثواني..


قالت بتصميم :- لأ هاجي معاك


نظر لها بقوة وأشار بتحذير :- قلت خليكِ هنا ثواني وراجعلك !


هزت رأسها برفض وقالت بضيق :-


_ لأ ....مش هسيبك لوحدك


ركضت سما خلفه حتى دلف للغرفة وانتظرته بالخارج.....ظنت انه سيحتاج لبعض الوقت ولكنه خرج بعد دقائق ومعه المفاتيح ولكن يبدو عليه أنه كان يتلفظ الشتائم لخالد.....


قبض على معصم يدها بقوة وتوجه للسيارة مرة أخرى.....


 .....قالت متساءلة ببراءة :-


_ هو خالد هيفضل هنا مرمي !


التفت لها بنظرة نارية فنظرت للأمام سريعا وحرك السيارة بعصبية وعينيه الغاضبة مسلطة على وجهها بنظرة جانبية حادة.......


*************


بالطريق......


اختلست النظر اليه فوجدت عينيه ثابته على الطريق ويداه قابضة على المقود بحركات مدروسة....كان أغرب شيء مر عليها هي تلك الابتسامة التي فرت على شفتيها بمرح...شعور هائل بالمرح غزى قلبها الآن  بعدما شهدت غيرته منذ لحظات.....


كتمت ضحكتها بالكاد ثم قالت لتخرجه من صمته :- هو كاسيت العربية ده شغال ؟!


رفع أحد حاجبيه بعصبية ونفاذ صبر وأجاب:- ليه !!


كتمت ضحكتها مرة أخرى ثم قالت بثبات :-


_ شغلنا حاجة نسمعها....نتسلى كده لحد ما نوصل...?


رواية إمبراطورية الرجال رحاب إبراهيم - الفصل الخامس والخمسون


_ شغلنا حاجة نسمعها....نتسلى كده لحد ما نوصل...ياريت يكون كاظم


أطرق على النقود بعصبية وهتف :- احنا في ايه ولا في ايه !


قالت بهدوء :- هو مش انا عروسة ! ايه النكد ده !


رمقها بسخرية ثم عاد بنظرته على الطريق....شعرت بالغيظ منه وتمتمت :- يارب العربية تتعطل تاني


انتبه لما قالته ولم يعير اهتمام للأمر حتى مرت دقائق وانتبه لصوت يشبه "الفرقعة " كانت سما تعرف هذا الصوت حيدًا نظرا لقربها من عائلة الأسطة سمعه الميكانيكي.....وتأكد ظنها عندما وقفت السيارة بعد قليل....وضعت يدها على فمها وكادت أن تفلت منها ضحكة عالية.....تعجب آسر من الأمر وخرج من السيارة حتى اكتشف أن احد الايطارات ثقب !!


خرجت سما من السبارة ووقفت بنظرة متشفية ضاحكة ولكنها تصنعت عدم المعرفة وقالت :- ايه ده في ايه ؟!


ضيق عينيه عليها بعصبية وقال :- مش عارفة في ايه !!


نظرت له وبدأت الابتسامة تدرج على شفتيها لتصبح ضحكة عالية وقالت بين ضحكاتها :-


_ اللي يجي على سمكة يغرق !


لم يستطع أن يتمالك نفسه من الغيظ فأقترب منها ولكنها أسرعت ضاحكة تركض حول السيارة وهو خلفها.....وقف فجأة وتظاهر بالدوار حتى اسرعت اليه بقلق وقالت.:-


_ أنت كويس !!


جذبها اليه وجعل يديها خلف ظهرها بقبضته وقال بحدة :-


_ عاجبك اللي احنا فيه ده وعمالة تضحكي ياهبلة !!


ورغم عصبيته ولكنها ابتسمت قائلة وهي تنظر لعيناه :-


_ آه عاجبني


تعمق بعينيها بشعور قلبه الملتهف اليها بجنون....ولأبتسامتها الطفولية التي ورغم ضيقه كان يبتسم لها سرا.....


ارتخت قبضته على يديها وابتعد عنها بالتدريج.....نظر للسيارة في حيرة من أمره وبحث بها عند احتياطي للإيطار ولم يجد....


***********


بمطار القاهرة.....


جلست رضوى بجانب زوجها على متن الطائرة بينما لاحظ رعد رجفت يديها مما يظهر خوفها من الطيران.....ضم يدها إليه ثم قبّل أنامل يدها ببطء شديد....رجفتها هذه المرة كانت من لمسته...سيبدو الأمر سخيف أن وبخته على ذلك !


وضع يده على كتفيها جاذبا جسدها الى صدره بهالة تحكم ورفق....قال :- احكيلك عن آخر رحلة لليونان قبل المرادي....بصي ياستي....


كانت تلتقط عدة كلمات مما يقوله فتفهم مجرى الحديث ثم تتيه بخجل شديد من هذا القرب وغفلت عن كل شيء عداه هو....أغمضت عينيها وتاهت رغما عنها بغفوة سريعة....لاحظ رعد سكونها فنظر لوجهها بابتسامة ونظرة حنونة ثم قبّل رأسها برقة....


مرت دقائق كثيرة حتى فتحت عينيها بكسل ونظرت لما حولها قائلة :- _ هي الطيارة لسه ما طلعتش !


نظر لها رعد بابتسامة واسعة ولم يجيب...تعجب منه وقالت بغيظ :- بتضحك ليه !!


أجاب بتسلية :- احنا عدينا نص الطريق تقريبًا !! صباح الخير


ختم قوله بضحكة فشعرت بالحرج ونظرت أمامها بصمت....جذبها لصدره مرة أخرى وقال بابتسامة :- خليكِ كده عشان عايز أنام وهعتبر راسك مخدة...


استند رأسها على صدره ببطء وابتسامة أخفتها....فأستند بخده على رأسها وأغمض عينيه ولكن ليس لأحل النوم بل بدعوة أن يؤلف الله بين قلبيهما....


***********


**بغرفة الفندق**


انتهى يوسف من أداء صلاة الضحى....مع ركعتين شكر لله على ما هداه من سعادة.....راقبته حميدة بابتسامة حنونة حتى أنتهى ونهض من موضعه....طوى سجادة الصلاة ووضعها على ظهر المقعد أمام المرآة وهو يردد التسبيح......


اقتربت منه وقالت بابتسامة وهي تضع يدها على صدره بدلال :-


_الفطار وصل...على فكرة ما اتعشناش امبارح واكل ستي حمض !


اتسعت ابتسامته وهو يجذبها اليه أكثر وقال :-


_ مش مشكلة...أنا حاسس أني نسيت الأكل !


ارتفعت ضحكتها بمرح وقالت :- طب يلا عشان نفطر...


*************


**بشقة جاسر**


غابت جميلة بعدما تناولت طعام الفطار معه...خرجت من الغرفة وهي ترتدي روب ثقيل وطويل لا يظهر شيء من مفاتنها 


اقتربت منه وهو يجلس أمام شاشة التلفاز فنظر لها بدهشة وبغيظ خفي....جلست بجانبه بثبات حتى قال بنظرة حادة :-


_ ده أخرك في الإغراء ! جميلة يا حبيبتي


نظرت له جميلة وقالت بهدوء :- ايوة يا جاسر ؟!


جاسر بغيظ :- هو الطوفان رجع تاني ؟!


جميلة بتساءل :- طوفان ! ليــه ؟!


جاسر وقد أزداد غيظه منها :- أصلك جمعتي كل البطاطين ولبستيها !!


وضعت جميلة ساق عل. ساق بثقة وأجابت :- ده إنذار لا تقترب !


جاسر بسخرية :-


_ والله لو لبستي عليهم لحافين فايبر هقترب يعني هقترب...يابنتي أنا صايع قديم !


نهضت بعصبية وهتفت :- لازم تفكرني يعني بماضيك الأسود !!


نهض بابتسامة واسعة وجذبها اليه قائلًا بتسلية :-


_ اهو اعترفتي بنفسك أنه كان ماضي ، خلينا بقى في الحاضر والمستقبل والمضارع اللذيذ


اقترب اليها بنظرة ماكرة حتى ابتعدت قائلة :-


_ مافيش حاضر من غير ماضي !!


جاسر بغيظ :- مش وقت حصة تالته تالت دي خالص !!


جميلة بعصبية :- وأنت ما بتتعلمش !


جاسر بنظرة ماكرة :- علميني


هزت جميلة رأسها بيأس وقالت :- مافيش فايدة فيك للأسف !!


مرر جاسر يده على ذقنه وحاول أن لا يغضب ويتحكم بأعصابه ثم قال بتحذير :-


_ طالما بقى هو ده اللي عندك يبقى ما تلوميش غير نفسك...انا خارج


ضيقت عينيها بدهشة وقالت :- خارج !! احنا فرحنا كان امبارح !! أنت عايز الناس تقول عليا ايه ؟!


جاسر بعصبية :-


_ كل حاجة الناس الناس الناس ، اتخطبتيلي بسبب كلام الناس ووافقتي على الجواز لنفس السبب ودلوقتي بتتججي بالناس....كل دي حجج ومبررات بتداري وراها السبب الحقيقي....


جميلة بارتباك :- سبب ايه ؟!


جاسر بسخرية لاذعة :- السبب أنك حبتيني من البداية ، لو حد غيري مكنتيش هتوافقي كل ده ، حتى كلمة بحبك حرماني منها !!


بس تمام أنا مش عايز حتى اسمعها....وكده كل واحد اختار حياته


تركها تقف ويظهر على ملامحها التوتر والشحوب ودلف لغرفته الخاصة...ظلت للحظات عاجزة عن الحركة حتى قررت التحدث معه بهدوء........


دلفت للغرفة ووقف بالقرب منه وهو يفتح خزانة الملابس وينتقي منها ما يريده فقالت بصوت متهدج :- اللي حصل هو اللي خلاني ابقى تايهة ومتلغبطة بس أنا فعلًا....بحبك


نظر اليها وترك ما بيده حتى كررتها جميلة بدموع:-


_ أيوة بحبك وده اللي خلاني اخد الموقف ده عشــان.......


لم تتابع.....كان يكفي هذه الكلمة ليجن جنون قلبه...وتثور ثورته...كانت كلمة تكفي حتى تربكه ، وتعود به لنقطة العشق.....فقرر أخذ حقه كاملًا هذه المرة......ورغم أنها قاومت حتى تثبت على قرارها ولكنها بالنهاية تعشقه...تعشقه وهو زوجها....ضعف صوت المقاومة بداخلها حتى أصبح صامتاً تماماً...وطل العشق والمحبة بدلًا عن أي شيء....


❤❤❤❤❤❤


لا يخاف القلب من كثرة الدموع ربما لأن أملًا مرتسمُ بالآت....بينما يدق القلب خوفاً بعد الابتسامات....يخاف القلب أن تزول الضحكة ويبقى القلب على ما هو عليه من أحزان !!


منذ ذلك الأتصال المريب وهي تحاول بكامل جهدها أن تتناسى الأمر...فربما أراد أحد المزاح معها...أو ربما أي شيء سوى أن يكن "حسام" لا زال على قيد الحياة !!


بعدما ذهب زوجها "وجيه" لعمله بهذا الصباح وهي تطوف بأنحاء القصر...تأمر بترتيب وإزديان كل شيء استعداداً لمجيء الشباب مع زوجاتهم...حتى أخبرها أحد الخدم باتصال ينتظرها....وقفت "للي" ساهمة لدقيقة...لمَ قرع قلبها خوفاً فجأة !!


مضت بالردهة الواسعة واقتربت من الهاتف الأرضي المثبت على طاولة خشبية من خشب الزان الفاخر...وجدت سماعة الهاتف جانبًا والاتصال مفتوح....رفعت السماعة بتوتر حتى صدق حدسها وآتاها ذات الصوت مجددًا.....قال :-


_ القدر جمعنا تاني يا للي ، يمكن كنت نسيتك بس اظاهر أن الأيام هتجمعنا تاني ويتحقق اللي كان نفسي فيـه من أول مرة عنيا وقعت عليكِ......يومها كنتِ زي القطة اللي بترتعش من المطر والبرد....يمكن الموقف ده اللي خلاكي مميزة عندي وفضلتي في دماغي مخرجتيش...بس ما تتغريش وتفتكري أن ده حب !!


مش بحبك..... بس عايزك تبقي ملكي لوحدي...


هجم على ثباتها الرجفة العنيفة من الخوف....حدة صوته ذكرتها بالماضِ....بيوم كان أشد مَصاب أيامهــا...ذلك اليوم الذي أنقذها "راشد" من ماء البحر الذي دفعت به بيد ذلك المجنون زوجها السابق..وتلك الرحلة المشؤمة التي فقدت بها جنينها....فرت دموعها كالشلال


***عودة بالذاكرة لعدة سنوات ***


كانت عيناه مسلطة عليها طيلة الأيام الفائتة من الرحلة....لم يبالِ زوجها بنظرات رئيسه لزوجته بل وكأنه راهن على ذلك !!


وبأحد أيام الرحلة على متن يخت كبير مخصص لذلك...مرت للي بعد الغداء بأحد الممرات العلوية باليخت وتركت الجميع الذين لم ينفكوا عن السُكر والعربدة طيلة الأيام الماضية....وقفت وتمسكت بأناملها الفاصل الحديدي بينها وبين المياه....انزلقت دموعها بعذاب ولا تعرف متى تنتهي كل هذه الآلام التي تغمر قلبها للعمق...تنهدت ببكاء كتمته لسنوات ونظرت للسماء قائلة ببكاء وهي تتحسس بطنها المنتفخة من الحمل :-


_ يــارب....نفسي ارتاح ، أنا مش عايزة أبقى زيهم ، ارزقني راحة البال يارب وانقذني من حسام واللي معاه..


أتى صوت فجأة من خلفها فاستدارت بخوف لتجده "راشد" بنظراته الملتهمة لجسدها....أقترب منها وقال ببسمة ماكرة :-


_ وزعلانة ليه من اللي مع حسام ؟!! لو طاوعتيني هخلصك من حسام للأبد...


ابتعدت للي عنه بكره لم تستطع اخفائه فجذبها من معصم يدها بقوة إليه وهمس بصوت كالفحيح :-


_ أنتِ فيك حاجةِ مميزة مش فاهمها !! يمكن عشان بتتمنعي ورفضاني! مش شايفة جوزك مقضيها أزاي ولا أنتِ حابة تعيشي في دور الزوجة المغلوبة على أمرها ؟! في إيدك تنتقمي منه لما تبقي معايا ، هخلصك منه وهحميكي أنتِ والجنين اللي في بطنك ده


تملصت من قبصته حتى استطاعت دفعه بعيدًا عنها بنظرة احتقار واضحة وهتفت بعنف :-


_ يمكن أنا بكرهه واتمنى الموت ولا أني استمر معاه اكتر من كده لكن ده مش معناه أني ابقى زيه وزيك.. قذرة !! أنا بتعذب وأنا معاه ودي حقيقة بس ربنا مش هيسيبني أنا متأكدة...أنا بحتقركم كلكم...كلكم أقذر من بعض وعمري ما هكون زيكم !


راشد بسخرية ونظرة غاضبة :- يبقى خليكي في اللي أنتِ فيه ، اوعي تفتكري أني مش قادر أطولك !! ، جوزك ده ممكن يبيعك ليا في دقيقتين ولا هيهمه لكن أنا عايزك بمزاجك...كيفي كده


هتفت "للي" بشراسة وفاضت دموعها بألم :-


_ لو على موتي مش هعمل كده ، مش هرخص نفسي..مش مستعدة أخسر آخر حاجة لسه موجودة وما اتكسرتش...أحترامي لنفسي.


جاوب "راشد" بإزدراء واستهزاء:-


_ شعارات فارغة ، وتفكير غبي...هعتبر أن الكلام ده ماسمعتهوش وهديلك يوم واحد كمان تفكري لأني هاخدك يعني هاخدك..


كان يراقب المشهد أزواج من العيون المراقبة من بعيد...وقف حسام بجانب "جين" واختلس نظرة جانبية لعيناها التي تقدح شرر وهي ترى زوجها يغازل ويركض خلف أخرى...ريما أنها أيضاً لا تريده وتبغضه !!


تظاهر حسام بالغضب وقال :-


_ ده اللي فضلتيه عني !! بيخونك ومع مين ؟! مراتي ! أنا لازم انتقم منها....


اندفع حسام متظاهرا حتى مكان "للي" بينما كان تركها راشد منذ لحظات بعدما فقد الأمل بها....تحدثت "للي" وظهر عليها الغضب بينما بحث حسام بعقله على شيء ليكون سبب واضح كي يعنفها....أخذ أطراف حديثها وأمرها أن تسبح في الماء معه وهو على علم أنها لن تفعل ذلك بسبب الحمل ولكنه صمم وقيدها بقراره المريب وعندما رفضت أبرحها ضرباً ثم القاها بالماء من أعلى اليخت بعنف....


شاهدت ذلك أحدى الفتيات التي كانت تستعد للسباحة بعد طعام الغداء فصرخت به قائلة :- يامجنون هتودينا في داهية !!


نظر حسام بسخرية ل "للي" التي تحاول الطفو وتستنجد الأمواج حتى تفاجئ بركوض راشد وهو يخلع تيشرته الصيفي والقى بنفسه بالماء وخلفه عدة رجال من رفقاء الرحلة....


**********


استعادت "للي" ذكرى فقدان جنينها بدموع تهدج له النبض ، وألم طاف بكيانها ولركن الأمومة بروحها....قال راشد من جديد :-


_ ماتنسيش أن لولايا كان زمانك ميته غرقانة...أنا اللي انقذتك...ولو مكنتش أنقذتك مكنش حد هيعمل كده ! يعني أنتِ مديونة ليا


احتدت نظراتها بشراسة وهي تبكِ :-


_ ابعد عني احسنلك...لو اتكتب ليا أعيش فده لأن عوض ربنا كان مستنيني وليا عمر أشوفه...لأني اتعذبت كتير واستحملت لحد ربنا ما بعتلي فرحة احسن من اللي كنت بتمناها...لا يمكن هتنازل عنها لو هموت..


ظهر صوت "راشد" وكأنه نهض من مقعده وثار غاضباً :-


_ لا مش أنتِ اللي هتموتي !! اللي فرحنالي بيه ده هو اللي هيموت...رجوعك ليا مش بمزاجي المرادي....رغم أنه جاي على هوايا ولأول مرة حسام يخدمني في شيء....حسام كاتب وصية أنك لازم تطلقي واتجوزك...وإلا الورق اللي مسكه عليا أنا واللي معايا هيوصل في ايد النيابة....يعني غصب عن الكل هتنفذي اللي هقولك عليه والا هموت وجيه الزيان وقدام عينك وبرضو هتكوني معايا ! في كل الاحتمالات هتكوني معايا فالاحسن لك تطلقي من غير دوشة...الأختيار ليكِ


انتهى الأتصال وهي تقف كلوح الثلج متجمدة !! لا ترى شيء من الصدمة....


تهديد بالقتل...ومن بالخطر ؟ زوجها !!


انتفض جسدها برعب تمايل بعينيها....هؤلاء مجرمون ويسعهم فعل أي شيء ! شعرت فجأة بألم شديد يغوص في أعماقها وكأنه طعنة.....


*************


**بالطريق المجهول**


نظر آسر حوله بالمكان الذي يبدو وكأن البشر تركوه منذ عقود!! نوبة الدوار تتمالكه بقوة من حين لآخر بينما منسوب الادرنالين جعل ذهنه مستيقظا لأي مفاجئة أخرى.....يظهر بمساحة الأراضي الواسعة عدة أشجار متفرقة لثمار الجوافة والموز....تبدو بموسم حصادها فظهرت الثمار شديدة النضج....قالت سما بتأفف :-


_ مافيش حتى عربية عدت غير واحدة ومرضيتش تقف !


آسر بعصبية :- خالد جابنا في طريق مقطوع عشان محدش يلاحظ حاجة بس أكيد هتعدي أي عربية وتوقفلنا...


وضع يده على رأسه المجروح وتمتم بعض الكلمات....قالت سما بقلق :-


_ طب ارتاح شوية وأنا هفضل صاحية لو عربية عدت...اكيد الوجع اللي حاسس بيه بسبب اللي رشه خالد على وشك


آسر باستفهام وتعجب :- رشه على وشي !


اكدت سما :- لما ضربك على راسك موقعتش على طول ولو كده بس كنت فضلت صاحي شوية بس رش حاجة كده خليتك تتوه خالص ويغمى عليك...الحمد لله أن الضربة مكنتش جامدة واذيتك..


نظر آسر للمكان جيدًا مرة أخرى ثم قال :-


_ هجيب أي حاجة من العربية ينفع أنام عليها هنا على الأرض...


سما بتعجب :-


_ طب ما تنام في العربية أسهل !


أجاب آسر وهو يتجه نحو السيارة :- لأ....عشان أنتبه بسرعة واتحرك لو عربية عدت أو أي شيء حصل...خليكي أنتِ في العربية..


اقترب آسر من السيارة والتزمت سما بالصمت وهي تعرف أنها لن تطيع هذا الأمر...بحث بالسيارة جيدًا حتى وجد قماشة مستطيلة الشكل ليست عريضة بالشكل الكافي ولكنها تكفي للغرض المطلوب....اغلق آسر صندوق السيارة وابتعد عدة خطوات بسيطة بقرب شجرة ضخمة ثم فرد القماشة على الأرض وتمدد عليها بالهواء الطلق....


رمقته بثبات وهي تعلم أنه تعمد ذلك ليتجنبها....يعاقبها لدفاعها عن خالد !! هل ظنه دفاع حقاً !! غيور لدرجة كارثية هذا الآسر !


************


**بشقة جاسر**


خرج من الحام الملحق بالغرفة وهو يجفف رأسه بابتسامة تقع مابين المكر والسعادة....لأول مرة يشعر بعد لقاء حميمي أنه يريد أن يبتسم من كل قلبه.....حلال الله له متعة خاصة...محببة ، ليس بها ندم أو ذنب...ليته لم يذنب قبلًا وانتظر لهذه اللحظة....


قطف زهرة برائتها بينما لم تمر عليه عاهرة وشعر هذا الشعور معها....العاهرات لا يحملنّ هذه العفة ! ليست عفة الجسد فقط ولكن عفة الروح والشعور...


قربه لها كشف له أنه كان مخطئ كل الخطأ بالماضي....وأن لا متعة فيما حرمه الله ، وانما الشيطان يوسوس للأقناع بها للأستمرارية....


المتعة الحقيقة للرجل هي زوجته التي يصبح الغزل والقرب لها يؤجر عليه !


وضع جاسر المنشفة على ظهر المقعد وعينيه على حبيبته بابتسامة عاشقة ، مرر يده على شعره بتنهيدة اعقبها ابتسامة مريحة نبعت من قلبه....اقترب إليها بشوق لضمها بقوة....لشيء من الحنان أراد بثه بقلبها....ولكنها اعتدلت بالفراش بأعين دامعة ، تنظر له بعتاب شديد على عهده الذي نكثه....على كل شيء فعله بل وجعلها تعترف له بحبها مراراً....


ماذا فعل بها ؟! خانها قلبها وأعترفت...هكذا كانت تلوم نفسها !


نهضت من الفراش وهي تكتم دموعها وتوجهت للمرحاض مباشرةً....راقبها بأعين ماكرة ، مبتسمة ، وبتسلية ظاهرة....تركها حتى لا تبك فهو يعرف كيف سيرضيها...


خرجت جميلة بعد دقائق بعينيها الحمراء وظهر جليًا أنها كانت تبكِ بشدة....جلست وهي تجفف رأسها من قطرات الماء وبدأت تمشط شعرها بعصبية حتى بالمشط بعيدا بنظرات غاضبة.....واجهشت بالبكاء بعد ذلك.


اقترب جاسر لها كاتما ضحكته ووقف أمام مقعدها بجانب المرآة قائلًا بابتسامة واسعة :-


_ ممكن أعرف مراتي حبيبتي بتعيط ليه ؟!


رفعت رأسها له وازداد بكائها كالأطفال مما جعل ضحكة سريعة تفلت من شفتيه....قال بعد ذلك بمكر :- طب أنا عايز أصلح غلطتي !!


نظرت له بغضب من بين دموعها وهتفت :- أنت هتهزر !


ضحك مجددًا وقال :-


_ ماهو مافيش واحدة عاقلة تعمل اللي أنتِ بتعمليه ده !! يابنتي أنا جوزك !! أنتِ نسيتي ولا إيه ؟!


وقفت أمامه بردائها القصير المغري وهتفت بعصبية بينما كانت عينيه تنظر لها بمكر وتسلية ...قالت :-


_ أنت كدبت عليا وعملت اللي في دماغك ومراعتش احساسي ولا قراري !! مبسوط انت دلوقتي !!


هز جاسر رأسه بضحكة وقال معترفاً :-


_ أقسم بالله ما كنت مبسوط اد النهاردة...


اشتعلت عينيها بالعصبية وصاحت :- والله أنت اللي مستفز وضحكت عليا بس أنا مش هنسهالك...


رمته بنظرة غاضبة واستدارت لتبتعد ولكنه جذب معصمها الى صدره وقال بابتسامة وهمس بعدما قبّل رأسها بحنان :-


_ ولا أنا هنسى اليوم ده طول عمري ، وخليني أقولك حاجة مش عارف هتضايقك ولا تفرحك...أنا أول مرة ابقى مبسوط بعد ما اخد اللي عايزه...عارفة ليه ؟ لأنك مراتي وحبيبتي...وقتي معاكِ مكنش فيه احساس الذنب البشع اللي كنت بحسه ، ولا الندم والشعور بالقرف من نفسي ، أول مرة اكون مبسوط وبضحك وده كان معاكِ أنت بس ، ولأنك اول انسانة نضيفة تدخل حياتي...اللي فات كانوا عاهرات...عرفتهم عاهرات.. مضيعتش حد ولا ضحكت على واحدة...


مستغرب أنك زعلانة وبتبكِ والمفروض تفرحي لأنك مراتي ومعملتيش حاجة غلط ولأنك ساعدتيني اتغير واكتفي بيكِ...


نظرت له بارتباك....حديثه طمئنها لا تعرف كيف ، واحبت ابتسامته التي ظهرت صادقة لا خداع فيها ، قال بمحبة خالصة :-


_ ننسى بقى اللي فات وخلينا في اللي جاي....صفحة جديدة بينا هنكتبها مع بعض...هبقالك زي ما بتتمني يا حبيبتي


_ طب لو عرفت أنك.....


لم تتابع...ضمها بقوة وهمس برقة قائلًا :-


_ كفاية اللي فات من عمري من ضياع وخوف في كل لحظة....أنا بحاول انساه عشان خاطري ما تفكرنيش بيه تاني....


قالت جميلة بابتسامة صادقة :-


_ المرادي هاخد منك عهد بس بطريقتي.....يعني هنتوضأ ونصلي ركعتين شكر وتعلي صوتك وتسمعني وأنت بتتعهد قدام ربنا انك توبت ومش هترجع للذنب ده تاني...وافق عشان اطمن


ابتسم مقبلًا رأسها بموافقة وتأكيد :- موافق جدًا


جميلة بتحذير :- لو خليت بالوعد ده هتخسرني للأبد


هز جاسر رأسه بنفي وقال :- هوفي مش بس عشانك ، هوفي بوعدي عشان عايز انضف ، مش عايز اموت وانا لسه غرقان في الذنوب دي وما توبتش....


جميلة بنظرة ألم :- بعد الشر عنك....روح اتوضأ


*********


قاربت الشمس على المغيب...طيور الليل تفرد جناحيها على بساط الظلام....


استندت بظهرها على جسد الشجرة وهي تتنهد بضيق...نظرت له فرأته تائه الفكر قليلًا وهو ممدد على الأرض وينظر للسماء...قالت بتلعثم :-


_ هو احنا هنفضل هنا لحد امتى ؟!


صمت لدقيقة ثم أجاب دون أن ينظر لها :-


_ الليل دخل علينا ومش هينفع نمشي في الطريق ده في الضلمة ، حاولي تنامي لحد الصبح وربنا يحلها ونلاقي عربية معدية..


شعرت بالاحراج في الافصاح عن ما تشعر به فقالت ببطء :-


_ طب...طب...


نظر لها بغيظ وهتف :- هتفضلي تطبطبي كده كتير ؟!


لوت شفتيها بضيق واعترفت :-


_ بصراحة بقى أنا جعانة


اعتدل آسر في مكانه ونظر حوله وهو يتمتم بعض الكلمات التي يبدو أنها شتائم !!


نهض من مكانه ورمقته سمـا بتساؤل حتى كاد أن يبتعد فوقفت وتمسكت بمعصم يده قائلة برجاء :-


_أنت رايـــح وسايبني ؟! خليك جانبي والنبي..


نظراتها التي تحولت لتوسل طفولي كادت أن تظهر ابتسامته ولكنه جاهد حتى بدا لا مبالياً...أجاب بثبات :-


_ مش هبعد ماتخافيش...دقيقتين وراجع....


ابتعد وتركها ترتجف من الخوف بهذا المكان الخالي من البشر...


بعد دقائق كثيرة....يئست من مجيئه فقررت البحث عنه حتى ظهر أمامها فجأة وهو يحمل ثمار الفاكهة وقال :-


_ جبتلك موز وجوافة....اللي لقيته هنـا


أشارت له ليأكل فأخذ ثمرة وبدأ يأكلها ببطء حتى انتهيا بعد لحظات وتمدد آسر مجدداً وقال بتحذير:-


_ ياريت تنامي بقى وبلاش صداع انا مش ناقص!


رمقته بتذمر وهي تجلس بالقرب منه بينما أغمض هو عينيه وتاه بغفوة عميقة.....


تسللت اليه ببطء وترددت للحظات حتى رفعت يدها ومررتها على شعره الأسود اولًا ثم لجانب وجهه المنحوت بدقة وعمق..... ابتسمت بمحبة وهي تنظر له حتى تفاجئت به ينظر لها فجأة وتساءل:-


_ أنتِ بتعملي ايه؟!


ابتلعت ريقها بصعوبة وإحراج شديد ثم خطر بعقلها شيء فنظرت له بقوة وقالت:-


_ في صرصار كان على شعرك


اتسعت عين آسر بقوة وانتفض من مكانه فكتمت ابتسامتها وقالت بسخرية:-


_ بتخاف من الصراصير!! دول كانوا بيناموا في حضني!!


اطلقت ضحكة عالية فجذبها من معصم يدها حتى وقغت أمامه بضحكات لا زالت ترتفع وهتف بغيظ:-


_ انا عندي فوبيا من الصراصير وبقرف منهم يا غبية


لوت شفتيها بأسف وقالت:-


_ خلاص... أسفة بس ما تقولش غبية!


نظر آسر للمكان جيدا يتفحصه فقالت سما بتوتر:-


_ نام...مافيش صراصير


ضيق عينيه عليها وقال:- يعني ضحكتي عليا؟!


هزت سما رأسها بموافقة وضحكة عالية ثم قالت:-


_ تصدق آه!!


كررت سما سؤالها كي تُلهيه عن ما فعلته:-


_ احنا فين؟!


أجاب بنظرة غيظ:- معرفش


قالت سما متابعة اسئلتها:- هنرجع البيت أزاي؟!


كرر آسر ذات الأجابة بحدة:- معرفش


سما بغيظ : طب انت عصبي ليه؟!


أجابها بحدة :معرفش


لوت شفتيها بتذمر وقالت :- هو أنت ما تعرفش غير كلمة معرفش!


اكتفى آسر بالقول :- آه


ابتسمت بمرح وقالت:- طب ممكن تغنيلي؟ سليني بأي حاجة طيب


رد آسر بنفاذ صبر : صوتي وحش ومابعرفش أغني


سما بمرح:- اغنيلك أنا؟


رفض بضيق: لأ


صدح صوتها الذي امتزج بالضحكات :- السود عيونه يا ولااا


انتبهت له وهو يهم بالاقتراب بعصبية فركضت هاتفة:


_ أنت اتعصبت ليه؟ يا لهوااااي


ركضت حول الشجرة القريبة وركض خلفها بغيظ شديد حتى وقف وهتف بعصبية:-


_ بطلي تصرفات الأطفال دي ومش عايز اسمع صوتك!!


وقفت امامه بتحدي وقالت بعناد:- لأ


زفر بنفاذ صبر ورماها بنظرة غاضبة وتمدد على الأرض مرة أخرى وتجاهلها.....راقبته بغيظ حتى أغلق عينيه وتوجهت فاعلة مثله وتمددت بجانبه ثم اسندت رأسها بكفيها وأغمضت عيناها.....


مرت دقائق حتى انتبهت لصوت نباح كلب يبدو بهذا البراح مخيف بعض الشيء....ابتلعت سما ريقها بخوف وحاولت تجاهل الصوت......


تكرر النباح فأعتدلت وهي تنظرحولها بقلق بينما راقبها آسر بنصف عين وكتم ضحكته بالكاد بعدما لاحظ خوفها وتمتمتها.....نظرت لآسر النائم بجانبها واقتربت منه قليلًا تستحث بعض الأمان....تكرر الصوت للمرة الثالثة فألقت رأسها على صدره بخوف ورجفة واضحة فاتسعت ابتسامته بتسلية وقال بسخرية:-


_ اومال فين شجاعتك ياملجأ الحنان للصراصير؟!


تمسكت بقميصه بخوف حقيقي وقالت بصوت مرتعش:-


_ ده كلام وهزار....بس أنا بخاف من أي حاجة ومن كل حاجة...


شعر بها بعد ذلك وهي تبكِ بشكل مفاجئ فجذبها اليه بضمة قوية....أراد أن يعطيها كل ما تحتاج اليه بينما هي كل ما له بالحياة....


تمسكت به بقوة وقالت:- آسر... أنا بحبك


أغمض عينيه بقوة وكأنه أراد حبس تلك الكلمة بداخل قلبه حتى الممات  ... 


_ وأنا مش بحبك....أنا بعشقك وبموت في كل حاجة فيكِ...


اتسعت ابتسامتها فجأة وهي تبكِ فضحك على تصرفها الطفولي......تبدلت نظرت لشيء اربكها حتى انتبهوا لصوت سيارة قادم من البعيد.....


زم آسر شفتيه بغيظ فكتمت ابتسامتها بمرح....


**********


بمطار سانتوريني (ثيرا) الوطني....


وقفت تتأمل ما حولهـا....لغة غريبة ، وجوه غريبة يغلب عليهـا الطابع الشرقي مع لمحات غربية...


بغمرة هذا الشعور المجهول الممزوج بمذاق الغربة....حضن أناملها يد كانت لمستها حنونة....ولأول مرة ترى أن عناق الأنامل له لغة...وأن الأمان ينبع من القلب أولًا....


ابتسم لهـا رعد وقال بابتسامة تفهمت قلقها :-


_ سانتوريني...بيقولوا عليـها جزيرة العشاق...اخترتها من ضمن كل الجزر...


تطلعت به بصمت...وابتسامة تسللت لقلبها ولم تجرؤ على الظهور ، ماذا يقصد ؟!


قالت بتلعثم :- يظهر أنك جيت هنا كتير!


فهم ما ترمي إليـه فأجاب :-


_ جيت مع الكاميرا بتاعتي ، لحد كام شهر فاتوا هي بس اللي كانت حبيبتي..


طافت ابتسامة مترددة على ثغرها وتساءلت بلهفة :- ودلوقتي ؟!


وقف أمـامـها لبرهة ثم قال بمكر يتناغم مع ابتسامته :-


_ دلوقتي في رحلة مستنيانا احنا الاتنين ومتأكد أننا هنخرج منها واحنا مبسوطين...


ابتلعت ريقها بتوتر من نظرته التي تربكها حتى أتى صوت انثوي ناعم على بُعد خطوات...قالت تيما بدهشة :-


_ رعد !! معقول أشوفك هنـا !!


اسرعت تيما إليـه دون اكتراث لما تقف وعينيها متسعة بدهشة وذهول بجانبه...ارتمت تيما على صدره ليبعدها رعد بنظرة عصبية ولكنه تحدث بثبات :-


_ بتعملي إيه هنا يا تيما ؟!


ضيقت رضوى عينيها عليه فيبدو أن علاقته بتلك الفتاة حميمية لدرجة كبيرة....أجابت تيما وتعمدت تجاهل رضوى تمامـًا :-


_ كنت في أجازة بقالي شهر هنا ، صحابي سافروا النهاردة وكنت بودعهم مؤقتاً على ما ارجع مصر....وبعدين ده سؤال يا قاسي ؟! مش دي سانتوريني اللي بتموت فيها ولا نسيت !!


ادمعت عين رضوى وهي تنظر له بخذلان فرمقها بأسف وضيق شديد من تيما التي ظهرت كالكارثة فجأة....


تابعت تيما قبل أن يتحدث بعصبية :-


_ سمعت أنك اتجوزت..فين بقى اللي قلت مش هيبقى في زيها دي ؟!


جذب رعد يد رضوى على حين غرة واحاطت يده خصرها بتملك وقال بثقة واعتزاز :-


_ أعرفك بمراتي...رضوى


نظرت رضوى للأسفل ولم يرضيها هذه اللفته منه فكان عقلها مشغول بتلك الفاتنة التي يصعب على أي رجل الخلاص من براثنها...تساءلت لأي مدى امتدت علاقتهم ؟! تاهت بفكرها حتى اطلقت تيما ضحكة ساخرة   -


_ فرصة سعيدة يا مدام رضوى !


كانت السخرية والاحتقار واضحاً بشدة بنبرتها ونظرات عينيها المتفحصة بإزدراء....نظرت رضوى لزوجها بنظرة قاتلة من العتاب وقالت مبتعدة :-


_ هستناك برا المطار ...


ابتعدت عنه بشكل اجباري ونظرات غاضبة ودامعة حتى هتف رعد بتيما بكره :-


_ أنا عارف أنك مش هنا بالصدفة بس لو لمحتك تاني يا تيما أنتِ عارفة أني اقدر ما اخلكيش تشتغلي تاني ولو خمس دقايق قدام كاميرا ...لو شوفتك تاني هنا اوعدك أن نهاية شغلك كله هتبقى على إيدي....اللي كلمتيها دي واستهزأتي بيها جزمتها انضف منك يارخيصة...


اطلقت عين تيما الشرر وقالت بغضب :-


_ انا هنا بالصدفة !! وبعدين ده ذوقك وانت حر فيه مش ذنبي انا !! وهو مش ده كان كلامك ولا أنا بفتري عليك ؟! هي دي اللي ملهاش زي ؟!


اسودت عين من الغضب وقال بتحذير ناري :-


_ جربي أنك تعملي اللي عملتيه ده تاني وانتظري مني رد فعل هيخليكي تندمي طول عمرك...


تركها تقف مشتعلة من الغيليان وهي تتسائل بدهشة ...اتلك الفتاة البسيطة تجعله مهووس بها لتلك الدرجة ؟!


*******


**بفندق يطل على البحر برماله البركانية**


دلفت للغرفة التي تم حجزهـا حتى دخل خلفها وانتظر حتى وضع الخادم حقائبهم واعطي له بعض النقود....انصرف العامل واغلق رعد الباب بهدوء ثم استدار لها بنظرة معتذرة....


تجاهلته تمامًا وبدأت تفك رباط حجابها....لمحت ملامحها البسيطة الهادئة بالمرآة...كيف له أن ينجذب اليها ويترك تلك الفاتنة ؟!!


قال رعد برقة :- رضوى ...


لمح دمعة بعينيها فجذبها من يدها لتنظر له...تحاشت النظر ...قبل رأسها ببطء ثم نظر اليها قائلا :-


_ لو لفتت نظري للحظة كان ممكن تبقى مكانك دلوقتي...


نظرت له بانفعال وقالت :- واضح أنها تعرف عنك كتير ، وواضح انها كانت هنا معاك !!


ابتسم بخفة وأجاب :- كل اللي قالته الناس كلها عرفاه ، انتي ليه خايفة مني يا رضوى؟! ماتفتكريش أني ماخدتش بالي !!


_ لو خايفة يبقى اطمني....لو مش مصدقاني استني وشوفي بنفسك...مش حرام يبقى في دموع كده واحنا المفروض أول يوم لينا هنا !!


على فكرة احنا هنقعد هنا كام يوم بس لكن الرحلة اللي بجد هتبتدي بعد كده....شلال وجبال وبحر واحنا الاتنين وبس...


ابتعدت بارتباك وقلق وهي تردد :- ايه ؟!


ابتسم وقال بتأكيد :- زي ما سمعتي...


 *********


بالطريق المجهول....


أشار آسر للسيارة التي أنتبه لصوت قدومها بالطريق....توقفت السيارة وخرج من نافذتها رأس أنثوي صغير لإمرأة يبدو أنها لم تتعدى الثلاثين من عمرها...تساءلت المرأة بلطف :- اقدر اساعدكم بحاجة ؟


نظرت سما لآسر بشيء من الغيرة نظرا للجمال التي تتسم به فتاة السيارة وسبقته قائلة :- ممكن توصلينا معاكِ ؟ عربيتنا عطلت ومش لاقيين مواصلة هنا !!


ترك آسر الأمر بابتسامة استطاع أخفائها....كانت سمات الغيرة تتضح بعينيها...فأن الغيرة فاكهة طيبة المذاق كلما أشتد لذع مذاقها..قل الاستمتاع بها...ولكنّ غيرتها كانت محببة لنفسه....


طفولية بعض الشيء....


.....أجابت الفتاة الأخرى بموافقة :-


_ مافيش مانع...أنا مش هقدر أوصلكم للآخر لأني رايحة لناس قرايبي على بعد ساعة بالعربية من هنا...لو موافقين تعالوا معايا


قال آسر وهو يجذب يد سما إلى السيارة :-


_ موافقين طبعاً....المهم مكان يكون فيه معمار اقدر اتصل فيه بالفندق...


فتح باب السيارة واشار لسما بالدخول فجلست بالمقعد الخلفي وجلس بجانبها.....استدارت الفتاة بابتسامة لطيفة وبيدها هاتفها قائلة :-


_ تقدر تتصل بالفون بتاعي مش لازم لما توصل ...أتفضل


أخذ آسر الهاتف منها بنظرة أمتنان وشكر فرمقته سما بغيظ.....


دبت الحركة بالسيارة ومضت تنهب الطريق سير.....


بعد دقائق قليلة انتهى آسر من الاتصال بالفندق الذي تركه ليخبر سائق العربة الخاص بالفندق أنهم بخير وعليهم أن يرسلوا الحقائب التي تركوها بالسيارة قبل الخطف الى فندق الاسكندرية ثم املاهم العنوان بالتفاصيل.....


اعطى الهاتف لصاحبته بكلمات شكر صادقة.....همست سما باستفهام :-


_ هنوصل اسكندرية أزاي واحنا مش معانا فلوس ؟!


أجابها وقد أحاط كتفيها بذراعه بشيء من التملك :-


_ لحسن الحظ ان المحفظة بتاعتي فضلت في جيبي وما وقعتش ، وكمان فيها الـ credit card


نظرت سما بابتسامة وقالت بحماس :- عامل باقة يعني...جــــــدع


نظر لها لدقيقة بمحاولة أن يستوعب أجابتها ثم ابتسم لتتسع ابتسامته الى ضحكة جاهد ليكتمها وقال :-


_ آه باقة اجدع ناس...بـ سبعة جنيه وربع ، هغرقك دقايق وفليكسـات


ظهرت أسنانه البيضاء بابتسامة عريضة فرمقته بتوجس وقالت :-


_ هو أنا قلت حاجة غلط ولا إيه ؟! هو مش الكريتيت كارت ده كارت شحن ؟


نظرت له بعينيها الواسعة تنتظر الأجابة فارتفع صوت ضحكته رغما عنه وردد جملتها :- كريتيت كارت !


قالت سما بتصحيح :- يبقى شحن على الهواء...اه كده صح


مرر آسر أصبعه على ارنبه أنفه وتحكم بضحكة مرة أخرى  لمح الفتاة التي تقود السيارة تكتم ضحكتها ويبدو أنها انتبهت للحديث....قال بهزة من رأسه وموافقة :- آه بشحن على الهواء...أصلي ببقى حران وأنا بتكلم في التليفون....واسكتِ بقى


نظر لها بابتسامة عريضة رغم نبرته التحذيرية فقالت بثقة :-


_ دايمًا بتكره اللي فاهمك...الله يمسيكي بالخير يا ابلة توحة


تحدث آسر بابتسامة وقال :- دي مدرسة الانجلش بتاعتك ؟


نفت سما ثم أجابت بفخر :- لأ.....التدبير المنزلي...مش عارفة افتكرتها ليه دلوقتي...يكونش جعانة ؟ اوف كورس


ابتلعت آسر ريقه وقاوم موجة من الضحك فقال :- ده تمامك في الانجلش ؟!


اجابت سما بتأثر :- دي آخر حاجة مستر بهنسي كتبها على السبورة قبل من مايشد في شعره من ذكائنا...ذكائي انا تحديداً...يــــاه...فكرتني بأيام ماشوفتش فيها الفصل قد ما اتذنبت في الحوش...حوش اللسكول بتاعتنا....المدرسة يعني لو مش فاهم


وضع آسر راحة يده على فمها وقال بابتسامة واسعة :-


_ أبوس ايدك كفاية كده...


**بقصر الزيان **


خرجت "للي" من نوبة بكاء جعلت عينيها شديدة الأحمرار...ولأول مرة تحمد تأخر زوجها بالعمل.....جلست بغرفتها بجانب الهاتف بعدما بحثت طويلا عن رقم الضابط "رأفت" بأجندة الهاتف....أجرت اتصال على الرقم حتى أجاب رأفت بعد قليل :- الو...مين معايا ؟


اذدردت للي ريقها بصعوبة وقاومت دموعها حتى تستطع التحدث فقالت بتلعثم :- أنا للي...حرم وجيه الزيان..


تعجب الضابط من اتصالها به وقال في قلق :- اهلا بيكِ... حصل حاجة تاني ؟!


ارتاحت بعض الشيء لفتحه هذا الامر فقد سهل الأمر عليها بالشرح فقالت :- وجيه كلمني عن مساعدتك في موضوعي....عشان كده اتصلت بيك وطالبة مساعدتك مرة تانية لأني في مصيبة ، وخايفة أقول لوجيه لأني عارفة هيكون رد فعله ايه....


قال الضابط بثبات :- اتفضلي قولي اللي عندك وما تقلقيش


بدأت "للي" الحديث وروت كل شيء عن تلك المكالمة الكارثية.....حتى ختمت حديثها ببكاء وقالت :-


_ خايفة أقوله ولازم أقوله....بس لو قولتله معرفش الأمور هتوصل لفين خصوصا أن راشد ده مجرم ، اكتر من حسام بكتير..


رد الضابط بعصبية :- حسام ده حقير بشكل مش طبيعي...يخصك في وصيته على أي اساس !!


قالت للي وهي تحاول التحكم قليلا بدموعها :-


_ ماهو عشان مابقاش له سلطة عليا أو أمر...عمل وصية قبل ما ينتحر بأن في ورق ومستندات تخص راشد وأخو مراته توديهم في داهية...المستندات دي مع حد مجهول يعني راشد مستحيل يوصله أو يعرف هو مين....وبكده راشد مش في ايده حاجة غير أنه يضغط عليا أطلق من وجيه وينفذ شرط حسام عشان المستندات ما تتسلمش للشرطة ويتقبض عليه....منهم لله


تمهل الضابط رأفت في الرد ثم قال بعد لحظات :-


_ يعني لو ما اتنفذش الشرط... المستندات هتتسلم للشرطة....طب تمام !


نهضت للي بعصبية وقالت :- تمام ايه !! راشد هددني لو ما اتطلقتش هيموت وجيه !! أنا مستحيل أعرض جوزي للخطر خصوصا أني متأكدة أن راشد مابيهددش وخلاص...طالما قال كده يبقى هينفذ بمنتهى السهولة ومتنساش أن الموضوع مرتبط بيه هو شخصيا وبأمانه يعني أنا في كارثة حقيقية....


زفر الضابط رأفت بضيق ثم قال :- طب سبيلي الموضوع ده وهرد عليكِ بأسرع وقت....ممكن مايكونش في مستندات أصلا وحسام لعب لعبة قذرة وانتحر...


للي بنفي :- ما اظنش...حسام في الفترة اللي اتجوزته فيها كان دايمًا بيشيل أوراقه في خزنة سرية....كنت ساعات بسمعه بيضحك ويقول أن مسيره هيقضي على راشد....لما اتطلقت منه سبتله البيت طبعا واتنازلت عن كل شيء...واكيد هو مش غبي عشان يسيب الورق ده في شقته لسه !


الضابط بدهشة :- لما هو معاه أوراق تدين راشد ليه انتحر !! كان ممكن يبلغ عنه وخلاص !


أجابت للي بتوضيح :- حسام كان مريض نفسي بدرجة خطيرة ، غير كده عارف أن راشد هيكتشفه وهيقتله حتى لو دخل السجن...كان عارف أنه ميت في كل الاحتمالات فقرر يموت نفسه...خمس سنين عشتهم معاه خلوني افهم هو بيفكر أزاي.


فهم الضابط رأفت توضيحها فقال :- طب زي ما قولتلك...سبيلي الموضوع ده لحد بكرة واتصلي بيا زي دلوقتي ، بس ياريت وجيه مايعرفش حاجة لأني مش هقدر اتوقع رد فعله هيكون أزاي...


وافقت للي وقالت :- أنا مرعوبة أقوله....مش منه بس عليه...هتصل بحضرتك زي ما اتفقنا ويارب تلاقي حل


الضابط بهدوء يشوبه بعض القلق :- بأذن الله


انتهى الأتصال....هدأت للي قليلًا كالتي تمسكت بالقشة قبل الغرق ووجدت بها أمل النجاة....


بعد مرور ساعة من الزمن عاد وجيه للقصر وصعد غرفته مباشرةً.....


كانت بهذا الوقت انتهت من الاستحمام وخرجت برداء صيفي قصير بلون الكرز الأحمر....صفت عينيها من تعكر الدموع بعض الشيء ووقفت أمام المرآة تمشط شعرها الأسود الطويل...


فتح وجيه باب الغرفة بنظرة مشتاقة لرؤيتها....ابتسم بمحبة وكأنها الزهرة الوحيدة المتفتحة بموسم الخريف....توجه إليهـا وأحاط خصرها بذراعيه من الخلف وهمس بأذنها قائلا بشوق :- ما رخمتيش عليا النهاردة وانا في الشغل وما اتصلتيش خالص....وحشتيني


كانت تشعر بأقترابه...ولكن تحب ضمته المفاجئة حتى لو هكذا تبدو....استدارت له سريعاً ونظرت له بمحبة وخوف من حرمانها منه.....من انتزاع هذا العشق من أيامها....ارتمت على صدره ولم تستطع التحكم بدموعها.....وبخت نفسها لذلك ، فأحاطها بذراعيه وانتظر سكونها بعد ضمها.....ووضع جميع الأبجدية في لمسة يديه وهو يمررها على رأسها بحنان...قال بقلق :- مالك ياحبيبتي بتعيطي ليه ؟


ابتلعت ريقها وابتعدت قليلًا متظاهرة بابتسامة مزيفة :-


_ لا أبدًا...قلبي اتقبض فجأة لما اتأخرت....بس وصلت بالسلامة الحمد لله


ابتسم ويديه تجذبها مجددًا لصدره وهمس برقة في أذنها :-


_ خلاص مش هتأخر تاني....اوعدك


تنفست بعمق ورأسها على قلبه...تضرعت لربها أن يضع الآمان بقلبها من جديد.....قالت بنبرة هادئة :- هنتعشى هنا


قال بتعجب :- كنا متفقين نتعشى برا النهاردة !!


نظرت لعينيه بمحبة وقالت :- غيرت رأيي....خلينا هنا لوحدنا احسن


رفع انامله لذقنها بنظرة مشاكسة وقال بمكر :- زي ما تحبي...


*********


**بغرفة الفندق**


وقفت حميدة أمام خزانة الملابس بحيرة....شعرت بخجل شديد من ارتداء أحد الفساتين القصيرة المعلقة بالمشجب...وعدد آخر شبه عاري...مطت شفتيها بحيرة وخجل وهي تتمتم....


دلف يوسف للغرفة بنظرة متسلية للحيرة البادية على وجهها ثم اقترب متسائلًا بابتسامة واسعة :- حيران كده ليه يا حميدوو


التفتت له بغيظ وتبدد خجلها لتهتف :- برضو حميدووو !! ماشي يا يوسف....


نظرت للملابس مرة أخرى وانتقت أقصر رداء وقع عليه نظرها وقالت :-


_ لو سمحت ما تكلمنيش ولا كلمة بعد حميدو دي....كده هبقى حميدة


أشارت لما بيدها بغيظ فقال ضاحكا :- كده تبقي حبيبتي....بسرعة بقى عشان بعت جبتلك تشكيلة حلويات من اللي أنا بحبها


ابتسمت بسخرية وقالت :- يبقى كلها أنت !!


أجاب بمرح :- معنديش مشكلة...بس هتفتحي نفسي


اتسعت ابتسامتها بنظرة تحب هذا الطفل في عينيه وقالت :-


_ يوسف أنت أزاي بتاكل كده وما ببتخنش ؟!


أجابها ببسمة واثقة :- قدرات


رفعت حاجبيها تعجباً وقالت :- قدرات ! طب اعمل إيه عشان اكل وما اتخنش زيك ؟!


جذبها اليه بنظرة ماكرة وأجاب :- لأ أنا عايزك تتخني


ابتسمت بنظرة مشاكسة :- يعني بتحب التخان ؟!


أقترب بنظرة عميقة لعينيها وقال بهمس يشوبها المرح :-


_ بحبك أنتِ ، اتخني براحتك يا حبيبتي


ارتفع صوتها ضحكتها فراقبها مبتسما بنظرة عاشق متيمُ....


أمام شاشة التلفاز بالجناح الخاص بهما......


اجلسها بجانبه على الأريكة بالقماش المخملي.....أخذ قطعة من الحلوى ووجهها الى فمها بابتسامة وكأنه يعامل طفلة....تذوقتها بشهية من يديه وفعلت مثله......لمحت ستائر النوافذ تطاير بفعل الهواء المنبعث من الخارج فقالت :- مكنتش اتخيل ابات يوم واحد في مكان على النيل !


نهضت بإنجذاب شديد اتجاه باب الشرفة الشبه مغلق وفتحته قليلًا تستنشق الهواء الحر ملء رئتيها.....تبعها يوسف وأحاط بذراعيه خصرها مسنداً ذقنه على كتفيها بابتسامة حالمة.....أجاب :-


_ هجيبك هنا على طول....هيفضل المكان ده فيه أجمل ذكرياتنا ، أنتِ أجمل حاجة سكنتني....


**********


بفندق جزيرة سانتوريني......


وقفت رضوى بشرفة الغرفة تنظر بأنبهار لتلك المباني التي يغلب عليها اللون الأبيض وكأنها حليب مسكوب على الصخور.... 


قالت بابتسامة ونظرة محبة لهذه المناظر الطبيعية الخلابة :-


_ الله....ايه الجمال ده ! شيء مش طبيعي


ارتشف رعد بعضا من مشروبه الساخن وقال بابتسامة ونظرة عاشقة لملامحها السمراء وشرقية عينيها :-


_ كل شيء بيبقى أحلى مع حبايبنا ، تفتكري لو أنتِ هنا لوحدك كان هيبقى ده نفس رد فعلك ؟


قالت هي ببعض التمرد :- تقصد ايه يعني ؟!


نظر رعد لما حوله بصمت وابتسامة حتى نظرت لما ينظر اليه لتكتشف ملاحظاته وما يفكر به ، وضع الكوب على الطاولة وجذبها اليه بقوة قائلا بصوت خفيض بأذنها :-


_ يعني أي مكان مهما كان جماله محتاجين اللي نحط ايدنا في ايديه ونجري ونضحك ، لو لوحدنا هنقعد ساكتين مابنتكلمش...احساسنا بالوحدة هينقص متعتنا بالسفر....


همس صوته جعلها كالثملة شاردة في كل كلمة تتلقفها اذنيها....ابتسمت بخجل .....قال بنظرة تدقق في تفاصيل حديث عينيها الخجولتين :-


_ أنتِ حلوة كده أزاي ؟! كسوفك ، وشقاوتك ، وسمارك القمر ده وفوق كل ده أدبك.....بتفكريني بأعز مخلوقة على قلبي


رفعت عينيها اليه بصدمة حتى صحح بابتسامة :- أمي يا رضوى ، نفس كسوفها وخوفها....حنيتها واخلاقها وهدوئها....ماشوفتش من نسختها غيرك ، دلوقتي عرفت ابويا ليه كان بيعشقها...


عادت ابتسامتها بخجل وكأن قلبها عادت الحياة له وقالت دون تفكير :- خضتني !!


ضيق عينيه بخبث وقال بابتسامة :- خضيتك !! كنتِ فاكرة في واحدة تانية غيرك ولا ايه ؟


 :- مش حاجة حلوة يعني أني اتجوز واحد بيفكر في واحدة تانية....ده اكتر شيء مخوفني اصلًا


نظر لها بنظرة متفحصة لما قالته ، وتأكد اكثر من ظنه عندما هربت بنظرة عينيها لجهة أخرى وكأنها توبخ نفسها لما قالته.....وهنا بدأ يعرف ما يؤرقها ويخيفها....لا يعرف للسبب القوي لظنها هذا ولكنه اقلًا اتضح الأمر.....رفع وجهها لتنظر اليه فقال بحنان :-


_ أنا لو سيبتك هكون بتخلى عن روحي...في حد بيسيب روحه تطلع منه بمزاجه ؟


ادمعت عينيها بخوف واضح وقالت :- الكلام لوحده مش تأكيد


قبّل جبينها برقة ثم ضمها اليه بكل قوته قائلا :-


_ كنت عارف أنك خايفة ، ودلوقتي عرفت خايفة ليه....مش هتكلم بس اللي جاي هو اللي هيثبتلك....


*********


وقفت سيارة فتاة الطريق عند مقطع متفرع منه عدة شوارع ويظهر من على أحد الأفرع مبنى فندقي صغير الحجم بسيط الهيئة....قالت الفتاة وهي تشير له :-


_ ده فندق صغير ، ممكن تباتوا فيه لحد ما ترتبوا اموركم


نظر آسر للمكان ووافق على الفور قائلا بأمتنان :- شكراً جدًا على مساعدتك


اجابت الفتاة بابتسامة لكلايهما :- العفو...ونستوني طول الطريق المفروض اشكركم برضو....


خرج آسر ومعه سما من السيارة حتى ابتعدت سيارة الفتاة من أمامهم ثم جذب يد سما واتجه لمكان الفندق......


دلف من الباب الصغير للمبنى وما مرت سوى دقيقتين حتى انقطع التيار الكهربي من المكان فتمتمت سما بضيق :- انا نحس ، أنا نحس وعارفة كده


اخفى آسر ابتسامته حيث أضاء موظف الاستقبال مصباح مخصص لهذه الأوقات.....وقف آسر أمام الموظف متسائلًا عن غرفة شاغرة حتى أجابه الموظف :- أوضة رقم 36 جاهزة لأستقبالكم يافندم ، تحب اوضة دبل ولا سنجل ؟


قالت سما بعفوية بإختيار عشوائي :- سنجل طبعاً


نظر آسر لها بابتسامة امتزجت بين المكر والمرح حتى قال للعامل :- خلاص سينجل بادلته بنظرة واثقة وكأنها تخبره أنها فهمت ما يقوله الموظف بسلاسة....تساءل الموظف باستفسار :- والاستاذة تبقى المدام ؟


اجابت سما مرة أخرى :- آه يا أخويا أنا مدامته


تفهم الموظف الأمر وأتم حجز الغرفة وكتابة البيانات سريعا ثم أعطى آسر مفتاح الغرفة قائلًا :- هنبعت لحضرتك شمع ، النور بيقطع كتير الأيام دي للأسف بس كلها ساعتين ويجي...


بغرفة الفندق.....


دلف آسر وهي معه بينما احمرت وجنتيها بخجل وقالت بتلعثم :-


_ فين اوضتي ؟!


نظر لها بابتسامة ماكرة وقال :- هو مش أنتِ اللي اختارتي يا مدامتي ؟!


ارفق جملته بضحكة مرحة حتى أتى احد العاملين بعدة قطع من الشموع الملونة وقداحة للأشتعال.....أغلق آسر باب الغرفة وأشعل منهما اثنتين وثبتهم على طاولة خشبية دائرية تتوسط الغرفة.....


نظرت سما لمحتوى الغرفة البسيطة المكونة من فراش بالكاد يسع لفردين وخزانة ملابس صغيرة وبالأخير طاولة دائرية تتوسط المكان لا غير.....


سرت القشعريرة بأوصالها وشعرت بأن تكاد تسقط من شدة الخجل من فرديتها معه بهذا المكان ريثما أن الظلام يطوف حولهما.....

 

_ في حاجة يا سما لازم تعرفيها عشان تفهمي سبب تصرفاتي الفترة اللي فاتت....


قالت ولم تفصح عن معرفتها المسبقة لما يخفيه....:- قول أنا سمعاك


تلعثم بالقول واشتدت نظرته بعذاب وهو يروي لها كل شيء.....?


رواية إمبراطورية الرجال  الفصل السادس والخمسون 

 

_ في حاجة يا سما لازم تعرفيها عشان تفهمي سبب تصرفاتي الفترة اللي فاتت....


قالت ولم تفصح عن معرفتها المسبقة لما يخفيه....:- قول أنا سمعاك


تلعثم بالقول واشتدت نظرته بعذاب وهو يروي لها كل شيء.....انتهى بعد ما يقرب من الخمسة عشر دقيقة.....انزلقت دمعة من عينيها لأن ما قاله كان مؤلم أكثر بكثير مما قاله يوسف......تابع آسر بلمعة دمعة بعينيه استطاع كبحها :-


_ حبيت غصب عني...وصممت تبقي لحد ما اقدر اتكلم وانا واثق من حبك ليا....مش قسوة مني لكن خوف ، أنا حبيتك اكتر من أي شيء في حياتي....حتى لما خطبت كان رد فعل لما اتأكدت من مشاعري ومن حبي ليكِ اللي ظنيت أنه نسخة تانية من حبها لأبويا....معرفش ليه قارنتك بيها بس____


قاطعه وهي ترتمي على صدره ببكاء شديد ،وضعت أصبعها على شفتيه وقالت بين دموعها :-


_ انا مش زي حد يا آسر ، أنا حسيت أني هحبك من قبل ما أحبك !! صبرت عليك كتير وكنت بتقسى عليا أكتر ، كنت بتعامل بعفوية وبعترف أني غلطت في بداية تعاملي معاك....بس كنت بنتقم من اليتم وخليت أحلامي أهلي وضحكتي سندي...لكن أنت استكترت عليا حتى أني احلم !! لحد ما كنا خلاص هنفترق..


حاوطها بيديه ، بقوته ، وبضعفه ، بكبريائه ، واستسلامه لعشقها.....تنهد بجانب اذنها قائلا بقوة :-


_ ماتخيلتش للحظة أنك تبقي لغيري...أنتِ دخلتي حياتي عشان تكوني كل حياتي....أنا مجنون بيكِ


 *********


ابتلعت ريقها بارتباك وتوتر من قربه ، وهمس نبرته فقالت وهي تبتعد :-


_ هي الشنط هتيجي على هنا ولا على فندق اسكندرية ؟


اتجهت حتى نافذة الغرفة المفتوحة...هربت من نظراته المتطلبة ، تعرف أن ما يريده هو حقه ولكنها غمرت بخجل شديد.....تطلع بها لدقيقة بصمت....ابتسم لحيائها  .....اقترب منها خطوة بعد خطوة .. حتى وضع يديه على كتفيها برقة...قرب وجهه لجانب وجهها هامساً بصوتِ اربكها وقال :-


_ أول ما نوصل للفندق بكرة هتلبسي فستان الفرح تاني...كان حلو أوي عليكِ بس كان ناقصه ضحكتك يا حبيبتي.


اشرقت شفتيها بابتسامة مطمئنة ، هدأ اضطراب قلبها...رأف بهـا....كانت تريد بعض الوقت لتستوعب كل ما حدث خلال الساعات الآخيرة.... تشعر بإرهاق شديد...استدارت له ببطء حتى انتبهت لمرح بعينيه يخبرها أنه يقرأ افكارها حتى العمق....


تابع بابتسامة :-


_ كده مش هنحتفل بعيد جوازنا في تاريخه...هنأجله يوم...تعرفي يا سمكة أنا كنت بتغاظ منك لما بتهزري كتير


نظرت له ببعض الضيق وقالت بإعتراف :- عارفة أني كنت خفيفة ومش راسية ، الأيام اللي فاتت علمتني كتير


تطلع بعينيها بنظرة هادئة واستطرد :-


_ كنت خايف أنك تكوني مع كل اللي بتقابليه كده ، أنتِ اللي خلتيني أشك من البداية بس خلاص أنا مش عايز افتكر اللي فات....خلينا في اللي جاي


قالت بملامح عابسة :-


_ يعني دلوقتي مش عايزني اهزر معاك ؟!


ابتسم بنظرة ماكرة وأجاب :- لأ طبعاً في فرق....دلوقتي أنتِ مراتي ، يعني الفرفوشة واللمضة اللي جواكي تبقى معايا أنا وبس....اظن أنك جربتي غيرتي !


ابتسمت عندما لاحت الذكرى بخاطرها وقالت :- عمري ما هنسى


رفع يده اليمنى ومررها على رأسها بقبلة على الجبين ثم قال :-


_ اكيد لسه جعانة....الأكل شوية وهيوصل


هزت رأسها بموافقة....ثم قالت وهي تنظر لرأسه المجروح :-


_ لازم نروح لدكتور يشوفلك الجرح ده


مرر يده على رأسه وقال بلطف :- مش بينزف ما تقلقيش ، جرح سطحي ، هبقى اشوف الموضوع ده بكرة لما نروح اسكندرية ، المكان هنا باين مافيش دكتور قريب فيه...


**********


**بشقة جاسر**


جلست جميلة أمام شاشة التلفاز تنتقل بين القنوات التلفزيونية حتى ظهر فيلم سينمائي بمشهد تتمايل فيه راقصة بملابسها الخليعة.....


ابتسم جاسر بتسلية ونظر لجهة أخرى حتى انتقلت جميلة سريعا لقناة أخرى بامتعاض......لاحظت ابتسامته فقالت بسخرية وغيظ :-


_ بتضحك على ايه ؟! عجباك أوي !!


_ أنــا ؟!!!


هزت رأسها بغيظ :- آه أنت اومال أنا !


نفى بشدة رغم ضحكته التي كافح ليخفيها :- اوعي الشك يدق باب قلبك ياروحي....ده أنتِ متجوزة واحد نسمة....الأدب جاسر ، أو قلة الأدب مش متأكد


ظهرت ضحكته عالية فنهضت وهي تلوي فمها بنظرة لا مبالية وقصدت التمايل بعض الشيء في سيرها....


انتبه لخطواتها فضيق عينيه بابتسامة وقال بمرح :- جوجو ....بت يا جوجو ، أنتِ انحرفت ولا ايه ! طمني قلبي


استدارت وتظاهرت بعدم الاكتراث وأجابت :- نعم ! وبعدين ايه جوجو دي!


اقترب اليها بنظرة ماكرة وابتسامة واسعة تظهر نواياه :-


_ بدلعك ياحبي....طول ما أنتِ كده هقولك أشعار ، الدلع لمستحقيه يا روحي...


قالت بغيظ :- يعني مكنتش استحقه ؟!!


قال بضحكة عالية :- ساعات وساعات


رفعت حاجبيها تعجباً فأضاف بخبث :-


_ فكي التكشيرة بقى بهزر معاكِ ، أنا اصلًا مش مصدق أن واحد كان منحرف وسافل وقليل الأدب زيي يتجوز واحدة محترمة ورقيقة....طول عمري حظي قمر...


  اتجهت للغرفة بخطوات سريعة ونظرات غاضبة.....اسرع خلفها ولم يجعلها تغلق الباب بوجهه بل أغلق عليهما......


********


في الصباح....


استيقظت سما بكسل شديد ورفعت رأسها ببطء لتجد أنها كانت تسند رأسها على صدره...يديه تُحيطها بأمان ورعاية....


طافت ابتسامة جميلة على ثغرها....هدوء واضح على محياه ولأول مرة تراه...


الاستقرار بين المحبين يضيء الأيام بالراحة.....يجعلنا بأنتظار الآت متشابكين الأيدِ....


اسندت معصمها على صدره وتلاه وجهها وظلت تنظر له للحظات ، كل نظرة وكأنها طاقة شوق تهتف بحاجتها لنظرة أخرى....حتى يقول القلب كفى...ولن يقول كفى !!


ابتسمت بمحبة تتمايل بمؤق عينيها ، وعلى شفتيها ، وودت لو تيقظه بمشاكستها ولكن رفق القلب به وتركه ليستريح....


تململ قليلًا حتى فتح عينيه ووجدها تنظر له بابتسامتها....بادلها الابتسامة بالتدريج ثم رفع معصمه ونظر لساعة يده بنصف عين حتى جذبها اليه قائلا بكسل :- لسه بدري


*********


دقت الساعة العاشرة صباحاً.....


نهض رعد من حول مائدة الفطار الصباحي وقال بنشاط :-


_ هجهز شنطة الرحلة بقى ، حضري نفسك


نهضت رضوى وهي تبتلع ما بفمها وتساءلت :-


_ هنرجع امتى ؟


ابتسم بنظرة ماكرة وقال :- ممكن نبات


تفاجئت ونظرت له بدهشة حتى قالت :- هنبات !! فين ؟


وضع رعد يده في جيوب بنطاله بثقة وأجاب :-


_ في هنا حاجة كده عاملة زي أكواخ ممكن نأجرها لكام ساعة ، لو اتأخرنا هحجز واحد ونبات فيه...


لم تبغض الفكرة بل وكأن الأمر راق لها فتساءلت مرة أخرى :-


_ على البحر ؟


هز رعد رأسه بتأكيد فقفزت بابتسامة وحماس كالأطفال وقالت وهي تسرع لتُعد الحقيبة :- موافقة جــــــدًا


راقبها بابتسامة عاشقة وتأمل سعادتها بالأمر برضا وراحة وسعادة تامة....


اعدت الحقيبة بعد دقائق ثم أخذت ما سوف ترتديه بالخارج واتجهت نحو حمام الغرفة.....


مرت دقائق أخرى حتى خرجت برداء وردي محتشم من الشيفون ذو الطبقات المتعددة ووقفت أمام المرآة تحكم حجابها....تطلع بها بمحبة وحمل الحقيبة على كتفه وأشار لها بيده بعدما انتهت حتى تشابكت ايديهما وخرجوا من الغرفة....


*********


بعدما استيقظت سما مرة أخرى وتبعها آسر وتناولوا طعام الأفطار بالفندق البسيط....دفع أجرة الغرفة لليلة الأمس وخرج مع زوجته "سما" حتى السيارة المنتظرة لتقلهم الى الاسكندرية وقد تم ارسالها بواسطة الفندق....


**********


**بجزيرة سانتوريتي.....


جزيزة تغرق بالمباني ذات اللون الأبيض والزهور المدلاة على اسقفها...بينما الممرات بين الآبنية وكأنها تفرق بين غرف بمنزل واحد وليس منازل متفرقة !!


أحاط خصرها بذراعه بينما كانت تسير بجانبه  رفع رعد يديه أشارة للترحيب برجل يوناني أشيب ذو وجه بشوش ويبدو أنه يبيع تلك الزهور بصندوق دراجته....


قال رعد بابتسامة مرحبة :- كاليميرا لوكـا (صباح الخير لوكا ) ... Good morning


اختلط حديث رعد ما بين اليونانية والانجليزية فصاح الرجل بابتسامة عريضة  :- oh...Rad!! يا_سيو (التحية)


صافح الرجل رعد بترحيب شديد رغم أن الشعب اليوناني لا يحب مصافحة الغرباء بالأيد تحديدًا ولكن رعد يبدو أنهم يحبونه بدرجة كبيرة....لاحظت رضوى ذلك 


تحدث رعد مع الرجل بمرح وضحكات متتالية لم تفهم رضوى أي كلمة مما قيل حتى نظر اليها الرجل بطيبة وقال لها شيء لم تفهمه أيضا ثم اخذ عدة زهور من صندوقه واعطاها لهم   


_ بتعرف تتكلم يوناني !


اتسعت ابتسامة رعد بمرح وأجاب :- مش أوي....كام كلمة اتعلمتهم من كتر ما باجي هنا....بتكلم بالانجليزي..


وقفت رضوى فجأة وقالت بضيق :- شكلي نسيت المصلية بتاعتي وكمان معرفش الآذان هنا بيأذن امتى !! أنا مابعرفش اعدي الوقت من غير ما أصلي فروضي..


نظر لها رعد بحنان وأجابها مبتسما :- أنا حطيتها في الشنطة ما تقلقيش وتوقيت الصلاة هنا عارفه....معايا الفون بتاعتي وضابطه وكله تمام..


************


ظل يراقبها وهي تؤدي فرضها....حتى ختمت الصلاة بدعاء ارتفع به صوتها قليلًا....كانت تطلب التوفيق والخير والحفظ له ثم تدعو لكلايهما ثم تعود بالدعاء له.....ترفع يديها لرب العالمين بتضرع وخشوع....


تهدج صوتها مع الدعاء....حتى بدعائها لنفسها كانت تشاركه معها.....حباً ليس به أنانية....خالص لقلبه....ماذا يفعل بهذه الفتاة التي امتلكت قلبه حتى العمق....هل بعد هذا الحب حباً ؟!


أخذت جميع الأدوار بحياته...الأم ، والزوجة ،والصديقة....خير متاع الدنيا هي الزوجة الصالحة....


انتهت حميدة من صلاتها ونهضت  تمتمت بالتسبيح حتى خلعت حجاب رأسها ووضعته على ظهر المقعد بينما أقترب يوسف بابتسامته العاشقة الحنونة.....أخذ رأسها بين يديه وحتى شفتيه بقبلة على جبينها راضية....حانية...ابتسمت له بمشاكسة وقالت :- صباح الخير يا يوسفي


اتسعت ابتسامته برقة وقال :-


_ حتى الكلمة العادية بتطلع منك وكأنك بتقولي بحبك !


اجابت بثقة :- عشان ماشبعتش من الكلام في الخطوبة....سويتك على نار هادية


اتسعت ابتسامتها بمرح فضمها بقوة قائلا بحنان :-


_ دي مش نار ، دي جنة كانت مستنياني بس كانت عايزة مني شوية صبر....ولما صبرت دخلت دنيا ما تخيلتش انها بالجمال ده....حتى الكلمة بسمعها جميلة


رفعت رأسها ويديها على صدره وقالت بمحبة :- دعيتلك


قبل رأسها برقة وأجاب :- سمعتك


مالت رأسها على صدره وقالت بصدق :-


_ مش هزار بس نفسي ولادي كلهم يطلعوا زيك ، مهما يكبروا يفضل جواهم طفل بيضحك طول الوقت....


أجاب بضحكة :- هنجننك أنا وولادي


قالت بابتسامة مرحة :- كده اضمن أني مش هزعل خالص


قال يوسف بنظرة جدية :- مين اللي يقدر يزعلك !! وبعدين تعالي عشان نفطر ونخرج نتفسح شوية....


قالت بتردد :- بصراحة ستي حذرتني اخرج قبل السفر....هتزعقلي


نظر يوسف بتعجب وتساءل :- ايه المانع ؟!


مطت حميدة شفتيها بعدم معرفة :- مش عارفة بس هي قالتلي كده ومش عارفة ايه السبب...


يوسف بابتسامة :- خلاص ، نخرج لما نسافر شهر العسل

*******


سانتـــوريني.....


على بُعد ١٠كم من مدينة فيرا عاصمة الجزيرة الأشهر..يقع شاطئ "كماري" ذو الرمال السوداء...وهو الأشهر بين شواطئ الجزيرة..


تتلاطم الأمواج تحت أشعة الشمس الدافئة وكأنها تمرح كالصغار بينما هجرت العواصف تلك الفترة الموسمية من العام....


هناك عائلات يلتفون أسفل مظلة تضم بظلها مساحة مقاعدهم بينما يركض آخرون إلى الشاطئ في مرح....اجساد الرجال والنساء من الغرباء الشبه عارية جعلها تنظر بعيدًا بحياء....


خشيت أن يلتفت إلى أحدى الفاتنات ويتركها هي ، وهي تلك الفتاة البسيطة ، السمراء الشرقية ولكنها لا تدرك سحر الشرق بالغربة....


سمرائه مرتبكة...


يديها ترتجف بقبضته...


حياء أم كبرياء ؟!


أن ظنت أنه سيلتفت لأحداهن العاريات فستكن حقــًا غبية...


بعض الرجال لا تجذب انظارهم العاريات ، بل يجد عمق الأثارة في التستر....بماذا تخبأ تلك العذراء الخجول من فتنة ودلال....


بخاطرة ماكرة يعرفها الرجل الذكي بأن كلما احتشمت الفتاة كلما ادخرت فتنتها لرجلًا واحد فقط...


رجل قلبها وعمرها حتمـًا ، محظوظ من حظى بإمرأة محتشمة تعرف متى تكشف عن فتنتها بما يرضي ربها...لتكن له الجنة التي شيدت لأجله من صالح أعماله ليتنعم باقي العمر بها.


ضم أنامل يدها بقوة...لفتة حنون يقصد بها الدعم ، بأنها وحدها لا غيرها ، علها تبتسم ولو قليلًا ، أو يهدأ ارتجافها ، ويطمئن قلبها الغالي..


كادت أن تتعثر فوقفت فجأة تنظر لحذائها ذو الكعب المتوسط وهو يتأرجح على جانبيه !! نظر رعد للحذاء بتعجب لتقل رضوى بضيق :-


_ الجزمة كعبها اتكسر ، الشط هنا صعب جدًا


حديثها كان صحيح فالشاطئ يصعب السير عليه إلا بحذاء مائي مخصص للمقاومة...لم يعنفها رغم شعوره بالغيظ منها فما ينوي عليه يبدو أنه سيتأخر بعض الوقت...نظر حوله قائًلا:-


_ في هنا محلات نقدر نشتري منهم حاجة مناسبة ، ما تقلقيش أنا هتصرف..


ابتسمت بأمتنان لتفهمه فضاع غيظه وبادلها ابتسامتها بهدوء....جميلة هي وهي تبتسم فيضيء غمازتيها مع سحر لون بشرتها الحنطية المخملية !


أخذها لجهة التسوق الخاصة بالزوار الأجانب وابتعد عن الشاطئ....


بعد مُضي بعض الوقت جلست رضوى بداخل متجر كبير للأحذية يضم أشهر الماركات العالمية تنازليــًا مع الأقل....أتى البائع ومعه حذاء برقم مقاس قدميها فأخذه رعد منه وتحدث معه قليلًا....الغريب أن البائع نظر لرعد بنظرة غريبة ساخرة من تحكم الشرقي بإمرأته وغيرته لهذا الحد....ابتعد البائع عن المكان بأمر رعد بينما انحنى رعد وبدأ يضع الحذاء بقدميها برفق....تجمدت للحظات وهي تراه يجثو أمامها وتقترب أنامله من قدميها  ...


_ ها إيه رأيك ؟ على مقاسك ولا ايه ؟

 ، 

_ تمام....مناسب


انهى رعد دفع فاتورة الحذاء سريعاً ثم عاد اتجاه الشاطئ مجددًا....


خطواتها تبدو مريحة أكثر بهذا الحذاء وأكثر خفة من حذائها السابق...ظلت تسير بجانبه وتجاذبوا أطراف الحديث 


كانت تسير بالقرب من مظلات تتباعد المسافة بين بعضها البعض كلما سارت حتى اختفت تدريجيًا وبقى الصمت بينهما وحولهما...


لاح من بعيد وعلى بُعد أمتار كثيرة كوخ مُخيم صيفي....يبدو وكأن المكان قد هجره البشر فجأة !


أشار رعد لجبل بعيد وقال بحماس :-


_ السحر هيبتدي من بعد الغروب...مستنيه


ازدردت رضوى ريقها بقوة بعدما شعرت أنه يقصدها هي بكلمته الأخيرة..


ابتسم بتسلية وتابع سيره حتى حرر يدها ليحتل خصرها بيده مسيراً بالطريق وكأنه يدعمها كي لا تسقط !


بعد دقائق  تفاجئت أنها تقترب من هذا الكوخ الذي بدا اكبر عن قرب...صاح رعد بكلمات لم تفهما حتى خرج رجل من الكوخ وكأنه كان ينتظر مجيء أحدهم....


صافح رعد الرجل سريعاً وبدأ نقاش بينهما حتى أخرج رعد محفظة نقوده وأعطى الرجل بعض الدولارات ويبدو أنه مبلغ لا يستهان به....ذهب الرجل بينما تساءلت رضوى بدهشة :- أنا حاسة أنك اجرت البتاع ده


اتسعت لبتسامة رعد لضحكة فأجاب :-


_ حاسة مش متأكدة ؟! وبعدين أنتِ تعرفي أن البتاع اللي بتقولي عليه ده إيجاره أغلى من اغلى فندق هنا !


شهقت رضوى بذهول فأكد متابعاً :- عشان بعيد عن الدوشة والمصيفين ، مش موجود منه هنا كتير ، أنا حاجزه من شهور ولمدة أيام..


رضوى بقلق :- طب والفندق ؟


أجاب رعد بتوضيح :-


_ الفندق فيه كل حاجة تخصنا ماينفعش اسيبها هنا لما نخرج نتفسح...هناك أمان لشنطنا وهنا نقضي كام يوم وبعدين نرجع الفندق عادي...


تسللت نظرة رضوى للكوخ الكبير  الحجم وشعرت وكأنها بالعالم وحدها معه.....شعور ممتع لقلبها ولكنه يربكها بقوة أيضاً....


أخذ يدها بابتسامة وقال :-


_ تعالي بقى افرجك الكوخ من جوا شكله ايه


داخل الكوخ.....


وقفت رضوى وبجانبها رعد ينظران حولهما بإعجاب شديد ....كان المكان به باب خشبي داخلي ملون بالأزرق يفصل المساحة المتبقية منه وخلفه حمام صغير بالكاد يساع لفرد واحد....


بينما المساحة الواسعة يفترش الأرض فراش واحد قصير للغاية ارتفاعه بالكاد أقل من نصف متراً وعلى بُعدثلاث خطوات للجهة الأخرى توجد زاوية مكشوفه بها كل ما يخص تحضير الطهي....براد صغير للتبريد وموقد من الغاز على جوانبه رخام يصل طوله من الجانبيه النصف متر....


وسجادة رمادية اللون على شكل دائرة تتوسط المكان ويعتليها طاولة خشبية باللون الأزرق دائرية الشكل لامعة بطلاء أزرق جودته عالية..


وضع رعد حقيبة كتفيه على الفراش بابتسامة وكأنه يرحب بالمكان !


قال :-


_ حجزته مرة قبل كده بس محستش أني مبسوط للدرجادي.


قالت رضوى بصدق وكأن جمال المكان ارغمها على الأعتراف :-


_ كأنه حلم !! شكله غالي فعلًا


اتسعت ابتسامته وأجاب :- الرحلة دي أنا صرفت فيها كل اللي معايا ، يعني هرجع القاهرة مش معايا ولا مليم


قالت بتعجب :- اللي يسمعك مايقولش أنك بتشتغل في شركة اصلًا ملك عيلتك !


اقترب لها والابتسامة لم ترحل من وجهه حتى وضع يديه على كتفيها قائلا بود :- زمان غير دلوقتي يارضوى...زمان كنت بصرف كل اللي معايا ومش هاممني شيء ولا في حد معايا مسؤول مني ، دلوقتي أنتِ معايا ومسؤولة مني وبعد شوية هيكون لينا أطفال بأذن الله...


يعني هفكر فيكم قبل أي حاجة تانية..


على ذكر اطفالهما بالمستقبل أحمر وجهها بحياء بينما بقعة الأمومة بقلبها ابتسمت وتوردت ابتهاجاً لقرب امالها .....أمنية كل فتاة بالأصل....الأمومة


ابتعد عنها بابتسامته واتجه للبراد "الثلاجة" وفتح الباب ليجد الطعام مكدس بالأدراج ويبدو أنه طازجاً والمعلبات الغذائية تتزاحم بجانب بعضها......أخرج رعد مغلف به لحم مثلج ليستعد لطهيه......


وضع المغلف على الرخامة ثم مر بجانب رضوى التي كانت تراقبه بدهشة حتى أخرج من الحقيبة بعض الملابس الأكثر ارياحية من ملابسه..


اتسعت عينيها وهي تراه بدأ يبدل ملابسه فأخفت وجهها بيدها سريعا في خجل وتوتر.....ارتفعت ضحكته حتى انتهى سريعاً وقال بمرح :-


_ يابنتي أفتكري أنك مراتي !


ازالت يدها بالتدريج حتى رأته انتهى وارتدى ملابس صيفية تظهر كتفيه بوضوح ولاحظت أنه قرر أن يعد الطعام بنفسه وبدأ يقطع اللحم ...قالت بغيظ :-


_ مش المفروض أنا مراتك ! يعني أنا اللي اعمل الأكل !


اقتربت له وأشارت له بأمر أن يترك ما بيده من لحم وسكين تقطيع ، ترك اللحم وجذبها من معصمها وقبض عليها كالسارق ليقرب السكين من وجهها بابتسامة مرحة وقال :-


_ الأكل ده لعبتي يا حلوة ، وبعدين أنا اللي أامر هنا وأنتِ تنفذي


_ ابعد السكينة دي عني هتأذيني !!


هز رأسه بمرح وهو يرفض الأمر بينما صرخت خوفا :-


_ ابــــعدها عني !


ضيق رعد عينيه بتعجب من خوفها فرمى السكين بعيداً وأدارها اليه لتواجهه قائلا بضيق :- أنا مكنتش هأذيكي يارضوى ! ده هزار !!


دفعت يديه بعصبية والتمعت عينيها بدموع ثم توجهت للفراش وتمددت عليه وكأنها تختبأ من شيء !!


نظر لها رعد بنظرة طويلة قلقة من خوفها...ما تخفي هذه الفتاة من مخاوف !! دموعها حقيقية لا مزاح فيها ! خوفها يبدو جليــًا بعينيها وملامحها التي انكمشت بضيق !!


اقترب خطوة منها ولكنه تراجع عندما لاحظ ارتجافها من قربه وقد والت ظهرها له هاربة بنظراته الدامعة.....


عاد لأعداد الطعام ونظراته تأت عليها كل دقيقة....


**********


**بقصر الزيان **


ظلت "لِلي" تذرع غرفتها ذهابـّا وايابـّا بعدما غادر وجيه لعمله بالشركة...نظرت لساعتها حتى وجدت الوقت مناسبــًا للأتصال الهاتفي...


مرت دقيقتان حتى أجاب الضابط "رأفت" :- ايوة معاكِ


أجابته للي بلهفة حتى أنها غفلت عن إلقاء التحية وقالت :-


_ ياريت تكون لقيتلي حل


صمت الضابط للحظات ثم أجاب بتوضيح :-


_ راشد وصل بيته من يومين لأنه كان مسافر برا مع شريكه اللي هو أخ مراته "چين ثابت " بس ماجد أخو چين مارجعش معاه وده يفسر أن ممكن يكون راشد رجع مصر مخصوص بسببك...ده احتمال ضمن احتمالات...لسه المعلومات الكاملة هتوصلني بكرة..


لم تفهم للي من إجابته شيء فقالت بحيرة :- مش فاهمة !


قال الضابط بإسهاب :-


_ يعني لو راشد رجع مخصوص عشانك يبقى هيخليكي تنفذي شرط حسام بأسرع وقت ، اللي عايز أعرفه دلوقتي ولازم أعرفه ، هل حسام شرط أن راشد يتجوزك ولا شرطه اكتفى أنك تطلقي من وجيه وبس !


قالت للي وهي تحاول تذكر ما قاله راشد :-


_ كلامه ماوضحش بالضبط بس هتفرق ايه ؟ في الحالتين مطلوب أني اطلق من وجيه !!


نفى الضابط رأفت وقال :- لأ هتفرق كتير ، ياريت يكون اللي في دماغي صح.....لو راشد بيلعب بوصية حسام وخدها حجة عشان يتجوزك لما تطلقي من وجيه يبقى هو كده حفر قبره بإيده....


ضيقت للي عينيها بتعجب وبعض الأمل شع بقلبها ثم تساءلت :- أزاي؟!


ابتسم رأفت بمكر وأجاب :-


_ اللي وقف راشد أنه يقربلك طول السنين اللي فاتت بعد ما اطلقتي هي مراته واهلها لأنه مش قدهم ولا يقدر يقف قصادهم وده اللي فهمته من كلامك....لو ده صحيح يبقى راشد انتهى لأن لو مراته عرفت حقيقة الوصية وغرضه منك مش هتسيبه خصوصا أني عرفت أن جين عملت توكيل رسمي لراشد بورثها في شركات ابوها وراشد بقى شريك ماجد في الشركات وليه اسهم فيها وبشطارته بقى النص بالنص مش بس بورث مراته ، مستحيل جين ثابت أو عليتها تسيب راشد يعمل كده بسهولة خصوصا أن چين مخلفتش يعني مافيش أولاد تقدر تضغط بيهم عليه... توقعاتي أنهم هيسحبوا كل شيء منه بالتدريج وبعدين يطردوه وده لو ما خلصوش عليه ، تاريخ العيلة دي دموي ومعروف لأعدائهم ، ويبقى كده ضرب الظالمين بالظالمين وخلصتي منه...


شردت للي بحديثه للحظات ثم قالت بقلق :-


_ لسه القلق موجود ، طالما راشد شريك ماجد أخو جين يبقى الخطر عليه هو كمان وهيحاول يبعده زي راشد وده بطلاقي من وجيه....


قال الضابط بصدق :-


_ اللي عايز اقولهولك بمنتهى الأمانة أن استمرارك مع وجيه الفترة دي خطر عليه ، بالنسبة لراشد فأن شاء الله توقعاتي تكون سليمة وعليها هنفذ خطتي انما ماجد مش هيسيبك غير لما تطلقي من وجيه....الاحسن تسيبي وجيه قبل ما راشد يتكشف عشان ماجد لما يعرف مايحطكيش في دماغه....


صدمت للي وكاد أن يتوقف قلبها من الصدمة ، تسربت دموعها على وجنتيها بحزن شديد فقال رأفت مواسيا :-


_ الطلاق مش هيبقى على طول ، لحد ما الموضوع يتحل وتقدري ترجعي لجوزك بعد كده


للي ببكاء وقهر :- ارجع !! وتفتكر لو طلبت الطلاق من غير ما أقوله الحقيقة ممكن يسامحني !! ولو قولتله مستحيل يطلقني ! لو قلت يبقى بعرض حياته للخطر ولو كدبت عليه صعب يسامحني !


رأف الضابط بحالتها ولم يجد الكلمات المناسبة لقولها.....سمع نحيبها فقال بعد لحظات :- حياته دلوقتي أهم من زعله...عيلة چين ثابت اخطر مما تتخيلي ومستحيل يشوفوا حد ممكن يكون خطر عليهم ويسيبوه ، حسام انتحر لأنه متأكد انهم هيوصلوله وهيقتلوه..فكري وقرري ، هستنى تليفونك.


انتهى الأتصال ووضعت للي الهاتف من يدها وهي تنتفض من البكاء...وضعت رأسها بين يديها وهي تشهق من البكاء وقلة حيلة عن ايجاد حلول دون الطلاق....


***********


انتهى رعد من إعداد لحم مقدد وبعض الاطباق السريعة والخضراوات   ...


جفف يديه ورتب الأطباق على الطاولة سريعــًا ووقف يتأمل ثباتها وعلى يقين أنها تتظاهر بالنوم.....اقترب منها ببطء حتى جلس على الفراش وجذب يديها حتى اعتدلت رغمـًا عنها...جلست وهي تنظر للأسفل بأعين مرتبكة...وعلى حين غرة أخذها لصدره قائلًا بحيرة :-


_ خوفتي مني ولا من حاجة تانية ؟


ثبتت بقربها وهي ترتجف من الخجل فقالت بإعتراف :-


_ في حرامي دخل بيت خالتي بهية الله يرحمها قبل ما تموت....ولما شافته وصوتت مسكني كده وهددها لحد ما هرب...كنت صغيرة وفضلت أسبوع مش بخرج من حضنها من الخوف...


تنهد رعد وقد خمن سبب خوفها فربتت بحنان على ظهرها ورأسها وقال بمكر :- طب ممكن تعتبريني خالتك بهية ايه رأيك ؟


ابتعدت عنه بنظرة خجولة فضحك ضحكة عالية وقال بمرح :-


_ فكي تكشيرتك دي بقى وتعالي دوقي عمايل ايديا ، وبعدين ده حصلك وأنتِ صغيرة لسه فاكرة !!


تمتمت رضوى بضيق :- اللي زيي لا كان ليها ولا أب ولا أم ولا أي حد لازم تخاف ، أنا معرفتش في حياتي أد الخوف..


جذبها اليه مرة أخرى وقال ببساطة :-


_ أنا مافرقش عنك كتير ، الفرق كان في عمي وجيه وولاد عمامي....بس مافيش حد بياخد مكان الاب والأم ابدًا ، خصوصــًا لما يفارقونا واحنا لسه الشمس بتضحك لبرائتنا وطفولتنا...


الصق جبينه بجبينها ونظر لعينيها بعمق قائلًا بهمس :-


_ بس أنتِ متأكدة أنك مالكيش حد خالص ؟! ماتجربي تنادي عليا كده...عمرك ماهتندمي وعمري ما هتأخر عنك.


رفت ابتسامة على شفتيها بدت مرتعشة ومترددة....قالت بنبرة متهدجة :-


_ هو حد ينادي حد وهوجنبه

ضحك على تذمر ملامحها وغيظها من سخريته ثم نهض وجذبها معها اتجاه طاولة الطعام....


***********


مرت ساعات حتى وقف السيارة أمام فندق الاسكندرية......


خرج آسر ومعه "سما" بابتسامات متبادلة حتى دخل الفندق وتأكد من وصول الحقائب......


صعد للغرفة المحجوزة فدلف بداخلها ومعه سما....نظر اليها قائلا :-


_ هغيب نص ساعة وراجعلك على طول ،هروح لأي دكتور أو صيدلية عشان الجرح اللي في راسي ده وكمان هعمل مكالمة بسرعة وابعت حد لخالد....خليكي هنا وماتخرجيش...


نظرت للحقائب المسندة بأحد الزوايا بالغرفة وبدأت بتفريغهم لتنتهي بعد دقائق بآخر شيء وهو فستان الزفاف الذي نظرت له بنظرة خجولة وابتسامة


...أخذت أحد الملابس ودلفت لحمام الغرفة للأغتسال وأخذ حمام منعش بعد مدة في أتربة الطريق....


خرجت بعد الأنتهاء لتتفاجأ أن آسر قد عاد ويقف مستنداً على الحائط واضعا يديه بجيوب بنطاله بثقة عالية.....خرجت وهي ترتدي رداء بيتي باللون الوردي وخجلت أن ترتدي شيء آخر أكثر ارياحية.....


ابتسم وهو يتأمل خجل عينيها التي تتهرب من نظراته....وتأمل بدقة قطرات الماء التي تسقط من خصلات شعرها الطويل....لأول مرة يرى شعرها ومدى قتامته....يلتف حول وجهها كأنه يحمي ملامحها الصغيرة من مكره !!


اقترب منها وهو يصفر بإعجاب حتى القت المنشفة بعيدا بتوتر وكادت أن تبتعد....اوقفها قائلًا بنظرة ماكرة :-


_ أول مرة أشوفك بشعرك ، شكلك متغير شوية


قلقت من حديثه فقالت بغيظ :- وحش يعني !


ضيق عينيه بطيف ماكر يمر برمقاته حتى رفع يده ليبعد خصلة مبتلة التصقت بعينيها بلمسة رقيقة من أنامله وقال لعينيها :-


_ زي القمر ، أنا شايفك كده..


ابتسمت بالتدريج ونظرت بخجل للأسفل فتحركت خصلاتها بخفة لتنثر عطر فتنتها بعينيه.....خجل الأنثى حتى لو زوجة محبب للرجل....يعطيه هالة من السيطرة تصعد بغروره أمام نفسه.....هكذا شعر...


 ...قال بابتسامة مرحة :-


_ على ما الغدا يوصل هكون خدت دوش سريع


أخذ منشفة من الخزانة وانتقى قميص وبنطال أسود وكأنه يستعد للخروج !! تحرك باتجاه حمام الغرفة....بينما توجهت سما بابتسامة مرتبكة الى المرآة وبدأت تمشط شعرها..


أتى الطعام للجناح الخاص بهما فخرج آسر بعد دقائق وهو بكامل هيئته !! ينقصه السترة الجلدية الفاخرة والحذاء اللامع وسيبدو كأنه يستعد لزفافه من جديد....استقبل العامل الذي اتى بالطعام متحدثا معه قليلا بخارج الغرفة التي بها سما......


رتب الطعام على الطاولة ثم دلف للغرفة بنظرة غامضة لم يريد ايضاح ما بها.....فتح خزانة الملابس على مصراعيها وأخرج فستان الزفاف الذي أخذ حيز كبير من مساحة الخزانة.....استدار لسما التي ابتلعت ريقها من التوتر وتقريبا شحب وجهها....قال مبتسما بمحبة :-


_ فستان الفرح....عايز أشوفه عليكِ


وضعه على الفراش بنظرة مبتسمة بتسلية من ارتباكها وخرج سريعاً.....


نظرت سما للرداء الضخم وهي تعرف أنها ستجد صعوبة كبيرة في ارتدائه دون مساعدة....اقتربت على استحياء وبدأت في ارتدائه.....


بعد دقائق كثيرة..... ....كاد أن يتوجه اليها بالغرفة حتى فتح الباب ببطء وخرجت منه بردائها الأبيض المسترسل خلفها....ابتسم وهو يتأمل وجهها التي زينته ببساطة وخفة ولكن حمرة حيائها فاقت جميع مساحيق التجميل جمالًا.....


ازدردت ريقها بقوة وتكورت غصة بحلقها من فرط التوتر حتى اقترب إليها وقبّل رأسها بعشق وقال :-


_ طب تعرفي أنك اجمل من المرة اللي فاتت ، طبيعتك أحلى بكتير


_ يوم فرحنا ما بدأناش حياتنا بالصلاة وبشكر ربنا.....هنبدأ صح المرادي....اكيد اتوضيتي صح ؟


هزت رأسها بالموافقة فجذبها حتى زاوية اتجاه القِبلة حيث اعد سجاد الصلاة......كان الأمام للصلاة وكانت خلفه تردد آيات الذكر الحكيم وقلبها يردد بعد كل سور دعاء.....


بعد الأنتهاء نظر اليها بمحبة فائقة ونهض ونهضت هي خلفه......


جلست أمامه حول مائدة الطعام وبدأت تأكل ببطء....لحظة تشعر بشهية للطعام ولحظة أخرى تشعر بالضد تمامــًا...


انتهت فترة الطعام تحت نظراته المراقبة بصمت حتى نهضت بتوتر عندما وجدته ينهض وقالت سريعا قبل أن تركض :-


_ أنت اهو شوفتني بالفستان وعجبك...اروح....


قاطعتها يديه التي اوقفتها وقفت وتحاشت النظر اليه فقال بحنان :-


_ ماينفعش يبقى جواكي خوف مني بعد النهاردة...أنتِ بقيتي مني


قطع مسافة كبيرة من درب الخوف بداخلها...واعطاها ما احتاجت اليه من أمان واطمئنان حتى حملها بين ذراعيه.....


وما مكان للخوف بين ذراعيه فقربه حلله الله له ولها....بقصيدة حياء اعترفت بها عينيها من خجل ، وبميثاق شرعي يرضي الله ورسوله...


إلي هنا ينتهي الفصل السادس والخمسون من رواية إمبراطورية الرجال  رحاب إبراهيم


رواية إمبراطورية الرجال  الفصل السابع والخمسون/الثامن والخمسون 


 بهذا اليوم...


جميع الأقنعة وكأنها هدمت ! هُشمت ، قوة التصنع هدرت من داخلها...ماذا تفعل ؟ أغلقت للي باب غرفتها بالقصر ثم توجهت هبوطا على الدرج نحو الحديقة...تريد أن تستنشق بعض الهواء الحر...


مضت عدة دقائق حتى كانت تسير بجانب المسبح بالحديقة.....بدأت الشمس على المغيب واقترب موعد عودة زوجها.....نظرت لتلألأ مياه المسبح التي شبهتها بدموعها المختنقة حتى تحررت العبرات من عينيها....فجأة شعرت بخطوات خلفها تقترب....شعرت بخوف شديد وهي تستدير حتى وجدت نفسها تنجذب من يديها إلى صدر عريض قوي....كانت تعرفه حق المعرفة فرفعت عينيها الدامعتين بالتدريج لتلتقي بعينيه المبتسمة بمرح ، قال وجيه بابتسامة :-


_ جيت بدري النهاردة مخصوص عشانك ، بما أنك النهاردة كمان ما غلستيش عليا وانا في الشغل زي عوايدك !! عندك يومين غياب.


قالها واتسعت ابتسامته بمرح ولكنها وضعت رأسها على قلبه بدموع وكأنها تستنجد بهذا الظن والشعور.....


شعر وجيه بشيء غامض بعينيها فربت على رأسها بحنان واختفت ابتسامته قليلًا وهو يقول :-


_ كده شكلك زعلانة أوي ، في إيه ؟!


كادت أن ترفع نظرتها وتخبره ، عن كل شيء ، وتلقي بهذا الثقل عن قلبها ولكنها تجمدت...وما النتيجة أن اخبرته....ابتعدت قليًلا وبدلًا أن تعترف بالحقيقة تظاهرت بالعصبية....قالت :-


_ في إيه يعني ؟! أنت بتزعلني وترجع تسألني في ايه ؟! ماينفعش تعرف من نفسك ؟


ابتلعت ريقها بمرارة وهي ترى نظرة الدهشة بعينيه ، قال بحيرة :-


_ أنا زعلتك ؟! امتى وعملت إيه ؟!


بأي شيء ستجيب !! كانت الاجابة صعبة ، وغير موجودة بالأساس...هربت نظرة عينيها لجهة أخرى وبدأت تخطو مبتعدة...تتبع وجيه ابتعادها بدهشة....


كأنها امرأة أخرى وليست حبيبته من تهتف هكذا ! لابد وأنه تصرف لدرجة فظة كي يجعلها تصل لهذه الدرجة من الغضب.....


********


دلفت لغرفتها وعلى وجهها أمارات البكاء...الحسرة والألم حتى شعرت بخطواته  بالممر الخارجي وهي تغلق الباب...لم تكن على استعداد لمواجهته...نظرت أمامها بحيرة شديدة ثم وقعت عينيها على المنشفة....اسرعت اليها وتوجهت لحمام الغرفة بخطوات سريعة.....


دلف وجيه للغرفة وشملت نظرته المكان بينما انتبه لباب الحمام وهو يُغلق ....دلف لغرفته بهدوء تحت نظرته المسلطة على باب الحمام وخلع سترته السوداء ثم رابطة العنق.....تزين بالهدوء ريثما تخرج ويفهم ما يحدث.....


ظلت للي مدة تصل للساعة ، بدأ ينفذ صبره بغيظ من تأخرها....والحيرة تتملك منه أكثر فأكثر حتى قرر أن يطرق باب الحمام ويأمرها بالخروج...ولكنها خرجت بعدما نهض من مقعده....


وقف ينظر لقطرات الماء المتساقطة من شعر رأسها...وذات الرداء الذي كانت ترتديه منذ وقت ....توجهت للي للمرآة بمحاولة تجنبه حتى اقترب نحوها وهو يعد أنفاسه بتريث ويحاول أن يتحكم بأعصابه....وقف خلفها وهي تمشط شعرها متسائلا بنبرة حازمة :-


_ ممكن أعرف عملت إيه زعلك كده ؟!


اختنقت الكلمات بفمها ولم تجد إجابة مناسبة ، تابعت تمشيط شعرها بحركات عصبية ثم ابتعدت قائلة :-


_ مافيش حاجة زعلتني


الاجابة الوحيدة التي احتاجتها هي الابتعاد عنه....تعجب من عدم اكتراثها ونبرتها الجافة....كادت أن تأوي للفراش وتخلد للنوم حتى جذب معصمها اليه....أخذ نفسا عميقا ثم نظر لعينيها التي تنظر له كالهرة المرتعبة منه خوفا......فرفق بها قائلا :-


_ مش طبعك ولا طريقتك !! ، هو احنا اتعودنا من أول يوم جواز أن حد فينا يسيب التاني ينام زعلان ؟! انا جيت بدري النهاردة مخصوص عشانك وكنت هعزمك على عشا برا ، تقومي تعملي كده !!


ازدردت ريقها بصعوبة....قالت وهي تنظر له بدموع :-


_ مش لازم نروح مكان معين ، بس عايزة اخرج واتمشى معاك لأطول فترة ، حاسة أني مخنوقة.


مرر أنامله على جانب وجهها برقة وقال بحنان :-


_ اللي أنتِ عايزاه هعمله ، بس مش عايز أشوف دموعك دي مرة تانية ، أنا مش فاهم أنتِ ايه اللي مزعلك بالضبط بس هسيب الموضوع ده لما تهدي الأول وبعدين أعرفه...جهزي نفسك


رماها بابتسامة ودودة ثم توجه لحمام الغرفة ليأخذ دشا سريع....


********


**بشقة جاسر**


ادى جاسر فرضه وانتهى بالتسبيح فابتسمت له جميلة بعدما اعدت طعام العشاء ونظمته على المائدة وقالت :- ياريت تكون دعيتلنا


تظاهر جاسر بالوقار وأجاب وهو يقترب لها :- اكيد يا زوجتي العزيزة...ربنا يحنن عقلك عليا


جلست جميلة على أحد المقاعد بالمائدة وأجابت بتعجب :-


_ يحنن عقلي !! مش كانت قلبي ؟!


جلس جاسر على رأس المائدة ثم أشار للمقعد القريب منه لتترك جميلة مقعدها وتجلس بجانبه ففعلت ذلك...أجاب على سؤالها بمكر :-


_ أه عقلك....عقلك قاسي عليا بس قلبك حنين حنية بنت جنية ...


جميلة بسخرية من نبرته الماكرة :-


_ وأنا اللي فكرتك توبت من خبثك ده ! لسه مصطلحاتك القديمة زي ما هي يا جاسورتي


ابتسم جاسر بمكر يطوف بعينيه وقال :- جاسورتك ! احلى حاجة أني أنا توبت وأنتِ انحرفتي....اوعي ترجعي تاني لكائن البطاطس اللي كنتي عليه الأول ابوس دماغك...


جميلة بثقة :-


_ لا أنا عارفة كويس امتى أبقى فرفوشة وامتى ابقى كائن البطاطس ، وعموما ما تقلقش طالما اتجوزنا هبقى فرفوشة بس...


غمز بابتسامة ماكرة فبدأت تتناول الطعام وأشارت له ليأكل.....


بعد الانتهاء من تناول الطعام جلسوا سويا أمام التلفاز فتنهد جاسر قائلا وهو يقبل يديها :-


_ عارفة يا جميلتي....الجواز طلع حلو اوي...أحلى من كل الفساد اللي كنت فيه....


تفاجئ جاسر بجميلة التي أخذت يده وضغطت بأسنانها بغيظ على باطن يده بعضة جعلت عينيه تتسع بعصبية فهتف :- يا عضااااضة !


نهضت وهي تهتف بعصبية أمامه :-


_ مليون مرة قولتلك ماتجيبش السيرة دي بتعصب !!


تحسس جاسر يده بضيق ثم نظر لها بعصبية ونهض....ركضت جميلة بخوف منه ولكنها هتفت بتحدي :- هفضل اعضك لحد ما تسكت عن الموضوع ده...


صر على أسنانه وهو يركض خلفها ويحاول القبض عليها فصاح :-


_ دي مش عضة انسانة ، لو قلتلك دي عضتك ايه هتزعلي....


وقفت جميلة خلف أحد المقاعد لاهثة من الركض واجابت بضحكة :-


_ ولا يهمني ، مش هتقدر تمسكني...


مرت دقائق من المطاردة حتى أصبحت جميلة بين يديه أسيرة بعدما استطاع الفوز.....وقفت أمامه بنظرة مغتاظة وعينيها على الأرض...وقف أمامها واخفى ضحكته فقال :-


_ ودلوقتي هتنفذي اللي هقولك عليه غصب عنك...


رفعت عينيها لعينه بغيظ وقالت :- يعني ايه ؟!


قال جاسر بصرامة :- الحكم الأول.....


قولي بحبك يا جاسر...


زمت شفتيها بعصبية ورددت الجملة بغيظ :- بحبك يا جاسر


هز جاسر رأسه برفض وقال :- لا ياروحي مش كده.....أنا عايزها بالكاتشب.....قولي بحبك يا جاسر بحنيه


قالت جميلة بعصبية :- بحبك يا جاسر بحنية !


ضيق عينيه بحدة فتوجست منه وقالت برقة رغما عنها :-


_ بحبك يا جاسر


ابتسم جاسر راضيا وتابع :- حلو....الحكم التاني....بعشقك ياروح قلبي وعنيا وتاج راسي..


جميلة بغيظ :- ده أنت قديم أوي !


قال بهدوء مستفز :- انا جاسر كلاسيك...قولي يلا


قالت بتحدي :- مش هقول....


أجاب ببساطة :- تبقي خسرتي...ما تتحدنيش تاني يا طفلة


رمقته جميلة بنظرة سريعة خبيثة....اقتربت منه وقالت برقة أكثر من العادة دون ضغوط :- طب هو أنا يعني لازم تجبرني أقولك بحبك ؟ ماينفعش أقولك بحبك وبعشقك من غير تحدي...


أجاب بابتسامة هامسة وشرد برقتها :-


_ لا طبعا ينفع ياروحي...


تابعت بصوت ناعم وهي تخفي ضحكة كادت أن تظهر على وجهها :-


_ بقى أنا كائن بطاطس يا جاسورتي ؟


هز جاسر رأسه بنفي واكد :- لأ طبعا أنا اللي غبي يا حبيبتي..


انخرطت بضحكة عالية وابتعدت عنها وهي تردد كلمته فنظر لها بغيظ شديد وبدأ يطاردها من جديد.....


***********


بالفندق....


وضع يوسف سماعة الهاتف الأرضي للجناح بعدما تلقى اتصال من موظف الاستعلامات يخبره بذهاب آسر وزوجته عقب انتهاء الزفاف....جلست حميدة بجانبه بعدما انتهت من تمشيط شعرها المبتل وقالت متسائلة :- مالك يا يوسف سرحان كده ؟


قال يوسف ببعض القلق :- آسر ساب الفندق بعد الفرح...لسه عارف دلوقتي !


شهقت حميدة بصدمة ثم قالت :- وساب سما هنا لوحدها ؟!


نفى يوسف الأمر وطمأنها :-


_ لأ اطمني...خدها معاه ، أن شاء الله يكونوا اتصالحوا


ربتت حميدة على كتفيه بابتسامة وقالت :-


_ طالما خدها معاه يبقى هيتصالحوا ، كده اتطمنت..


ترك يوسف كل شيء ونظر لها بعشق ثم تمدد على الأريكة ووضع رأسه على قدميها كالطفل الذي يريد التدلل...ابتسم لها بمحبة وقال :-


_طالما أنتٓ اتطمنتي أنا كده ارتحت...


*********


سانتوريني.......


بالكوخ الخشبي......أخرج رعد كاميرته الخاصة من الحقيبة وبدأ يتفحصها بدقة.....رمقته رضوى بتساؤل فقالت :-


_ أنت هتخرج ؟


هز رأسه بموافقة وقال :- آه...وقت الغروب جه....هاخد كام صورة كده وارجع ، تحبي تيجي معايا ؟


ظلت لحظات تفكر فقال بتشجيع :- مش هتندمي..


قالت متسائلة مرة أخرى :- هي المسابقة بتاعتك هتبدأ امتى ؟ مش شايفة أي حد بخصوص المسابقة ؟!


نظر لها نظرة طويلة ثم أجاب بهدوء :- لسه هتبتدي بعد اسبوعين ، نكون شبعنا فسح...هتيجي معايا ؟


ترددت قليلًا ثم أجابت بموافقة......احكمت حجاب رأسها جيدا ثم خرجت معه.....


على الرمال البركانية كانت تسير بجانبه بينما يراقب رعد رحيل الشمس رويداً رويدًا...نظر لها خلسة بنظرة جانبية فوجدها  تنظر أمامها وهي تسير شاردة...لمست أنامله اناملها في رقة حتى نظرت له بعدما سرت الدماء بعروقها من رجفة لمسة يدها....وجدته يبتسم بشيء من المرح حتى اقتربوا لصخرة عالية ....


نظر لها رعد وقال :- هطلع انا الأول وبعدين هاخد الكاميرا منك واطلعك...


اعطاها رعد كاميرته الخاصة الباهظة الثمن ثم بدأ يتسلق الصخرة...ورغم أن الأمر بدا وكأنه شديد الصعوبة ولكنه استطاع بعد دقائق....


مد يده من الأعلى حتى استطاع أن يأخذ الكاميرا من يدها الممدودة بها ثم أتى الدور عليها لتتسلق الصخرة.....


حاولت كثيرا وبائت محاولاتها بالفشل ، توالت ضحكاته عليها حتى استطاعت رضوى أن تثبت قدميها على أحد بروز الصخرة واستطاع رعد جذبها من يدها حتى صعدت بعد صعوبة ومحاولات كثيرة فاشلة....


جلست بجانبه ونظرت لجريان المياه المائلة للحمرة تحت غروب الشمس بلونها القاني....


طرقعة رذاز الماء المتناثر بفعل تلاطم الأمواج كان ينعش الأنفاس.....صوت جريان المياه ومرح الأمواج يجعل الروح في سكينة وهدوء....شيء من السحر يجعل الصمت هو السائد...


التقطت رعد عدة صور  ولكن قلبه مشغول بالجالسة بجانبه في هدوء غريب.....ترك كاميرته ونظر لعينيها التي شردت للبعيد وليديها التي انعقدت حولها بمحاولة الدفء....شعر برجفتها وقد بدأ الطقس يعلن البرودة الليلية.....


جعلها تقترب اليه وقال برقة :- شكلك هتنامي...حطي راسك على كتفي لو حبيتي...


كان في عرضه مكر....مكر محبب ، ...وضعت رضوى رأسها وارضخت لقوله فثقل رأسها جعلها توافق دون تردد....


غفت بعد دقائق بينما التقط هو عدة صور ومن بينهما صورة لهما وهي نائمة على كتفيه بهذه الأجواء...لم تشعر رضوى بذلك فقد تاهت بالنوم....ايقظها رعد بعد لحظات وقال :- كفاية كده النهاردة


تثاءبت بكسل وقالت :- مانمتش بالطريقة دي بقالي سنين


قال مبتسما بارتياح :- لو عليا مكنتش مشيت....بس ماينفعش نفضل هنا وكمان الدنيا بقت برد....


وافقت رضوى على العودة فهبطوا من أعلى الصخرة وكان في هبوطها بين ذراعيه قرب مربك جعلها تحمر خجلًا.....


تطلع بها رعد بعشق ، ولعينيها الكسولة الناعسة ثم فجأة حملها بين ذراعيه عائدا للكوخ الذي يبتعد خطوات......


حاولت الاعتراض ولكنه صمم وقال :- أنتِ مش هتعرفي تمشي وأنت كده .


بداخل الكوخ الخشبي.......


وضعها بالفراش برفق...كانت تاهت بغفوة مرة أخرى فابتسم لمظهرها الطفولي وهي تحتضن الكاميرا....أخذها منها ببطء والتفت ليضعها جانبًا على منضدة خشبية صغيرة بجانب الفراش....ولكنه عندما عاد ينظر لها وجدها تعلقت بملابسه بدلًا من جسد الكاميرا....


نظر لأناملها المتشبثة به في ابتسامة حنون.....يبدو أن هذه الفتاة بداخلها طفلة لن تكبر....ومخاوف كثيرة يعلم منها ما يعلم.....قبل رأسها برقة وظل بجانبها يتمعن بوجهها النائم في سكون....


**************


بالصباح.....بفندق الاسكندرية


ابعد آسر ستائر النافذة حتى تسللت أشعة الشمس للغرفة....مال الضياء على بشرتها الخمرية ذات العينين النائمة....نظر لها بعشق ومحبة عميقة تنبض بقلبه... سلبت عقله تلك الفتاة ، ما أصبح شيء بداخله الا ويعشقها.....ظل يتأملها للحظات والابتسامة على شفتيه ، حتى تململت بكسل وبدأت تشرق عينيها لهذا الصباح.....


اقترب لها ليبدأ في ايقاظها بمشاكسة ولكنه انتبه لطرقات على باب الغرفة الخارجية....خرج سريعا من الغرفة وتوجه نحو باب الجناح الخاص حتى فتحت سما عينيها اخيرا...


نهضت سريعا وهي تبتسم بخجل شديد وحمدت تلك المقاطعة كي تستطع أن تنهض وترتدي شيء أكثر احتشاماً .....يبدو أن الخجل جعلها تتظاهر بالنوم لمدة كبيرة...


دلف آسر للغرفة بينما كانت تسرع لحمام الغرفة وبيدها احد الملابس...ابتسم بمرح وفهم الأمر.....كانت تتظاهر منذ أن استيقظ وظل مدة يحدثها بكلمات جميلة وظن أنها نائمة.....مرر يده على رأسه بنظرة خبيثة....وانتظرها...


خرجت سما بعد دقائق وهي ترتدي روب مغلق حريري بلون الخوخ...كان الرداء لا يظهر شيء ولكنه يبدو ملفت لدرجة جعلته ينظر لها ولا يستطع ابعاد نظره ولو لحظة....


توجهت للمرآة وهي ترتجف خجلًا وتحاشت النظر إليه تمامًا....وقفت أمام المرآة تمشط شعرها الطويل  بينما أقترب اليها بابتسامته التي تحتضن حيائها بمحبة....


ادارها لتواجهها فقال بعدما قبل جبينها برقة :-


_ .ده أجمل صباح مر عليا


ابتسمت واشتعلت وجنتيها بالاحمرار فرفع وجهها لتنظر له وتابع :-


_ بموت فيكِ يا سمكة....سمكتي


شمس قاربت أن تغيب بموسم الشتاء القريب...الدفء حل بمشارق العاصمة...وبدأ هواء يطوف يحجب ضياء النهار قليلًا وكأنه أروغ عليه وضوح....


دلف وجيه لمكتبه بالشركة....أتت خلفه السكرتيرة مُسرعة وبيدها حافظة ورقية تدون بها كل ما يخص المواعيد القادمة...بدأت في القول حتى قاطعها وجيه وهو يجلس أمام مكتبه :-


_ اجلي كل المواعيد نص ساعة....مش عايز أي أزعاج دلوقتي


تطلعت به السكرتيرة سريعاً وهزت رأسها بموافقة ثم أجابت :-


_ خلاص يا فندم...تمام


ذهبت من المكتب وأغلقت الباب خلفها بهدوء....


تطلع وجيه أمامه للحظات....شارد بتيه...هناك أمر يؤرق قلبه ، شيء غامض بعينيها مضى إليه وسكن حتى انتقلت عدوى القلق اليه....ما بها حبيبته ؟!


حائرة ، تائهة ، حزينة !!


شاردة دائمـًا !!


تظل صامته وكأنها تعهدت أن لا تتحدث !


هل برد توهج الحب في قلبها اتجاهه ؟!


أم اكتشفت أنه لم يوجد حب من الأساس ؟!


تقل كلمة أحبك على أسطر مستقيمة وعينيها مائلة القلم !


منذ الأمس وهو على يقين أنها تخبأ شيء ، شيء لا تريد أن تعترف به !


شيء تخافه حد الصمت القاطن على شفتيها...


شعور مرعب أنك في وهج جنونك بأحدهم يكتشف هو بنصف الطريق أنك لم تكن الحب الذي آمن به وبحث عنه..


الأمر أكثر تدميرا للرجل...والأكثر عندما يكن رجل مثله...اربعيني قد مال الشيب رأسه وقلبه لم تخونه امرأة....


عاصفة من الظنون تصفع جميع الأيام الفائتة من لهيب العشق بينهما...اظلمت ضياء الأمل به.....


تنهد وجيه بقوة ، وحدة ، بملامحه قاتمة من العبوس والضيق ، من الخوف من الآت....نعم خائف


خائف أن تصح ظنونه وتكن حبيبته مزاجية العشق...موسمية المشاعر...تارة تكن نارية بهجيج يشعل محبته ويوقد نيران قلبه محبة ، وتارة تكن برداً وممطرة الأحزان والفراق...


ويلًا لقلبه إذا صدق ظنه...


صدح صوت هاتفه الخاص...أخرج الهاتف من الجيب الداخلي لسترته الكحلي الزاهية...نظر لشاشة الهاتف وابتسم كأن احرف اسمها كونت الأمل من جديد.....أجاب بلهفة :-


_ تعرفي أنك وحشتيني وكنت هتصل بيكِ ؟


ابتلعت لِلي ريقها بقوة واجابته بنبرة تخللها شيء غامض :-


_ سبقتك واتصلت أنا


اجفل وجيه من أجابتها الفاترة....ما كانت تقابله بذلك الجفاء في الأجوبة...مابها ؟! قال وتغافل عن ظنه :- كنتِ عايزة تقولي إيه ؟


تلعثمت في القول ولم تجد إجابة....ظلت صامته للحظات ثم قالت :-


_ لا أبدًا حبيت اطمن عليك ، واتطمنت الحمد لله...اسيبك بقى عشان ما اعطلكش عن الشغل...مع السلامة


أجابها ببطء وانتهى الاتصال سريعاً....وضع وجيه الهاتف وعادت نظرته الحائرة لعينيه...اتصالها لم يطمئنه بل زاده قلق وحيرة !


*******


نهضت لِلي من مقعدها بعدما انتهى الأتصال....تذرف عينيها دموع القهر.....قبل اتصالها بوجيه تلقت اتصال من *راشد* يهددها بالرحيل من القصر اليوم وطلب الطلاق وإلا سيصلها رد فعل سيكن طعنة تقتلها بالبطء.....تعرف ماذا يقصد....


نهضت وأخذت حقيبتها التي اعدتها سريعا دون ترتيب....فاجئها اتصال على الهاتف الأرضي....أجابت بعدما رأت الرقم :- الو


أجاب رأفت سريعا :- أنا أسف مكنتش في المكتب وتليفوني مكنش معايا ، ايه الجديد ؟


شرعت لِلي في البكاء بقوة وقالت :-


_ راشد اتصل بيا بعد وجيه ما راح الشغل وهددني لو ما مشيتش من القصر وطلبت الطلاق النهاردة هينفذ تهديده ويأذي وجيه...أنا اتصلت بوجيه وحاولت أعترفله بس مقدرتش لأنه مستحيل يسيبني ، بس راشد مجرم ومش هيتراجع عن تهديده ومش هيخاف من حد.


تمتم الضابط بكلمات غاضبة ثم قال بحدة :-


_ خليكي في القصر ولو اتصل بيكي قوليله مشيتي وطلبتي الطلاق.


لِلي بألم...قالت :-


_ كنت هعمل كده بس لقيته عارف كل تحركاتنا ، راشد حاطت جاسوس ليه هنا بس مش عارفة مين ، هو عارف وحاسب كل شيء.


صمت الضابط بضيق وقال :- هتروحي فين ؟


أجابت لِلي وهي تمسح عينيها الغارقة بالدموع :-


_ هروح شقتي لحد ما أشوف مكان تاني ، راشد هيراقبني اكيد وانا مش عايزاه يعرف مكاني...


قال الضابط :- لازم تعرفيني كل شيء أول بأول وانا بشتغل على خطتي وأن شاء الله الموضوع ده يخلص على خير...


قالت لِلي بتمنّي ورجاء ودموع :- يـــارب


انتهى الأتصال ووضعت لِلي سماعة الهاتف...نظرت للغرفة باشتياق وحزن شديد...لا تعرف هل ستعود إليها مجددًا أو لا ولكنها لابد أن تأخذ حذرها حتى تمر تلك الطامة عن حياتها....


جرت حقيبتها الكبيرة ووضعت ورقة مكتوب عليها كلمة طعنتها بكل حرف......"طلقني"


تعرف أنه لن يفعل ذلك دون مواجهة....ستبتعد بعض الوقت حتى تجد حل لهذه القضية بعيدا عن الخطر الذي يلتف حوله....


خرجت من الغرفة ثم خرجت من القصر كاملًا.....


*********


**بفندق القاهرة**


ظلت حميدة تمرر يدها على رأسه بحنان حتى أغلق عينيه وتاه بغفوة...ابتسمت له ولم تفارق عينيها ملامحه الحبيبة... ثم صمتت في تأمل تام لهدوء سيماه التي للغرابة بدأت تنكمش بضيق حتى فتح عينيه فجأة واعتدل وهو يأخذ أنفاسه المتسارعة.....قلقت حميدة وتساءلت :- مالك يا يوسف ؟


ازدرد يوسف ريقه بقوة وقال :-


_ حلم ، لأ كابوس ، أنا وجاسر وعمي وجيه كنا بنغرق وفجأة لقيت نفسي....


قاطعته حميدة بخوف ضج بعينيها وقالت :- ما تكملش....قوم اتوضى وصلي واستغفر ربنا وادعي بالخير....مافيش حاجة أن شاء الله


هز يوسف رأسه بموافقة والتيه لا زالت بعينيه.....نهض قائلًا :-


_ هتصل اطمن عليهم وبعدين هروح اتوضا....


تركها واتجه لحمام الغرفة بينما اطرفت حميدة عينيها بقلق وخوف...تعرف أن احلامه نادرا ما تخيب....استغفرت ربها ورددت بعض الأذكار من هذه الوساوس التي تضايقها.....


*******


نهض وجيه من مقعده وقرر فجأة العودة للقصر....لم يستطع التركيز على شيء وعقله بهذا الضجيج ، تلقى فجأة اتصال من رقم يوسف فأجاب سريعا ببعض القلق :- ايوة يا يوسف


تظاهر يوسف بالمرح بعدما أجابه عمه بسلام :- وحشتني أوي يا عمي وقلت اتصل بيك.


أجاب وجيه بهدوء حتى لا يشعره بشيء :- وأنت كمان يا حبيبي وحشتني أوي....ترجع أنت وولاد عمامك بالسلامة أن شاء الله ونتجمع من تاني بس المرادي مش هتكونوا لوحدكم.


ابتسم يوسف بارتياح وقال :- بأذن الله يا عمي...الحمد لله سمعت صوتك واطمنت عليك ، أنا عارف أنك في الشغل...مش هعطلك.


انتهى الاتصال حتى وضع وجيه هاتفه بجيب سترته مجددا وترك المكتب في لهفة غريبة.....


********


بجزيرة سانتوريني......شاطئ كماري


دقت الساعة الحادية عشر صباحاً.....لم تكن تعلم أنها ستتأخر بالنوم هكذا والأغرب أنه تأخر أيضاً ولم يستيقظ...


فتحت رضوى عينيها لتجد أنها تغفو على صدره ، ويده تحاوطها بضمة حنون كأنه يضم طفلة صغيرة....اعتدلت بارتباك وتمتمت وهي تلتقط أنفاسها من الخجل واستغفرت ربها وكأنها ارتكبت ذنب!!.....نظر لها رعد بحاجب مرتفع وقال بحدة :- نعم !


التفتت له بارتباك وتلعثم حتى اعتدل أيضا بملامح منفعلة وهتف بغيظ :- أنتِ عندك زهايمر يارضوى !! أنتِ بتستغفري ليه هو أنا مش جوزك ؟!


نظرت له بنظرة متسعة فتابع بغيظ :- أنتِ نسيتي صح ؟


هربت بنظرتها ثم هزت رأسها بالإيجاب وبدأت الابتسامة تشق ثغرها.....قالت وهي تكتم ضحكتها بسخرية من سذاجتها :-


_ معلش لسه عروسة جديدة ومش واخدة عليك ، يعني بقالي ٢٤سنة آنسة عايزني انساهم كده في يومين !


ظهر الغيظ بنظرته وقال بعصبية :- آنسة ! ده على أساس أن حياتك اختلفت ! ما أنتِ اللي خزان أحزان وأنا لحد دلوقتي بحاول احتوي أحزانك يا شقائي ودمعتي !


تدرجت ابتسامتها لتنخرط بضحكة عالية رغما عنها من ملامحه الغاضبة وانفعاله....ابتسم ببعض الغيظ وقال :- يا مستفزة !!


ارتفعت ضحكاتها لعدة دقائق بطريقة هستيرية عجيبة...شاركها رغما في ضحكاتها ثم قال ليستفزها :- قومي بقى حضرلينا الفطار ، اظن دلعتك من ساعة ما وصلنا لهنا.....


نهضت من الفراش بموافقة وكاد هو أن يعود للنوم حتى جذبته من يده بضحكة عالية وقالت :- تعالى ساعدني.


نهض مرغما واخفى ابتسامته من مرحها الغير معتاد......تركته يُعد طعام الفطار ودلفت للحمام لتغسل وجهها.....نظرت لباب الحمام الذي أكثر من نصفه زجاجي بضيق ثم دخلته مرغمة.....


خرجت بعد دقائق وهي تجفف وجهها بالمنشفة فسرق رعد المنشفة من يديها لإغاظتها ودلف للحمام قائلًا :- أخرج الاقي الفطار جاهز


برمت رضوى شفتيها وتقدمت لزاوية المطبخ لتتفاجئ أنه أعد الطعام بالفعل بسرعة يُحسد عليها....ابتسمت وهي تنظر للأطباق المعدة بترتيب...


*******


**بشقة جاسر**


دلف لغرفة نومه ليجد جميلة بدأت تُعد حقيبة السفر لقضاء شهر العسل بأحد المنتجعات السياحية.....ابتسم وهو يقترب لها وقال :-


_ شكلك حلو وأنتِ قايمة بدور ست البيت ومنظمة كل حاجة كده..


قابلته بابتسامة واثقة وأجابت :-


_ أنا طول عمري منظمة..


جلس على الفراش ثم تمدد عليه وأراح ظهره قائلا بابتسامة شاردة :-


_ كنت مفتقد الدور ده في حياتي من سنين...الاستقرار أمان


رمقته بابتسامة وراحة من حديثه الذي يتضح انه نابع من قلبه وهي ترتب الملابس بالحقيبة حتى انتبه جاسر لصوت هاتفه بخارج الغرفة...نهض من الفراش وقال :-


_ هشوف مين الغتت اللي بيتصل...


خرج من الغرفة وتوجه للصالون ليلتقط الهاتف من على الطاولة ، انكمشت تعابير وجهه عندما ظهر اسم "كاريمان" على برنامج اظهار هوية المتصل فقد حذف رقمها من هاتفه سابقاً.....تردد في الأجابة وتوترت عينيه قليلا....تذكر شيء فأجاب ببطء.....:- الو ؟


هتفت كاريمان بعصبية وقالت :- لسه بتقول الو ؟ أنا قالبه عليك الدنيا ومش عارفة اوصلك وحتى البواب مش راضي يطلعني شقتك !!


نظر جاسر لغرفة النوم في توتر ،ابتعد لأبعد مسافة لا تستطيع جميلة الانتباه لما يقوله ثم قال من بين شفتيه بغضب :-


_ عايزة مني ايه سبيني في حالي....اللي كنت عايزه منك عرفته وتوتو ما طلعتش حامل...واظن أنك خدتي مني اللي هيكفيكي لشهور جاية يبقى عايزة مني ايه تاني ؟!


ضحكت كاريمان بسخرية ثم قالت :-


_ لا يا حبيبي ما تطمنش أوي كده لأني مش عايزة أصدمك وأقولك أني كنت بكدب عليك عشان كنت محتاجة الفلوس اللي بعتهالي....انما الحقيقة أن توتو حامل وتعبانة بجد وممكن يحصلها حاجة في أي وقت بسبب الحمل.....تدفع كام بقى عشان الخبر ده ما يوصلش لمراتك....نص مليون واسكت....


ضيق جاسر عينيه بصدمة...ليس من المبلغ ولكن من صدمته بما قالته عن خبر الحمل.....اختنق الصوت بحنجرته للحظات ثم قال بصوت محشرج :- مستحيل ....اكيد أنتِ كدابة ، دي تبقى كارثة !


قالت كاريمان بذات السخرية :-


_ الكارثة دي يا عنيا أنت السبب فيها محدش دبسك !! واللي غلط يشيل شيلته....وبما أن توتو دلوقتي جبتها شقتي عشان باعت شقتها عشان تعمل العملية فهتكون مسؤوليتي...يعني حتى لو حبيت تشوفها لازم تستأذن مني الأول....الخيوط كلها في ايدي يا جاسر ولازم استفيد...اديني اللي عايزاه وهعملك اللي عايزه حتى لو عايزني اسقطها هعمل كده...


اتسعت عينيه بذهول وهتف :- أنتِ مجنونة ! دي مريضة يعني خطر على حياتها....إياكِ تعملي كده !


كاريمان باستهزاء :- من قلبك !! ده أنت منى عينك تخلص من اللي في بطنها عشان ست الحسن والجمال مراتك ماتعرفش ! فكر كويس وبص لمصلحتك...هتضرب عصفورين بحجر ، هتخلص من اللي في بطنها ومن زني انا كمان بعد ما أخد الفلوس ويمكن تلعب معاك وتوتو تموت فيها ويبقى كده خلصت من كله....


هز جاسر رأسه بعدم تصديق...بذهول الهب عينيه وقال :-


_ أنتِ حيوانه مش بني أدمة !! اقذر واحدة شوفتها في حياتي ، توتو على رغم من اللي بتعمله بس انضف منك


تملك كاريمان الغضب وقالت بتحذير :-


_ كلمة كمان وهبلغ الهانم مراتك بالخبر وبرضو هتدفعلي الفلوس غصب عنك ، وما تتحدانيش عشان أنت ما شوفتش وشي التاني لسه....


اغلق جاسر الأتصال ووقف مصدوما وأثار الصدمة واضحة بعينيه.....أتت جميلة ورأته هكذا فوقفت أمامه بقلق وتساءلت :-


_ مالك يا جاسر في ايه ؟!


نظر لها بنظرته المصدومة للحظات دون أي رد فعل...حتى جذبها اليه بضمة قوية وكأنها ستفارقه عما قريب....قال بنبرة راجية والحزن يأكل عينيه وخوف يقتلي بهما :-


_ مافيش يا حبيبتي...احنا لازم نسافر نتفسح ونفرح ونلف الدنيا كلها...مش هسيب مكان غير وهوديكي ليه....


ابتعدت جميلة خطوة واحدة وهي تنظر له.....تعرفه وهو خائف من شيء...اخفت قلقها وقالت مبتسمة بتظاهر :-


_ مش لازم نروح كل الأماكن....كفاية نبقى مبسوطين ومع بعض


جذبها مرة أخرى اليه وقال بقوة وكأنه يؤكد شيء ، أو خائف من الفراق :-


وهتفضلي جانبي.....هتفضلي اكيد


********


**بقصر الزيان.....


عاد وجيه للقصر وبداخله اشتياق لرؤيتها....رغم أنه تركها منذ ساعات قليلة ولكن اتصالها جعله يقلق من شيء غامض لا يعرفه.....


أسرع حتى غرفته الذي فتح بابها بابتسامة معدة لاستقبالها حتى وجد الغرفة خالية.....نظر للشرفة المفتوحة فظن أنها تجلس بداخلها فتوجه اليها بخطوات سريعة......


شيء يقول أنها هجرت !


ربما هذا الشيء ظنه....أو خوفه !


لم يجدها أيضا بالشرفة فأستدار ليبحث عنها بالخارج حتى انتبه للورقة المثبت عليها زجاجة عطره......أطراف الورقة البيضاء متدلية تترنح بالهواء فجذبها اليه بتوجس.....ليجد الطعنة التي كانت طعنة قاتلة لم يسبق أنه شعر بهذا القهر قبلاً....


💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖


 - الفصل الثامن والخمسون


عاد وجيه للقصر وبداخله اشتياق لرؤيتها....رغم أنه تركها منذ ساعات قليلة ولكن اتصالها جعله يقلق من شيء غامض لا يعرفه.....


أسرع حتى غرفته الذي فتح بابها بابتسامة معدة لاستقبالها حتى وجد الغرفة خالية.....نظر للشرفة المفتوحة فظن أنها تجلس بداخلها فتوجهه اليها بخطوات سريعة......


بشيء يقول أنها هجرت !


ربما هذا الشيء ظنه....أو خوفه !


لم يجدها أيضا بالشرفة فأستدار ليبحث عنها بالخارج حتى انتبه للورقة المثبت عليها زجاجة عطره......أطراف الورقة البيضاء متدلية تترنح بالهواء فجذبها اليه بتوجس.....ليجد الطعنة التي كانت طعنة قاتلة لم يسبق أنه شعر بهذا القهر قبلاً....


كلمة واحدة ولكنها كآخر الأنفاس بالحياة....كوداع الأحبة...تطلع بالكلمة وبكل حرف فيها...يريد التأكد انها تقصد معناها....حروف تفرقت وتجمعت أمام عينيه لتجمع تلك الكلمة القاتلة لآخر آماله....


هز وجيه رأسه رافضاً الأمر....بعينين التهبت من الألم والغضب...بقلب يبرم معاهدة مع الألم...وردد بذهول :- مستحيــــل ، مستحيل أصدق !!


دلفت أحدى الخادمات للغرفة ذات الباب المفتوح لتهم بالتنظيف....نظرت له بتوجس حتى استدار وجيه اليها وصاح بعنف :-


_ لِلي فين ؟!


أجابت الخادمة بتوتر :- أنا شوفتها خارجة ومعاها شنطة سفر ، مقالتش لحد فينا أي حاجة..


طاحت التيه برأسه مجددًا..وعصفت بأفكاره كل الظنون....خنق الورقة بقبضته بغضب ثم خرج من الغرفة بخطوات واسعة...


********


إن الحسنات يذهبن السيئات....هكذا قال الله تعالى في كتابهِ العزيز...


بشرى لقلوب المؤمنين ، والتائبين من الذنوب....وكما أن الله يغفر الذنوب جميعـًا إلا الشرك به...إذن الأمل في الغفران قائم مقاماً مستقيماً....يلزمه توبه نصوح ،ويلزمه استغفار ، ويلزمه كفارات مثل الصدقات والصيام....


الأمل موجود برحمة الله.....


علم "جاسر" طريق الصلاة....وسار إليها بالفرض والسُنة...سجد لربه محبة وتوسل...يرجو المغفرة ، ويرجو إزاحة ظلام الماضي من الآتِ...استغفر بالسجود ....


بقلبه.....وكيانه...في حضرت الله


انتهى من صلاته ولكنه لم ينهض بل ظل جالساً يسبح على يديه....اطمئن بعض الشيء...زارته السكينة...


اقتربت منه جميلة بابتسامة وقالت :- حرماً


التفت لها بنظرة مطمئنة وأجاب :- جمعاً أن شاء الله...


أحبت رؤيته يصلي ،ونظراته الهادئة بعد الصلاة...تأملت عينيه براحة وقالت :- حضرت الغدا....يلا نتغدى بقى


نهض من موضعه وهو يطوي سجاد الصلاة وقال بصدق:- بصراحة مش جعان...


اتسعت ابتسامتها وقالت بمرح :- تصدق وأنا كمان !!


تمدد على فراشه وأشار اليها لتقترب...اقتربت جميلة بابتسامة رقيقة حتى جذبها اليه وتمددت بجانبه فوضع رأسها على صدره ثم ربت عليها برفق....قال :- ساعات من كتر ما بنحتاج الأمان بنسكت...بنحتاج بس الناس اللي بنحبهم يبقوا ايدهم في ايدينا....


احاطت يدها على صدره وقالت بصوت يشبه الهمس :-


_ حساك دايمًا محتاج للأمان ! ليه كل الخوف ده جواك ؟!


تنهدت جاسر بعمق ثم قال باعتراف :-


_ لأني غلطت كتير ، ما تفتكريش الذنب بيدي المتعة بس ، الذنب ده كتلة عذاب متغلفة بطبقة بسيطة من الشكولاتة ، بسيطة جدًا....بتختفي بسرعة وبيبان طعم المرار بعدها...مرار بطعم الندم....نكهة علقم ما بتروحش..


نفت جميلة وقالت :- بتروح بالتوبة ، ربنا ادالنا رحمته في التوبة ، والدعاء ، والاستغفار...وحاجات كتير أوي ....تعرف أن حتى الندم بعد الذنب بتؤجر عليه !


وافقها جاسر وقال :- الندم أول خطوة ، بس باقي الخطوة هو أصرارنا أننا ما نرجعش....قرار صعب وخصوصا أننا مالينا الضعف..


اسندت جميلة رأسها على صدره وقالت بلطف :-


_ الجنة مش ببلاش ، ضعفك مع توبتك بتساوي أجر كبير عند ربنا....زي بالضبط الانسان المريض اللي مش بيقدر يقف وعافر عشان يتوضأ ويصلي....هل هيبقى زي السليم اللي أتوضأ بسهولة وصلى؟!


الاتنين ليهم اجر الصلاة ولكن الأول خد ثواب الأصرار رغم الضعف....المفروض ما تخافش من ضعفك...خُد ضعفك وروح لربنا واترجاه للمغفرة......


تساءل جاسر بقلق :- طب والبشر....بيسامحوا؟


قالت جميلة وقد شعرت بما خلف سؤاله فأجابت :-


_ لو بيحبوك هيسامحوا....


تسللت ابتسامة إلى شفتيه فتسللت يده لإضاءة المصباح القريب واغلقها بواسطة مكبس صغير.....غرقت الغرفة بالظلام إلا قليلًا


*********


سانتورينـــي......


السير على الرمال البركانية تحت أشعة الشمس يبدو مغري.. ..


يقبض على أنامل يدها بقوة ورفق معاً....كانت تلهو قدميه بالرمال سيراً حتى تساءل فجأة :-


_ أنا أول واحد في حياتك يا رضوى ؟! يعني حبيتي قبل كده ؟


توقفت رضوى فجأة من الدهشة والتفتت له سريعاً وكأنه يتهمها بتهمة كارثية.....قالت بحدة :- تقصد ايه ؟!


أوضح بنظرة ثابته على انفعالات وجهها :- سؤالي واضح....على فكرة بسأله لأنه جه في بالي فجأة مش لأي سبب تاني...


سحبت يدها من قبضته بعصبية وقالت:-


_ عمري ما عرفت حد ولا كلمت حد....يعني في الآخر عمري ما حبيت قبلك....


ابتسم بمكر يتمايل بعينيه وقال :- قبلي....


ضيقت عينيها بغضب وقالت :- قول أنك عايز توصل لكده !!


تركته وركضت للكوخ في خطوات عصبية واضحة....تأملها بنظرات متسلية وأسرع إليها......


****بالكوخ****


خلعت حذائها بعصبية ودفعته بحركة عشوائية واتجهت للحمام بنظرات منفعلة.....اوقفها صوته قائلًا :- استني يا رضوى..


توقفت ولكنها لم تستدير له....اقترب اليها خطوة خلف أخرى حتى وقف خلفها واضعاً راحتي يديه على كتفيها وهمس بأذنها برقة :-


_ ما تزعليش مني يا رضوى....سؤالي كان طبيعي بسبب موقفك بس إجابتك اتحفرت جوايا....مش ندمان أني سألته...


ابتلعت ريقها لقربه....همسه أربك دفاعاتها فاستدارت متظاهرة بالعصبية حتى جذبها اليه وهمس بقرب اذنها مجدداً :-


_ احساس يجنن أنك لما تقوليلي بحبك تكوني بتقوليها لأول مرة وقلبك ما قالهاش لحد غيري....أنا بحب كل حاجة نادرة وأنتِ مالكيش زي...تركيبة ما شوفتهاش في حد غيرك...


انتفض جسدها بحياء وابتعدت قليلًا.....هجم السؤال على شفتيها رغما وقالت :- مش فاهمة ؟!


هي تفهم مدحه...ولكنها تريده يخبرها عن نفسها بعينيه.....ابتسم لها عشقاً وقال :- كل حاجة بحبها....الكسوف والشقاوة....بريئة جدًا ،ومكارة جدًا.....بتبعديني وأنتِ مش عايزاني ابعد ! وبحب ضحكتك بعد الدموع...وحاجات كتير......هقولك عليها واحدة واحدة...


ترددت ابتسامة على ثغرها في الظهور.....قال بقرب عينيها :-


_ لسه زعلانة ؟


صعد المكر بداخلها فنظرت له بابتسامة اخفتها وهزت رأسها بالايجاب.....فهم ما خلف نظرتها الماكرة فحملها بين ذراعيه لخارج الكوخ باتجاه البحر.... فهتفت بصوتٍ عالي :- رايح فين ؟!


قال بضحكة :- هخلي المية تصالحك....لما تغرقي هبقى انقذك


تحركت قدميها بحركة عصبية ليتركها بينما ضحكات تتعالى بداخلها.....اقترب رعد من المياه وهو يحملها وبدأت المياه تغمره رويداً رويدا مع صيحاتها.....حالفه الحظ فلم يظهر مخلوق حولهما !!


تعالت ضحكاته عليها وهي تطرق بذراعيها على المياه لتطفو حتى اسندها من خصرها ورفع ذراعيها على كتفيه قائلًا بانتصار :-


_ ها لسه زعلانة ولا تغرقي وتزعلي للأبد.....


اتسعت ابتسامته بوجهه الذي يقطر الماء بشدة.....قالت وهي تلهث وتتمسك بذراعيه جيدًا....قالت مرغمة :- خلاص مش زعلانــــــــة !!


رماها بنظرة مبتسمة ثم جذبها إلى الشاطئ ليحملها مجددًا وهو يسير على الرمال عائدًا للكوخ....


قد ترك الباب مفتوح فدلف إليه بيسر حتى انزلها على الأرض واجسادهما تتساقط منها المياه بشدة....


اجتاحها لفحة برد فجأة فبدأ يظهر عليها الرجفة....لاحظ رعد ذلك فتوجه إلى خزانة الملابس الصغيرة وأخرج منه ملابس مناسبة لها...


قال لها وهو يعطيها ملابسها الجافة :- بدلي هدومك عشان ما تاخديش برد...تحبي اساعدك ؟


اخذت الملابس منه وأسرعت للحمام وهي تجيبه بالرفض فابتسم بمرح....


توجه رعد مرة أخرى إلى الخزانة ليبدل ملابسه المبتلة هو الآخر....خرجت رضوى من الحمام  تفاجئت أنه يكاد أن يرتدي تيشرت أبيض فأخفت وجهها بخجل وتوتر......تباطيء في الانتهاء وهو يضحك بتسلية من خجلها حتى ارتدي تيشرته ثم قال :-


_ خلاص فتحي عينك....


سقطت يديها ببطء حتى استطاعت النظر له....قالت وهي تتهرب من عينيه المتطلعة فيها بجرأة ولردائها الضيق من المخمل:-


_ هروح اجهز الغداء...اكيد جوعت


اجابها ببطء متعمد :- آه


ازدردت ريقها بتوتر واتجهت لزاوية المطبخ المطلة على البحر مباشرةً.....تركت شعرها حراً طليقاً حتى يجف من ماء البحر بينما تطاير من النسمات الزائرة من النافذة....


اقترب اليها بنظرة مدققة حتى جذبها لتقف أمامه وابعد الخصلة المتطايرة وازعجت عينيها....ثم وقفت نظرته على عينيها قائلا بمحبة :-


_ أنتِ عملتي فيا ايه ؟! لحد دلوقتي مش لاقي إجابة !!


أطرفت عينيها بتوتر حاد ولم تستطع قول شيء.....استطرد بهمس :-


_ ماتختبريش صبري كتير لأني مش صبور....بس صبرت عشانك أنتِ....لأنك استثناء...


قالت بتلعثم وارتباك:- يعني ايه مش فاهمة ؟!


هز رعد رأسه بابتسامة وأجاب :- أنتِ فاهمة وعارفة بس خايفة...


أنا جانبك عشانك...وجانبك وليكِ....


اسدلت رضوى عينيها بلمعة باكية مرت بعينيها فجأة....الأمان يأتِ فجأة على هيئة دموع ! فضمها برقة.....وقال :-


_ خليكِ فاكرة الأيام دي كويس ، عيشي تفاصيلها بكل روحك ، عشان لو غلطت في حقك في يوم تكون ليا ذكريات حلوة تشفعلي...وتعرفي أني اتحملت فوق طاقتي عشان اوصلك...


تعجبت وتساءلت :- فوق طاقتك !!


اكد بقوة :- بُعدك في قربك فوق طاقتي...وحقي في قربك موجود...بس اتعلمت أن الجواز مش مجرد اتنين عايشين مع بعض وخلاص....


لو أول خطوة فيه مكنتش فيه مشاركة ومحبة يبقى الاساس هيقع في أول مشكلة ولو موقعش فيها هيقع في اللي بعديها....


*************


وقف وجيه أمام شقتها الخاصة بنظرات شرسة...خطرة ومتوعدة ، ورغم ذلك الاشتياق المجنون اليها يعصف كل غضب...لا يصدق أنها ابتعدت بهذه البساطة وتريد الطلاق !!


بداخل الشقة رفعت لِلي سماعة هاتفها الارضي....فقد اغلقت هاتفها الخاص منذ رحلت من القصر....أجابت وعينيها تغرقها الدموع :- الو


قال راشد بضحكة منتصرة :- برافوا عليكِ ، كنت شاكك أنك هتسمعي كلامي وتنفذيه...بس نفذتيه بالضبط واتأكدت كمان من الورقة اللي سبتيها....الطلاق لازم يحصل بأسرع وقت.


كتمت لِلي فمها كي لا تظهر ضعفها وقالت بتظاهر :- طيب...وجيه هيطلقني طالما سيبت البيت وطلبت اتطلق...هو ما بيحبش حد يمس كرامته...


سخر "راشد" بشماته :- كرامته!! وكرامته فين لما تطلبي الطلاق بعد أقل من شهرين لجوازكم !!


التهب الغضب بداخلها بعدما فهمت مقصده واقسمت لو كان أمامها لصفعته حتى جعلت وجهه ينزف دماء....فكأن الذباب يُكيد للثعالب !


اغلقت الخط حتى لا تنفعل وتلفظ الشتائم....فإلى هنا ولن تسمح بإهانة زوجها أكثر من ذلك....


كادت أن تجلس على فراشها بعينيها الدامعة حتى انتبهت لطرق شديد على باب الشقة....ابتلعت ريقها في قلق فلابد أنه وجيه....


خشيت حتى أن تذهب وتتأكد من العين السحرية فرؤيته ولو من بعيد تكفي لأضعافها وركضها اليه....


تنتظر اليوم فقط حتى ترحل من هنا فجراً لشقة خالية لأحدى صديقاتها التي اتفقت معها بعدما اتت لهنا منذ ساعات....


تجاهلت الدق تمامًا حتى توقف بعد دقائق كثيرة.......


يأس وجيه وغادر المبنى....فليست ساذجة لتأتي الى هنا وهي تعلم أن هذا أول مكان سيبحث عنها فيه....


*********


بالمساء.....


اعتدلت سما بكسل بفراشها والتفتت جانبـًا لتجد أن آسر يغرف في سُباتٍ عميق...مررت يدها برقة على جانب وجهه ثم رأسه بحنان وفجأة تذكرت اعترافه وما عاناه....ادمعت عينيها بعاطفة كبيرة....


حتى مرت دموعها على وجنتيها وهي تنظر له بحنان ليفتح جفنيه ببطء وكسل...تفاجأ من عينيها الدامعة فأعتدل سريعا وتساءل بأعين ازعجها ضوء الغرفة.....وقال بقلق :- بتعيطي ليه ؟!


مسحت سما عينيها وقالت :- لا ابدًا مافيش حاجة....


صمم على معرفة الأمر :- لأ في...قوليلي بتعيطي ليه ؟!


ابتلعت سما غصة بحلقها واعترفت :-


_ اصلي افتكرت لما قولتلي سبب معاملتك ليا ....قلبي وجعني عشانك وقعدت اعيط...


اجهشت بالبكاء بقوة فجأة ولأول مرة يأت هذا الموضوع ويبتسم....قال بمشاكسة :-


_ يعني مصحياني عشان تنكدي عليا ؟!


هزت رأسها بالنفي وقالت :- لأ....بس زعلت عشانك...بص هقوم اعملك العشا عشان تاكل ، ماكلتش من العصر....


اتسعت ابتسامته بمرح وقال :- مالحقتش اجوع والله...ايه رأيك نخرج نتفسح ؟


تطلعت به وابتسمت فجأة وعينيها تغرق وجنتيها دموع وقالت بموافقة :- ماشي...


انخرط في ضحكة عالية وهو ينظر لها على حالتها هذه.....


*******


مر يومان.....


كانت غادرت فيهما لِلي شقتها الخاصة وذهبت لشقة صديقتها "منال" ولم تخبرها سوى انهما تشاجرا قليلًا وتريد الانفراد بنفسها لبعض الوقت....


قضت لِلي اصعب يومان مر بعمرها تقريبًا بخلال تلك الأيام....


كان في فراقه شيء يشبه التقاط الأنفاس الآخيرة بالروح....أو الكلمات الوداعية قبل الوداع....


لم تعرف عينيها سوى الدموع خلالهما....كأن الحياة بدأت تُسلب منها...


كانت ممددة على فراشها ....انتفخت عينيها من كثرة البكاء حتى صرخت "للي" باسمه بألم وشوق ثائر وكأنه أصبح الحياة والأنفاس....


ما أصعب أن نختار الفراق رغم عن إرادتنا....ونطعن قلوبنا بإيدينا....


انتفضت فجأة من موضعها وقررت أن تذهب اليه وتخبره كل الحقيقة....ولكنها أن فعلت ستضعه بيديها أمام نهايته !!


ضغطت بيديها على رأسها من حدة الألم الناجم من كثرة البكاء والألم والتفكير طيلة الفترة الماضية من الفراق.....


انتبهت لصوت بخارج الغرفة فدب القلق بداخلها ...تسللت ببطء حتى فتحت باب الغرفة فتفاجئت بأن باب الشقة مفتوح !!


ربما تركته مفتوح وغفلت...تقدمت خطوات حتى أغلقته بإحكام ثم استدارت لتعود لغرفتها فاتسعت عينيها بصدمة كادت أن تهوي بها أرضاً.....تمتمت بذهول :- وجيــه !!


كانت عينيه مظلمة...قاتمة من القسوة ، ويبدو أنه استيقظ لعدة أيام بالإرهاق الواضح بعينيه وملامحه القاسية.....بأشد حالاته قسوة لم تراه هكذا !


ابتعدت وهي تبتلع ريقها بجسد يرتجف عندما لمحته يقترب اليها....قالت ودموعها تتسرب على وجنتيها دون رادع :- دخلت هنا أزاي وعرفت مكاني منين ؟!


هربت بنظرتها من عينيه....لم تكن تلك الاجابة التي تريدها بل بكل قوتها أرادت أن تركض الى صدره وتحتمي....تبكِ حتى تهدأ....تسرق من دفء قلبه الأمان....اجتاز المسافة بينهما وجذبها اليه بيد قاسية ونظرات عينيه نارية من الغضب....نظرت له ولم تستطع كبح لهفتها وإخفاء شوقها اليه....وضعت رأسها على صدره باكية فأبعدها بنظرة عنيفة قائلا :-


_ مابقاش مكانك


انهمرت دموعها بحرقة وهي ترميه بنظرات منها الراجية والعاتبة حتى وضعت رأسها مرة أخرى على صدره واحاطت يديها خصره بقوة فحاول ابعادها ولكنها هتفت ببكاء :-


_ من قبل ما اقابلك وهو مكاني


اشتدت العصبية بداخله وحاول ابعادها عنه ولكنها تعلقت برقبته وواصلت بكائها حتى خلف ظنها وضمها بقوة.....بكل شوقه اليها طيلة الأيام الماضية وهمس بحزن شديد بجانب أذنيها :-


_ بعدتِ ليــه وسبتيني ؟! أنا كنت هتجنن !! مستحيل أصدق أنك عايزة تطلقي !!


إلي هنا ينتهي الفصل الثامن والخمسون من رواية إمبراطورية الرجال رحاب إبراهيم

رواية إمبراطورية الرجال  الفصل التاسع والخمسون/الستون


 ضمها بكل شوقه إليها طيلة الأيام الماضية وهمس بحزن شديد بجانب أذنيها :-


_ بعدتِ ليه وسبتيني ؟! أنا كنت هتجنن !! مستحيل أصدق أنك عايزة تطلقي..


سكنت بين ذراعيه في حنين ولهفة...كانت تبكِ من توقها وشوقها إليه ، والآن تبكِ وهي بين ذراعيه...قررت الاعتراف فهذا الثقل سينقض ظهرها أن خبأته أكثر من ذلك....نظرت بعينيها الدامعتين وقالت :-


_ أنت ما صدقتش لأن هي دي الحقيقة...بس بعدت عنك غصب عني..


ضغط بقبضته على أعلى ذراعيها وقال بعصبية صاحبها نظرة اشتياق :-


_ مين اللي غصبك !! قوليلي كل حاجة...


مسحت عينيها ثم جذبته للأريكة القاطنة خلفه فجلس ولكن احتفظ بيدها في قبضته...هدأت لِلي قليلاً وبدأت تتحدث وتعترف بكامل الحقيقة....


بعد مرور دقائق ليست قليلة.....


وثب وجيه قائمـًا من مقعده بنظرة نارية شرسة وهو يتمتم بالتوعد والانتقام....نهضت لِلي بدورها وقالت بمحاولة أن يهدأ :-


_ اللي عايزه مش هيحصل اطمن ، أنا بعدت لأن كان لازم ابعد عنك الفترة دي وابعد أي شيء ممكن يؤذيك...خصوصاً أن راشد ليه جاسوس في القصر وبيوصله كل اخبارنا يعني غصب عني كان لازم اخد بالي واتصرف بعقل...عارفة أني جرحتك بس لو بإيدي أبيع الدنيا كلها واختارك أنت...


هز وجيه رأسه بعصبية وهتف :-


_أنا ممكن اسكت في أي شيء لكن اللي يقرب لعيلتي ادمره...راشد مش عارف هو بيتحدى مين ، مش وجيه الزيان اللي يتاخد منه حاجة غصب عنه...تخيلي لما تكون الحاجة دي روحه...أنتِ !!


اطرفت عينيها بعشق وقالت :- وعشان عارفة رد فعلك خوفت أقولك...اللي عملته لحد دلوقتي عشان ما احطكش قدامهم لأنهم مجرمين ،والحرب دي في الحالتين هطلع فيها خسرانة لو واجتهم بعصبية....أنا متفقة مع الضابط رأفت على كل حاجة وأن شاء الله هنلاقي حل....


ضيق وجيه عينيه بدهشة وردد:- رأفت !! رأفت معاكِ ؟!


تعجبت للي فقالت :- مش هو اللي قالك على مكاني ؟!


نفى وجيه الأمر ووضح:-


_ لأ مش هو...صاحبتك منال هي اللي كلمتني وخلت البواب يديني النسخة التانية من المفتاح ، عشان كده عرفت ادخل من غير ما تحسي...


للي بدهشة :- منال !!


اكد وجيه ذلك وشرح :- أنتِ قولتيلها أننا اتخانقنا ، هي حبت تصلح ما بينا فاتصلت بيا ، معرفتهاش حاجة وأكننا فعلا متخانقين وطلبت منها العنوان عشان اجي اصالحك واديتهولي...


ابتسمت لِلي وقالت :- وكنت جاي تصالحني فعلا ولا كلام ؟!


مال قلبه اليها حتى جذبها اليه قائلا بهمس :-


_ مش بس كده...جيت ارجعك ليا بأي طريقة...زي ما تكوني خدتي حياتي مني من وقت ما بعدتِ...أنا معرفتش أنام ساعة واحدة حتى !!


رفعت يديها على صدره وقالت بابتسامة بها عتاب :-


_ ولما جيت بعدتني وقولتلي مش مكانك !!


همس اليها في رقة :- بعاتبك


تابعت بابتسامة :- بس أنا اصريت اقرب واعترفلك...


جذبها اليه أكثر وهمس بمحبة :- وأنا مكنتش هبعدك...ولو بعدتي كنت هخطفك..


دفنت رأسها بصدره حتى ضمها بكل قوته بتنهيدة ....قال بربته خفيفة على رأسها :- حضري نفسك عشان هنمشي من هنا...


قالت بقلق :- هنرجع القصر !


نفى وجيه وأوضح بابتسامة :- لأ...اعتبري أننا هنبدأ شهر عسل تاني ، هوديكي مكان محدش يعرفه.....وهناك أنا هعرف أزاي أحل موضوع راشد ده...محدش هيقربلك طول ما أنا عايش...


أغمضت عينيها براحة واطمئنان وقالت :-


_ عمري ما هخبي عنك حاجة تاني ، أنا أسفة


همس بنبرة مشاكسة :- عقابك بعدين ، المهم دلوقتي أنك معايا...ده الأهم


********


بأحد المنتجعات السياحية.....


قد حجز جاسر أحد الشاليهات الصيفية رغم أن فصل الشتاء قارب على المجيء ولكن الطقس رائع يناسب المكان كثيرا....


أعدت جميلة عدة أطباق سريعة وتشاركا الطعام.....بعد دقائق انتبهت لجاسر وهو ينظر للطبق شاردا بتيه....لا يأكل ولكنه يبدو بعالم آخر بعيدا عنها....قالت متسائلة :- جـــاسر !!


لم ينتبه لها إلا عندما كررت الأمر فرفع رأسه قائلا بابتسامة بسيطة ولكن بعينه شيء يقلق :- ايوة يا حبيبتي معاكِ..


مضغطت جميلة الطعام بفمها وهي تنظر اليه بغموض....قالت :-


_ لأ أنت مش معايا خالص....من وقت ما جينا هنا من يومين وأنت بتسرح كتير وبحس أنك في دنيا تانية !! أنت....ندمان أنك اتجوزتني ؟!


قالتها بخوف طاف بعينيها وترقب من إجابته حتى تنهد واضعا الشوكة المعدنية من يده قائلًا بعتاب :-


_ندمان !! في حد بيندم أنه بيلاقي نفسه !! أنا مش ندمان...أنا قلقان وخايف....


تنفست الصعداء من إجابته ثم قالت برقة :-


_ خايف وقلقان ليه ؟!


أجاب بشيء من الألم :- أصعب شيء ممكن يمر بإنسان أنه يكون مسجون لسنين كتير ولما يبقى يلاقي خطر بيهدده أنه يرجع للسجن تاني...خطر لو قرب يبقى هيرجع للي فات تاني...وسجاني مابيرحمنيش...


قالت عاتبة :- سجانك ده اللي هو أنا يعني ؟!


تطلع بها بصمت...كان في صمته الاجابة فقالت جميلة بضيق :-


_ أنت اللي من أول مرة عرفتك مكنتش صريح معايا...كدبة ورا كدبة واكتشف واسامح...أنت لو تعرف أنا اتحديت نفسي وكل مبادئي عشان اكمل معاك مكنتش هتقول أني مش برحمك....وبعدين ليه خايف من اللي فات طالما انتهى ؟!


شرد جاسر ثم قال بحيرة تغمر عينيه :-


_ اللي فات مكنتش فيه لوحدي...واللي كانوا معايا شبه الشياطين...مش هيسبوني اتصلح...


تساءلت بلهفة :- وأنت عايز تتصلح ولا خايف تضعف ؟!


نفى بهزة قوية من رأسه وقال بصدق :- وجودك معايا فرق كتير...ومن نفسي كنت عايز اتغير لأن جوايا انسان كويس...


جميلة بابتسامة :- يبقى متخافش...نكمل طريقنا من غير ما تبص وراك...


قال بحنان :- مش هتسيبي ايدي ؟


قالت بقوة ونظرة مرحة :- هفضل قاعدة على قلبك...


غمز لها بمكر فارتفعت ضحكتها وقالت :-


_ معنديش مانع تكون منحرف....بس معايا وبس انما برا....


قاطعها بابتسامة :- حبيبي على نياته كل البنات أخواته...


انخرطت بضحكة عالية وهزت رأسها بتأكيد...


********


تحت سماء الإسكندرية.....


صفعت الأمواج بعضها تحت غروب الشمس....ليسبح الطير وقد بدأ الظلام ينتشر....


كان آسر يسير ويده اليسرى تحاوط خصرها بتملك...تغوص أقدامهما بالرمال مع بعض الضحكات المتشاركة.....همس اليها :-


_ كل ما أحس أني ممكن أكون بحلم وأننا لسه زعلانين من بعض بقربلك عشان اتأكد....


كتمت سما ضحكتها وقالت :- دي كانت مهزلة يا راجل....


ضحك ضحكة عالية ثم قال :- فاكرة أول مرة اتقابلنا ؟!


هزت رأسها بتأكيد :- أي نعم


تابع بابتسامة ماكرة :- فاكرة لما لقيتي محفظتي ؟


هزت رأسها مجددًا وقالت :- ودي حاجة تتنسي يا أسورتي...كنت غلس غلاسة يا جدع !!


ضيق عينيه بسخرية وقال :- آه بأمارة لما قولتي ايه القمر ده !! هو بياكل بونبوني ؟! سمعتـــــــك


اتسعت عين سما بصدمة فتابع بضحكة :-


_كنت فاكر أنك بتعاكسيني بس لما التفت وكلمتك ولقيت محفظتي في ايدك وباصه لصورتي.. اتأكدت.


توالت ضحكاته بصوتٍ عالي فلكمته على كتفه بغيظ حتى ابتعد عنها وهو يرمقها بنظرات استفزتها حتى ركضت خلفه بغيظ وهي تهتف مع ضحكاته العالية بسبب تلك الذكرى...


وقفت وهي تلهث على رمال الشاطئ حتى احتوى غيظها بكلمات رومانسية....قال فجأة :- فاكرة يا سمكة مقابلة الشغل...


قالت ببساطة :- فاكرة....كنت لطيف


ابتسم بمكر وتابع :- طب فاكرة لما قولتلك تحبي نبدأ شغل من امتى قولتلي ايه ؟ من بكرة لو حبيت !!


لينخرط بضحكات عالية حتى وقفت تنظر له بغيظ شديد فقال بين ضحكاته :- اعملك ايه ما أنتِ اللي تاريخك مش مشرف معايا !!


ركضت خلفه مجددًا وهي تصيح بغيظ....


مر الوقت لهذا المرح حتى عادا للفندق......وبداخل المصعد كتم آسر ضحكته وقال فجأة :- سمكة


قالت ببراءة :- نعم


آسر وجاهد ليخفي ضحكته :- فاكرة لما وقعتي في حضني في الاسانسير وكعب الجزمة قال ايه اتكسر؟ في الشركة


زمت شفتيها بغيظ وهتفت :- والله العظيم اتكسر...وبعدين لأ مش فاكرة


جذبها اليه حتى أصبحت ملاصقة لحائط المصعد وقال بابتسامة وصوت هامس :- بس أنا فاكر...


نظر لها بمكر حتى فتح الاسانسير فجأة.....قالت سما بضحكة :-


_ فاكر ليلة فرحنا يا حسبو...


انتفضت من نوبة الضحك التي انتابتها فجأة حتى خرجت من المصعد للممر....رمقها بنظرة مغتاظة لترفع حاجبيها له بقصد اغاظته أكثر ليركض خلفها حتى باب غرفتهما.....فتح آسر باب الغرفة وقال بنظرة متسلية :-


_ اتفضلي يا هانم ادخلي....


وقفت بثقة وقالت :- احترمني أكتر من كده !


قال آسر وتحكم بأعصابه :- اتفضلي يا سما هانم ادخلي...


هزت رأسها برفض واخفت ابتسامتها....مرر آسر يده على ذقنه بخبث فقال :- مش ماشي معاكِ هانم !!


أجابت بإيضاح :- قولي اتفضلي ياروح الروح ياحب عمري...واشخط وأنت بتقولها....بس بحنية.


قال بسخرية :- مش عايزة شاورما ؟


لوت شفتيها بغيظ وقالت :- أنت مش عاطفي على فكرة...شاطر بس تفكرني بخانة الذكريات المؤلمة بتاعتك...تمثال النكد عند الإغريق..


قال بابتسامة ماكرة :- يعني مافيش أي ذكريات حلوة خالص ؟!


دلفت سما للغرفة وهي تكتم ضحكتها ولم تجيبه...قال بمرح :-


_ كدابة أوي !


استدارت له لتعنفه ولكن كعادتها ضحكت بصوتٍ عالي وشاركها في ذلك...


********


سانتوريني......


عثرت رضوى على كرة فبدأت تلهو بها في مرح.....بينما ذهب رعد لشراء بعض الاحتياجات من السوق التجاري القريب بالجزيرة....


حلقت الكرة وهي تلهو بها حتى دفعت نحو باب الحمام الذي كان نصفه من الزجاج لتجعله قطع منثورة على الأرض....شهقت رضوى بصدمة!!


الكرة ليست ثقيلة لهذا الحد لتهشم الزجاج هكذا !!


أتى رعد بهذه اللحظة ونظر اتجاه نظرتها المصدومة ولم يبدي عليه أي انفعال....قالت بحرج وأسف :- والله مكنش قصدي أنا أسفة....


وضع رعد ما بيده بزاوية المطبخ وقال بلطف :-


_ محصلش حاجة...الازاز اصلا كان مفلوق وشوفته امبارح ، كده كده كان هيتصلح قبل ما نمشي...


تنفست الصعداء واعجبها تفهمه فذهبت لتنظف قطع الزجاج.....تركها رعد وبدأ ينظر للمشتريات حتى قال بسخط :-


_ نسيت اجيب شوية معلبات ومسحوق تنضيف !! خلاص ابقى اروح بكرة مش هينفع ارجع دلوقتي تاني....


رجحت رضوى هذا الرأي وهي تنظف أرضية الكوخ في اهتمام شديد....صاحت فجأة بألم عندما اندست أحدى الفتات بأصبعها وبدأ ينزف....هرع رعد اليها واسعفها بقطعة ثلج ثم المطهر والاسعافات الأولية حتى التف اصبعها بالشاش الأبيض...قال بلطف :-


_ ابقي خدي بالك من نفسك...


اومأت برأسها وقالت بنظرة مبتسمة :- سبتلك المهمة دي...


وفجأة مرت سحابة شاعرية بينهما لمدة دقيقتين ويبدو أنه أحب ما تفوهت به وأخرجته من شفتيها.....ابتسم لوجهها الذي اشتعلت به حمرة شديدة ونهض قائلا :- تعالي نحضر الأكل سوا


نهضت وهي تنظر للأسفل وتتهرب بقوة من نظرته حتى أنه قصد اربكاها أكثر بتفحصه لتوتر عينيها.....


*********


فجراّ......


وقفت للي أمام مرآة غرفتها تمشط شعرها المبتل بابتسامة لوجهها ولعينيها التي عادت اليها الحياة بعودته.....


اقترب اليها بنظرة عاشقة وضمها اليه قائلًا :- اظن ده انسب وقت نخرج فيه....


نظرت اليه بتعمق وقالت برقة :- هتوديني فين ؟


أجاب :- لمكان أول مرة تشوفيه...كنت بروحه كل فترة لما احس أن نفسيتي محتاجة الهدوء....هو شبه الريف شوية لكن مش في الريف...بيت في الفيوم كان ملك جدي في الاساس وكتبه باسمي هدية نجاحي...محدش يعرف عن البيت ده غير ولاد أخواتي بس...


قالت للي مطمئنة :- أي مكان تختاره هكون معاك فيه وأنا مبسوطة...رغم أني لسه خايفة أوي عليك...


ربت على كتفيها بحنان وقال - متخافيش من أي حاجة...قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا...يبقى تخافي من ايه ؟!


قالت وهي تنظر لعمق عينيه :-


_ ساعات بخاف تيجي موجة عالية وتضيعني منك.


قال وجيه بابتسامة :-


_ لو ما عافرتش عشان امسك ايدك وابقيكي جانبي يبقى مكنتش استاهلك من البداية...خلي الموجة تيجي براحتها...مش هتقدر تعمل حاجة غير أنها هتبين حبي ليكِ اكتر....


تمايلت ابتسامة على ثغرها وقالت :- يعني مش هتبعد ؟


هز رأسه نفيـًا وأجاب :- وأسيبك أزاي تغرقي ؟! أنا من البداية أخترت قربك حتى وأنتِ متهمة قدامي....الخوف اللي المفروض نخافه مش من الحياة...


تساءلت :- اومال من إيه ؟!


أجاب بضمة قوية بين ذراعيه :- من الموت وفراقه..


******


ادلهم الليل وطفر النسيم عبق منعش بالأنفاس... وهي هنا على بُعد قريب من جزيرة سانتوريني اليونانية...


تتلاطم أمواج البحر ببعضها وكأنها تتشاجر بمرح.... اعتدلت رضوى قليلا وهي بداخل للكوخ لتراه قد فارق اليقظة وغط في سُباتٍ عميق...... تسللت على أطراف اصابعها الى الخارج حتى شاطئ البحر...


وقفت تنظر للمياه بشيء من الرجفة واللهفة للسباحة.... نظرت للكوخ خلفها بتفكير من توقع ظهوره ولكنه لا يستيقظ بهذا الوقت من الفجر....ابتسمت بمرح وقررت السباحة لدقائق قبل ان يستيقظ لأنها لن تستطع الاستحمام وباب الزجاجي قد تهشم ...مجرد الفكرة تجعلها تغرق بالخجل.... صوت بداخلها يحذرها من الآت ولكنها لم تستمع كثيرا وقالت بتحفيز:-


- مش هيصحى في الوقت ده صعب.... ماهو مش هفضل مستنية لحد ما يمشي بعد الفطار يروح السوق؟!


توجهت للمياه التي شعرت ببرودتها ولكنها برودة منعشة بهذا الطقس الصيفي.....


مرت دقائق حتى استيقظ رعد ببطء...وذلك عندما تململ ولم يجدها بجانبها فأعتدل فجأة....بحث عنها بالكوخ كاملا ولم يجدها....حتى اتى بعقله شيء...


*******


ابتسم شعاع الصباح الأول......استند رعد بخفاء خلف صخرة وعلى وجهه ابتسامة ماكرة....عيناه تسبح معها وتضحك لضحكاتها....فكر بتسلية وقال بضحكة :-


_ يا مكارة يا ام نص لسان.... ده انا هضحك ضحك عليكي اصبري عليا...


💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖


  - الفصل الستون


بأحد القرى السياحية.....


كان مضى على مجيء يوسف وحميدة لهذا الفندق يومين لقضاء عطلة شهر العسل...انتبه يوسف صباحاً لطرق على الباب فتوجه إليه بخطوات واسعة حتى فتح الباب وظهر وجه أحد العمال من خدمة الغرف....قال العامل برسمية :-


_ صباح الخير...الفطار يا فندم


أخذ يوسف منه عربة المأكولات الخفيفة وتحدث معه قليلًا حتى غادر العامل.....اغلق يوسف الباب وجر العربة إلى الشرفة المطلة على البحر....نظر لغرفة النوم بابتسامة ثم توجه اليها....


خرجت حميدة من الحمام بعدما اغتسلت  ووقفت تمشط شعرها أمام المرآة ورغم ذلك لا زالت عينيها تضم الكسل وتتحرك ببطء...دلف يوسف للغرفة وظل ينظر لها لبضع ثوانِ حتى لاحظته حميدة وقالت بابتسامة :-


_ بتبصلي كده ليه ؟


وضعت المشط من يدها حتى تفاجئت بيده التي تجذبها اليه في لهفة...تطلع بعينيها بعشق وهمس:-


_ مراتي وبموت فيها...بلاش ابصلها ؟ ولا تحبي ابص برا !


ابتسم بمشاكسة حتى لكمته على كتفه بغيظ وقالت بتحذير :-


_ تقدر ؟!


هز رأسه بنفي وأجاب بمحبة :- لأ ما أقدرش...مش هلاقي زيك تبقى غالية أوي كده...


ابتسمت تدريجيا ولا زالت تنظر له بقوة...ليهمس بأذنيها بشيء جعلها تبتسم ابتسامة خجولة ثم قالت بجدية :-


_ هنتفسح ولا هنفضل هنا !


صمت لدقيقة بإشارة التفكير ثم قال مقترحا :-


_ تحبي نروح سينما ، أو أي مكان تاني....ولا تسبيلي المهمة دي


أجابت مبتسمة بمرح :- سيبتلك المهمة دي ، أنا مجيتش هنا قبل كده ومعرفش اروح فين...


كاد أن يتحدث يوسف حتى ارتفع صوت هاتفه فنظرت حميدة بتعجب وتساءلت :- أنت فتحت تليفونك ؟!


تحرك يوسف اتجاه الطاولة واجاب عليها :- فتحته النهاردة...اتصلت كتير على آسر لكن تليفونه مقفول...فسيبت الفون مفتوح يمكن يتصل بيا..استني أشوف مين بيتصل...


أجاب يوسف بنبرة صوت جدية وبدأ يقطب جبينه قليلًا وهو يستمع للمتصل ثم قال :- هحاول اوصله


الطرف الآخر :- " جون مايك" دخل المستشفى فجأة وحالته الصحية ماتنفعش خالص يجي مصر...الحل البديل أن مستر وجيه يسافرله لأن ماينفعش الاوراق دي تتسلم لحد تاني وحتى ما ينفعش تتبعت على الأيميل لأن كده برضو هيكون ناقص مقابلة بقية العملاء في لندن...مستر وجيه محدش عارف هو فين بقاله يومين ومش عارفة أوصله والشغل كله واقف على رجوعه...


زفر يوسف بضيق وقلق ثم قال لسكرتيرة مكتب عمه :-


_ اكيد في سبب ورا اختفائه ، لو ما وصلش هسافر أنا يا نيرمين ....مع السلامة..


اغلق يوسف الأتصال فاقتربت له حميدة بتساؤل :-


_ في ايه يا يوسف ؟!


تبدلت ملامح يوسف من الهدوء للقلق الواضح واجاب :-


_ عمي وجيه اختفى ومحدش عارف هو فين وفي سفرية شغل ولازم يسافر...مش مهم السفرية...المهم يكون هو بخير...


توتر ت نظرة حميدة وقالت :- طب اتصل بالقصر وشوف هو فين !!


هز يوسف رأسه بموافقة وقال وهو يجري اتصال بالخط الأرضي الخاص بالقصر :- هعمل كده فعلا ...


أجاب أحد الخدم بالقصر وتحدث معه يوسف لعشر دقائق ثم انتهى الاتصال....ازداد القلق داخله وقال :- كده الامر مش طبيعي...مرات عمي مشيت الأول وبعدها هو اختفى وغالبا راحلها ...بس ليه ما رجعش !!


حميدة بخوف :- ربنا يستر


نظر يوسف للهاتف للحظة وتذكر شيء....قال :-


_ في رقم خاص بينا انا وولاد عمامي وعمي وجيه...بس الرقم ده نادرا أوي لما عمي بيفتحه ،هتصل بيه يمكن يكون شغله...


بحث يوسف عن الرقم للحظات حتى وجده بقائمة هاتفه...اجرى اتصال عليه وتمنى أن يكن خط الاتصال متاح....حين وجده يعطي الخدمة تنفس بأمل حتى أجاب وجيه بعد قليل ويبدو أنه بالسيارة من صوت الهواء والسيارات حوله....قال وجيه :-


_ ايوة يا يوسف معاك


قال يوسف بلهفة :- أنت بخير يا عمي ؟ طمني عليك


رد وجيه بهدوء :- أه بخير الحمد لله....ما تقلقش


قال يوسف بتوضيح :- طب الحمد لله...سكرتيرتك اتصلت بيا وقالتلي أن جون مايك في ازمة صحية ومش هينفع يجي مصر...لازم أنت تروحله بنفسك وتجتمع مع بقية العملاء للعقود..


اطرق وجيه على عجلة القيادة بعصبية وقال :-


_ مش وقته خالص !! مش هينفع أسافر نهائي...


يوسف بقلق :- أنا مش فاهم حاجة...انت قلقتني عليك


شرح وجيه الأمر كاملا واستغرق منه الأمر قرابة النصف ساعة....ليقل يوسف بغضب :-


_ راشد صبري !! اللي طول الوقت بيتكلم عن النزاهة طلع مجرم !!


وجيه بسخرية :- ما تستغربش ، أنا شوفت من عينته كتير شيء مش جديد....المهم دلوقتي انا ماينفعش اسيب لِلي ، وماينفعش أسافر....حاول تتواصل مع جون يا يوسف وتتكلم معاه...


يوسف :- ماينفعش اتواصل معه تليفون لأن جون صديق وعميل لشركتنا بقاله سنين وكون أنه مريض هيبقى شكلها وحش لو اتصلت بيه واجلت المشروع...بص يا عمي أنا هسافر بنفسي على ما أنت تحل مشكلتك...


وجيه بأسف :- أنت في شهر العسل يا يوسف ! هينفع تسافر؟...انا مرضيتش أقولك كده...


تفهم يوسف الأمر وقال :- لا مافيش مشكلة....كام يوم وهرجع...ماينفعش حد غيرنا يسافر لجون....خلي بالك من نفسك يا عمي وما تقفلش الخط ده عشان أقدر اوصلك واطمن عليك..


قال وجيه بمحبة :- ربنا ما يحرمنيش منك يا يوسف...توصل بالسلامة بأذن الله..هكون على اتصال معاك لحد ما توصل تاني....


تحدث يوسف قليلا ثم انتهى الاتصال.....تنهد ببعض الراحة ليجد حميدة تنظر له بصمت....تطلع بها بنظرة اعتذار وقال :-


_ أسف يا حبيبتي لكن...


قاطعته حميدة بوجه لا تعابير له وقالت :-


_ يلا يا يوسف عشان نفطر..


تحركت من أمامه فجذبها من رسغ يدها وضمها بحنان قائلا بأسف :-


_ من حقك تزعلي بس لو عرفتي اللي حصل هتعذريني...


قالت بضيق :- مش عايزة ادخل في مشاكلكم وابقى حشرية...كفاية أني اطمنت لما عمك رد عليك وانه بخير هو وللي...لكن أنت ببساطة اقترحت أنك تسافر وكأنك زهقت مني ! لو زهقت قول..


التمعت عينيها بدموع فقبّل جبينها بعشق قائلا بابتسامة هامسا :-


_ أنا زهقت !! ده لو بإيدي أعيش جانبك العمر كله ما اتحركش...لكن الحياة مش كده يا حميدة...والسفر جه غصب عني وعمي ماينفعش يسافر دلوقتي....أسبوع بالكتير وهرجع...غير كده انا مش قايم مسافر بكرة !! ده لسه التذاكر واستعدادات السفر...


نظرت له بألم وقالت :- خدني معاك وهكون مبسوطة...مش هعمل صوت خالص ومش هتحس بيا...آه والله


ابتسم وهو يقربها اليه وقال :- لو الباسبور بتاعك كان جاهز مكنتش هستنى لما تقولي كده بس للأسف معندكيش باسبور اصلًا....وبعدين بقى فكي التكشيرة دي ونفرح لنا يومين قبل ما اسافر واشبع منك...أنا بحبك اكبر من قلبي يا حميدة....ماتنسيش ده...خليكِ فاكرة أنك كنتِ دايمـًا احلى ما في عمري...


ابتلعت ريقها بوخزة خوف وقالت بنظرة قلقة :-


_ بتقول كده ليه يا يوسف ؟!


همس بأذنها بمكر :- بصالحك...


طفرت دمعة من عينيها وتعلقت ذراعيها برقبته بضمة قوية... دقة قلب تسارعت بخوف اجتاح سكناتها وبقاعها المطمئنة...


***********


سانتوريني....


طلت الشمس بأشعتها القوية على المياه....اختبأ رعد خلف صخرة كبيرة قريبة للشاطئ وراقب تلك التي تسبح على مقربةً منه واحدى يديها متمسكة بصخرة قريبة خوفا من الموج....التصقت ملابسها بجسدها فبدت تفاصيلها ظاهرة بعض الشيء.....


نظر رعد حوله وحمد تلك البقعة من الجزيرة التي اختارها بدقة بعيدة عن الأعين...لم يجد أحد حوله بالمكان فعاد ينظر لها بابتسامة ماكرة ويمعن النظر جيداً بها.. بلهفة ، ومحبة ، وشوق لقربها حتى يبعث الأمان والعشق لقلبها وتطمئن تلك الخائفة دائمـًا....


يبدو أنها قررت أن توقف وتخرج من المياه....تسلل رعد للكوخ دون أن تراه ثم تظاهر بالنوم حتى أتت رضوى بملابسها المبتلة والغريب أن رباط رأسها محكم ولم يكشف من شعرها شيء....تأملت رعد الممدد على الفراش بطوله الفارع وجسدها القوي في ابتسامة ثم رافق ابتسامة مكر وتسللت لتأخذ ملابس نظيفة من دولابها....


استغرق الأمر لحظات وابتلت الأرض من قطرات المياه المتساقطة من ملابسها ثم اسرعت للحمام...


كتم رعد ابتسامته بالكاد حتى شعر بباب الحمام الذي نصفه زجاج مكسور وهو يتحرك....انتظر دقيقة حتى اعتدل بفراشه في بطء....اتسعت ابتسامته بالتدريج وهو يراها حتى عاد نائما بتظاهر عندما وجدها تفتح الباب بعدما ابدلت ملابسها....


الآن أخذت نفسا عميقاً براحة تامة وتستطيع أن تيقظه....اقتربت له والابتسامة على وجهها طبيعية لتمس كتفيه قائلة برقة :- رعد


تمتم رعد سرا :- يا روحه...قوليها كام مرة يا لدغة حياتي.


قالت رضوى مرة أخرى عندما لم يستيقظ :- اصحى بقى يا رعد !!


همس لنفسه سرا مرة أخرى :- احلى رعد في الدنيا...


مطت رضوى شفتيها بغيظ وقالت :- ما أنت لو مهتم كنت صحيت وحضرتلي الفطار زي كل يوم...


ردد مرة أخرى بخفوت :- مهتم !! يخربيت غبائك !! غبية بس عروسة البحر وقمر...يا صورة توب من غير فوتوشوب..


انتبهت رضوى لتمتمه خافته فاقتربت لرأسه وهو ممددا على وجهه....وضعت اذنها بغباء اتجاه اذنيه فحرك رعد رأسه واصبحت شفتيه بقرب اذنها...نفخ بخفة ثم اغمض عينيه وتظاهر بالنوم....


شعرت رضوى بفحيح هواء بأذنيها فابتعدت بانزعاج...فركت اصبعها بأذنيها بضيق واقتربت له مجدداً....قالت بعتاب :-


_ أنا جعانة ومش بعرف اشغل البوتاجاز اللي عامل شبه سبرتاية الجاز ده...يرضيك افضل جعانة يارعودي ؟


اعتدل رعد بصدمة وعينيه متسعة بقوة....نظرت له رضوى بخوف وهو يحدق فيها هكذا فقالت بخوف :- أنت مبرأ كده ليه ؟ أنت هتتحول !


قبض على معصم يدها فصرخت بخوف قائلة :-


_ أنت مش رعد أنت جني مش كده ؟ عينك ازرقت اكتر وهتبلعني


قربها اليه وقال بضحكة :- جني !! ده أنتِ اللي تجني ! تعالي هنا وقوليلي أنتِ قولتي ايه ؟ طمنيني على أنوثتك..


لكمته بغيظ وقالت :- ليه أنت عندك شك !


قال بتحذير :- حبس وجوع طول اليوم لو ما قولتيهاش تاني...يابنتي انطقي هو انا هتحايل لحد امتى على كبريائك اللحظي ده ؟!


قالت بتحدي وهو يحاوطها بين ذراعيه :- معرفش


قال بابتسامة ماكرة :- ماهو كبريائك اللحظي مع اصراري المتمكن مش هينفع....علاقتنا محتاجة تفاضل وتكامل عشان تتحل يا رضوتي...وانا بروفيسر في الرياضة والعلاقات المعقدة...والعرجا احياناً...


قالت بغيظ :- ايوة يعني عايز ايه دلوقتي ؟!


اقترب لوجهها بابتسامة ماكرة وأجاب :- عايز احل المعادلة..في جذر تربيعي مأثر على نفوخك ، لازم تتضربي عشان يتفك..


عقدت حاجبيها بعبوس وقالت وكأنها ستبكي :- هتضربني يعني !


اقترب من خديها بقبلة سريعة فقالت بشهقة :- ايه ده !


أجاب ببساطة :- ده حساب مثلثات....


اطلق ضحكة عالية حتى تخلصت يديها من قبضته وضربته بالوسادة على كتفيه مع ابتسامة اخفتها. ..


**********


بأحد الشواطئ بالمنتجع السياحي....


تحرك لانش كبير من اللون الأبيض يتخلله بعض الخطوط الزرقاء نحو الماء فوقف جاسر بداخله يحرك اليد الحديدية للتشغيل.....


جلست جميلة بزاوية منه تتأمله وهو يعمل بجد حتى يحرك اللانش.....دقائق وكان يسير على المياه بدفعة قوية بالبداية ثم بدا الأمر طبيعيا بعد ذلك....


قالت جميلة ببعض القلق :- أنت متأكد أنك هتعرف تتعامل مع المركب دي ولا هنغرق !


حرر جاسر ضحكة عالية من شفتيه وقال بثقة :- مركب يا جاهلة ! وبعدين اطمني...أنا معلم في الموضوع ده...ياما جيت هنا مع...


صمت عندما كاد أن يتحدث عما كان يفعله بماضيه فصحح :-


_ المهم يعني أني بعرف اشغله ، ما تقلقيش


تنفست جميلة بحدة بعدما فهمت ما كاد يقوله....نظرت بجهة بعيدة عنه فاقترب منها وبلحظة أخذ يدها وأوقفها عنوة.....


همس بقرب عينيها :- ما تخلينا بقى في رحلتنا وننبسط ولا لازم تدوري على حاجة تعكنني علينا بيها !! مملكة البؤس


قالت بعتاب :- ما أنت اللي بتتكلم وبتضايقني...فكر كده لو كنت بعرف واحد قبلك وكل شوية افتكره قدامك و...


شدد جاسر قبضته على خصرها بقوة نابعة من عصبية تملكت منه بحديثها...قال بحدة :- ما فيهاش تفكير اصلا...مستحيل اقبل كده


تطلعت به بدهشة وقالت :- بس قابله عليا !!


تنهد جاسر بأسف وقال :-


_ أنا عارف أن لساني طويل...وممكن بقول كلام ما بحسش بيه ، لكن أنا نسيت اللي فات ولازم تتأكدي من ده...


رفعت يدها اليمنى ولمست جانب وجهه بنظرة مُحبة وقالت بابتسامة :-


_ خلاص...خلينا في دلوقتي...


نظر بمكر لأناملها على وجهه وقال مبتسما بخبث :- ايوة كده...


*********


مرت عدة ساعات....بمنزل الفيوم


وقفت سيارة وجيه أمام المنزل الذي تحاوطه بعض الأشجار والأراضي الزراعية الواسعة.....كان الهواء نقي منعشاً للأنفاس...والزهور تتسابق الفراشات لأخذ رحيقها اولاً....


الهواء رائحته جميلة معطرة....ترجل وجيه من سيارته ثم خرجت بعده لِلي....وقفت تتأمل المنزل المكون من طابقين ، يبدو وكأنه من القرن الماضي بتصميمه الذي يبعث بالروح عبق الذكريات....به لمحة من بساطة الأجداد وطيبتهم...به شيء يخص صدق الزمان...


تشابكت ايديهما حتى فتح وجيه باب المنزل بمفتاح ظل سنوات بميدالية مفاتيحه....دلف للمنزل وهو يحمل حقيبة الملابس ومعه زوجته التي كانت تنظر لكل شيء حولها...


كان أول ما وقع عينيها عليه هو السلم الذي يتوسط المساحة الكبيرة بالداخل....وعدة آرائك كلاسيكية ولكنها تبدو باهظة الثمن أيضا تملأ الزوايا.....وشاشة تلفاز كبيرة جدٌا قد حدثها وجيه منذ سنوات قليلة....كأنه قصر صغير.....ابتسمت بإعجاب شديد حتى جذبها وجيه للأعلى فصعدت معه للطابق الثاني.....


كان الطابق مكون من عدة غرف وشرفة كبيرة منفردة تطل على الممر أمام الغرف....اسرعت للي اليها بانبهار وقالت :-


_ الله...إيه البيت التحفة ده !! احلى من القصر كمان


مضى وجيه اليها حتى أحاط خصرها بقوة وقال هامسا :-


_ نفس رأيي...كنت بهرب هنا من كل مشاكلي...سواء كانت مشاكل نفسية أو بسبب ضغط الشغل...


استدارت له بقلق :- مشاكل نفسية !


هز رأسه بالإيجاب وصرح :- قبلك....الوحدة رغم انها كانت باختياري ولكني اعترف انها مكنتش سهلة....صعب أن الاقي عمري بيضيع مني قدام عيني من غير مايكون حد جانبي...يفضل جانبي بأشد الأوقات...


ابتسمت له بحنان وقالت :- كمل


تنهد بقوة ثم استطرد وهو ينظر للفراغ والمكان الخالي من المبانِ :-


_ الاختيارين كانوا الأصعب...اتجوز واحدة وخلاص ومايكونش بينا أي مشاعر...أو افضل لوحدي...عرفتي بقى لما مشيتي حياتي كلها وقفت ليه!! لأني عارف ومتأكد أني مش هعرف احب تاني...مش أنا اللي بيحب بسهولة أو بتلفت نظره واحدة لمجرد انها جميلة...لو كده كنت اتجوزت من سنين...


تساءلت :- هي خطيبتك الأولانية كانت حلوة ؟


أجاب وجيه بصدق وهو يتطلع بعينيها :- حلوة جدٌا...اجمل مما تتخيلي...لكن جمال زي التمثال الجميل من غير روح.. مايتحسش....اعجبت بيها لما اتفقنا فكريا في حاجات كتير...تخيلت لفترة أني بحبها...بس الحقيقة أن قبل ما نسيب بعض كنت اكتشفت انه مكنش حب ومع ذلك سبتلها قرارا الانفصال عشان ما اكونش ظلمتها أو جرحتها...وارتحت لما اختارت تبعد...


تساءلت للي مرة أخرى :- أفرض أنا اللي رفضت اتجوزك زمان بسبب ولاد اخواتك...كنت هتسيبني أمشي ؟


ابتسم لها وجيه بمحبة وقال :- مش هفرض لأنك مش بالجبروت ده.. لما حبيتك فأنا عارف أنا سلمت قلبي لمين...احنا عرفنا بعض في انسب وقت لينا...مش دايمـًا الانسب بيبقى واحنا صغيرين...


رفت بسمة على شفتيها بنظرة عاشقة وقالت وقد تملكها احساس بالدفء والأمان بهذا المنزل الذي وكأنه منعزل على العالم....قالت :-


_ حاسة أني هعيش في البيت ده أجمل أيام حياتي...كفاية اننا بعيد عن كل حاجة وكل الناس...حتى شغلك ، كل وقتك هيبقى ليا وبس...


همس لعينيها بخفوت :- مش كل وقتي...كل عمري يا عمري...


********


بسماء الإسكندرية.....


سارا سوياً على كوبري ستانلي بين ضحكات متشاركة وغمزات مستترة.....قال متسائلا :- تحبي تروحي فين بعد السينما ؟


أجابت سما وهي تُلعق الايس كريم بتلذذ :- تعالى نروح القلعة...ما روحتهاش خالص....هتعرف توديني ولا هنتوه ؟


قال آسر بثقة :- عيب


اوقف آسر سيارة أجرة مخططة بالأسود والأصفر من الطريق وجلسوا بداخلها ثم نهبت السيارة الطريق سيرا....


بعد مرور ما يقرب من النصف ساعة وقفت السيارة على بُعد خطوات من مدخل كبير....ترجلا من السيارة ودلف للمكان الكبير التي تحاوطه المياه برهبة....


حصن كبير حجري ، به عبق التاريخ وكأنه يتكرر بأزمنته الماضية كلما مضيت بداخلها خطوة....صعد آسر وسما تتأبط يده حتى صعد لمكان به فواصل تصلح للجلوس وتطل البحر بمشهد مذهل....حاولت أن تجلس سما ولكنها كانت قصيرة بعض الشيء فارتفعت ضحكة آسر بمرح ...وقفت تتأمل البحر براحة تغمر عينيها...وقف آسر خلفها محاوطا خصرها برقة وقال بهمس اختلط معه صوت الأمواج :-


_ اعمل ايه عشان اصدق أنك معايا دلوقتي...من كتر اللي حصل والله ما عارف اصدق !


ابتسمت سما ولمست يديه على خصرها وقالت :- قولي بحبك يا سمكة..


همس بعشق :- بعشقك يا سمكة...بتحبي البحر عشان أنتِ سمكة ؟


هزت رأسها بضحكة عالية ومرحة...كأنها لم تحزن يوماً...


**********


_ مرت عدة أيام حتى استعد يوسف للسفر صباحاً.....


كان عاد يوسف للقصر ليترك حميدة به حتى يعود...استيقظت حميدة مبكراً وارتدت ملابس مناسبة للخروج...وظلت تنظر له وهو يتحرك بالغرفة الخاصة بهما ويستعد للذهاب...كتمت دموعها بالكاد حتى انتهى يوسف من ارتداء ملابسه أمام المرآة واستدار اليها قائلا :-


_ تعالي يا حميدة


نهضت حميدة من مقعدها ووقفت أمامه وهي تنظر للأسفل...رفع وجهها اليه وتعمق بملامحها بصمت غريب.....نظرت له حميدة وبكت فجأة قائلة :- أنت بتخوفني أكتر بطريقتك دي !!


ضمها بقوة متنهدا بشوق :- بشبع من عينيكِ لحد ما أرجع..


التفت ذراعيها حول كتفيه بقوة وظلت تبكي لدقائق...ربت على ظهرها برقة وقال ليطمئنها :-


_ ما تقلقيش عليا ،هرجع بالسلامة بأذن الله ، أسبوع بالكتير واكون هنا وارجعك اغيظك واستفزك تاني يا حميدووو


قالت ناظرة له بدموع :- ربنا ما يحرمني منك ابدًا...أنا حضرت نفسي وهوصلك للمطار...


هز يوسف رأسه برفض :- لأ...أنا مابحبش اللحظة دي وبعدين كلها اسبوع يعني مش مستاهلة وجع قلب.. خليكِ هنا مرتاحة ياحبيبتي لحد ما ارجعلك بالسلامة...


كان يضم وجهها براحة يديه فنزفت عينيها دموع أكثر وقالت راجية :- عشان خاطري خليني حتى اوصلك...


رفض بتصميم وقال :- خاطرك غالي والأغلى لكن ماتصعبيهاش عليا...ماتبقاش سفرية اسبوع ونخليها بالشكل ده !!


ربتت على يديه الحاضنة وجهها وقالت :- خلي بالك من نفسك..


ابتسم واقترب لجبينها بقبلة طويلة...وقال :-


_ لو عايزاني اخلي بالي من نفسي خدي بالك عليكِ...ما أنتِ عارفة أنك روحي يا حميدة....هتصل بيكِ أول ما أوصل ، مش هتعدي ساعة غير وأنا بتصل بيكٍ...أشوف وشك بخير.


ودعها بعناق طويل دافئ امتزج به دموعها مع عشقه واشتياقه لها....


وغادر....


*******


بمنزل الفيوم.....


راوغت لِلي في ردها على راشد بمقابلة هامة....ظلت تعطيه موعد لقاء ثم تتركه يذهب وينتظر ولا تذهب....


جلست حول مائدة دائرية محاطة بين الزروع خارج المنزل بعدما أعدت طعام الفطار صباحاً....وبين مروج الأشجار حولهما ابتسمت لوجيه الذي أتى توا وجلس وعلى كتفيه منشفة جفف بها وجهه....أعربت عن قلقها وقالت :-


_ خايفة من راشد ، مش معقول يصدق أني مش بلعب بيه بعد ما اديته كام معاد وما اروحش !


رفع وجيه كوب عصيره الطازج لشفتيه وبعد دقيقة أجابها بابتسامة ماكرة :-


_ خليه مش عارف حاجة كده....احسن وقت لرمي السهم لما الهدف يكون مش عارف الضربة جياله منين....راشد دلوقتي مش عارف أن كنتِ هربانة منه ولا مني...بتديله معاد ومابتروحيش بس في غيرك بيروح...


تطلعت به للي في تساءل وقالت :- تقصد مين ؟ الضابط رأفت ؟


تطلع بها بابتسامة وأجاب بمكر :- طبعا رأفت بيراقبه من بعيد بس اللي اقصده هي....مراته...چين ثابت.


اتسعت عين للي بدهشة وقالت لأنه لم يخبرها بالأمر قبلا :-


_ جين هي اللي بتروح !! الضابط رأفت قالي فعلا أن الحل في ايد چين...


ابتلع وجيه ما بفمه وقال بخبث يطوف بحدقتيه :-


_ مش بالسهولة يا للي...چين عشان تاخد موقف ضد راشد لازم تكون متأكدة أنه فعلا بيخونها وناوي يتجوز عليها...ده غير اللي زرعته في شركة راشد واللي بيوصل الأخبار لچين بطريقة غير مباشرة لأنها جزء من مجلس الإدارة وهي دي كانت خطتي...


استفسرت للي بعدم فهم :- خطتك !!


استوى وجيه في مقعده بارتياح ثم وضح خطته الذي احكمها منذ مساء اول يوم له بالفيوم....عقد عدة امور مع شخصا ما من رجاله يثق به ليحول حياة راشد جحيما....قال بإيضاح :-


_ قبل أي شيء كان لازم اخلي چين تفقد الثقة في جوزها بالتدريج...كل المواعيد المزيفة اللي اديتيها لراشد وماروحتيهاش بسبب أنني بدور عليكي وبراقبك وكل الكدبة دي كانت چين بيوصلها الميعاد قبل ما راشد اصلا يعرفه...فبالتالي كانت بتراقبه....وشيء طبيعي أنه مايقولهاش هو رايح فين ولو قال هيكدب طبعا وده اشتغلت عليه....


رأفت مكدبش لما قال أن الحل بإيد چين مرات راشد ولكن أنتِ ما تعرفيش العيلة دي بتفكر أزاي...دول تعابين مش بيهجموا من أول لحظة...بيستنوا الوقت المناسب...


للي وقد بدأت تفهم مقصده :- وامتى الوقت المناسب ؟


زفر وجيه بحدة وظهر في قسماته العصبية وقال :-


_ للأسف أنتِ هتقابلي راشد وهتقوليله أني طلقتك بالفعل والموضوع متوقف على الاجراءات الرسمية للطلاق ولكن مش هتوافقي تتجوزيه بعد شهور العدة غير بشكل رسمي لأن جالك جواب من المجهول اللي تبع حسام أنك لازم تتجوزي راشد رسمي في حالة طلاقك...ودي الخطوة التانية من الوصية....راشد هيخاف من تهديد الاوراق اللي ممكن تكشفه مع المجهول اللي سايبه حسام ولكن مش هيعترض كتير ولا هيفكر بالعكس...هياخد الحجة دي سبب لجوازه منك قدام مراته....اللي وصلها نص الوصية الأصلية من محامي راشد اللي استلم ملف الوصية من البداية واللي مكانش من ضمن الشروط أن راشد يتجوزك اصلا !!


ضيقت للي عينيها بابتسامة وقالت :- وبكده چين هتتأكد أن راشد بيكدب عليها وزود في شروط الوصية عشان يتجوزني....


اضاف وجيه بسخرية :- ولحسن الحظ أن راشد اصلا كان بيخطط من سنين أن شركات عيلة چين كلها تبقى ملكه وده بمستندات اللي وصلني نسخة منها....


شهقت للي من الذهول وقالت :- أزاي !! ده اكيد محتفظ بيها بشكل سري محدش يعرفه....


هز وجيه رأسه برفض وسخرية :- الفلوس بتأثر على بعض الناس والنسخة اللي وصلتني كلفتني مبلغ كبير بس مش خسارة في اللي هعمله فيه....اللي يفكر يمس كرامتي وشرفي ما يلومش غير نفسه...أنا أول مرة استخدم الطرق دي بس الحرب خدعة وانا بدافع عن أهل بيتي اللي اتجرأ واحد حقير وفكر يقربلهم....


نهضت للي من مقعدها واقتربت له بضمة قوية ثم قبلته من خده بمرح وقالت :- أنا بموت فيك اقسم بالله


إلي هنا ينتهي الفصل الستون من رواية إمبراطورية الرجال 

 رحاب إبراهيم


تكملة الروايه من هنا


 

تعليقات

التنقل السريع