![]() |
رواية إمبراطورية الرجال
الفصل الحادى والأربعون/الثاني والاربعون
كانت متعلقة برقبته ، تشدد قبضتها لتحتمي بصدره لتبتعد مسافةً بسيطة فجأة ،انتابتها قشعريرة من هذه الكلمة كيف أنه هو نفسه يرددها وبهذا الوقت !!
تطلعت به وكأنها ستغيب عن الوعي بعد دقيقة ، تلعثمت في القول ورددت:- قدرك !!
ابعد خلصة التصقت بجبينها ، رقة يديه على بشرة وجهها انعمت شيء بالقلب للتو تحدث ، أجاب بابتسامة صادقة :-
_ مستغربة ليـه ؟! مش أول مرة اقولهالك ! وبعدين أنا سمعتك وأنتي بتردديها دلوقتي...خايفة كده ليه يا للي ؟!
تنهدت بشيء من الراحة لم تعرف لما تسلل لها ، تعلقت برقبته كالطفلة مرة أخرى وقالت :-
_ كل حاجة حواليا بتخوفني الا أنت ، حتى الهدوء بخاف منه ، صوت الهواء ، وأي وش غريب عني بيخوفني...انا محتاجة أطمن لحد ما أبطل خوف..
حاصر جسدها بين ذراعيه بضمة قوية ثم قال بعد تنهيدة عميقة :-
_ أنا عارف أن اللي فات مكنش سهل ، بس دلوقتي خلاص كل شيء انتهى وبقيتي في الآمان...إلا لو كنتي خايفة مني بقى !!
قال ما قاله بشيء من المرح ظهر بصوته فنظرت له بعتاب وقالت :-
_ أنا ما خوفتش منك حتى وأنت بتحاول تقسى عليـا ، بس انا ما اتعودتش على الفرحة يمكن ، في فرق رهيب بينك وبينه يا وجيه ، فرق زي المر والعسل...
قال بهدوء رغم ما شعر به من غيرة لذكرها الماضي:-
_ أنسي يا للي ، انا بضايق لما بتجيبي سيرته ، لما احس أنك فكراه حتى لو بتكرهيه ، أنا ما اقبلش يقاسمني في تفكيرك حد !
رغما ابتسمت ، تحب نظرته عند الغيرة ، ونبرت صوته ، حتى تنهيدته الغاضبة تبدو جميلة...
ابتعد بنظرته بعيدا عن عينيها ،تلك الماكرة تتسلى بغيرته ، وأن كان غاضبا من ذلك ، فتوجد ابتسامة أيضا بداخله من مكرها ، حبيبة الروح تثير جنونه ، يحب معها كل شيء..
فالرجل يثيره المكر الأنثوي ، يجذب رجولته وفكره ، شيء هام يُكمل زخرف الأنوثة بعينيه...
تلاعبت بمشاعره بنظرة عينيها المتسلية بابتسامتها الماكرة ربما أرادت أن تنأى عن فكرها تلك المكالمة الهاتفية...ومدى روعها منها...وقفت على أطراف أصابعها لتصل إلى أذنيه وهمست بنعومة تضعف ثباته :-
_ أنا لما قابلتك قلبي كان مقفول عمره ما اتفتح لحد ، ولما حبيتك كنت أنت أول واحد يسكنه ، صدق أو ما تصدقش ، انا ما اتجوزتش غيرك ، وأول جوازة حاسة أني فقدتها من ذكرياتي
شدد يده على خصرها بتملك وقال بقوة بقرب عينيها :-
_ يبقى ليه خايفة ، ليه بتفتكري ؟!
نظرت لعينيه بعشق وقالت :- خايفة لأني مش مستعدة لأي مفاجآت ممكن تفرق ما بينا ، ولأن بكرة مجهول ، خايفة لأني مش هقدر أعيش من غيرك لحظة واحدة...
اخفى ابتسامته وقال :-
_ المفروض كده أنك صالحتيني ؟!
عبست ملامحها وقالت وهي تبتعد عنه :- اوك ، اوك مش عايزة اكلمك !!
كادت أن تتوجه للشرفة حتى جذبتها يده والابتسامة العريضة على محياه وقال بهمس وبضمة قوية :-
_ لو ابتسمتي همد شهر العسل يومين كمان
قالت مبتسمة بسخرية :- طب لو ضحكت ؟
ضحك عاليا ثم قال :-كده تبقي طماعة فعلًا لأن ورايا شغل كتير مستنيني ، بس اكيد في أقرب وقت هسرق كده كام يوم من الشغل ونسافر في أي مكان تحبيه
ابتسمت له برضا تام ومحبة حتى وضع قبلة على رأسها وقال برقة :- بحبك
*******
**بمنزل كاريمان**
تلقت كاريمان اتصال هاتفي فاعتدلت في فراشها وأخذت الهاتف من جانبها واجابت :-
_ اتصل بيكي ؟ شوفتيه بعد الحفلة ؟
تأففت كاريمان من هذه الفتاة وأوامرها التي لا تنتهي فأجابت :-
_ ما اتصلش ولا بيرد على مكالماتي ، بفكر اروحله واطب عليه في شقته اللي بقت مكتب !!
فكرت شاهندة للحظات ثم قالت بعصبية :-
_ طب خليها بعد كام يوم كده عشان ما يشكش في حاجة ، بس الفيديو اللي اتسجل من غير صوت !! وكمان المفروض أن جميلة كانت معاه يعني اللي بينهم المفروض أنه اتسجل ؟!!
نفذ رباط الجأش وهتفت كاريمان بعصبية :-
_ بقولك ايه احنا الاتنين مصلحتنا واحدة يا عنيا ، يعني تتعدلي وانتي بتكلميني احسن اهد المعبد على دماغك !!
وبصراحة كده انا اللي كتمت الصوت وخليته صورة بس عشان ما يبانش كان بيقولي ايه وكمان انا قفلت الفيديو لما طلعت وبقية خطتك ما قولتليش عليها ، يعني ماكنتش أعرف أن خطيبته هتكون موجودة وهيتكلموا
هتفت شاهندة بغضب :- أنتي ناسية نفسك بتكلمي مين يابتاعة أنتي !! لو كنت بعمل كده فانا في الاساس قريبته وبنت ناس محترمة مش تربية شوارع !!
قالت كاريمان بسخرية واحتقار:- طب ماشي يابنت الناس المحترمة هنشوفك هتعملي ايه لما اوري عيلتك الفيديو اللي انتي بتتفقي فيه على جاسر وعمالة تخططي....مش بيقولوا في المثل من حفرة حفرةٍ لأخيه ؟! اهو أنا سجلتلك زي ما سجلتيله بالضبط ، انتي مش هتغلبي بنت الشوارع يابنت...الناس المحترمة!
نهضت شاهندة من مقعدها وهي ترتجف من الخوف لكشف أمرها أمام الجميع ، قالت بأسف :-
_ أنتي اللي نرفزتيني على فكرة ، عموما مش مشكلة الفيديو مش مهم صوت ولو أن لو خطيبته طلعت معاه في الفيديو وهما لوحدهم كانت هتبقى احسن كتير..
كاريمان متابعة سخريتها باحتقار :- ماهو من غبائك ، لو كنتي عرفتيني الليلة كلها ماشية أزاي كنتي وصلتي للي عايزاه ، كده اللي بينا خلص ومش عايزة اسمع صوتك تاني
اغلقت كاريمان الهاتف بتأفف ثم قالت بنظرات متوعدة :-
_ اللي بينا يا جاسر ده لعبتي أنا لوحدي ، محدش هيستفيد غيري أنا وبس
******
بأحد المساجد في حي من أحياء القاهرة...بعدما ادى المصلين صلاة الظهر ورحل بعض النسوة من المسجد....جلست تقى "توتو" منزوية بأحد الأركان باكية بحرقة حتى أتت لها فتاة بخمارها الأبيض...كانت تشبه الأطفال في نظرات عينيها...ربتت على كتف تقى وقالت برقة :- بتعيطي ليه ؟
رفعت تقى رأسها ببطء وظهرت عينيها الحمراء من البكاء ، احتاجت للحديث مع أحد لا تعرفه ولا يعرفها ، تشتاق أن تعلن توبتها ، ربما كان الوقت متأخرا وهي على حافة الموت ، ولكن أن تبقى آخر رمق نفس بالحياة..فاستغفر الله
أجابت تقى بانهيار وندم :-
_ غلطت كتير أوي ، عملت حاجات بشعة ، كنت مستسهلة الذنب !! ذنب ورا ذنب لحد ما بقيت أشوف الغلط عادي !! أي غلط بقى عادي ، محستش بالندم عمري !
قالت الفتاة :- دموعك بتكدبك !! ما تجلديش نفسك..
هزت تقى رأسها بنفي وقالت باكية :- جيت بعد ما وقعت ، بعد ما بقى الموت قدام عيني في كل لحظة ، كان نفسي اجي وانا بقوتي من غير خوف يجبني
قالت الفتاة بابتسامة:- لسه فيكي الروح ، وندمانة ، وعايزة تتوبي بجد وجيتي لهنا بإرادتك ، خوف ومحبة...أنك لا تهدي الأحبة والله يهدي من يشاء...الله يهدي من يشاء
قالت تقى برجاء وتوسل :- يعني تفتكري ربنا يقبل توبتي ؟
الفتاة بذات الابتسامة:- ما أنا قلتلك ، الله يهدي من يشاء ، في ناس بتقابل ربنا وهي على معصية ، ما تابوش ، لكن وجودك هنا ودموعك دي بتقول أن ربنا عايزك وبيحبك...اخلصي النية في التوبة وقولي يارب...بقى اللي جابك هنا هيردك من غير ما يسمعك ويغفرلك ؟!
تقى بخوف ودموع :- طب لو مرضي وصلني للموت قبل ما اكفر عن سيئاتي ؟
اجابت الفتاة بلطف :- لحظة توبة حقيقية بعمر كامل من الغلط ، خير الخطائين التوابون...عايزة أقولك حاجة بصدق...يابختك لو قابلتي ربنا بعد توبتك...المهم دلوقتي أن توبتك تكون حقيقية ومترجعيش للي كنتي بتعمليه ابداً
قالت تقى ببسمة مرت على شفتيها رغم الدموع :- مش عارفة اقولك ايه ولا أشكرك أزاي ؟ انا حاسة زي ما أكون شوفتك قبل كده ؟!
تنهدت الفتاة براحة ثم قالت :- عندك حق يا تقى ، احنا اتقابلنا قبل كده ، أنا سعاد محمود الشهيرة بسونيا ، اتقابلنا زمان في كباريه من اللي كنت بشتغل فيهم...ولما مرضت كنت زيك كده بالضبط ، سيبت كل حاجة وجيت لأقرب مسجد وبكيت وتوبت، يمكن المرض اللي عندي لسه موجود بس انا راضية ومرتاحة...
يمكن اتقابلنا صدفة عشان تعرفي أن ربنا جانبك ومعاكي...ده ربنا بيقول سبحانه وتعالى_بسم الله الرحمن الرحيم
( "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (53) الزمر)
ابكي واندمي وتوبي وربنا هيسامحك...
ودعتها بابتسامة جميلة وهادئة ثم رحلت ، نظرت تقى للفتاة وهي تبتعد ، تذكرتها قديما ،منذ سنوات ،كان يُضرب بها المثل في المجون والخلاعة ، والآن هي فتاة صالحة ، يرق القلب لرؤيتها ، الله يغفر ، الله يغفر...
قالتها تقى لنفسها مرارا ، ابتسمت بأمل وأعين دامعة ، وتوجهت بردائها المحتشم اتجاه القبلة وبدأت طريق العودة...ربما الموت يأتي الآن ، وربما يأتي غدًا ، وربما يأتي بعد غد....لا يهم متى يأتي تحديدا مثلما يهم أن يأتي وقلب المؤمن يتلهف للقاء الله ربما في سجدة ، أو تسبيحة ، أو فرض تلهف له القلب للسجود ، ليقل متضرعا الى ربه أنه الفقير والله الغني الواحد الأحد...
*****
**بموقع العمل**
كانت جميلة قد انتهت من المعاينة.. أرادت وبشدة معاينة ذلك الطابق الآخير فجأة...دون أن يدري أحد من العمال...توجهت اليه حتى اوقفها جاسر بتعجب وقال :- رايحة فين ؟!
أشارت له كي لا يحدث جلبة بالمكان وهمس :- هشوف حاجة وجاية
ضيق جاسر عينيه بدهشة وحيرة حتى ذهب خلفها ليكتشف ما تخفيه ورا هذه النظرات المترقبة....
بالطابق الآخير....
انتبه احد العمال لصعود احدهم فهتف بعجالة:- في حد جاااي ، اخفوا اللي معاكوا بسررعة !!
تفرق العمال بحركة سريعة وقلقة لإخفاء ما ينظمونه ببعض الصناديق...دخلت جميلة الطابق ومعها جاسر الذي كان يراقبها هي دون أي شيء آخر....
كان العمال استطاعوا أخفاء الصناديق بأحد الغرف البعيدة ، وقفت تتأمل وجوههم المتوترة بشك ! حتى وقعت نظرتها على شيء مدفون بكومة من الرمال المبللة بالماء....اقتربت له سريعا حتى أخرجته وازالت الأتربة من عليه...هي لا تعرف ماذا يكون شكل الجرعات المخدرة ولا حتى تعرف اسمائها...قالت وهي تنظر لما بيدها :- ايه اللفة دي ؟!!
اتسعت أعين الجميع بخوف حتى اقترب جاسر وأخذ منها اللفافة متفحصا....بمجرد أن بعد شرائط المخدرات التي تحتوي على أقراص مخدرة ضيق عينيه بذهول....نظر للعمال بنظرة غاضبة ، تطلعت به جميلة وادركت الأمر حتى قالت بهتاف :-
_ كنت شاكة من زمان أن في حاجات هنا بتحصل مش مضبوطة ، بالذات ما لقيت سيجارة الحشيش هنا وصناديق بتختفي وبتظهر فجأة !! انا لازم ابلغ البوليس ، اللفة دي بتقول أن ده اتجار مش تعاطي !!
اقترب العاملين منهما حتى هتف احدهم بعنف :-
_ وأنتي مين بقى أن شاء الله ؟ ضابط ولا قاضي ؟!
احتقنت عين حاسر بشراسة وهجم على العمال بلكمات عنيفة وهتف بغضب :- لو كلب فيكوا كلمها كده تاني مش هيكفيني سجنكوا !
جذبته جميلة حتى لا يتصاعد الأمر أكثر من ذلك واتى رئيس العمال راكضا بقلق ، تساءل :- في ايه يا بشمهندس ؟!
القى جاسر اللفافة بوجهه وقال :- في أنك بتشتغل مع عصابة بيتاجروا في المخدرات ، شوف اللي لقيناه هنا ، ويمكن أنت كمان معاهم ؟!
قال الرجل بصدمة :- يا نهار اسود ! حضرتك بتقول ايه ؟!
جلسر بعصبية:- اللي سمعته ، اللي بيحصل هنا كان كفيل يودينا كلنا في داهية ويضيع مستقبلنا بس أنا عارف هعمل ايه
رئيس العمال بتوسل :- يا بشمهندس اكتر العمال بيتعاطوا عشان يعرفوا يشتغلوا ، هما كده للأسف ، انا عارف أن من حقك تزعل وده خطر على شغلك لكن اوعدك ما يحصلش تاني...
جاسر بعصبية :- عشان اصدق كلامك لازم اشوف المكان كله ، مش يمكن في حاجة مستخبية هنا ولا هنا !
نظرت جميلة للعمال بنظرة متفحصة ، رأت الخوف بعينيهم ، ربما يحدث ما لا يحمد عقباه ، قالت وهي تجذب جاسر بقوة:- يلا يا جاسر ، الريس عنده حق
تعجب جاسر من تراجعها فهتف معترضا بالرفض...تظاهرت بالدوار وقالت :- انا حاسة أني دايخة ومش قادرة أقف ،ارجوك وصلني البيت دلوقتي...
شعر ببعض الكذب بقولها ولكن نظرتها تقل له احذر....اخذها وخرج من المكان بالكامل.....
وقف بالطريق خارج المبنى وقال بعصبية:- انتي كدبتي صح ؟! هو أنتي فكراني جبان ؟!!
قالت بنفي:- لأ طبعا ، بس قلقت منهم يا جاسر ، شكلهم فعلا زي العصابة والمجرمين ، لما قلت هتشوف المكان كلهم بصوا لبعض بخوف ، اكيد المكان ده فيه حاجة مخبينها ،مستحيل كانوا يسيبوك تكشفهم بسهولة كده ، أنا خوفت عليك
جاسر بضيق :- لو ده حقيقي فلازم نتصرف ، الموقع ده تحت مسؤوليتنا واي حاجة هتحصل فيه احنا اللي هنلبسها...
قالت جميلة بقلق :-
_ يبقى نفكر بعقل وأول حاجة لازم تحصل أن المشروع ده ينتهي باسرع وقت حتى لو هنسيبه لشركة تانية
جاسر بحيرة :- الموضوع مش سهل في عقود واتفاق !! انا هقعد مع ولاد عمامي وندور على حل والنهاردة..
جميلة بدعم :- وانا معاك
*******
بالمكتب.....
تجمع الشباب بمكتب واحد حتى روى لهم جاسر ما حدث...هتف يوسف بعصبية :- ولاد ال...ده احنا كنا روحنا في داهية بسببهم !!
آسر وكأنه حمد تلك الكارثة ليخرج غضبه :-
_ لو لغينا المشروع هيبقى في شرط جزائي احنا مش حمله دلوقتي ، ولو كملنا يا عالم ممكن يحصل ايه والمفروض أن العمال دول تحت اسم شركتنا وبيشتغلوا معانا مش مع صاحب المكان نفسه ...
رعد بتفكير :- احنا لازم نعرف المكان ده فيه ايه من غير ما حد يحس ، يمكن بيحصل فيه حاجات تانية ، هنسجل كل حاجة وانا معايا الكاميرا...
وافق الشباب على هذه الفكرة ليقل جاسر:- يبقى النهاردة عشان ما يلحقوش يهربوا اللي مخبينه...
في الخارج قد تجمع الفتيات أيضا ....سردت جميلة ما رأته لتقل حميدة بغيظ:- ولسه فاكرة تقوليلي دلوقتي ؟!
اجابت جميلة بتوتر :- مكنش في حاجة تخليني اتأكد انهم كده
رضوى بحيرة :- المهم دلوقتي هنطلع من الحكاية دي أزاي ؟!
سما بعصبية:- لازم يبقى في حل والا ربنا يستر بقى
خرج الشباب من المكتب وخرجوا جميعا عصبة واحدة دون كلمة لمن يقفون ينظرون اليهم بقلق....
قالت حميدة بقلق :- هما رايحين فين ؟!
جميلة بقلق :- ربنا يستر
سما بخوف :- تبقى مصيبة لو رايحين الموقع !!
رضوى بتوتر :- أنا خوفت !!
*******
مر ما يقرب من اربع ساعات.....قد انتظر الفتيات جميعهن في المكتب ولكن لم يصل أي احد من الشباب...اتى سقراط للمكتب بنظرات غاضبة وهتف ّ:-
_ ماترجعوا الفجر احسن !! انتي لسه هنا ليه يا ولية انتي وهي؟!
قالت حميدة بعصبية:- ولاااا انا مش طايقة حد قدامي السعادي ابعد عني احسنلك
سقراط بسخرية:- يام يام يام ، خوفت !!
سما بانفعال :- الشباب مختفيين ومرجعوش لحد دلوقتي يا سقراط وقلقانين عليهم
قالت رضوى:- يارب ما يكونوا بيتعاركوا
ضيق سقراط عينيه بعمق وقال :- هو ايه العبارة ؟ فهموني يمكن اساعدكم
روت سما له ما حدث حتى خلع سقراط معطفه الصيفي ثم ارتداه مرة أخرى... لوت حميدة شفتيها بسخرية حتى قال بنظرة ضيقة:-
_ جيتوا في ملعبي....القوة والعراك ده بتاعي أنا مش النايتي اللي هتتجوزوهم !!
حميدة بغيظ وهي تشير له ليصمت :- لم لسانك لقوم عليك ابططك !!
جميلة وهي تحمل حقيبتها :-
_ مستحيل استنى اكتر من كده ،انا رايحة الموقع حالًا ويحصل اللي يحصل
ركضت جميلة وتبعها الفتيات حتى رتب سقراط خصلات شعره الخشن وقال بغرور :- أنا اللي هنقذهم ، حلاوتك يا معلم سقراط
*****
بموقع العمل......
رفع رئيس العمال السلاح بيده ثم أشهره على المقيدين الأربعة وقال بسخرية:- بقى انتوا بقى اللي جايين هنا عشان تكشفونا !!
هتف يوسف ويداه وقدميه موثقين بحبال سميكة :-
_ ما تعملش فيها راجل واحنا متكتفين ،فكني وشوف هعمل فيك ايه !!
وكزه رعد وهمس:- اسكت يا يوسف ، استنى
توجه رعد بالحديث مع الرجل وقال :- هتعمل ايه يعني ؟! قول اخرك !
قال الرجل بضحكة ساخرة:- ما تخافش يابطل ، مش هموتكوا ، بس هطلعكم من هنا متكسحين
كان جاسر يرمقه بشراسة وصمت ولولا تلك الضربة التي تلقاها على رأسه ما كان ليستطيع احد قيده بهذه البساطة....
قال آسر بعصبية :- قول أنت عايز ايه ؟
نظر الرجل لهم بصمت وظل يفكر لبعض الوقت.....
تسللت الفتيات بخفاء للمبنى حتى الطابق الأخير....اشارت حميدة لهنّ ان يحذروا من احداث أي صوت ...شهقت كلا منهنّ عندما رأو هذا المشهد....صرت حميدة على اسنانها بعتف وتمتمت :- يابن ال...
قال جميلة بخفوت وقلق :- ده اللي كنت خايفة منه !
سما بخوف :- هو..هو سقراط فين ؟!
رضوى وهي تبتلع ريقها :- اختفى معرفش راح فين !!
أشهر الرجل سلاحه نحو يوسف وقال :- أنا هموتكم بلا وجع دماغ ، لو سيبتكم هتقرفوني وهتبلغوا عني ، واظن انا ماليش علاقة اكيدة بواحد فيكوا ومحدش هيشتبه فيا ولا في واحد من رجالتي
شهقت حميدة بذعر وتبعها الفتيات حتى قفز سقراط أمام الرجل فجأة وخلع نظارته الشمسية وكأنه يؤدي مشهد سينمائي وأشار للرجل قائلا :- هتعمل ايه يابغل أنت ؟!
💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖
الفصل الثانى والأربعون
تطلع رئيس العمال بدهشة من الذي قفز فجأة أمامه مثل الارنب...قال جاسر بخفوت لرعد :- الضحك اللي هضحكه دلوقتي مالوش أي تلاتين لازمة
فرد سقراط يديه بحركة بهلوانية وكأنه يستعد للقتال حتى تلقى صفعة صارخة على جانب وجهه....
صمت سقراط وكأنه اصبح لوح ثلج بينما فقد جاسر ثباته وكتم ضحكة لم تكن وقتها الآن....
هتف رئيس العمال برجاله فأتوا الرجال الثلاث من غرفة قريبة ، وقال:- خدوا الواد الأهبل من قدامي السعادي
نظر سقراط للسلاح بيد الرجل حتى استطاع أن يسرقه من يده فجأة وأشهره بإتجاههم وقال :-
_ أنا مابعرفش أضرب فالرصاصة ممكن تيجي في أي حته خلي بالك
ابتعد الرجل عنه نظرا لخطورة السلاح المعمر بالرصاص في يده وأشار لرجاله بالابتعاد....قال سقراط وهو يشير لهم للغرفة :-
_ ادخلوا للاوضة دي قدامي....يلا حمار انت وهو ده انا ههريكوا ضرب
قال يوسف بتشجيع :- ايوة كده برافوا عليك يا سقراط
دخل الرجال الغرفة وكاد سقراط أن يبتعد حتى جذبه احدهم للداخل واغلقوا الباب عليهم جميعا....حاول سقراط وهو يصرخ مستغيثا :- لو مت قولوا لبويا أني خدت عشرة جنيه من تحت المخدة
جذبه الرجال مرة أخرى للداخل ويبدوا أن الشجار بدأ بينهم...
ركضت الفتيات للشباب بهلع وبدأت كل واحدة تحرر قيد كل واحد منهم.....
تفاجئ الشباب بوجودهنّ ولكن لم يكن بالوقت فائض حتى يتم الشرح او النقاش....شجع يوسف حميدة وقال :-
:- فوكيني يا حميدة بسرعة ،انا ما اتغدتش من العصر !!
نظرت له حميدة بعصبية وغيظ فدفعت المقعد الجالس عليه حتى سقط يوسف المقيد بالمقعد للخلف....
همس جاسر بابتسامة لجميلة التي كانت تلهث وهي تحرره :-
_ يارب ريس العمال يجي دلوقتي ويكتفنا احنا الاتنين لوحدنا....الله
رمقته جميلة بحدة وتابعت تحرير وثاقه
بعدما تفحص نظرات الخوف بعينيها واللهفة ، قال رعد بمكر:- خوفتي عليا صح ؟
رضوى بقلق :- ايوة...لأ
صححت قولها فابتسم بمكر !!
راقب آسر توتر سما وهي تحرره فقال بحدة:- جاية ليه ؟! مش بتكرهيني ؟!!
سما بعصبية:- مجتش عشانك اصلًا ، جيت مع البنات مكنتش هسيبهم لوحدهم
آسر بغضب:- خلاص سيبيني مالكيش دعوة بيا
زمت شفتيها بحدة وكم أرادت أن تصفعه فربما يفيق ، قالت :-
_ اسكت خالص لحد ما اعرف افكك وتلحق اللي عمال يضرب جوا بسببكم
******
أخذ أحد الرجال ينفض "سقراط" من ياقة قميصه الجينز ثم سلٌمه لزميله...استلم الآخر سقراط الذي وقع المسدس من يده وذلك اوقعه بيد هؤلاء المجرمين بيسر...قال سقراط متظاهرا بالقوة:-
_ ياعم أنت مش عايز اتغابى عليـــك ، ياتضرب في وشي وتبقى راجل لراجل يامتضربنيش خالص واعتبرني عيل وغلط ،والنعمة هدعيلك وهخلي ستي تدعيلك
هتف رئيس العمال وهو يقترب له :- قول أنا عيل ياض
هتف سقراط ثائرا والرجل يقبض عليه :-
_ لاااااا ، أنا أقول بمزاجي محدش يجبرني !!
سقطت صفعة على وجهه فصحح :- الا أنت يا معلم ، فكرني اقول ايه اصلي حاسس ان دماغي نملت ، أنتوا مش شايفين الا وشي ليه ؟!
رفع الرجل الثالث سلاحه فرمقه سقراط بخوف وقال :-
_ انت هتعمل ايه استهدى بالله كده ده أنت مجرم اد الدنيا وعيب اوي تضيع سمعتك وبلاويك في حتت عيل زيي ساقط تانية اعدادي
صفعه رئيس العمال فاضاف سقراط وهو يتحسس وجهه بألم :- وخمسة ابتدائي وتلات ملاحق...نسيت انا اسف
قال رئيس العمال بهتاف:- تعرف العيال اللي برا دي منين ياض ؟! ومين اللي جاي معاك ؟
قال سقراط بتلعثم وقد فكر سريعا فيما يقوله ...قال :- بصراحة بقى أنا مخبر للحكومة
نظر له رئيس العمال بسخرية فتابع سقراط ليقنعه :- ايوة ، اصل محدش هيشك فيا شوفت النباهة ، والبوليس عارف اخباركم ومراقبكم
توتر وجه الرجال ليقل رئيسهم باستهزاء:- الحكومة هتستعين بيك أنت ياعيل ؟!
قال سقراط بثقة رغم أن موضعه بقبضة أحد ال جال تدعي للقلق وقال :- ماهو عشان اللي زيك مش هيصدقوا الحكومة استعانت بخبراتي ، شوفت انت ما صدقتش أزاي؟! بنعتمد على غبائكم حضرتك
هتف رئيس العمال بحدة وعصبية :- غبائنا !! طيب يا سيادة المخبر خلي خبراتك تنفعك
اشهر الرجل السلاح على وجه سقراط الذي تعرقت جبينه بخوف حقيقي فتح باب الغرفة فجأة....
نظر الرجال للباب الذي فتح ولم يوجد أحد !!
قال رئيس العمال لرجاله :- روح شوف مين اللي فتح الباب
تحرك الرجل باتجاه الباب حتى تفاجئ بهروب الشباب واماكنهم فارغة !!
صاح بغضب وقال :- هربوا !!
لم يسعفه ذكائه بمن فتح الباب وخانه الفكر حتى أشارت له يد انثوية من احد الغرف...تحرك بوجهتها ليكتشف الأمر...
اختبأت سما سريعا بعدما فردت احد ذراعيها وهي تختبأ خلف الحائط باتجاه الباب حتى دلف الرجل للغرفة وتلقى ضربة على رأسه فجأة من آسر الذي كان خلفها ينظر لها بغيظ....
قفزت سما بحماس وابتسامة :- ضربنا وااااحد
قال لها بسخرية:- قصدك ضربته !!
زمت شفتيها بضيق وغيظ منه حتى أخذ آسر من الرجل الملقى فاقد الوعي "مسدسه" وأشار للشباب الذي تفرقوا بأماكن متعددة للأختباء...ّ
خرج الرجلان الآخران لتفقد المكان بعد سماعهم لصوت غريب حتى تجمع حولهم الشباب ضربا وركض آسر للغرفة الذي بها سقراط....
اشهر السلاح بوجه رئيس العمال وهتف:- ماتفتكرش أننا سلمنا غصب عننا ، كل ده متسجل وانت اتكشفت ، اظن دلوقتي ماتقدرش تنكر زي ما انكرت قدام جاسر لما كشفك
نظر رئيس العمال بتوتر لآسر ومع أنه يحمل سلاحه ولكن خوفه قد اثر عليه بعض الشيء...هتف آسر :- ارمي السلاح اللي في ايدك
القى الرجل ما بيده ولكن يضمر بعيناه الغدر حتى عندما أمره آسر بالخروج من الغرفة خرج ببطء...هتف سقراط وقد عادت شجاعته :- مجرم عرة بصحيح ، قول أنا عيل ياعرة
لم يجيبه الرجل حتى هتف سقراط :- هتقول أنا عيل والا هعلقك من ودانك ؟!
اتى الشباب بعدما اوثقوا المجرمين بالحبال للآمان وقال جاسر وهو ينظر للرجل باحتقار:-
_ البوليس جاي دلوقتي ، وهنسلمهم الفيديو بكل اللي حصل واعترافك ، حلوة اللعبة دي ؟
أحاب الرجل بنظرات شر :- حلوة يا جاسر بيه ، ما تفتكرش أني هعديهالك ، لو اتسجنت هطلع ومش هسيبك
جاسر بسخرية :- لو البوليس مش جاي دلوقتي أنا كنت عرفتك مين هو جاسر الزيان
صفعه سقراط على وجهه وقال :- ده أنت وشك هيبقى جزمة من النهاردة ، وشك ده ولا غطا بلاعة ؟!
ركضت حميدة لشقيقها وضمته بلهفة قائلة :- رعبتني ...يخربيت صريخك !! ده أنا قلت بيحدفوك من شلال !!
قال سقراط بابتسامة بلهاء :- ده تمويه يا غبية ، قال يعني خايف وكده انما انا نينجا ، دول كانوا مرعوبين مني جوا ، كلتهم ضرب ، حتى اسألي العرة ده ...صح يا عرة ؟
وجه سقراط الحديث لرئيس العمال ، صفعه سقراط بقوة فقال الرجل بغضب :- اااااه
اتى يوسف ومعه رعد الذي كان يتفحص الكاميرا ، قال يوسف :- دلوقتي نفذنا خطتنا وكشفناه وهنسلمه للبوليس ، نفدنا بجلدنا.
نظر آسر للفتيات الذين تجمعوا مع بعضهن وهتف :- انتوا جيتوا ليه اصلا ومين اللي قالكوا تيجوا ؟!
صرّت سما على اسنانها بغيظ واجابت :- معلش يعني في اللي هقوله...انت ناسي اننا اللي انقذناكم ؟!
آسر باستخفاف :- ده حصل بمزاجنا على فكرة
جاسر بابتسامة :- مش بمزاجنا اوي يعني ، أتاخدنا غدر واحنا داخلين وضربونا من ضهرنا ، ردينالهم اللي عملوا
رمقه آسر بغيظ ليقل رعد بابتسامة ماكرة :- مصيبة عسل
اخفت رضوى ابتسامتها حتى أرادت ان تظهر بعض العصبية فصاحت بالمجرم بحدة وعصبية:- ياااامجرم ياعررررة
كتم رعد ضحكته من الكلمات التي اظهرت عقدة لسانها بالحديث
تطلع جاسر بوجه جميلة وهمس قائلا لها وهي تقف بجانبه :-
_ فاتني اخدك معايا المهمة دي ،المرة الجاية هقولك أنتي وبس
اجابت جميلة بسخرية :-
_ كويس ،عشان انقذك زي ما عملت النهاردة
جاسر بتضيقة من عينيه :- والله !
وقف سقراط وهو ينفض ملابسه ويقول بغرور :- الحمد لله عملت اللي عليا معاكم يا شباب ، ماتنسوش أي حاجة تكلموني على مكتبي في الورشة ،أي خناقة ،عركة ، سبوع... انا معاكم أن شاء الله
انتبه الجميع لصوت سيارة الشرطة حتى اقتحم قوة من العساكر المكان وتم القبض على المجرمين....سلٌم رعد شريط الفيديو للضابط المسؤول حتى ذهبوا جميعا لقسم الشرطة ليدلوا بأقوالهم...
بعد عدة ساعات.....
أتى الاسطى "سمعة" للقسم راكضا حتى التف حوله الفتيات وسردوا عليه ما حدث بالتفاصيل ،هتف بيهن بعصبية :-
_ كنتوا كلموني وبلاشوا انتوا !! ، انتوا اغبيا مش فاهمين كان ممكن يحصلكوا ايه !!
صمت الفتيات بخجل وكل واحدة منهن على علم بأن حديثه صحيح ، اضاف :- اللي حصل حصل،المهم سقراط ابني فين والشباب؟!
كادت أن تجيب حميدة حتى خرج الشباب ومعهم سقراط ، توجه سقراط لأبيه بنظرات واثقة وقال :- شوفت ابنك عمل ايه ؟ اربع مجرمين محدش فيهم لمس شعرة مني
قال جاسر بضحكة :- ده انت وشك بقى كنافة تحت ايدهم بس أنت صح...كمل يا وحش
سقراط بسخرية وتقليد حركات جاسر :- لأ وأنت اللي فندام !! مكنتش متكتف ولا حاجة وبتحارب في المعركة وانا اللي جيت عطلتك !
يوسف بتأكيد :- اللي قاله سقراط صح يا عمي
سقراط بمحبة :- حبيبي يا خطيب أختي ، والله أنت ارجل من اختي
قال الاسطى سمعة :- طب يلا معايا من هنا ، الحمد لله انها عدت على خير ، هتتعشوا عندي النهاردة
قال يوسف بتأثر :- حمايا...أنت أزاي بتحس بيا كده ؟!
******
بمنزل الاسطى سمعة....
جهز الفتيات مائدة الطعام ....
وضعت حميدة عدة أطباق اضافية على المائدة وكلما تذكرت جملة يوسف تكتم ضحكتها ، تساءلت رضوى بتعجب :-
_ حطيتي اطباق زيادة ليه ؟!
حميدة بضحكة :- دول اكنهم راجعين من حرب وشكلهم جعانين ، وبالذات ماكدونلز اللي هتجوزه ، في عز الخناق يقولي ما اتغدتش ،قلبته لحد ما وقع بس كنت هموت واضحك
ضحكت رضوى على حديثها ثم قالت :- دول مجانين والله
وضعت سما طبق من السلاطة على المائدة حتى لاحظت بالذي يتطلع بها شاردا وحينما التقت اعينهما احتدت نظراتهم للغيظ حتى ذهب كلا منهما لاتجاه آخر....
****بغرفة الجدة حميدة****
اعتدلت الجدة حميدة وعلى ملامحها الذهول فقالت :-
_يا مصيبتي يا سقراط ؟! وأنت عملت ايه يا منيل ؟
كان سقراط يروي لها ما حدث ومدى شجاعته فأجاب :-
_ عارفة يا ستي الاربع عواميد اللي برا دول ماعملوش ربع اللي عملته ، العصابة سابتهم كلهم وركزوا معايا انا بس لما لقوني النينجا اللي فيهم...أنا وقفت قدامهم صامد كده ولا اتهزيت وأشخط فيهم كده...
الجدة بلهفة :- وهما عملوا ايه ؟!
سقراط وهو يسرد لها المشهد بحركات يديه :- ولا قدروا يعملوا حاجة معايا ، الخوف منعهم ، ياستي انا كنت رهيب رهيب ده انا اتصدمت في شجاعتي !! اللي حصل النهاردة ده لازم التليفزيون المصري ياخد علم بيه ، انا معجزة القرن والقرون اللي جاية
صدح صوت الاسطى سمعة هاتفا حتى ياتي سقراط فقال سقراط لجدته :-
_ هروح اتعشى معاهم وراجعلك تاني
*******
خرج سقراط ويبدو عليه النظافة فقد استحم قبل أن يتحدث مع جدته...اقترب للشباب وهم حول المائدة حتى ضرب على كتف جاسر بمزاح وقال بثقة :- منور يا جاسر
تطلع به جاسر للحظات بعصبية مكتومة ثم همس :- جاسر كده حاف !!
جلس سقراط بالقرب من ابيه حتى قال مرة أخرى :- منورين يا رجالة ، بعد العشا عايزة اعلمكم كده شوية حاجات تنفعكم
كاد أن ينهض جاسر بعصبية حتى جذبه رعد وهمس له :- قول آه وأنت ساكت
هتف جاسر :- اااااااه
همس يوسف لرعد وتساءل :- هما البنات مش هيجوا يتعشوا معانا يا رعد ؟!
نظر رعد له بابتسامة وأجاب:- وتفتكر هتحب تشوف وشك بعد ما اتأكدت انك مهما وقعت في مشاكل همك على بطنك؟! ، كلامك خرم ودني ساعتها وكنت هديك بالقلم مابالك المسكينة خطيبتك !!
يوسف بغيظ :- ما انت عارف أن كل ما بضايق بجوع !
رعد بمكر :- ولما بتفرح ؟!
أجاب يوسف بتعلثم :- ببقى جعان بس مش أوي يعني
هتف سقراط على شقيقته :- هاتي البطيخة من التلاجة يا حميدة وأنا هقطعها هنا..تقيلة عليكي
كتم رعد ضحكة كادت أن تفلت منه حتى قال الاسطى سمعه عندما أشارت له حميدة من مدخل المطبخ :- يلا العشا جهز يا شباب
نهض الجميع وتوجهوا حول مائدة الطعام التي كانت عبارة عن "طبلية" خشبية مستطيلة الشكل ، بلون البيچ الداكن....
ظل الفتيات يراقبون الشباب من المطبخ بخفاء ويتهامسون بضحكات خافته....حتى انتهى الطعام وقال سقراط بنبرة آمرة :-
_ تعالوا بينا على السطح عشان ناخد راحتنا وانا بشرحلكوا
جاسر بسخرية :- انا مخلص هندسة وانت في الحضانة !
سقراط بضيق وحدة :- اللي هقوله ده أهم من اللي درسته ! مش كل مرة هبقى موجود وانقذكم ! لازم تعتمدوا على نفسكم
ضحك الاسطى سمعة وقال :-
_ كل ما تعارضه هيزيد قوله آه وخلاص
جاسر بيأس :- كفاية آهات بقى ! بس عموما يلا يا سقراط على السطح
يوسف بتساءل ومقت :- طب والشاي ؟!
أجابه سقراط :- هخلي البنات يبعتهولنا فوق
نهض الاسطى سمعه ومعه الشباب حتى قال :-
_ أنا عارف أن النهاردة كان كله دوشة ، هخلي الكلام لوقت تاني بخصوص اللي حصل ، بالأذن انا بقى عشان سهرتي صباحي في الورشة
ذهب الاسطى سمعه ثم هتف سقراط :-
_ جيبلنا الشاي يا حميدة فوق
ثم صعد للسطوح ومعه الشباب.....
********
بغرفة السطوح.....
وقف سقراط أمام الاربع شباب باستقامة جسده....نظر لهم نظرة ثاقبة وقال :- دلوقتي نبدأ نتعلم الكارتيه ،الكاته الأولى
جاسر بضحكة :- كاته خطي العتبة..عضلاتك مقوية قلبك بزيادة
رعد بضحكة عالية :- انا مبسوط من الفقرة دي أوي ، كمل ياحبيبي
يوسف بتوتر :- هو انا ليه سمعتها كباب ؟!
آسر بنفاذ صبر :- ياعم اخلص عايز اروح انام
صعدت الفتيات ومن بينهن سما التي حملت بين يديها صينية معدنية وعليها عدة أكواب زجاجية يملأها مشروب الشاي الساخن....تقدمت لهم وخلفها الفتيات...
تابع سقراط بهتاف :- لازم تعرفوا قدرات اللي قدامكوا ، بصوا في عنيه
التفت الشباب جميعا للفتيات ونظر كل واحدا لحبيبته ليقل جاسر بابتسامة ماكرة وهو يتطلع بعين جميلة :-
_ بصيت في عنيه أوي ، لقيت الشوق بيناديني وبيقول بحبك يا معصبني ومطير من عيني النوم...هجوووم
نظرت جميلة لجهة أخرى وبالكاد استطاعت كتم ضحكتها....
قال رعد وفعل كما فعل جاسر بابتسامته الخبيثة :-
_ نفسي اسجل اللحظة اللي بيبتسم فيها القمر ، وافق بقى يا قمر دوختني !
تظاهرت رضوى باللامبلاة بينما هي تخفي ابتسامات هائلة بداخلها....
نظر يوسف لحميدة وقال بابتسامة عريضة :- انا كده جوعت اكتر !!
وضعت حميدة يدها على قلبها وقالت باقتضاب :-
_ هتشل ، هيجبلي شلل
اقتربت سما وتحاشت النظر لآسر الذي كان يرمقها بغموض وظهر عليه الشرود....هتف به سقراط وقال :-
_ بطل سرحان يا آسورة أنت مش عاجبني في العراك ، طري كده
رفعت سما رأسها اليه وجاهدت للحظات حتى ارتفعت ضحكتها عاليًا بشكل مفاجئ وهي تنظر له....
نظر الشباب له بابتسامات على شفير الضحكة حتى هتف آسر بغيظ :-
_ أنا غلطان أني واقف وبسمعلك ، وبعدين مين الطري ؟ ده أنت اضربت قلم عنيك طلعت متر قدام ورجعت تاني !
صاح سقراط بتمرد :- ضحيت عشانكم
رفعت سما كوب من الشاي وكافحت كي تخفض ضحكتها ، اقتربت لآسر قائلة :- اتفضل الشاي ، عشان تنشف
حملق بها بغضب فابتعدت وهي تضحك رغما عنها....
تابع سقراط حديثه وقال :- تاني حاجة ما تخليش مسافة بينك وبين عدوك كبيرة عشان لو فكر يغدر تصطاده
غمز جاسر لجميلة بضحكة وقال :- سامع يا محسن بيه ، يارب تكون سامع ، هنفذ الكلام ده بالحرف
تمتمت جميلة بضحكة خافته :- الله يخربيتك يا سقراط
رعد بمكر :- طب والعدو اللي مصمم يبعد عنك يا سقراط تعمل معاه ايه ؟
سقراط بتأكيد :-يبقى خايف منك يا معلم ، خايف تقربله ، عامله رهبة حضرتك
رعد بابتسامته الماكرة نظر لرضوى وقال :- لو يبطل خوف ويقرب ويواجهني يمكن نبقى حبايب ، عدوي قلبه قاسي اوي أوي
توترت رضوى من حديثه المستتر وركضت للغرفة تختبأ فيها عن احمرار وجنتيها بشدة....وقد سبقتها جميلة للغرفة
رمق يوسف حميدة بابتسامته البلهاء وقال :- طب افرض عدوي مش عايز يقولي بحبك يا سقراط غير بشروط اعمل فيه ايه؟
سقراط بتعجب :- عدوك ويقولك بحبك ؟! يوسف أنت جعان !
يوسف بصدق :- آه
سقراط :- اسكت
قالت حميدة بغيظ :- كلهم جروا مكسوفين الا انا هجري مشلولة
ركضت للغرفة بنظرات غيظ تشتعل..
******
بااليوم التالي.....في الصباح
دلف الفتيات للمكتب لعملهم اليومي....
**بمكتب آسر**
دلفت للمكتب ولا زال مرح الأمس يتمايل بعينيها ،ادركت أنها ستضحك عند رؤيته....لم يكن بالمكتب وتنفست الصعداء
كادت أن تبدأ بالعمل حتى دلف آسر ومعه كوبين من "النسكافيه"
رمقها بتعابير غامضة...لم تريد النظر اليه وكتمت ابتسامتها بالكاد....قال بحدة:- جبتلك نسكافيه معايا
مرت ثوان...دقيقة ،دقيقتين وهي صامته....اقترب ووضع الكوب أمامها على الطاولة وقال بغيظ :- ما بترديش ليه !!
رفعت رأسها ببطء حتى عندما نظرت له انفجرت من الضحك بقوة لترداد جملة سقراط بفكرها...
لأول وهلة شعر بغيظ شديد ثم انخفض غيظه لتصبح ابتسامة يحاول اخفائها...ضحكتها طفولية تبدو...
جميلة...ممكن...
مثيرة..ويشعر بذلك
جلس أمام مكتبه وهو يحمل كوب النسكافيه وقال بنبرة ظهر بها المرح :-
_ اكتبلك جملة سقراط في ورقة عشان تفضلي تضحكي كده !
هزت رأسها بالرفض ثم قالت بصدق :- لأ...بصراحة أول مرة أشوف حد بيهزأك
********
**بمكتب جاسر**
تطلع بها وهي تدخل المكتب بهدوء تام ، ابتسامة ماكرة ، نظرت له بتعجب وقالت :- مالك ؟ ايه سر الابتسامة الخبيثة دي ؟!
أجاب بعد تنهيدة :-
_ هسألك سؤال وتجاوبيني بصراحة
نظرت له بتعجب مرة أخرى وتعجبت أكثر أنه اتى للعمل ورأسه ملتفه بالشاش الأبيض إثر ضربة الأمس...نهض من مقعده واقترب اليها متساءلا :- افرضي كنتي لقتيني مضروب أو مقتول
رفعت رأسها وقالت :- بعد الشر عليك
ابتسم بمحبة وقال :- خدت الاجابة ، أصل بحب أشوف في عنيك الخوف عليا ، عموما كلها شهر واحد وتبقي معايا لآخر عمري..
**********
**بمكتب رعد**
وقفت أمامه بتوتر وقرر أن يأخذ اجابتها وقال :-
_ أنتي موافقة ، والله انتي موافقة وخايفة تقولي !!
تلعثمت رضوى وبدأ جبينها بأفراز حبيبات العرق من التوتر فأضاف :-
_ يعني امبارح قلقك وخوفك عليا كان مش حقيقي ؟!
أجابت بضيق :- لأ حقيقي
رعد بحدة :- تبقي موافقة ، فيها ايه لو تقولي ؟! انا حليتهالك وطمنتك أنك هتاخدي وقتك براحتك ليه بقى قلقانة
ازدردت ريقها بارتباك واجابت :- يعني...يعني أنت...مش هترجع
قاطعها بحدة :- مش هرجع في كلامي...اوعدك
نظرت له بتعجب....لما يصر هكذا ؟! لما يتحمل هذا الأمر لأجلها ؟! قالت بارتباك :- موافقة
ابتسم ابتسامة واسعة وقال :- نجهز بقى رحلتنا لسنتوريني
********
مر عدة أيام.....قرر فيهما آسر الاعتراف نظرا للهدوء الذي خيم علاقته بسما بالايام الفائتة....ابتسم كثيرا معها ،كانت تخبأ ابتسامتها كعادتها ، تهرب بنظرات عند الخجل....هكذا عادت اليه مجددا...
انتظرها بهذا الصباح لتأتِ بينما أتى الفتيات دونها !!
سأل حميدة وهي تعمل على الحاسوب :- هي سما فين ؟!
رفعت حميدة رأسها اليه وقالت بجدية:- جاية ورانا ، سيبتها بتتكلم مع استاذ خالد ، تقريبًا كان مستنيها تحت !!
اسودت عين آسر من الغضب وتملكه شعور قوي بأقتلاع رأس هذا الخالد.....
تحرك باتجاه مدخل الباب بينما رمقته حميدة بثبات وقالت بعدما خرج :-
_ انسان غريب !! ، الله يكون في عونك يا سمكة
*****
لا تعتقد أنك إذا وضعت الزهرة بين أناملك فأنك امتلكتها!!
طالت غيبتها فهبط بالمصعد كي يبحث عنها مشتاقا للاعتراف التي أصبح هو الغاية والهدف ولكنه رأها تقف مع "خالد" يبتسم وتبادله الابتسامة، ينظر لتفاصيل وجهها بنظرة رجل فتنته امرأة!! وترمقه بنظرات يظهر فيها شيء من الامتنان؟!!
رغما تحركت قدميه إليهما، ليس لشيء سوا أنه يريد هدم ظنونه.. وتمنى أن تكن صورة مضادة لصورة امرأة هي حقل الآمه...
كانت تتحدث مجاملة، وتبتسم بالكاد، وتحاول إنهاء الحديث ولكنه اتى لا تعرف من أين!!
توترت بعض الشيء وهي تنظر لملامحه الغاضبة وقالت:-
_ استاذ خالد...
قاطعها بحدة ونبرته اتهامية:-
_ وايه اللي يوقفك معاه من اصله؟!! اظن حتى لو شغل فامفيش مجال لوقفتك دي!!
صمت خالد ورأى أن مصلحته في الصمت...ليرى كيف يفكر هذا الآسر....قالت سمـا بعصبية من اتهامه الواضح:-
_ تقصد ايه يعني؟!
احيانا عندما يتملّك مننا الغضب نأخذ قرارات غاضبة،متسرعة، لم يتمعن العقل بالتفكير فيها... أجاب بشيء سقط على مسمعها كالصراخ :-
ملفك جاهز عشان تاخديه....لقيت البديل وتقدري تسيبي الشغل
إلي هنا ينتهي الفصل الثانى والأربعون من رواية إمبراطورية الرجال
رحاب إبراهيم
رواية إمبراطورية الرجال الفصل الثالث والأربعون/الرابع والاربعون
_ملفك جاهز عشان تاخديه...لقيت البديل وتقدري تسيبي الشغل.
ربما نعرف أن المطر آت ولكن عند سقوط قطراته الأولى نتفاجئ !!
كانت تعرف أنها سترحل بعد بضع أيام...هي من قررت ذلك !
ربما يتضاعف الألم عندما يكن قرار الفراق بيد من نحب...ليس مرغمـًا ، ليس لشيء سوى أنه يريد ذلك !!
البكاء...ربما يعصف الآن بعينيها...
وربما يهجر نظراتها حد الألم لدموعٍ تتلهف عينيها إليها لتستريح !
قال ذلك بنظراتٍ شرسة...كأنه ينتقم لشيء هو وحده يعرفه !!
ربما صفعة لم تكن باليد...ولأول مرة ترى أن للكلمات سوط يجلد وخنجر قاتل !!
نشبت أفكارها المعارك مع نبض يتوق إلى قربه..
ومع كبرياء يجلس على العرش ويتحكم بخطواتنا !
دائمـًا كان يتمسك ، ويقل لا تبتعدي وبه ما به من أخطاء ، كانت تسرق من أصراره بالقرب أملًا يستند إليه القلب مبررا البقاء ! وحتى لو لم تقل ذلك ولكنها كانت تأمل ذلك..
وبتصريح حاد اعلن تخليه ! ويبدو وكأنه يلفظها خارج حياته كالشيء الذي لا يعنيه...
حقا صدمت...غضبت..تألمت...ولم تكن تتوقع ذلك وهي من تخلت عن عنادها منذ قليل ،ورفضت الوظيفة الأخرى مع المدعو "خالد"
على قدر شراسة عينيه ولكن هناك شيء غامض يطوف بهما ، شيء وكأنه يبكِ كالطفل على فراقها...
لم يضيف كلمة أخرى...بل لم يريد أن يستمع ولا ينظر إليها وهي من تجسد الآن الخيانة بنظره ، ربما كانت تتحدث فقط وهذا ليس دليل قاطع بالخيانة ،ولكن عقدته القديمة ثقبت الثقة بداخله اتجاه حواء...أصبح أقل الأشياء بعيناه خيانة..
ابتعد...ما كان عليه أن يفعل ذلك
انفصل عنها ببضع خطوات تتسع كلما مر خطوة...صوت سيارات الطريق حولها كصوت الشجار بخاطرها وبنبضها...
اختفى آسر بداخل المبنى سريعا ، قال خالد مستغلا الوضع الذي انقذه من اليأس بقربها :-
_ لسه عند رأيك وبترفضي الشغل معايا ؟! اكيد في أسوأ الأحوال عمري ما هتكلم بالأسلوب ده !
الرجال لا أمان لهم...هكذا ولد بداخلها هذا الأمر...لم تنتبه كثيرا بما قاله خالد ولم تُجيبه حتى ساقتها قدماها لداخل المبنى....
******
قد مر "آسر" من أمام حميدة منذ لحظات إلى مكتبه...صفقة الباب القوية وملامحه التي تتحدى العبوس والعنف تقل أن شيء ما قد حدث....
نظرت حميدة بتوتر وقالت :- استر يارب
ثوانٍ فقط وقد طلت سمـا بذات الملامح القاسية في تعابيرها...
نهضت بقلق وقد أرادت الاستفسار منها ولكن سما لم تترك مساحة للحديث مع أحد...كأن العالم قد خلا إلا منه فقط...
فتحت سمـا باب المكتب بعصبية وعنف...لم تبكِ..رغم أنها تتمنى ذلك !! رد الألم بمثله هو الأهم الآن...القسوة بالقسوة ، والفراق بالفراق...والبادئ سيندم !
دخولها المكتب كان يبدو وكأنه اقتحام ، ثورة انتقام ، غضب متقد بالنيران...اقترب للمكتب الذي جلس أمامه في سكون غريب ، ليس سكون هادئ...وانما كالألم بعد الصفعة...أو كمثل شعور أول قطرة دم تنزف بعد الطعنة...اطرقت على المكتب بكل قوتها وهتفت بشراسة :-
_ أنت أزاي تكلمني بالأسلوب ده ؟! أزاي تتكلم عني كده ؟!
لم ينظر لها بل ظل ناظرا للمكتب للحظات بصمت ثم بتر صمته بحركة بسيطة من يده وفتح أحد الأدراج...
لحظات وكان أخرج الملف الخاص بها...دفعه على المكتب وقال من بين أسنانه :- مالكيش مكان هنا ، مش ده اللي كنتي عايزاه ؟!
ثورتها أصبحت جمود ، لا صوت ،ولا حركة ، بل وكأن جسدها أصبح تمثال حجري...بهذا البساطة !!
إذن جعلها تعمل لهذا الأمر...كي يكن له فقط القرار في رحيلها !!
إرضاء غرور ؟
عجرفة وتحدي ؟
أنانية ؟
أم كره ؟!
يبدو وكأنه جميعهم ! ويبدو أنها اخطأت خطأ فادح في عودتها مرة أخرى...دلفت حميدة للمكتب وللعجب ظهر خالد الذي نظر للملف على المكتب بنظرة خبيثة...رمقه آسر بكره واحتقار ، بنظرة الضحية للمجرم ، أو المظلوم للظالم...تناول خالد الملف بثبات من على المكتب وقال قنبلته الموقوته :-
_ أنتي رفضتي تشتغلي معايا واقتنعتي تكملي هنا ، بس أنا شايف أن هنا مش مناسب ليكي وكويس أن ده حصل قدامي وهجدد عرضي تاني...تشتغلي معايا ؟
رحبت عينيها بالدموع وهي تنظر له...كان وجود خالد كضوء يكشف العتمة...يكشف حقيقة وقعت بين الراحة والضيق في اظهارها...
ضيق آسر عينيه بصدمة....خالد وبهذه المواقف يستخدم المكر أكثر من الأكاذيب ...اذن أنه لا يكذب ، وما المبرر أن يكذب ؟! انتفض من مكانه كأن جسده لامسته صاعقة كهربائية...ردد بذهول :-
_ هي سما..كانت عايزة تكمل هنا ؟ رفضت تشتغل معاك ؟!
هتفت بصوتٍ عالِ...ظهر به البكاء وقالت :- أنسة سما ما تتعداش حدودك !!
نظر إليها بسيل من الأسف والندم الصامت ،ربما كانت عينيه تضخ الألم أكثر منها ! خرجت من المكتب راكضة...حتى لا يرى انهيارها
لملم خالد الأوراق بالملف الخاص بها ثم رمق آسر بنظرة منتصرة...كأنه يريد الاثبات أن الاستقامة وحدها لا تكفي للربح !! هكذا يوسوس الشياطين !
ظل آسر ينظر لمدخل الباب...خطوات رحيلها ، لحبيبته الذي ابعدها بغبائه واندفاعه وعقدته اللعينة ، ليتها تعرف ماضيه ، وليته يستطع أن يخبرها...لربما كانت تعذره ، أو تأخر الفراق لخطوة أخرى ، لفرصة أخرى....لم يدري كيف خرج خالد أيضا من المكتب...
كان مصدوم كليا...تبلد كالجليد ، انصهر كالثلج تحت شعاع الشمس ولم يصبح صامدا...عينيه تائهة ، هجرت الهدوء والثبات ، تنتفض بذعر من الم الفراق ويبدو أنه خسرها للأبد....
بالكاد استفاق من تيهته وركضت قدماه اتجاه الباب لينقذ آخر سبل القرب ، قالت حميدة بعدما شاهدت المشهد بصمت أقرب للدهشة :-
_ بعد ايه ؟!! أنت خسرتها خلاص !!
استدار بنظرة عنيفة وحادة هاتفا :- محدش هيقرر ده غيري أنا وهي !
حميدة بسخرية والم بعينيها :-
_ هي قررت من زمان بس آخر أمل جواها خلاها تبدأ تفكر تاني ترجع ، بس الأمل خلاص ضاع ، يمكن كمان ضاع للأبد
هز رأسه رافضا الأمر بشدة...وألم ، وحزن يملأ عينيه وسارع للحاق بها...
**********
وقف "خالد" أمام سيارة الأجرة التي اوقفتها سما وقد انخرطت من البكاء للحظات فائتة...ربما استطاعت بالكاد أن تتماسك أمامه...حتى لا يرى ضعفها المهاجر منذ الآن...
قال بلطف :- مش هسيبك لوحدك وأنتي بالحالة دي !
جلست داخل السيارة ولم تريد الاجابة عليه ،كان يصر أن يقلها بسيارته ولكنها رفضت ذلك...تريد الانفراد بدموعها...بأنفعالها وبكائها ،بضعفها وقوتها ، بكل شيء فيها
وبسخف اقتحم خالد انفرادها وجلس بجانبها داخل سيارة الأجرة...وقف آسر على بُعد خطوات بعدما وقعت عينيه عليها وهي تجلس ويعقبها خالد....نظر إليها بشيء من الاعتذار والعتاب !!
يعرف أن العتاب ليس للمخطئ ،هو اذنب بحقها ، ولكن يأمل ولو قليلًا !
رمقته للحظة بألم يطوف بالقلب طوفا ثم اشاحت نظراتها عنه ، لجهة أخرى ،ووجهة أخرى ، وربما تكن لرجلًا آخر....
**************
عند الساعة السادسة مساءً....
وقفت سيارة وجيه أمام القصر...قد عاد من رحلة شهر العسل الذي اقتصرت بعدة أيام نظرا لأنشغاله بالمهام...وأزدحام جدول اعماله...قالت للي بابتسامة بها شيء من التذمر :- شهر عسل عبارة عن أسبوع !!
اطلق "وجيه " ضحكة اظهرت صف أسنانه البيضاء ،وابتسامته الجذابة ، ونظراته التي تخطفها....قال :-
_ ما أنا وعدتك هعوضك ! وبعدين ما تنكريش أنه كان أسبوع ولا في الأحلام ، بس بصراحة احلى أسبوع مر عليا
تعلقت بيده مبتسما بسعادة وقالت :-
_ من أول يوم عرفتك وابتدت أحلى أيامي رغم أن فعلًا ده أحلى أسبوع عشته ، تتعوض قريب بأذن الله
تشاركوا الابتسامات حتى دلفوا للقصر الفسيح وصولا إلى للجناح الخاص بهما في الطابق الثاني....
*************
وقفت حميدة وقد حملت حقيبتها استعدادا للرحيل حيث قالت لرضوى الذي اخبرتها عن أمر الخطوبة....قالت حميدة بتهنئة :-
_ مبروك يا رضوى....لولا اللي حصل مع سما النهاردة كان زماني بتنطط من الفرحة....رعد عاقل وهيصونك..وبصراحة كنت متوقعة أنه هيتقدملك قريب
ضمتها جميلة وقالت :- مبروك يا حبيبتي ربنا يسعدك يارب ، معلش هي ظروفك جت مع موضوع سمكة...عايزة اروح بسرعة واطمن عليها
رضوى بضيق :- والله أنا مش حاسة بفرحة بسبب سمكة ، يلا بينا نروح
رحل الثلاثي من المكان حتى الحي الشعبي الفقير....
بغرفة السطوح.....
رتبت المكان باهتمام زائد....بهمة عالية ، بطاقة ألم يكتسح حنايا قلبها ، ربما أرادت أن تنشغل بشيء عدى البكاء ! يكفي بكاء
دلف الفتيات للغرفة ووقفوا ينظروا للمكان بتمعن...يعرفون أنها بذلك تتحدى الألم ولا تترك له وقت للتفكير فيه...نظرات القلق غمرت أعينهنّ..
قالت حميدة بألم :-
_ كان مصدوم ، وعلى فكرة نزل وراكي على طول ومن وقتها ما شوفتهوش تاني !!
اكدت جميلة :- جاسر ورعد ويوسف بيدوروا عليه من الضهر ومش لقيينه ، ممكن يكون فهم غلط
هتفت رضوى :- خلاص بقى كفاية نكد ، نقولها خبر يمكن يفرحها
نظرت رضوى لسما واعلنت خبر خطوبتها بعفوية...بمحاولة أن تخفف وطأة الألم بقلب صديقتها...نظرت سما لهنّ....امتلأت عينيها بدمع جاهدت ساعات كي لا يندفع من عينيها وقالت ببكاء :-
_ يعني أنتوا كلكم هاتسيبوني لوحدي هنا ، أنا والله فرحانة عشانك يارضوى بس انا بخاف اقعد لوحدي ، هرجع يتيمة تاني وماليش حد
اندفع اليها الفتيات وانخرطت كل واحدة بدموعها ....قالت حميدة وهي تقاوم دموع عينيها وتضم سما بقوة وكأنها طفلتها :-
_ ما تقوليش كده يا عبيطة ،يتيمة ده ايه !! واحنا فين ؟! ثم أن مش هنبعد عنك كتير ، انا وجميلة هنكون في البيت اللي قصادك ورضوى هتسافر مع رعد وهترجع بعد شهر أو شهرين لسه مش عارفة...
مسحت سما عينيها بمحاولة الابتسامة وقالت رغما :-
_ انا بهزر معاكوا انتوا صدقتوا ولا ايه ؟! ما انتوا عارفين مقالبي ! أنا مش بخاف من حاجة واقدر أعيش لوحدي عادي ده حتى هنام براحتي من غير ما تزهقوني
قالت ذلك بصوت يهدد بالعودة للبكاء لتقل جميلة بحنان :-
_ مش هنبعد يا سمكة ،وبعدين مين عارف مش يمكن تبقي معانا ؟
احتدت نظرة سما للتلميح الذي ظهر بجملة جميلة وقالت :-
_ لا انا لسه بدري عليا ، ناسية الموضوع ده دلوقتي
حميدة بتساءل :- هو خالد كان مستنيكي ليه ؟ مافهمتش بالضبط !!
تنهدت سما بقوة....وبثقل الألم ، أجابت :-
_ عشان يعرف هشتغل معاه ولا لأ ، كنت رفضت واعتذرلته ، بس حصل اللي حصل ، مقدرتش ارفض بعد ما ....
قطعت حديثها حميدة وقالت :- بعد ما آسر زعقلك ! خالد ده مش سهل يا سمكة !! أصراره تشتغلي معاه قلقني ! اشمعنى أنتي ؟!
جميلة :- سما وقعت بين أتنين وكل واحدة شايفها عكس التاني....يمكن أصرار خالد عليها عشان بترفض
حميدة بحيرة :- مش بس ده السبب ، أنا حاسة أنه بيتحدى آسر وخلاص ، اقطع دراعي لو مكانش ده السبب الاساسي
رضوى بتعجب :- وهيتحداه ليه ؟!
أجابت حميدة بضيق :- غيرة....اللي أعرفه أن خالد بيغير من آسر وجاسر ويوسف ورعد كمان ، عايز يبقى احسن منهم وخلاص ، انا فهمت كده من يوسف النهاردة...
سما بحدة وقرار لا رجعة به :- وانا وافقت اشتغل معاه ، أنا محتاجة اقف مش اقع ، كل أسبابه ترجعله انا هشتغل وبس..
************
***بقصر الزيان***
أطرق وجيه على مكتبه عدة طرقات غاضبة بعدما تلقى مكالمة هاتفية وعلم بما حدث مع الشباب منذ عدة أيام.....احرى اتصال هاتفي على يوسف وقال بعصبية:-
_ ايوة يا يوسف....هاتلي ولاد عمامك وتكونوا في القصر بأسرع وقت
يوسف بقلق :- حصل ايه يا عمي ؟!
هتف وجيه :- اللي بقولك عليه تنفذه يا يوسف ولما تيجي هتعرف
انتهى الاتصال لتدلف للي للمكتب بخوف وارتجاف عندما انتبهت لصوته وهي بالحديقة تجمع بعض الأزهار....قالت بقلق :-
_ حصل ايه يا وجيه ؟!
تطلع بها ولاحظ عينيها المرتعبة ، لانت ملامحه قليلًا وأخذها بضمة قوية قائلًا :- مافيش حاجة يا حبيبتي ما تقلقيش
رفعت نظرتها لعيناه وقالت :- طب ليه كنت بتزعق وصوتك كان عالي أوي كده انا جيت جري لما سمعتك !
وجيه بضيق :-
_ أول مرة احس أني مش مسؤول ، وأني اهملتهم ، أول مرة أحس أن قراري ببعدهم عني كان غلط ، دول ولادي...قسوتي عليهم عشان يتعلموا مش عشان اضيعهم ،لازم يرجعوا القصر ، مش مهم اي حاجة المهم يبقوا في أمان
للي بعدم فهم وقلق :- طب فهمني حصل ايه ؟
اخبرها وجيه بما علمه من ضابط الشرطة قريب العائلة فشهقت بصدمة...قالت :- معقول !! والبنات كمان كانوا معاهم ؟!
وجيه بعصبية :- للأسف ، يعني المصيبة كان ممكن تتحول لكارثة وأنا مش داري ، أنا عرفت مين ورا اللي حصل
تساءلت للي بقلق :- مين ؟!
وجيه بنظرة تريد الانتقام :- الد أعدائي في السوق...هو اللي ورطهم في الموقع ده وكتب عليهم شرط جزائي كبير عشان مايعرفوش يتنازلوا عن المشروع....استغل موقفي معاهم ضدهم وضدي...أنا غلطان وكان لازم احسب اللي حصل ده من الأول....
للي برفق :- طب اهدأ....أنت بس عشان متعصب وما تنساش أن موقفك خلاهم يعتمدوا على نفسهم واشتغلوا بجد...ما تظلمش نفسك
وجيه بألم :- كل ما اتخيل أن واحد فيهم كان ممكن يجراله حاجة احس أني مش قادر ولا عارف افكر ، أنا عايزهم حتى لو مستهترين بس مافيش واحد فيهم يتلمس منه شعرة...
وضعت رأسها على صدره ثم حاصرت يديها خصره وقالت برقة :-
_ المهم دلوقتي أنهم بخير....اقعد معاهم واتفاهموا بهدوء ، طالما مافيش حاجة حصلت يبقى لازم تهدأ....
*********
وقفت سيارة سوداء أمام بوابة القصر...ركض البواب هاتفا بترحاب شديد وقال :- ده القصر والدنيا كلها منورة بيكم....يا مليون مرحب
خرج الشباب الاربعة من السيارة واحدا تلو الآخر.....
وقفوا بعد ذلك بصفا ينظرون للقصر نظرة مشتاقة فقال يوسف :-
_ كأني ما شوفتهوش بقالي سنين
جاسر بنظرة ملتهفة :- على اد ما فيه ذكريات وحشة كتير ، بس فيه كام ضحكة مستخبية في كل حته فيه
آسر بنظرة مؤلمة :- جواه كان وحدة....وبراه لقيته سجن !
رعد بنظرة متفائلة :- كأني رجعت لبلدي بعد الغربة...وحشني والله
دلفوا للداخل بخطوات سريعة......
**بغرفة المكتب**
وقف وجيه أمامهم ونظر لكل واحدا منهم بنظرة أبوية تبعث الطمأنينة ثم قال بحزم :-
_ أنا قررت أنكم ترجعوا القصر والشركة ، بعد اللي حصل مستحيل اسيبكم بعيد عني تاني....
جاسر بسخرية ومرارة :- لا يا عمي...احنا اخترنا طريق ولازم نكمله للآخر ، ماينفعش نتراجع بعد ما خلاص قربنا ننجح
يوسف بتعجب :- اللي حصل ده ممكن يحصل في بداية أي شركة لسه جديدة في السوق...عشان نتعلم هنقابل كتير
رعد بهدوء :- سيبنا يا عمي ، عشان ما نرجعش نعتمد عليك من تاني
صمت آسر ولم يتحدث مثلهم....
قال وجيه بحدة :- اللي حصل ده هيتكرر تاني وتالت لأن انا اللي بتحارب فيكوا ، لما خدت قراري أنكم تعتمدوا على نفسكم واسحب منكم كل شيء ما افتكرتش أن ممكن حد يأذيكم عشان يحاربني ويهزمني....اللي ورا اللي حصلكم واحد أعرفه...عمل كده عشان يكسرني....لو عايزين تكملوا شغلكم يبقى من خلال الشركة...ويبقى معاكم محامي يتولى كل الأمور وتبقوا جانبي وتحت عيني....شغلكم زي ماهو ، كل اللي هيتغير المكان فقط وانكم هترجعوا للقصر...
قال آسر شيء جعل الشباب في صدمة :-
_ أنا موافق ارجع الشركة يا عمي...
نظر له الشباب بذهول حتى قال جاسر :- أنت اللي بتقول كده ؟!
اخذت الصدمة عقل رعد في البداية حتى فهم سبب الموافقة وصمت....يبدو أن آسر قرر الصدام مع خالد لا محال...
يوسف بتفكير :- ياعمي...بس
وجيه بصرامة :- مافيش بس يا يوسف ، انا اللي مشيتكم وانا اللي رجعتكم...مشيتكم محبة ورجعتكم خوف ومحبة وماتنسوش أنكم ولادي ، مافيش أب بيتخلى عن ولاده يا اغبيا...
نكث الشباب رأسهما للأسفل خجلا ووقارا لعمهما الذي بمثابة والدهما..ظهرت ابتسامة على ثغر وجيه وقال :-
_ من بكرة هننزل الشغل مع بعض كلنا ،والمرادي اللي هيغلط غلطة واحدة هيتعاقب واظن فيكم اللي خلاص فاضله فترة بسيطة ويبقى مسؤول عن أسرة....يعني غصب عنكم تنسوا استهتاركم بتاع زمان ، فاهمين ؟
هز الشباب رأسهما بموافقة وأجاب بصوتٍ واحد :- فاهمين يا عمي
*********
بالمساء......
انتظرت للي زوجها حتى بدأت تمل من الانتظار....كانت جالسة بمقعد بشرفة الغرفة حتى شعرت بثقل رأسها بغفوة هجمت على رأسها....غفت للحظات حتى انتبهت بعد مدة لا تعرف أن كانت غفت فيها لساعات أم لدقائق....مرت أنامله على بشرة وجهها برقة...ابتسمت له بكسل وقالت :-
_ اتأخرت !
نظر وجيه لساعة يده وقال بتسلية :- لسه بدري على فكرة ،الساعة ٩م
قالت بلوية من شفتيها :-
_ استنيت اتعشا معاك ، شكلك بدأت تنساني !
جذبها من يدها لتقف ثم حاصرها بين ذراعيه بلهفة ونظرة اشتياق قائلا :-
_ ده شكل واحد ناسي ؟! أنا سيبت كل حاجة وجيتلك
تعلقت برقبته بضحكة وقالت بمرح :- بما أنك هتروح الشغل بكرة ، هتصل بيك كل شوية ارخم عليك ، مش هخليك تعرف تشتغل
قال بتحدى وابتسامة :- قبلت التحدي
قالت بتأكيد وضحكة :- هتخسر
قبل رأسها بحنان وتلاها ضمة قوية قائلا :- أجمل خسارة في العالم
💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖
- الفصل الرابع والأربعون
بعدما انتهى الحديث بين العم "وجيه" وأبناء أشقائه انسحب آسر سريعا إلى غرفته...نظر الشباب الثلاث لبعضهم البعض بحيرة وتعجب من أمره وقرروا التحدث معه....
**بغرفة آسر بالقصر**
وقف الشباب الثلاث ينظرون إليه بنظرات حائرة منها وغامضة...قال جاسر بحدة :-
_أفهم بقى..أنت بالذات كنت اكتر واحد رافض اننا نرجع القصر قبل ما نثبت نجاحنا لعمي وجيه ، اظن احنا ما نجحناش كفاية عشان توافق بالسهولة دي نرجع !
تبعه يوسف قائلًا بحيرة :- انت صدمتني بموافقتك !!
التزم رعد الصمت ريثما عندما لاحظ كم الألم النفسي بتعابير آسر والألم المتسارع بعينيه....أشفق على حالته ولم يشارك البقية في العتاب....
قال آسر متلعثما ويحاول إيجاد مبرر :- انا شايف أننا بالفعل نجحنا في شغلنا وحققنا اللي نفسنا نحققه عشان نثبت لعمي أننا اد المسؤولية...وبعدين انا ما شوفتش حد فيكم اعترض يعني !
اقترب جاسر إليـه بنظرة منفعلة حتى ظن رعد أوه سيتشاجر معه وقال :-
_ سيبه يا جاسر ، وكويس اننا رجعنا القصر ،ما تنساش اللي حاول يأذينا في الاساس يقصد عمي وجيه ، يعني عمي هو اللي في خطر مش احنا
التفت جاسر وقال بعصبية :- ده اللي خلاني سكت ووافقت ، وكمان لنا لقيتكم سكتوا ومحدش اعترض...آسر راجع الشركة لسبب وأنا عارفه
رعد بحدة :- جـــاسر !! الموضوع ده يخصه لوحده
هتف جاسر بهم جميعا بعصبية وقال :-
_ بقولكوا ايه ، انا الكبير فيكم ولما اتكلم تسكتوا ، أنا سيبت آسر وما اعترضتش على أي تصرف شوفته غلط لكن كفاية لحد كده ولازم يفوق...
تابع بضيق موجها الحديث لرعد :-
_ أنت عارف كل حاجة ومش بتتكلم معاه ،فاكر انك لما تسيبه هيحل مشاكله بنفسه بس واضح أنه بيعقد الدنيا اكتر....
قال يوسف بقوة:-
_ ايوة...انا موافقك يا جاسر ، لازم آسر يبدأ يفكر في اللي عايزه ويفكر في حياته قبل ما تضيع منه
تطلع جاسر بحدة ناحية آسر الذي امتقع وجهه بألم وهتف :-
_ أنت رايح الشركة عشانها ، مجرد ما عمي قال ارجعوا وافقت في ثانية !! نسيت كلامك ومبادئك وكرامتك عشان تبقى قريب منها ولسه مش عايز تعترف أنك بتحبها !!
أجاب آسر ونظراته باتجاه آخر...نظرات تهرب من الحقيقة :-
_ أنا قلت وافقت ليه ، مش عايز تخمينات ملهاش أي معنى...ماتنساش أني انا اللي مشيتها !
جاسر بسخرية :- تعرف أنت هتفوق أمتى ؟ لما تلاقيها بتتزف على واحد تاني وساعتها هتعرف انك كنت غبي ، أنا زعلان عليك يا آسر ، الحاجة الوحيدة اللي حسيت أنها ممكن تخرجك من اللي أنت حابس نفسك فيه ضيعتها بإيدك...
احتدت نظرة آسر بشرر عنيف من مجرد التخيل ! فكيف إذا الأمر أصبح حقيقة!! كيف لو اقترن أسمها باسم رجل آخر....
الحب دائمـًا يأتي معبأ بالعثرات....ربما يأتي بالوقت الخطأ ، أو مع الاشخاص الخطأ ، أو مع ظروف قاسية تمر بسحابة معتمة فتربك استقراره وتعكر صفائه...وربما يأتي وكل شيء صحيح سوانا !!
قال رعد برفق :-
_ على فكرة يا آسر...قرارك برجوع الشركة عشانها صح ، على الأقل هتخلي بالك عليها من خالد لأنه طالما مصمم تشتغل معاه يبقى ناويلها على حاجة وأنت عارف الاعيبه كويس...
قال يوسف بقوة :- دي آخر فرصة ليك ، لو ضيعتها ما تلومش غير نفسك..
قال جاسر بلطف :- رعد هيخطب قريب وهنكتب الكتاب احنا التلاته في يوم واحد ، اتمنى نكون احنا الاربعة وفرحتنا تبقى واحدة....أنا هكلم جميلة وهقولها موضوع رجوعنا للقصر
هتف آسر معترضا :- ما تقولهاش اننا رجعنا الشركة كمان ، استنى كام يوم
جاسر بتساءل :- ليه ؟!
هرب آسر بنظراته وارتبك في الاجابة فابتسم رعد قائلا :-
_ عشان لو سما عرفت مش هتشتغل في الشركة وهتسحب ملفها قبل ما تقدمه....مش كده يا آسر ؟
نظر آسر بضيق لرعد الذي دائما يقرأ افكاره بسهولة ويسر !
رد جاسر بغمزة ماكرة وابتسامة :- لأ ده أنت شكلك واقع واقعة جامدة !
خرج الشباب من الغرفة وتركوا آسر بغرفته وحيدا.....
اقترب لشرفة الغرفة ووقف ناظرا للسما...كانت بنظراته طيف رجاء صامت الله وحده يعرف معناه...
***********
**بغرفة السطوح**
اغلقت جميلة الهاتف بعد مكالمة قصيرة مع جاسر...لم يسعدها الأمر بل دق ناقوس الخطر بعقلها وقلبها....اقتربت من فراشها حيث الفتيات جالسين واعلنت الأمر.....فغرت حميدة فاها بذهول ثم قالت :-
_ معقول !! رجعوا القصر ؟!!
انتقلت نظرات رضوى بينهن ولم تعتني بالأمر كثيرا فقالت :-
_ ايه يا جماعة عادي ! هو انتوا أول مرة تعرفوا انهم كانوا عايشين في قصر ؟!
هتفت حميدة وقالت :- طالما رجعهم القصر يبقى رجعهم الشركة كمان !
انتفض جسد سما التي كانت شاردة بعالما آخر وهبت واقفة من مقعدها وقالت بتلعثم :- ال...الشركة !! هما رجعوا الشركة !!
نفت جميلة وأجابت :- لأ....سألت جاسر قالي لأ....بس بصراحة أنا مش فرحانة انهم رجعوا القصر....أنا بخاف من القصور والاماكن دي ، كان نفسي نفضل زي ما احنا ونرتب بيتنا براحتنا لكن كده خوفت...
لم تعرف سما هل تتنفس الصعداء أم تبكِ لخيبة أملها التي تتجدد كلما أتى اسمه!! نظرت للنافذة وعادت لشروها الحزين مجددا
حميدة بضيق :-
_ أنا برضو مش مبسوطة ، رجعوهم القصر بأمر عمهم معناه أنه هيرفض يتجوزوا ويعيشوا برا القصر....مش حابة كده بس المريح في الموضوع أن يوسف بيحب القصر ومتعلق بيه...أمري لله
رضوى بضحكة :- ده انتوا فقريين بصحيح !! بنات غيركوا كانوا اتنططوا من الفرحة ، انتوا هتعيشوا في قصر !!
جميلة بغيظ :- انا عندي اعيش في شقة بسيطة وبالي مرتاح احسن ما أعيش في قصر وجاسر الفلوس تجري في ايده تاني ويرجع زي الأول ،قرار مش في وقته خااالص
حميدة بتفهم :- من الناحية دي ما تفكريش كتير ، اللي عايز يخون مش هيستنى لما الفلوس تكتر في ايده ، بيخون حتى لو مفلس
تمددت رضوى على فراشها وقالت بعدما تثاءبت :-
_ يلا بقى ننام كفاية رغي
انصاع الفتيات لرأيها وتمددت كل واحدة منهنّ على موضعها بالفراش....
في صلاة قيام الليل......
نهضت سما قبل ان يستيقظ الفتيات لصلاة الفجر.....اقبلت إلى ربها باكية وهي تتألم بحدة....لم تستطع صياغة الألم بكلمات أو حتى بالدعاء....بل انهت صلاتها ببكاء كالطفلة ، ظلت هكذا الى ما يقرب من نصف الساعة ، صمت الصوت وترك القلب يتحدث...فالله هو رب القلوب ويسمع أنينها...كانت تردد الاستغفارفقط وهي تبكي بشدة...لم تقل شيء غيره ،فما كان الله معذبهم وهم يستغفرون.....
********
بالصباح.....
تجمع الشباب حول مائدة الافطار وترأس المائدة "وجيه" وعلى الجانب زوجته "للي" قال وجيه مبتسما وهو ينظر لهم :-
_ وحشتني لمتنا
ابتسم الشباب لبعضهم باستثناء آسر الذي بدا شاردا.....قال وجيه له بمكر :-
_ سرحانك ده هعرف سببه يا آسر ، بس مش وقته
ارتبك آسر ونظر لطعامه متظاهرا بالجدية....ثم قال بتلعثم :-
_ ياريت محدش يعرف أننا راجعين الشركة
ضيق وجيه عينيه بتعجب بينما رمقته للي بحيرة وتساءلت يقصد من هذا الشاب !! قال جاسر بمكر :- يقصد البنات يا عمي...خطيبتي وصحابها
نظرت للي لزوجه بدهشة وفهمت أن التحذير موجه لها....تطلع بهما وجيه بنظرة غامضة ثم قال :- آه....واضح أن في حاجات كتير معرفهاش ، عموما مش وقت كلام...نفطر الأول وبعدين كلامنا في الشغل
قال آسر بذات الارتباك :- هنرتب بس امورنا كام يوم كده وهنكون عندك في الشركة ياعمي...ياريت ماترفضش
مضغ وجيه الطعام بفمه ببطء وهو ينظر لهم بحيرة ثم هز رأسه موافقا وقال :- مافيش مشكلة ، قدامكم يومين ،اكون كمان رتبت مكاتبكم
يوسف بتساءل :- ومكاتب السكرتيرات كمان ياعمي ، اكيد مش هنتخلى عنهم
وافق وجيه قائلا بخبث :- عامل حسابي ، انا عامل حسابهم قبليكوا اصلًا ، الستات والبنات دول جبارين ، بعد الجواز مش هتعرفوا تاخدوا قرار لوحدكم لازم رأيهم....من الأخر محدش هيقدر يتنفس اساسا
نظر وجيه لزوجته بنظرة ضاحكة فنظرت له بغيظ رغم الابتسامة المرسومة على شفتيها....نهضت من مقعدها وبذلك اعلنت الخصام....
رمقها بابتسامة استفزتها حتى ابتعدت وهي تكتم ضحكتها وتتمتمت الكلمات....
قال جاسر بابتسامة ماكرة:-
_ انا بحب المشاركة في الرأي يا عمي
يوسف بنظرة حادة هتف :- جاسر...على فكرة أنت سافل وكلنا عارفين أنك سافل....وعمي وجيه عارف انك سافل
جاسر بضحكة :- وخطيبتي عارفة أني سافل..ها ايه تاني ؟
تساءل رعد بابتسامة مرحة :- طب ومراتك ياعمي لما بتصمم على رأي أنت بتعمل ايه ؟ عايزين نتعلم منك ياهندسة ده احنا داخلين على اكتئاب
وجيه بحدة تاركا طعامه :- مين دي اللي تصمم ؟!!
جاسر بضحكة :- مراتك يا عمي
أجاب وجيه كاتما ابتسامة وعاد لطعامه :- رفقا بالقوارير يا أولادي...الرحماء يرحمهم الله...
جاسر بذات الضحكة :- بارك الله فيك..
يوسف باعتراض :- أنت اتغيرت ياعمي...
وجيه بضحكة :- معلش يا يوسف...مش غاوي نكد أنا
عاود يوسف الحديث بارتباك وقال :- طب...طب لو مثلا عايز تسمع منها كلمة حلوة بتعمل ايه ؟ بتثبتها أزاي يعني...
كتم جاسر ضحكته وكذلك رعد فتمتم جاسر بصوت خافت :- كلنا لها
قال وجيه بابتسامة عريضة :- اتكلم معاها في اكتر حاجة بتحبها ، يعني مثلا اول ما تشوفها تفاجئها....المهم المفاجأة
همس جاسر بأذن يوسف وقال :- السندوتشات...خصوصا الكبدة
رمقه يوسف بنظرة واسعة بينما اطلق رعد ضحكة عالية عندما انتبه لما قاله جاسر...قال يوسف بقوة :- ايوة صح...هجيبلها شاورما
نظر وجيه لآسر الذي التزم الصمت كليا وقال :- وأنت مش ناوي تفرحنا يا آسر وتخطب أنت كمان زي ولاد عمامك ؟!
هتف يوسف وهو يملأ فمه بالطعام :- ياعمي ده المادة الخام للنكد ومعيشنا في أحزان
نهض آسر من مقعده وقال بعدما تناول مفاتيح سيارته :-
_ عندي حاجة مهمة هعملها قبل ما اروح المكتب ، هاخد العربية معلش
وافق وجيه وقال :- ماشي....هما ياخدوا أي عربية تانية من هنا مافيش مشكلة....
**أمام مبنى شركة الزيان**
وقف بعيداً بسيارته منتظرا رؤيتها...يعرف أنها بالتأكيد ستبدأ العمل اليوم...العجيب أنه رأى "خالد" أتى ولم يخرج من سيارته أيضاً !!
لم يره خالد نظرا لوقوف سيارة آسر على بُعد كبير من المبنى....
ظهرت سما والعجيب بالأمر أن مظهرها يبدو متأنقا ومرتب جدًا...أكثر مما كانت عليه وهي معه !! ابتلع ريقه بحدة حتى انتبه لخروج خالد من سيارته عندما لمحها.....
خرج خالد من السيارة فور انعكاس صورتها على المرآة الجانبية لسيارته...تفاجئت به سما ونظرت له بتعجب حتى ابتسم وقال :-
_ صباح الخير....صدفة جميلة
لم تشعر من نظرته الماكرة أن هذه صدفة!! ولكنها أجابت بهدوء:-
_ صباح النور
مد خالد يده للمصافحة بينما ثبتت سما يديها جانبا وقالت :-
_ مش بسلم على رجالة
كانت من قبل تفعل ذلك ولكن من الآن ستطبق هذا الأمر ريثما تحتاجه مع هذا الماكر ليضع حدود ابعد من ظنونه...
تطلع بنظرة عميقة...ضاق من الأمر ولكنه لم يظهر ذلك ويبدو أنها تحذر منه وهذا ليس ضمن خطته للوصول اليها....تظاهر بابتسامة على شفتيه وقال بثناء:- برافوا ، شيء جميل وعجبني جدًا
نظر آسر من بعيد اليها...ارتسمت على شفتيه ابتسامة عاشفة من رد فعلها ، من حذرها الواضح منه ، هي حبيبته ولن يقترب منها احد...
نظرت سما لخالد بريبة وقالت :- مش حابة نقف في الشارع كده ،كفاية اللي حصل امبارح
تعجب خالد منها وأراد أن يظهر بعض السخرية ولكنه تظاهر بالاعجاب وقال :- عندك حق ، نتكلم في المكتب وملفك أنا قدمته أمبارح خلاص....
تركته سما ودلفت للمبنى بمفردها...ابتسم خالد واظهر سخريته قائلا :-
_ مش عارف جايبة الثقة دي منين !! بس هفضل وراكي لحد ما تسلمي...
ود آسر لو يذهب له ويلكمه حتى الأذى ، يعرف أن هذا الاحمق لن يتركها وشأنها...لابد أن يعود للشركة بأقرب وقت....
************
مر اليومان......
بصباح اليوم الثالث كان اتفق الشباب على أخبار الفتيات بحقيقة الأمر والذهاب الى الشركة فور اخبارهنّ..حتى لا يتثنى التفكير بيهنّ للأعتراض....تفاجؤا كثيرا ريثما أن سما كان تقلق من ذلك....بينما قالت حميدة لجميلة قبل أن يغادرون المكتب :-
_ كويس عشان نبقى مع سمكة ، اللي قالته عن خالد قلقني
وافقها كلا من جميلة ورضوى ثم ذهبوا مع الشباب للشركة....
**بمكتب خالد **
نظر خالد بمكر الى سما التي تقف أمام مكتبه تنتظر القاء أوامر مديرها وقال مشيرا لمكتبة خشبية على بُعد خطوات من مكتبه :-
_ لو سمحتي يا سما هاتي الملف اللي قولتلك عليه ،هتلاقيه في المكتبة دي في الرف اللي فوق
نظرت سما للمكتبة ولأرتفاعها وازدردت ريقها بقلق....تحتاج سلم للصعود ، يوجد بالفعل واحدا ولكن جرأتها تركتها.....هتف خالد بحدة وقال :- كده هنتأخر لو سمحتي هاتي الملف ورانا شغل !!
تقدمت خطوة وأخرت مثيلتها حتى صعدت خطوة خطوة على السلم....انتفضت بخوف عندما وجدته ينهض من مقعده متوجها لها بنظرة خبيثة....ووضع يديه على خشب السلم وخيل اليها انه حركه حتى يختل توازنها !!
وبالفعل كاد أن يحدث ذلك فظن أنه سيحملها ولكنها تمسكت بأحد الأرفف حتى سقطت على سجادة الأرض السيمكة....نظرت له بغضب وقالت :-
_ أنت قاصدها صح ؟ انت في دماغك ايه بالضبط ؟!
ورغم عصبيته مما حدث ولكنه مد يده اليها وقال معتذرا :- ابدا ، انا لقيت السلم مش متزن قلت اثبته بس حركته من غير قصد....أنا أسف ، اكيد مش اقصد انك تقعي !!
نهضت سما وهي تسند ظهرها بيدها بسبب السقطة حتى اكتشفت أن كعب حذائها حدث له خلخلة !! كيف ستسير به ؟! قالت بعصبية وهي تتفحصه :- كعب الجزمة اتكسر اعمل ايه انا دلوقتي !
رمقها بمكر وجثا حتى يتفحصه ولكنها ابتعدت بهتاف :- انت بتعمل ايه ؟!
نظر لها بحدة واضحة وقال :- مش اقصد اللي بيجي في دماغك !! انا بتعامل بعفوية وأنتي بتفهمي حاجة تانية وعموما أنا اسف للمرة التانية...هو في مدير بيفضل يعتذر لسكرتيرته كده ؟!
تذكرت آسر على الفور....ادمعت عينيها دمعة خفية...قالت وهي شبه تعرج :- هروح أشوف حل للجزمة دي مش هينفع امشي بيها كده
قال خالد بثبات :- هبعت اجيبلك واحدة جديدة ..مقاسك كام ؟
رفضت بحدة :- مافيش داعي....مش عايزة حاجة
خرجت من المكتب بأقدام تجرها جرا.....وقفت امام مكتبها بالخارج بضيق شديد....حتى أتى لها الساعي بكوب مشروب فسألته :-
_ ماتعرفش جزمجي هنا ياعم عبدو أو أي محل بتاع جزم ؟
أجاب الرجل بما يعرفه :- في محل في الشارع اللي ورانا بتاع جزم بس جزمجي معرفش بصراحة....
زفرت سما بنفاذ صبر وقالت :- مضطرة اروح بنفسي....
أخذت حقيبتها ولم تريد أن تقل لخالد شيء فيكفي ما فعله ، ولو اخبرته سيرفض خروجها...ستخرج ويحدث ما يحدث...هكذا عزمت الأمر....
توجهت للمصعد وشعور بألم مبرح بعظام ظهرها وساقيها إثر السقوط وبالجانب الآخر حذائها الممزق....ستتحامل على قدميها حتى تصل لذلك المكان وتبتاع حذاء آخر...
وقفت أمام المصعد تنتظر فتح الباب ويبدو أن أحد بداخله....تأففت من الانتظار حتى فتح الباب وهي تنظر لقدميها بضيق شديد حتى تقدمت خطوة دون أن ترى من بالداخل ولكن انفصل الكعب عن الحذاء تماما هذه المرة فأختل توازنها وصرخت وكادت أن تسقط حتى وقعت بين ذراعيه...نظرته ثابته عليها بشوق مجنون..وأحد يديه قد ضغط على زر المصعد وتم اغلاق الباب اتوماتيكا وهي معه بالداخل....
إلي هنا ينتهي الفصل الرابع والأربعون من رواية إمبراطورية الرجال
رحاب إبراهيم
رواية إمبراطورية الرجال الفصل الخامس والأربعون/السادس والأربعون
ضغط على زر المصعد وتم اغلاق الباب اتوماتيكا وهي معه بالداخل....
نظرته لها تقول أنه اشتاق ، وكأنه المهاجر منذ عقود عن أراضيه أو كأنها النجمة التي وقعت بين أنامل فقير....اهكذا يبدو الحب ؟!
نظرة أشتياق ؟ ارتباك نظرات العين عند اللقاء ، ونفضة في القلب تحيا كلما اقتربنا...
تطلعت به بذهول...أكثر شخص احتاجت له الآن...وأكثر شخص لم تريد رؤيته ؟! مثل المريض الذي يتمنى الموت حتى لا يتألم ولكنه يرتعب كلما ذكره....
أين هي الآن ؟! بالصدفة أصبحت بين ذراعيه !! يديها تستند على صدره !! أنفاسها يسمعها...يرى بوضوح لهفة عينيها وارتباكها !
يرى خوفها....
ضعفها..
ودموعها التي انسابت دون إرادة...دون أن تصدر حكما بالتوقف...
والأعجب من ذلك هو ظل عينيه الذي يعانق ملامحها ، طرفات عينيه ، ويبدو أن تمسكه بها صدر عن قلق ورغبة منه في القرب !!
لم يبعدها !! أو يغضب !! بل كأنه توق لذلك منذ زمن !
تمتمت بصدمة :- آ...آسر !!
أخذت الطرف للحديث ، ليخرج هو من عالمه الفكري الشارد بعينيها وشوقه اليها ليتجدد شوقه ليسمع همسها !
همس صوتها وهي تنطق اسمه....انتابته قشعريرة من منحنى فكره حتى رددت اسمه بمحاولة الابتعاد عندما احست بوضعها ، بقربها الغير مقبول هذا ولكنه اتى مصادفة ،ليس مثل مصادفة ذلك الأحمق خالد بالتأكيد....
في ابتعادها تبدلت نظرة عينيها ، أصبحت أكثر قسوة ،وأكثر حدة وعصبية ، فوخزها ألم ظهرها وساقيها المتألمان وتأوهت بوجع وهي تضع يدها على جانبها الأيمن....رمقها بلهفة قائلا :-
_ ايوة آسر يا سما...
صوته جعلها تنتفض ،نظرت له ومرت أيامها الفائته أمامها كمشهد سينمائي أمام عينيها...امتلأت حدقتيها بالدموع من كل شيء ، حتى عندما وقف المصعد بأقل من دقيقتان ضغط هو على زر جعله يصعد مجددا....نظرت له بدهشة وهتفت بعصبية :- أنت عملت ايه ؟!
في قولها ذلك تأوهت مرة أخرى من الم ظهرها وكادت أن تسقط....اسندها من ذراعيها قبل السقوط فابتعدت عنه بقوة ودفعته قائلة :-
_ ابعد عني
ابتلع ريقه وقال محاولا الهدوء :- مش قصدي ، بس كنتي هتوقعي
ضيقت عينيها بحدة من تردد ذات الجملة الذي قالها خالد منذ قليل !! يبدو أن هذا مبررهم الوحيد للقرب !! فقالت باندفاع دون أن تحسب كلماتها :-
_ انت كمان بتقول كده !! كلكم نفس التفكير وبعدين....
يبدو أن الأمر لم يحتمل معه ل"بعدين" بل اسودت عينيه بشيء دار بفكره إثر جملتها واقترب منها وقد عادت نظراته القاسية الشرسة من جديد وهتف :- قصدك ايه ؟ تقصدي مين بكلكم ؟ تقصدي خالد صح ؟!
اجابته بعصبية :- أنت مين ادالك الحق تكلمني كده ؟
حاولت أن تضغط على زر توقف المصعد ولكنه اوقفه وضغط عدة مرات على أزرار مختلفة....نظرت له بضيق شديد ومن تصرفه الغريب حتى طرق آسر على حائط المصعد بجانبها بعنف وهتف بملامح وجه قاسية وغاضبة :- خالد حاول يقربلك صح ؟ عمل ايه ؟ عمــــل ايـــه أنطقي ؟
ومضت عينيها بالدموع التي انسابت على وجنتيها وقالت :-
_ محدش يقدر يعمل معايا حاجة ، بس سيبني في حالي بقى !! أنت جاي هنا ليه ؟! انا مش عايزة أشوفك...
نظر لها بعتاب العاشقين ، بنظرة عادت تقل أحبك ، وقال :-
_ مش عايزة تشوفيني ؟! بس أنا عايز أشوفك
رفعت رأسها اليه بنظرة واسعة ، بدهشة واضحة ، بحيرة فائقة ،كيف يفكر هذا الآسر وماذا يدور بهذا العقل ؟!
نظر لها بقوة وقال :- أنا جيت هنا عشانك أنتي ، عشان أصالحك
عندما تبتعد يركض خلفها ، يتسابق مع الجميع لأجلها ، وعندما تقترب وتحب يلفظها !! يدفعها بعيدا عنه !! هكذا هو !!
احتدت نبرتها وهي تقول ساخرة :- انا دلوقتي اتأكدت أنك مريض نفسي !!
ضغطت سما على زر الطابق الأرضي للمصعد ولكنه لم يعترض الآن وقال وهو يضع يديه بجيوبه بثقة عالية ونظرة ماكرة :-
_ قولي اللي تقوليه ، أنا رجعت الشركة خلاص ، يعني هتشوفيني كل يوم وكل وقت
فغرت سما فاها بذهول حتى تابع بثقة :- ماتفكريش تسيبي الشركة لسببين مهمين...أولًا لأن في الاساس عقدك معايا ما انتهاش وما اتلغاش ، ثانيًا لأن أي مكان هتروحيه هتلاقيني فيه....
اشتد الذهول بعينيها وهي ترمقه...قالت ببطء ودهشة :- أنت ايه ؟!
اسند ذراعيه على الحائط بجانب وجهها وقال بنظرة ماكرة :-
_ أنا آسر ، اللي أنتي بتحبيه وعمري ما هسمحلك تحبي حد غيري
تبلد جسدها....اصبحت كالجليد وهي تنظر له ، انتابها شعور غريب بالخوف منه ،وشعور لذيذ بالفرحة لعودته...ولكنه عاد ليظل قريب ويعذبها ، يؤلمها ، هذا يبدو انه يسعده....
فتج باب المصعد أخيرا وخرجت وهي تحمل حذائها....خرج خلفها فاستدارت مشيرة له بتحذير وعصبية عندما شعرت أنه سيسر خلفها :-
_ ما تتعداش حدودك معايا ، وحتى لو أنت اشتغلت هنا وانا برضو اشتغلت هنا ، لكن مابقتش بشتغل عندك ، ولا تحت إدارتك ، يعني مالكش حق تكلمني أو تسألني عن شيء....
استدارت لتسير بطريقها ولكنها لمحت الفتيات الثلاث مع الشباب يدلفون من البوابة الرئيسية للمبنى....تنفست سما الصعداء وشعرت وكأن السماء استجابت لها لظهور الفتيات الآن....أشارت لهنّ حتى اتت الفتيات اليها هارعين بتساءل عن ما حل بالحذاء الممزق....روت لهم سما ما حدث دون ان تكشف عما فعله خالد وآسر أيضا....
اقترب الشباب لآسر الذي يقف على بُعد خطوات منها ،ونظراته لاتحيد عنها بينما وقف الشباب الثلاث ينظرن اليه في تساءل ،قال جاسر :-
_ شكلك عكيت وزعلتها تاني !! ، باين عليها معيطة !
يوسف بغيظ :- يابني أنت ما بتفهمش اقسم بالله ،ده انا لو منها كنت هبوس راسك عشان تبعد عني بكأبتك دي !!
رعد بمكر :- في حد يجي يصالح بنت من غير حتى وردة !!
نظر له آسر بضيق وقال :- هو كان لازم ورد !! انا مش
جاسر بضحكة :- أنت غشيم ومابتعرفش تتعامل مع البنات.
يوسف بابتسامة :- طب كنت اسأل جاسر الخبرة ده ، لا بلاش جاسر بلاااش جاسر هيوديك في داهية ، خليك مع رعد ، بروفيسر في العلاقات المملة والمشاعر العرجة....تاتا تاتا
جاسر بسخرية وسأل يوسف :- طب وأنت يا وحيد القرن ؟
يوسف بثقة :- أنا ماليش غير حميدة فهماني وراضية بدماغي ، وفي جوايا جاسر صغير بس مش ببينه غير للحبايب...مدكن يعني مش زيك ، لقصر بلادنا بلد سواح
جاسر بضحكة :- يابني انا معجم ومرجع
ربت يوسف على كتف آسر قائلا :- عقبالك يا آسر لما تبقى منحرف ،زيي كده
اشتدت ضحكة جاسر وقال :- كتير عليا كده والله ، انا مستحملكوا أزاي !
اطلق ضحكة عالية حتى ظهر وجيه من مدخل المبنى....رحب بالفتيات بلطف وتهذيب ثم اقترب للشباب قائلا بتعجب :-
_ يلا كل واحد على شغله ، انتوا واقفين كده ليه ؟!
يوسف بعفوية :- كنا بننصح آسر ينحرف ياعمي.
لم يهتم وجيه بجملة يوسف كثيرا فأشار لآسر قائلا :-
_ عايز. اتكلم معاك شوية يا آسر النهاردة ، هتصل بيك في مكتبك تجيلي لما اخلص الاجتماع...يلا على مكاتبكم
*********
بمكتب انيق بالطابق الثالث لجهة أخرى من المبنى الأساسي....جلس جاسر على مكتبه الجديد باريحية.....رمقته جميلة التي دلفت ومعها فنجان قهوة وقالت :- قهوتك
وضعتها وعادت لمكتب السكرتيرة بالخارج....اوقفها جاسر بكلمة ثم نهض ووقف أمامها بنظرة مدققة لعبوس وجهها وقال :-
_ ممكن أعرف سبب التكشيرة دي ايه ؟
ترددت جميلة بأخباره حتى حثها على التحدث فقالت بتردد :-
_ بصراحة...خايفة من رجوعك هنا ، ورجوعك للقصر كمان
تنهد بقوة فقد صدقت ظنونه وقال بلطف :- كنت عارف ، سكوتك اليومين اللي فاتوا كان قلقني ، جميلة....رجوعي هنا أمر كان مفروغ منه وكان كده كده هيحصل ، ليه ما تفكريش أن الاحسن اني ارجع وأنتي معايا ؟!
أنا بصراحة بحس بطاقة ايجابية كبيرة وأنتي جنبي وبتحمس للشغل ، ده كمان غير أن خلال أيام وتبقي مراتي
قالت بتذمر :- تقصد أسابيع !
ابتسم بمحبة وأجاب :- هي هي مش فارقة كتير ، المهم أنك خلاص هتبقي ليا...ممكن تفكي التكشيرة دي بقى ؟!
ابتسمت ببطء ثم قالت :- حضر نفسك عشان عندنا زيارة للموقع
اومأ جاسر برأسه قائلا :- الموضوع ده هيتولاه مهندس وهيكون مسؤول عنه ، مش هتروحي مواقع تاني ، والاشراف النهائي هيكون ليا ، من النهاردة كل حاجة هتكون مترتبه ومنظمة...دي أوامر عمي على فكرة..
ابتسمت جميلة وقالت :-
_ تعرف يا جاسر....أنت فيك منه كتير ، بس هو تقيل أوي أوي أوي يعني
بادلها جاسر الابتسامة وقال :-
_ عمي وجيه مافيش حد زيه ، لا أنا ولا اللي احسن مني ، ولو كنت فيا حاجة منه فده من حسن حظي....زمان كنت بسمع جدي بيقول عنه أنه على رغم إنه اصغر واحد في اخواته لكن كبيرهم !!
عمي وجيه هو فارس العيلة الأول والأخير كمان ، ما اعتقدش هيجي حد زيه..
جميلة برقة :- للدرجادي بتحبه ؟
جاسر بتنهيدة وصدق :- اكتر من نفسي ، بالنسبالي هو أبويا وأمي ، هو أهلي كلهم ، زعلنا مع بعض كتير لكن المحبة بينا عمرها ماقلت...
**********
**بمكتب يوسف**
أخرج لفافة كبيرة من الطعام ونظر لها بشهية عالية حتى دلفت حميدة وقالت وهي تلتقط انفاسها :- معلش اتأخرت شوية ، بس كنت مع سما بنجيب جزمة جديدة لأن جزمتها اتقطعت...
نظر لها يوسف بابتسامة وقال :- والله زمان يا حميدو ، فاكرة الشركة وأيام الشركة ؟
رمقته بضيق....وقلق من أن يعود مثل الماضي ، فاتسعت ابتسامته من عبوسها وقال :-
_ خلاص مافيش حميدو تاني...تعالي افطري معايا بقى ؟
تقدمت للمكتب وتساءلت بعفوية :- شكلك ما فطرتش في القصر
أجاب ببساطة :- لأ فطرت وبكمل معاكي...
ابتسمت رغما عنها من صراحتة التي ترفع مستوى ضغط الدم لديها ببعض الأحيان...
************
**بمكتب وجيه **
انتهى الاجتماع الذي انعقد بمدة لا تقل عن ثلاثون دقيقة ثم رحل الموظفون من مكتبه ووقفت السكرتيرة تخبره بجدول المواعيد....دق هاتفه فأجاب بمجرد أن رأى رقم زوجته.....قال وهو يتطلع ببعض الأوراق :- ثواني يا للي خليكي معايا
فحص الأوراق لدقيقتين ثم سجل توقيعه سريعا وأمر السكرتيرة بعدة مهاهم ثم انصرفت....
قالت للي بضيق :- بتتكلم مع مين ؟ صوت مين ده ؟
ابتسم مجيبا بهدوء ماكر:- هو مش انتي مخصماني برضو ؟!
قالت بعصبية :- وصالحتك....وخاصمتك تاني ها
اتسعت ابتسامته وقال :- دي السكرتيرة يا حبيبتي ، هكلم مين يعني !
قالت بحدة :- كلمني انا.....هتيجي امتى ؟
قال بمكر ليتسفزها :- هتأخر
هتفت بغيظ :- اتأخر....أقولك حاجة بات عندك احسن
كتم ضحكته ثم قال :- حاضر
صرخت بعصبية :- هقفل بقى قبل ما يجيلي ضيق تنفس ، سلام
انتهى الاتصال بأطلاق ضحكة من فمه وتمتم بعض الكلمات....
*********
**بمكتب رعد**
دلفت رضوى للمكتب عندما امرها رعد بالمجيء عبر جهاز الارسال بالمكتب....جلست على مقعد أمام مكتبه بعدما أشار لها ثم نهض وجلس قبالتها قائلا بابتسامة :-
_ انا عارف أن مافيش وقت بين الخطوبة والفرح لكن لو حابة تعملي خطوبة اختاري المكان اللي تحبيه وانا موافق مقدما
ارتبكت رضوى واحمر وجهها بشدة ثم قالت :-
_ مش لازم خطوبة طالما الفرح قريب...هتبقى تكلفة على الفاضي...يعني كفاية تلبيس الدبل بس وسط أهلي....
قال موافقا :- خلاص ،النهاردة هر وح انا وعمي نتفق مع اسطى سمعة ،انا حظي حلو أوي أن عمي جاي معايا وظروف خطوبتي جت بعد ما رضي عننا
قالت مبتسمة بتردد وخجل :- الحمد لله
اضاف رعد :- يبقى الكلام ده هيكون يوم الجمعة الجاية يعني بعد ٣أيام....وبعدها نستعد للسفر.....
ازدردت ريقها بحياء وارتباك من حديثه ونظرات عينيه ثم نهضت.....
*********
**بمكتب خالد**
بعدما عادت سما للمكتب أمرها خالد بالاتيان لمكتبه....كان يبدو على وجهها الارتباك والقلق الشديد....كرر اعتذاره لها فتقبلته ببطء ، قال :-
_ ممكن تقعدي نتكلم شوية
اجابت بجفاء :- نتكلم في ايه ؟!
خالد بمراوغة :- عايز بس افهمك حاجة عشان ما تفهمنيش غلط ، لو سمحتي اقعدي...خمس دقايق مش اكتر
جلست سما بتردد شديد ثم بدأ خالد الحديث ونظراته تجول على جسدها بتفحص بينما هي تنظر للأسفل بعبوس :-
_ بصراحة أنا اول مرة اتعامل مع بنت خجولة للدرجة دي ، ويمكن عشان كده بتعامل معاكي عادي....يعني لو في شيء مزعلك مني فأنا أسف...اكيد يهمني زعلك.
ورغم ضيقها منه ولكنها أرادت أن تنهي هذا الحديث الثقيل على نفسها فأجابت :- مش زعلانة من حضرتك ، بعد اذنك الخمس دقايق خلصوا
نهضت واتجهت لباب المكتب حتى لحقها خالد وبيده وردة حمراء قد جهزها قبلا....مد يده بالزهرة وقال مبتسما :-
_ طب ممكن تقبلي مني دي ؟ اعتبريها اعتذار مني تاني
رمقته بتعجب وشعرت بحيرة فهي بدأت تكره هذا الشخص بسبب فرض قربه بهذا الشكل السخيف.....ورغم أنها تركت باب المكتب مفتوح ولكنها شعرت بضيق في رئتيها من الاختناق....
كم ودت لو ركضت من أمامه وتركته يقف بمفرده دون اهتمام...الباب على بعد خطوة منها ولا تستطيع ذلك.....حتى انها شعرت بجسد يسد مدخل الباب فجأة...
تطلع آسر بنظرة نارية شرسة لكلاهما حتى التقط الزهرة من يد خالد والقاها بالقمامة وقال بعصبية :- أظن ده مكان شغل مش مطعم على النيل ؟!!
التفتت له بدهشة من اتهامه الصريح ، ليتابع آسر بتحذير مشيرا لخالد بسبابته :- مش هحذرك تاني يا خالد ، ابعد عنها
رفع خالد حاجبيه بنظرة حادة وقال :-
_ عرفت أنك رجعت هنا ، وباين السبب ، بس بتهيألي أنك بتتعدى حدودك في شغلي يا آسر!! وبتهيألي برضو أن مكتبك في المبنى التاني للشركة مش هنا اصلًا
آسر بعصبية :- أنا حذرتك مرة ، المرة الجاية مش هحذرك
خالد بسخرية :- هتعمل ايه يعني ؟! هتطردني مثلًا ؟! انا بشتغل تحت إدارة عمي وجيه وشايف شغلي تمام....
آسر بغضب ممزوج ببعض السخرية :- واضح أنك شايف شغلك ، بتشتغل في الورد مع السكرتيرات صح ؟
تطلعت به سما بغضب وقالت :- مش هسمحلك تتكلم عني كده تاني أنت فاهم ؟!
نظر اليها بقوة وهتف :- وأنا مش هسمح لحد يقربلك أو حتى يبصلك بصة
خالد بنظرة ماكرة :- هو أنت تقربلها ؟! اصلك بتتكلم بثقة اوي !!
آسر بتحذير آخير:- أنا مش هقولهالك تاني يا خالد ، ابعد عنها لأن لو بس فكرت ماتتوقعش رد فعلي..
هتفت سما به بعصبية :- أنت مش مسؤول عني ولا ليك حق عليا عشان تتكلم كده !! وابعد عني ياأخي بقى ابعد عني
هتفت بذلك وهي تبكي ثم خرجت من المكتب راكضة....حملت حقيبتها ورحلت من المكان تماما.....
قال خالد بشماته :- هي اللي طلبت مش أنا !! ياريت لو تبعد عنها وتسيبها في حالها دي بنت محترمة ومالهاش في اساليبك أنت وولاد عمامك !
لم يتحكم آسر بغضبه فقبض على ياقة قميص خالد وهزه بعنف وعينيه تقدح شررا وقال :- أنا عارف تفكيرك القذر وغيرتك مننا طول عمرك مش جديدة عليك ، بس اقسم بالله يا خالد لو فكرة تأذيها ولو بنظرة ما حد هيقدر ينجدك مني....عايز تتأكد جرب وشوف هعمل فيك ايه
خالد وهو يحاول التخلص من قبضة آسر :-
_ أنت بتتكلم ولا كأنك خطيبها ولا من بقية اهلها !! هو انتوا استعبدتوا الناس ؟!
هزه آسر بعنف بعد لكمة بصدغ خالد وصاح :- آه خطيبتي وحبيبتي كمان ومش هتكون لحد غيري ،ولو الدنيا دي كلها وقفت قصادي هاخدها يعني هاخدها ، مش تافه زيك اللي هيمنعني
خالد بضحكة ساخرة ونظرة شيطانية :- وانت قلقان مني ليه لما انت عارف أن محدش هيقدر ياخدها منك ؟! لو أنت واثق من حبها ليك عمرك ما هتيجي وتقولي كده....خليها هي اللي تختار ونشوف في الأخر هتختار مين...
آسر بشراسة :- أنت بتقربلها عشان تتحداني ..
قاطعه خالد بضحكة :- أو يمكن عشان عجباني
اتسعت عين آسر بكتل من الجحيم والنيران الملتهبة حتى دلف يوسف للمكتب عندما انتبه لركض سما بالخارج فشعر بقلق واتى لهنا.....
جذب يوسف آسر بشدة حتى لا يصب غضبه على خالد وقال بعصبية :-
_ أنت اتجننت يا آسر ؟! ايه اللي حصل لده كله ؟!
صر آسر على اسنانه بعنف وأشار لخالد قائلا :-
_ انت اتحدتني وأنا قبلت التحدي...ومش هسيبهالك
نظر يوسف بحيرة اليهما وقال هاتفا :- في ايه بينكوا انا مش فاهم !!
احاب خالد وهو يعدل من هندامه :-
_ ابن عمك عندك اسأله ، هو اللي جالي وعمل مشكلة من مافيش وانا مسكت أعصابي لآخر لحظة ، عشان لما اروح اشتكيه ما ابقاش غلطان...
نظر يوسف بعصبية لآسر ثم جذبه للخارج حتى يستطيع التحدث معه....
بخارج المكتب......
قال يوسف بغيظ :- اهو مسك عليك غلطة ! اتحكم في نفسك شوية !! لو راح لعمي دلوقتي وحكاله اللي حصل انت اللي هتبقى غلطان وهتحطنا كلنا في موقف وحش..يا آسر احنا ما صدقنا عني رضي عننا واتلمينا تاني ووعدناه نبقى كويسين ليه بتعمل فينا كده !!
تنفس آسر بحدة وهو يضم قبضته بعنف ثم قال :-
_ انا ماشي
حاول ايقافه يوسف ولكنه لم يستطع......
خرج آسر من مبنى الشركة واستقل سيارته حيث الحي الشعبي....يعرف أنها ذهبت بالتأكيد لغرفة السطوح....
💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖
- الفصل السادس والأربعون
**بالحي الشعبي **
فاضت دموعها على وجنتيها...من الشوق لقربه...واللهفة للابتسامة عند حديثه...وابتسامة مخبأة تتسع كلما ظهرت غيرته عليها...ومع هذا كله هناك حاجز قد وضع كحجر اساس لهذا الرباط بينهم...
حجر يفصل بينهما ويجعل العلاقة مشوشة...يتخللها شيء من الضباب والعتمة والمشاعر المعكرة بالخوف والترقب للآت..
قبل أن تدخل المبنى القديم هتفت للي من خلفها....استدارت سما سريعا لمصدر الصوت لتجد للي قد خرجت من سيارتها للتو وتقترب إليها بابتسامة واسعة....اسرعت للي إليها وفي بُعد الخطوات الفاصلة بينهما لم تلمح عبرات العين...عانقتها للي بقوة وابتسامة عريضة وقالت :-
_ وحشتيني موووت يا سمكة ، أنا جيت أشوف البنات في البيوتي سنتر عملوا ايه في اللي قولتلهم عليه ومتخيلتش أني هشوفك بس بجد فرحااانة موووت
ابتسمت سما ابتسامة شاحبة ، يتسلل اليها الألم ويظهر في توترها....انتبهت للي لذلك فأنكمشت ابتسامتها وقالت بقلق :-
_ شكلك معيطة !! مين اللي زعلك ؟!
ظلت سما على ثباتها لدقيقة ثم ارتمت بين ذراعي للي ببكاء فربتت الأخيرة على كتفيها بتوتر.... :-
_ طب تعالي معايا نتكلم براحتنا وتكوني هديتي
أخذتها للي من معصم يدها لسيارتها وقالت :-
_ هنروح أي مكان نشرب حاجة ونتكلم براحتنا
قادت للي سيارتها وسما بجانبها تائهة في موجات الدموع بطريق لا ترى فيه ضياء....
*****
بكافيه مكون من طابقين وتغلب على واجهته النوافذ الزجاجية العريضة...يظهر من خلفها من أفراد....دلفت للي ومعها سما للكافيه وحاولت أن تبدو مرحة فقالت :-
_ استأذنت وجيه عشان أجي أشوف السنتر بتاعي بس ماكنتش أعرف أني هاجي هنا ، لما اروح هكلمه وأقوله
أشار النادل لطاولة تطل على الطريق مباشرةً....اتجهت للي اليها ومعها سما ثم جلستا على المقاعد بهدوء حتى تفحصت للي قائمة المشروبات وأشارت لأحدهم لفردين....ذهب النادل ملبياً الأمر فعادت للي تدقق النظر بعين سما التي لا زالت تبك!
قالت بهدوء :- جينا في مكان هادي عشان تريحي أعصابك ، ممكن بقى أعرف سبب الدموع دي ايه ؟! هو مش أحنا صحاب !
ابتلعت سما ريقها المتكورة به غصة عالقة بالحلق من فرط الألم....بدات تتحدث ببطء وتذرف الدموع مع كل كلمة...الكلمات تطل من شفتيها كأنها مشاهد تحدث أمام عينيها وتؤلمها كلما تكررت....فغرت للي فاها من الصدمة ورددت بذهول :- ده كله حصل في الفترة اللي هي بعد جوازي صح ؟ اكيد صح اومال امتى يعني....بس يا سما هو قال انه جاي يصالحك ليه مش تديه فرصة ؟!
أغمضت سما عينيها بدموع تنساب كالشلال وقالت :-
_ المشكلة مش في اللي قاله ، المشكلة أني مابقتش أثق فيه ، ولا في كلامك ،ولا نظراته ،ولا أي حاجة من ناحيته ، كنت قريبة وكان بيعاملني معاملة وحشة أوي ، لما حد كان بيقربلي كان بيتجنن وكنت بفرح وأقول بيحبني وبيغير عليا...فضلت أقنع نفسي لحد ما فجأة لقيته خطب واحدة تانية ! فين الحب بقى ؟!
عملت نفسي مبسوطة وجبتله هدية بقى هيتجنن !! أزاي ما اتكسرش وما اتوجعش ؟! هو بنفسه قالي كنت مستني أنك تزعقلي وتغضبي وتعملي اي حاجة غير أنك تقبلي اللي بيحصل.....
قررت أمشي...تفتكري سابني ؟! ابداً
مجرد ما عرف أني هشتغل مع خالد قريبه مابقاش في وعيه ، هددني بالعقد اللي مضيته واللي كان فيه شرط أني استمر في الشغل سنة....ولما صممت قالي طب كملي اسبوع لحد ما الاقي بديل....الفترة دي بقى حد تاني...رجع آسر بتاع زمان لدرجة أني شكيت في اوقات كتير أنه هيقولي بحبك....لما خلاص كنت همشي والاسبوع هيخلص وشافني مع خالد... طردني !! اداني ملفي وقالي امشي بمنتهى البساطة...
واللي برضو ما سابنيش وجه ورايا شركة الزيان وبيكمل كدبه....تقدري تقوليلي بعد ده كله أزاي أثق فيه تاني ؟
أعرف منين أنه مش بيقول كده عشان يخليني أقرب ولما أقرب يرميني من سابع سما !! زي عادته يعني !
للي بتقطيبة ظهرت على وجهها :- في قلبك ده كله وساكته ؟!
سما بحزن :- هعمل ايه غير كده ! حتى حميدة وجميلة ورضوى مشغولين بتجهيز كل حاجة عشان فرحهم ، حرام انكد عليهم وادوشهم بمشاكلي !
ربتت للي على اصابع سما بعطف وقالت برقة :-
_ انا جانبك يا سمكة ، وأن شاء الله ربنا هيعوضك بواحد ينسيكي كل حاجة وجعتك..
امتلأ الحزن بعين سما....رغم ما فعله بقلبها ، ورغم عظم ثقتها بها ،ولكن قلبها لم يمهد كي يستقبل حبيبا آخر....لم يتخلص من مشاعره بعد..قالت ببكاء :-
_ نفسي أمشي من الشركة بس مش هيسيبني أنا عارفة ، هو قالي كده...أنا بجد تعبت ونفسي انساه ومش عارفة..
اقترحت للي :- تحبي اتكلم مع وجيه في____
قاطعتها سما برفض :- لأ بلاش ، ماهو عشان يفهم اللي بيحصل صح لازم هيعرف كل حاجة ، انا مش عايزة حد يعرف
للي بقلق :- بس خالد ده يتخاف منه وبصراحة مش صح أنك تكملي شغل معاه ، حتى لو بتشغلي في شركة ومش لوحدكم ولكن برضو في خطر عليكي...أنا قلقانة....
سما وهي تمسح عينيها :- ما تخافيش عليا
قالت للي بحزم :- خلاص طالما انتي اشتغلتي في الشركة هقول لوجيه يوصي عليكي ويحذر خالد لو حاول يضايقك ، يمكن كده لو التاني ده في دماغه حاجة يبعد...
********
تسلل آسر لغرفة السطوح بينما وجد الغرفة مغلقة بقفل حديدي من الخارج....وضعت أمامه علامات الاستفهام...أين ذهبت ؟!
نظر لكافة الارجاء بالمكان ولم يوجد أثر لبشر......شعر بالقلق الشديد حتى خرج من المبنى وعيناه تبحث هنا وهناك....
توجه الى مكان القهوة الشعبية حيث تجمعات الرجال من ساكني المنطقة فوجد سقراط وحوله حشد من الأطفال ويشير لهم بيديه كأنه يروي لهم قصة أحد الأساطير القديمة.....
نظر سقراط للأطفال الذي يشكلون حوله دائرة واعينهم محدقة به بقوة كأنهم يرون فيلم رعب أو شبحا ما....قال سقراط بنظرة حادة :-
_ وقومت ناااااطط على رئيس العصابة ومسكته بإيد ، والراجل اللي معاه المسدس اتهز واغمى عليه أول ما شاف بصيتي ليه....بصيتله بصة اميتاب باتشان قبل ما يضرب بالنار ويموت
قال احد الأطفال بتعجب :- طب والتالت والرابع يا سقراط ؟! هما مش كانوا اربعة ؟!
ضرب سقراط الطفل على كتفه بلكمة وهتف بإعتراض :-
_ ماتسمع وأنت ساكت يلا !! ما انا جاي في الكلام اهو !
قال الطفل بضحكة :- طب تعالى بسرعة هههه
ارتفعت أصوات الأطفال بالضحكات حتى جر سقراط الطفل بيده وتمتم قائلا :- نفسي أضربه قلم زي اللي اتلسعتهم على وشي
اقترب آسر اليهم وأشار له ليأتي....رمقه سقراط بابتسامة وقال للأطفال :-
_ راجعلكوا يا عيال خليكوا جنب العجل بتاعنا
اقترب لآسر مرحبا وقال بضحكة :- واااااحشني واااحشني واااحشني
ابتسم آسر راداً لتحيته ثم صافحه بود وقال بعد ذلك :-
_ بقولك ايه....ماشوفتش سما ؟
اتسعت عين سقراط بقوة :- هي مش المفروض في الشغل ؟! وبعدين أنت بتسأل عليها ليه ؟! وبصفتك ايه ؟ وعايز ايه اخلص !
اغتاظ آسر منه ولكنه مجبر أن يراوغ ويتحكم بأعصابه فقال :-
_ وأنا اللي بقول أنك صاحبي ؟! ده أنا مش ناسيلك ليلة الخطف يا راجل !
ابتسم سقراط بثقة وقال :-
_ ههههه آه فاكر فاكر ،قولتلي بتسأل عن ايه ؟
آسر بمحاولة الوصول لهدفه :- سما فين ؟ هي سابت الشركة من حوالي ساعة ونص راحت فين ؟
سقراط :- شوفتها راكبة مع للي عربيتها ، هتلاقيها جاية بعد شوية ،جايبة لعب وحاجات هاها هههه
نظر آسر بغيظ لضحكة سقراط العالية ثم تركه وذهب عائدا لسيارته مرة أخرى للعمل حيث أن اليوم يبدو أنه لن يستطع رؤيتها بسهولة......
*******
بالمساء.....
تجمع الشباب بغرفة كبيرة مخصصة لهم للألعاب الرياضية......نظر جاسر للغرفة بتمعن وقال :- بقالي فترة ما لعبتش رياضة
يوسف بضحكة :- اتاريك طولت !
لمح رعد ارتباك آسر وقال :- يابني ما تعترف بقى أنك بتحبها وعايز تتجوزها...بص قولها كده في جملة واحدة وما تتكسفش
سوم يوسف نظرة ماكرة لآسر وقال :- أنت محتاج نصيحة
ابتعد رعد عدة خطوات لأحد الآلات الرياضية وبدأ يستخدمها حيث قال جاسر :- لو أعترفت هديك نصيحة تخليها شيكولاته في ايدك
يوسف وهو يبتلع ريقه :- الله شيكولاته !
رفع آسر قلادة فضية تحمل صورتها قد اعدها اليوم وقال وهو ينظر للقلادة بقوة مبتسما :- مش بحبها
يوسف بغيظ :- يا سواد ليلك ، شايفك بيتزا مافيهاش موتزريلا ولا زيتون ولا كاتشب ، تسد النفس
أضاف آسر بنظرة عاشقة لصورتها :- بعشق الهوا اللي بتتنفسه
جاسر بابتسامة ماكرة :- وايه كمان يا حبيبي !
كتم رعد ضحكته فهو يعلم ذلك منذ وقت طويل.....
يوسف بتنهيدة :- اهو كده ، بقيت صينية بشاميل طازة ، أحبك
هتف رعد بتعجب :- ما تبطل بقى أنا جوعت بسببك !
تطلع به جاسر بنظرة ماكرة ثم قال :- بما أنك اعترفت أنك وقعت فأنا مش هبخل عليك بالنصيحة
اتسع بؤبؤ عين يوسف وهتف :- يانهااااار...يااارعد الحق آسر قبل ما جاسر ينصحه.
تابع رعد تمارينه الرياضية وقال بلهاث وبدأت حبيبات العرق تقطر من جبينه :- وأنت ما تنصحهوش ليه ؟
قال يوسف وهو يبعد عينيه عنهم بتوجس :- طالب دليفري وزمانه جاي ، متوتر....
أشار جاسر اتجاه آسر وقال بابتسامة ماكرة :- اللي هقولهولك ده مش من فراغ...دي خبرة سنين أنحراف
نهض رعد من على الألة الرياضية والتقط المنشفة ليجفف وجهه وقال لجاسر :- بذمتك أنت منحرف كده مع خطيبتك وبتطبق نصايحك دي ؟!
اجاب جاسر بصدق :- مقدرش أقسم بالله....بتشخط فيا
نظر آسر لجاسر بدهشة وقال :- إيه ؟!
جاسر بتوتر :- ايه !
عادت النظرة الماكرة بعين جاسر حتى همس بشيء بأذن آسر جعله يبتسم مبتعدا وقال آسر بضحكة :- أنت فعلًا سافل !!
يوسف بغيظ :- ما تسمعش كلامه يا آسر ،أنا بشوف جميلة خطيبته بتزعقله لما بيبصلها أوي ، شوفته بعنيا الجوز وهو بيتهزأ وساكت
نظر جاسر ليوسف بحدة حتى قال رعد بلطف :- سيبك من ده كله
انطلق يوسف قائلا :- اااااه ، استمع بقى الفنان موسيقار العزف بالبطيء ...
أهمل رعد حديث يوسف ثم أستطرد قائلًا :-
_ طالما هي بتحبك يبقى هتسمعك ، قولها أنك بتحبها وهتتقدملها يوم خطوبتي بعد كام يوم....سيبها بقى وما تكلمهاش خالص لحد ما تكلم عم سمعه وعمي يكون معانا بالمرة....
اقترح يوسف :- طب مش احنا رايحين معاك النهاردة الحارة عشان تتقدم لرضوى.....طب ما آسر كمان يبقى معاك !
رعد :- ماينفعش....هي لسه زعلانة وممكن في عصبيتها ترفض ، هما البنات كده مجانين ، لكن لما يعترفلها الأول ويسيبها تهدأ هيكون احسن...
تساءل جاسر :- هتيجي معانا يا آسر ولا نظامك ايه ؟
وافق آسر على مضض......
**********
**بغرفة وجيه **
ارتدى وجيه سترته الكحلية الأنيقة أمام المرآة ثم نثر عطره القوي....التفتت للي بابتسامة وقال :- هتوحشيني على ما ارجع
عدلت للي رباط عنقه بنظرة محبة وقالت :- وأنت كمان
قبل رأسها قبلة طويلة ثم رمقها ببسمة رقيقة وغادر الغرفة.....
******
**بغرفة حميدة بمنزل والدها**
ارتدت رضوى رداء مناسب حيث الاستقبال فقط
قالت حميدة بضيق :- نسينا الجزمة بتاعت الفستان فوق وشريط الفستان كمان ، على الكنبة...
قالت سما بثبات :- هروح اجيبهم بسرعة...
خرجت سما من الغرفة واتجهت للخارج حتى ما كادت أن تخطي خطوة خارج باب المنزل وقد قابلها وجيه وهو يصعد على الدرجات وخلفه الشباب واحدا خلف الآخر.....
نظرت لهم بتوتر ولمحت آسر وهو يرمقها بابتسامة ماكرة
ركضت وصعدت لغرفتهم بالسطوح.....
دلف وجيه للمنزل بعدما القى السلام بينما همس آسر لرعد قائلا :-
_ ابقى قول لعمي أني نسيت حاجة في العربية وبجيبها
ضيق رعد عينيه بمكر وقال :- أنت رايح فين ؟ ما تتغاباش !
وكزه آسر لينفذ حديثه حيث تسلل آسر للأعلى دون أن يراه أحد
************
نظرته ،ابتسامته ، كل شيء به يربكها !! ماذا يقصد بتلك الابتسامة ؟!
ايقصد الود الذي فرغ ؟ أم يقصد ايلامها أكثر ؟!
دلفت للغرفة وهي تلهث....للحظات قد غاب عن عقلها لماذا اتت بالتحديد...كانت تنظر حولها وكل الأشياء أمامها غير مرئية.....تنهدت بضيق حقيقي...من ميلها لعذابها من جديد....من ضعف الحب الذي اكتسح نبضها....منه هو ومن إصراره بالقرب والبعد بذات الخطوة !
بالكاد استطاعت تذكر ما اتت اليه ،أخذت الحذاء وشريط أسود يخص رداء رضوى ثم خرجت من الغرفة.....
السطوح غالبًا مظلم ، سوى أضواء النجمات ، خرجت بخطوات واهنة ، تجرها جرا حيث تخشب جسدها فجأة عندما انتبهت لصوته !!
يتقن الأختباء ، والانزواء ، والكبرياء ،ولكنه يريد عذابها ولا تعرف لماذا ! استدارت ببطء وقد جف حلقها تقريبا والتمعت بعينيها دمعة لم تعرف لما حضرت الآن....هل للسعادة أم الخوف ؟
عندما تقابلت أعينهما لم يلقي السلام...بل كان السلام هو ترجمته الحقيقية....قال بكل ما فيه من عشق :-
_ بحبك
إلي هنا ينتهي الفصل السادس والأربعون من رواية إمبراطورية الرجال رحاب إبراهيم
رواية إمبراطورية الرجال الفصل السابع والأربعون/الثامن والأربعون
_بحبـك....
ما كانت خرجت من حالة الارتباك لوجوده حتى سقط في حالة من الذهول.... ما هو ذلك الشعور الذي يتسلل إلينا عندما نسمع هذه الكلمة.."أحبك" ؟
وأن هناك من يرى فينا الأكتفاء ! الدواء للألم...والعزاء لجميع احلامنا التي رحلت بلا عودة...وشعور البرد والدفء معاً....دمعة تسقط وابتسامة على الثغر تتدلل !! يبدو أن الحب هو تضارب جميع الأشياء...
حلقت فراشات قلبها ، لحلم كان بالقلب باق !! بأوج ساعات الفراق كان هو باقٍ بالقلب باقِ...انفاسها ما عادت في سرب الهدوء ،وقلبها وكأنه طفل وجد دميته التائهة بعد غياب !
للحظة رسم الخيال مشهدٍ قريب للقلب....وهي تجيبه" بنعم أحبك أيضا"، أنت أنت مثل ما أنت ، ببعثرة بقاياك وأشلاء قوتك ، بضمة حنونة هي حلم العاشقين...بلهفة قلب مات ليحيا !!
ما بات بالقلب شيء لم يرتجف....جسدها بأكمله بات يرتجف...اضطراب عينيها بدا واضحا...وكأنه آخر ما تبقى لها بالحياة !
هو.....جنون الروح باللهفة لقربها بات يؤرقه ، بات يسرقه من الجميع ، ظلام الغيرة أظهر صفاء عشقه ، تمسكه بها ، رغم كل الالام !
لا يستقر الألم بقلب به حبيب صادق...ربما هذا هو بيت القصيد بالحب...الصدق
يعرف أن جميع الكلمات بعد كلمة أحبك تكن بسيطة ، ليس بقوتها ولكنه مدين بالأعتراف فأضاف :-
_ بحبك ، مش أول مرة اقولها ! كل مرة كنتِ قدامي قلتها جوايا ، كل مرة اتعصبت عليكي كان بسبب أني بغير عشان بحبك ، كل مرة رفضت الغياب كانت هي دي كلمة بحبك.....أقولهالك تاني ولا لسه عايزة تسمعيها ؟
هربت من نظرته التي تطلع بها بعمق...إلى أين يأخذها بحديثه ؟
وكأنها فقدت كيفية التحدث !! لم يكن في قوله فقط الصدمة بينما في شعورها بالسعادة وهي من اقسمت لنفسها أنها ستجعله ذليل عند قدميها....لم تقل لمخلوق ذلك ، هناك أشياء لا يعرفها سوانا ، ولا نصرح بها ، غالبــًا تكون أشياء مؤلمة ، أكبر من قوتنا على الأعتراف...
كان هذا القرار منها....هي تحبه ،تعشقه ، ستقل وتعترف....ستبتسم له وتخجل ، ستوافق أن عرض الزواج....ستقفز بسعادة مثل عادتها....
والماضي ؟! حمقاء !! غبية ! تستحق المهانة ربما !
ما يدريها أنه صادق ؟!
وما يؤكد أنه لن يتركها غدًا ويتركها فتات أكثر من السابق ؟!
وما خلف عينيه من حقيقة ؟! ما حقيقة هذا الرجل ؟!
كيف لو تركها أمام الجميع ورحل ؟
وكيف إذا أغرقها عشقا وأتى بقسوة ودفعها خارج حياته ؟!
وماذا تجيبه ؟!
هو من جعلها هكذا ، نقل لها فوضى فكره ، وغياهب الحيرة ، وتشوش الرؤية للقرار ، ما كانت تلك الفتاة الحائرة قبله !
أحبته...وعذبها
اعطته أمانها....وأهداها ضعفه
قالت لقلبها أحبه يا قلبي...وقال لقلبه إذا أحبتك ستشقى !!
ابتلعت ريقها بصعوبة ، بصعوبة شديدة في الأجابة ، وبدلًا أن تحمر خجلًا شحب وجهها !!
أن طاوعت قلبها وحقيقته كاذب ستنهار للأبد....وأن كان صادقا وابتعدت ستكن نفس النتيجة !! قلبها الطفل لا يدرك مستوى القرار
ولا عيون العذاب عند الغدر.....قال وهو ملم بجميع حيرتها :-
_ عارف أنك زعلانة مني ، وأني وجعتك كتير ، هسيبك تهدي ونتصالح لوحدنا ، عشان يوم خطوبة رعد هتقدملك ، حياتي مستنياكي ونفسي تكوني جانبي بأقرب وقت
رفعت نظرتها إليـه بتردد وارتباك شديد ، وكرهت الاضواء البعيدة التي جعلته يبصر رجفتها....تساءل بصوتِ جعلها ترتبك اكثر :- هتحتاجي كام يوم عشان نتصالح ؟ اكيد مش اكتر من يوم !! وحشتني ضحكتك
كافحت كي يخرج صوتها ثابتٍ ، لم تفلح في ذلك وظهر به التلعثم والعثرات وقالت :- محتاجة وقت
ابتسم بحنان قائلا :- قدامك عمري كله ، ازعلي براحتك ، خدي وقتك ، خاصميني وصالحيني وقت ما تحبي ، بس وأنتِ معايا
وعند اللحظة الأخيرة لماذا يبدو كل شيء جميل ؟!
كان يبتعد ولا زال اتجاهه لها...ابتسامته على وجهه بصفاء ، بنظرات عشق واضحة لا جدال فيها ، كان يردد كلمته بصوتِ خافت....أحبك
ابتسمت ابتسامة طفيفة ، وهي تراه يرددها ، هي تريده يؤكدها...هذا كل ما تريده....
اختفى عن ناظريها.....ورجفة شديدة اجتاحتها ، لوهلة تصعد السعادة ثم يتشاجر الكبرياء ويلحقها ، هكذا داخليا تشعر ، فوضى الكيان...
صاعد اختفائه في صعود ظنونها مرة أخرى ، اتجهت كالمنومة مغناطيسيا للغرفة مجددا ، وكأنها أصبحت انسان ألى يسير بالطاقة اكثر مما يرى...
جلست على الأريكة بداخل الغرفة وتساقط الدمع من عينيها ، كيف تنقذ نفسها من دائرة الظنون الذي هو ذاته زرعها بداخل قلبها وحصد الشك !!
قالت ببكاء :-
_ أنا تايهة أوي يارب ، أصدقه ولا ما أصدقهوش ؟! صادق ولا كداب ؟!
مش عارفة حتى أفرح باللي قاله ! ، خايفة أفرح يكون بيكدب عليا ويسيبني بعد ما اتعلق تاني ، في حاجة منعاني مش عارفة ايه هي ؟! هو اللي وصلني لكده ! للخوف والشك والحيرة
ظلت على حالتها لدقائق كثيرة حتى اتت حميدة للغرفة وكادت أن تعنفها للتأخير حتى وجدتها هكذا....ركضت اليها بقلق وتساءلت :-
_ مالك يا سمكة فيكي ايه ؟!
نظرت لها سما بحيرة هائلة تتموج بعينيها ثم أخبرتها عما حدث لتقف حميدة بابتسامة واسعة مباركة :- الف مبروووك يا سموكة ، وبتعيطي يا عبيطة ؟ مش ده اللي كنتِ هتموتي عليه وليل نهار آسر آسر آسر !!
افتكرت أنك هتتنططي من الفرحة بدل ما عمالة تعيطي كده ؟!
قالت سما بدموع تملأ عينيها :-
_ مافيش فرحة بتيجي كاملة من حد كسرنا ووجعنا ، خلاني أشوف نفسي قليلة وأقل منه ، خلاني أحس أني ما استاهلش اتحب ، خلاني صعبت على الكل وأولهم نفسي ، ماهو محدش يتقاله كلمة بحبك بعد ما يضرب بالقلم !! واللي بيضرب وبيوجع هو نفسه اللي بيحب وبيعترف !!
أشفقت حميدة عليها وقالت برفق :-
_ كنتِ اكتر واحدة فرفوشة فينا ، ضحكتك مش بتفارق وشك ، ايه اللي جرالك ؟! انا عارفة أن الحب ساعات كتير بيوجعنا لكن بطريقتك دي هيدمرك ! وبعدين بصراحة آسر غلطان أنه يطلع هنا وانتي لوحدك بس عشان ما تحصلش مشاكل هعديها....المهم قررتي ايه ؟
ابتلعت سما غصة بحلقها وقالت :- قولتله محتاجة وقت
حميدة بتساءل :- وقت تفكري وتوافقي ؟ ...حلو
أجابت سما بنظرة غامضة :- وقت عشان أقوى وأرفض ، أنا مش قادرة أرفض ، لسه جوايا بقايا عايزاه ، أنا مش هسيبه يلعب بيا تاني ! هجرحه مرة من نفسي
تفاجئت حميدة بقولها وقالت بدهشة :- أنتِ بتقولي إيـه؟! هي حرب ؟! أفرضي كان صادق وبيحبك بجد ؟!
سما بغضب :- وأفرضي كان كداب وعايز يكسرني تاني ؟! دي مش أول مرة بيستخدم فيها أسلوبه ده بس الفرق أن المرادي قال بحبك !
لأن بقى ليه ند....بقى شايف أن ليه بديل ، أنا فقدت ثقتي فيه تمامـًا
زفرت حميدة بضيق وحاولت أن تهدا قليلا ثم قالت :-
_ أنا عذراكي في حاجات كتير ، بس عايزاكي تفكري صح وبالعقل ، آسر لو اكتشفتي أنه صادق هتندمي طول عمرك
ادمعت عين سما بقوة وقالت :-
_ ولو وافقت وصدقته واكتشفت أنه بيكدب عليا انا ممكن اموت فيها ، مش هستحمل أنه يوجعني تاني
ربتت حميدة على كتفها بحنان وقالت :-
_ أنتِ مش عايزة ترفضي ، موافقة ومبسوطة بس خايفة ، عموما كويس أنك قولتيله محتاجة وقت ، خدي وقتك براحتك لحد ما ترسي على بر وتعرفي حقيقته وساعتها قرري
نهضت سما من مقعدها وقالت :- للأسف مش قدامي وقت كتير ، لأنه قرر يتقدملي يوم خطوبة رضوى ، ورضوى قالت أن رعد هيخلي الخطوبة الأسبوع الجاي...
حميدة بحيرة :- ربنا يستر
***********
بعدما أنتهى وجيه من الحديث مع الأسطى سمعه بأمر الخطوبة والزفاف هتف سمعه على رضوى لتحضر المشروب ويقرأون الفاتحة...
تجمع الفتيات مرة أخرى بغرفة حميدة وانتهت رضوى من ارتداء حذائها وكل شيء وأتى سقراط يحمل صينية المشروب من المطبخ وقال لهنّ :-
_ يلا ياختي اطلعي معايا ماهو أنا السفرجي بتاعكوا !
حملت رضوى الصينية وهي ترمقه بغيظ بينما تغنى سقراط وقال :-
_ اتمخطري يا حلوة يا زينة ، هتغوري من بيتنا الليلة
ضحك الفتيات جميعنّ بما فيهم رضوى حتى خرج سقراط وتمتم مرة أخرى وقال :-
_ يااارب عقبال العرسة الصغيرة الباقية ياااارب واخلص من خلقتهم كلهم مرة واحدة....نفسي افتتح السطح واعمله صالة بلياردو واغتني
قدمت رضوى المشروب والقت السلام على الحضور بينما كان يرمقها رعد بنظراته الثابته التي وحدها تعرف مدى مكرها......
همس جاسر لآسر وقال بابتسامة :-
_ عارف رعد ده ، داهية قاعدة ، واحد خبيث كده ومش سهل ، عرف يبلف عقلها وهي معقدة اكتر منك يا حبيب قلبي ، والله كلها أسبوع بعد الفرح وهتلاقيها بتقوله حاضر ونعم وأوامرك يا تاج راسي.....
آسر بسخرية :- تاج راسي يا بيئة !
جاسر بابتسامة :- آه...أنا بحب جو بين القصرين ده وبعشقه
وكز يوسف جاسر في ذراعه وهمس :- بطل رغي بقى هنقرأ الفاتحة...اوعى تكون مش حافظها ؟!
جاسر بغيظ :- ليه هو أنا ابو لهب !
يوسف بتأكيد :- ايوة
رمقهم وجيه بنظرة جعلتهم يصمتون تمامـًا......ركضت رضوى للداخل مجددًا واشتعلت وجنتيها بحمرة شديدة من الحياء....
بعد أنتهاء الأمر تماما والاتفاق على كل شيء نهض وجيه وقال :-
_ طب نستأذن احنا بقى وبأذن الله نتقابل قريب على خير
ظل رعد جالسا وظن أنه سيجلس مع رضوى بعض الوقت مثلما حدث مع جاسر ويوسف ولكن وجيه امره بالنهوض وقال :-
_ الوقت متأخر ، كده كده الخطوبة بعد أيام تقدروا تتكلموا براحتكم
كتم جاسر ضحكته بينما نظر رعد بنظرات عصبية للشباب ، تمتم يوسف بشفقة :- ده اتصدم !
***********
بداخل سيارة وجيه الضخمة......جلس يوسف بجانب وجيه في المقدمة بينما جلس الثلاث شباب بالمقعد الخلفي......
اطلق جاسر ضحكة عالية لم يستطع كتمها أكثر من ذلك وهو ينظر لرعد بجانبه.....رمقهم وجيه عبر المرآة وتساءل بتعجب :- ده جنان ده ولا ايه ؟!
يوسف بعفوية :- اصل ياعمي رعد كان منشن يقعد مع رضوى وأنت كبسته ، الكابسة جت في وشه صدمته
جاسر بضحكة عالية :- ريأكشن وشه عمري ما هنساه
ابتسم وجيه وفهم الأمر فقال :- خليكوا اذكياء ولماحين وبتفهموا بلاش غباوة ، الساعة عدت ١٠ وهنا الناس مش زي ما انتوا متعودين....وبعدين احنا قرينا فاتحة وبس مش خطوبة ، يوم الخطوبة هيقعد معاها...
جاسر بموافقة وكتم ضحكته مجددا :- صح جدًا ، الأصول أصول برضو...
صر رعد على أسنانه بغيظ والتزم الصمت طيلة الطريق وكان مثله في الشرود آسر الذي ذهب في فكره وابتسامته مطلة على شفتيه لم ترحل..
***********
**بقصر الزيان**
اتجه وجيه لغرفته بالطابق الثاني مباشرة عقب وصوله للقصر....فتح باب جناحه الخاص حتى وجده يغرق في عتمة وظلام....كاد أن يضيء المصباح من المكبس الكهربائي حتى وجد قداحة مشتعلة وخلفها عينين قد نظرت له بنظرة مبتسمة......أشعلت للي عدة شموع وتركت القداحة جانبا ثم مضت اليه في لهفة......
ظهر وجهها تحت ضوء ساحر فابتسم وهو يجد أنها لن تكف عن مكرها ومفاجآتها....قال بابتسامة يخبئ خلفها المكر:- حلو الجو ده !
اتسعت ابتسامتها بنبرة ضاحكة بسيطة وناعمة ثم التفت يديها حول عنقه قائلة بمرح :- على فكرة النهاردة عيد ميلادك ، والغريب أن عيد ميلادي بعد ٣أسابيع في نفس الشهر....
قال بتعجب :- مش متعود احتفل بعيد ميلادي
قالت بتكشيرة :- يعني زعلان ؟!
امتلأت عينيه بلمعات الحب وأجاب :- اكيد لأ ، مفاجئة تجنن طبعا
عادت ابتسامتها وقالت بمحبة فائقة :-
_ جيبالك هدية ، البرفيوم اللي بتحبه ، والهدية التانية أني قررت البس الحجاب ، أنا بحبك وبحترمك ، وعمري ما أحب أن يكون فيا شيء مش بتحبه...طماعة بقى
اتممت جملتها بضحكة شقية بضمها بقوة وابتسامة حقا سعيدة ثم قال :- أهم حاجة تكوني مقتنعة مش بس عشان ترضيني...
قالت بارتياح لم تشعر به من قبل :- طول عمري كنت مقتنعة بس مكنتش عارفة أخد الخطوة دي...انت اللي شجعتني وخلتني أقرر أخدها...
أجاب....ولكن بعض الأجابات تكن بلا حديث أحيانـاً
**********
بالصباح......
**بشركة الزيان**
جلست سما على مقعدها بالمكتب....ثابته ، يملأها الجمود ،
كأن الليل طبع ظلمته على قلبها وبرد لم يكن سلاما على قلبها.....كلما تحدث القلب وهو يبكي خوفا من الفراق يهتف العقل به ليصمت....هكذا يفعل بنا الغدر....
لاحظت تأخر خالد وحمدت ذلك فهي تحتاج كم هائل من الانفرادية بوقتها.....تفاجئت بدخول للي ولكن بمظهر جديد....حجاب يزين رأسها ووجه أصبح كالقمر في أوج ضيائه وأشراقته....مبتسمة ، ضاحكة ، السعادة تملأها بالحياة.....فصدق من قال أن السعادة تنتظر الاشخاص الذين يستحقونها...بأي عمر سيأتون ، ولكن عندما يأتون يعود العمر في صباه ولا عزاء للأرقام.....
ركضت للي اليها بابتسامة مشرقة وقالت بحماس وسعادة :-
_ هااا بقى ايه رأيك ؟
ابتسمت سما بصدق وقالت :- الف مبروك ، الحجاب يجنن عليكي ، أحلى بكتير من الأول كمان
للي بابتسامة واسعة وهي تضم سما بقوة :- وجيه قالي كده النهاردة الصبح لما شافني بيه ، فرحته بيا خلت سعادتي بالدنيا بحالها ، على فكرة يا سمكة أنا قولتله على موضوع خالد وهو هيحذره ما تقلقيش....
بدا أن الأمر لا يعنيها فصمتت ، لاحظت للي الوجوم على وجهها فتساءلت :- في حاحة حصلت تاني ولا ايه ؟!!
روت لها سما ما حدث فأحتارت للي في في حزن سما وقالت :- المفروض تكوني فرحانة !! ولا أنتِ ناوية على ايه ؟!
تحدثت سما معها بينما كان هناك متطفل يستمع للحوار من الخارج بنظرات حاقدة ، اختبأ عن أعينهنّ حتى يمتلك ما تخفيه تلك الفتاة التي لا يحمل لها أي نوع من الاعجاب ولكنه يتحدى...
استقر بمكانه حتى انتهى الحوار واختبأ مجددا عندما شعر أن للي تستعد للخروج......وعندما خرجت بالفعل انتظر قليلا ثم دلف للمكتب.....رمق سما بنظرات غامضة سريعة ودخل مكتبه دون حديث.....
تنفست سما الصعداء ولكن ارتياحها لم يحظ بمزيدا من الوقت فأنتبهت لجهاز الاتصال بالمكتب وخالد يطلبها للمجيء !!
زفرت بضيق ثم حملت بعض الملفات المطلوبة ودلفت لمكتبه الخاص....
بداخل المكتب....
وضعت الملفات على المكتب وشرعت بالحديث بينما قاطعها بابتسامة مزيفة وقال :- لأ انا عايز أقولك حاجة تانية
تعجبت وشعرت بالقلق منه مثل العادة حتى تابع :- بصراحة امبارح بعد ما مشيتي حصلت بينا أنا وآسر خناقة كبيرة ، حضرها يوسف تقدري تسأليه وتتأكدي.....بس مش دي المشكلة
توجست سما من الأمر وقالت :- اومال إيـه المشكلة ؟!
نهض من مقعده ببطء ليثير أعصابها ثم وقف أمامها وقال بثبات :-
_ مش عارف أقولك ايه !! بصراحة اكتر أسر معروف عنه أنه مش طبيعي ، يعني عنده أنانية غريبة أنه ياخد كل شيء حتى لو مش عايزه ، امبارح فجأة لقيته بيهددني ابعد عنك بعد ما عرف أني معجب بيكِ ، أنا ما استغربتش من تصرفاته لأني متعود عليها من زمان....
عايز أقولك أن شاهي اللي خطبها كنت بفكر أخطبها وكانت بتجيلي هنا الشركة ، وقع ما بينا وخلاني اترفدت من شغلي ، وطول المدة اللي فاتت فضل وراها لحد ما خطبها وبعدها بيومين سابها من غير اسباب !!
نظرت له بتلألأ الدموع بعينيها ، لم تشك بالأمر ، وكيف تكذب وهي من خاضت تجربة سابقة معه وتم الخذلان بنجاح ، سقطت دموعها رغما بحزن عميق حتى ابتسم خالد داخليا من نجاح خطته ، تلاعب على شكها به ،تلاعب على شجار الأمس ولن يستطيع أحد تكذيبه ،آسر ذاته اعلن التحدي بالأمس...تابع متظاهرا بالعطف :-
_ ما تخافيش ،طول ما أنا موجود هنا محدش هيقدر يأذيكي ، أطمني خالص
ضاع فكرها في دوامة عميقة حتى تفاجئت بدخول آسر للمكتب وعلى وجهه الضيق من هذا المشهد.....قال بجدية وبنظرة حادة لخالد :-
_ اتفضلي يا سما عشان هترجعي لشغلك معايا ، عندنا اجتماع لفريق المهندسين بعد نص ساعة
جلس خالد بابتسامة على مقعده ولم يبدي أي غضب !!
تعجب آسر من برود أعصابه وتساءل ما خلف ابتسامته الصفراء هذه !!
قالت سما وهي تحاول جاهدة أن تخفي دموعها :-
_ انا شغلي هنا مش معاك
التفت لها آسر بدهشة ، لم ينتظر منها تلك الأجابة ، ورغم انه لمح دموعها ولكنه هتف بعصبية :- يعني ايه ؟!! طب و____
قطع صوت سما بعصبية :- قلتلك أنا شغلي هنا مش معاك
نظر لها في حيرة ،ودهشة ، وغضب ثم التفت لخالد وفهم أن خلف ابتسامته هذه مؤامرة ما فصاح :- أنت قولتلها ايه ؟
خالد بمكر وهدوء :- قلتلها اللي حصل امبارح ، أنت مش خدت الموضوع تحدي بيني وما بينك زي عادتك وهددتني ابعد عنها لما قلتلك أنها عجباني وبفكر ارتبط بيها؟ مش ده اللي حصل ولا أنا كداب ؟!
ضيق آسر عينيه بغضب هائل احمرت له عيناه حتى توجه لخالد بهجوم وجره من ملابسه حتى اوقفه.....
صرخت سما بصوتٍ عالي وبكاء حتى فقدت الوعي تماماً ......
اتسعت عينيه بذعر عندنا رأها على هذه الحالة وهرع اليها تاركا خالد بدفعة من يده......
***********
خرجت حميدة من المكتب وطمأنت وجيه على حالتها وانها تريد الذهاب للمنزل.....قال وجيه :- مافيش مشكلة بس قبل ما تمشي لازم اواجههم التلاته ببعض وأعرف في ايه بيحصل !!
دلف وجيه للمكتب فوجدها جالسة على أحد المقاعد وغارقة بدموعها ،نظر اليها بشفقة وقال :- بطلي عياط واللي زعلك هجيبلك منه حقك وقدامك...
دخل آسر وخالد المكتب حتى أصبح الثلاثة أمام وجيه ونظر لهم بنظرة متفحصة.....وقال :- ايه مشكلتكم انتوا التلاته بقى ؟!
تحدث خالد بحدة وقال :-
_ أنا ما بعملش مشاكل وفي مكتبي وشايف شغلي وكذالك آنسة سما...تقدر تسأله يا عمي هو عايز ايه بالضبط ؟!
نظر وجيه لآسر بتعجب وقال :- ايه مشكلتك يا آسر ؟!
كظم آسر غيظه وجاهد للتحكم بأعصابه ليتحدث مع عمه فأجاب :- مشكلتي أنها سكرتيرتي وبينا عقد مدته ما انتهتش !!
جعد وجيه جبينه بدهشة وقال :-
_ أنا مش عارف انتوا ليه عملتوا عقود كده ولكن مش ده المهم دلوقتي....اللي أعرفه أنك أنت اللي مشيتها بمزاجك يعني في الحالة دي أعتبر العقد اللي معاك اتلغى...
آسر بحدة :- لأ ما اتلغاش وهترجع سكرتيرتي
غضب وجيه من نبرة آسر فهتف :- آسر !! ما تعليش صوتك قدامي !
مش شايف أنه غلطان ، أنت اللي رحتله مكتبه وأنت اللي ضربته وكمان عايز ترجع سكرتيرة أنت بنفسك اللي مشيتها !! أنت حصلك ايه !!
ابتلعت سما مرارة بحلقها من ذكر يوم طردها من المكتب وكتمت دموعها بالكاد......
قال آسر بعصبية :- ياعمي أنت عارف خالد وتصرفاته ، فاكر اللي كان بيحصل لما اشتغل هنا قبل كده وشاهي لما كانت بتجيله هنا وكنت بحذره !
ظن أنه بذلك سيضع خالد بموضع الاشتباه بنظرها ولكنه لا يعرف أنه وضع نفسه هو بموضع الكاذب الأكبر....
نظرت له سما بذهول....يعترف بنفسه ، يؤكد حديث خالد دون أن يدري !! اختلس خالد نظرة جانبية لسما بابتسامة اخفاها....سخر من غباء آسر...قال خالد بأعتذار :- عشان خاطرك ياعمي أنا مسامحه زي كل مرة ، احنا عيلة واحدة ونستحمل بعض...
شعر وجيه بالغيظ من آسر الذي يبدو أنه بموقف سخيف لا يحسد عليه فتوجه بالحديث لسما وقال بلطف :- مين اللي زعلك فيهم يا سما ؟
قوليلي ومتخافيش من أي حد ، واللي يرضيكي هعمله
نهضت سما بالكاد من مقعدها وقالت وهي تمسح عينيها من الدموع :-
_ أنا عايزة أمشي ...مش هشتغل هنا
نظر لها آسر بدهشة وقال :- ليه !! طب وأنا ؟
شك وجيه برد فعل آسر وشك أن بالأمر شيء يخص العاطفة ، فقال بحسم :- بس أنا عايزك تشتغلي معانا هنا ، مالكيش دعوة بحد اعتبريني والدك ، هديكي يومين تريحي أعصابك فيهم وترجعي تاني ، استني هبعت السواق يوصلك للبيت....
رفضت سما بشكل جاد ولكن وجيه صمم وقال :- ماينفعش ترجعي لوحدك وأنتي بالحالة دي.....
ارسل وجيه لمجيء السائق حيث أن نظرة آسر لم تبتعد عنها بعتاب واضح...ولهفة ظاهرة ، وشوق لم يختبأ بعد الأعتراف.....
خرجت سما مع السائق ثم قال وجيه بعصبية لآسر ولخالد :-
_ لو اللي حصل النهاردة اتكرر تاني انتوا الاتنين هتترفدوا من هنا ، آخر إنذار ليكم مش هكرره تاني....يلا على شغلكم
خرج آسر كالعاصفة التي تبتلع الموج من مكتب وجيه وأسرع الخطوات للخارج حتى خرج للطريق ولكنه لم يلحقها....
تنهد بثقل عظيم على قلبه ولا يعرف بأي شيء اذنب حتى الآن !!
**********
**بمكتب رعد**
دلفت لمكتبه وبيديها كشف المراجعة.....ولكنه كان يسبقها ببتلات متقطعة من زهور حمراء وبيضاء....القاها عاليا على رأسه حتى سقطت الزهور على رأسها كالمطر.....ابتسمت وهي تتلقف بيديها الوريقات ثم وقف أمامها بنظرة متسلية وقال :- عروستي
احمرت خجلا ونظرت للأسفل فتابع :- في محل فساتين تحفة ، هنروحه وتختاري منه اللي يعجبك ، بس خلي بالك هتختاري فستان الخطوبة والفرح مع بعض مافيش وقت...
رضوى بارتباك وقلق غمر وجهها بعد الابتسامة :- بسرعة كده !!
ضحك عاليا متسليا بارتباكها وقال :- آه بسرعة كده ، رحلة سانتوريني هتفوتنا يا رضوتي
اتسعت عينيها وهي تنظر له وفغرت فاها :- ايه !
كرر ببطء وبمكر :- رضوتـــــي
💖💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖💖
- الفصل الثامن والأربعون
القلب لـه أحكام في الحب...يتطلع للقرب دائمـًا ،ولكنّ سفينة الأقدار ما تأت دائمـّا بما نشتهيه !
يُقال أن للقلب دموع تنزف حين الفراق...حين الأشتياق...عند كل لحظة تمر بنا ولا نجد أحبابنـا...أو أن تفرقنا الأيـام ولا نجد بأحلامنا سوى الآلام !
كانت تظن...وتأكدت
كانت تأمل..وانقطع الأمل
كانت ساذجة...ونضجت
كانت حائرة في الأجابة....وشاء القدر أن يجيب عنها
والإجابة....فراق
وقفت السيارة الخاصة بـ "وجيه" عند مدخل الحي الشعبي ، خرجت منها بأقدام تجرها جراً ، بأحلام تركتها عندما سقطت قدميها وتاهت عن الوعي...حتى دلفت لسكنها بالغرفة العلوية على السطوح...
*********
**بقصر الزيان**
عندما عادت إلى القصر كانت كالزهرة التي للتو تفتحت ، قدميها على الأرض أصبحت خفيفة ، روحها تطوف بين حناياها مرحا....
الثقة والآمان...وجهان لعملة واحدة وهي الحب
أن تخاذل أحداهما سقطت العلاقة...وهي من ظنت أنها إمرأة الحظ العاثر بما أغدقتها به الأيام من آلام...من دموع وشحوب الابتسامة بعمرها..
ليأتِ هو إليـها بعد كثيراً من الحزن ، وكثيرا من اليأس والالم ، ليرسم على القلب بسمة ، وعلى الدموع طيف نسيم جففها ، ولعطره العشقي رحيق لا يُنسى....رجل عمرها الأربعيني...
من بين كل رجال الأرض هو وحده بعينيها حياة.
دلفت لغرفتها سريعا ، القت حقيبتها على مقعد المرآة ثم تطلعت على انعكاس وجهها...
كانت تعرف أنها جميلة...وربما تعتقد أنها مثيرة
ولكن للحجاب سحراً خاص ، وطلة آخاذة تجذب ، وشيء من الغموض المحبب للنفس...
وجهها به أصبح أكثر جاذبية وجمالًا ، والاجمل أن هناك في التستر والحشمة شيء من الخصوصية التي تترك كشفها لزوجها فقط...شعور جميل تحبه المرأة...أن تكن لرجلًا واحد فقط
ابتسمت بسعادة فائقة حتى باغتها هو برسالة نصية على هاتفها...انتبهت للهاتف واخرجته من الحقيبة لتقرأ الرسالة التي كان محتواها كلمات حب جميلة وكلمات خاصة بينهما فقط...
كررت قراءة الرسالة بعينيها عدة مرات وفي كل مرة تتسع ابتسامتها أكثر ، وتذكرت جملة قالها سابقاً....إن أصبحت هي قدره فلابد أن تخاف على قلبها !! كان محقا في ذلك فقد أصبح هذا الاربعيني هوسها وجنونها ، وعشقها الذي ظنت للحظات كثيرة أنه لم تأت قصة حب أجمل من التي تعيشها معه....
كان ماكراً في ارسال تلك الرسالة وتفهم ذلك فلم تكن أقل مكرا وارسلت إليـه رسالة أكثر مكراً...
كتمت ضحكتها وهي تتخيله أنه ربما يجلس مع أحد العملاء الآن وقرأ الرسالة....
*********
**بمكتب وجيه**
دلف يوسف للمكتب بعدما تلقي أمر بذلك من وجيه بمكالمة سريعة....ظهر على وجهه بعض القلق وتساءل :-
_ خير يا عمي ؟ أنا عملت حاجة ضايقتك مني؟!
عاد وجيه لملامحه الجدية وتذكر أمر آسر وقال :-
_ بص يا يوسف...أنت اكتر واحد بتعرف تأثر على ولاد عمامك اجمعهم بكلامك ، ولما بحب أعرف حاجة بسألك
يوسف بغيظ :- يعني مش عشان أنا آخر العنقود وبتحبني وكده !
أخفى وجيه ابتسامته فهو الأحب لدى الجميع لطفوليته هذه الذي يبدو أنها لن تفارقه مهما مر من العمر.....قال :-
_ أنت عارف أنك انت بالذات ليك غلاوة خاصة عندي عشان زي ما بتقول آخر العنقود لكن مش ده موضوعنا....آسر في إيه بينه وبين سما ؟!
ارتبك يوسف من السؤال وشعر بالحيرة من الاجابة فأنتبه وجيه لعلامات الحيرة هذه وقال :- بيحبوا بعض ؟
قال يوسف بإعتراف :- بصراحة آه ، آسر كان غشيم شوية في معاملته معاها في الأول لحد ما طفشها من المكتب رغم أنه بيحبها
وجيه :- طب وهي بتحبه ؟
أجاب يوسف :- حاجات كتير اكدت أنها بتحبه ، كان باين عليها من أول يوم شغل كمان...
تعجب وجيه من الأمر ثم قال :- وبما أنها اشتغلت مع خالد فأكيد ده سبب المشاكل بينه وبين خالد !
تحدث يوسف بغيظ :- لا يا عمي مش بس كده ، أنت عارف أن خالد طول عمره بيغير مننا أنا وولاد عمامي وبيقلدنا من صغرنا ، بس بيكره آسر اكتر عشان آسر هو اللي قالك على موضوع شاهي والبنات اللي كانت بتجيله المكتب وبيحصل بينهم تجاوزات ، آسر لما عرف أن سما هتشتغل مع خالد بقى عامل زي المجنون...
تطلع وجيه اليه بنظرة عميقة وقال :- في حاجة مفقودة في الحكاية دي يا يوسف وحاسس أنك تعرفها ومش عايز تقولها
ابتلع يوسف ريقه بصعوبة فعمه وجيه الى الآن لا يعرف بعقدة آسر وماضي والديه وكل تلك السنوات لم يخبره شيء.....قال يوسف بلجلجة في صوته :- لأ ...ما أعرفش
نظر وجيه بعينيه نظرة ضيقة وتأكد بالفعل أن هناك شيء ولكنه لم يريد الضغط على يوسف لأنه لن يخبره طالما لا يريد ذلك فقال :-
_ خلاص ، ارجع شغلك وأنا هشوف حل للموضوع ده
اقترح يوسف أمر بخاطره :- إيه رأيك يا عمي نكلم عم سمعه على سما لآسر...
وجيه بحيرة وعصبية :- بعد اللي حصل صعب البنت توافق ، آسر طبعه جد أوي وهي بنت رقيقة وطيبه مش حمل عصبيته
اعلن هاتف وجيه عن رسالة فحمله بملامح عابسة وفتح محتوى الرسالة....تبدلت ملامحه رويدا لابتسامة ماكرة وعاد بظهره للخلف على المقعد.....
رمقه يوسف بتعجب وقال :- دي رسالة دي يا عمي ؟ عميل اللي باعتهالك؟!
تنهد وجيه بنظرة وابتسامة ماكرة وقال وهو ينظر لكلمات الرسالة:- آه عميل....عميل أوي...ده محتل
يوسف بدهشة وعصبية :- ومن امتى العملا بيبعتوا رسايل على الفون ؟ وريني كده
خرج وجيه من شروده وقال بجدية :- ارجع شغلك يا يوسف
تذمر يوسف بصبيانية وخرج من المكتب فاتسعت ابتسامة وجيه وقال :-
_ ده أنت غبي !
**********
**بمكتب جاسر**
أخذت جميلة كشف المعاينة للموقع ودلفت لمكتب جاسر لتراجع معه بعض النقاط....تركت باب المكتب مفتوح قليلا مثل عادتها فرمقها جاسر بتعجب :- حتى هنا هتسيبي الباب موارب كده ؟! هو أنا هاكلك ؟!
قالت بابتسامة بسيطة :-
_ لسه بدري على ما يتقفل علينا باب واحد ، دي الأصول
جاسر بغيظ :- يعني لا كلمة حلوة ولا اتصال ولا مسا ولا كلمة كويسة ! أنتِ قاسية كده ليه أنا زي خطيبك !!
أرادت أنت تضحك ولكنها تماسكت وقالت :-
_مابحبش الكلام في التليفون كتير وبعدين أنا مش قاسية أنت اللي منحرف
جاسر بابتسامة ماكرة :- عشان كده الرجالة بتبص برا
دفعت جميلة الملف على المكتب بعصبية وقالت :-
_ هو عشان أنا محترمة هتبص برا !! طب ما أنت قبل ما تعرفني كنت بتبص برا ! ليه فاكر أن عشان محترمة أبقى مش بعرف أحب وقاسية وباردة ؟!! كل الموضوع أني عارفة حدودي وأنت مش من حقك تطلب مني كلام حب غير وأنا مراتك وساعتها لو لقيتني قاسية ابقى ازعل واعترض واتكلم...
اتسعت ابتسامة جاسر بتسلية وقال :- آه كده اطمنت ، أنا اصلًا حاسس أنك هتنحرفي بس بالحلال
هتفت بضيق :- أنت مافيش فايدة فيك على فكرة ، آخر مرة نتكلم في الموضوع ده
استدارت وخرجت من المكتب حتى اغلقت الباب خلفها عندما خرجت وجلست أمام مكتبها في السكرتارية......
ابتسمت بالتدريج بسبب استدارجها للحديث بهذا الشكل الماكر...
***********
بالمساء......
بقصر الزيان.......
دلف يوسف وبيده طبق من الفاكهة يتسلى به حتى وجد آسر يرتدى قفاز الملاكمة ويضرب حامل معلق بغضب شديد.....تطلع به وقال :-
_ بقالك نص ساعة وأنت كده !! يابني تعالى كل معايا أهو تتغذى وتروق دمك وتهدى بدل ما أنت معصب نفسك كده....
توقف آسر بعد ضربة قوية سددها للحامل القطني المعلق بسلاسل حديدية سميكة من الأعلى.....وقال :-
_ عمي وجيه ضغط عليا عشان اصالح خالد....مكنتش منتظر منه يجبرني بالشكل ده !
تعجب يوسف من الأمر فقال :- ممكن يقصد شيء غير الأجبار ، أنا عارف عمي وجيه كويس
اتى صوت وجيه من خلفهم وقال :- بالضبط يا يوسف ، أنا اقصد شيء غير الأجبار بس آسر مش فاهمني وعمره ما فاهمني
يوسف بابتسامة طفولية :- أنا اكتر واحد بيفهمك يا عمي يا حبيبي.
رمق وجيه طبق الفاكهة بيده وقال بضحكة :-
_ كمل أكل يا يوسف ، الأكل بيشغل مخك
اتسعت ابتسامة يوسف بمرح بينما عاد وجيه يتحدث مع آسر بجدية وقال :- لما خليتك تصالح خالد لأنه خبيث وبيوقعك بسهولة ، خصامك ليه مش هيفيدك بشيء ، أنت مخدتش بالك أنه مش بيحاول يبقى عصبي معاك ! ما بيسيبش وراه غلطة وأنا مش ظالم عشان ارفده أو اطرده من غير سبب لكن هبعته بعد أسبوع لمهمة شغل في كندا
آسر بتساءل وتعجب من ملاحظة عمه لمشاعره المختبأة :- مش فاهم ؟!
نظر وجيه ليوسف فقال يوسف بعدما فهمه :- يعني الجو هيخلالك أفهم بقى ومتحاولش تعمل مشاكل معاه عشان يبعدك عن دماغه وينساك شوية....وبصراحة اكتر ما تحاولش تكلمه ولا تروح المكتب الأسبوع ده خالص لحد ما يغور ويسافر من غير مشاكل....
أضاف وجيه بحكمة :- صدقني يا آسر ، المشاكل من النوع ده بتتحل دايمًا بالصراحة والهدوء...هي رافضة تشتغل معاك...لما خالد يسافر هخليها ترجع مؤقتا للشغل معاك لأن وجودها مش هيبقى ليه لزوم في المكتب وخالد مسافر...فهمت؟
انجلت تعابير الغضب من ملامحه وقال بابتسامة طفيفة :- فهمت
***********
مر اليومان.....بالصباح الباكر في اليوم الثالث
ترددت سما كثيرا في الذهاب بينما على آخر لحظة قررت الذهاب والتحدي...وقف أمامها الفتيات وقالت جميلة :-
_ لو راجعة تتحديه يبقى ما تروحيش احسن وسيبي الشغل ده خالص
وافقتها حميدة بعصبية وهتفت :- بقالي يومين بنصح فيها وافتكرت أنها خلاص اقتنعت لكن برضو هترجع عشان تنتقم منه !
رضوى بقلق :-
_ خالد ده هيطلع اكبر مصيبة في الآخر وبكرة تشوفي ، أنت لاغية عقلك ومش بتفكري غير انك تنتقمي من آسر وبس
سما بثبات :- قولوا مهما تقولوا ، مش هيغير من قراري شيء ، انا مش راجعة انتقم ، بس مش هتكسر قدامه تاني وأن كان وجود خالد بيجننه يبقى هوصله لمستشفى المجانين لأني راجعة الشغل
يأس الفتيات من اقناعها حتى قالت جميلة :- طب يلا عشان هنتأخر كده.
************
**بمكتب خالد**
دلفت سما للمكتب وباشرت عملها دون أن ترى ما أن كان خالد بمكتبه أو لا....خرج خالد من مكتبه بعد دقائق والقى السلام عليها بنظرة غامضة كعادته وقال :-
_ في غداء عمل النهاردة هيكون في مطعم قريب من هنا ، هتكوني معايا
رفعت رأسها اليه بحدة وقلقت منه فقالت :- هو لازم وجودي ؟!
اكد خالد ذلك بلطف :- اكيد طبعاً ، العملا من برا ومش هينفع استقبلهم هنا في أول زيارة ليهم في مصر
لم تشعر أنه يتحدث بمصداقية وصمتت بحيرة ثم قالت :- سيبلي عنوان المطعم وهسبقك ،هو حضرتك حاجز ولا احجز أنا ؟
اخفى غيظه وقال :- طب ما نروح مع بعض بعربيتي؟ هو أنا هخطفك ؟!
سما بحدة :- أنا أسفة ، مش هينفع اركب مع حد غريب عربيته ، ما اتعودتش على كده ولو كنت مصر فأنا__
قاطعها بموافقة :- مافيش مشكلة....هسيبلك عنوان المطعم وتسبقيني ، هتصل دلوقتي احجز فيه
دلف لمكتبه بنظرات غيظ واحتقار خبأها ثم أجرى اتصال على رقم المطعم ليحجز طاولة....
*************
بعد مرور ساعات خرجت سما من المكتب ومعها عنوان المطعم.....مرت على مكتب حميدة لتخبرها...
نظرت حميدة بقلق لها وقالت :- هو احنا فينا من كده ؟! شغل مطاعم وغدا برا !!
سما بهدوء :- انا مرضيتش اروح معاه ، خدت العنوان وهسبقه ماتخافيش
زفرت حميدة بحدة :- أزاي ما اقلقش !! روحي وانا فاضلي حاجات بسيطة واخلص ، هخلي يوسف يجي معايا الظروف ما تضمنش مع خالد ده مع أني مش متعودة أني اطلع معاه
سما بمحاولة أن تطمأنها :- هو أنا رايحة اتخانق !! ما تقلقيش عليا لو ما لقيتش العملا همشي على طول
اغلقت حميدة الملفات بيدها وقالت :- مش مهم الورق ده يخلص النهاردة هخلصه بكرة....روحي يا سما وانا هستنى يوسف واجي وراكي ، انا قلقانة من خالد ومش برتاحله
وافقت سما على مضض وخرجت من المكتب......
*************
كان يقف بمكتبه في ضيق شديد...يود لو ذهب اليها في الحال ولكن تحذيرات وتوجيهات عمه التزم بها ، به شوق مجنون اليها وهذا في فراق يومان فقط !!
حبيبة الروح والقلب والكيان
مر بعمري شتى بقاع الحرمان من الآمان
وأنت بالقلب كالطفلة على عمري
محبتك كمحبة الروح للحياة
وإن أتىَ الفِراق أرحلي مِنهُ إليَّ
فإنت بقلبي كل مساكن الهوى
كاد أن يضرب وعده لعمه عرض الحائط ،تتوق روحه اليها ، ظمأ قلبه شاق ، وضل عينيه تتلهف للرؤية بالعناق....
أتى يوسف إليه بعدما أخبرته حميدة بأمر سما والقى على آسر الخبر.....احمرت عينيه بغضب وهتف :-
_ يعني إيه غداء عمل ! هو خالد حد يطمنله !
يوسف بتحذير :- خليك اذكى منه مرة بقى واهدى !! تعالى معانا ،أنا مقولتش لحميدة أنك هتيجي بس كأنها بالصدفة يعني وبالمرة ما نسيبش سما لوحدها ومحدش عارف خالد في نيته ايه !
صر آسر على أسنانه بغيظ شديد ثم التقط مفاتيح سيارته وخرج مع يوسف.....
**********
**بمطعم كبير بأحد الاحياء الراقية بالقاهرة**
انتهى عشاء العمل سريعا فقد اخذ نصف ساعة تقريبـًا ، حيث أنه كان مجرد استقبال فقط ولم يخبر خالد سما بذلك مما جعلها ترمقه بضيق شديد....
تطلع بها بنظراته الغامضة التي تقول الكثير ثم قال مباشرةً :-
_أنا عارف انك مستغربة عشان ده طلع استقبال للعملا مافيهوش شغل ، بس أنا بصراحة كنت عايز افاتحك في موضوع مهم....
نهضت سما من مقعدها وقالت بحدة :- طالما مافيش شغل يبقى. همشي
قال بر جاء مزيف ونظرات راجية :-
_ ارجوكي اقعدي ، عشر دقايق مش اكتر
جلست ببطء وضيق يطبق على أنفاسها فتابع بابتسامة :-
_ للأسف أني هسافر بعد كام يوم في شغل ،هسافر كندا ومش عارف هرجع امتى ، يعني هقعد هناك على حسب ما المشروع يخلص ، ممكن شهر أو اتنين أو اكتر....عشان كده هكلمك دلوقتي...أنا عايز اتقدملك
صدمت من قوله فتابع متظاهرا بالاعجاب :-
_ يمكن أنتِ تشوفي أني أعرفك من فترة قصيرة ، فترة مش كفيلة أبدًا أنها تخليني أخد قرار زي ده بس أنا برضو ليا نظرتي في اللي بتعامل معاهم....وأنتِ اللي كنت بدور عليها من زمان عشان أأمنها على اسمي وسمعتي وحياتي بحالها كمان...مطمنلك ومرتاحلك
انتظرخالد اجابتها بشوق... بينما الصدمة أخذت من عينيها الهدوء..... قال بشيء من التصميم:-
_ وافقي وشوفي هعملك ايه.... انا كنت صريح معاكي وأعترفت أن قراري مش تحت تأثير حب من أول نظرة، بس اقتناع وراحة لأول مرة بحسها بحياتي....
ابتلعت سما ريقها الذي جف تقريبًا، يبدو أن ما يحدث هو سخرية القدر.... ملامحه تشبه آسر ولكن ليس هو، ذات العائلة الثرية الشهيرة ولكنه ليس هو حبيبها!!
ويبدو أن حيرتها أشعلت تصميم خالد أكثر فقال:-
_ فترة الخطوبة اتعملت عشان نتعرف على بعض أكتر، انا لو مش بحترمك وعارف قيمتك كنت اجلت موضوع الخطوبة وقضيتها تسلية وكنت أقدر... لكن أنا حابب نتعرف على بعض بشكل رسمي وقدام أهلك.... عشان تبقي مرتاحة وده الاهم عندي...
تلعثمت قائلة بفكر تائه من الصدمة :- مش عارفة أقولك إيه....
كانت سترفض بالنهاية حتماً
*******
ترجل يوسف من السيارة ومعه حميدة ثم التفت إلى آسر الجالس بمقعد القيادة وقال:-
_يابني ما تنزل معانا نقعد شوية في المطعم ده نرتاح شوية من الشغل....
قال آسر وتعمد اخفاء لهفته:- انتوا مش قولتوا سما مستنياكوا هنا وهنمشي على طول؟!
اغتاظت حميدة من ذكره اسم سما دون رسميات بعدما حدث فأجاب يوسف بمكر:-
_ قررت اقعد شوية واشرب حاجة مع حميدة، ما تبقاش غلس بقى
غمز يوسف لآسر ويبدو أنه تعمد هذا اللقاء.... خرج آسر من السيارة وهو يرتدي نظارته الشمسية كي لا تظهر اللهفة المجنونة بعيناه لرؤيتها..... بعدما اصبحت بعيدة المنال...
دخل الثلاثي المطعم ليتفاجئوا بالمشهد الشاعري أمامهم..
****
ظلت سما تنظر أمامها بتيهة فتطلع بها خالد بابتسامة وقال بصوت يشبه الهمس:-
_ سما أنا معجب بيكي أوي، بصراحة أول مرة أعرض على بنت الجواز وبصراحة أكتر اللي عرفتهم قبلك مافيهمش واحدة اقدر استأمنها على اسمي وسمعتي.... أنتِ حاجة تانية بس انا زعلان أنك مكشرة كده، ما تحسسنيش أني بضغط عليكي، ممكن تبتسمي حتى لو ابتسامة بسيطة؟!
ابتسمت بتردد ومجاملة، ازدردت ريقها مرة أخرى وكادت ان تجيب وهي ترفع رأسها بعدما كانت تنظر للأسفل بخجل....
تفاجئت بالذي يقف أمام الطاولة وعيناه كالجحيم المشتعل بالنيران...... لوهلة شعرت وكأنها تتوهم، ثم صدمت من واقعية وجوده، ونظرت لعيناه التي طاف بها مزيج الغضب والعتاب فقالت وكأنه هو من تقدم لخطبتها:-
_ أنا موافقة يا خالد..
كان رؤيتها فقط هي من جعلته بهذا الغضب ولكنه للآن لا يعرف لأي شيء وافقت حتى نهض خالد بابتسامة واسعة منتصرة وشامته عندما رأى آسر وقال له:-
_ وشك حلو عليا، اخيرا وافقت، بارك لأخوك بقى اخيرًا هيتجوز ويستقر...
إلي هنا ينتهي الفصل الثامن والأربعون من رواية إمبراطورية الرجال
رحاب إبراهيم
رواية إمبراطورية الرجال الفصل التاسع والأربعون/الخمسون
قصد خالد أن يشمت ، ويثبت أنه انتصر ، وأنه من ضمن مراتٍ كثيرة قد ربح أمام خصمه !! مؤامرة على قلب مكسور منذ البداية !
عجزت ان تقول شيء بعد موافقتها ، ماذا قالت ؟!
وكيف وافقت على ذلك ؟!
وكيف وضعت قلبها في النيران هكذا ؟! هي وحدها ستكن خاسرة !
ستخسر ما تبقى من قلبها وشعورها بالحياة.
ودت لو تنسحب ، وأن تقول اخطأت التعبير وتوضح ، وأن تعتذر وتركض من هنا ، منهما معاً ، أو من كل شيء
لم تقوى على النظر بعينيه...عينيه التي تصاعدت بها الصدمة حتى باتت لا تطرف ! ثابته عليها لا تحيد ، ربما يريد منها أن تعتذر وتقول لأ وتُكذب ! أن تفعل أي شيء يجعل نيرانه تهدأ قبل الثورة الغاضبة....
لم تقل شيء ! ولم توضح ، لم تنطق بحرف بل نظرت للأسف بنظرة منكسرة حزينة ، ليتها حتى ختمت انتقامها بنظرة أشجع من هذه !
نعم هي تنتقم ولا سبيل للجدال....
بينما يوسف وحميدة انتابتهم حالة من الذهول والصمت
رمقه خالد بنظرة عميقة وقال بابتسامة واسعة شامته :-
_ مالك يا آسر ؟! مش مصدق أني هستقر ولا إيه ! أنا قلت بقى طالما هسافر واقعد فترة كبيرة يبقى خير البر عاجله ، وبصراحة آنسة سما ما تتعوضش ومش هلاقي زيها
كفى هذا الألم الذي يصفع قلبه كلما نَطق اسمها ، يشعر أن ليس من حق أي رجل هذا ، ويبدو أنه سيكون آخر رجل من حقه هذا الأمر !!
ابتلع آسر مراراة عالقة بحلقه ، لا يستطع أن يكون محايدا هذه المرة ، ولا أن يبارك ويتظاهر ، لا يستطع حتى التظاهر...صر على أسنانه بقوة كادت تسحقهم ثم ذهب بعدما رماها بنظرة نارية...
ذهب خلفه يوسف راكضا حتى قالت حميدة بعصبية :-
_ يلا يا سما عشان نروح
قال خالد وكأنه لا يعلم ما سبب عصبية آسر :-
_ هو أضايق ليه !
لم تعيره حميدة أي اهتمام ولو حتى نظرة حتى جذبت سما من معصم يدها لتذهب فقال :- أنا عرفت عنوانك على فكرة و...
لم تمهله حميدة بل أخذت سما من جانبه وخرجت من المكان.....
************
***بقصر الزيان***
أشرفت للي على آخر تحضيرات الطعام مع الخدم بينما جلس وجيه مع رعد وجاسر في الصالون بانتظار وصول يوسف وآسر....
خرجت للي من المطبخ وكادت أن تصعد أول خطوة للطابق الثاني حتى استدار بفزع عندما سمعت باب القصر يفتح بقوة ويدخل منه آسر كالعاصفة ويركض خلفه يوسف مترجيا حتى يهدأ....
هتف يوسف بقلق :- يا آسر ارجوك اسمعني ، آســـــر !!
أتى وجيه ومعه الشابان الآخران بقلق إلى يوسف بينما آسر صعد للطابق الثاني من جانب للي بوجه يقتدح غضبا وعينان كأنها تنظر للجحيم منذ عقود !!
قال جاسر موجها الحديث ليوسف بحدة:- حصل ايه ؟!
تحدث وجيه بضيق مع نظرات قلق تأكل عينيه :- ماله آسر يا يوسف !!
ازدرد يوسف ريقه بصعوبة وأخبرهم بما حدث في المطعم...فغرت للي فاها بصدمة بينما طلت نظرات جاسر على الغضب وهتف :-
_ حساب خالد معايا ، أنا اللي هعرف أربيه واوقفه عند حده
رعد بعصبية :- آسر اللي وصلها لكده ، وهما الاتنين أغبى من بعض
كادت ان يتحدث يوسف فهتف وجيه بهم وقال :-
_ كفاية....محدش ليه دعوة بخالد أنا هعرف أتصرف ، كنت عارف أنه خبيث وهيفهم اللي بعمله..
يوسف بخوف :- الحق آسر يا عمي ، أنا خايف عليه ، مش هيرضى يتكلم مع حد وهو في الحالة دي غيرك أنت
تنهد وجيه بضيق شديد وقال لهم :- استنوني في المكتب على ما ارجع
صعد الدرج وصعدت خلفه للي بخطوات سريعة.....
قال جاسر بغضب :- اللي ينولني خالد دلوقتي هخليه مش عارف اسمه من الضرب
رعد بضيق :- يبقى أنت كده بطوله اللي هو عايزه ، بطلوا بقى غباااء وتسرع ، خالد عمل كده غيظ في آسر
يوسف بغيظ :- كنا فاكرينه هيبعد اتاريه خطط أنه ما يسافرش غير وهي خطيبته وبكده يسافر وهو مطمن ، لعبها صح للأسف
رعد :- عشان آسر هو اللي خربها من الأول
جاسر بحدة :- يعني أنت مش عارف اللي فيها ؟! هو غصب عنه !
عقد رعد ذراعيه بقوة أمام صدره وهتف :- وهي تعرف ده ؟! هتستحمله ليه ؟! ورغم أنها طلعت غبية في قرارها ده ولكن بعذرها لأنها ما تعرفش عن آسر حاجة ، أي حد مكانها كان ممكن يعمل كده
يوسف بحيرة :- فكرت أقولها بس خوفت ، الموضوع ده مش مسموح لحد يتكلم فيه ، عمي نفسه مايعرفش عنه حاجة
رعد بحيرة وضيق :- لازم نلاقي حل
**********
امر وجيه زوجته للي بالابتعاد وأن تنتظره بغرفتهما حتى يعود....انصاعت للي للأمر حتى أطرق وجيه على باب غرفة آسر بممر بعيد ومنزوي عن جميع الغرف الأخرى المتفرقة....
بعدما ثارت ثورته وجعل جميع ما بالغرفة متناثرا على الأرض بغضب شديد...نزفت باطن يده إثر إصابته باحد شظايا زجاج ڤازة كبيرة تناثرت لأشلاء...أطرق وجيه الباب بحدة عدة مرات ولم يتلقى رد....
وقف آسر ينظر لنزف يديه ودموع ساقطة من عينيه وهو يردد "خائنة مثل غيرها "
كان الغضب والنيران بعينيه تمتزج مع دموع نادرا ما سقطت ولكنه رغما عنه سقطت من قوة الألم الذي يطوف بكيانه...
وكأنه يستلم العزاء لفقيد حينما كان يجب عليه المباركة والتهنئة ! يبارك لخروج روحه ! ايبتسم أحدهم وهو مطعوناً ؟!!
هتف وجيه من الخارج بعصبية :- أفتح الباب يا آسر ولا هكسره
فتح الباب بعد لحظات وتوجه آسر بيده التي تنزف اتجاه باب الشرفة ، دموعه لا بد أن تتوقف ولا يراها أحداً....
دخل وجيه الغرفة ولم يتفئ كثيرا بالفوضى العارمة التي لحقت بالغرفة بينما عيناه على آسر الذي يقف مواليا له ظهره باتجاه الشرفة....
اقترب منه حتى وقف خلفه وقال :-
_ دي مش النهاية على فكرة ، لسه قدامك فرصة و____
قاطعه آسر وهو يطرق بيده التي تنزف على الحائط وصاح بعنف :-
_ حتى لو في فرصة مش عايزها ، خلاص ما تلزمنيش
ضيق وجيه عينيه على يديه التي عكرت صفو لون الحائط ببقى الدماء واخذ يديه في قلق وقال :- أنت بتنزف !!
لم يتابع عندما رأى الدموع بعين آسر ، طفله يبكي!!
تسمر وجيه مكانه وهو ينظر له بقوة ويعلم أن الحب من الممكن أن يصل بالرجل لهذا الأمر....ولكنه تفاجئ رغم ذلك...
ضمه بقوة وقال بوعد :- مكنتش حابب ابدًا أشوفك كده بس أنت لازم تهدا وتفكر بعقل...
أغمض آسر عينيه بألم شديد واحتمى بكتف عمه وخبأ دموعه ثم قال :-
_ خلاص يا عمي كل شيء أنتهى ، مش عايزها
ابتعد وجيه خطوة بنظرات بها مزيح من الحيرة والضيق :-
_ قصدك ايه ؟ هتسيبه ياخدها منك ؟ هو مش عايزها ، ده بيتحداك أنت !
مسح آسر عينيه كالطفل المتمرد وقال بغضب :-
_ وأنا كمان مش عايزها ، هي وافقت برضو عشان تتحداني ، بعد اللي قولته ، وبعد ما اعترفتلها ، لعبت بيا ووافقت على واحد تاني ، مستحيل اسامحها
التقط وجيه علبة مناديل من على الطاولة وبدأ بتطهير الدماء من يد آسر وتابع حديثه :- ما تنساش أنك عملت كده قبلها ، لازم تعترف أنك غلطت في حاجات كتير وصلها لكده..
أجاب آسر بوجه شاحب وقوة منهزمة بصوته :-
_ يمكن....لكن رجعت واتأسفت واعتذرت ، رجعت وكنت ناوي أصلح كل اللي فات ، اللي واجعني أنها ما اعترضتش ! يمكن كنت قدرت موقفها ، لكن بعد اللي شوفته منها النهاردة صعب اسامحها....
وجيه بتنهيدة ضائقة :- أنت محتاج تهدأ قبل ما تقرر أي شيء ، هجيب صندوق الاسعافات وراجعلك
خرج وجيه من الغرفة بينما تهالك جسد آسر على الفراش وكأنه أصبح عجوز فجأة ، نظر ليديه الجريحة بنظرة ذابلة يائسة .....
عينيها عند الموافقة كانت قاسية ، كانت تتحداه بأنها ستكن مع رجل آخر....سلاح تستخدمه المرأة لتؤلم بيه رجل أحبته وهجرها ....ولكنها لا تعرف أن هذا الهجر كان الم قاطن به لسنوات ، لم يهجرها ولكنه قرر الشفاء وحده حتى يعود اليها سالما ، وعندما عاد وجدها حبيبة أخرى !
***********
**بغرفة السطوح**
نظرت حميدة لهاتفها التي تكررت عليه الاتصالات من "للي" ووضعته على المنضدة الخشبية بجانب فراش سما التي تكورت كالطفل تجهش بالبكاء....نظر اليها الفتيات الثلاث ومن المفترض أن تكن نظراتهن شفقة خالصة لحالتها ولكن تخلل نظراتهن غضب فهتفت حميدة :-
_ أنتِ اللي عملتي كده في نفسك وأنتِ اللي راجعة تعيطي !
جميلة بأنفعال :-
_ آخر حاجة توقعتها أنك توافقي على خالد ، بتعاندي مين ؟ أنتِ فاهمة نتيجة قرارك ده ٱيه ؟ هتقدري تتجوزي واحد أنتِ مش عايزاه والاسوء من كده بتحبي واحد تاني وقريبه كمان !!
رضوى بعصبية :- أنتِ غلطانة وغبية وحطيتي نفسك في موقف وحش أوي ، كان ممكن ترفضي قدامهم هما الاتنين وتسيبيلهم الشغل وتبعدي خالص....
أخذت سما أنفاسها بالكاد من البكاء وقالت وهي تنتفض برعشة شديدة :-
_ معرفش وافقت أزاي معرفش ، والله العظيم كنت هرفض وكنت هقولها بس لما لقيته قدامي افتكرت كل مرة عذبني فيها ، كل مرة قالي بكرهك ومش عايزك ، كل مرة خلاني أكره نفسي عشان بحبه...انا مقولتش موافقة عشان اتجوز خالد ، أنا كنت عايزة احسسه هو وجعني أد ايه ، وأن اللي عمله مش بسهولة اسامحه عليه...
اقتربت حميدة وقالت بشفقة على حالتها :-
_ العياط مش هيحل مشكلة ، قومي اغسلي وشك لحد ما نشوف حل للحكاية دي
قالت رضوى وهي تنظر لهاتف حميدة :- للي بترن على تليفونك يا حميدة
نظرت سما للهاتف بلهفة ثم نظرت لحميدة فأخذت حميدة الهاتف وأجابت :- ايوة يا للي
هتفت للي بعصبية :- ايه اللي سما عملته ده ! آسر جه القصر وشكله ما يطمنش ، ليه عملت كده ووافقت ؟!!
حميدة وهي تنظر لسما بضيق :- اللي حصل حصل وخلاص يا للي ، هتتحل بأذن الله ، بنحاول نهديها الأول وبعدين نشوف حل ننهي موضوع خالد..
لمحت للي وجيه يدلف للغرفة ويأخذ صندوق الاسعافات وسألته فأجاب :- آسر ايده بتنزف
عبس وجهها بضيق حتى خرج وجيه من الغرفة مرة أخرى وقالت عبر الهاتف :- آسر دخل القصر وشكله كأنه هيتخانق مع حد ودلوقتي وجيه بيقول ايده بتنزف ! مش عارفة العصبية بينهم ممكن توصلهم لحد فين
رددت حميدة كلمات للي فاتسعت عين سما بفزع عندما علمت امر يده وخطفت الهاتف متسائلة ببكاء :- آسر ماله يا للي ؟
للي بمحاولة أن تهدأ من نبرة صوتها كي لا تغضب :-
_ طالما قررتي تتخطبي لواحد تاني يبقى اتعودي ما تسأليش تاني على آسر ، انا مش هقولك
ارتفع صوت سما ببكاء مرير وقالت :- انا ما قررتش حاجة بس أنا مش عارفة أنسى اللي عمله ، أنا لا هبقى مع خالد ولا غيره
تنهدت للي ببعض الراحة وقالت :- كده تمام ، واصلا خالد ماينفعكيش يا سما ، وجيه خوفني منه لما كلمته عنك ، أنتِ ماينفعش تكوني مع حد غير آسر بصراحة بس محتاجين تبقوا اهدى من كده وبلاش عند
صمتت سما ورغم ذلك تابعت بكاء......
انتهت المكالمة ومر المساء عليها بظلمة قابعة على قلبها ،ظلمة ثقيلة على أن تستطع تحملها
***********
باليوم التالي......بمكتب خالد بشركة آل الزيان
دلفت سما للمكتب بعيون لونهما احمر ومنتفخة من كثرة بكائها بالأمس....للحظات كثيرة ترددت في المجيء ولكنها لابد أن تضع النقط على الحروف اليوم.....ستتحجج بأي شيء ،ولكنها ستنهي الأنر مع خالد للأبد.....
كادت أن تجلس على مقعدها حتى تفاجئت بظهور آسر....لم تكن عيناه حالتها أفضل من عيناها بل أشد حزنا ولكنها تفاجئت أكثر بما يحمله بين يديه....
ابتلعت ريقها وهي تنظر له بتوتر شديد وارتباك.....ودت لو تركض اليه وتخبره أنه ستحبه للأبد....وأنها لن تكون مع رجل غيره ، وأنها الآن تخلصت من شيء كان يضيق مضجعها ويؤرق انفاسها.....وكانت تعلم أنها المته ، سددت له ضربة قاسية ، طعنة مسمومة ، ولكن رغما عنها لو يعرف ....انتبهت ليده الملتفة بالشاش الأبيض ، يبدو أن هذا الجرح الذي اخبرتها به للي بالأمس.....وضع آسر العلبة المزينة على مكتبها وتبدلت ملامحها الحزينة بصمت وغموض الى ابتسامة لم تصل لعينيه....قال بهدوء غريب :- الف مبروك ، جبتلك هدية بمناسبة خطوبتك ، اتمنى تعجبك
تجمد جسدها ، وقلبها ، وكل شيء بها وهي تنظر اليه في صمت وذهول ، أنه تقبل مثل ما تقبلت بالسابق !!
لو كان يشعر مثلها فإنه الآن لابد وانه يئن الم وقهر...
ابتسم بسخرية وفتح العلبة ببساطة حتى أخرج منها القلادة التي كان ينوي أن يهديها بها يوم خطبتهم ، قلادة تحمل صورتها ومطبوع عليها أول حروف اسمائهما وتحتضن الحروف كلمة...أحبك إلى الأبد...
رفع القلادة أمام عينيها وقال بسخرية بعينيه دموع مختبأة :-
_ يوم ما خدتي الملف بتاعك في صورة وقعت منه ، طبعتها في السلسلة دي وكنت ناوي أقدمهالك هدية يوم خطوبتنا
صمت بشيء من القهر طل بعينيه ثم تحامل على نفسه وتابع بابتسامة مزيفة:-
_ لكن بما أنك اخترتي فالهدية دي ماتنفعش تفضل معايا ، في كل الحالات هي من حقك ، بس الفرق أني بهديهالك وخلاص....نسيت أني حبيتك في يوم
اطرفت عينيها بصدمة....بكل الاحتمالات لم تتخيل أن يكن الاستسلام والقبول هو رد فعله ! في يوم ما عاتبها أنها قبلت...لماذا يفعل مثلها الآن ؟!
تابع بذات الابتسامة الساخرة :- كنت اتمنى تختاري حد أفضل من خالد بس اكيد ده اختيارك وحريتك ، الف مبروك يا سما
قالت بدموع :- حسيت اللي حسيته ؟ شوفت الوجع ممكن يوصلك لفين ؟ موقفك ما اتغيرش عني برضو....أنت قبلت رغم أنك لومتني قبل كده أني قبلت !
آسر بغموض :- احنا ما ننفعش مع بعض ، بس اكيد هنبقى أخوات كويسين
كان يريد ارباك ثباتها ، وثورتها ، ويعرف أن الحب لا يمكن أن ينقلب لشيء آخر أكثر بعدا ، اعلنت عينيها ثورات الدموع والغضب وهتفت :-
_ طالما أنت راضي يبقى جهز نفسك عشان هتبقى أنت الشاهد على عقد جوازي...طالما أنت أخويا بقى !
تطلع بها بذهول...ايصل بها الجبروت إلى هذا الحد ؟!
اراد بشدة لو يصفعها ، نظرة عينيه وكأنها آتية من الجحيم وهتف بشراسة :-
_ لو كنت كدبت قبل كده لما قولتلك بكرهك فأنا دلوقتي صادق لما هقولها....أنا بكرهك ، من كل قلبي بكرهك وبحمد ربنا أنك ظهرتي على حقيقتك..
تابعت بدموع عينيها وبتحدي :- مش أنت اللي بتقول يبقى رافض ليه ؟
كانت تنتظر منه أن يعترف بحبه مرة أخرى ، أن يحاول اصلاح الأمر ،ربما كان تغير أشياء كثيرة.....
قالت بنظرة معذبة :- أنت مش هتقدر تعمل كده !
نظرة عينيه لم تخبرها شيء فأجاب :- لأ هقدر..بس عمري ما هسامحك
طفرت الدموع أكثر من عينيها وابتعدت خطوة حتى تستند بيدها على حافة المكتب كي لا تسقط....
**********
**بمكتب يوسف**
تحدث يوسف مع حميدة بسبب ما حدث بالأمس فقال يوسف بعصبية :-
_ آسر مش بسهولة هيسامح ، أنا عارفه
تطلعت به حميدة بعصبية وقالت :-
_ ماهو السبب في اللي هي فيه !! دي البت اتبدلت وبقت واحدة تانية بسببه !! بقى دي سمكة اللي مكنتش بتبطل هزار وضحك ؟!
فضل يتغابى لحد ما خلاها تبقى زيه
يوسف بضيق :- الفراق وحش أوي يا حميدة ، ربنا ما يكتبه على حد ، للحظة تخيلت نفسي مكانه قلبي اتقبض !
اللي بنحبهم بنبني معاهم احلامنا الجاية ، وكل اللي بنتمناه ، راحتنا وضحكتنا معاهم ، حتى بنتخيل مواقف هتحصل قبل ما تحصل !! ، صعب ده كله يقع فجأة ويبقى مع حد تاني يبنيه من أول وجديد...
حميدة بقبضة بقلبها :- بعد الشر يا يوسف
نظر لها مبتسما وقال :- أنا ممكن انسى الأكل بس أنتِ لأ
كان يريد ضحكتها ونالها....
************
تأخر خالد حتى بعد صلاة الظهر....دلف للمكتب والابتسامة على وجهه ظاهرة حتى وجدها تضع رأسها بين يديها على المكتب بأسى شديد...اقترب لها وجلس قبالتها قائلا :- أقدر أقولك دلوقتي الف مبروك ، أنا روحت لوالد أنسة حميدة وطلبتك منه ، قلدت رعد بصراحة
رفعت سما رأسها اليه وأصبح كل شيء سواء ، حتى أنها لم تعد تتفاجئ من شيء ، نظرت له بعينيها الحمراء من البكاء وقالت :-
_ بس انا مش موافقة ، أنا أسفة بس
قاطعها خالد بحدة :- آه....كنت متوقع تقولي كده
تطلعت به بريبة حتى نهض وقال بسخرية :- ماتفتكريش أني اتقدمتلك عشان سواد عنيكي !! اظن أنتِ عارفة اتقدمتلك ليه ! بس الرفض مش سهل زي ما أنتِ فاكرة
نهضت من مقعدها بغضب وهتفت :- هتجبرني اتجوزك ؟! كان باين عليك أنك حقير
اخرج خالد هاتفه من جيبه وعرض مقطع فيديو يخص جاسر وفتاة أخرى وهم بوضع مخل تماما ....شهقت سما بصدمة من رؤيتها لهذا الشيء ثم ابعدت عينيها باستغفار فقال بضحكة ساخرة :-
_ اللي أعرفه أن كتب كتاب صاحبتك بعد ٣أسابيع ، تحبي افركش الجوازة وانشر الفيديو في كل حته ؟
كادت سما أن ترفع يدها وتصفعه ولكنه قبض على معصمها بنظرة شيطانية وقال بسخرية :- مش هتستفادي حاجة ،فكري بعقل ، أحنا مش هنتجوز بس هنتخطب لفترة ، لحد ما اوصل لهدفي وكل واحد يروح لحاله....بهدوووووء
سما ببكاء :- وهدفك أنك تكسر آسر صح ؟ هو ده كان هدفك من البداية وأنا اللي كنت غبية
خالد بضحكة شامته :- اصله طوله عمره محسسني أنه ملاك وأنا شيطان ، وأنه احسن وأذكى وأفضل مني ، حاجة بسيطة عشان يعرف أنه مش ادي ويبطل غرور....خطوبتي أنا وأنتِ هتبقى مع رعد وصاحبتك رضوى....ابو صاحبتك صمم ياخد رأيك الأول وهيرد عليا بكرة عشان عرف أني مسافر ومعنديش وقت.....وافقي والا هقلب الخطوبة عزا واطربقها على دماغ الكل....
نظرت له في ذهول وصدمة تامة......
حتى آن موعد الخطوبة بعد مرور ثلاثة أيام......
💖💖💖🕊🕊🕊🕊💖💖💖
- الفصل الخمسون
جلست على مكتبها بعدما دلف "خالد" لمكتبـه ، شاردة ،تائهة...كل المعارك تمر بخاطرها...تنعت نفسها تارة بالغباء...وتعطي العذر لنفسها تارة أخرى...كل شيء أصبح أمامهـا معكر لا رؤية واضحة له...
أغمضت عينيها الباكية في تضرع إلى رب العالمين كي ينير بصيرتها للقرار السليم بهذا الموقف...أضاء هاتفها فجأة فتطلعت بالرقم المتصل في دهشة...لم تكن المرة الأولى التي تُهاتفها للي ولكنّ الآن وكأن هذا الأتصال الأجابة على دعوتها فأجابت بلهفة وهي تحاول أن تهدأ قليلًا وأجابت :-
_ الحمد لله أنك اتصلتي يا للي
قالت للي وظنت أن سبب هذه النبرة المرتعشة لربما يعود لآسر وآخر المستجدات بعلاقتهما فقالت :- اكيد حصل حاجة النهاردة! والله حسيت وحبيت اطمن عليكِ ، ها إيه اللي حصل ؟
استجمعت سما قوتها لتروي ما حدث مع خالد حتى بدأت بالحديث واستمرت تتحدث بصوت خافت لتنتهي بعد ما يقرب من العشر دقائق....قالت للي بعصبية :- ده المتوقع من واحد زي خالد ، كلام وجيه كله طلع صح
تحدثت سما بحيرة علها تجد مخرج :- قوليلي اعمل إيه حاسه أني تايهة !
صمتت للي للحظات ثم قالت بمحاولة أن تجد حل مناسب دون أضرار :-
_ لازم وجيه يعرف ، بس الأول لازم تمسكي على خالد دليل ، ممكن يكدبك لو قولتي الحقيقة وأنتِ مش معاكي دليل ضده....
قالت سما بقوة :- خالد معاه فيديو لجاسر ، ده دليل
اعترضت للي وقالت :- مش كفاية ، لأن ممكن يكون عامل حسابه وخفاه من الفون أو عمله بكلمة سر ما يبانش...
قالت سما بتوتر :- طب اعمل إيه ؟ مستحيل أوافق على الخطوبة دي
أجابت للي وما تبقى غير هذا الخيار أمامها :-
_ قولي لجاسر اللي حصل ، لأنه كمان لو ده ماضيه يبقى لازم جميلة تعرف الحقيقة قبل الجواز وتقرر...
هزت سما رأسها بموافقة وقالت :-
_ صح عندك حق....طالما جاسر هو سبب التوهة دي يبقى هو اللي يحلها بس هكلمه أزاي من غير جميلة ما تعرف ؟! انا مش عايزاها تعرف دلوقتي ولسه الموضوع ما اتحلش !
قالت للي بعد لحظات تفكير :- هكلم جميلة وأقولها أني مريضة ومحتجاها جانبي ، بصي هتصرف ودقايق وهرجع اكلمك تاني...
وافقت سما وانتهى الأتصال......
مرت لحظات ثِقال عليهـا حتى بدأ يعود إليها اليأس لتباغتها " للي" بأتصال مرة أخرى وأخبرتها :-
_ جميلة طلعت من الشركة وجيالي....استأذني أنتِ كمان وكأنك تعبانة وروحي ليوسف انا كلمت حميدة وفهمتها ، هتلاقيهم مستنينك في مكتب يوسف دلوقتي...
ترددت سما في السؤال ولكنها قالته بارتباك :- هو آسر معاهم ؟
اجابت للي بابتسامة طافت رغما على ثغرها وقالت بصدق :- مش عارفة ، بس ممكن تلاقيه..
سرت قشعريرة بجسد سما وشيء يغوص بأعماقها من التوتر ثم انتهى الأتصال....مرت لحظات حتى استطاعت أن تنهض ودلفت لمكتب خالد لتستأذن منه.....
تطلع بها خالد بنظرة ضيقة غامضة ثم قال :- أي لعب من ورايا مش هيفيدك ، أنا عارف أن جاسر عامل نفسه الملاك البريء قدام خطيبته ، فكري في صاحبتك..
قالت سما ببعض التلعثم :- انا محتاجة أفكر بهدوء ، أنت وترتني بأسلوبك.
نهض خالد من مقعده واقترب إليها قائًلا بنظرة غريبة :-
_ تعرفي أنك ساعات بتعجبيني !! بحب الميكس اللي في عنيكي من شقاوة وكسوف ، ساعات بفكر بجد أني اتجوزك مش مجرد لعبة !
صرت سما على اسنانها بقوة حتى لا تثور غاضبة بوجهه فصمتت رغما عنها...استطرد خالد بابتسامة خبيثة :-
_ بصراحة آسر غبي أنه فرط فيكِ ، مش لأنك الأحلى ، لأنك ضعيفة...وأنا بعشق البنت الضعيفة قدامي....بتجذبني
تنفست سما بحدة وقالت بغضب :- أنا مش ضعيفة ولا عمري هكون ضعيفة...والانسان المريض بعقله هو اللي بيحب يستضعف الناس اللي حواليه ، واللي بيشوفه قوي بيحقد عليه وبيغير منه
اشتعلت عين خالد بالعنف وقال :- تقصدي آسر ؟! رغم أنه معقد بس كلكم بتحبوه ، حتى أبويا وأمي بيحبوه ودايمًا كانوا بيقارنوني بيه هو وولاد عمامه...أنا بكرهم كلهم وبحتقرهم ، أنا محدش أحسن مني !
نظرت له سما بعمق وفهمت السبب خلف هذا الكره وقالت :-
_ دلوقتي فهمت أنت بتعمل كده ليه ، أنت مسكين ومحتاج تتعالج نفسي !
اقترب إليها بنظرة شرسة فركضت حتى باب المكتب ولكنه اغلق الباب حتى ابتعدت والتمعت عينيها كهرة خائفة فقال خالد وبدت ملامحه غريبة وكأنه مصاب بالجنون :- متخافيش أنا مش هأذيكي طول ما أنتِ معايا ، بس لو بقيتي معاه هقتلك ، مش هخليه يتهنى بيكِ
اشتدت عينيها برعب من تعابير وجهه التي وكأنها تحولت للشيطانية فتابع بضحكة :- عايزة تبعدي موافق ، بس ماتبقيش معاه ، ماهو يأما معايا أو مع غيري أنما آسر لأ
تمتمت وهي ترتجف رعبا :- أنت مجنون ومش طبيعي!!
خالد بسخرية :- آه مجنون...لما بشوف حاجة معاه بتجن ، اشمعنى هو معاه كل حاجة !
هتفت سما بغضب وقالت :- معاه ايه ؟! ده اتيتم من صغره ولا فضله لا أب ولا أم ، وبعدين اشمعنى آسر اللي بتعمله كده بالذات ؟!
هتف خالد بشراسة :- لأن من صغرنا وهو اكتر واحد بيقارنوني بيه ، آسر اشطر منك ! مؤدب اكتر ، محترم اكتر ، اذكى اكتر ،ناجح اكتر.....كل ذنبي أني انا وهو في نفس السن وحتى نفس المدرسة ونفس الكلية ! مليون مرة حاولت اتفوق عليه معرفتش ! ومليون مرة شوفت في عيون أهلي أنهم كانوا يتمنوا لو يكون هو اللي ابنهم....أنا ما اخترتش اكرهه ، هما السبب
يبدو أن خالد ضحية أكثر منه مذنب...ادمعت عين سما من هذا الكم من الكره الذي يحمله هذا الخالد حتى ظن هو أنها تدمع لأجله !!
رقت عيناه بشيء غريب وقال :- صعبت عليكي ؟!
قالت بصدق :- يمكن....بس ده مايمنعش أنك ضعيف وسيبت نفسك في القالب اللي أهلك حطوك فيه مع آسر ، يمكن لو كنت دورت جواك على شيء بتحبه وهتلاقي نفسك فيه كنت لقيت نفسك التايهة منك...
ضغط خالد على نواجذه بقوة وأشار للباب وهتف :-
_ مش كنتِ ماشية ، يلا اخرجي برا ، برااا
تنفست الصعداء وكأنه طردها من الجحيم حتى اسرعت للخارج كالطيف والتقطت حقيبتها وخرجت من مكتبـه بأسرع خطواتها....
********
بمكتب يوسف.....
وقفت حميدة مستندة على المكتب بينما وقف يوسف أمام الشباب الثلاثة بنظرات حائرة وقال :- يا ترى في إيه ؟
حميدة بقلق :- اكيد خالد ده ضايقها في شيء ، مش هتكلم للي غير لحاجة كبيرة.....
زفر آسر زفرة حارة غاضبة والتزم الصمت حتى لا ينفجر بهما جميعا...أطرقت سما على المكتب فأسرع يوسف فتح الباب.... وقفت تنظر لما خلف يوسف عندما فتح الباب لتجد عين آسر كعين الصقر التي تترقب الهدف.....ابتلعت ريقها بقوة وتوتر فقال يوسف :- ادخلي
دلفت سما لظاخل المكتب واغلق يوسف الباب....هرعت إليها حميدة بنظرات متساءلة بينما ابتعد آسر عنهم وتوجه لنافذة بعيدة ونظر إليها مواليا لهم ظهره....
قال جاسر بتعجب :- حصل ايه مع خالد ؟ ضايقك ؟
حافظ رعد على هدوئه وهو ينتظر اجابتها بينما بدأت سما تخبرهم ما حدث بالكامل مع نظرات جانبية لآسر الذي لم تعرف تعابير وجهه ولا رد فعله لما حدث....
شهقت حميدة من الدهشة ثم نظرت لجاسر بنظرات نارية.....احمرت غين جاسر من الغضب وهتف :- الحقير....هي حصلت يراقبني ويصورني كمان !
كاد أن يتحرك متوجها لخالد بمكتبه حتى يقتلع رأسه ولكن رعد جذبه بقوة وهتف :- استنى أنت رايح فين ؟! هي بالدراع !
صرخ جاسر بشراسة :- آه بالدراع وياويله مني ، ده صورني يارعد !
حميدة بعصبية :- ولما أنت كده عايز تتجوز جميلة ليه ؟! عايز تتجوز بنت معرفتش ولا اتكلمت حتى مع واحد ليه ؟! ما تسيبها للي يعرف قيمتها ويصونها ويحترمها ولا أنت تبقى مع خمسين واحدة برا ومطمن أن اللي على ذمتك محترمة وهتصونك أنما انت تعك عادي !!
جميلة لازم تعرف وتقرر تكمل معاك أو لأ مش هسيبها على عماها وبجد لازم أشكر خالد اللي بين حقيقتك قبل ما الفاس تقع في الراس والبت تدبس فيك !
تصاعد غضب جاسر وهتف بيوسف :- سكت خطيبتك انا مش ناقصها !
حاولت سما جذب حميدة حتى تبتعد عن جاسر بينما أقترب يوسف وقال لحميدة :- استني بس يا حميدة نفهم اللي حصل من جاسر وبعدين نحكم
التفتت حميدة بنظرات عصبية وقالت :- مش هستنى ، خالد مش غبي عشان يجيبله فيديو قديم ويبتز سما بيه اكيد الفيديو ده جديد بعد ما خطب جميلة كمان ! اسأله يا يوسف !
نظر يوسف لجاسر وكاد أن يسأله ليصيح جاسر بأنفعال :- آه بعد ما خطبت جميلة بس مش زي ما انتوا فاهمين ، سما بتقول أن الفيديو كان في مكتب وده حصل فعلا في فرح سمر في مكتب أبوها بس الموضوع مش كده..
أشارت حميدة بعصبية له وقالت :- جميلة كان عندها حق تشك فيك طول الوقت وأنا اللي كنت بطمنها وأقولها اصبري !! دلوقتي انا اللي هخليها تسيبك لأنك ما تستاهلش ضفرها اصلًا..
هتف جاسر بشراسة :- انا ما خونتهاش ، مش عارف اثبتلكم أزاي بس مخونتهاش والله ما خونتها وبعدين أنتِ مالكيش علاقة باللي بيني وبين خطيبتي احنا أحرار !
قالت سما بعصبية :- أنا اللي شوفت الفيديو ، مقدرتش اكمله ، واظن أنت عارف فيه إيه بالضبط ، المفروض ده يبقى اسمه ايه لو مكانش خيانة ؟!
تنهد جاسر بضيق شديد وأغمض عينيه بثقل على صدره حتى فتح الباب وظهرت جميلة.....
نظروا لها جميعا في قلق بينما طالت نظرتها على جاسر وانتفض قلبه من أن تكن استمعت لشيء....مرت لحظات وخيم الصمت المربك بينهما حتى قالت جميلة بشيء من الغموض :- نسيت تليفوني مع حميدة
تنفست حميدة الصعداء رغم أنها قررت أن تخبرها ولكن حقيقة الأمر يبدو صعب للغاية...
اقتربت حميدة بابتسامة مزيفة وأخذت هاتف جميلة الذي لم تنتبه له عندما اتت جميلة تخبرها أنها سترحل وتركت هاتفها بالخطأ من العجلة....اخذت جميلة الهاتف من يد حميدة بنظرة منكسرة ثم أجهشت بالبكاء وتأكد الجميع أنها استمعت لكل شيء......ركضت جميلة للخارج وتمتم جاسر بعض الكلمات المنفعلة وذهب خلفها.....
كادت حميدة أن تسرع خلفه ولكن يوسف منعها قائًلا :- لا استني...خليه يكلمها ويشرح لها اللي حصل من غير تدخل مننا...
أطرق رعد على المكتب بعنف وقال :- خالد....حسابك تقل أوي ياخالد..
يوسف بضيق :- هنعمل ايه في حكاية الفيديو ده ؟
استدار آسر الذي ظل صامتها وبعيدًا وقال :-
_ عايز تليفون خالد ، هعرف امسح اللي عليه كله وامسح أي حاجة على الايميل لو كان مرتبط بكمبيوتر تاني....
يوسف بحيرة :- هنجيب تليفونه أزاي ؟!
زم رعد شفتيه وقال :- أنا عندي فكرة احسن ، هتخليه يوقف عند حده وميقدرش يفكر حتى ينشر الفيديو ده
يوسف بلهفة :- ايه ؟ قول بسرعة ؟
تنفس رعد بثبات وقال :- حضرلي شيك ، بمبلغ ١٠٠مليون جنيه ، لازم خالد يمضي عليه ، ده غير اننا هناخد تليفونه ونمسح كل اللي عليه عن طريق الايميلات كلها....
سما بعدم فهم :- وده كله أزاي هيحصل ؟
صمت رعد لدقيقة ثم أخرج هاتفه وقال وهو يجري اتصال :-
_ واحد مابحبش اتصل بيه بس هتصل بيه غصب عني.....مافيش غير حل واحد.....برشام هلوسة ، نعمل اللي احنا عايزينه وبعد كده مش هيقدر ينطق...
يوسف بتعجب :- وهيعرف يمضي وهو بيهلوس ؟
اوضح رعد :- دي مهمة سما ، هتحطله البرشام ده في أي عصير وقبل ما يتوه تخليه يمضي على أوراق تخص الشغل واللي هيكون منها الشيك ، مش هيكون مركز أوي وبعد ما البرشام يعمل مفعوله هناخد التليفون منه ونمسح كل اللي عليه براحتنا...وبما أنه ماعندوش ربع المبلغ ده حتى في البنك فغصب عنه هيتلم والا هيتسجن...بس أهم حاجة أن الامضا على الشيك تكون نفس الأمضا اللي بيتعامل بيها مع البنك..مش عايز أي غلطة فيه
اعلن يوسف معرفته بالأمر :- أنا عارف أمضته كويس وعارف كمان البنك اللي بيتعامل معاه لأن مرتبه بيتحول فيه
رعد بتنهيدة :- كويس أوي ، حضرلي بقى الشيك بسرعة بحيث أنه يكون جاهز على بكرة الصبح...
سما بتساءل :- طب والشيك ده هتعمل بيه ايه بعد كده ؟
آسر بغضب :- مالك خايفة عليه كده ؟! اومال لو مكنتيش عرفتي حقيقته ؟!
نظرت سما للأسفل بحرج وضيق ولكن رعد أجابها بهدوء :- محدش هيعمل بيه حاجة ولا هنضر حد بيه ، لكن طول ما هو معانا خالد مش هيقدر يعمل حاجة واظن دي الطريقة الوحيدة عشان نبعد عن شره...
***********
بالطريق.....
ركض جاسر خلفها كي يلحقها قبل أن تذهب ، قبل أن تقرر شيء سيفتت كل ما شيده منذ أن قابلها ، وقف أمامها قائلًا بحدة :-
_ اوقفي بقى واسمعيني ، ما تحكميش عليا من غير ما تسمعيني !
نظرت حولها ولا زالت الدموع بعينيها وقالت بحسم :-
_ ماتنساش اننا في الشارع...وكمان مافيش بينا كلام بعد النهاردة
ارتفع منسوب العصبية بدمائه وقال بأنفعال :- طريقتك وعمرك ما هتغيريها....الفيديو اللي سما شافته هو اللي حصل يوم خطوبة سمر وأظن بما أنك سمعتي فأكيد سمعتيني وأنا بقول كده ، محدش بيتغير بين يوم وليلة يا جميلة وأنا عشان بحبك قاومت ، ضعفت شوية ده حقيقي بس والله العظيم قاومت ، لأول مرة في حياتي أقدر اتحدى نفسي ، أنتِ مش فهماني....صعب اكون قضيت حياتي كلها كده واتغير بين يوم و....
قطع حديثه عندما اكتشف أنه أفصح عن الحقيقة...تطلعت به بذهول....
أعترف !!
وللسخرية أنه يدافع عن نفسها فأدانها أكثر !
تاهت بنظرته الخائفة من رد فعلها فقالت بصدمة :-
_ قضيت حياتك كلها كده ؟! يعني أنت كنت بتزني ؟ أنا مش مصدقة ؟!!
كام مرة سألتك ؟! وكام مرة كدبت عليا وانكرت ؟!
فهمتني أن علاقاتك كلها كانت علاقات سطحية وعابرة مايتخافش منها !! ربنا كشفك على حقيقتك لأنك ما تستاهلنيش ، انا احسن وأنضف وأشرف منك
جاسر بنظرة تتألم أقر وأكد :- عارف...ومتأكد أنك احسن مني ، بس أنا فعلا اتغيرت عشانك ، لو تعرفي ده كان صعب اد إيه هتغيري رأيك فيا ، أنا ببقى انسان كويس وأنتِ جانبي..
ضيقت جميلة عينيها بسخرية وقالت :-
_ اتغيرت !! بأمارة إيه ؟! أنت خونتني واحنا لسه مخطوبين !
وحتى يوم الحفلة فهمتني أنك ياعيني قاومت ورفضت الغلط ، لو ده صح ايه الفيديو اللي سما شافته ومقدرتش تكمله ؟!
هتف جاسر :- لو كانت كملته كانت عرفت أني مظلوم ، كانت شافت بعنيها وأنا ببعد ومش عايز اغلط
تابعت جميلة سخريتها وهتفت بعصبية :- حجة!! والاسم رفضت !! اوعى تكون فاكر أني اطمنتلك ونسيت اللي حصل يوم الحفلة ؟! بس عشان كنت عايزة اكمل اديتك فرصة اكبر من قوة احتمالي ، لكن انا مش هقدر استحمل أني اتخان وتديني مبررات أنك ضعيف !
أنت لو مش عايز تتوب عشان نفسك عمرك ما هتوب عشان حد ! ماتجبنيش حجة ووسيلة لغلطك وتقول بحبك وتقنعني وترجع تخون وتتأسف وبرضو تقنعني أنك ضعفت !
أنا بشر ! فاهم يعني ايه ؟! يعني مش ملاك عشان اغفرلك الخيانة حتى لو ضعفت...لو الحب هيخليني افقد كرامتي مش عايزاه ولا عايزاك...
نظر لها نظرة تحمله كل عذابه وقال بتلعثم :- يعني ايه ؟
اجابت جميلة بعد لحظات وجسدها ينتفض من الألم :- يعني كل واحد فينا من طريق ، شوفلك حد غيري يقدر يستحملك ، انما أنا خلصت كل طاقتي في الصبر...
مرر يده على رأسه بنظرة شرسة ضيقة ثم قال لها :- كتب كتابنا بعد ٣اسابيع وما تنطقيش كلمة واحدة ، لا انا هسيبك ولا هسمحلك تسيبيني والا هتشوفي مني وش عمرك ما شوفتيه
جميلة بذهول :- أنت بتهددني ؟!
هز جاسر رأسه مؤكدا :- آه بهددك ، بهددك عشان بحبك ومش هقدر ابعد ،بهددك لأني عارف أنك بتحبيني حتى لو ما قولتيهاش ، بهددك لأني اتغيرت واللي فات هو اللي بيطاردني وبيوقع مابينا ،لو ما صممتش دلوقتي واجبرتك تبقي معايا هنضيع حياتنا لحاجة هتعرفي بعدين أني كنت صادق فيها....آخر حاجة هعترفلك بيها عشان ماتقوليش أني خبيت عليكي....في واحدة من اللي كنت بعرفهم عملت عليا حوار أنها حامل واللي خلاني اسكت للبنت اللي كانت في الفيديو أني كنت عايز أعرف الحقيقة من خلالها ، امبارح اتصلت بيا لأنها ببساطة مش عارفة توصلي حتى التليفون مكنتش برد عليها لولا انها بعتتلي رسالة وقالتلي ان الموضوع ده كدب وتأليف لمجرد أن توتو حست أني هتجوز وابعد عنها....
هو ده كل اللي عندي ، هو ده اللي عايز اتوب منه من سنين ومن قبل ما أعرفك كمان وياما قرفت من نفسي بدل المرة الف....
لو كنت خونتك فده حصل بجسمي وبس وكانت مرة واقسمت بعدها أنها مش هتتكرر لو هموت....
كنت فاكر أنك واقفة جانبي على ما اعدى الفترة دي وعلى ما جيت ابقى فعلا انسان كويس لقيتك بتتخلي عني عشان اللي فات !
حملقت جميلة بصدمة أخرى أطرقت على رأسها :- حامل !!
صاح جاسر بغضب :- طلع كدب مش حقيقة ، نفسي الصفحة دي نطويها ونبدأ من جديد ..
هزت جميلة رأسها بدموع وقالت :-
_ مش هعرف ، صدقني مش هعرف ، شبكتك هتوصلك مع عم سمعة عشان المرادي بجد مش ناوية رجوع
جاسر بتوسل والألم يضج بعينيه :- هتمشي وتسيبيني !
انسابت الدموع على وجنتيها بألم شديد ثم تركته يقف واوقفت سيارة أجرة...
رحلت جميلة من أمامه وهو يقف ناظر لداخل العربة بنظرة مترجية...
************
بالمساء......
ظلت سما تربت على كتف جميلة التي كانت تبكِ بهسترية حتى وقفت حميدة وقالت :- مش هقدر أقول لبويا على موضوع فسخ الخطوبة ده يا جميلة...كتب الكتاب بيتحضرله من دلوقتي وفاضله حاجات بسيطة ، مقدرش اروح أقوله فسختي الخطوبة....الناس هتتكلم عليكي ومحدش هيسيبك في حالك ولا هيرحمك..
رفعت جميلة رأسها بأعين مدممة من البكاء وصاحت :- يعني مش كفاية أني اتخطبتله من الأول بسبب كلام الناس ودلوقتي كمان عايزاني اكمل عشان كلام الناس ؟! مش مهم الناس بس مش هتجوزه !
قالت رضوى وهي تفهم خطة حميدة :-
_ احنا في مكان شعبي يا جميلة والناس عارفة بعضها وبيسألوا ، هيطلع كلام كتير مش هتستحمليه خصوصا أن الفرح قرب...
كادت جميلة أن تصيح بعصبية حتى انتبهت سما لهاتف جميلة وهو يعلن اتصال....جذبته من على الوسادة وقالت وهي تنظر له :- دي للي
أجابت سما سريعا :- ايوة يا للي معاكِ
هتفت للي بقوة وقالت :- جاسر ساب القصر ومحدش عارفله مكان !! ابه اللي بيحصل ده يابنات ؟!!
نظرت جميلة لسما بتوجس ثم أخذت منها الهاتف وأجابت :- في ايه يا للي ؟
قالت للي بقلق :- في أن جاسر محدش عارف هو فين من ساعة ما خرج من الشركة ، تليفونه مقفول ، وشقته مقفولة ، ومرجعش للقصر لحد دلوقتي ووجيه والشباب قالبين الدنيا عليه ومش لقيينه
جميلة بدموع وتصميم :- بيهرب عشان ما يسبليش وقت أفسخ الخطوبة ! بس برضو هفسخها...
للي بضيق وحيرة :- بتهيألي يا جميلة لو فعلا اتغير يبقى اللي بتعمليه غلط ، ممكن بس تأجلي موضوع فسخ الخطوبة ده كام يوم تفكري فيهم كويس...عشان ماترجعيش تندمي...
جميلة بإصرار وقرار لا راجعة فيه :- أسفة يا للي مش هقدر....استحملت كتير ومش هقدر اتحمل تاني...
تنهدت للي بيأس ثم انتهى الاتصال بفشل اقناع جميلة بالتراجع....
نظر وجيه لزوجته وهو يقف بجانبها وعلى يمينه الشباب ثم قال بعصبية لجاسر الذي يقف كالتلميذ المعاقب مطأطأ الرأس :-
_ أدي نتيجة اخطائك واستهتارك ! نصحتك كتير وماسمعتش كلامي
ابتلع جاسر ريقه بغصة مؤلمة وقال بصدق وعذاب :-
_ معترف بغلطي وما انكرتش ، اتحايلت عليها تسامحني لكن مشيت !! أنا مش وحش زي ما انتوا فاكرين...أنا كنت تايه ومش لاقي نفسي ، عارف أنها استحملتني كتير وادتني فرص اكتر بس انا فعلا بحبها وبتغير عشانها وعشان نفسي....تفتكر يا عمي ما استحقش فرصة كمان ؟!
أخذ وجيه تنهيدة طويلة وأجاب باختصار :- اللي هعمله ليكم انتم الأربعة محدش يرجع يناقشني فيه ، ولا يقولي ليه أو عشان ايه ! فاهم يا آسر ؟
تعجب آسر من توجه الحديث إليه وقال :- واشمعنى انا اللي بتسألني ؟!
وجيه بسخرية :- اصلك بتعترض على كل حاجة !!
أنا خارج ساعتين بالضبط وراجع....وبالنسبة لموضوع خالد خلصوا اللي رتبتوه وسيبوا الباقي عليا...
التقط وجيه مفاتيح سيارته ونظر لزوجته بنظرة خبيثة قائلا :- تعالي معايا...
نهضت للي سريعا فهي تعرف أنه لا يخطو إلى للخير....
خرجت من القصر وهي تتمسك بذراعه حتى قالت بابتسامة ماكرة وهي تجلس بجانبه داخل السيارة :- احنا رايحين الحارة صح ؟
حرك سيارته ثم اتسعت ابتسامته بغمزة وقال :- صح جدًا يا شقية...طبعا أنتِ هتعرفي تقنعيها بطريقتك ، جاسر فعلا ندمان ده ابني وأنا عارفه
هزت للي رأسها بقوة وقالت :- هي عنيدة بصراحة ، بس على الأقل مش هسيلها غير لما اخليها تفكر على الأقل....
وجيه بتنهيدة :- لولا أني عارف ومتأكد أنه صادق مكنتش هروحلها بنفسي ، أنا مابحبش أظلم حد بس جاسر كل اللي عمله زمان بيجري وراه دلوقتي ، كل ما يتعدل ماضيه يحنيه !
للي بحماس :- طب بسرعة بقى قبل ما يناموا ، هتصل بحميدة أقولها أننا جايين..
*************
بمنزل الاسطى سمعة.....
استقبل الرجل وجيه وزوجته للي بينما رحب سقراط بهم مما جعل وجيه يتعجب وعامله برفق بالأخص بعد معرفته بما فعله مع الشباب.....
جلس وجيه على أريكة بصالة المنزل وبجانبه زوجته للي....حتى أتى سقراط بالمشروب سريعا وكاد وجيه أن يتحدث حتى سبقه سمعه قائلا :-
_ حميدة بنتي قالتلي على اللي حصل....وعشان اكون صريح معاك أنا كنت وافقت أني انهي الجوازة دي...
تحدث وجيه بلطف وبهدوء :- أنا مقدر موقفك وعارف حجم المسؤولية اللي عليك بالنسبة لجميلة...أنا مش جاي أدافع عن جاسر ، أنا جاي اوعدك أن جميلة هتكون متصانة معاه ، ده عهد عليا وانا اللي بضمنه قدامك
صمت الاسطى سمعه لدقائق فتابع وجيه :-
_ جاسر زي شباب كتير في سنه طايش لكن قرر يستقر ويفتح بيت ويكون مسؤول ، بدليل أنه لما قرر يشتغل وينجح هو وولاد عمامه نفذوا ده ونجحوا من غير مساعدتي ، انا هعتذر لجميلة بنفسي وهوعدها برضو بنفسي وهخلي جاسر يجي قدامك ويعتذرلها ، اللي حصل ده مش هيتكرر تاني...
قال الاسطى سمعة بتساءل :- طب لو حصل تاني ؟
وجيه بوعد :- انا اللي هقفله واخدلها حقها منه والقرار اللي تقرره هوافق عليه من غير مناقشة...
سمعه :- البت دي أمانه في رقبتي ومش عايز اموت وأنا قلقان عليها
ابتسم وجيه بصدق وقال :- وأمانة في رقبتي أنا كمان قدام ربنا وقدامك..
نهضت للي بابتسامة واسعة وقالت :- هما فين البنات عايزة أشوفهم ؟
أشار لها سمعه على غرفة جانبية وقال :-
_ هاتي جميلة بالمرة تقعد معانا
تابع وجيه حديثه بالطلب الآخر وقال :- في طلب كمان واظن أنت تعرف ظروفه...هو يخص سما....أنا عارف أن خالد اتقدملها وكلمك
رفع الاسطى سمعه يده بحدة وقال :- وبعد اللي عرفته لو رمى كنزو الدنيا تحت رجليها مالوش عندي عرايس...
ابتسم وجيه بأحترام وتقدير واستطرد :- أنا بطلبها لأبن أخويا آسر
**********
توجهت للي للغرفة المشار اليها ودلفت بداخلها حيث وجدت الفتيات جالسين بجانب بعضهن على الأريكة في هدوء تام.....
نظرت لجميلة وقالت بتحذير يشوبه المرح :-
_ وجيه جوزي حبيبي جاي بنفسه يعتذرلك ، عايزة ايه تاني ؟
نهض الفتيات من مقعدهن لتركض اليهن للي بابتسامة واسعة وصافحتهن بمرح .....قالت جميلة بعدما استطاعت ان توقف دموعها :-
_ بس أنا أخدت قراري خلاص
أتى صوت الاسطى سمعه من خلفهن وقال :- عمه بنفسه جاي يعتذرلك ويوعدك ان اللي حصل ده مش هيحصل تاني....يابنتي أنا مش حمل حد يتكلم علينا كلمة والناس مابترحمش...ده انتِ كتبت كتابك بعد أيام !
نظرت له جميلة بضعف وقالت بلمعة بكاء :- مش هقدر هستحمل يخوني تاني حرام عليكوا ، ليه محدش حاسس بيا
ربتت للي على رأسها وقالت :- جاسر ندمان بجد ، وجيه عمره ما هيحط نفسه في الموقف ده وهو شاكك في جاسر ، لولا أنه شايفه صادق والله ما كان جه هنا لو السما اطبقت على الأرض...
قال الاسطى سمعه بابتسامة :- يلا يابنتي عمه مستنيكي برا يتكلم معاكِ ، والله كفاية مجيته واعتذاره ليكِ بنفسه ، دي كبيرة يابنتي مش قليلة..
ورغم ذهابها لخارج الغرفة ولكن تبقى شيء بنفسها لم تندمل جراحه...ليست موافقة كلية....
هذه موافقة ظروف...موافقة تشبه الجريح الذي لا يعترف بألمه...
*************
**بقصر الزيان**
مر أكثر من ساعتين وظل الشباب ينتظرون عمهما بلهفة....حتى انتبهوا لصوت وقوف سيارة بالخارج.....نهضوا في لحظة واحدة من مقاعدهم حتى دلف وجيه وملامح وجهه ثابته لا تقل شيء....
أمر زوجته أن تصعد لغرفتهم وفعلت للي ذلك وهي تكتم ابتسامتها بسبب تعابير الخوف والقلق المرسومة على وجه الشباب وكأنهم اطفال ينتظرون موعد المرح.....
وقف وجيه أمامهم ونظر لجاسر مليا وقال :-
_ البنت وافقت بعد عذاب ، انا روحت اعتذرتلها بنفسي ووعدتها أن ده مش هيتكرر تاني ولو اتكرر....
هب جاسر من مكانه يضم عمه بابتسامة واسعة وفرحة ظاهرة قائلا :- يتكرر ايه بس انا توبت اقسم بالله ، بموت فيك يا احلى عم في الدنيا
ابتسم وجيه له وقال :- حافظ عليها لان دي أخر فرصة ليك بجد لو ضيعتها انا مش مسؤول...
تنفس جاسر الصعداء وقال :-الحمد لله عدت على خير وكل حاجة ظهرت وهي عرفتها ، أفرح بقى
بارك الجميع لجاسر حتى نظر وجيه لآسر نظرة غامضة وقال للشباب :-
_ باركوا لآسر كمان.....لأني خطبتله سما وخطوبته هو ورعد في يوم واحد ، وكلكم هتتجوزوا في ليلة واحدة مع بعض...
نظر جاسر بضحكة مكتومة لآسر ليقل يوسف بابتسامة بلهاء :-
_ الله على التدبيسة دي
رعد بابتسامة خبيثة نظر لآسر الذي اتسعت عينيه بذهول :- يابن المحظوظة !
تلجلج آسر في الحديث...اختنقت الكلمات بفمه من الصدمة...حتى استطاع التحدث :- لا....لا طبعا مش..موافق
وجيه بحدة :- أنا اتقدمت لوالد حميدة وخلاص اظن مش هتطلعني صغير ! وكمان أنا واخد منكم وعد قبل ما أمشي أن اللي هعمله يتنفذ من غير كلام.....
زم آسر شفتيه بقوة ثم استدار وركض على الدرج لغرفته بالطابق الثاني....
قال يوسف بضحكة عالية :- ده اتخض من الفرحة !
وجيه بابتسامة مرحة :- مهما كبرتوا هتفضلوا في عنيا أطفال...يلا تصبحوا على خير....
ذهب وجيه من أمامهم حتى قفز الشباب بضحكات عالية وقال جاسر بسخرية :- تعالوا نطلع نغلس عليه
رعد بابتسامة عريضة :- هنتجوز في يوم واحد....ده هيبقى فرح هيتكتب في التاريخ
إلي هنا ينتهي الفصل الخمسون من رواية إمبراطورية الرجال
رحاب إبراهيم
تعليقات
إرسال تعليق