القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية إمبراطورية الرجال للكاتبه رحاب ابراهيم الجزء الحادي والثلاثون والثاني والثلاثون



رواية إمبراطورية الرجال 
 الفصل الحادى والثلاثون/الثاني والثلاثون

 
**بغرفة السطوح**

كانت سما ممددة على الفراش بأعين دامعة.....تضع احتمالات كثيرة لردة فعلـه...غير واثقة تمامـا أنه سيغضب اشتياقـاً بل توجست أن يتقبل الأمر بلامبالاة...يتقبل الغياب !!

الأكثر ألم هو تقبل الغياب بين الأحباب...تقبل الفرقة والهجر حتى لو مؤقتاً

تنهدت بالم يشق صدرها من ثقله....تأففت من هذا الركود الذي يجعل افكارها تعصف بجميع الاتجاهات فنهضت لتشغل نفسهـا بأي شيء...قررت تنظيف المكـان...

كادت أن تخرج من الغرفة حتى انتبهت لرنين هاتفـها...توجهت إليـه بخطوات كسولة حتى تفاجئت أن المتصل "حميدة"

ابتلعت ريقها وفكرها يتخبط بين الأمل وفقدانه...أجابت سريعاً :- الو؟

احبت حميدة التلاعب بالحديث قليلًا فقالت بخبث :-

_ عاملة إيـه دلوقتي يا سمكة ؟

الهدوء الذي تتحدث به حميدة لا يبدو أنه سيريح قلبهـا وأن ما تنتظر سماعه قد حدث...أجابت بيأس :- كويسة

غمغمت حميدة بشيء لم تستطع سما كنّه أو الانتباه لـه فتساءلت :-

_ مش سامعة...بتقولي إيـه ؟!

ابتسمت حميدة بمرح وأجابت:- خايفة عليكي تيجي بكرة والله

تعجبت سمـا ودق قلبها بتوتر هائل...قالت بتلعثم :-

_ ليـه حصل إيه ؟! طردني ؟!

قالت حميدة بضحكة :- بصراحة اللي يشوفه يقول كده بس هو اتعصب أوي عشان ما اتصلتيش بيه وعرفتيه أنك هتغيبي....اتعصب زيادة عن اللزوم بصراحة..

اطرفت سما بظل ابتسامة وقالت بلهفة :- طب وده معناه إيه ؟

قالت حميدة بصدق وهي تجلس على مقعدها امام المكتب :-

_ بيقول أن في حاجة من ناحيته...حسيت كده ، أنا بقولك كده عشان عارفة نفسيتك عاملة أزاي بس ده يخليكي تبدأي تتقلي بقى وتعرفيه أنك مش سهلة...

قالت سما بحيرة :- طب اعمل إيه دلوقتي ؟! اتصل بيه ولا أطنش ؟

صمتت حميدة للحظات ثم قالت :-

_ سبيه النهاردة وكده كده بكرة شبكتي ومش جاية الشغل أصلًا ، اعتبري نفسك اجازة معايا ولو كلمك في الخطوبة أبقى اعتذري بس بطريقة جد أوي...ماتحسسيهوش انك مهتمة..

ضيقت سما عينيها بابتسامة خبيثة وشعرت برغبة عارمة بالقفز فرحا فقالت :- فهمتك يا حميدة يا عسل ، مش هكلمه خالص خالص ،وهعمل كل اللي هتقوليلي عليه بس قولتيله سبب غيابي إيه ؟

اجابت حميدة بضحكة :- ماقولتش عشان احيره شوية ، لما يسألك قوليله أنك كنتي مضايقة شوية ومخنوقة من الشغل لدرجة أنك فكرتي تقدمي استقالتك...خوفيه عشان يبطل يعلي صوته عليكي

سما بسخرية :- ما انا عملت كده من كام يوم وفعلًا بقى كويس يومين ورجع أسوء من الاول....أنـا بس لو أعرف اللي بيضايقه مني مش هعمله..

حميدة بدهشة :- لازم يكون ليكي شخصية معاه أكتر من كده يا سمكة ماينفعش آمين كده في كل حاجة !! عمومـا لما ارجع من الشغل لينا كلام تاني....هسيبك دلوقتي بقى مع السلامة...

اغلقت حميدة الهاتف بابتسامة وقد تأكدت من ضحكة سما أنـها كانت تتلهف لسماع ما حدث....غريب أمر الحب !!

***********

**بمكتب جاسر**

يوم بعد يوم تتحول هذه الفتاة لأكثر جمالًا بعينيه....لا يعرف لمَ يراها الأفضل ؟!

ربما لأنها ترى نفسها هكذا....

جزء من قيمة الأخرين بأعيننا هو ثقتهم بأنفسهم....

لا يعرف سر هذا الشعور الذي يجعله يبتسم بشوق مجنون عندما يتخيلها بين ذراعيـه !!

تبدو أنوثتها متواضعة....ولكنَّ دفء عينيها عاصف الإغراء..

خرج من شروده عندما لمح ضوء هاتفه يعلن اتصال....رفع الهاتف أمام عينيه ليتفاجئ بأتصال من "توتو" حمد ذلك الحذر الذي جعله يفضل الوضع الصامت للهاتف والا كانت ستلاحظ تردده في الرد!!

نظر اليـها بحيرة وهي تتفحص بعض نتائج المتابعة للمواقع ثم نظر للهاتف...نهض بتوتر وقال :-

_ اطلبلك حاجة تشربيها قبل ما نروح الموقع الجديد ؟

هزت جميلة رأسها بالرفض قائلة :- لأ...لسه شاربة لمون

قال جاسر وهو يفتح باب المكتب :- طب هروح اعمل فنجان قهوة بنفسي...بحب اعمله بطريقة معينة

خرج سريعاً من المكتب فرفعت جميلة رأسها من الأوراق بتعجب...نبرته مرتعشة ومتوترة !! لم تعتاد أن تراه هكذا !!

عادت للأوراق مرة أخرى وتركت هذا الأمر جانبًا فربما توهمت بذلك...

**********

اتجه جاسر للمطبخ ليجد رضوى ترتشف قطرات من كوب ماء ويبدو انها كانت تتحدث مع عامل البوفيه العجوز.....

نظر لهما بضيق ثم قال للرجل :- اعملي قهوة ياعم مرزوق لو سمحت

أومأ الرجل موافقاً برأسـه ثم تركت رضوى المكان وعادت لمكتب رعد...ولم تعطي للأمر اهتمام فالموقف يبدو طبيعياً....

لم يفطن جاسر أن رضوى ربما تخبر جميلة بذلك فتشك الأخرى...قال للرجل العجوز :- ممكن تجيبلي مسكن للصداع من الصيدلية اللي جنب العمارة ياعم مرزوق ؟ وانا هعمل القهوة

   ....نظر للهاتف ليبحث عن آخر مكالمة فائته ثم ضغط على زر الاتصال....

اجابت "توتو" وبدا صوتهـا مرهقاً :- ايوة يا جاسر... مش بترد ليـه ؟!

قال جاسر وشعر بشيء غريب من سماع صوتها بعد هذه المدة من عدم التواصل...أجاب بعجالة :- مش هينفع نتقابل يا توتو الفترة دي

قالت بسخرية :- سمعت أنك هتتجوز...مش كنت تقولي !!

تعجب من المرارة التي تتحدث بها وقد غلفتها بالسخرية فقال :-

_ واقولك ليـه ؟! اللي بينا كان مدفوع حقه قبل ما يحصل ، واظن دي شغلتك أنا ماضحكتش عليكي !!

ارتعش صوتها ببكاء وقالت بصدق :-

_ انا محتاجة أشوفك واتكلم معاك يا جاسر...في حاجات كتير لازم تعرفها...وأظن أنت بتقابل كريمان لسه اشمعنى أنا اللي مش عايز تقابلني ؟!

هتف بعصبية :- كاريمان عارفة حدودها ومابتديش لنفسها أهمية أكتر من اللي بديهالها...لكن أنتي وصلتي لدرجة أنك كنتي فكراني ليكي لوحدك...

صاحت بغضب :- ولما أنت توبت وخلاص عايز تستقر ليه بتقابل كاريمان ؟! هو أنت فاكرني متمسكة بيك للدرجادي ؟!! فوق يا جاسر مش أنت لوحدك الشاب الغني الوسيم اللي معاه فلوس والبنات هتموت عليـه !! فيـه زيك كتير ماتقلقش عليـا...أنا مش بكلمك عشان زعلانة انك هتتجوز

تساءل بضيق :- اومال بتتصلي ليـه ؟!

اجهشت توتو بالبكاء قائلة :- أنـا حامل منك....عارفة أنك هتتصدم وممكن ما تصدقنيش ، لكن هي دي الحقيقة....انا اجهضت مرتين منك وماقولتلكش ومكنش الموضوع هاممني اصلًا... بس المرادي الدكتور رفض لأنه اكتشف أني مريضة وممكن الاجهاض يبقى خطر على حياتي وأني ممكن ما اخلفش تاني كمان وده أخف النتايج ....النهاردة بس حسيت أني قذرة وأنت كمان قذر وكل اللي عرفتهم زيك....محدش شاف فيا غير اللي عايزه وبس ولا حد حاول ياخد بإيدي...

يمكن لو حد نصحني كنت فوقت وما اترمتش بين ايدين كل واحد فيكوا شوية....مش عارفة لو جرالـي حاجة هقابل ربنا أزاي وهقوله إيه ؟!

انا ما عملتش حاجة حلوة في حياتي اصلًا استحق عليها الرحمة...

تجمد جاسر مكانه من الصدمـه....حاول استيعاب ما سمعه للتو...فقال بغضب بعدما خُيل له خداعها:-

_ حـامل !! وأنتي فاكرة أن الكدبة الغبية دي هتدخل عليـا ؟! طبعا ده المتوقع منك لما عرفتي أني هتجوز وأنك خلاص مش هيكون ليكي وجود في حياتي...

يمكن لو مكنتيش توتو كنت صدقتك !!

قال هذا الحديث بسخرية لاذعة فأشتد بكائها وقالت :-

_ مش بقولك أني كنت عارفة أنك مش هتصدقني !! صدقني أنا مش عارفة مع مرضي هقدر اكمل الحمل ولا لأ...بس لو في قلبك رحمة تعالى بنفسك ليا وهتتأكد من كلامي...أنا مش عايزة ابني يتقاله زي ما كان بيتقالي ومايعرفلوش أهل...

هتف جاسر بعنف دون أن يدري مدى ارتفاع صوتـه :-

_ أنا مش عايز أعرفك ولا أشوفك تاني أنتي فاهمة ؟!

وكل كلامك ده مايدخلش دماغي ولا هيأثر فيـا ، أنا قرفت منك ومن كل اللي عرفتهم أصلًا ....كفاية كده بقى وسيبيني في حالي

أغلق الهاتف بعدما كادت أن تتحدث ، تنفس بحدة وتوتر فار بعينيه....هل كانت تقول الحقيقة ؟! كيف لعاهرة أن تصدق في القول فهي آلة للمجون وكل ما هو قبيح...استدار ليخرج من المطبخ حتى اتسعت عينيه بوجود جميلة...انتفض قلبه بذعر وهو يترقب نظراتها الثابته عليـه....

منذ دقيقة فقط قد اتت لتستمع إلى حديثه الآخير...ورغم أنه يتضح أنـه يتحدث مع إمرأة ولكن ما قالـه دون دراية أنها تسمعه أرضاها....قالت جميلة مبتسمة :-

_ مكنش قصدي اسمعك...بس أنا مبسوطة باللي سمعتـه

ضيق عينيه بذهول وردد :- مبسوطة ؟!!

هزت رأسها بتأكيد وقالت :- اكيد...لأنك بتحاول تبعد عن كل اللي فات...بس كلامك اوحالي أن علاقاتك مكنتش مجرد____

قاطعها بقلق وصحح ظنها بتوتر :-

_لا ما تخليش دماغك تروح لبعيد يا جميلة...ده...يعني..عادي زي شباب كتير بتعرف بنات بس مش للدرجة اللي في دماغك...

نظرت له قائلة بلطف :- صفحة ولازم تنساها عشان انا كمان انساها ، يلا بقى يا استاذ نروح الموقع

***********

**بقصر الزيان**

أخذ وجيه طعام الفطار من خادمه العجوز خارج الغرفة ثم دلف للداخل مرة أخرى....

ابتسمت للي وهي ترقبه يتوجه إليـها والطعام بين يديه فقالت :-

_ هو مافيش حد في القصر غير عم نعيم بس ؟!

وضع وجيه صينية الفطار على الفراش وقـال بلطف :-

_ في بس انا مش بثق في حد غيره ، لكن من النهاردة هخلي واحدة مسؤولة عن طلباتك...ماينفعش حد يطلع هنا حتى لو كان عجوز زي عم نعيم كده...

ابتسم وهو يجلس بقربها وبدأ يطعمها بمهل...مضغت الطعام بابتسامة وقالت :- مش هتاكل ؟!

ابتسم بخبث وأجاب :- خلصي أكل وبعدين اكليني بإيدك

هربت بعينيها من فرط الخجل التي تشعر به من نظراته واحاديثه الماكرة حتى اتسعت عينيها بذهول وقد انتبهت لرداء آخر غير الذي كانت ترتديه قبل الإغماء....حقا لم تنتبه سوى الآن فقد خطفها حديثه وكلماته عن التركيز بأي شيء آخر....كان ينتظر تعليقها على الأمر ولكنه ابتسم بمزيح من المرح والمكر الذي يتمايل بمقلتيه لتقل بحدة :-

_ فستاني راح فين ؟ وأزاي لبست الفستان ده ؟!

أخذ وجيـه كوب العصير الخاص به ثم نهض بنظرات متسلية قائلا بهدوء :- فستانك اديته لبنت بتشتغل في القصر عشان تجففه

تنفست الصعداء وقالت :- هي اللي غيرتلي صح ..اكيد صح

ارتشف كوب العصير بابتسامة ماكرة ثم أجاب ببساطة :- لأ مش صح

حملقت للي بذهول....ارتجفت وقد فهمت الاجابة من نظراته الماكرة فأشارت له بتردد قائلة :- تقصد أنك أنت اللي____

هز رأسه بالإيجاب بابتسامة واسعة متسلية بإرتباكها وخجلها وارتشف قطرة أخرى من كوبه بثبات.... 

_ اكيد مستحيل كنت اخلي حد يعمل كده حتى لو بنت ،  

ثبت نظرته عليـها بابتسامة ماكرة حتى ارتجف ونهضت من الفراش لتذهب من أمامه بأقصى سرعة.....شعرت بقبضته على معصمها عندما كادت أن تركض للشرفة ليجذبها إليـه 

همس بأذنها قائلا بصوت خفيض وهو يرفع دبوس شعرها الفضى ويتركه مسترسلا على كتفيها بحرية:-

_ خلي شعرك كده...يمكن يداري كسوف عنيكي اللي بعشقه

طالت نظرته بعينيها...نظرة محبة ، صدق ، اشتياق ولهفة...ابتسمت تدريجيًا وقالت :-

_ أجمل حاجة حصلت ما بينـا أننا ما استنيناش أدلة تثبت لكل واحد فينـا أن التاني بريء ، رمينا كل حاجة وراها ضهرنا عشان نبقى مع بعض...لما ببصلك بحس أني راضية عن كل اللي فات والصبر والوجع اللي حسيت بيـه...كفاية عليـا تبقى أنت الهدية بعد الدموع...أنا اتوجعت كتير أوي يا وجيه وعمري ما حسيت أن ليـا ضهر حتى وأهلي موجودين...

تطلع لدمعة مرت من عينيها لوجنتيها بهدوء فأقترب لعينيها قائلا بحنان :-

_ اعتبريني كل حاجة...يا كل حاجة...

ابتسمت لـه دامعة العينين ليتابع بدفء :-

_ مش عارف ليـه في احساسي غريب في وسط مشاعر كتير بحسها لما ببصلك...بحس أنك بنتي...ليهـا حق السماح جوايـا لو غلطت....ساعات كتير بتمنى لو كنت قابلتك من سنين فاتت وعشت معاكي العمر اللي ضاع مني..

تعلقت برقبته بدلال وقد تحكمت بدموعها قائلة بهمس :-

_ أنت قلت بنفسك قبل كده...كل عمر وليـه دقاتـه ، أنا مكنتش هقبل غير اللي أنـا شيفاه في عنيك دلوقتي...ده اللي مافيش واحدة في الكون ما تتمناهوش...

نظر لعينيها بعمق...سؤال صارخ بعينيه...

والإجابة...علامة الرضا في الصمت والحياء...

لو كانت الشياطين تزين اللقاء بالرغبة الشيطانية المحرمة...فأن الملائكة تهنأ شرعية اللقاء وترحل بخفة للخصوصية...

امتلأت عينيه بالدفء وهو يقترب حتى انتفضت للي بذعر عندما صدح صوت عيار ناري فجأة بصوتٍ مدوي بالهواء...ابتعدت وهي تضع يدها على اذنيها بصراخ....

استدار وجيه بذهول للشرفة فجذبته برعب وهي تبكي من الخوف :- اكيد هو...مش هيسيبني وهينفذ تهديده أنـا عارفة
أغلق وجيه باب الشرفة جيدًا ثم ربت على كتفيها بلطف كي تطمئن بعدما اصابتها هيسترية البكاء مرة أخرى....قال :-

_ خليكي هنا على ما أشوف إيه اللي بيحصل...

هتفت برفض وهي تتعلق بيديه :-

_ لأ ما تمشيش خليك هنا ، ده مجرم أنت ماتعرفهوش ، هو عارف أني بخاف من الصوت ده أنا متأكـدة أنه هو...

كبت وجيه موجة غضب شرسة بداخله كي لا يخيفها فقال بثبات :-

_ ما تقلقيش يا للي ، خليكي هنا على ما ارجع ، ما اتخلقش اللي يهدد ولا يمس أي حد يخص وجيـه الزيان...

تركها وخرج من الغرفة وانتبهت أنه يغلق الباب بالمفتاح الخاص به....وقفت تنظر للباب باكيـه بذعر وهي ترتل أدعية كي يحفظ رب العالمين زوجها الحبيب....

*****

صدح صوت وجيـه بإرجاء القصر بعنف حتى تجمع الحرس بخوف من غضبه وثورته هذه....هتف بعنف :-

_ صوت المسدس ده جه منين ؟! وأزاي حد يقرب للقصر ويعمل كده وانتوا موجودين ؟!!

تلعثم قائد الحرس قائلا :- أنا بعتذرلك يا باشا بس الصوت جه من باب الجنينة والحارس بتاع الباب ده خد أجازة النهاردة عشان تعبان وبعت اجيب حد غيره...مش هتحصل تاني

أشار وجيـه بتحذير:-

_ جيب طقم حرس تاني غيركوا ومش عايز مخلوق يقرب للبوابة اللي برا وإلا أنت عارف هيحصلك إيـه...

تأسف الرجل مجددًا وقال :- غلطة ومش هتكرر يا باشا ، واللي عمل كده هجيبه...

انصرف الحرس بعد قليـل ليعود وجيـه لغرفته بالطابق العلوي...

دلف للحجرة ليجد للي تتمدد على الفراش بوضع الجنين وهي تنتفض من البكـاء...أسرع إليـها بقلق ثم أخذها بين ذراعيه ليطفأ نوبة هذا الذعر بدفء قلبـه....ضمهـا بقوة قائلا :-

_ اطمني مافيش حاجة تقلق....الصوت من برا القصر على الطريق ،مايقدرش حد يدخل هنا اصلًا...

قالت وهي تنتفض من الخوف وتتمسك بملابسه بقوة :- أنا مش خايفة على نفسي اد ما خايفة عليك أنت...

سجنها بين ذراعيـه بحماية وقال بتأكيد :-

_ الموضوع ده هينتهي خلال ساعات...اوعدك 

*******

***بموقع العمل ***

كانت جميلة تتحدث وتتساءل عن بعض الأشياء بينما جاسر يقف بين العمال ينظر للفراغ بتيهة...انتهت جميلة من الحديث فرحل رئيس العمال.....تطلعت به باستغراب متساءلة :-

_ جاسر ؟! جـــــاسر ؟!

انتبه جاسر ونظر إليها بتوتر قائلا :- معاكي

قالت وهي تدقق بحيرة نظرته وتردد نبرته وتلعثمه :-

_ أنت مش معايـا خالص !! مالك تايه كده وسرحان ؟!!

هز رأسه بنفي وحاول التظاهر بالمرح فقال :-

_ لأ ابدًا ....كنت بفكر في شوية حاجات كده تخص خطوبة يوسف ومش عارف اجيب هدية إيه ! تعالي اختارلي هدية اقدمها لحميدة خطيبة يوسف انتي اكيد عارفة ذوقهـا...

ابتسمت قائلة :- ده اللي محيرك ؟!! بسيطة...في محل هدايا كبير أعرفه...إيه رأيك نروحلـه ونختار هديـه حلوة كده ؟

قال موافقا بابتسامة :- واختاري لنفسك احلى هدية...أنتي هدية كبيرة أوي يا جميلة...فعلًا كنتي تستاهلي حد احسن وانضف مني..

قالت جميلة بينما سرا احتارت من اسلوبه الغامض بهذا اليوم:-

_ أنت قلتلي أنك عايز تتغير ، وأنا وافقت اكمل على العهد ده...أنت مش وحش يا جاسر بدليل أنك شايف نفسك كده وما انكرتش...أنا هصبر عليك لحد ما تبقى زي ما بتمنى وتقرب لربنـا وتبقى انسان تاني غير اللي كنته في السنين اللي فاتت..

ابتسم بمحبة وقال لأول مرة دون أي مكر بداخله :-

_ خايف أقولك نفسي في ايه دلوقتي تفهميني غلط ، بس أنا متمسك بيكي زي المريض اللي بيموت ونفسه يعيش...أنتي ما تستاهليش أني بس اتغير عشانك...أنتي تستاهلي اعيشلك عمري كله بكل لحظة فيـه أعيشها جانبك...أنتي كبيرة في نظري أوي..

توردت وجنتيها خجلا وابتسمت لثوانِ ثم قالت بتظاهر الثبات :-

_ طب يلا عشان نجيب الهدية ومنتأخرش...

أشار بنظرة حنونة :- يلا بينـا

*****

**بمكتب آسر**

ظل يذرع الغرفة ذهابًا وايابًا بعد تم الغاء اجتماع اليوم لفريق المهندسين....أخرج من مكتبه ملف بيانتها الخاصة ثم دون رقم هاتفـها على هاتفه وأجرى اتصال وهو يزفر بغضب هائل....

تلقت سما اتصال برقم مجهول...نظرت للرقم بتعجب وهي تأكل قطعة من "البطيخ "  قائلة :-

_ رقم مين ده ؟! مش هرد...

القت الهاتف من يديها وعادت للطبق المليء بقطع البطيخ وقالت بشراهة تطل من عينيها :- بطيخة عسل عسل هستفرد بيها قبل ما العيال يجوا...

صدح صوت هاتفها مجددًا فنظرت للهاتف بتأفف وقالت بغيظ :-

_ ده أنت رقم جزمة ، فايقة وباكل بطيخ وانت عمال تيت تيت

فتحت الاتصال وهتفت دون أن تدري ما تتفوه به :-

_ مين الغتت أو الغتته اللي بيتصل دلوقت وانا باكل بطيخ ؟! دي مش غتاته دي حماقة !!

هتف آسر بعصبية :- حماقة !!

اتسعت عين سما بذهول وقالت بتلعثم :- حماقي..

كاد أن يعود للحديث بصياح فأغلقت الخط وهي ترتجف من التوتر...

نظرت للهاتف للحظات لتنفجر من الضحك ثم نظرت للهاتف بثقة وبمكر...قالت وهي تأكل قطعة أخرى من الفاكهة اللذيذة:-

_ ما استحملش غيابي فيمتو ساعتين...ده انت قلبك اتمرمط يا بني...عشان تبقى تتجاهلني في الجاهلية هههههههه

وضع آسر الهاتف من يده بغيظ وعصبية ورغم ذلك شيء بداخله ابتسم لقولها العفوي....هي دائمًا تتصرف بعفوية مع الجميع 

عاود الاتصال بها فنظرت سما للهاتف بتوتر...احتارت من الاجابة أو تجاهله....بعد قليل ارسل لهـا رسالة نصية محتواها يقل...

(تتردلك في الأفراح...استني كام ساعة بس )

تعجبت من الجملة ولم تفهم ما يقصده فقالت :-

_ يقصد ايه بالافراح؟ ثواني كده....خطوبة جميلة بكرة !! يالهوااااي

********

**بمكتب رعد **

ظل يرمقها من وقت لآخر بينما هي تظاهرت أنها تعمل....فكرها يشرد فيما قالـه بتعجب وحيرة...قالت فجأة متساءلة :- انا مستغربة أن في مسابقة تطلب منك الطلب الغريب ده ؟!! لو شغل شركات كنت قلت ممكن عشان الاقامة وكده لكن مسابقة فده غريب شوية...لأ كتير مش شوية !!

قال بغيظ :- مسألتهمش السبب والله...لازم أنفذ الشرط وخلاص من غير اسئلة مش هتجيب نتيجة ، هو احنا دلوقتي في الشرط ولا في العروسة ؟!!

قالت بعصبية :- واشمعنى أنا اللي اخترتني ادورلك على عروسة ؟! أنت بتشتغل واكيد تعرف بنات كتير ليه ما اخترتش واحدة منهم وريحت نفسك !!

رمق تلك اللمعة الحزينة بعينيها فرفق بها قائلا :- لأني واثق فيكي يا رضوى ، أنا عمري ما شغلني أي بنت اشتغلت معايا...

قالت ساخرة رغم المرارة بحلقها :- ليه وحشين مثلا !!

نفى قائلا :-

_ بالعكس...احلى مما تتخيلي...بس مش أنا اللي أحب واحدة بتعري جسمها قدام الجميع عشان شوية فلوس ، اللي بشتغل معاهم مش بتبان في عنيهم لحظة خجل أو حياء وهما لابسين مايوه وبيتصوروا قدام كاميرا....اللي كده مابتغرنيش يا رضوى لأنها متاحة...كل الرجالة اللي حواليها عارفين كل تفاصيل جسمها من كتر ما اتعرت في التصوير ، تفتكري يوم ما اخلى واحدة تشيل اسمي هختار واحدة منهم ؟!! مستحيل

رغم اعجابها بعقلانيته وحديثه ولكنها احتارت فيما يريده فقالت :-

_ اومال أنت عايز ايه ؟!

نهض من مقعده...هناك أحاديث لا تحب المسافات البعيدة....وقف امامها قائلا :- ممكن توقفي دقيقة

رفعت نظرتها إليه بتوتر فتابع بهدوء :- متخافيش

وقفت ببطء وبتردد ونظرت له بارتباك وخجل فقال مبتسما بحنان :-

_ عايزها زي أمي بالضبط ، جمالها كله في حنيتها وهدوئها ، دفا بيخطف القلب من غير مانحس ، أمي مكنتش اجمل ست والدي قابلها في حياته ، كان دايمًا بيقولها أنتي اميرة عمري السمرا ، كان بيحكي عن حبه ليها للكل ، فاكر مرة زعلت منه لشيء معرفش ايه هو ، تعرفي عمل ايه ؟

قالت بتلهف للمعرفة :- عمل ايه ؟

ابتسم بعشق :- خدها غصب عنها وسافروا ، ساب كل حاجة عشانها ، صالحها بطريقته...هو ماحبهاش عشان الأجمل...هو حبها عشان قدرت تاخد كل الاماكن جواه...الزوجة ماينفعش تبقى زوجة وبس هتفشل اكيد....الزوجة أم وصديقة واخت وكل حاجة...عرفتي اخترتك أنتي ليه ؟

نظرت له برجفة فكأنه قصد شيء آخر بجملته الآخيرة...فتمم بتصميم :- أنا مش أقل من والدي في التحدي...ومش ناوي أسافر لوحدي...

ادمعت عينيها وقالت بقصد :- خايفة تتوه مني ومالاقيهاش ، ماتعتمدش عليـا..

قال بثقة ودفء :- أنا واثق فيكي وواثق من اختياري...هتعب شوية ممكن بس في الآخر هتبقى جانبي أنا متأكد...

مسحت عينيها ونظرت له بصمت فهز رأسه بابتسامة مؤكدة...ابتسامة أخبرتها أن تطمئن....

💖💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖💖

 - الفصل الثانى والثلاثون

 بالمكتب.....

ظل يوسف جالساً بمكتب آسر يراجع بعض الأوراق الخاصة بالعمـل...رمقه آسر بضيق وحنق وقـال :-

_ روح شغلك يا يوسف ، ماينفعش تسيب شغلك وتاخد شغل حد تـاني !!

تنهد يوسف وهو يضع الأوراق واستغل فرصة الحديث فقـال :-

_ سؤال بقى وتجاوبني بصراحة...أنت بتعاملها كده ليـه ؟!

احتدت نظرات آسر وهو ينهض بعصبية وأجاب :-

_ والمفروض أفرح أن شغلي اتعطل بسبب اهمال سكرتيرة ؟!

قال يوسف بنظرة مدققة بوجه آسر :- أنت فاهمني كويس وفاهم اقصد إيـه...لو على العطلة فأنت ما اتعطلتش بالعكس أنت اللي عطلت نفسك بنفسك ولغيت اجتماع المهندسين كمان وده تصرف مش منطقي بالمرة !!

إيـه اللي بيحصلك يا آسر وليـه بتعاملها كده طالمـا بتحبها ؟!!

انتفض آسر من مقعده غاضبـًا وصاح مطرقا على مكتبه بقبضة متشنجة من عروق يده :-

_ أنت مش فاهم أنت بتقول إيـه !! الحب ده مش موجود في قاموسي أصلًا...مستحيل أحب..

نهض يوسف من مقعده بثبات وتوجه لآسر الذي تبدل هدوء عينيه لنيران متقدة وكأنه عزم على بدء المشاجرة وقال لــه بهدوء :-

_ مش غلط أنك تحب يا آسر وتعيش حياتك زي ما المفروض تعيشها ، الغلط هو اللي أنت بتعملـه واللي هيضيعها من إيدك...النهاردة غابت بكرة هتمشي بسبب تصرفاتك..

هتف آسر بعنف رغم أن بداخله يئن خوف وألم من فراقها :- أقفل الموضوع ده يا يوسف ومش عايز اسمع فيـه أي كلمة...وإياك تتكلم فيه حتى لو مع خطيبتك..

اومأ يوسف نفيًا وقال :- ما اتكلمتش فيـه خالص مع حميدة...بس أنـا نفسي أشوفك مبسوط ، نفسي تنسى اللي فات لأن مش كل___

هتف آسر بغضب عارم وكأنه مسه شيطان :-

_ ولا كلمة زيـادة يا يوسف...لآخر مرة بحذرك تفتح الموضوع ده قدامي...كانت أكبر غلطة أني قولتلك عليـه..

قال يوسف بنظرات عاتبة :-

_ حقي أني ادور على مصلحتك وراحتك ، أنتوا أخواتي مش بس ولاد عمامـي...سيبني أقولك اللي عايزه المرادي وبعدها مش هتكلم تانـي...البنت بتحبك وبـاين عليـها...في اختلاف كبير يا آسر بينها وبين...والدتك

سخر آسر بمرارة وقـال :-

_ مش اختلاف كبير ولا حاجة ، امي قدرت تقنع أبويا أنها بتحبه والحقيقة أنها اتجبرت تتجوزه...كان دايمًا يقولي كده ، حبها من غير ما يحسب حساب لبكرة....مقدرتش تمثل كتير وظهر بعد أول سنة جواز أنها عمرها ما حبته..وبدأت تصمم على الطلاق وتاخد كل حقوقها واستخدمتني وسيلة ضغط عليـه..وده كلـه لأنه كان غني..

احتج يوسف وقال :- أكبر غلطة عملها عمي أنـه مقدرش يشيل نتيجة اختياره لوحده فشيلك معاه من غير أي ذنب ، صورلك أنهم كلهم كده ، صدقت لأنك كنت صغير وقتها بس لما كبرت كانت الصورة اتحفرت جواك ومش قادر تتخلص منها...مكنش المفروض أبدًا يدخلك في المشاكل دي ولا يخليك تكرهها عشان بدل ما بتستخدمك ضده يستخدمك هو ضدها وتفضل معـاه...

قال آسر بألم يعتصر بمقلتيه :-

_ لأنه كان بيحبها...وهي كانت عارفة كده واستغلت تمسكه بيـها...وده بالضبط اللي بيحصلي دلوقتي.. وبعد اللي شوفته منهم عايزني أحب ؟!! مستحيل...

إيـه اللي يأكدلي أن سما مش بتقربلي عشان غني ؟! أنت مخدتش بالك من أول يوم كانت بتتعامل أزاي ؟! أظن مش معقول تكون حبتني من أول نظرة كده !! واضح أن اللي عجبها حاجة تانية

يوسف بتساؤل :- وليـه لأ ؟! حتى لو كان اعجاب !! بس مش مصدق أنها فكرت بالطريقة دي !! البنات دول عنيهم مليانة مش فارغة...أنت مش بتحاول حتى تعرف أن كانت بتحبك ولا لأ !!

_ ربنا يريح بالك يا آسر...بدعيلك من قلبي

جلس آسر أمام مكتبه بصمتٍ مطبق بينما رتب يوسف الأوراق المنتهية الفحص وخرج من المكتب بهدوء...

نظر آسر للفراغ لعدة لحظات ثم عزم على شيء...يبدو جنون ما يفعلـه ولكنه قرار بلا رجعة...

********

مرت الساعات.....عاد الفتيات لغرفة السطوح واستقبلتهم سما بلهفة...سردت حميدة ما حدث بدقة التفاصيل لتصيح ضحكات الفتيات عاليًا....قالت جميلة بضحكة :-

_ ده لما يشوفك في خطوبة حميدة بكرة هيرميكي من الشباك

اعترضت رضوى قائلة :-

_ بالعكس...دي هتكون وحشاه أوي وبتهيألي هينسى كل حاجة وهيحاول  يصالحها

سما وهي ممددة وتضع قدما على قدم بثقة متناهية :-

_ مش قولتلكم هيموت فيـا يا عيال !! واضح أن قلبه بيوجعه ومحتاج حد يدلعه....انا يعني هههههه

ضحك الفتيات عليها فقالت حميدة بابتسامة واسعة :-

_ لا وأنتي بصراحة أهيف من الهيافة....بس أقولك حاجة ،خليكي كده ، اركزي بس شوية لكن خلي جواكي حتت الطفولة دي حلوة أوي..

سما بمكر :-

_ آه عارفة أنك بتحبي الطفولة والأمومة...اللي جابلك يخليلك ياختي...

حميدة بضحكة وسخرية:-

_ مش احسن من دراكولا اللي بتحبيه؟!...يجي إيه في عسل يوسف ولا في طيبته وحنيته...

سما بخبث :- انا ماينفعش معايا غير الحمش ، ده لو قلتله في يوم هروح اجيب كيس سكر من الدكان هيحبسني...

رضوى بتساؤل :- هو في دكاكين جنب القصر ؟!

هزت سما رأسها بتأكيد :- اكيد يا جاهلة ، او يعني أي سوبر ماركو كده في بنزيمه على قمة شارع القصر...

حميدة بدهشة :- بنزيمة وسوبر ماركو ودكان ؟!! ده مش هيحبسك ده مش هيطلعك من البيت لمدد ٥٠ سنة قدام يا عرة العرر

سما بضحكة ماكرة :- انا اصلا مش هطلع هههههه

جميلة بضحكة :- وبعدين كيس سكر ايه اللي هتطلعي تجيبه يا فقرية ؟!

هزت سما كتفيها بثقة :- مش مهم ...هبعت عم عثمان ، اكيد عندهم عم عثمان السفرجي...

*************

باليوم التاليــــ.........

استيقظت للي بكسل وآخر ما تذكرته بالأمس أنـها غفت بين ذراعيه ولم تكتفي بعدة ساعات من النوم بل ظلت طيلة الليل في سُباتٍ عمـيق وكأنها ظلت لأشهر يقظة....

فتحت عينيها ببطء لتجده يستعد للخروج وينثر عطره الرجالي على سترته السوداء الرسمية...راقبته هو يتهيأ للخروج...ابتسمت بمحبة فائقة...مرتب ونظيف لدرجة كبيرة...اعتدلت بفراشها متسائلة :-

_ رايح فين ؟!

وضع وجيـه زجاجة العطر من يده واستدار لهـا بابتسامة لطيفة غزت ملامحه وقال :- هروح الشغل ، حاجة ضروري وراجع ما تقلقيش من حاجة ، في طقم تاني للحرس وصل امبارح بليل وكله تمام...

  ....قالت للي بقلق وقد تبدلت ملامحها للخوف :-

_ ماتخرجش يا وجيه...أنا قلقانة عليك مش على نفسي

اقترب إليها حتى جلس على الفراش...أخذها بين ذراعيه بغتةً منـه وضمها بقوة قائلًا :-

_ ما تقلقيش من أي حاجة...بس مكنتش أعرف أنك كسولة كده !!

قال جملته بنبرة مرحة فقالت مبتسمة بتذمر :-

_ عشان نمت كتير يعني ؟! انـا لما بخاف من حاجة أو بتوتر أوي بنام كتير....وممكن أفضل أيام معرفش أنـام خالص...

قال بأذنيها بهمس :- على فكرة....طول الليل فضلت ابصلك وانتي نايمة...

غمر ملامحها الاحمرار وتحاشت النظر لها ابتعد قليلا وقد لمس خده وجنتها في لحظة الابتعاد فارتبكت أكثر...قال مأخوذا ببريق عينيها اللامعة بإغراء :-

_ بحاول أصدق أنك هنا جنبي...ومراتي !!

لأول مرة يمر على قلبها تلك المشاعر العاصفة....ولا تنكر أنها أرادت قربه الآن مثلما يريد هو....فلا خطأ في ذلك فهي زوجته...

ربما لاحظ ذلك بعينيها فأقترب مرة أخرى لأذنيها قائلا ببطء :-

_ مش هتأخر...

التقطت انفاسها بالكاد وقالت بتلعثم :- المفروض اروح للبنات في الحارة عشان خطوبة يوسف النهاردة....المفروض اروح بدري عشان أنا اللي هعملهم الميك أب...

قـال متأملا بملامحها الجميلة :- احنا مش اتفقنا مافيش شغل ! انا مش معترض على شغلك لكن عايز لما ارجع الاقيكي...مش عايزك تتعبي نفسك في حاجة مش محتجالها أصلًا...

قالت مبتسمة :- لأ انا ما غيرتش رأيي ، بس البنات محتاجلي في اليوم ده ، أنـا من نفسي قررت اتفرغ لبيتي وحياتي...

قبّل رأسها بدفء وابتسامة قائلًا :-

_ مافيش مانع....بس استنيني لما ارجع عشان اوصلك بنفسي...

اومأت رأسها بموافقة ثم نهض مودعا بابتسامة 

********

دقت الساعة العاشرة صباحاً......

انشغلت حميدة بالتجهيزات الخاصة بالخطوبة بينما سمـا كانت تشرد بعض الأحيان فيما ينتظرها...اتت حميدة بغيظ وهتفتت امامها :-

_ يااابت !!! عمالة انادي عليكي بقالي ساعة وانتي ولا هنـا !!

قالت سما بأسف :- مخدتش بالي معلش ، المهم...هي للي مش هتيجي النهاردة ؟!

اجابت حميدة :- انا اتكسفت اتصل بيها واسألها دي يدوب بقالها يومين والمفروض يعني انها في شهر العسل وكده....بس هي اتصلت بيا من شوية واكدت أنها جاية بدري عشان تجهزنا زي المرة اللي فاتت...حتى الفساتين...

ابتسمت سما وقالت :- طب الحمد للـه ، انا بطمن لما بتكون موجودة والله...

جذبتها حميدة من يدها وقالت :- تعالي بقى ساعديني في المطبخ عشان عايزة افضى لنفسي بقى...

ذهبت سما معهـا باتجاه المطبخ لتتلقي بعد لحظات اتصال من رضوى...اجابت بلهفة :- ايوة يارضوى ؟!

قالت رضوى بعجالة :- مجاش لسه ، تقريبـًا خد أجازة هو كمـان !!

اجفلت سما عينيها بحيرة ودهشة.. قالت :-

_ أزاي؟! أنا شيفاه طالع الصبح من البيت !!

رضوى بحيرة :- مش عارفة بس أنتي اكدتي عليا اتصل بيكي واقولك حصل إيه...وروحت اتأكد مالقيتهوش اصلا...بصي انا وجميلة كلها ساعتين وجايين...يلا سلام..

اغلقت رضوى الاتصال ليذهب فكر سما في الشرود مجددًا وبدأت تشعر بشيء غير مريح في اختفائه!!

*********

**بمكتب جاسر**

وضعت جميلة اجندة المتابعة على الطاولة وتطلعت بجاسر الذي كانت عينيه شاردة للبعيد....شاردة بتيهة مريبة...بها شيء من القلق والخوف المترقب...تساءلت :-

_ أنت مخبي عليـا حاجة يا جاسر ؟! شيفاك مش على طبيعتك خالص !!

نظر إليـها وابتلع ريقه بقلق ثم اجاب :-

_ لا أبدًا....بفكر بس أننا هنتجوز بعد أقل من شهرين وانا لسه ما استلمتش ميراثي ، هنعيش مؤقتا في شقة بالايجار وبعد كده هعمل احلى بيت ممكن تتخيليه...

ابتسمت وهي تنهض...جلست بمقعد أمام مكتبه وقالت :-

_ هو ده اللي محيرك ومضايقك أوي كده ؟! انا مش شايفة أن في مشكلة اصلا....بالنسبالي بحب البيت يكون عادي لأن الفخامة الزايدة بتخوفني وبحس انها مش مريحة ، أنت عارف أن الموضوع ده مش شاغلني اصلا !!

قال بنظرة حنونة:- بس ده حقك..

ابتسمت برقة وقالت :-

_ حقي هو أنك تبقى انسان كويس وتتقي ربنا فيـا ، أنا مش عايزة ابقى خايفة منك ولا يفضل بالي مش مرتاح...

قال جاسر بغموض وبعينيه نظرات حزينة :-

_ هو ليـه الانسان يوم ما يجي يتصلح حاله كل غلط اللي فات بيجري وراه ويبقى نقطة سودة ممكن تشوه أي أمل في اللي جاي ؟!

ليـه اللي فات مش بيموت زي ما بيموت جوانـا ؟!

ضيقت جميلة عينيها بحيرة وقلق من حديثه الذي يبدو انه القاه دون حرص...قالت بشك :- تقصد إيـه ؟

نهض من مقعده وقد استعاد رشده وقال مصححا :- ولا حاجة ، سؤال جه في دماغي فجأة ، المفروض أنك هترجعي دلوقتي البيت...تعالي اوصلك قبل ما اروح أشوف الموقع...

نظرت له جميلة لبعض الثواني بحيرة فابتسم لها كي يبعد عنها أي شك فنهضت وأخذت حقيبتها لترحل معـه...

********

بعد مرور ساعة.....

أمام شقة بمبنى سكني بحي راقي بالقاهرة.....وقف جاسر يضغط على الجرس....مرت لحظات حتى فتحت كاريمان باب شقتها وما أن رأته حتى تعلقت برقبته بدلال وغنج وقح...جذبته للداخل قائلة بضحكة :-

_ وحشتني موت موت ، كنت بتريق على توتو أنها متعلقة بيك للدرجادي ودلوقتي بقيت نسخة منهـا....بس أنـا زعلانة منك

تساءل ببعض الضيق :- ليـه ؟

مرت اناملها على رقبته ببطء وإغراء ثم الى وجهه وشفتيه لتقل هي بصوت ناعم :- المرة اللي فاتت سيبتني ومشيت...افتكرت أني وحشتك بس قلت كلمتين ومشيت....للدرجة دي هونت عليـك ؟!

قال بزفرة حادة وابعد يديها عن صدره وقال :-

_ كان عندي شغل مكنتش فاضي ، المهم أنا عايزك في شيء ضروري

ابتسمت بخبث واقتربت له مججددا قائلة :- إيه هو ؟

ابتلع ريقه وهو يقاوم تلاعب الشيطان بعقله وقال :-

_ هي توتو مريضة ؟ عايز أعرف كل حاجة عنها الفترة دي بس من غير ما حد يعرف أي حاجة....كفاية انك قولتلها أني هتجوز

قالت كاريمان بنظرة ضيقة خبيثة :- هي اللي سألتني وأنا قولتلها أنك خلاص نسيتنا...بس أوامرك يا جاسر ، اللي عايز تعرفه كله هعرفهولك واقولك عليـه...لكن ده ليـه تمن

قال بنفاذ صبر :- اكيد عارف...عايزة كام ؟

اقتربت له بنظرات ماكرة وقالت بغنج :-

_ انا عارفة عنك كل حاجة ، ولما بتنرفز وازعل من حد بقول عنه كل اللي أعرفه لكل اللي حواليه ، ولو مشيت هزعل منك أوي أوي....أنا مش عايزة فلوس...أنت عارف أنا عايزة إيه بالضبط

نظر إليها بذهول...لقد حاول أن يخرج من مأزق فوضع نفسه بمأزق أكبر واخطر.....هذه العاهرة كالشيطان....تريده يقبع بجحر المجون معها مرة أخرى وهو من ظن انه سينقذ نفسه!!....رأت قلقه...فأستغلت ذلك وجذبته لحجرة نومها...لم يستطع أن يعترض

*******

**بقصر الزيان**

مر الوقت ولم يأتي !!.....تصاعد قلقها وخوفها إلى حد الرجفة التي اجتاحت جسدها كلـه....ذرعت غرفتها ذهابًا وايابًا بخوف شديد حتى لم تستطع الانتظار اكثر من ذلك....

بدت خائفة عليه...وغاضبة منه في آنٍ واحد....

انتقت شيء من حقيبة ملابسها وتعمدت ذلك كلفته على غضبها منه ولم تريد أن تستخدم أي شيء بالخزانة الملابس الذي اختارها بنفسه...

مرت من ردهة القصر دون ان يراها الخدم وخرجت للباب الرئيسي ليعترض طريقها الحرس...قال احدهم :-

_انا أسف بس الباشا محذر محدش يخرج أو يدخل القصر....

قالت للي بحدة :- انت هتمنعني أخرج ؟!! وعلى العموم ممكن حد يجي معايا منكم ...انا رايحة الشركة...

وافق الحارس على مضض وقال :- خلاص ،هوصل حضرتك بنفسي....اتفضلي

********

**بشركة الزيان **

قال الضابط رفعت بغيظ :-

_ كنت مراقب القصر ومجرد ما رجالتي شافوه بيضرب نار مسكوه ، خليته يعترف بنص الحقيقة بس المجنون ضرب نفسه بالنار قبل ما يعترف بالباقي.....مات

تنهد وجيه براحة وقال :- في ستين داهية ، مات الموته اللي يستاهلها ، كفاية اللي عملوه فيها...الحمد لله أنه اعترف باللي عمله الحقير...لو مكنش موت نفسه كنت موته بإيدي...

قال الضابط بضيق :- اللي قاله مش هيفيدني انا كضابط في حاجة...اكيد مرتاح انه اعترف بالشق اللي يهمك بس اللي كان مخبيه اخطر بكتير أوي يا وجيه...طلعته من فرنسا بالسهولة دي مش سهلة ومش أي حد يقدر يعمل كده...

وجيه ببعض الحيرة :- لو حد وراه ممكن يبان الفترة الجاية...وعلى فكرة لو عاش مكنش هيعترف بسهولة واذا اعترف...

قاطعه الضابط قائلا :- كان هيتشكك في قواه العقلية ويطلع في الاخر مجنون ،وهو بصراحة يتشك فعلا في صحته العقلية ،انسان مش طبيعي فعلا...انا شوفت تعابير وشه لما وصلت للمكان اللي رجالتي حبسوه فيه وكان بيصرخ بشكل هستيري...

وجيه بهدوء :- صفحة واتقفلت وخلاص...المهم أني عرفت الحقيقة ، بس البنات اللي محبوسين برا دول عملت فيهم ايه ؟!

اجاب الضابط :- بعتلهم حد من طرفي استجوبهم بوعد انهم لو قالوا الحقيقة هنرجعهم مصر وفعلا قالوا كل حاجة ، وكلامهم كان نفس كلام حسام ....لعبة واتعملت عليك أنت ومراتك...بس ربنا كشف الحقيقة

وجيه بابتسامة :- الحمد لله...الحمد لله 

نهض الضباط قائلا :- طب كده تمام ، لو في أي حاجة كلمني في اي شيء كلمني...

شكره وجيه بشدة وقال :- مش عارف اشكرك أزاي يا رفعت ، انت شيلت حمل كبير من على كتافي....

ربت رفعت على كتفيه بابتسامة ثم انصرف.....

جلس وجيه على مقعده بسعادة وراحة....وكأنه كان ينتظر هذا الشيء ليختم عقله بالمصداقية ويعشقها بكل كيانه....

قرعت السكرتيرة الباب وسمح لها وجيه بالدخول.....قالت برسمية :-

_ مدام للي منتظراك برا

اتسعت عينيه بدهشة فهتف :- وسيباها برا ؟! دخليها فورا

خرجت السكرتيرة سريعاً لتخبر للي بالدخول....

ومثل الزيارة السابقة....كانت بطلة فاتنة....نهض لاستقبالها....

دلفت بخطوات عصبية وملامح غاضبة....تطلع على مظهرها ببطء وما ترتديه....بنطال من الجينز بلون الثلج يبدوا انثويا عليها بشكل قاتل للمقاومة....معطف صيفي خفيف من اللون الأسود واسفله كنزة صيفية من اللون الوردي بالكاد غطت قليلا الحزام الأسود الرفيع الذي يلتف حول خصرها.....

تطلع بها بنظرة ضيقة لما ترتديه...وتركها تأت اليه بعصبية وهتفت :-

_ ده اللي مش هتتأخر ؟! حرام عليك كنت هتجنن من الخوف ومعرفش جيت هنا ازاي ؟!

شملها بنظرة متفحصة من اخمص قدميها حتى شعرها المسترسل بترتيب حول وجهها...جذبها اليه بحدة قائلا :-

_ ده لبس تخرجي بيه ؟! اظن انا جبتلك لبس شيك جدًا ومقفول عن كده كتير...اللبس ده آخر مرة يتلبس

ارتبكت لقربها منه وقالت بتلعثم :- هو وحش ؟!

نظر اليها نظرة طويلة ثم قال :- بالعكس....بس ملفت أوي...ملفت زيادة عن اللزوم...مُلفت بغباء

ابتسمت  وقالت بصدق :- دي غيرة بقى ؟!

ضيق عينيه بغيظ وقال :- ده انتي مبسوطة بقى ؟!

اتسعت ابتسامتها وهزت رأسها بتأكيد قائلة :- بصراحة آه

ابتسم رغما عنه وقال هامسا بمكر :- هسمحلك تلبسيه في البيت بس...

تابع بدفء :-

_ عايز اطمنك أن خلاص اللي كنتي خايفة منه انتهى...اتمسك وبعدها انتحر...

اتسعت عيني للي بتفاجئ....رددت :- انتحر !!

اكد وجيه ذلك فقالت براحة :- مش بحب اشمت في حد ، بس يستحق يتعذب زي ما عذبني ورعبني سنين....انا عايزة انسى الموضوع ده...

قال وجيه بلطف :- قال اللي عمله قبل ما ينتحر..

قالت بابتسامة :- يعني صدقتني ؟

اقترب اليها بابتسامة دافئة :-

_ انا سامحتك مجرد ما دخلتي مكتبي أول مرة ، كنت مستعد اسامحك حتى لو كنتي عملتي كده...مابالك وانتي مظلومة ؟!

ضغط على خصرها هامسا بأذنيها بعشق :-

_ للي...طلبتي مني أقولك بحبك....بس أنا بعشقك....من أول مرة خطفتيني ومعرفتش انساكي....حتى في الطيارة لما نمتي على كتفي من غير ما تحسي...المفروض كنت ساعتها ابعد عنك بس فضلت ابصلك وانا حاسس محدش مبسوط اكتر مني...لما اتقابلنا تالت مرة في المطعم عرفت أن في بينا حكاية ابتدت...انتي كنتي خايفة وجريتي عليا....وانا كنت هتجنن وأشوفك ومن لهفتي جريتي عليكي وسيبت كل حاجة....انا عمري ما حبيت واحدة نص ما حبيتك أنتي...

عمري ما كنت مستعد اسامح حد المفروض أنه أذاني بس سامحتك أنتي وكنت مستعد اصبر عليكي كتير أوي لحد ما تحبيني زي ما بحبك....

اول مرة دخلتي مكتبي كنت هموت واخدك في حضني بس ماينفعش لاسباب كتيرة...اجبرتك تتجوزيني بس مش عشان انتقم....

أزاي حد ينتقم من روحه ؟! أنا مش هقدر أعيش لحظة واحدة من غيرك تاني....

امتلأت عينيها بالدموع...وتبتسم رغم ذلك !!

عاد أكثر مما تمنت.....أكثر مما تحلم به عاشقاً....ايخبأ الصبر تلك الهدايا ؟!! هذه بشرى الصابرين بالحياة....رجل سيكن هو الأحب والأجمل بعمرها كله مثلما هي بنظره أيضاً.....

فكانت نظرته تقول أنها حلم العمر الذي استحقه ونالـه بعد سنوات من الوحدة والعمل الشاق دون لحظات راحة 

ارتمت بين ذراعيه باكية وهي تضمه بقوة......قالت ووجهه بين يديها بلمسة رقيقة من اناملها :-

_ وانا بموت فيك...وعمر ما قلبي دق لغيرك....أنت كل الحاجات الحلوة اللي استنيتها...

مرت دقائق شاعرية بينهما حتى ابتعد قائلا بمكر :-

_ خلصت شغلي...يلا نرجع البيت

قالت وهي تلتقط انفاسها :- انت ناسي خطوبة يوسف ؟! المفروض اروح دلوقتي للبنات !!

ضيق عينيه بغيظ واتسعت عينيها بضحكة من غيظه....

*********

**بشقة كاريمان **

ظل جاسر ينظر لمرآة الحمام بنظرات كريهة لنفسه ،ولما فعله ،ولما عاد إليـه...

يعرف أنه كان يستطيع أن يعطي حتى مجرد اعتراض ولكنه لم يفعل....كان يريد ولم يستطع القول....لذلك نفسه تتوق لذلك المجون رغم صراخ القلب بالرفض...تلك العاهرة جذبته لذلك الجحيم مجددًا...

أخذ المنشفة وجفف رٱسه وخرج من الحمام عاري الصدر....

ابتسمت بغمزة وهي مازالت بالفراش...كان دخان السيجار يخرج من شفتيها المطلية باللون الأحمر المنتشر على جوانب شفتيها...وقالت بخبث :-

_ يومين بالكتير وهجيبلك كل اللي انت عايزه ،هتجيلي تاني أمتى ؟ ولا تحب اجيلك أنا؟  

ارتدى قميصه بنظرات منفعلة وشعر بكره شديد لذاته وانه مدنس وموصوم بالعهر.. مثله مثلها تمامًا....

أجاب بجفاء :- هتصل بيكي ، ما تتعبيش نفسك

رفعت حاجبيها بتعجب وقالت :- مالك اتحولت كده ؟! ما أنت كنت__

قاطعها جاسر بنظرة عنيفة وصوت صدر بشراسة :-

_ ماتستخدميش الاسلوب ده معايا تاني !! واظن انتي فاهمة اقصد ايه !!

نفثت كاريمان الدخان من فمها بدلال مرة أخرى وقالت :-

_ ما تحسسنيش أنك اتجبرت يعني !! بلاش الطريقة دي معايا يا جاسر انا مش توتو هعديهالك وانسى....طلبك هيتنفذ والمقابل أنت عارفه

نظر لها باحتقار وقال :- أنتي شيطان في صورة بني آدم !!

ارتفعت ضحكتها ولم تبالي بما قاله....خرج من الغرفة سريعا ومن الشقة بكاملها....وكأنه الشيطاين تركض خلفه...

قالت كاريمان بمكر :-

_ هو أنت فاكرني اني هسيب واحد زيك بسهولة يضيع من ايدي ؟!! طب توتو هبلة وبتحبك انما أنا مش غبية....واضح انك خايف تتكشف وانا هعرف استغلك لحد ما اخد منك اللي عايزاه...

********

بالمساء.....استعدت الفتيات للخطوبة بمساعدة للي التي ارتدت فستان بلون الكريمة وبدأت بأجمل طلة......

تجمع الجموع بمنزل الاسطى سمعة

دوت أصوات الزغاريد عندما وضع يوسف الدبلة بأصبع حميدة...

_ مش عارف اقولك حاجة خالص وسط الزحمة دي

اجابت حميدة بابتسامة وبخجل :-  ساعة بالكتير وهنقعد ونتكلم...

وقف رعد بجانب رضوى قائلا :- لبستي نفس لون الفستان اللي فات !

توترت رضوى لأنه قرأ افكارها وما طاف بخاطرها....فارتبكت ولم تجيب فأضاف بمكر :- عقبال خطوبتي يارب ، أن شاء الله قريب ، أن شاء الله

نظرت جميلة للحزن الظاهر بعين جاسر ،.....قالت بقلق :-

_ نفسي أعرف مالك ؟ لو تريحني وتقولي !!

نظر اليها نظرة طويلة.....تتحدث وكأنها بعيدة عنه...كأن ما يفصلهما نيران متقدة....وبالتأكيد يقبع هو بالجحيم...اجاب ببطء :-

_ مافيش....مصدع بس

قالت :- طب هروح اجيبلك اي حاجة تضيع الصداع ده...

ذهبت من أمامه وعاد هو لشروده مرة أخرى....وفكرة واحدة مرت بخاطره....هو لا يستحقها...لما لا يتركها تذهب لرجل مثلها....لرجل ليس ماضيه مدنس بالخطايا الذي عكرت حاضره أيضاً...

وقفت سما بردائها الروزي الفضفاض تبحث عن آسر بكل مكان....لم يظهر إلى الآن ولا يعرف طريقه أحد !!

اشارت لسقراط ان يقترب وقالت له :-

_ ما عرفتش هو فين برضو يا سقراط ؟!

نفى سقراط واجاب :- محدش عارف هو فين ، فص ملح وداب ، واتقلي شوية يابت ايه الدلقة دي ؟!

زمت شفتيها بغيظ فابتعد عنها سريعاً.......

قدم وجيه وللي التهاني ثم استأذن بالرحيل.....تعجبت للي من الأمر 

قالت بعدما خرجت وجلست معه بالسيارة :-

_ اكيد زعلوا اننا مشينا بدري !!

حرك سيارته واجاب ببساطة :- لأ....احنا موجودين بقالنا اكتر من ٣ساعات اظن كفاية كده....

وقفت السيارة أمام بوابة القصر اخيراً.....ترجل منها وخرجت بعده حتى دلفا للداخل....

خطوات فارقة للأعلى حتى ارتقت الدرجات ودلفت لغرفتها....دلف خلفها وراقبها وهي تخلع حذاء قدميها...تعمدت ان لا تنظر له من فرط ارتباكها ولكنها ارتجفت عندما شعرت به خلفها....

حاوط خصرها بضمة وقال هامسا :- ٣ساعات معرفتش اتكلم فيه كلمة معاكي بس وحشتيني...

استدارت ونظرت له بعشق قائلة :- كنت مبسوطة وانا متعلقة في ايدك وبقول أني مراتك ، كنت كل ما اقول لحد كنت افرح واطمن

قال بحنان :- اطمنتي؟

هزت رأسها  ..

اقترابه كان يعني شيء واحد فقط.....أنه يريدها مثلما لم يريد أي شيء بحياته بهذه القوة.....

وجذبها معه بعشق لعالم خاص بينهما....عالم تذهب منه الملائكة بمباركة اللقاء الحلال الذي يرضاه الله....

*******

كادت سما أن تنصرف من الحفل بحزن شديد من غيابه ولكنها تفاجئت به وهو يدلف لداخل المنزل ولكن ما جعلها متجمدة هي من تتعلق بيده....نظر عليها بنظرة وكأنه انتقم منها....اقترب إلى يوسف ليقدم التهنئة مع نظرات الجميع لتلك الفتاة معه....فقال ليوسف بعد التهنئة :-

_ أحب ا?

رواية إمبراطورية الرجال 

الفصل الثالث والثلاثون/الرابع والثلاثون

_ أحب أعرفـك....خطيبتي

قالـها آسر بما لا تهوي نفسـه ولكنـه أراد إبعادها عن عثراتـه النفسية المعقدة....وكأنه مثل وقود الحطب...كلما توهجت ألسنة لهيبه كلمـا أصبحت ثنايـا قلبـه هشيماً تذروه الريـاح..

كانت قريبة حد الانتبـاه لمقصد ارتفاع صوتـه...

كانت أرق من أن يصفع قلبهـا بالغدر والهجـر...

كالطفلة التائهـه في متاهـات قلبـه...ونهشتها ذئـاب حصونـه...

انتفض جسدها بلحظة...وبلحظة أخرى تجمد القلب عن النبض...

ماذا يقل ؟! وماذا فعـل بهـا؟! ولمـاذا التخلّي؟!

ورغم ذلك اتسعت حدقتيها بمحاولة تكذيب أذنيها ، وعينيها....بمحاولة أن تجد أي شيء يسرقها من المشهد...وحمدت ربها أن ما تبقى من السهرة سوى سواهم ورحل المدعوّن..

ركضت نظرات الفتيات إليـها فركضت أقدامهنّ بعد ذلك...تركت حميدة يوسف يقف مذهولًا بما سمعه وتوجهت إلى سمـا مباشرةً ودون تردد...فعلت ذلك كلًا من رضوى وجميلة ليحيطوا بهـا بدعم...

نظراتهنّ معلقـة عليـها بقلق شديد ولا مجـال للحديث..

قـال يوسف على نفس ذهوله :-

_ خطيبتك !! خطبت امتى ؟!

أجاب آسر وود لو يُلقي نظرة على من تقف باتجاه اليمين تنظر له كأنه آكثر ما فقدت بالحياة...كره بنظرتها ضعفه...نظرتها التي إذا طالت هكذا سيترك الجميع ويأخذها للبعيد.....وهذا ما يُخيفه....قال:-

_ اتفقت معـاها من فترة وقريب هتبقى الخطوبة رسمي...

تطلعت حميدة بوجه سما الذي شحب كالأموات...أصبح دون دماء...وقالت بصوتٍ خافت وهي تتمسك بذراعيها :-

_ يلا نطلع فوق...يلا يا بنـات

قالت جميلة بحيرة وأعين متوترة على سما :-

_ طب وليلتك يا حميدة ؟! ده يدوب___

قاطعتها حميدة بتصميم :- يلا نطلع مش وقتـه...

نظرت لسما بألم وقالت :- يلا يا سمكة...أنتي خسارة في الغبي ده أصلًا..

نظرت رضوى بأحتقار إليه وتمتمت :- نفسي أضربه قلمين يفوقوه !!

نشب القهر بعينيها حتى جعلها الألـم تحبس الدموع بعينيها من هول الصدمة....وكأن الدمـوع تنهمر للداخل على ممر القلب باكية...ولكن ايديهنّ لم تستطع تحريكها ولو أنشاً...

تطلع بـه يوسف بنظرة غاضبة وفهم ما خلف هذه المسرحية السخيفة قال بعصبية :- لينـا كلام تاني يا آسر...أسف مش هقدر اباركلك

نظرت "شاهي" لآسر بدهشة وقالت :-

_ كنت فاكرة أن الخبر هيسعدهم عن كده

قالت ذلك بنبرة مدللة ودفعت خصل شعرها المصبوغ للخلف بتغنج....أجابها دون أن ينظر إليـها وظلت نظرته بعين يوسف المتحدثة بصمت وقال :- مفاجأة يا شاهي ، اصلي ما قولتش لحد...تعالي أعرفك على الباقي..

استدار آسر ومعه خطيبته "شاهي" باتجاه رعد الذي كان يقف بقرب الفتيات بنظرات عنيفة وكم ود لو يصفعه على غبائه...

انتفضت عينيها من الدموع حتى مرت على وجنتيها...مر أمـامها وتحاشي النظر إليها...حتى وقف أمام رعد وقال :-

_ أنت كمان مش هتباركلي ؟!

نظر إليه رعد بانفعال وقال على مضض دون ان ينظر لمن معه :-

_ أباركلك على إيه ؟!!

رد آسر بعصبية :- يعني ما سمعتش ؟!!

صمت رعد بنظرة متمعن لآسر ثم تركه ووقف خارج الشقة...استند بظهره على حائط السلم الخرساني وراقب المشهد من بعيد وهو يتمتم الشتائم...

لم يكاد أن يستدير حتى وجد آسر الحائط البشري المسمى بجاسر يقف وكأنه سيقاتل احدهم....

قال جاسر بهدوء لا ينبئ بالخير :- تعالى ورايـا ، عايز اتكلم معاك شوية

أشار جاسر ليوسف بالبقاء قائلا :- خليك أنت يا يوسف

نظر يوسف لسما بشفقة واجاب :- لأ جاي وراكوا

همس آسر لشاهي قائلا :-

_ طب خليكي أنتي هنا وأنا هخلص واجيلك

اعترضت شاهي بتأفف. هي تنظر للمنزل البسيط المتهالك وقالت :-

_ هنا !! مستحيل افضل هنا طبعاً

رمقها سقراط بكره وقال ساخرا بتمتمه حتى لا يحدث مشاجرة :- وماله هنا يا شعر عيرة ؟! جاتك القرف

قال آسر بنفاذ صبر :- طب استنيني في العربية.. 

ما تبقى سوى الفتيات بينما شاهد والد حميدة ووالدته المشهد بتعجب وشك...همست الجدة حميدة لأبنها قائلة :-

_ هما مالهم زعلوا كده ليـه المفروض يفرحوا ! ومال البت سمكة هتقع من طولها كده ؟!

نظر سمعه نظرة طويلة على الفتيات وهتف بأمر :-

_ خدي البنات واطلعي فوق يا حميدة دلوقتي...
 
***********

**بمنزل الشباب**

وقف الثلاثي ينظرون لآسر بنظرات منها الغاضب ومنها الشرس....عقد آسر ساعديه أمـام صدره بثبات قائلًا :- أنا شايف أني ما_____

قاطعه جاسر بصفعة مدوية على وجهه...نظر يوسف ورعد له بصدمة ولم يعتقد احدا فيهم أن غضبه سيصل لهذه الدرجة....تحسس آسر موضع الصفعة بنظرة خطيرة لجاسر وهتف :-

_ هو أنت فاكر أني مقدرش اردهالك ؟! أسف أني كنت بحترمك قبل كده

انتفضت عروق عنق جاسر من الغضب...لا يدري أن كان غضب من نفسه او من ذلك الأحمق فقال بعنف :-

_ أنا اللي ندمان أني في يوم كنت شايفك احسن مني ، كنت فاكرك بتفهم لكن طلعت غبي ، غيرك بيتمنى نص فرصة لحياة مفتوحة قدامك بمنتهى السهولة وانت اللي رميتها بإيدك ولا فاكرني مش كاشفك وعارف اللي بتخبيه عننا...

ورايح تخطب مين ؟! شاهي ؟!! تحب أقولك خطيبتك كانت مع مين الاسبوع اللي فات ولا متحبش ؟! وتحب اقولك هتكون مع مين بكرة ولا مش عايز ؟!

قال يوسف وهو يمنع جاسر عن الاقتراب من آسر مجددا :-

_ أنا برضو مستغرب ، شاهي كلنا عارفينها وآسر اكتر واحد كان بيكرهها اشمعنى دلوقتي خطبها ؟!!

زم جاسر شفتيه بشراسة وقال :- مكنتش أعرف انك واطي للدرجادي ومعندكش كرامة...عمي كان عنده حق لما طردنا لأننا مانستحقهوش ولا نستحق يكون عمنا وهتكلم عن نفسي الأول ، أنا ما اشرفش حد

رعد بحيرة :- اوعى تقول أنها تابت ؟! مش منظر واحدة تابت خالص !!

صرخ آسر بهم بغضب :- ده اختياري ومش من حق أي حد يدخل فيـه ،انا ما اتكلمتش كلمة واحدة عن اللي خطبتوهم ولا اعترضت !!

توجه إليه جاسر بشراسة وجره من ياقة قميصه بعنف هاتفا :-

_ وهو انت عايز تجيب اللي خطبناهم للحقيرة اللي جايبهالنا !! دي جزمة أي واحدة فيهم بينا كلنـا...تحب اقولك خطيبتك لقبها ايه في الشلة بتاعتها ولا هتزعل ؟!

ابتعد آسر وبالكاد خلص نفسه من براثن شراسة جاسر الزائدة وقال :-

_ ده قراري ومش هتراجع فيه سواء قبلتوه أو لأ..

رمقه جاسر بإحتقار وقال بمرارة :-

_ انا اتمنى يبقى عندي فرصتك ، اتمنى لو ارجع واصلح اللي فات لأني بقيت مرعوب يهدم كل اللي جاي ، فرصي خلاص خلصت للأسف ، ونصيحة وياريت تسمعها مني انا بالذات زي ما كلكم دايمًا بتقلولي....أنت بتحبها ويمكن هي بتحبك....ماتضيعهاش من ايدك ياغبي عشان الندم وحش ، وحش أوي ومش هتقدر تستحمله...

شعر رعد بشيء مرير يقتدح بنبرة ونظرة جاسر.....لا شيء يفسر ذلك الا بوجود شيء كبير لربما يخفيه !!

قال لآسر بمحاولة ان يثبت انفعاله :-

_ دي كدبة وأنت عاملها اكيد...ماهو مستحيل اصدق أنك ومن ضمن بنات الدنيا اخترت شاهي !!

يوسف بضيق :- حرام عليك اللي بتعمله في نفسك يا آسر ، لو عايز تبعدها على الأقل كان ممكن تتجاهلها لكن اللي أنت عملته ده مصيبة هدت كل شيء ،قفلت أي أمل ممكن يجمعكم تاني...

هتف آسر بحزن يقتلي بعينيه ومرارة :-

_ أنا قلتلكم مليون مرة أني مش عايز احب...مش قابل الفكرة ، انا حر..

هز جاسر رأسه بموافقة وقال بغضب :- صح ، أنت لازم تتربى وتعرف وتحس باللي أنت عملته ، عايز تتجوز شاهي ؟ اتجوزهــا..

عايز تطرد سما كمان محدش هيعترض...أنت لوحدك اللي هتشيل نتيجة غلطك محدش هيشيل عنك...أنت غبي..غبــــي

هتف بهـا جاسر وخرج من الشقة البسيطة...وبخطوات سريعة تجابـه نظراته غضب وعصبية...

احيانـاً نحـن من نُلقي بإيديـنا إلى تهلكة الدموع والألم...نظن أنها قوة...ولكن أين قوة القلب عند الألم ؟!

قـال رعد بحدة :-

_ جاسر عنده حق ، أنت كان عندك فرصة تبدأ حياتك مع واحدة بتحبك بمنتهى السهولة ، وتنسى الي فـات لأنه فـات ،تنسـاه لأنه مش قدرك ولا نصيبك لكنك رسمته على حياتك بمنتهى الغباء...وفعلًا فرصتك ضيعتها وغيرك بيستناها ويتمناها..

لو كنت عايز تبعد فعلى الأقل ما تضيعش نفسك وسمعتك وكرامتك مع واحدة زي شاهي..

ابتلع آسر ريـقه الجاف تقريبـًا وأجاب ببطء :-

_ شاهي بعدت عن شلتها وكل اللي تعرفهم ،تقدر تتأكد من ده..

يوسف بنفي :- ده اللي أنت بتحـاول تقنع بيـه نفسك ، لو اللي بتقوله صحيح كان بان عليـها حتى !! يمكن لو فعلًا بعدت عنهم كنت فهمت موقفك لكن اللي انت بتقوله مايقنعش طفل صغير...

قال رعد بحسم وقوة :-

_ خلاص يا يوسف ، اظاهر مافيش كلام هيجيب معـاه نتيجة ، هو حر في اختيـاره...

ابتعدت يوسف بنظرات عاتبـة وقال جملته الأخيرة قبل أن ينصرف :- الحق نفسك قبل ما تضيعها...

خرج يوسف ومعـه رعد من الشقة وتركوا آسر يقف مكانـه بلا حركة 

طعن قلبـه قبل أن يطعنها....

يقسم أنه عشقها حد الرعب من نفسـه...

لو بقيت معـه لعذبـها...ولا سبيل لإمرأة تحب رجل يملأ قلبـه الآلام والعقد...

*****

**بغرفة السطوح**

ظل الصمت يخيم بينهنّ...تتحاشى كلًا منهنّ بدء الحديث خوفا من إثارة حزن صديقتهم...

كانت جالسة على الفراش ، كأنها تنتظر إعلان نهايتها...الدموع تنحدر دون صوت ، أو حركة ، ربما الألم تخطى الحد...

قـالت حميـدة بمواساة :-

_ أنسيـه ، أنتي طيبة وتستاهلي كل خيـر وهتلاقي الاحسن منـه..

ربتت رضوى على يد سما بحنان وقالت :-

_ والله ما يستاهل ضفرك يا سمكة ، وقع مع اللي تستاهله ، شوفتي منظرها كان عامل أزاي ؟! ده كأنها جاية من كباريه !!

وقفت جميـلة أمـامها قائلة بقوة :-

_لازم تفوقي من صدمتك دي !! اوعي تضعفي وتبينيله انك اتكسرتي ! لو كانت تصرفاته وغيرته دي كلها كذب وخدعك فتبقي____

قاطعتها سما بصراخ وبكاء وهتفت وهي تضع يدها على أذنيها :-

_ اسكتوا بقى مش عايزة اسمع حد ، انا بكرهكم كلكم ، بكرهكم

ركضت منتفضة من مقعدهـا وخرجت من الغرفة تلك لغرفة أخرى صغيرة بالجوار...

ركض خلفها الفتيات سريعا ولكنها اغلقت الباب جيدا حتى لا يقتحم عزلتها أحد...

سقطت على الأرض باكية بكل ما اتيت من قوة....ليس فقط على خداعه وارتباطه بأخرى....بل على نفسها ، وقلبها الذي بأقسى احلامه لم يتخيل هذا الأمر....وحبه الذي توهمت به...

لماذا كـان يغار إذن؟!

لماذا اوهمها بذلك ؟!

كسرتها ليس فقط أمامه ، بل أمـام الجميع ، وبالأخص نفسها...

كانت على يقين أنه يحب ويشعر...فأثبت لها أنها ما زالت طفلة تبني جسورا من رمال الوهم...

ليقع كل ما شيدته فوق قلبها...كتمت صرختها وهي تستمع للقرع الشديد على الباب...

هتفت جميلة بخوف ودموع تتلألأ بعينيها :- افتحي وبطلي عياط على حد ما يستاهلش...ماينفعش تبقي لوحدك

*******

جلس آسر بالسيارة المشتركة بينه وبين الثلاثي الآخر...رمقته شاهي بلوية من شفتيها المنتفخة بلون صارخ وقالت :-

_ انـا لحد دلوقتي ما سألتكش يا آسر سبب التمثيلية دي لكن بعد اللي شوفته من قلة ذوق ولاد عمامك وبصتهم ليـا مضايقة منك ، حطتني في موقف وحش جدًا...

أضافت بمكر :- وبعدين قولي بقى....مين البنت اللي عينك ما اتشالتش من عليها من وقت ما دخلنا عليهم ؟!

هي دي السبب صح ؟!

حرك آسر السيارة في عصبية دون أن يجيبها فتابعت شاهي بحدة :- لو أعرف أنك بتستخدمني قصاد واحدة تانية مكنتش وافقت أنا كنت فاكرة أنك بتعمل كده بسبب الورث بتاعك !!

اطرق على المقود بعنف وهتف بتحذير :-

_ انا مش ناقص كلامك أنتي كمـان ، ومش طايق حد يكلمني

رفعت شاهي حاجبيها بغيظ فهتفت :-

_ اخرك معايا حفلة فرح سمر بعد بكرة ، نحضر الحفلة واغيظ بيك خالد قريبك....ماتستغربش من صراحتي ما انا وافقت برضو عشان كده....

******

يئست حميدة من فتح الباب فأشتد بكائها بقوة لتقل رضوى :-

_ هي هتفضل قافلة على نفسها وبتعيط كده ؟!

قالت حميدة بدموع :- صوت عياطها مموتني يا رضوى ، أنا أول مرة أشوفها كده !! ياما حذرتها منه وماسمعتش كلامي...قلتلها بلاش تبيني لهفتك واحساسك بالشكل ده بس ما سمعتنيش..

تنهدت جميلة بألم وقالت بصوت باكي :-

_ سمكة غلبانة وطيبة مابتعرفش تداري اللي جواها...عشمت نفسها بزيادة ، عشمت نفسها من غير أمل...

حميدة بحيرة ممزوجة بالغضب :-

_ لا يا جميـلة ، أنـا شوفت بنفسي غيرته عليها ، شوفت لما غابت كان عامل أزاي !! ، اللي عمله ده مش مفهوم !!

رضوى بعصبية :-

_ لما كانت بتتقل عليـه ، لمـا كانت بتبعد ، هما كده مابيحبوش اللي بيحبهم ،مابيحبوش الا الصعب ويوم ما الصعب يحبهم يرموه !!

انتبهت جميـلة لرنين هاتفها  

 ...تساءلت رضوى :- مين بيرن ؟!

اجابت جميلة بتنهيدة :- ده جاسر...بس مش قادرة أرد عليـه..

حميدة :- ردي عليـه يمكن في حاجة...

ترددت جميلة بعض الشيء وهي تجيب حتى آتاها صوت جاسر قائلًا :-

_ محتاج اتكلم معاكي شوية يا جميلة...أنا مخنوق..

تعجبت جميلة واجابت :- دلوقتي ؟!!

قـال بصدق :- ياريت كان ينفع بس عارف أنتي في إيه ، بكرة في المكتب لازم تيجي ، كلمتك عشان خوفت ماتجيش واللي حصل يأثر عليكي...

نفت جميلة بقوة وقـالت :- إيه اللي حصل يعني !! واحنا مالنا باللي حصل ؟!! هو ابن عمك ولا ابن عمي انا !!

تظاهرت جميلة بعدم الاكتراث للأمر واخفت عن ما حدث لسما فقال بتصريح :-

_ أنا عارف أنها بتحبه وكنت شاكك أنه بيحبها ، بس النهاردة اتأكدت...وللأسف هو بيحبها فعلًا...

جميلة بسخرية غاضبة:- بيحبها !!! بأمـارة إيه ؟!!

قال جاسر صراحةٌ :- بأمارة أنه خطب عشان تبعد عنه ، هو مش عايز يحب ومش هقدر احكيلك السبب للأسف ، آسر لا يمكن يعمل كده غير لو كان حب فعلًا...ياريت ما تخليهاش تبعد عنه هو محتاج وجودها جنبه حتى لو ظهر عكس كده...

هتفت جميلة بعصبية وبكاء :- تفضل جنبه ليه ؟! وبأي صفة بعد ما جرحها وكسرها !! هو فاكر إيـه ؟!!

فاكر أنه في أي وقت يرجع وهتسامحه !! ولا خد أنها طيبة وعلى نيتها !!

جاسر بضيق :- الكلام مش هينفع فون ، نتكلم بكرة

جميلة بحدة :- لو قدرت اجي...

جاسر بتنهيدة حزن :- حاولي عشان خاطري

اطرفت بارتباك من نبرة صوته الحزينة ويبدو أن هناك شيء يؤرقه لهذه الدرجة....اجابت بالموافقة واغلقت الهاتف بعد ذلك...

دلف سقراط للغرفة بوجه ممتقع من الغضب ورمقهنّ بتعجب وهم جالسين أمام الغرفة الصغيرة الخاصة بالخزين قائلا :- مالكوا قاعدين كده ؟!

قالت حميدة :- سمكة قافلة على نفسها ومش راضية تفتح

اقترب سقراط للغرفة ودق بعصبية وهتف :-

_ افتحي الباب يا حمارة يا غبية ، ماهو هبلك ده اللي خلاه يستضعفك...أنا فهمت كل حاجة من سؤالك عليه وطريقتك معاه مابالك هو افتكر إيه !!

نهض الفتيات وهتفت حميدة بغضب :- اخرس خااالص ومالكش دعوة بحاجة

دق سقراط مرة أخرى وصاح :- لأ مش همشي قبل ما تطلع وتبطل عبط ، لو عندها كرامة ماتعيطش وتقف قدامه كأنه مايسواش ولا هي فاكرة انها لما تعيط هيجيلها راكع !!

هي مش فاهمة أن طريقتها معاه هي اللي رخصتها....

اقتدح الشرر بعين حميدة من حديث شقيقها الصغير حتى تزامن وقت رفع يديها بالصفعة مع فتح الباب لتمنع سما يدها التي كادت أن تهوى على وجه سقراط بعنف...

نظر الجميع إليـها لبرهة بصمت  لتقل سما بعينين منتفخة من البكاء وصوت ينتفض من الالم :-

_ بتضربيـه ليـه !! هو ما غلطش...أنـا اللي غلطانة وغبية وكل حاجة وحشة

ضمتها حميدة باكية وقالت :- اوعي تقولي على نفسك كده تاني ، انتي احسن مننا كلنا..

قـال سقراط بقوة :- كرامتك مش هترجعلك وانتي بتعيطي

جذبتها حميدة للغرفة الأخرى واتى خلفها الفتيات وسقراط أيضاً....جلسوا جميعا حولها بمقاربة شديدة وقالت جميلة :-

_ جاسر قـالي...

قاطعتها سما بكسرة :- سمعت...بس مابقاش يهمني ، محدش بيسأل الميت عن طعم الدوا...

حميدة :- ميت !! ده اللي كنت خايفة منـه

رضوى بحدة :- خليه هو يفرح ويتبسط وانتي تعيطي وتدبلي ، اتكسري كمان وكمان قدامه !!

ربتت جميلة على كتف سما الذي يرتجف بشدة وكأنها بنوبة حمى :-

_ سمكة....محدش بيتعلم ببلاش ، بنقع ونقوم ودي مش النهاية ، في يوم هتقابلي واحد...

صرخت سمـا باكية وقالت :-

_ أنا مكنتش عايزة غيره ، كنت عايزاه هو بكل مشاكله وعيوبه ، كنت هستحمل عشانه أي حاجة..يمكن كنت غلطانة في طريقتي معاه...يمكن اتسرعت...بس أنا طول عمري مستنية أفرح..كنت بحلم وصدقت حلمي من قبل ما أعرف حقيقة مشاعره 

أشارت حميدة بعنف لتصمت وهتفت :-

_ ما تكمليش كلمة زيادة  ؟!

مش هقولك انك احسن منه لأن ده الطبيعي والواقع بس على الأقل احسن من الرقاصة اللي كانت معاه ، دي ما تجيش في ضافرك يا هبلة ، هو ده ذوقه اللي شبهه...بكرة هتشوفي هيحصله ايه اللي زي دي ما بتعمرش بيوت..

تمددت سما على الفراش بوضعية الجنين وأخذت تشهق من البكاء....

******

طل أول شعاع للصباح....

وكأن الشمس اخيراً مرت على عمرها....وعلى قلبـها...

تململت بكسل شديد لتتفاجأ أنها لا زالت مسجونة بين ذراعيه....ذاهب في سُباتٍ عميق...ويديها على صدره...

اشتعلت وجنتيها حمرة شديدة من الخجل كلما تذكرت ما حدث منذ ساعات...

طافت نظرتها على ملامحه النائمة بابتسامة عاشقة...يحمل من الحنان ما جعلها تغرق بعالمًا تقسم انها لم تطائه قدميها رغم زواجها السابق !

اتسعت ابتسامتها بسعادة ومرت أناملها على جانب وجهه برقة....

لا زالت تتذكر كلمات الحب التي همس بها ، نبرة صوته الحنونة القاسية بآن واحد...يحمل من النقيض في كل شيء ما جعلها تقسم انها وقفت بآخر دروب العشق...

تحبه بجنون...تعشق كل شيء بـه ، ولو قارنت بزواجها الأول فسيكن الفارق مثل السماء والأرض....

كيف تقارن الجنة بالجحيم !! كيف تقارن الألم بمنتهى السعادة !!

رغبته بها كالشمس لن ينطفأ ضوئها أبدًا إلا بقيامة روحه ، ولكن من بين كل هذه هناك حنان هائل يسبح بلمسة أنامله ، تتحسسه بشرتها ، فاقت شتات المجنون في ضرب فكره ، فكيف تشعر بكثر هذه المشاعر !

تسحبت ببطء حتى استطاعت الابتعاد هذه المرة ، ولكنها استدارت لتشبع نظرتها منه قبل أن تغيب للحظات....

ملامحه هادئة تمامًا ، بها ابتسامة خفيفة كأنه يمر بحلما جميل...ارتدت روبها سريعا على ردائها القصير ثم توجهت لحمام الغرفة لتغتسل...

مرت دقائق كثيرة حتى خرجت ولكنها تفاجئت بأن الفراش خالي !!

كان بشرفة الغرفة وهي من ظنته بالخارج !! يبدو أنه اخذ دوش سريع ايضا بسبب شعره المبتل هذا....ولكنه مرتب وتفوح منه رائحة عطر ما بعد الحلاقة...

توجه لها بنظرة شديدة المكر وابتسامة تطوف على ملامحه حتى ثبتت على ثغرها وهو يضمها بلهفة قائلا :-

_ هو أنـا كل يوم هصحى على العينين الحلوة دي ؟!!

استدارت له بابتسامة خجولة وتهربت من نظرته الجريئة ...قالت بارتباك وخجل :- هخبي عنيا

اشتدت ابتسامتة هامسا بأذنيها :- اوعي ، الا عنيكي....

نسيت أقولك صباح الخير يا عمري....

قالت ببسمة خجل :- صباح النور

شدد يده على خصرها بتملك وهمس :- تعرفي نفسي في إيه دلوقتي ؟

تساءلت برجفة وصوت بالكاد خرج :- إيـه ؟

مرت نظرته بمكر على جميع ملامحها ببطء ثم إلى عينيها وأستطرد :-

_ عايز اخدك ونسافر فرنسـا ، لنفس الفندق ، نكمل مشهد مكملش ، الفرق أنك هتكوني معايا خطوة خطوة...

قبّل رأسها بقبلة طويلة ثم نظر لعينيها قائلًا :- هنسافر فرنسـا في أقرب وقت ، رحلة مش هتنسيها طول عمرك..

*****

ظلت رضوى بجانب سما التي التزمت الصمت التام وكأنها أصبحت جثة....ذهبت جميلة وحميدة للعمـل بصباح هذا اليوم ليستقبل يوسف حميدة بلهفة وشوق....توجهت جميلة لمكتبـها مباشرةً....

جلست حميدة بعين ذابلة من كثرة بكائها الليلة الفائتة على مقعدها امـام المكتب ليقل يوسف بقلق :-

_ سما عاملة إيه دلوقتي ؟

تنهدت حميدة بحزن وقالت :- يوسف...ياريت ما نتكلمش في الموضوع ده ، سما كويسة مافيهاش حاجة

جلس يوسف أمـام المكتب مواجهاً لهـا وقال بضيق :-

_ ربنـا عالم اللي قولناه لآسر امبـارح و___

قاطعتـه حميدة بعصبية :- بعد اذنك يا يوسف أنا مش عايزة أي سيرة في الموضوع ده...كل واحد حر في تصرفاته وحياته...محدش بيقف على حد

قـال يوسف بقلق وتوجس :-

_ هو أنتي زعلانة مني ليه يا حميدة !! أنـا ماليش ذنب والله العظيم

تطلعت به وابتسمت بمحبة قائلة باعتذار :-

_ أنـا عارفة ، بس معلش استحمل عصبيتي النهاردة على الأقل..

انكمشت ملامحه بضيق شديد وقال :-

_ كنت شايلك كلام كتير عايز أقوله بس اللي حصل عكنن على الكـل...عموماً أنا جبتلك حاجة مهمة...

أخذ يوسف اجندة من على الطاولة أمامه ووضعها بابتسامة خفيفة مترقبة لتعابيرها وقـال :-

_ خدي الأجندة دي أقريـها ، فيها حاجات كتير تخصك ،عشان تعرفي أن اللي جوايـا مش من النهاردة...

نمت شفتيها عن ابتسامة وقالت متساءلة :- مذكراتك يعني ؟

قال بمشاكسة :- حاجة زي كده ، المهم....خليها معاكي...وخليكي أنتي معايـا....

ابتسمت برقة قائلة :- ربنا عالم كنت جاية عاملة أزاي ، بس أنت قادر تشيل عني أي وجع بكلمتين منك...ربنا مايحرمنيش منك أبدًا يا يوسف

أجاب بنظرة حنونة :- ربنا يديمك في حياتي نعمة وأحلى نعمة يا حميدة...

أخذت حميدة الاجندة ووضعتها بحقيبتها قائلة :-

_ مش هقراها دلوقتي رغم الفضول اللي حاسة بيه ،عايزة اقراها على رواقة بس يارب يكون خطك حلو

اجاب مبتسما وهو يسند مرفقيه على المكتب براحة :-

_ خطي حلو ما أنتي عارفة ، بس بحلو اكتر وأنا بتكلم عنك ،    

اتسعت ابتسامتها رغما عنها وقالت :-

_ أنا ساكته أنت اللي بتتكلم !!

قال بحنان وهو يرى ابتسامتها الجميلة القريبة إلى قلبه :-

_ وكنت مستعد اتكلم للصبح بس تضحكي وما أشوفكيش زعلانة...روحي بتوجعني...

احمرت وجنتيها وقررت تبديل مجرى الحديث فأخرجت من حقيبتها بعض الأطعمة وقالت :-

_ جبتلك السندوتشات اللي بتحبها ،والله برغم أني جاية مش شايفة قدامي بس أنت مش بتروح من دماغي...

أخذ الطعام منها بابتسامة واسعة وبدأ يلتهمه بشهية وقال :-

_ احلى شاورما في الدنيـا 

**********

**بمكتب جاسر **

جلست بنظرة قلقة عندما رأته بتردد بالحديث....أتى بهذا الصباح وقد عزم على إنهاء الارتباط ويتركها لرجل يستحقها رغم من مرار هذا الشعور على قلبه.....قالت جميلة وقد ظنت شيء آخر :-

_ لو هتكلمني على موضوع امبارح يبقى الاحسن ما نتكلمش فيـه...

قـال وحمد نقاشها بهذا الأمر حتى يستعيد هدوئه :-

_ اللي قلته هو الحقيقة...ماتخليهاش تبعد ، أنا عارف أن اللي عمله مش قليل ولا سهل بس لو قدرت تكسبه هتكسب واحد هيحبها لأخر نفس فيه...

ابتسمت جميلة بسخرية :-

_ أنت عايزها تفضل جانبه وتستحمل اللي بيعملـه ؟!! الكلام ده لو فعلا صارحها وعايزها تصبر عليـه ، لكن يرتبط بواحدة تانية فتبقى هبلة لو استحملته بعد كده..

_ كان ممكن انصحها تستحمله وتصبر عليه في حال لو هو عايز كده ، لكن بما أنه اختار طريقه فربنا يسهله مع اللي اختارهـا...

تساءل جاسر بلهفة :-

_ يعني لو سألـها تصبر عليه لحد ما يخرج من الدوامة اللي هو فيهـا كنتي تنصحيها انهـا تستحمل ؟

قالت جميلة بتوضيح :- طبعا تستحمل بس بطريقة رسمية ، يعني يتخطبوا مثلا وتشوف هيتعدل ولا لأ...لازم تعرف وتتأكد قبل ما تبعد أو تكرر تكمل..

تنهد جاسر تنهيدة عميقة وقال وهو ينهض من مقعده ويجلس امامها مباشرة :-

_ طب أنـا هتكلم عن نفسي دلوقتي...جميلة أنا بحبك ونفسي أبقى زي ما بتتمني...صدقيني أنا مش وحش ، انا عايز اتغير وابقى حد تـاني...

تطلعت بـه بدهشة !! يبدو صادقاً لدرجة كبيرة ، ولكن توجست من نظرة الخوف بعينيه...

ترقب اجابتها فقالت بصدق :-

_ انا معاك يا جاسر...طول ما أنت بتحاول تتغير هتلاقيني جانبك ، بس ليه حاسة أنك خايف ؟!

قال بضعف والم لأول مرة تراهم بعينيه :-

_ خايف تبعدي عني ، تقريبًا أنتي الوحيدة اللي خليتيني احب اني اتغير ، بس ده هيحتاج وقت ، خليكي جانبي انا محتاجلك أوي

شعرت بشعور خجلت منه...شعرت أنها تريد أن تأخذه بين ذراعيها لتطمأنه ، نظرة الخوف بعينيه صادقة....قالت برقة :-

_ اوعدك أني هفضل جانبك بس بشرط....تحاول فعلا تتغير

********

مر آسر بخطوات سريعة إلى مكتبـه أمام حميدة فرمقته بنظرة احتقار سريعة ثم عادت لعملهـا....وقف فجأة بمنتصف الطريق والتفت لها متسائلا:- هو يوسف فين ؟

لم تجيبه حميدة وتعمدت ذلك...زفر بغيظ من تجاهلها وكرر سؤاله فأجابت ببطء استفزه:- معرفش

لمح عصبية تتمايل بنبرتها فأنتابه قلق وخوف على حبيبته فقال بتردد وتلعثم وهو يبتلع ريقه :-

_ طب و.....آنسة سمـا ؟

التفتت له بغضب هادر من وقاحته...هل لا زال به جرأة أن يسأل عليها ؟!

كـادت أن تتحدث حتى اتسعت عينيها بذهول عندما رأت سما تدلف للمكتب !!

💖💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖💖

 - الفصل الرابع والثلاثون

 تفاجئت حميدة بظهور سمـا بمدخل المكتب....لا يبدو عليـها أي شيء...بل على النقيض يبدو وكأنهـا لا تعلم عن ما حدث بالأمس وكأنه كان حلم !!

حتى مظهرها يبدو أنها اعتنت بـه بدقة حتى تظهر بذلك الشكل المرتب المتناسق والجميل....

تطلع بهـا آسر بذهول...ابتلع ريقه ونظرته تمر على عينيها بلهفة وأشتيـاق..كان يظنـها ستبكِ على خداعـه...ولكنهـا ابتسمت شاكرة !!

تقدمت بخطوات تبدو محسوبة....متزنة ، وكأنها للتو وقفت معتدلة بعد الزحف....مضـت إليـه بابتسامة غير مناسبة للموقف تمامًا !! وهدوء يناقض ضوضاء اضطرابـه وصراخ ألمـه!!

كانت عفوية ، مرحة ، ما يخفي قلبها بعينيها شيء....ولكنه سجن بـها هذا الصخب..وتلك الابتسامة الطفولية على ثغرهـا...لتصبح وكأن مر على قلبـها الثلج بعد اللهيب الحارق....

تحمل بين يديها مغلف صغير يبدو أنه "هدية" وابتسامتها هادئة !! حتى طرفات عينيها هادئة وكأنها ودعت الألم قبل أن تأتي!!

وقفت أمامه ولكنها قبل أن تأت إلى هنـا....تعهدت للقلب قائلة

« دع الدموع لمن يستحق ايها القلب »

فأن تفتت قلب المرأة على ميل الخداع....فلا زال لكيدها قوة ستُجيب...

نظرت لما بيدها "الهدية" كأنها تخبرها شيء بسرية...ثم رفعت نظرتها لـه بنبرة ونظرة هادئة مع تداخل ابتسامة واثقة هدمت ثقته بنفسه وقالت :-

_ الف مبروك يا باشمهندس....أنـا مبسوطة أنك أخيرا لقيت شريكة حياتك اللي تستحق تكون جانبك...دي هدية بسيطة كده يارب تعجبك...وبتأسفلك لو اتأخرت ساعتين على الشغل بس تعبت على ما لقيت حاجة مناسبة اقدر اقدمهالك...ربنا يتمملك بخير..

اطبق الصمت المتجمد على كلًا من آسر وحميدة واعينهم ساهمة على سما التي تتحدث بابتسامة تبدو غريبة على ملامحهـا...وقفت حميدة ببطء بمحاولة أن تصدق أن من أمامهـا هي فتاة الأمس !!

بينما تجمد آسر مكانه وعينيه بها نظرة تتعمق بعينيها عله يستطع أن يسلب افكارها الحقيقية...ليعرف أن كانت سعيدة حقا أم اصبحت مثله تتقن التظاهر !! ليعرف أن كانت احبته يوما أم لا !!

قالت سما وقد شعرت بثقة أكبر واستطاعت التحكم حتى بنبرة صوتها وتابعت بثبات:-

_ مالك ياباشمهندس ؟! هزعل لو ما قبلتش هديتي هي يمكن بسيطة بس أن شاء الله تعجبك...

بالكاد استطاع أن يسحب نظرته من عينيها حتى الاسفل قليلا ونظر لما بيديها حتى مدت يدها كي يأخذ الهدية واستطاع بجهاد أن يرفع يديه ويأخذ منها العلبة المغلفة....ابتسامتها تبدو ساخرة واضافت :-

_ بعد أذنك بقى اروح أشوف شغلي ، انا جاية وكلي حماس وطاقة

تركته يقف مذهولًا وتابعت سيرها حتى مكتبها دون نظرة مكترثة لـه...راقبت حميدة تعابير وجه آسر بمزيج من التشفي والشفقة على حالـه...لا يبدو بحالة جيدة وقد شحب وجهه وتاهت نظرته كأنه يركض بالصحراء وحيداً...

نظر للعلبة بيده وكأنه يقبض على جمر.....وفجأة خرج جاسر وجميلة من المكتب ليرمقه جاسر بتساءل عندما شاهد ما بادي على وجهه وعيناه تحديدا ثم ما بيده...بينما رمقته جميلة بنظرة محتقرة سريعة ثم تطلعت لوجه حميدة المصدوم الذي لم يختلف عن آسر كثيرا...تساءل جاسر بقلق :-

__في إيه مالكوا ؟!

اخيرا انتبه آسر لمن حوله حتى قالت حميدة بصفعة الحديث اللاذع :-

_ والله ما عارفة ، سما جت واديتله هدية بمناسبة خطوبته ومن وقتها وهو كده!!

اتسعت عين جميلة بصدمة وهي تنظر لحميدة حتى غمزت حميدة بمغزى ان تصمت ولا تبدي أي دهشة أمامهم....

قالت جميلة بلهفة :- اكيد سما جابتلنا الغدا بتاعنا زي ما وصيناها يا حميدة انا هدخل أسالها...

اسرعت جميلة وتبعتها حميدة بذات اللهفة لمكتب آسر حتى دلفوا واغلقوا الباب خلفهم....

نظر جاسر بزفرة عصبية خرجت من فمه وقال :-

_ برافوا عليك....عرفت تخسرها بنجاح كبير جدًا...خليك عشر سنين كمان لحد ما تلاقي حب تاني وانسانة تستاهل تاني وده لو لقيتها أصلًا...وحتى لو لقتيها هضيعها تاني....

اشتعلت بعين آسر موجات الألم حتى انتفض جسده بخطوات سريعة وخرج من المكان بالكامل...

**************

**بمكتب آسر**

ظلت جميلة تنظر لسما الجالسة بأنغماس في العمل تمامًا ولا يبدو عليها ادنى مظهر للضيق....تشاركت نظرة قلقة من حميدة لتقل سما دون أن تنظر لهنّ:-

_مش عايزة كلام تاني في الموضوع ده ، أنا قفلته للأبد

اقتربت حميدة وجلست بجانبها ثم ربتت على كتفها قائلة بألم وهي تعلم أن سما تخفي حزن هائل :-

_ أنا عارفة أن مجيتك هنا النهاردة كلفتك كتير من أعصابك بس اتمنى أن يكون فعلا الموضوع اتقفل ، مش قفلتي على نفسك معاه..

أضافت جميلة بلطف :-

_ اتصرفتي صح جدًا يا سمكة بس___

قاطعتهم سمـا بحدة :- أنا قلت قفلته للأبد...محدش يكلمني فيـه تاني لا من بعيد ولا من قريب...

نظرت حميدة لجميلة قائلة بيأس :- يلا بينا يا جميلة عشان ما نتأخرش عليهم..

خرجت جميلة وحميدة من مكتب آسر لتجد حميدة أن يوسف قد انتهى من مكالمته الهاتفية بأحد العملاء واتى مرة أخرى.....

يبدو أن جاسر قد أخبر بما حدث لظهور الضيق على وجهه ثم قال عندما أتت حميدة اليه :-

_ سمر لسه مكلماني دلوقتي تاني تأكد عليـا على فرحها بكرة ، ومأكدة على حضور حميدة وجميلة...

قالت جميلة بحيرة :- بس عمي سمعة مش هيرضى بسهولة كده !!

قال يوسف برجاء لحميدة :- حاولي تقنعيه يا حميدة سمر مصممة على وجودك انتي وجميلة ومش عايز اكسفها وازعلها....

قالت حميدة بتفكير :- هحاول اقنعه ، مش هيرضى نروح لوحدنا معاكم...

قال جاسر بخبث :- طب إيه رأيكم سما ورضوى يجوا معاكم ، اظن ممكن يوافق ؟!

رمقته جميلة بدهشة ولمحت بنظرته شيء آخر فقالت حميدة :-

_ ممكن يوافق طالما كلنا مع بعض ، هحاول اقنعه

انتهى الحديث بينهم ليذهب جاسر وجميلة لأحد مواقع العمل ثم جلس يوسف امام مكتب حميدة قائلا :-

_ كويس أن سما جت الشغل ، وفكرة كويسة انها تحضر فرح سمر معانا حتى ___

قاطعته حميدة بنظرة حاسمة :- سما مافيهاش حاجة يا يوسف انا مش عارفة انت محسسني أنها مريضة مثلا !!

قال يوسف بابتسامة :- مش مهم...المهم في ده كلـه أني هقعد معاكي شوية لوحدنا...

قالت حميدة جملتها لتغيظه :- لما أبويا يوافق الأول ابقى احلم

رفع يوسف يديه بوضع الدعاء وقال :- يـــارب ياعم سمعة توافق يـــارب..

**********

ترك آسر السيار ة لجاسر  يذهب بها لموقع العمل فرمقه جاسر وهو يقف بالطريق أمام المبنى...وقال :- طب تعالى اوصلك ...أنت رايح فين ؟!

هز آسر رأسه بشرود  وأجاب :-

_ ساعة وهرجع الشغل...خلي العربية معاك انا عايزة اتمشى شوية...

وافق جاسر وذهب بالسيارة ومعه جميلة التي لم تغفل عن تعابير الحزن التي تملأ عين آسر....

انتظر آسر حتى ذهب جاسر بالسيارة وتنهد بعمق....تنهيدة تنتحب من الألم والحزن الذي وقع بهما....لازالت العلبة بين يديه ، هديتها له !!

كأنها شيعت جنازته بمجيئها اليوم بهذه الابتسامة....

اكانت تحبه ؟! أم كان وهم مثلما اعتقد هو !!

اكان يختبرها ؟! أم أراد ابعادها عنه حتى لا تحزن !!

في النهاية النتيجة واحدة...يعشقها..

شعر ببعض الفضول كي يكشف عن هديتها...أو بالأصح عن ما تقصد خلفها...فربما وجد الإجابة...

بدأ يفك الشريط الذهبي عن العلبة...تفاجئ بوجود علبة صغيرة داخلها...وبجانب العلبة الصغيرة يوجد غلاف جلدي اسود مخصص للهواتف...ما كان سيلاحظ ما المغزى منه سوى عندما طالعه بدقة ليرى كلمة باللغة الانجليزية...The End (النهاية)

ضيق عينيه على هذه الكلمة بمرارة وبدأ يفهم المعنى...ثم فتح العلبة الصغيرة ليجد ساعة لمعصم اليد....لابد أنها دفعت مبلغ ليس قليل لتلك الهدية...رفع الساعة أمامـه ليتفاجئ أنها تحوي على خاصية التقويم....ولكن ما فاجئه هو ذلك التاريخ المثبت بها....

هذا التاريخ يعود لأكثر من شهرين...تحديدا أول يوم عمل...أول يوم التقت به...ربما قصدت أن تفعل ذلك عن قصد...لتخبره أنها تركت له البداية والنهاية معاً....تركت كل شيء...خسارة قلب فادحة...

امتلأ الشرر العاصف بعينيه وقرر أن يعود اليها...لربما صفعها ، ولربما صاح وصرخ بوجهها....ولربما عانقها....

********

حاولت أن تغض التفكير عن رد فعله....على يقين أنه سيفهم رسالتها....آخر ما يعنيها معه هي تلك النتيجة...

فتح باب المكتب بعصبية كبيرة والقى الهدية على الطاولة أمـامها بنظرة شرسة...رفعت نظرتها ببطء متعمد...كأنها لا تبالي...وهي جدًا تتألم سرا...ما أسخف من إخفاء الألم ، والدموع...التظاهر باللاشيء

وكأن القلب لا يصرخ!!

تشابكت نظرتها المتحدية بثقة عالية بنظرته العنيفة الغاضبة...تحدث بنبرة الهدوء ما قبل العاصفة :-

_ تقصدي إيه بالضبط بالهدية دي ؟!!

نظرت للعلبة التي يبدو أنه جعلها اشلاء والى الساعة والغلاف الجلدي للهاتف وابتسمت قائلة :- أهاديك !! هو عيب أني اجبلك هدية بمناسبة خطوبتك يا باشمهندس ؟! وأنا اللي افتكرت أنك جاي تقولي رأيك فيها ؟! زعلت !!

استفزه أكثر ابتسامتها وهدوئها وصاح :- تاريخ بداية شغلك ، والنهاية على كڤر الفون....ملعوبة...وصلتني رسالتك بس خليكي فاكرة أنك ماضية عقد...

انكمش حاجبيها وتصنعت عدم الفهم :- أنا مش فاهمة ايه اللي معصبك للدرجادي ؟! لو الهدية مش عجباك هغيرها رغم أنك قطعت العلبة بتاعتها ومش عارفه هرجعها أزاي دلوقتي ؟!! ده انا صرفت فيها كل اللي محوشاه بس مش خسارة في حضرتك ، انا بعتبرك أخويا الكبير...

ضيق عينيها بصدمة...ماذا قالت ؟!! لا...لا يعقل أنها تعني ما تقول !!

أشار لنفسه قائلا بذهول :- بتعتبريني أنا...أخوكي الكبير!!

أرضاها بشدة صدمته...شعرت أنها اصابت الهدف بقوة...هزت رأسها بتأكيد وقالت :-

_اكيد طبعا أخويا الكبير...اومال كنت بستحملك ليه الفترة اللي فاتت لو مش اعتبرتك كده !! عموما أنا هغير الهدية ولا تزعل نفسك وعايزة اعترفلك بقى أني وصيت على هدية لخطيبتك وأن شاء الله تكون جاهزة في الخطوبة.....

هز رأسه برفض واستنكار قائلا بصدمة:- مستحيل !! مستحيل تكوني أنتي سما اللي واقفة قدامي !!

نظرت للحاسوب أمامها وتابعت العمل وهي تجيب بلا مبالاة :-

_ اديني سبب واحد لدهشتك دي !! سيبني اكمل شغل بعد اذنك عشان اخلصه بسرعة...

تابعت العمل وتركته يقف بغليان الغضب ولم يحسب تصرفاته وهو يجذبها من يدها بعنف لتقف أمامه ثم قربها إليـه قائلا بألم رغم شدة غضبه :- كنت متوقع أنك تلوميني ، وتعاتبيني ، تصرخي حتى وتعملي أي حاجة غير أنك ترضي باللي بعمله !!

نظرت ليديه التي تسجنها بعنف ثم تمصلت من قبضته حتى تخلصت منه وابتعدت....نظرت له بشراسة لثوانٍ لتقع يدها على وجهه بصفعة عنيفة...أشارت له بنظرة كراهية:-

_ أنت لا ليك عندي لا لوم ولا عتاب وكلامك ده وهم عايش فيه لوحدك...واللي انت عملته دلوقتي ده نتيجته أني همشي من هنا بشكل نهائي ، والعقد اللي معاك بله وأشرب ميته...انا ما اقبلش اشتغل مع واحد قليل الادب وسافل ومش محترم زيك...

أخذت حقيبتها وخرجت من المكتب تحت نظراته المذهولة....ظل للحظات صامتا بجمود حتى بدأ يدفع كل ما تطاله يداه...

خرجت سما من المكتب ومرت بمكتب حميدة التي لاحظت غضبها بقلق وهتفت بها...ولكن سمـا وكأنها لم تنصت لأحد....

*************

بالطريقــ....

كانت تسير وكأنها غائبة عن الوعي...فقط تتحرك...كيف يستطيع المرء أن يشعر بالهزيمة والانتصار بذات اللحظة ؟!

أن يكن يتنفس ولكن به شيء لفظ أنفاسه الأخيرة ؟!

جلست بأتوبيس شعبي...كان خاليًا وحمدت ذلك...حتى اجهشت بالبكاء وظهر ضعفها والمها....لم يكن الفراق هو مصدر الألم بل طوق النجاة من رؤيته مع أخرى...ولكنها رغم ما قالته وما فعلته...تعترف بالهزيمة أمـام نفسها...ادركت أن دموعها هذه ستكن الأخيرة....ربما الالم يخطي خطوته الثانية وهي الصمت...جمود الروح بأنفاس تحيا...

ربما تستطيع نسيانه ذات يوم...ربمـــا !!

مال رأسها على زجاج النافذة المستطيلة...وجفت الدموع بالصمت...انتظرت دقائق حتى بدأ يأتي الركاب دفاعاً...تفاجئت بيد تربت على كتفها...كانت حميدة...قالت باستياء:-

_ انا مابقتش فاهمة حاجة....لا فهماكي ولا فهماه !! ده بيدور عليكي زي المجنون، مصمم ترجعي...العقد اللي مضيناه يلزمنا بسنة شغل...مش عارفة الأمور هتوصل لفين !!

اجابت سمـا وكأنها كبرت بالعمر فجأة...هجرها ذلك المرح بعينيها وقالت :-

_ مش راجعة...أنا مشيت بكرامتي...مشيت بعد ما رديتله القلم اللي ادهولي...كفاية اللي فات عليـه....مايستحق لحظة تفكير تاني في اللي جاي...

جلست حميدة بجانبها وقالت ببطء مؤلم :-

_ مش قادرة أقولك أنك غلط ، بس مش عايزاكي تفضلي في الحالة دي كتير ، ارجعي زي ما كنتي وكملي حياتك كأنك ما شوفتهوش...

هزت سما رأسها برفض :-

_ مش هعرف أنسى اللي حصلي....بس بصراحة انا كنت استاهل ، عايزة افضل فاكرة عشان ما ارجعش العبيطة بتاعت زمان...

حميدة بتساءل وقلق :- هتعملي إيه دلوقتي ؟

تنهدت سمـا بكل قوتها واجابت :- هدور على شغل تاني...بداية تانية ، مع ناس تانية....وسمـا تانية..

ادمعت عين حميدة برجاء:- بس أنا مش عايزة سمكة تتغير !!

سما بسخرية مريرة :- طب يرضيكي أن ده يحصلي تاني ؟! الناس مابترحمش الطيب...بيوجعوه كأنهم حالفين يخلوه شبههم ، بس الطيب لما بيتغير بيبقى زي العود اللي ولع في كوم أش....

حميدة بألم :- في يوم هتقابلي اللي يرجعلك روحك من تاني...

صمتت سمـا وعادت النظر إلى النافذة...لا تعرف ما ينتظرها ولكنها بكل الطرق لا تريد رؤيته حقاً...

**********

**بغرفة السطوح**

هتفت رضوى بغيظ لسقراط وقالت :-

_ أنا مش قلتلك خليك هنا على ما ارجع من السوق !! البت راحت فين ؟!

تطلع سقراط حوله بقلق ثم أجاب :-

_ كنت في الورشة بساعد أبويا في حاجة كده واتأخرت ، هروح اقلب الدنيا لحد ما الاقيها...

كاد سقراط أن يركض للأسفل حتى تفاجئ بعودة حميدة مع سمـا...دهشت رضوى قائلة بعدم فهم :- في ايه ؟!

قال سقراط بحدة :- كنتي فين ياهانم ؟!!

أشارت حميدة له بتحذير وقالت :-

_ روح أنت دلوقتي وقول لأبويا مايمشيش بعد الغدا عشان عايزاه...

مط سقراط شفتيه بغيظ ثم ذهب....

كررت رضوى سؤالها فجذبتهم حميدة للداخل.....

بعد مرور دقائق.....

هتفت رضوى قائلة :-  والله جدعة ، ده انا كنت هموت واعمل كده امبارح...بس يارب تكوني قويتي وانتي بتضربيه...

قالت سمـا بتيهه :- قويت...قويت لدرجة مخوفاني

ربتت حميدة على يدها وقالت بحنان :-

_ قومي خديلك دش كده وفوقي على ما نحضر الغدا يا سمكة ، انا اخدت اجازة النهاردة من يوسف لما شوفتك خارجة...وحتى بكرة مافيش شغل عشان فرح قريبتهم...صحيح كنت هنسى...

يوسف وجاسر عايزينا انا وجميلة نروح معاهم الفرح والعروسة بنفسها عزمانا...بس أبويا مش هيرضى الا اذا قلتله اننا كلنا رايحين مع بعض...ساعتها هيطمن أكتر..

نظرت سما لحميدة بحدة فقالت حميدة بتوضيح :- اللي عرفته أن آسر مش رايح ، جاسر قال ليوسف كده...عشان خاطري وافقي يا سمكة حتى تغيري جو...

قالت سما وهي تنهض :- لو عم سمعه وافق هروح معاكم...بس مش هنتأخر

قالت حميدة سريعا :- كلها ساعة زمن مش اكتر...هنروح ونرجع تاني على طول...

**********

**بمكتب آسر**

وقف رعد ينظر لآسر بمزيج من الغضب والشفقة حتى انتهى يوسف من تطهير الجرح الذي لحق بيد آسر إثر دفعه لكل ما أمامه حتى جرحت يده بشظايا متكسرة لزهرية ورد زجاجية...

وقف يوسف قائلا بمحاولة ضبط عصبيته من تصرف آسر الثائر وقال :-

_ دي نتيجة تصرفك يا آسر ، ما تلومش حد على اللي حصل غير نفسك..

نظر آسر بنظرة تتمثل بالجمر اذا اشتعل وقال بعنف :-

_هترجع غصب عنها ، مش بمزاجها تمشي

هتف يوسف بعصبية :- كفاية بقى يا آسر لحد كده ، كفاية اللي عملته فيها !! أنا مابقتش فاهمك !! أنت عايز تبعد عنها ولا عايزها جانبك !! تصرفاتك كلها عكس بعض !!

أغمض آسر عينيه بألم ولم يجيب...فكيف يجيب وهو ذاته تائه ولم يجد قارب النجاة...

قال رعد بلطف وضيق لأجله :-

_ بس أنا فاهمك...أنت عايزها جانبك لحد ما تلاقي نفسك ، بتبعدها بس مش عايزها تبعد ،عايزها تتمسك بيك عشان تثبتلك أنها بتحبك بجد ومش هتسيبك...بس هي معذورة برضو...

نظر له آسر بمرارة وألم :-

_ معذورة!! اعترفتلي بنفسها أني زي أخوها الكبير طول الفترة اللي فات ولحد النهاردة وتقولي معذورة !! نفس الكدب والخداع كلهم كده ، كلهم كدابين ومعندهمش رحمة...لايمكن تكون حبت وتقول كده !!

رعد بضيق :- اللي انت عملته مش شوية ، ماتفكرش في رد الفعل ، فكر في الفعل نفسه اللي خلاها تعمل كده !!

قال يوسف بتفكير :- في فرصة تانية تتكلموا فيها...هي ممكن تحضر بكرة فرح سمر مع حميدة وجميلة وده اذا ابو حميدة وافق ، حاول تتكلم معاها...

هز آسر رأسه رافضا :- مكنتش ناوي احضر بعد ما اتكلمت مع شاهي امبارح بعد الخطوبة بس دلوقتي أنا هروح...وشاهي هتكون معايا ، هحسسها باللي حاسه مش هعديهالها بالساهل...هعرفها أزاي تمشي..

***********

بحلول المساء باليوم التالي....

**بقصر الزيان**

تخلصت للي أخيرا من قبضته وابتعدت ضاحكة وهي تضع احمر الشفاه من جديد أمام المرآة بعدما تهيأت لحضور زفاف سمر مع زوجها....قال بغيظ :- مش هنتأخر

كتمت ضحكتها وهي تعاين استواء الملمع على شفتيها وأجابت :- اوك ، زي ما تحب..

جذبها اليه وقال بمكر وابتسامة تتراقص على شفتيه :- أحب أوي

قالت بعتاب :- ماقولتش رأيك في الفستان !!

أجاب بابتسامة واسعة :- كل مرة تستعجلي !! انتي بتخطفي عنيا عن أي فستان بتلبسيه مهما كان حلو....أنتي الأحلى دايمًا في كل حاجة....

أقترب مجددا بمكر فقالت وهي تبتعد عنه بضحكة :- يلا عشان هنتأخر

خرجت معه من القصر ودخلت سيارته الخاصة....تعجبت قائلة:-

_ فين السواق ؟!!

جلس بمقعد القيادة قائلا بغمزة ماكرة :- أنا السواق ، مش حابب حد يبقى معانا في أي سهرة...حتى لو سواق...

قالت بمكر :- مكنتش أعرف انك غيور للدرجادي !!

اشتدت نظراته مكرا وأجاب :- مش عايز حد يشوفك غيري...ولا يشوف ضحكتك غيري ، ولا حتى نظرة عينك حد يشوفها...

ابتسمت بخجل شديد ثم نظرت له قائلة بعشق وبعض المشاكسة :- طب لعلمك بقى انا كمان غيورة...خلي بالك..

********

وقف الفتيات أمام المرايا لتقل رضوى شاكرة :-

_ لولا شنطة المكياج اللي اديتها للي لحميدة هدية امبارح وعلمتنا أزاي نستعملها كان زمنا محتاسين...

قالت حميدة وهي تنظر لرسمة عينيها بتمعن :-

_ والله للي دي مش عارفة اردلها جمايلها أزاي ، دي حتى بعتت بنت من الكوافير بتاعها جابلنا فساتين ، ده احنا لو بنأجر أو بنشتري كان اتخرب بيتنا...

عقدت جميلة ربطة حجابها جيدا وقالت :- لازم نشكرها النهاردة ونقدملها الهدية اللي محضرينها 

وقفت سما بردائها الفيروزي تنظر لوجهها المشرق بالمرآة وهي تعرف أن خلف هذه الحمرة نيران كالبركان تتقد بقلبها..

اتى سقراط بعجالة قائلا :-

_ يلا عشان يوسف مستنيكوا بالعربية تحت....هوصلكم وارجع تاني...

...

*********

أمام فيلا الزفاف....

وقفت سيارة جاسر أمامها وسط حشد من السيارات المصطفة...وخرج منها الجميع.....

قال سقراط :- طب هستناكم هنا في العربية ، انا ماليش في الجو ده

وقفت سيارة أجرة بعد دقيقتان وخرج منها رعد ويوسف ولحق بهما....

نظرت الفتيات للفيلا الضخمة ليقل جاسر بابتسامة :-

_ ما تتخضوش ،القصر بتاعنا اكبر بأضعاف أضعاف الفيلا دي وأجمل كمان ، بكرة تشوفوه...

نظر الفتيات لبعضهن بقلق وكأن ما قاله أثار حفيظتهنّ وليس سعادتهنّ !!

استقبلهم أحد الأقارب للعروس وهو شاب منيف الطول وسيم الطلة لدرجة كبيرة......ابتسم لجاسر بترحاب قائلا :-

_ واحشني يا دنجوان عليتنا

نظرت جميلة لجاسر بنظرة غاضبة فرمقها جاسر بتوجس ثم عاد لقريبه "خالد" قائلا بغيظ :- ماخلاص بقى عقلنا وتوبنا من زمان ياعم أنت ، ابو غلاستك !!

قهقه خالد بشدة وقال :- الدونجوان عقل !!! ، طب الحمد لله خبر كويس ، مش هتعرفني !!

نظر جاسر للفتيات وبدأ التعارف وهو يشير لكل واحدة :-

_ جميلة...خطيبتي ، حميدة...خطيبة يوسف ، رضوى...

هتف رعد بعصبية :- سكرتيرتي....عايز حاجة دلوقتي ؟!

نظر له خالد نظرة ضيقة ماكرة

رواية امبراطورية الرجال 
الفصل الخامس والثلاثون /السادس والثلاثون 

نظر له خالد نظرة ضيقة ماكرة وقال مبتسما :- خالص

تابع جاسر :- سما....سما....

تحيًر في تعريفها قليلًا لتقل الفتيات بنفس واحد :- اختنا

نظر خالد لسما التي كانت صامته بغموض أثار فضوله وقال :-

_ اهلا بيكم ، اتفضلوا..

قال يوسف بمزاح :- ياعم وسع ، ده انت غتت غتاته ياجدع !! انت بتعزمنا في بيتنا !!

أجاب خالد بضحكة :- لسانك بيطول لا إراديـًا معايا مش فاهم ليه!!

دلف الجميع وسط ضحكاتهم حتى لاحظ الفتيات أن العروس لم تظهر بعد....تساءلت حميدة بهمس :- هي العروسة لسه ماجاتش ؟!

اجابت رضوى :- شكلها كده....وشكلنا هنتأخر !!

كادت حميدة أن تجيب حتى أتى يوسف واستأذن من الفتيات ليتحدث مع حميدة قليلا فذهبت معه لخطوات مبتعدة فقط...

فعل جاسر ذات الأمر حتى ما تبقى سوى رضوى وسما....

اتى رعد وتظاهر بالجدية قائلا :-

_ على فكرة يا رضوى انتي غلطتي في الحسابات وكنت مستنيكي تيجي الشغل بس خدتي اجازة امبارح !! لو سمحتي تعالي نراجعها عشان عندنا مقابلة مع عميل بكرة الصبح...

تفاجئت رضوى بتوتر :- غلطت !! فين ده ؟!

أشار لها قائلا :- لو سمحتي تعالي نقعد في مكان هادي عن الدوشة ونراجعها ، في الجنينة مثلا

قالت رضوى بحدة :- هراجعها في ثواني ،انا صعب جدًا اغلط ،ده أنا براجع كتير أوي !!

أشار لها بنظرة آمرة وقال :- تعالي اتأكدي بنفسك يا استاذة !!

استأذنت رضوى قليلا من سمـا ثم ذهبت....

نظرت سما حولها ولاول مرة تشعر بالوحدة والفتيات معها...شعرت بوخزة ألم بقلبها حتى أتى أمامها خالد فجأة ومعه كوب آخر من العصير ووجهه اليها قائلًا بابتسامة :- اتفضلي العصير ، انتي ضيفتنا

رفضت بتهذيب حتى اعطى خالد الكوب لأحد الخادمات التي تمر بالمشروب.....قال متساءلا :- شوفتك واقفة لوحدك ، ماهونتيش عليـا...

لم يروق لها كلماته فقالت معتذرة :- بعد اذنك

همت بالابتعاد حتى أوقفها باعتذار :- أنا أسف مش أقصد....

صمت للحظات وهو يتفحص نظراتها الغامضة والتائهة قائلا :-

_ نتكلم في أي حاجة على ما العروسة تيجي..ٱنتي بتدرسي؟

هزت سما رأسها بالنفي فتابع :- بتشتغلي ؟

أطرفت عينيها بألم ويبدو أن حتى الغرباء سيذكرونها به فأجابت :-

_ كنت بشتغل ، بس سيبته

قال مستفسرا:- كنتي بتشتغلي إيـه؟

ضاقت سمـا من استجوابـه ولكنها اجابت باختصار:- سكرتيرة..

ابتسم خالد بمكر ثم اخفى ذلك سريعا وقال :-

_ طب إيه رٱيك في عرض فرصة....أنا لسه بادئ شغل في شركة عمي وجيه الزيان...بشتغل بقالي اسبوع تقريبًا ، محتاج سكرتيرة...إيه رأيك ؟

كادت أن تجيب حتى قطع حديثهما آسر بشراسة :-

_ العرض مرفوض يا خالد ، لأنها سكرتيرتي

استدارت سما خلفها بصدمة من وجوده حتى تقابلت نظرتها مع نظرته العاتبة بألم عاصف من وقوفها مع هذا الغريب عنها....تطلعت به للحظات ثم قالت فجأة دون لحظة تفكير :-

_ العرض مقبول يا استاذ خالد...هشتغل معاك في شركة الزيان

تطلع آسر بصمت بها...ولكنه صمت لا يُستهان به فكأنما يأخذ أنفاسه ليثور !! ود لو اقتلعها من بين الحضور ليأخذها بعيدا عن كل ما يدور....فأن غضب بقيت ، وإن ثار بقيت ، وإن رق...عشقت.

ولكنه لا يملك حقه بالآمر عليها...

قال معتقدا أنها ربما تتراجع :-

_ طب وبالنسبة للعقد اللي حضرتك مضياه ؟! وبالنسبة للشغل اللي المفروض تخلصيه الأول وتستني على ما يجي حد بدالك ؟!

مش دي شروط أي شغل والمفروض تحترميها ؟!

أجابت بحسم :-

_ أنـا قررت ومش هتراجع ، مش هشتغل معاك !!

شعر خالد بشيء غامض يلف الاجواء بينهما !! ربما عداء مبرر لسببا ما فهو يعرف آسر وثورته أثناء الغضب....تدخل قائلًا بلطف :-

_ انت مكبر الأمور يا آسر !! ممكن في يومين تجيب سكرتيرة تانية دي شركة الزيان مليانة موظفات !!

وكمان أنت ممضيها على عقد ليه بالاستمرار في الشغل لمدة محددة مش غريبة دي ؟!

انتقلت نظرة آسر بأنفعال نحو خالد وأجاب :-

_ الاجابة على السؤال ده مش هتفيدك بحاجة يا خالد لأن دي كانت شروط اساسية في اللي هيشتغلوا معانا في المكتب...

تفهم خالد ذلك وقال بشيء من المرح :-

_ طب هي وافقت تشتغل معايا خلاص مارحتش عند حد غريب ، اظن في استثناء ليا..

ضيق آسر عيناه بغضب نحو خالد وقال مزمجرا :-

_ هو مش أنت كنت مشيت اصلا من الشركة !!

اجاب خالد ببساطة :- ورجعت...مش كنت بتنصحني دايمًا وبتديني محاضرات في الاستقامة والعقل !!

شعرت سما بدفاعاتها تضعف تحت نظراته المسلطة عليها كسيوف تنغزها حتى تفيق...قالت وهي تستعجل ذهابها :-

_ بعد أذنكم....

تركها آسر تبتعد رغم يداه التي كادت أن تمنعها بقوة...انسحبت نظرته لخالد مرة أخرى وقال بنبرة اتضح بها بعض التهديد :-

_ ماتنساش أنها سكرتيرتي يا خالد ومش هتسيب الشغل قبل المدة المحددة...

كاد أن يذهب آسر حتى تفاجئ بوجود "شاهي" أمامه وهو من حذرها من المجيء حتى لا تفسد الأمور أكثر بحضورها...وقفت شاهي برداء يظهر من جسدها أكثر مما يخفي ويبدو من زينتها أنها تعمدت أن تبدو بهذه الطلة المغرية....اقتربت لآسر وقبلته من خده ونظرتها مثبته على خالد الذي رمقها بسخرية واحتقار ثم قالت :-

_ وحشتني يا بيبي من سهرة امبارح ، مقدرتش استنى وجيت على طول...مع أن سمر ما عزمتنيش

رفع خالد حاجبيه بتعجب من هذه الحميمية التي تتعامل بها مع آسر الذي لم يثنيها وينأى عنها مثلما كان يفعل دائمًا مع الفتيات !!

تحدث آسر بنظرة محتقنة من الغضب وقال :-

_ أنتي جيتي هنا ليه ؟ مش انا محذرك ماتجيش ؟!!

اقتربت خالد وقد بدأ يفهم اللعبة بمكر للتابع شاهي تغنجها اكثر وقالت بدلال ويدها مستندة على كتفه :- بقولك وحشتني وكان نفسي اشوفك....

قال خالد بسخرية :- معندكش حق يا آسر تزعل !! بس ايه اللي غيرك ياعم العاقل؟!!

أجابت شاهي ورمت كيدها في جملة بنظرات منتصرة :-

_ مش تباركلي....آسر خطبني وهنتجوز قريب أوي...

ظل خالد ينظر لدقيقة لوجه آسر الممتقع غضبا ثم اطلق ضحكة عالية وقال بسخرية :- مبروك يا آسر ، زين ما اخترت بصراحة ، اخترت اللي فيها كل المواصفات..

تابع ضحكاته وهو يبتعد مشيرا له بالتحية لتصر شاهي على اسنانها بعنف وعصبية وقالت :- ماشي يا خالد ، انا هعرفك مين شاهي..

دفع يدها عن ذراعه بعنف وقال :-

_ مش هنكر أني استخدمتك وسيلة بس للأسف...قللت من نفسي لمجرد أنك بس وقفتي جنبي...

قالت شاهي بغضب:- انا مجبرتكش على حاجة أنت اللي جيتلي ،

وكمان أنت___

قاطعها بحزم وعصبية :- المسرحية انتهت والستارة نزلت ، ياريت تتفضلي من غير مطرود محدش عزمك أصلًا !!

ضغطت شاهي على حقيبتها الصغيرة بغيظ وابتعدت بنظرات تتوعد للجميع...

******

بأحد غرف الفيلا.....

جلست الأم بجانب فراش ابنتها "نور " المستلقية بحالة شبيهة بالغيبوبة دون حول لها ولا قوة...قالت ابنتها الأخرى التي وقفت تزفر بضيق امامهن :-

_ يا مامي سمر في الطريق مش معقول هنفضل كده جنب نور ونسيب سمر لوحدها !!

مررت الأم " الدكتور عايدة" يدها على رأس ابنتها بحزن وقالت :-

_ روحي أنتي وانا هفضل جنب نور ، كفاية اللي سمر عملته

لوت " شاهندا" فمها بسخرية واقتربت لأمها قائلة :-

_ سمر اصلا ماتعرفش أن نور بتحب يوسف وبعدين كويس أنها عزمت خطيبته وهتشوفي بنفسك هعمل فيها ايه هي وخطيبة جاسر...

اجابت الأم بيأس :- وهيفيد بإيه !! المصيبة أن مرض نور نفسي !! يعني لو يوسف اتجوز ممكن بنتي يحصلها حاجة لاقدر الله ...

شاهندا بتأفف ونفاذ صبر :- ما تقلقيش ،اصلا انتوا هتسافروا لبابا أمريكا بعد اسبوعين ، السفر هيساعدها تنسى..

هزت الام رأسها بقلق واجابت :- ياريت نور تنسى ومتحاولش تنتحر تاني ، روحي انتي وهاجي وراكي بعد شوية..

ذهبت شاهندا من الغرفة وهي تتمايل برداءها القصير بدلال وشعرها الذي يتمايل على ظهرها بغنج...

*****

خطفها من بين الجميع ، ربما سرق حتى هدوء عينيها !! وتحت ظلال الليل في حديقة الفيلا...وقف بقرب شجرة مفرعة الأغصان تُغرد خضرتها بأنين الظلام..

وقفت رضوى قائلة بضيق وعصبية بينما استند هو على جسد الشجرة بنظرات متسلية يتبختر بها المرح رويدا....هتفت :- قولي بقى في الملفات اللي أنا راجعتها غلط ؟!

ابتسم قائلا بهدوء :- مافيش ملفات اتراجعت غلط...

اتسعت عينيها بدهش بينما ضمت شفتيها بغيظ وقالت  :- يعني كدبت عليا وجبتني هنا من غير سبب !!

هز رأسه نفيا وهو يقترب إليها ويديه في جيوب بنطاله في ثقة..وقف امامها مباشرة مبتسما وقال :-

_ في سبب طبعاً ، بس مكنش ينفع اقوله قدام حد...

 ...قالت بحدة :- عايز ايه ؟ قول بسرعة عشان ماينفعش نقف مع بعض اكتر من كده لوحدنا...

قال بصوت رقيق  :- قبل أي حاجة يا رضوى...عايز اسألك سؤال....أنتي بتكرهيني ؟

الجمها السؤال لبضع ثواني بينما تفاجئت به اكثر وما السبب خلفه !! تلعثمت بعض الشيء وهي تجيب بتوتر :-

_ وهكرهك ليـه ؟!

نظر لها لبرهة بنظرة واضحة ، نظرة قالت ...أحبك

أجاب بلطف وطيف ابتسامة -

_ أنتي فاهمة سؤالي على فكرة ، طريقتك معايا بتقول أنك بتحاولي تتجنبيني بكل الطرق !! وده مالوش إلا اجابتين...يأما أنا أخوف فعلا وبتخافي مني ااذيكي ، أو خايفة تتأكدي أني انسان كويس فعلًا وأخالف ظنونك فيا..

اجفلت بأهداب عينيها ثم نظرت لاتجاه آخر وتساءلت بارتباك :-

_ دي طريقتي مع الجميع

قال مباشرة :- يبقى أنتي خايفة من نفسك يا رضوى...في حاجة جواكي مخوفاكي صح ؟

التفتت له بحدة وقالت :- أنا مش جاية جلسة لدكتور نفساني ومطلبتش منك تحلل قلقي وخوفي !!

نظر لعمق عينيها بصمت حتى هربت بعينيها مجددا من نظراته فقال بابتسامة :-

_ أي شيء بنبقى عايزينه لازم نسعى اليه ، يعني لو أنتي نفسك في حاجة على بعد خطوة منك هتستنيها تجيلك ولا هتروحيلها ؟!

ابتلعت ريقها برجفة وهي تعلم أن هذه الخطوة هي ما تفصلهما الآن فعليًا...استطرد قائلا :-

_ اكيد انتي اللي هتروحيلها ، عشان تبقى ملكك...بنفس النظرية دي أنا بتعامل...قبل الامتلاك الوصول للقرب ، بس الفرق أني مش بتعامل مع شيء ، أنا بتعامل مع انسانة روح وحياة...لازم خطوتي تبقى محسوبة للطريق السليم...

تساءلت بارتباك :-

_ مش فاهمة تقصد ايه ؟!!

أخذ نفسا عميقا ثم أعلن ما أخفاه :- اقصد أني...بطلب ايدك يارضوى...تقبلي تتجوزيني ؟

صعقت مما سمعته وهي تنظر له فاغرة فاها من الصدمة وتمتمت بعدم تصديق :- ات..اتجوزك ؟!!

اتسعت ابتسامة بظل مكر بعينيه وأكد بقوله :- مستغربه ليه ؟!

كل افكارها اصبحت متخبطة وكأنها في عراك بداخل رأسها اجابت ببطء :- مستغربة ...لأنك طلبت مني ادورلك على عروسة ؟!

اجاب بخبث :-

_ اديتلك كل المواصفات اللي عايزها ، بس يمكن مخدتش بالي أني كنت بوصفك أنتي !! أنا مش مستعجل على قرارك ، فكري بهدوء تام ومن غير أي ضغوط...بس خليكي فاكرة حاجة...

نظرت له بخجل وتوتر تنتظر نصف حديثه الآخر فقال:-

_ خليكي فاكرة أني اخترتك أنتي بين بنات كتير ، وكمان خليكي فاكرة أن ورانا سفر وتجهيزات الفرح لازم نحضرلها من دلوقتي...

شهقت من الصدمة فاتسعت ابتسامته بمكر....اشار لها للفيلا قائلا :-

_ يلا بقى نرجع للفرح تاني عشان محدش يقلق من تأخيرنا ، محبش حد يتكلم عن حاجة تخصني...

عجبا أن المرأة في الحب تعشق جبروت الرجل كي يبقى !!

*****

بقرب البوفيه في مكان يشبه الشرفة ولكنه بالطابق الأرضي.....

وقف يوسف امام حميدة مبتسما بمرح وقال

_تعرفي يا حميدو.... عدد المرات اللي اشتكيت واعترفت وكتبت فيها للورق كلمة بحبك بعدد السندوتشات اللي كلتها في حياتي...

قالت حميدة بغيظ :- هو أنت ليه لازم تدخل الطبيخ في أي لحظة رومانسية بتتحدف علينا؟!

أجاب يوسف بعفوية :-

_ لأنه هو اللي جمعنا ياعبيطة، اجيبلك طبق حلويات من البوفيه؟

زمت شفتيها بضيق ثم قالت :- شكرا ، ممكن نرجع بقى ؟!

اطلق يوسف ضحكة عالية وقال :-

_ بغيظك بس ، بحب أشوفك متغاظة مني ، المهم بقى..قريتي اللي في الأجندة ؟!

قالت وعلى جانب شفتيها ابتسامة مترددة :- لسه

مكر نظرته اربكها فقال بصوت خافت :-

_ انا حافظ كل اللي كتبته وممكن أقوله كلمة كلمة..

ابتسمت بخجل ثم قالت وهي تنظر للأسفل بوجه متورد :-

_ كل شيء بآوان يا يوسف ، خلي كلامك لوقته ،مش هفضل اقولك كده كتير...

قال بغيظ :- بتصديني دايمًا !!

اجابت بلطف :- يعني لو قلت كل اللي عندك دلوقتي ، يبقى فاضل ايه لبعدين ؟!

يوسف بتعجب :- هو الكلام بيخلص ؟!

حميدة بابتسامة بسيطة وبتفهم :- لو هتكلم في الواقع...آه بيخلص...الكلام مش حروف بتتنطق ، الكلمة وراها دقة عايزة يتسمع صوتها ، وممكن يكون وراها عقل عايز يقول رغبته وفكره ،أو قلب بيحب وينطقها زي ما حسها...

يوسف بابتسامة مرحة :- أنت من انصار اللي فاكرين أن الجواز مقبرة الحب ؟!

حميدة :- مش بالضبط ،ومش دايمًا ، بس خلينا متفقين أن كتر الكلام في الخطوبة بيقلل من لهفته بعد الجواز...كلمة بحبك بتفقد حاجة من شعورنا بيها كل ما بتتكرر ، خليني أقولهالك لأول مرة لما ندخل بيتنا ، احساس حلو مش عايزة أخسره...

يوسف بنظرة عاشقة :-

_ تعرفي...ولا أي بنت في العالم ممكن قيمتها زي قيمتك في عنيا ، انا نفسي ساعات بستغرب من الدرجة اللي وصلتلها لأحساسي بيكي ، يمكن عشان أول حاجة حبيتك فيا هو الطفل اللي جوايا....

حميدة بابتسامة :-

_ يمكن احساسي بيك لنفس السبب ، يلا عشان منتأخرش عليهم...

********

رفع القلادة أمام عينيها...قلادة من قلب إلى نصفين...وعلى كل نصف اسم كلا منهما....قال جاسر مبتسما :-

_ السلسلة دي خليكي لابساها مهما حصل

قالت جميلة بمزاح وهي تنظر للقلادة ثم له :-

_ قلب مكسور !! هو ده اللي هتقدمهولي ؟!

هز رأسه نفيا وقال بمحبة وحنان :- لو في حاجة ممكن تكسرني وتكسر قلبي فهي أنك تبعدي عني ، ماتحاوليش حتى تفكري تعمليها...

قالت جميلة بطيف ابتسامة :- بفرح لما بتحاول تتصلح عشاني ، ده اكتر شيء ممكن تقدمهولي وتفرحني بيه...

جاسر بهمس :-

_ انا بتصلح عشان ابقى قدام نفسي شايف أني استاهلك ، مهما حصل يا جميلة افتكري أني يوم ما قررت تبقي معايا ، فلأني محتاجلك على قدر احساسي بيكي....محتاجلك يمكن اكتر ما أنتي محتجالي بكتير أوي...

_ لو زعلتي مني في يوم افتكري اخترتك واتمسكت بيكي وانا اصلا تايه ومش لاقي نفسي....ده معناه أنك بالنسبالي في مكان جوايا مش قابل للشك ، يعني كل احساسي بيكي اكيد..

ارتبكت جميلة بشدة واخفضت نظرتها قائلة ببطء :-

_ انا عارفة يا جاسر أنك عرفت بنات كتير قبلي ، يمكن متعود على البنات اللي بتعرف تتكلم وجريئة ، بس أنا بتوتر لما بتتكلم ومش ببقى لاقية كلام أقوله ، ده غير أن ماينفعش يبقى بينا كلام أصلا من النوعية دي واحنا لسه مخطوبين !!

ابتسم قائلا بمشاكسة وقال بمكر :-

_ طب افهم من كده أنك بتتكسفي تتكلمي عشان لسه مخطوبين وكده ولا أنتي اصلا مش بتعرفي تتكلمي في الحب ؟

هزت كتفيها هزة بسيطة بعفوية وقالت :- مش عارفة ، ساعات بحس اني الاتنين !!

قال هامسا بخبث مبتسما :- عندي احساس أنك جاسر بس على بنت ومؤدبة كمان

اطلق ضحكة عالية عندما رأى نظرتها المنفعلة والعصبية له فقال معتذرا :- خلاص....كلها شهر ونص وهعرف انتي مين فيهم...بس بصراحة انتي عجباني في كل الأحوال...

قالت لتغيظه :-

_ على فكرة وقفتنا ماتنفعش كده ، خمس دقايق اهو مالكش حجة

قال بغيظ :- حسابك بيتقل معايا

سارت بجانبه للداخل وهي تكتم ابتسامتها من غيظه....

********

وقفت سما بنظرة تائهة تملأها الدموع المحبوسة بين عدد من الفتيات التي تعرفت عليهم منذ دقائق ، بينما تجاهلت نظرات آسر الشرسة المتوجهة إليها وهو على بُعد خطوات منها.....

أتت شاهندا وعلمت صلة سما بعائلة الزيان ففكرت بمكر ثم قالت :-

_ تعالوا يابنات نقعد في الأوضة اللي على البسين على ما سمر تيجي...

وافقت الفتيات بترحاب لتقل شاهندا لسما :- تعالي معانا يا سما ، مش معقول تفضلي واقفة لوحدك هنا !!

ازدردت سما ريقها من مجرد الفكرة وشعرت بالضيق من حميدة وجميلة ورضوى لتركها بمفردها هكذا !!

وافقت على مضض واخذتها شاهندا مع باقي الفتيات....

ظل آسر معلق نظرتها عليها حتى اختفت من أمام عينيه الى الغرفة المطلة على الحديقة والمسبح....

دلف الفتيات للغرفة حتى جلست سما بمقعد منفرد 
....غمزت شاهندا لفتاة بين الفتيات حتى خرجوا سويا بعد لحظات....

وقغت شاهندا بخارج الغرفة تقول لصديقتها "صافي "

_بصي...هتوقعي على فستانها عصير المهم ماتعرفش تخرج ، وهدور على التلات بنات التانين وهقولهم انها مش عارفة تخرج بسبب فستانها ولما تلاقيهم كلهم معاكم جوا اقفلي الباب وانا هقفله من برا...

صافي بتعجب :- افرضي اتصلوا بحد يجي يفتح الباب ؟!

فكرت شاهندا بغيظ ثم هتفت بعصبية :- معرفش ، المهم ما تخليهومش يتصلوا بحد اصلا ، مش محتاجة اكتر من ربع ساعة بس اقدر اتكلم فيهم مع جاسر شوية من غير البت اللي جايبها معاه دي !

صافي :- هقول للبنات صحابي وهما هيعرفوا يشغلوهم على ما تخلصي...بس انجزي انتي

شاهندا :- اوك...هبعتلك حد بالعصير

صافي بمكر :- طب ايه رأيك في الفكرة اللي عملناها مع راندا في الرحلة السنة اللي فاتت...

شاهندا بابتسامة خبيثة :-

_ تقصدي المنوم سريع المفعول....مدته ساعتين ؟ يعني على ما الفرح يخلص ، فكرة جامدة يا صافي ، بس خايفة نتكشف

صافي بحماس :- هتتكشفي ليه ؟! بس هيبقى للبنات كلها ولا واحدة بس ؟!

فكرت شاهندا قليلا ثم قالت :- بصي انا هبعتلك العصير وتوقعي منه على فستان سما اللي جوا دي ، وهقولك للبنات اللي معاها يروحولها ، لو لقتيهم هيتطلعوا تحاولي تخليهم يشربوا العصير اللي فيه مخدر بس مش كلهم ، واحدة بس فيهم عشان ما تبقاش مكشوفة ، وماما بما انها دكتورة هبعتهالهم ....المهم اعرف اتكلم مع جاسر واخلي يوسف يطلع يشوف نور أختي بأي طريقة....

وافقت صافي سريعا على المخطط ولا يعنيها النتائج مهما كانت فهي قد اعتادت على هذه التصرفات برفقة صديقتها شاهندا...دلفت صافي للغرفة واخذت كوب من العصير الطازج بمرح من يد احد اصدقائها وتصيح بضحكة حتى سكبت محتواه على رداء سما وتظاهرت بالصدمة والأسف لذلك

*******

دلف وجيه الزيان وبرفقته زوجته "للي" وهم يتبادلون النظرات العاشقة والابتسامات....

كان في استضافته مباشرةً قريب العائلة "والد سمر" وهو أيضا طبيب مثل زوجته "الدكتورة عايدة"

رحب بهم كثيراً وبارك لزواجهم الذي مر عليه عدة أيـام...

وقعت نظرة للي على حميدة التي ظهرت مع يوسف وأشارت لها ثم ظهر كلا من رضوى وجميلة ومعها جاسر ورعد.....

تجمعوا في مباركة متبادلة حيث أتت شاهندا بعد قليل وأشارت لجميلة كي تخبرها شيء حتى توجهت جميلة اليها فأخبرتها شاهندا بما حدث لسما ولردائها الذي سُكب عليه المشروب...

انتبهت للي لملامح الضيق التي ظهرت على وجه جميلة فأستأذنت من وجيه لثواني وتوجهت اليهم حتى قالت جميلة لشاهندا :-

_ طب هي فين ؟!

اشارت شاهندا للغرفة البعيدة فتساءلت للي :- في ايه ؟!

اخبرتها جميلة بما حدث حتى اتت حميدة ورضوى اليهن لما لاحظاه من توتر على وجه جميلة أيضا....

قالت للي :- مافيش مشكلة ما تتوتروش ، بتحصل عادي ،الفستان يتنضف وخلاص

حميدة بضيق :- يلا نروح لسما

اخذت شاهندا الفتيات للغرفة فلاحظ رعد ابتعادهن بشكل يقلق فهمس لجاسر قائلا :- شكل شاهندا مش هتجيبها لبر زي عوايدها !!

جاسر وقد لاحظ الأمر :- انا محذرهابعد ما عرفتها على جميلة ، اللي مطمني أن للي معاهم

رعد :- وده برضو اللي مطمني

ضاق وجيه من اختفاء للي عن ناظريه فتحدث دون أن يستوعب الحديث كلياً....

**********

نظر الفتيات ومعهم للي لرداء سما الذي اتسخ تماما من منطقة الاكتاف بسبب المشروب ذو اللون البرتقالي....حاولت سما أن تنظف ردائها بشتى الطرق ولكن لم تستطع....قالت للي وهي تخلع عن كتفيها ذلك المعطف الفرو القصير ليظهر حيز من رقبتها بشكل ملفت بخلاف ذراعيها....قالت :- البسي الفرو ده يا سما ،مش هيبين حاجة من البقع دي....

رفضت سما تماما فقالت حميدة :- طب وانتي يا للي ، هتطلعي كده ؟! رقبتك كلها باينة ودراعك

نظرت للي لردائها وقالت بعفوية :- الفستان عادي من غير فرو وبلبس على طول زيه...

اصرت للي ان تنفذ سما أرادتها فنظرت صافي للمشهد بقلق من فشل الخطة ، دلف احد الخدم بالمشروب تنفست الصعداء وأخذت كوب سريعا وركضت الى سما قائلة :-

_ أشربي بقى وهدي اعصابك المشكلة اتحلت

رفضت سما الامر ولكن صافي أصرا باستماته حتى اجبرت سما على ارتشافه فنظر الفتيات للي بتعجب حتى قالت سما وبدأت انفاسها تلهث بشكل مريب :-

_ شكل الزفة بدأت ، يلا عشان محدش يلاحظ حاجة

خرج الجموع تحت نظرات صافي القلقة فلم يكن المنوم بالقوة التي تجعل سما تفقد وعيها بعد لحظات....

خرج الفتيات من الغرفة بينما بدأت سما تشعر بالدوار فجذبتها صافي قائلة :- شكلك تعبانة ، ادخلي جوا تاني وهبعتلك صحابك

بدأت نوبة الدوار تزداد شيء فشيء فاستجابت سما سريعا دون جدال وقد تفرق الجميع بسبب الزحام عند دخول العروس مع أصوات الابواق العالية....

اشارت صافي لاريكة حتى تجلس عليها سما وقالت :- هبعتلك بقية صحابك دلوقتي

خرجت من الغرفة سريعا بحثا عن الفتيات حتى وضعت سما يدها على رأسها ولم تنتبه للذي دخل من باب الشرفة المطلة على الحديقة واغلق باب الغرفة من الداخل حتى لا يدخل احد.....

تفاجئت سما بوجود آسر بعينان تشتعلان كالبركان وهو يصرخ بها ويهزها من معصم يدها :-

_ لو شوفتك تاني واقفة مع خالد مش....

ليتفاجئ آسر وهو بغمرة غضبه وثورته برأسها الذي وقع على صدره....

*****

تفاجئت للي بيد قوية خشنة تجذبها من يدها وهي تنظر للعروسة بابتسامة....التفتت لترى عين وجيه قد احمرت من الغضب وعيناه تدوران على منحنى عنقها العاري.....دون أن يحدث شجارا أمام الجموع خلع سترته ووضعها على كتفيها ثم جذبها للخارج بقوة....

اعترضت للي بابتسامة :-

_ لسه هسلم على العروسة استنى !!

لم يجيبها بل اكمل طريقه وسط الزحام حتى خرج من الفيلا وهي بقبضة يده الحديدية....

دفعها بداخل السيارة بعصبية فبدأت تقلق من غضبه وملامحه التي لا تنبأ بالخير....قالت بتلعثم وهو يجلس بجانبها أمام مقود السيارة :-

_ طب ممكن تهدا ؟

اطرق على المقود بشراسة جعلتها تضع يدها على اذنها برعدة من جسدها وهتف :-

_ احمدي ربنا أني قدرت امسك اعصابي اصلًا ومهنتكيش قدام الناس !!

طفرت عينيها دموع خوف من غضبه بهذا الشكل المظلم وقالت :-

_ الفستان مش عريان للدرجادي على فكرة !! انا كنت بلبس زيه من غير فرو !!

اشتعلت عيناه بنيران الغضب وصرخ بوجهها :- ماتنطقيش كلمة زيادة ، انا مش طايق ابصلك اصلا

للي بضيق :- لو تسمعني وتعرف اللي حصل يمكن تهدا !!

هتف بعنف وتحولت عيناه لكتل كالجمر المشتعل :-

_ ايه المبرر اللي يخليكي تظهري بالمنظر ده ؟! لو كنتي متعودة انك تلبسي القرف ده فمش هينفع معايا ، ولو وافقت انك تلبسيه لأنه كان مداري لكن بمجرد وصولك هنا عملتي اللي انتي عايزاه وخلتيني مغفل !!

للي بذهول :- وجيه ماتفكرش كده !! اسمعني الأول لو سمحت وأعرف اللي حصل...

جاهد كي لا يصفعها على وجهها من حدة غضبه حتى قاد السيارة بسرعة عالية جعلتها ترتجف وانكمشت بداخل سترته السوداء....

 💖💖💖💖🕊🕊🕊🕊💖💖💖💖

 - الفصل السادس والثلاثون

لاحظت جانب وجهه القاسي الملامح وهو يقبض على المقود وكأنه سيقتلعه من موضعه !

ساد الصمت بينهما بينما كانت تختطف النظرات المتذمرة والخائفة بآنٍ واحد إليـه...يغار ولم يستطع كتمان ما شعر به وتعرف ذلك...له الحق في الانفعال ولها الحق في شرح ما حدث...

ابتلعت ريقها قبل ان تتحدث :-

_ أنا ما قصدتش أضايقك على فكرة ، سما فستانها وقع عليه العصير فساعدتها واديتلها الفورير بتاعي بس مش قصدي___

قاطعها وقوف السيارة بشكل نفاجئ...نظرت له بدهشة حتى التفت لها بعصبية هاتفا :-

_ يعني مكانش في أي طريقة تساعديها بيها غير أنك تطلعي كده ؟! انتي ماخدتيش بالك الشباب كانت بتبصلك أزاي ؟!

انكمش حاجبيها في ضيق وقالت :-

_ ده لبسي يا وجيه من قبل ما اتجوزك وبعدين انا مش عريانة !!

من دقيقتين بس كنت عذراك في عصبيتك لكن انت ماهديتش حتى بعد ما فهمتك اللي حصل!!

نظر إليها ولاحظ فتحة الرداء التي اظهرت حيز من عنقها وهذا ما جعل الدماء تغلي بعروقه أكثر وقال :-

_ قبل جوازنا ماليش علاقة بيه ، ولما اتجوزنا جبتلك فساتين على ذوقي استنيت تفهمي أني مش راضي عن لبسك ومش حابب أنك تلبسي كده وجبتلك اللي على الأقل اقدر اتقبل أنك تخرجي بيه وماحبتش احرجك واضايقك بكلمة ، راعيت مشاعرك لأقصى حد ، حتى النهاردة لما اخترتي فستان من اللي انتي جبتيه معترضتش لأنك لبستي الفورير عليه لكن المنظر ده عمري ما هقبله ولا هسمحلك تكرريها تاني...

ادمعت عينيها وهي تنظر له وقالت :- أنت مش واثق فيا ؟!

جعلته جملتها يتقد غضبا أكثر....مابها أصبحت غبية لهذه الدرجة !! ما علاقة هذا بذاك !!

أجاب بعصبية وهو يقود السيارة مجدداً :-

_ طب افرضي انك خرجتي ولقتيني برقص مع اي واحدة من الموجودين في الحفلة كمجاملة ، او حتى بتكلم معاها على انفراد وكلامنا عادي في الشغل ماكنتيش هتغيري ؟! هل ده معناه أنك مش واثقة فيا ؟! انا بحترمك وبراعي مشاعرك في ادق التفاصيل لكن أنتي اتصرفتي من غير ماتفكري فيا ومفكرتيش لحظة واحدة أني ممكن اضايق !!

هل لأني مش عايز حاجة من جسمك تبان ابقى مش واثق فيكي ؟! انا فكرت كتير اكلمك عن الحجاب لكن اجلت الموضوع شوية عشان محسسكيش انك مجبورة على حاجة ، للأسف يا للي رغم أننا قدرنا نكون مع بعض وعدينا صعوبات كتير بس أنتي لسه مش فهماني ولا عارفة اللي بيضايقني...

اختنقت الكلمات بحلقها...ليس لشعورها بالظلم فيبدو أنه محق فيما قاله ولكن لوغزة الالم التي الحقت بقلبها من اتهامه الآخير... 

******

وقفت الكلمات بحلقه !! أين هو ؟! اهذا حلم أم أنه يتوهم لبضع ثوان ؟! هل القلب أصبح ينشب احلام يقظة أمام عينيه ويغمر واقعه لها ليقع بهذا البرزخ ؟!

ام هذا حقيقة واضحة بين ذراعيه ؟! لم يدرك أنها شبه فاقدة الوعي فابتلع ريقه ودقات قلبه تسرع بجنون...تلعثم حتى تمتمت سما اسمه بخفوت وهي تتشبث بياقة سترته حتى لا تسقط فاقدة الوعي تماما...كأنها الغريق التي يتشبث بالقشة...

ظنها سقطت برغبتها على قلبه ، تفاجئ من فعلتها ، ابتسم قلبه بسعادة للقرب ، اخفض رأسه لينظر لرأسها على صدره ويدها المتشبثة بسترته ، عينيها المغمضة وشفتيها التي تردد اسمه ، ارتبك من رغبة جامحة لأول مرة يشعر بها نحو إمرأة !

ارتبك من لهفة القلب لعناقها !

ارتبك لأن رأسها لامس موضع سكونها في قلبه الذي يصرخ معترفا بالعشق...

تمتمت اسمه مجددا وهي تائهة بعالم آخر من التيهة واللاوعي بينما هذا جعله يبتسم ببطء ، فهذا سكنها ، وهو من ستكن له ، قال دون إرادة منه :-

_ سما...خليكي معايا ، اوعي تبعدي عني انا مجنون بيكي

سقطت من بين ذراعيه فاقدة الوعي تماماً....

تجمد للحظات محاولا استيعاب ما تراه عينيه ، جسدها ملقى على الأرض دون حركة !!

انتفض قلبه وانحنى محاولا افاقتها بنظرات خائفة :-

_ فوقي يا سما ، سماااااا

وقف يلتفت حوله وشعر بعجز تام في ميل فكره ، ماذا يفعل ؟! كأن طفل يختبر كتابة الأحرف الأولى!!

انتبه لكوب من الماء على طاولة قريبة فأخذه سريعا وبدأ ينقط بضع قطرات منه على وجهها ، كانت تحرك جفنيها بشكل منزعج ، لا يبدو أنها اغماءة ولكن حالتها تدعو للقلق... حملها على ذراعيه ووضعها على الأريكة ليأت بقريبته "، خرج سريعا من الشرفة مثلما أتى حتى يخبرها وتأت لتسعف تلك الفاقدة للوعي....

******

دلفت شاهندة لغرفة بالطابق الثاني للفيلا وهي تتسلل حتى لا يراها احد ، فتحت باب الغرفة لتلتقي بوجه "كاريمان " المبتسم...

اغلقت شاهندة الباب بعدما دخلت الغرفة ثم استدارت لكاريمان قائلة :-

_ هجيبهولك لحد هنا وتعملي اللي اتفقنا عليه ، وماتنسيش أنك انتي اللي جيتيلي عشان نلعب اللعبة دي على جاسر يعني أي غدر المعبد هيتهد على دماغك أنتي مش أنا

اتسعت ابتسامة كاريمان بمكر وقالت :-

_ خالد اللي وصلني ليكي ، المهم دلوقتي تبعتيلي جاسر ومالكيش دعوة بحاجة ، أنا هاخد منه اللي عايزاه...

اومأت شاهندة رأسها مع نظرات متفحصة لكاريمان وقالت بتحذير :-

_ بس ما تاخديش راحتك أوي اظن أنتي فهماني ، أنا بس عايزة اعترافه بعلاقته بيكي صوت وصورة ، عشان ميقدرش يتكلم ساعتها....

كاريمان بسخرية :-   أنا هنفذ مهمتي وهمشي ، الفيديو بقى هسيبهولك هنا...

شاهندة :- اوك

*******

همست حميدة لجميلة وهما يقفون في جمع وقالت :-

_ بت يا جميلة ، سمكة راحت فين ؟! احنا تهنا في الزحمة لما العروسة جت وبعدها ما شوفتهاش تاني !!

التفتتت جميلة حولها بحثا وقالت بقلق :-

_ انا فعلا لاحظت ده ودورت عليها مالقيتهاش !! هروح اشوفها برا في العربية ولا لأ يمكن استنيتنا برا !!

أتت احدى الخادمات حتى مكان جاسر وقالت له :-

_ دكتور وفيق مستني حضرتك في مكتبه فوق

تعجب جاسر من ذلك !! فأي شيء يريد قريب العائلة "الدكتور وفيق" التحدث معه الآن ومن المفترض ان اليوم عرس ابنته !!

اومأ جاسر رأسه بالموافقة وذهب لمقابلته بالطابق الثاني في مكتبه الخاص....

راقبت شاهندة هذا من بعيد وغمزت للخادمة بتمام الأمر ثم لاحظت خروج جميلة من الفيلا..ذهبت خلفها سريعا واغتنمت هذه الفرصة التي أتت على طبق من ذهب ، فإذا حدث ما خططت له ستضرب عصفورين بحجر واحد!!

*****

جذب آسر يد السيدة الخمسينية من يدها لتقل عايدة بدهشة :-

_ في ايه بس قولي يا آسر ؟!

وقف آسر عند باب الشرفة الذي خرج منها وقال بقلق يعتصر بمقلتيه:-

_ في بنت اغمى عليها ولازم تشوفيها حالا

اقتربت عايدة من الاريكة لترى الفتاة الممدة عليها ويبدو وكأنها نائمة....تساءلت بدهشة :- مين دي ؟! اول مرة اشوفها ؟!

شعر آسر ببعض الغيظ واجابها حيث علمت عايدة هوية الفتاة ومدى قربها من عائلة الزيان ، تذكرت فجأة افصاح ابنتها عن مخطط فادركت أن خلف ما يحدث ربما تكن ابنتها "شاهندة" قالت بغموض :- طب ابعتلي شاهندة لو سمحت على ما أشوف البنت فيها ايه !

هز آسر رأسه وخرج من الشرفة بحثا عن شاهندة....مر بالحديقة حتى ترآى له بوابة الفيلا الاساسية ولكنه تفاجئ بظهور شاهندة وهى تتسلل بحذر وكأنها تراقب أحدهم....اقترب لها سريعا ولم يركز على تصرفها المريب لتصطدم شاهندة وتشهق فزعة عند رؤيته...قالت وقد شحب وجهها :- يخربيتك خضتني !!

قال آسر سريعا دون جدال :-

_ ولدتك عايزاكي فورا في الاوضة اللي على البسين ، روحيلها دلوقتي حالا...

اغتاظت شاهندة وقالت :- طيب ماشي هروحلها ، ارجع انت الحفلة بقى...

وقف آسر حائرا فهتفت به شاهندة بغيظ :- واقف كده ليه ؟!!

نظرت له بضيق حتى ابتعدت عنه متوجهة للغرفة المطلة على الحديقة وهي تتلفظ الشتائم بخفوت....

******

اطرق جاسر باب المكتب حتى اتاه صوت لم يستطع الانتباه له الا عندما فتحت كاريمان باب المكتب من الداخل ثم وعلى حين غرة جذبته للداخل واغلقت الباب بالمفتاح....

اتسعت عينيه بصدمة فهذا حدث بأقل من دقيقة ولم يستطع الاستيعاب أن تلك العاهرة توجد هنا !!

استدارت كاريمان له بنظرات مثيرة ومتطلبة بردائها الفاضح القصير الخاص بالسهرات بالملاهي الليلية....

قال بذهول :- أنتي هنا بتعملي ايه ؟! وأزاي وصلتي لهنا اصلا ومين دخلك ؟!

اقتربت له بلهفة ورفعت يديها لعنقه بلمسات تعرف أنها تثير أي رجل وقالت بصوت هامس :-

_ عشان تعرف أني لما بحب اقدر اوصل للي بحبه لو حتى في آخر الدنيا ، ينفع كده يا قاسي ماتردش على مكالماتي خالص ؟! استنيت تجيلي أو تتصل حتى لكن وكأنك نسيتني !!
-

_ خليك فاكر اللي قولتهولك آخر مرة ماتحاولش تزعلني منك !

تذكر جاسر تهديد بفضح امره للجميع ، ويعرف انها تستطيع ذلك دون أن يرف لها جفن !

تحكم بغضبه وقال بثبات :- جيتي هنا ليه يا كاريمان ؟! كنا هنتقابل قريب ليه استعجلتي ؟!

لفت يديها كالثعبان حول رقبته وقالت بقرب عينيه :- عشان وحشتني 

******

نظرت عايدة الى ابنتها بنظرة غاضبة وقالت :-

_ انتي اللي وراه اللي البنت دي فيه صح ؟! أنتي مش هتبطلي تصرفاتك دي ؟!

قالت شاهندة بحدة دون أي ندم بصوتها او بنظراتها :-

_ لو حصل اللي في دماغي هتشكريني... لو عايزة تفوقيها اتفضلي بس هكمل اللي بخططله سلاااام...

خرجت شاهندة سريعاً من الغرفة بينما وهي تخرج لمحت جميلة وهي تعود للفيلا مجددا فذهبت اليها وكأنها لا تعلم شيء....

تساءلت :- مالك شكلك قلقان كده ؟!

قالت جميلة بقلق :- سما مش لقياها خالص مش عارفة راحت فين ؟!

نظرت اليها شاهندة بمكر وقالت :- تقريبا لمحتها وهي مع صافي وطالعين فوق في الدور التاني ، تعالي ندور عليهم يمكن راحت تنضف الفستان...

شعرت جميلة بشيء غامض بالأمر ولكنها لم تتكهن بمدى شر هذه الفتاة إلى الآن...ذهبت معها حتى الطابق الثاني....

*****

أتت شيرين وهي الشقيقة الرابعة لسمر وشاهندة ونور....اقتربت من يوسف قائلة برجاء :-

_ ممكن لحظة يا يوسف ؟

نظرت حميدة له وهو يجيب موافقا بعفوية على شيرين :- ممكن طبعا يا شيري

اخذته شيرين على بُعد خطوات وقالت بتوسل :-

_ نور تعبانة أوي يا يوسف ، حاولت تنتحر تخيل !! ارجوك اطلع لها اوضتها واتكلم معاها شوية ، هي تقريبًا مش بتسمع كلام حد غيرك ، انا استأذنت من ماما ما تقلقش

صدم يوسف وقال :- تنتحر !! ليه ؟!

صمتت شيرين عن الاجابة فقال يوسف بصدق :-

_ طب تعالي معايا نروحلها

ذهب معها للطابق الثاني بينما ظلت حميدة تنظر له بنظرات مشتعلة من الغيرة والعصبية....

*******

وقفت شاهندة بأول الممر وقالت وهي تنظر لهاتفها:-

_ طب ثواني يا جميلة فوني بيرن ،هرد في ثواني ورجعالك ، خليكي هنا...أو اقولك روحي اوضة المكتب اللي هناك دي هي الوحيدة اللي ممكن صافي صاحبتي تفتحها

ابتعدت شاهندة سريعا بعدما أشارت لغرفة المكتب......

وقفت جميلة حائرة من امرها ، فهي بمكان غريب لا يصح أنها تفتح احد الغرف بتلك البساطة...ترددت في الخطوات ولكنها توجهت لغرفة المكتب....

حاولت كاريمان باستماته جذب جاسر لسير تفكيرها المشين بينما انقذ نفسه سريعا بأول الخطوات ولم يتابع فدفع يدها بعيدا وقال :-

_ امشي دلوقتي يا كريمان ، هتصل بيكي لما تعرفي اللي كلمتك عنه

اقتربت كاريمان بعناق وقالت بضيق:- أنت مكنتش كده ايه اللي غيرك ؟!!

نفض يدها عنه بجهاد النفس وقال متلعثما :- قلتلك هتصل بيكي

لم تتركه كاريمان وشأنه فابتعد عنها بعصبية وخرج من الغرفة ليصطدم بوجه جميلة....

تجمد جاسر بمكانه من الصدمة ، آخر شيء تمنى أن يراه الآن هي !!

جف ريقه من رؤيتها أمامه بعدما كان بين ذراعي امرأة أخرى منذ قليل ، ....تفاجئت جميلة وقالت باعتذار :-

_ أنا اسفة...انا جيت ادور على سما هنا وشاهندة كانت معايا والله

لم ينتبه جاسر لما قالته جميلة بل كان يتوجس من التي تحاول فتح الباب من الداخل وشعر بذلك لأنه يتمسك بمقبض الباب ،حمد لله أنها لم تصدر صوت....ولكن ذلك سيحدث بالتأكيد...

جذب جميلة من يدها واسرع بخطوات واسعة الى روف قريب من الغرف ويطل على الحديقة.....

اعترضت جميلة بصياح وهتفت :- جاااسر واخدني فين ؟!!

لم يسمعها بينما حمد صياحها الذي لم يجعلها تنتبه لصوت فتح الباب وخروج تلك العاهرة التي شاهدت المشهد خلفهم بسخرية وحقد....

حاولت جميلة أن تذهب بنظرات غاضبة ولكنه اعترض طريقها ونظرته على الممر خلفها....

هتفت جميلة بغضب :- انت ازاي تسمح لنفسك تتعامل معايا كده !! كنت فكراك اتغيرت لكن كنت غلطانة !!

  ....سارت بالممر الجانبي بخطوات سريعة وملامح مقطتبة غاضبة حتى انتبهت لباب المكتب وهو مفتوح !!

كان مغلق منذ لحظات !! اوقفتها تلك الملاحظة حتى رات ظل لأشخاص يأتي من اتجاه السلم....تفاجئت بيده وهو يجذبها داخل المكتب ويغلق بابه عليهما....اشار جاسر لها لتصمت وقال :-

_ لو حد شافنا احنا الاتنين هنا شكلنا هيبقى وحش وانا مش عايز حد يتكلم عليكي...

كادت لتصيح به حتى وضع يده على فمها لتصمت وقال :-

_ اسكتي بقى

مرت لحظات حتى انتبه لصوت باب غرفة أخرى يغلق فتنفس الصعداء مرة أخرى ثم عاد ينظر لها.....

لم ينتبه لقربه منها إلى الآن...بهذا المكان الذي كاد ان يفقد فيه صوابه منذ لحظات مع تلك العاهرة...ضغط يده على شفتيها أثاره فدفعت يداه بعصبية وهتفت به ولكنه كان ينظر لها ولا يعي شيء سوى ما سولت اليه نفسه....ربما استطاع بكفاح أن يبتعد عن تلك العاهرة ولكن يشتاق أن يأخذ حبيبته بين ذراعيه وذلك بسبب ما اضعفته به كاريمان من قوة يجابه بها ضعفه أمام رغباته.....

اقترب لها بنظرة خطرة جعلتها تتوقف عن الصياح وشعرت بخطر حقيقي ، اقتربت من الباب لتفتحه بينما اوقفها ونظر لثغرها بشوق......اتسعت عين جميلة بصدمة من تصرفه...

لأول مرة لم تراه حبيبا بل وكأنه مغتصب يقف أمامها...وعندما كاد أن يقترب اكثر مغلقا عليها طريق الهروب من الباب ركضت للنافذة وهتفت بدموع منهمرة :-

_ لو قربتلي هرمي نفسي من الشباك وهوديك في داهية ...

ايقظه قولها من البئر الذي كاد أن يغرق به ورفع يده باعتذار حقيقي قائلا :- جميلة...ارجوكي...أنا أسف ، مش عارف حصلي ايه بس فعلًا أنـا ....

قاطعته والقت الدبلة بوجهه وصرخت ببكاء :- مش عايزة أشوف وشك تاني

  ...قال بتوسل :-

_أنتي وعدتيني أنك مش هاتسبيني ، ابوس ايدك خليكي جانبي ، اقسم بالله انا ما كنت في وعيي

صرخت باكية :- ليه مسطول ولا شارب حاجة ؟!

قال مرتبكا تائهـًا :- مش عارف اشرحلك ، بس أنا محتاجلك ، احنا لازم نتجوز باسرع وقت

قالت بألم :- كنت بحاول احسن نظرتي ليك بس هديت كل اللي بعمله ، أنت ما تستحقنيش ، أنت أخرك واحدة من اللي بتعرفهم ...انسى أنك في يوم قابلتني وعرفتني وخليك مع اللي شبهك وهيفرحوا أوي بأخلاقك دي...

فتحت جميلة باب المكتب وكأنها تهرب من الجحيم...ركضت باكية بعدما قررت قطع هذا الرابط بينها وبينه إلى الأبد...

******

بعدما دلفت شيرين مع يوسف لغرفة شقيقتها "نور" والتي كانت بجوار غرفة المكتب حاولت أن تيقظ نور بقدر المستطاع ولكن نور لم تستجيب الا عندما تحدث يوسف قائلا :-

_ الف سلامة عليكي يا نور

فتحت عينيها التي امتلأت بالدموع ونظرت له عاتبة ثم اجهشت بالبكاء...ضمتها شقيقتها شيرين بحنان لتقل نور بصوت بالكاد خرج :- سبيني مع يوسف

لم يكن أمام شيرين الا ان تطيعها فوافقت وخرجت من الغرفة...نهضت نور بجسد متعب يكاد يسقط من فرط الوهن والمرض حتى سقطت على صدر يوسف باكية بقوة وهي تتمسك به لتقل بنحيب :-

_ سبتني ليه ،وبعدت عني ليه أنت عارف أني ماليش غيرك

لهذا السبب ابتعد يوسف عنها...

كان يساعدها كشقيقة صغرى له ولكنه لاحظ أن موقفه قد ترجم خطأ منها ومن أسرتها بالكامل فأبتعد تمامًا....قال وهو يربت على كتفها مجبرا :-

_ نور اهدي...انا مابعدتش ، بس...

رفعت نظرتها لعينيه وقالت بتوسل وعينيها مليئة بالدموع :-

_ وحياة أغلى حاجة عندك ماتبعدش عني ، أنا بموت من غيرك ، كلهم بعيد عني...طول عمرهم وهما بعيد عني وسايبني ، أنت اللي خدت مكانهم كلهم وبقيت اغلى حد في حياتي...هونت عليك يا يوسف تسيبني وتبقى عارف أني مريضة وما تسألش عني حتى بالتليفون ؟! أنا زعلانة منك اوي...

بدا الاسف والضيق على سيماه حتى تراجعت بضمة قوية وقالت بقوة :- لأ مش زعلانة ، مش مهم اللي فات ، المهم أنك هنا جانبي

يوسف بحيرة تملأ عينيه وقد ضاق من قربها هذا :-

_ نور عشان خاطري اهدي ، أنتي عارفة أنك بالنسبالي أختي الصغيرة.

انتفض جسدها ببكاء وهي تتمسك به أكثر واعترضت بقوة :-

_ لو قلت كده تاني هموت نفسي ، أنا غالية عندك وبتحبني ، قولهالي ولو مرة واحدة....ماتسبنيش اموت وتمشي

يوسف بضيق :- يا نور !

قاطعته بنظرة نارية وتهديد :-

_ قول أنك بتحبني وهتفضل جانبي وإلا هموت نفسي

نظر يوسف بعجز تام عن الاعتراض ، فضل الصمت ولكنها لم ترضى حتى بالصمت....أشارت له ليقل ما أرادته ويبدو أنها في نوبة هوس.....

قال مرغما حتى تهدأ :- أنتي عارفة أنك غالية عندي وبحبك وهفضل جانبك بس بحبك ....

_يوسف !!

اتسعت عين يوسف بصدمة واستدار حتى اتجاه الباب ليصطدم بحميدة التي تقف وخلفها شيرين وشاهندة.....نظرت له حميدة بأعين دامعة لآواخر الحديث ولقرب هذه الفتاة منه ولم يبدي اعتراض لذلك....حرك يوسف شفتيه بتمتمة خافته فقد اختنق صوته من الصدمة....تمسكت نور به وضمته بقوة هاتفة بتحدي :-

_ يوسف بيحبني أنا وهيتجوزني أنا ، أهلي كانوا معترضين بس هخليهم يوافقوا...

سقطت دمعة من عين حميدة وهي تنظر بخذلان وبقهر الى يوسف ، انتفض قلبه ودفع نور بعيدا وركض اليها قائلا بدفاع :-

_  هتكدبيني وتصدقي واحدة أول مرة تشوفيها ؟!

ابتلعت حميدة ريقها بمرارة وظلت لدقيقة صامته ثم قالت :-

_ لو قلت أنت عايز مين هصدقك

قال يوسف بمنتهى الصدق :- قسما بالله قلبي ما دق غير ليكي أنتي يا اجمل انسانة في الدنيا ، قسما بالله ما فكرت في بنت غيرك أنتي ولا شوفت أن هيكون ليا ولاد غير منك...أنا بحبك أنتي وأي حاجة غير كده كدب ومش حقيقي...

نور أختي الصغيرة وبحبها كأخت لا اكتر ولا أقل...

نظرت حميدة لوجه نور الذي أصبح شاحبا كالأموات...لم تبدي اعتراضا ،لم تكذبه...لو كانت واثقة منه لم صمتت هكذا !

نظرت ليوسف قائلة وهي تمسح عينيها :- انا مصدقاك

ابتسم يوسف براحة وقال :- كنت عارف ، أنا بثق فيكي اكتر من نفسي....

نظر لنور قائلا بأسف :- انا مش زعلان منك يانور ومقدر حالتك ،هاجي ازورك أنا وحميدة لأنها قريب هتبقى مراتي .....

قالت حميدة بجدية :- ممكن اتكلم معاك شوية يا يوسف

هز رأسه بموافقة وخرج سريعا من غرفة نور ومعه حميدة 

*******

فاقت سما بعض الشيء بينما وقف آسر يراقب حركة جفنيها....قالت الدكتورة عايدة بهدوء :-

_ مافيهاش حاجة ، تلاقيها بس مأكلتش من الصبح...هتفوق بعد شوية وتقدر تقف على رجليها...

تطلع بها آسر شارداّ...بينما وقفت عايدة قائلة :-

_ البنت بتفوق ، انا هرجع بقى الحفلة...

********

بقصر كبير تابع لأحد الأثرياء المشهورين في سوق المال......

دلف الخادم بمغلف الى غرفة الصالون الكبيرة المليئة بالأثاث الراقي.....

وضعت إمرأة في العقد الثالث من عمرها مجلة من يدها على الطاولة وكادت أن ترفع فنجان قهوتها حتى لاحظت قدوم الخادم بذاك المغلف....قال الخادم برسمية :-

_ الظرف ده حد سابه مع حرس البوابة ومشي ، بس اللي سابه اكد أنه لحضرتك....

رفعت "چين" أحد حاجبيها المقوس برسمة دقيقة واخذت منه المغلف بتعجب ...قالت :- أنت متأكد أن الظرف ده ليا؟!

اومأ الخادم رأسه بتأكيد ثم أشارت له بالأنصراف....

قبل أن تهم چين بفتح المغلف اتاها اتصال مفاجئ على هاتفها المُلقى بجانبها...رفعت الهاتف وابتسمت وهي تجيب :-

_ حبيبي وحشتني موووت ، هتوصل امتى بقى ؟!

أجاب زوجها "راشد" عليها قائلا :-

_ مش أقل من شهرين للأسف ، أنتي عارفة الشغل حتى اسألي أخوكي...ما احنا شركا في كل حاجة

قالت "چين" بابتسامة واسعة :- اللي مطمني اصلا أنه معاك ، أصلي عرفاك ، المهم توصل بالسلامة

تحدثت لمدة دقيقتين ثم انتهى الاتصال....نظرت للمغلف مرة أخرى وهمت بفتحه لتجد ورقة كبيرة ويبدو أن كاتبها استفاض في الحديث رغم أن الكلمات تبدو مطبوعة أيضا وليس بخط اليد...

( چين....دلوقتي بس أقدر اقولك حبيبتي وانا مش خايف من راشد ولا من أخوكي اللي انتي عارفة كويس أنهم عكس اللي بيظهروا بيه وانهم في الأصل " عصابة ومجرمين"

لما توصلك الرسالة دي هكون خلاص مت...انا سيبت وصيتي عند محامي وموصي انها تتفتح وراشد موجود ، بس اللي متأكد منه أن راشد بمجرد ما ينفذ اللي قلت عليه هيعمل اللي كان عايزه من اول مرة شاف طليقتي "للي"

اكيد أنتي عارفة انها كانت عجباه وتهديدك ليه هو اللي بعده عنها ، للي هتطلق من اللي اتجوزته وانا متأكد أن راشد مش هيسيبها في حالها....بعد ما كتبت وصيتي حسبت كل النتايج ولقيت أنك ممكن يتغدر بيكي وانتي مش حاسة....وان كنت أنا غدرت بالعالم كله بس عندك ومقدرتش اكمل خطوة واحدة....خدي بالك من راشد الفترة الجاية عشان ممكن تتفاجئ انك مابقاش ليكي وجود في حياته...وخلي بالك من حاجة مهمة ....أنه قبل ما يغدر بيكي هيغدر بأخوكي عشان محدش يوقفله...راشد ممكن يبيع ابوه عشان مصلحته....المخلص ليكي دايمًا....حسام عزام )

تسمرت نظرة چين لدقيقة في صدمة....دفعت المغلف من يدها بكره و?

رواية  امبراطورية الرجال 
 الفصل السابع والثلاتون/الثامن والثلاثون 

تسمرت نظرة چين لدقيقة في صدمة....دفعت المغلف من يدها بكره وقالت :- مخلص ؟!! حتى وأنت عارف انك هتموت بتكدب ؟!انا عارفة الاعيبك يا حسام ...أنت كنت عارف انك ميت ميت فقتلت نفسك ،وعارف أن مفتاح دمار راشد وأخويا هو أنا...وأن كنت مش مكدباك أن راشد خاين ولازم اخلي بالي لأن واضح أن اللي جاي مش سهل !!

******

انتقضت سما من مكانها عندما رأته يقف مستندا على الحائط بانتظارها....قالت بقلق وجسدها ينتفض :-

_ في ايه ؟! حصلي ايه ؟!

تنهد آسر وقال بلطف :- اغمى عليكي ، مش عارف السبب بس طنط عايدة قدرت تفوقك ، ما تقلقيش محدش حس بحاجة

لم تعرف سما من هي "عايدة" ولكنها وقفت رغم موجة الدوار التي تعصف برأسها وقالت :- انا عايزة امشي

قال آسر برفض :- هتطلعي وانتي كده قدام الناس ؟! شكلك زي ما تكوني سكرانة ؟!

زمت شفتيها بضيق والتفتت الى الشرفة وقالت :- هخرج من هنا ، سيبيني في حالي بقى

منعها من الخروج واغلق باب الشرفة بقوة ثم استدار لها هاتفا بعصبية:-

_ مش قبل ما أقول اللي المفروض كنتي تسمعيه

هتفت بعصبية :- مش عايزة اسمعك!!

صاح بغضب:- هتسمعيني غصب عنك ، عقدك لسه ما خلصش معايا ، انتي لازم على الأقل تفضلي في المكتب لحد ما الاقي بديل !!

ضيقت عينيها بشدة من ضغطه لبقائها فقال بمكر :-

_ أنتي ليه خايفة ترجعي تشتغلي معايا ؟!

قالت دون تفكير :- قدامك اسبوع تلاقي فيه حد غيري ، استاذ خالد قال يومين بس أنا هعمل بأصلي وهديك أسبوع وبعد الأسبوع مش هتشوفني في مكتبك تاني...

ثارت ثورته وتطاير من عينيه الشرر وهتف :-

_ ملهوفة أوي تشتغلي مع خالد ؟! لو اشتغلتي مع خالد يومين بس هتعرفي قيمتي !! لكن أنا مش هسمحلك اصلا أنك تشتغلي مع واحد زي ده !!

هتفت بغضب :- وأنت مين تسمحلي أو ما تسمحليش ؟! ده قراري أنا وبس وأنت اخرك معايا الاسبوع ده وده اصلا عشان صلة القرابة اللي بقت ما بينا يعني مش لسواد عنيك !!

أشار لها بتحذير:- ما تكلمنيش بالنبرة دي وهتسمعي كلامي غصب عنك وبعدين انا عنيا مش سودا....عسلية !!

سما بغيظ:- أنت مستفز !

آسر بعصبية:- وأنتي عنيدة ولسانك طويل !!

ضمت مرفقيها حولها وقالت :- أنت مش طلبت وقت عشان تلاقي بديل ؟ اديتهولك...عايز ايه تاني ؟!

رد آسر بقوة دون حسبان:- عايزك انتي

شهقت سما وانعقد صوتها من الصدمة فصصحح بارتباك :- عايزك تشتغلي معايا ، ماتبقيش عنيدة وغبية كمان ؟!

رمته بنظرة غاضبة وهي تفتح باب الشرفة وقالت جملتها الاخيرة :- آخر معرفتي بيك هو الاسبوع ده وبعدها اعتقد أني مش هفتكر شكلك اصلا...

خرجت من الشرفة بحثا عن مخرج لخارج الفيلا.....

*****

بقصر الزيان....

بخطوة عصبية فتح وجيه باب غرفته الخاصة....وبخطوات سريعة أيضا دلف للداخل وبدأ يفك رباط العنق بعصبية...

دلفت للي بنظرات جانبية له ، أصبحت عصبيتها أقل من شعور الاعتذار بداخلها فهي تعرف أنها مخطئة أيضا....

خلغت سترته من كتفيها ووضعتها برفق على الفراش وهي تختلس النظرات اليـه...

دفع وجيه رباط عنقه على ظهر المقعد وبدأ يفك أزارا قميصه 

قالت بصوت يرتعش :- وجيه

رد بحدة دون ان يلتفت لها :- عايزة ايه ؟!

للي :- ممكن تبصلي ؟

تنفس بحدة حتى ترك أزرار قميصه ونظر لها بضيق....نظرت له بأعتذار وركضت الى صدره باكية....لفت يديها حول عنقه وقالت :-

_ يمكن انا غلطت بس مكنش قصدي ، اكيد مش هقصد أضايقك ، أنا أسفة والله ما أقصد...هتفضل زعلان كده كتير ؟

شدد يده على خصرها وهمس بأذنها معاتبا :-

_ بيهمك زعلي أوي ؟

هزت رأسها بالايجاب وقالت :- مابقاش يهمني في الدنيا غيرك اصلا ، اكتر حاجة زعلتني لما قولت أني لسه مش فهماك ....انا اتصرفت بعفوية زي ما بتصرف على طول بس مش بقصد ابدا اني اضايقك ، وليك حق تزعل من لبسي ومش هلبس مفتوح كده تاني بس لما تزعل مني تاني فهمني براحة عشان انا مابقتش حمل دموع تاني...

قبل خدها بحنان وقال معتذرا بضمة قوية :- حقك عليا ماتزعليش مني ،   

قالت مبتسمة:- بس بصراحة كنت مبسوطة وأنت غيران

كتمت ضحكتها بصدره فاتسعت ابتسامته وقال :- مش بقولك شقية !!

*********

 مضت سمـا في طريقها حتى خرجت من الفيلا وهي تسرع الخطا وكأنها في سباق !! وقعت في دائرة شائكة....كيف وافقت على ذلك الأمر ؟! كيف ستمضي معـه عدة أيام أخرى !! كان لابد أن تتريث في الامر علها تجد مخرج بعيدًا عنـه...اقتربت من السيارة بوجه ممتقع حتى تفاجئت بجميلة وهي تبكي داخل السيارة....

اتسعت عينيها وفتحت باب السيارة سريعا لتقل بقلق :-

_ بتعيطي كده ليه يا جميلة ؟!

رفعت جميلة رأسها وارتمت بين ذراعي سما وتابعت بكائها بحرقة ، ربتت سمـا على كتفيها برفق وتصاعد بقلبها القلق من مظهر جميلة التي انساها ما مرت به منذ لحظات..

زحفت الدموع من عين سما وكأن عينيها استعدت سابقا للدموع !! قالت بشك :- اكيد جاسر اللي زعلك ؟ قوليلي عملك ايه ؟

ارتعشت جميلة من البكاء بينما كادت أن تتحدث حتى فتح باب السيارة بجانبها بيد جاسر وقال بحدة :-

_ قبل ما تقرري تنهي كل شيء أعرفي اللي حصل الأول !! على الأقل اسمعيني !

التفتت جهة باب السيارة واشتدت ملامحها بالغضب وهتفت :-

_ سمعتك قبل كده كتير عملت ايه ؟! اديتلك الفرصة اللي طلبتها وادي النتيجة !!

ضيقت سما عينيها بشك وريبة ثم نظرت لجاسر بعصبية وصاحت :- هو ايه اللي حصل ؟! عملتلها ايه خلاها كده ؟!

هرب جاسر بعينيه منها ثم نظر لجميلة بنظرة مفهومة حتى لا تكشف امره أمام سمـا....قال وهو يسلط نظرته بعين جميلة :-

_ لو سمحتي سبيني مع جميلة شوية ، كام دقيقة بس

نظرت سما لجميلة التي اغمضت عينيها ببكاء صامت...فهمت أنها حائرة من الموافقة أو الرفض فأخذت الاجابة من صمتها وخرجت من السيارة...ابتعدت عدة خطوات للحديقة 

جلس جاسر بجانب جميلة ثم اطلق تنهيدة عميقة قبل أن يتحدث...أخذت طرف البداية عنه وقالت بحزن :-

_ كان نفسي تبقى اد كلامك وتتغير ، كان نفسي تبقى صادق معايـا لما وعدتني تبقى انسان محترم ، أنا عمري ما هنسي اللي شوفته منك النهاردة

قال جاسر بضيق من كل شيء حتى منها :-

_ اللي شوفتيه كان لحظة ضعف ، لحظة ضعف قبلها كان قوة عشان معملش حاجة غلط ، انا ضعفت معاكي بس قويت مع غيرك..

توقفت جميلة عن البكاء ونظرت له في ذهول ورددت :-

_ غيري ؟! تقصد ايه بغيري؟!

قال جاسر ببعض القلق :-

_ في واحدة من اللي كنت بعرفهم كانت هنا ، والله العظيم ما أعرف جت هنا ازاي ! لكن لقيتها وحاولت أنها...... بس صدقيني قاومت ومضعفتش..

جميلة بصدمة :- واللي بتحاول معاك دي هتحاول ليه لو مكنتش متعودة منك على كده ؟! سألتك كتير علاقاتك بالبنات وصلت لحد فين وكنت...

قاطعها جاسر وهو يمرر يده على شعره بضيق وشعور ثقيل على صدره من هذه الكذبة الذي سيتفوه بها للتو :-

_ كنت بطمنك انها مجرد علاقات عادية...البنت دي جاتلي هنا وحاولت معايا عشان مابقتش عايز أشوفها ولا برد على مكالمتها ، لما خدتك من ايدك للروف كانت هي في المكتب ، خوفت تشوفيها تسيء الظن بيا ، حاولت بكل الطرق انها تخليني اضعف...

نظر لها بنظرة صادقة وقال :-

_ انا كنت هضعف بس فوقت بسرعة ، انا عايز اتغير لنفسي وليكي ، على فكرة يا جميلة انا عمري ما حبيت نفسي ولا حتى احترمتها...حتى من وأنا طفل !!

نظرت له جميلة بحيرة من حديثه حتى تابع :-

_ انا محتاجلك...محتاجلك عشان بحبك ، انا عارف ان كل اللي فات كان غلط بس بحاول مكملش فيه ، اقسملك بالله بحاول بمنتهى الصدق لكن للأسف اللي كنت بعرفهم هما اللي مش سايبني في حالي...

صمتت وعينيها تسرد حيرتها بالدموع فقالت ببطء:-

_ أنا اديتلك فرصة وأنت ضيعتها...كانت فرصتك الأخيرة

نظر لها بحدة وقال بقوة :-

_ انتي ليه بتحسبي علاقتنا بالورقة والقلم ؟! ليـه طالما حاسة أني بحاول عشانك ما توقفيش جانبي ؟! تفتكري لو انا مش عايز ابقى انسان كويس كنت هفكر اتجوز ؟ كنت هفكر اقطع أي علاقة بواحدة كنت أعرفها ؟! انا لما قويت وحاولت وماضعفتش قدامها كان سببه اني بحبك ومابقتش شايف غيرك بس غصب عني اتأثرت ، وأنتي ظهرتي قدامي في الوقت الغلط ولكن برضو فوقت بسرعة وما اتهورتش...انا مش بدافع عن نفسي بس هي دي الحقيقة...تفتكري انا دلوقتي بتحايل عليكي ليه لو انتي ما تهمنيش ؟! لعلمك بقى....انا عمري في حياتي ما اتحايلت على حد ولو انا عايز اتجوز وخلاص في الف بنت مستنية اشارة مني لكن انا عايزك أنتي...ومابحبش غيرك أنتي

جميلة بسخرية مريرة :- طلعت نفسك البريء ؟! برافو

جاسر بعصبية :-

_ طب تعالي نفكر سوا في نتيجة قرارك...هتمشي وانا همشي وكل شيء هينتهي بينا ، لا انا هعرف انساكي ولا انتي كمان ، لا وكمان ممكن يوصل بينا العند ان كل واحد يبقى مع حد تاني وده انا وانتي عارفين انه هيكون وجع بجد محدش فينا هيقدر يتحمله...هنستفاد ايه يا جميلة ؟! وعلى فكرة..انا بيكي او من غيرك هبقى انسان كويس وهتعدل لكن مش عايز ابقى كده وانتي مش جانبي....مش عايزك تفكري في كام مرة اديتيني فرصة ، عايزك تفكري بقلبك وبعقلك وتشوفي انا استاهل ولا لأ ، بحاول عشانك ولا لأ...وجودك جانبي قوة كبيرة طلبتها من ربنا كتير عشان اخرج من اللي أنا فيه...

جميلة :- انت عايز مني ايه يا جاسر ؟ لو أعرف الاجابة الحقيقية للسؤال ده هقدر أقرر مصيري معاك..

رد جاسر بشوق مر بعينيه :-

_ عايزك جانبي في اقرب وقت

اجابت بشيء من السخرية رغم الألم الصادر بعينيها :- مش لما أقرر ابقى ولا ابعد !!

نظر لعينيها بقوة ، نظرة يعرف أنها ستشعر بقوتها لأن نظرته لها بعشق صادق وقال:-

_ هتقبلي حد تاني ياخد مكاني في حياتك ؟! هتقبلي انك تشوفي واحدة تانية معايا ؟! لو قررتي تبعدي يمكن مقدرش امنعك بس خليكي فاكرة أن الحب مش كلمتين حلوين بيتقالوا ووعود بتتقال وبتتنسي ، الحب يعني الدنيا كلها تتخلي عننا واللي بنحبهم هما اللي يصمموا يبقوا...يعني السند

يعني لما اخاف اطمن بوجودك...يعني حتى وانا بكره نفسي أنتي تحبيني...مش تتخلي عني في أول الطريق !!

جميلة بألم :- انا بفكر بعقلي ، لكن أنت عايزني الغيه !!

جاسر بألم وهو ينظر لها :- لو هتفكري بعقلك هتعرفي أن حبي ليكي أكبر بكتير من حبك ليا...

رفع "الدبلة" الذهبية أمام عينيها وأضاف وهو يضعها بأصبعها :-

_ فكري براحتك بس خلي الدبلة في ايدك لحد ما تقرري ، اعتبري أن ده آخر طلب ليـا

نظرت لأصبعها التي زينته الدبلة الذهبية حتى تفاجئت أن جاسر يخرج من السيارة قائلا بنظرة ملؤها الرجاء :-

_ ما تظلمنيش ، قرري اللي يريحك وانا عارف ومتأكد ان اللي يريحك أننا نكمل

ابتعد عن السيارة ببطء وقرر السير في الطريق على الأقدام...بحاجة لأن يسير منفردا بعد ما حدث....

حمدت ابتعاده بهذا الوقت...حديثه شتتها واربكها ، ان كان صادقا فلابد أن تمد يد الدعم له وتبقى ولكن ما يقلقها لو كان كاذبا !!

رفعت عينيها للسماء وتضرعت لرب العالمين بتوسل باكي كي يدبر لها الأمر.....

*****

راقبت سما السيارة حتى استدارت فجأة على صوت آسر خلفها ولم تلاحظ خروج جاسر وابتعاده من السيارة....

قال وهو يضع يديه بجيوب بنطاله بنظرة متفحصة لارتباكها :-

_ ايه اللي موقفك هنا ؟! مش قلتي هتمشي ؟!

سما بعصبية:- وأنت مــــالك؟!

زم آسر شفتيه بغيظ من اجابتها وأشار محذرا :- ماتعليش صوتك عليا ؟! وماتنسيش تيجي بكرة بدري عشان ورانا شغل كتير

قالت لتستفزه :- هاجي بدري ساعة عشان امشي بدري، هروح اقدم الملف بتاعي في شركتكم

ضيق آسر عينيه بشعور يتقد من الغضب ثم قال ساخرا :-

_ معايا ملفك وشهاداتك الأصلية ، وهيفضلوا معايا

لوت شفتيه بسخرية وقالت :- ومعايا الصور ، استاذ خالد اعتقد مش هيرفض على الأقل دلوقتي...

آسر بانفعال :- مش هتاخدي ملفك !

سما بنص ابتسامة :- بس ممكن استاذ خالد يقدر ياخده منك بما أني هبقى سكرتيرته !

صر آسر على اسنانه بعنف وقال :- ماتنسيش أن شركة الزيان بتاعتنا يعني في دقيقة أنتي والاستاذ خالد بتاعك ده تبقوا برا !!

سما وقد ارضاها عصبيته :- هندور على شغل تاني

استفزه صيغة الجمع بحديثها وقال بحدة :-

_ ماتحاوليش تستفزيني لأني مابحسبش ردود افعالي وانا عصبي واظن أنتي مجربة ! ولا تحبي تشوفي وتجربي تاني ؟!

عقدت سما ذراعيها حولها وقالت بتعجب :-

_ نفسي أنت اللي تجرب تشيلني من دماغك ، تجرب تنساني...ينفع ؟

هز رأسه برفض :- لأ ...عارفة ليـه؟ لأنك غبية وهتضيعي نفسك

سما بغضب :- وفر نصايحك لنفسك متهيألي أنت اللي محتاج نصيحة !!

ضيق آسر عينيه وتساءل :- تقصدي ايه ؟!

سما بسخرية :- انت عمال تديني في نصايح وتدي غير نصايح وانت اصلا محتاج اللي يرشدك للصح ومتنساش ان الشركة اللي بتتكلم عنها دي أنت اتطردت منها واستاذ خالد اللي بتتكلم عنه ده اتكلم معايا بمنتهى الاحترام مش زيك !!

اصبحت عين آسر مظلمة من غليان غضبه وهتف:-

_ ما تتكلميش في اللي ملكيش فيه ولا تعرفي عنه حاجة وخالد انا مش هسيبك ليه لانك ماتعرفيهوش...دي طريقته مع كل واحدة بيعرفها جديد وبيخليها تشتغل معاه لحد ما ياخد اللي عايزه منها ويرميها...

هتفت سما بتحدي:- بكرة تعرف مين فينا اللي غبي ولو خالد كده فمش هيطول مني شعرة

آسر بسخرية لاذعة :- آه ما انا عارف طريقتك !! طمنتيني بصراحة!!

نظرت له بصدمة من مغزى حديثه...طفرت عينيها دمعة رغما عنها وقالت :- ان كنت أنت طولت مني حاجة فهو هيطول ، انا مش عارفة أزاي بقيت بكرهك كده ؟! لدرجة أني مش قادرة أقف قدامك دقيقة واحدة ومش طيقاك !

انا عمري ما كرهت حد في حياتي...بس كرهتك أنت...أنا بكرهك ، بكرهــــك

اتت رضوى ورعد إصر بحثهم عن البقية حتى وقفت رضوى تنظر لكلاهما بتعجب ،علمت ان هناك مشادة بينهما لملامح الغضب على سيماهم....تطلع آسر بعينيها وكأن لامسته صاعقة كهربائية...هي....ذاك الصوت وهو يردد ذات الكلمة يتردد بجانب اذنيه الآن...ولكن ذاك الموقف كان قديمًا منذ سنوات....مع والديه وامه تهتف عاليًا "بكرهك"

نظر رعد لآسر بعبوس وربت على كتفه قائلا :- تعالى معايا يا آسر نتكلم شوية...

انزل آسر يد رعد من على كتفه وقال ولم تنسحب نظرته من عينيها بل طاف العذاب بمقلتيه وهو يتحدث :-

_ عايز ابقى لوحدي ، مش عايز أشوف حد

ابتعد من أمامهم سريعا فأجهشت سما بالبكاء وضمتها رضوى بقوة....ظل رعد ينظر لخطوات آسر التي تبتعد بضيق شديد.....

******

بزاوية مزهرة بروف الفيلا بالطابق الثاني......

ظل يتأملها بصمت وهي تبكِ....شعوره بالأسف والاعتذار لم يرحل حتى بعدما انصفته ولم تصدق تلك الفتيات...قال يوسف بعبوس :-

_ هتفضلي تعيطي كده كتير ؟! انتي عارفة أني مظلوم يبقى الدموع لزمتها ايه ؟!

جاهدت حميدة كي توقف هذه النوبة من البكاء ثم قالت :-

_ صدقتك بس مش عارفة انسى شكلك وهي في حضنك ! اللي شوفته وجعني أوي ومش عارفة انساه ، وكمان زعلانة أنك ما قولتليش حاجة زي دي !

وضع يوسف يده على صدره بأسف وقال برجاء :-

_ انا عارف ان عندك حق تزعلي بس والله انا مكنتش عارف اعمل ايه ، نور عندها القلب واي زعل بيخليها تتعب ، نور اختي يا حميدة ووقفتي جنبها كان بالدافع ده بس لما حسيت انها فهمت اهتمامي غلط بعدت ،بعدت لأني بحبك انتي وبحترمك حتى في غيابك ، مكانش ينفع اقولك حاجة زي دي واضايقك خصوصا اني مظلوم ، حتى اللي انتي شوفتيه ده اول مرة يحصل ومش عارف هي عملت كده أزاي !! اللي صبرني عليها هو مرضها...

تابعت حميدة بكائها ليقل يوسف بضيق :-

_طب اعملك ايه عشان اصالحك ؟! اطلبي اي حاجة وهعملها بس بطلي عياط

مسحت حميدة عينيها وقالت :- عايزة امشي من هنا

يوسف بقلق :- هتمشي وانتي زعلانة مني ؟! مش هاين عليا اسيبك كده !

حميدة بضيق :- انا مصدقاك يا يوسف...بس مخنوقة ومش عارفة ابطل عياط...

يوسف بعصبية :- طب انا عايز اصالحك اعمل ايه دلوقتي ؟! انا مش بحب اشوفك بتعيطي ! ماهو لو أنتي مراتي كنت عرفت اصالحك صح...

هتفت حميدة بعصبية :- يوووسف !! انا مش حذرتك من الكلام ده ؟!

وضع يوسف يديه الاثنان على فمه كالطفل المعاقب وهز رأسه دلالاة الاسف فرغما عنها ابتسمت....

انزل يديه وظهرت ابتسامته المرحة وقال :-

_ نستيني....كنت عازمك على كشري بعد الحفلة

نظرت له حميدة بغيظ فقال بحيرة :-

_يعني لا عايزاني اتكلم في الحب ولا في الطبيخ اومال هعيش ليه انا ؟!

حميدة بحدة :- يلا نمشي يا يوسف

يوسف بتذمر :- حاضر يا حميدو...اتفضل يا صاحبي انت الأول

*******

خرجت حميدة مع يوسف من الفيلا بعدما بحثت عن الفتيات ولم تجد واحدة منهنّ.....اقتربت للسيارة لتجد جميلة وسما يبكون بصمت ورضوى جالسة بجانبهما ويبدو انها فقدت الأمل في مواساتهم....هتفت حميدة :- انزاحوا شوووية

جلست بجانبهم بالكاد ثم نظرت لجميلة وسما مرة اخرى واجهشت بالبكاء ، استدار يوسف الذي جلس بالمقعد الأمامي وقال بغيظ :-

_ بتعيطي تاني يا عيوطه ؟! انتي مش كنتي بتضحكي من شوية يابنتي ؟!

رفعت حميدة اصبعها بتحذير وقالت :- ماتكلمنيش دلوقتي سيبني اعيط ..

نظر يوسف لرعد الجالس خلف المقود ليقل رعد بيأس :-

_ سيبها دلوقتي دي بتشاركهم احزانهم...هز راسك ووافق حتى لو مكنتش فاهم حاجة احسن تولع فيك وانت قاعد ، يرضيك تموت وانت مش فاهم أي حاجة في البطيخ كده ؟!

********

بعد منتصف الليل......

تجمع الرباعي الفتيات على اريكة بجانب النافذة بغرفة السطوح....بعدما أخبرت حميدة وسما عن سبب بكائها باستثناء رضوى التي فضلت عدم الافصاح عن امرها حتى تاخذ قرارها دون ضغوط....وجميلة التي لم تخبر احدا بما كاد يفعله جاسر واكتفت انها تشاجرت معه في الحديث...

قالت حميدة بتنهيدة :- انا عارفة أن يوسف مش خاين بس غصب عني مش عارفة انسى اللي شوفته

قالت سما بالم :- اومال لو أنتي زيي يا حميدة كنتي عملتي ايه ؟!

كانت جميلة تائهة عن أي حديث يدور فلم تتحدث ، قالت رضوى لسما :-

_ انتي ناوية بجد يا سمكة ترجعي الشغل مع آسر ؟! انا خايفة عليكي ؟!

هتفت حميدة بغيظ :- والله انا ما خايفة عليها من آسر رغم اللي عمله ، الخوف كله من خالد !! انا ما اشتغلتش معاه بس اسمع انه كان بيجيب بنات في الشركة ولما مستر وجيه عرف خلاه يمضي استقالته ، خالد مش سهل خالص يا سمكة وبصراحة مش موافقة تشتغلي معاه...

سما بضيق وعصبية :- انا مش صغيرة عشان حد يضحك عليا يا حميدة !! ولو خالد كده هعرف اوقفه عند حده ، ومش هخسر التحدي اللي آسر حطه قدامي وبحمد ربنا أن خالد ظهر في طريقي فجأة...وبعدين انتوا خلاص حكمتوا انه هيلعب بيا ويحاول يقربلي مش يمكن عرض الشغل ده جه معاه كذوق مش اكتر لما عرف اني سيبت الشغل....

رضوى :- انا قلقت من كلام حميدة يا سمكة ، مش عشان تخلصي من آسر توقعي نفسك في متاهة !! ولو التحدي اللي بتتكلمي عنه ده هيجبلك مشاكل فالاحسن تبعدي عنهم هما الاتنين...

نهضت سما وهتفت بدموع :-

_ انا بقيت بكرهه وعايزة انساه وبحاول بأي طريقة ، هو اللي لما بيلاقي حد عايز يقربلي او حتى بيحاول بيتجن !! انسان أناني ومابيحبش غير نفسه !! مش عايزني ..بس كمان مش عايزني ابقى مع اي حد غيره !! انا خلاص قررت هشتغل عنده الاسبوع ده وهمشي ،عشان ما يقولش اني خايفة منه أو بهرب...

....

نظرت رضوى لجميلة الشاردة بقلق وقالت :-

_ وانتي كمان مالك يا جميلة ؟! مش حكاية كلمة منه زعلتك دي اكيد في حاجة حصلت ؟!

نظرت لها جميلة بتيهة واجابت ببطء :- انا تعبت من التفكير والحيرة ، مابقتش عارفة اكمل ولا ابعد

 💖💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖💖

روايةإمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الثامن والثلاثون

 
قالت رضوى وكأنها وجدت الطريق :-

_ طب بقولك ايه...صلي استخارة وطلعي صدقة لله بنية أن ربنا يبعد عنك الشر ، يعني لو جوازك منه هيبقى شر يبعدك عنه ولو خير تكملي معاه...

هزت جميلة رأسها بموافقة ثم قالت بتساءل :-

_ تفتكروا لو كملت مع جاسر هبقى مبسوطة ؟! كل ما بحاول اتخيل أني مبسوطة بلاقي دماغي راح لحته تانية...

تنهدت حميدة ببعض الحيرة :-

_ يمكن عشان خايفة ، اسمعي كلام رضوى يا جميلة ، لا انا ولا أي حد هيقدر يفيدك ، استعيني بالله وادعي على اد ما تقدري وربنا هيتقبل ومش هيسيبك...

التفتت جميلة لحميدة بعينين مليئة بالعبرات وقالت :-

_ كنت اديتله الدبلة ونهيت كل حاجة بس لبسهالي تاني لحد ما أخد قراري...أنا بحبه يا حميدة ، والحب مرايته عامية وشكلها كده هتتكسر على دماغي !!

قالت حميدة برقة :- أنتي من جواكي عايزة تكملي صح ؟

ابتلعت جميلة ريقها بألم حتى هزت رأسها ببطء دلالاة الموافقة....فقالت حميدة:-

_ طب ما تطولي الخطوبة شوية ؟!

جميلة :- اذا كان كل مشاكلنا بسبب أنه مستعجل على الجواز ومحتاجلي جانبه !! هروح أقوله نأجل ؟!

هزت حميدة رأسها بضيق ويأس ثم قالت :-

_ أنا احترت بصراحة ومش عارفة أقولك إيه ، سبيها على ربنا ومحدش عارف بكرة فيه إيه...

**بقصر الزيان**

تململت في نومها بطيف ابتسامة على ثغرهـا....يبدو أنهـا نالت قسطا من السعادة حتى في أحلامها....فتحت "للي" عينيها بجفون ثقيلة في اضاءة الغرفة الساحرة...كأن المصابيح الصغيرة في الزوايا هي نجوم السماء بمؤق الليل...

والهواء يُمايل الستائر الحريرية للنافذة.....استنشقت هواء جديد بملأ رئتيها...تأخذ ما تستطع نيله من تلك الأيام المبتسمة بجانبه..

تمر بنا الصعــاب ربما...

تأخذ منا بعض الهدوء انما.....

يبقى الحب دائمـًا هو حياة القلوب.....

اضاءت المصباح الكهربائي بجانبها ثم اعتدلت قليلًا متكأة على مرفقها الأيمن وشعرها يتدلى على كتفيها بنعومة...

ابتسمت بحنان عندما لاحظت ملامحه الهادئة في غفوة تبدو عميقة....وملامح وجهه تحديدا المنحوته كلوحة لتمثال أغريقي لأحد الأساطير القديمة....ربما لأسطورة عاشق لأنه يليق به أن يرق بعد الهيبة....هكذا يجب أن يكون الرجل العاشق...كثيرا من الهيبة وكثيرا من العشق وقليلًا من القسوة...

تعترف أنه بعالمها اجمل الأقدار ، وبعينيه أجمل ما قيل في الحب...اشتاقت يدها أن تمر على رأسه برفق...وتثير رائحة عطره الذكية التي أثارت أنفاسها....

قبلته قبلة سريعة ثم نهضت متوجهة لحمام الغرفة وبيدها الطبقة الحريرية من روبها الروزي...

خرجت بعد دقائق وشعرها يقطر ماء من أطرافه ، أقترب للمرآة ونثرت العطر الخاص به وهي تبتسم ...ثم سحبت المنشفة من ظهر مقعد المرآة بهدوء ثم وقفت تجفف شعرها برفق حتى تفاجئت وهي تبعد المنشفة عن وجهها بوقفوهه مبتسما بمكر أمامها...قال وهو يقترب اليها بنظر خبيثة :-

_ بتستعملي البرفيوم بتاعي ليه ؟! مش عندك برفيوم كتير ؟!

كتمت ضحكتها وتظاهرت بالثبات قائلة بتحدي :-

_ وهسرح شعري بالمشط بتاعك كمان...هتعترض؟!

جذبها الى صدره قائلا بهمس :- طماعة !! ممكن اطلب منك طلب؟

رفعت حاجبيها بتعجب ثم اطلقت ضحكة عالية وقالت :-

_ يا سلام على الديمقراطية !! وبتستأذني كمان..عجبًا !!

اتسعت ابتسامته وقال :- هعتبرك بنوتي وهسرحلك شعرك ، خصوصا أني بعشقه

هزت رأسه برفض وابتعدت وهي تصيح بضحكة :- مستحيل ولا يمكن ، انا مابحبش حد يسرحلي شعري ، حتى ماما مكنتش بخليها تسرحهولي...

قال بضحكة :- انا مش ماما يا حبيبتي ، انا جوزك !! ، يعني تسمعي كلامي ، تعالي هنا يا للي !!

شعرت بنوبة غريبة من الضحك وصاحت :- لأ يعني لأ ، مش جاية

نظر لها بهدوء لدقيقة حتى زادت نوبة ضحكتها أكثر ليسرع اليها 

_ وطي صوتك يا مجنونة !! هيبة السنين دي كلها هضيع بسببك !!

هزت كتفيها بتمايل وقالت بضحكة :- اوعدني الأول

قال بتعجب :- فيها ايه يعني ؟!

انكمشت ملامحها وقالت بتذمر :- بصراحة...بغير ، كأن حد بيزغزغني

ركضت ضاحكة من أمامه كالطفلة حتى صعدت الدرج للطابق الآخير وركض خلفها

******

صعدت بالطابق الآخير...الذي كان تعلوه السماء مباشرةً....والأسوار حولها تغطى بالزهور الربيعية....الهواء منعش للأنفاس حد الأرتواء وطيب الراحة....

زهور الريحان يأتي ريحقها من القريب...من يمناها تحديدًا بينما الزهور الجورية بالاتجاه الآخر...وقمر الليل عاليًا بينما قمر عمرها أتى وحاوط خصرها بقوة...قوة محببة قسوتها حانية...كالربته على القلب ليحيا...

استدارت لتواجهه حيث عيناه القريبة...القريبة جدًا

وهمسات أنفاسه الممزوجة بعطر الريحان وعبير الزهور...لم يكن الطقس باردًا ولكنها شعرت ببعض الرجفة تجتاحها...وصدره كان به دفء قريب للقلب العاشق بأضلعها...همس وكأن صوته يأتي من الأحلام :- بموت فيكي في اللحظة بعدد سنين عمري اللي فات.

رددت أسمها لا أراديـًا منها...ربما كانت تريد أن تتأكد من واقعية هذا المشهد الذي لم يأت مثله حتى بالأحلام..

ربما كان الواقع أجمل فقط ضعوا احبابنا بالقرب وخذوا الخيال وارحلوا....

تحدث بكلماتٍ كانت بحنايا قلبه نابضة بالعشق...وقالت له ما جعله مثل الأرض الذي عندما ارتوت عادت ظمأ بعد عناق الصمت لثوانِ !!

تكاد تكون لا ترى ملامحه الا قليلا ، عبق الظلام جائر حولهم !! ولكن للقلب مصابيح تبصر المآقي وضي القمر حاني على قلوب العاشقين...

******

باليوم التالي....

استعدت الفتيات صباحاً للعمل....قالت حميدة لسمـا بتحذير :-

_ أي كلمة يقولهالك تضايقك سيبي الشغل وأمشي ، أنتي مش مجبورة تشتغلي هنا

قالت سما بتحدي:- انا بتمنى اصلا يعمل كده وتكون حجة وأمشي للأبد...

ظلت جميلة على صمتها حيرتها بعدما اقامت الليل كله حتى صلاة الفجر تدعو وتتضرع لرب العالمين.....

تفحصت رضوى مظهرها أمام المرآة بدقة فقالت حميدة بتعجب :-

_ أنتي يابت أنتي !! دي خامس مرة تبصي في المراية !! هو انتي بتشوفي مارلين مونرو في المراية !!

قالت رضوى بسخرية :- أنا احلى !

سخرت نظرات حميدة وقالت بضحكة :- آه احلى يام لدغة ياشبر ونص مش كامل ، اقلعي شبشب ستي اللي في رجلك ده والبسي الجزمة وخلصينا !!

******

**بقصر الزيان**

لسعت شمس الصباح بشرتها....بعدما مالت رويدا رويدا عليهما ، كانت تتوسد صدره على أريكة فسيحة تشبه الآسرة بجانب الزهور....كان يستخدمها أبناء أشقائهه في التحدث ليلًا مع بعضهم...رفعت رأسها بابتسامة عاشقة بعدما ادركت أنهما غفيا هنا بالطابق الآخير من القصر....نظرت لوجهه مرة أخرى ولكن هذه المرة كانت ملامحه مشرقة ومنعشة وتبدو أكثر شبابا بكثير من عمره الأربعيني...

تحركت جفونه بإنزعاج من أشعة الشمس فادركت "للي" ذلك ومالت رأسها على وجهه كي تحجب عنه هذا الضوء ....

أشرقت عيناه بعد قليل لترتسم الابتسامة على وجهه تلقائيًا عندما رأها....همست بنعومة:- صباح بريحة الريحان والورد

نظر لها بمشاكسة ثم نظر حوله وقال بابتسامة صادقة:-

_ حاسس أني طالع من احلامي وصحيت ، أو يمكن فعلا كنت بحلم !!

هزت رأسها بالنفي وقالت بابتسامة محبة :- لأ مكنتش بتحلم

ضمها إليه قائلا بحنان :- كنت فاكر مش هيجي احلى من شعوري يوم ما قابلتك بس الأحلى دايما بيبقى جاي وأنتي معايـا.

_ تحبي تكملي شهر العسل فين ؟

وضعت رأسها على صدره وأجابت :- أي مكان ، هنا أو أي مكان تاني المهم نكون سوا...

******

**بالمكتب***

دلفت الفتيات للمكتب وتعالت بأنظارهن الترقب ، فكل واحدة منهنّ تنتظر ملاقاة نصفها الآخر اما للتحدي أو للشوق....

جلست حميدة بمكتبها كعادتها ثم دلفت كل فتاة للمكتب الخاص بهـا....

**بمكتب آسر**

دلفت سمها وهي تبتلع ريقها بصعوبة...أول خطوة في الطريق تكن الأصعب على الأطلاق...   

كانت تنتظر ربما ثورة جائعة للقتال ولكنها وجدت الفراغ !! اين هو !! هل تأخر اليوم !! كيف وهو من المفترض كان ينتظرها بشغف !! هكذا ظنت

دائمـًا يدحض ثقتها بنفسها ، يشعرها أنها ما زالت طفلة لا تفقه شيء !! جلست ببطء على المقعد المفترض أنه كان خاصا بها من قبل....اهتزت قوتها ، ثقتها ، ثباتها ، وكل ما رتبته !! أخذت نفسا طويل وعميق قبل أن تبدأ العمل الذي وكأنها تركته منذ أعوام وليس أيام !

*****

**بمكتب جاسر**

دلفت للمكتب لتجده يقف أمام النافذة شاردا للبعيد ، كأنه تائه ولا يعرف طريق العودة ! ويبدو أنه لم يشعر بوصولها...

تنحنحت قليلًا قبل أن تجلس حتى وجدته يتحرك ويلتفت...

تحاشت النظر إليـه حتى جلس أمام مكتبه ونظر إليها بعمق وصمت....تظاهرت بالثبات وهي ترفع رأسها إليه وتنظر له ولكنها تفاجئت بدوائر سوداء حول عينيه وكأنه لم ينم ليلته الفائته...ملامح عابسة ذابلة وعينان تطرفان بأطراف الأرهاق والوهن...قالت السؤال الذي برق بعقلها :-

_ شكلك ما نمتش كويس ؟!

أجاب بصوت أجش ظهر به أيضا الارهاق :- ما أنتي الراعي الراسمي للي أنا فيه!

نظرت له بضيق وقالت :- ما احنا اتخانقنا كتير !!

تنهد بعمق وقال برجاء حقيقي بعيناه :- ماتسبنيش

ازدردت ريقها المرير وقالت بتلعثم دون النظر اليه :-

_ لسه ما قررتش !!

_ لو يرجع الزمن لكام شهر مكنتش وافقت تشتغلي معايا

التفتت له بدهشة ، ربما كانت تنتظر شيء آخر غير هذا الحديث فنظر لها بقوة وقال بعذاب :-

_ عشان ما تذلنيش بالطريقة دي ، أنتي بتذليني بوجودك جنبي ، عارفة أنك مهمة والأهم كمان ، عارفة أنك فارقة ، انا مابقتش عارف اثبتلك أزاي أني بحبك ؟!

قالت بحدة وعصبية وهي تقف :- سهلة وبسيطة بس أنت اللي مصعبها على نفسك !! ، ماتخونيش

 قال بتأكيد :- والله ما خونتك ، الخيانة دي لما اكون رجعت للي كنت بعرفهم بكيفي لكن دي واحدة جاتلي عشان مش عارفة توصلي وقطعت علاقتي بيها اصلًا !! ، محدش بيتغير بين يوم وليلة يا جميلة واكيد مهما قاومت هيكون جوايا حاجة بترجعني ، بس بحاول وبقاوم والله العظيم بحاول وبقاوم ولو كنت كداب مكنش الموقف اللي حصل بينا ده حصل اصلًا...

هتفت بغضب :- أنت مقدرتش تلمس شعرة مني ولو كنت عملتها يا كنت هموتك او هموت نفسي..

هز رأسه بالايجاب :- دي حقيقة ، اقلبي بقى الصفحة وخلينا نشوف حياتنا اللي جاية ، أنا من يوم فارقتك معرفتش اغمض ولا ارتاح دقيقة ، حرام عليكي اللي بتعمليه فيا ده !!

انزلقت دموع عينيها حتى قال برقة :-

_ طب احلفي انك عرفتي تنامي امبارح ؟ او حسيتي أنك مرتاحة ؟

ازدادت دموع عينيها أكثر فقال جاسر مقتربا لها :-

_ عاقبيني زي ما تحبي وبأي شكل تحبيه بس خرجي الفراق برا حساباتك لأني مش هقبله..

مسحت عينيها ثم قالت بارتباك :- طب روح ارتاح وانا هكمل شغل

ابتسم وقد اشرقت شمس عيناه الذابلة وقال بهتاف :- يعني خلاص ؟

هربت بعينيها حتى كررها جاسر برجاء فهزت رأسها بالايجاب ، هتف ببسمة واسعة :- اقسم بالله أنا بعشق أهلك واحد واحد

إلي هنا ينتهي الفصل الثامن والثلاثون من رواية إمبراطورية الرجال

رواية إمبراطورية الرجال 
 الفصل التاسع والثلاثون/الأربعون 

 

تسحبت الابتسامة إلى شفتيها ببطء من أشراقة شفتيه  بعدما كانت ذابلة حزينة...قالت وقد تحكمت بسعادة خفية طافت بعودتها إليـه :-

_ روح ارتاح زي ما قولتلك ، شكلك مرهق

تنهد براحة تامة..بسعادة مفرطة ، بلون زاهي للحياة أمام عينيه ، وأنها أصبحت تدعمه ، وتمد يديها لعونه ، تخشى الفراق مثلها مثله...قال بابتسامة ونظرة تنبض بالعشق :-

_ انا كده ارتحت...الحمد لله

قالت بابتسامة :- للدرجادي وجودي مهم في حياتك ؟

لماذا دائمًا المرأة رغم أنها تعرف الأجابة تصر على السؤال ؟!

تصر أنها تعرف حقيقة هي على علم بها مسبقاً !!

ربما لأن الأهم من الأجابة هو الثبات عليها...ولأنها تختبر أن كان لا زال العهد باقِ أم تخلل الأنشقاق ؟

أجاب بصدق :- أنتي وجودك بقى بالنسبالي زي الهوا اللي بتنفسه ، بقيتي آخر أمل ليـا ، يمكن مش صح أننا نزرع كل أمانينا في شخص بنحبه ونخليه روح أي ضحكة وابتسامة بنحس بيها.....بس مين فينـا بيختار اتجاه دقات قلبه ؟! مين بيختار روحه ؟!

قلوبنا بتسلم للحبايب كل شيء حتى الآمان والخوف...انا من غيرك بحس أني خايف مش هنكر..

جميلة بارتباك وبسمة خفية :- خايف !!

اكد جاسر بنظرة عينيه قبل أن ينطقها :-

_ اكيد خايف ، أنا عايز أتوب ،وابقى محترم وكويس ، عايز لما اسمع كلمة الموت ما احسش أني مرعوب من كل حاجة غلط عملتها ، عايز ما اكرهش نفسي اكتر من كده...يمكن قبل ما أحبك حبيت فيكي الدنيـا اللي اتمنيتها في أشد لحظة ضعف مرت عليـا ، دايمـًا كنت بحس أني نفسي ابكي بس كنت بستضعف نفسي وأقول لأ اجمد...البكا مش للرجالة..

بس عرفت أن البكا وقت التوبة قوة ، قوة نفسي الاقيها..

رق قلبها إليـه ، تبدو نظرته صادقة ، ونبرته صادقة ، ودمعة جاهد كي يخفيها ..

قالت برقة :- يبقى خليني ادور معاك على نفسك ، يمكن نلاقيها مين عارف !

اجاب مبتسما بمحبة:- لقيتها لما لقيتك ، كل اللي بطلبه منك تفضلي جانبي ، ماتسبنيش لشيطاني ، خليكي القوة اللي ما بتخلنيش انحني...

 
*****

**بمكتب رعد** 

كانت تتحاشى النظر إليـه بينما كان يرمقها بابتسامة واسعة بين الحين والآخر....

نهض من مكانـه حتى خطا إليـها وقال :-

_ عندي تصوير النهاردة وهمشي بعد ساعتين

رفعت رأسها إليـه بضيق فاتسعت ابتسامتة بمكر واستطرد:-

_ زعلانة...باين عليكي زعلتي !!

هزت كتفيها بضيق والتوت شفتيها بمقت وقالت متظاهرة بالامبالاة :- وهزعل ليه يعني ؟! ده شغلك !!

سحب مقعد وجلس قبالتها  :-

_ طب احلفي انك مش زعلانة اني همشي

اجابت بغيظ :- سيبني اشتغل !

ضحك بمرح ثم اضاف :- طب أنا مش هكدب عليكي ، انا فعلًا همشي بعد ساعتين بس مش عشان التصوير

ضيقت عينيها بتعجب وحيرة :- اومال عشان إيـه؟!

اجاب مترقبـًا رد فعلها :- برتب كل اللي هنحتاجه في الرحلة ، مش قدامي غير شهر

فغرت فاها !! فأشتدت تسلية عينيه ومكرها فقالت بذهول :- هنحتاجه !! تقصد أنت ومين ؟!

ظل صامتا لدقيقة وهو ينظر لها بابتسامة ماكرة ثم أجاب ببساطة :- أنا وأنتي طبعاً ، بجهزلك شوية حاجات كده على ذوقي متأكد انهم هيعجبوكي...بتحبي اللون الفيروزي ؟

اتسعت عين رضوى وارتجف جسدها فجأة حتى سقطت الملفات الورقية من يديها بالخطأ...هبت واقفة وهي ترتجف تقريبًا ولكنها تظاهرت بالضد وهتفت به بعصبية :-

_ وأنت كنت خدت موافقتي عشان تقول كده ؟! ده أنت لسه قايلي امبارح ؟!

نهض من مقعده بهدوء فقد توقع ثورتها ، وقف أمامها بابتسامة صادقة وقال :-

_ في حاجة جوايا بتقولي وبتأكدلي أنك موافقة بس خايفة ، خوفك ده على فكرة هيستمر ومش هتعرفي تاخدي قرار وهاتفضلي في الحيرة دي ما بين اللي انتي عايزاه وبين شيء أنا مش عارف اوصله...أنتي خايفة بس مش عارف أن كنتي خايفة مني أو خايفة من حاجة تانية..

ادمعت عينيها فجأة !! كرهت أن تكن أمامه عارية التفكير هكذا !! حتى قال برقة وصوت أقرب للهمس :-

_ رضوى ما تعيطيش...حيرتك مش هتعرفي تخرجي منها وانا مش هفضل واقف بتفرج عليكي وأنتي كده ، انا نيتي كلها خير من ناحيتك ولو جوايا ولو ١٪ شر ليكي اتمنى ما تكونيش من نصيبي لأنك تستاهلي كل خير....

كل حيرتك وراها خوف ، وقلق ، يبقى أنا هاخد الخطوة دي عنك كمان...

قالت بتردد وتلعثم وهي تتحاشى النظر اليه :-

_ خطوة ايه ؟!

همس بنبرة ماكرة :- هخطفك

نظرت اليه بصدمة حتى ابتسم بمكر وتابع :- هخطفك من خوفك ، ومن حياتك لعمري...هخطفك لسنتوريني

******

راقبها يوسف باهتمام حتى انتهت حميدة من العمل على الحاسوب...قال بتساءل :-

_ قريتي الأجندة ؟ اوعي تقولي أنك مش قريتي منها حاجة لسه ؟!

قالت بمراوغة كي تستفزه :- لسه

زم شفتيه بغيظ ثم نهض من مقعده لأريكة من الجلد الأسود المخصص للمكاتب وعلى بُعد عدة خطوات من مكتبها...اعلن غضبه وضيقه  ....

مر ما يقرب من خمسة عشر دقيقة قد انهت بهم كافة الأوراق ثم رفعت رأسها لتكتشف أنه سبح في غفوة والقى رأسه جانبـًا على المقعد...نهضت من مقعدها واقتربت إليه لتوقظه... اقتربت خطوة واحدة ثم بدأت توقظه بهزة من يدها حتى فتح عينيه بعد قليل بابتسامة رقيقة ....تساءلت بضحكة :-

_ في حد بينام في الشغل كده يا كسول ؟!

فرد ذراعيه بكسل وقال :- معلش أصل فضلت سهران امبارح كتير مستني جاسر وآسر على ما وصلوا البيت متأخر...كنت قلقان عليهم..

قالت بمرح :- فكرت زعلان مني !

نهض وهو يبتسم وأجاب :- طب ما أنا زعلان منك !! حلمت بيكي وكنت زعلان ورغم أن انتي اللي غلطانة بس صالحتك ، حلم قمر

نظرت له بغيظ وفهمت ما يرمي اليه فعادت لمكتبها بتعابير جدية وقالت :- فوق كده عشان ورانا شغل كتير

قال يوسف بمكر :- شوفت ابتسامتك يا خبيثة !

اتسعت ابتسامتها رغما وقالت مجددا :-

_ والله أنت اللي طلعت خبيث وشكلي اتخميت فيك !!

يوسف بضحكة :- حظك بقى

******

ظلت تنتظر ظهوره...بلحظة تيأس ،وبلحظة تحمد غيابه ،ولحظة أخرى تشتاق لرؤيته !! وبخت نفسها على تراجع مشاعرها وجهم وجهها بإستياء حتى فتح باب المكتب....

انتفض قلبها وهي جالسة وكافحت حتى لا تنظر اليه ، ربما تريد ولكن بها شيء من الخوف من مواجهته...

اغلق الباب مثلما فتحه..واقترب من مكتبه ولكنه وقف بمنتصف الطريق فجأة...

ازدردت ريقها بقوة وتحاشت حتى الالتفات وتعالت دقات قلبها عندما شعرت باقتراب خطواته إليـها !!

ميل خطواته ميّل على قلبها التروي في الهروب من أمامه الآن ، لربما قال شيء...

وقف أمامها وهي تخفض رأسها على الأوراق...كانت ترى فقط قدميه بحذائه الأسود اللامع...

اخذت الخطوة الجريئة ورفعت رأسها إليـه بتحدي حتى رأت عينيه التي غلب على لونها الصافي بعض الأحمرار !! كأنه كان يبكي !! قال بشيء من الألم ظهر بصوته :-

_ انا لغيت الاجتماع الخاص بالمهندسين النهاردة عشان اتكلم معاكي شوية...

نظرت له بصمت...وحيرة ، وشيء يرفض بشدة الاستماع اليه ، ربما كان الكبرياء ، ليس بعد أن كسر شيء من الثقة به يعود ويتحدث هكذا !!

قالت بتساءل :- تتكلم في إيه ؟! اظن مافيش بينا كلام !!

اجابتها ارهقت عزيمته وبعض القوة المتبقية بداخله ، اعجفت نبعا من إرادة المصارحة والأعتراف التي انبثقت بداخله..

قال ويبدو عليه الأرهاق الشديد :- لأ...في بينا كلام كتير لازم يتقال...

قالت بحدة :- عايز تقول أيه ؟!

نظر لها بيأس وقال :- هتكلم لو مستعدة تسمعيني

ابتلعت ريقها بارتباك وعزمت على الصمت بينما قلبها بأمس الحاجة للاستماع...قال عندما شاهد ترددها في الأجابة :-

_ ماتسبيش الشغل ، أصبري عليا شوية يا سما

قال جملته الأخيرة بشيء من الرجاء جعلها تنظر اليه بحيرة بينما فتح باب المكتب فجأة وظهر خالد !!

دلف ناظرا لهما بتعجب حتى قال لآسر الذي تحولت نظرته للغضب والشراسة :-

_ هعديلك مكالمة التليفون اللي زعقتلي فيها امبارح بليل ، قولي بقى ايه اللي قولته ده على آنسة سما ؟!

ضيقت سما عينيها بدهشة حتى قالت :- قال عليا ايه ؟!

مط خالد شفتيه بسخرية ثم قال قال :- قال أنك ما بتفهميش في الشغل ومش هتنفعي في الشركة معايا..جيت افهم منه الموضوع قبل ما اروح الشغل..

ابتلع آسر سيل من الشتائم كاد أن يدفعها بوجه خالد فقال :- شغل المقاولات غير الاستيراد والتصدير وطبيعي ما تفهمهوش !!

تطلعت به بعصبية ثم قالت :- سيبني أجرب يمكن اخلف ظنونك فيـا

شاركها خالد في الرأي وقال :- ده رأيي برضو ، عموما في أي وقت تقدري تجيلي ومعاكي اوراقك ، لو حبيتي تشتغلي من النهاردة مافيش مانع...

قالت سما ولم تبتعد نظرتها عن آسر :- في خلال أسبوع هكون في شركة الزيان ،وجودي هنا مؤقت

التهبت نظرة آسر بغضب ناري وهتف بخالد :- أنت جاي ليه دلوقتي ؟!

خالد بتعجب :- دي غلطتي يعني أني جيت أفهم منك زعلان مني ليه ؟! عموما انا استاهل اللي يجرالي أني جيتلك وبالنسبة لآنسة سما فأنا مستنيها وكلامك مش فارق معايا...سلام.

خرج خالد من المكتب حتى قالت سما بسخرية يشوبها العصبية :-

_ ياترى قلت عليا ايه تاني ؟!

تنهد آسر بضيق شديد ثم اجاب بألم :-

_ ماتفهمنيش غلط ، أنا خايف عليكي منه ، ومن نفسك ، انتي بتتحديني بس اخترتي الطريق الغلط وبتمشي فيه ، أنتي بالذات ماينفعش تشتغلي مع حد زي خالد...

هتفت بغضب :- انت فاكرني ايه ؟! لعبة ؟! طفلة ؟! غبية ؟!

لا انت ولا هو ولا أي حد يعرف يضحك عليا ، ما تتكلمش بالطريقة احسن اصدق فعلا أنك خايف عليا !!

قال بصدق :- نفسي تصدقي !! الكلام مخنوق جوايا ومش عارف اقوله ، وأنتي بتضيعي نفسك ومش حاسة

سما بسخرية:- لما تبقى تلاقي كلام تقوله ابقى كلمني غير كده مش هسمع حاجة...النهاردة اعتبرها بداية النهاية ، آخر أيام ليا هنا وصدقني بعدهم باليوم عشان أمشي من هنا ، أنا كرهت____

قاطعها بشراسة وأصبحت عينيه كالجحيم :-

_ بطلي الكلمة دي بقى !! مابحبش اسمعها !!

هتفت :- عشان قولتهالك امبارح ! اظن ما توقعتش أقولك أني بكرهك !!

قال بألم عصف بعينيه :- مستحيل تكرهيني

استفزها ثقته بها فهتفت :- لأ بكرهك

صاح بعنف :- كدابة ، أنتي بتكدبي وبتقولي كده عشان خطبت واحدة تانية بس أنتي بتحبيني ، أيوة بتحبيني أنا وعمرك ما هتحبي حد غيري ولا هتعرفي...

نظرت له بذهول...كان وقحا ،سخيفا ، مريبـًا ، لدرجة الغموض !!

طافت على وجنتيها الدموع وقالت :-

_ أنت مش طبيعي !! اكيد أنت مريض نفسي ؟!

لو تعرف انا شيفاك أزاي هتحتقر نفسك !! أنت ما تتحبش اصلًا ، لو كان جوايا لمحة اعجاب حتى فأختفت !!

خرجت من المكتب وهي تكتم فمها من البكاء حتى ظهر على ملامحه الألم والحزن الشديد فلولا مجيء خالد ربما كان أعترف ، أو اقلًا استطاع أن ينبهها بأن هناك مملكة عشق بقلبه تنتظرها...

******

**بقصر الزيان **

بشرفة غرفتهما الخاصة...نهضت للي من مقعدها بعد تناول طعام الفطار بالشرفة مع زوجها "وجيه" جذبها من يدها بعدما نهض حتى لا تبتعد عنه....قال بابتسامة ماكرة :-

_ رايحة فين ؟!

كم تحب منه هذه الطريقة في قربها ، أجابت بابتسامة:-

_ هحضر الشنط عشان السفر بكرة

قربها اليه أكثر وهمس :- مش مهم الشنط دلوقتي ، خليكي جانبي على اد ما تقدري...فاضلي ايام بسيطة وهرجع الشغل وهفضل ساعات كتير على ما ارجع وأشوفك...

قالت بمشاكسة :- هتصل بيك وأنت في الشغل

اجاب مبتسما :- مش كفاية !!

قالت :- طب ايه رأيك أشتغل معاك ؟

اتسعت ابتسامته وأجاب :- شغلي ما يناسبش واحدة زيك !

قالت بغيظ :- تقصد ايه بقى ؟!!

أجاب ماكرا :- طب ينفع حد في رقتك يفضل طول اليوم بين حسابات وأوراق وملفات وموظفين وعصبية !!

هزت رأسها نفيا وظهرت ابتسامتها مجددا....

قال متابعا :- تعرفي أحلى حاجة في الجواز إيه ؟

أن شريك الحياة يبقى نصك التاني..توأم روحك ، مش كل شريك بيبقى كده...بس أنا محظوظ ، حتى في وحدتي كنت محظوظ

تعجبت وقالت :- حتى في وحدتك !!

اكد وأضاف :- بالضبط...انا انسان مايعرفش يعيش مع حد لمجرد الونس ، أو عشان ارتباط مافيهوش روح ، ورغم كل اللي قابلوني في طريقي ، مافيش واحدة قدرت تخليني أخد قرار الجواز غيرك ، حتى في خطوبتي الوحيدة...صدقيني مكنتش متحمس للجواز...

عشان كده الوحدة بالنسبالي كانت ارحم من علاقة باهته ، انسانة معرفش أقولها بحبك من غير ما تسألني...مافيش راجل مش رومانسي ، بس في راجل اختار غلط ، وراجل مش عارف يحب اللي معاه ، وراجل استعجل وخد حاجة مش عارف يحسها...

بس يوم ما بيختار صح بيبقى كأنه روميو زمانه...

قالت بمكر :- وأنت اخترت صح ؟

ابتسم بخبث وهو يضمها بقوة وهمس :- أنا ما اخترتش صح بس ، أنا اخترت روحي اللي كانت تايهة مني...

💖💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖💖

 - الفصل الأربعون

 لمحت حميدة خروج سما التي توجهت فور خروجها من مكتب آسر إلى المطبخ الخاص بالمكتب...

تركت حميدة ما بيدها ونهضت سريعا وتركها يوسف دون سؤال فقد توقع ما حدث ولا ضرورة لتساؤله...

**بالمطبخ**

توجهت سما لملء كوب ماء ترتشفه من جفاف ريقها حتى ما كادت أن تمسح عينيها لتجد أن حميدة تربت على كتفها بلطف...استكانت قليلًا ثم ارتمت بين ذراعي حميدة ببكاء شديد...قالت حميدة بضيق :-

_ كنت متوقعة ، هو قالك ايه المجنون ده؟!

_ أنا مش بعيط من اللي قاله ، أنا بعيط لأني زعلانة من نفسي ، كنت جاية وناوية على حاجات كتير أولها أني خلاص هرميه ورا ضهري وابص لمستقبلي وحياتي بعيد عنه ، لكن النهاردة....

النهاردة اديلته فرصة يتكلم !! كنت عايزاه يقول أي حاجة !! خالد قريبه جه فجأة وقالي أن آسر زعقله...قاله أني مابفهمش في الشغل ومش هنفع اشتغل معاه !! ليه بيعمل كده ليــه ؟!

حميدة بعدما أخذت تنهيدة عميقة اشغلت حيز من فكرها :-

_ خالد مش سهل يا سما ، بدليل أنه قالك حاجة المفروض مكنش يقولهالك اصلًا ووقع بينك وبين آسر أكتر!!

لو ده انسان كويس كان على الأقل فهم من آسر الموضوع على أنفراد...

سما بحدة :- مش يمكن ربنا عمل كده عشان يكشفلي آسر اكتر !!

_او يمكن ربنا عمل كده عشان يكشفلك خالد والاعيبه !

التفت كلًا من سما وحميدة لمصدر الصوت الذي قال هذه الجملة حتى هربت سما بنظرتها لجهة أخرى بضيق عندما وجدته آسر!!

اقترب منهما بخطوات تبدو هادئة ولكن عينيه تقل أن بداخله صراع الوحوش يحتدم...كرر جملته مرة أخرى بنظرة تقل الكثير :-

_ يمكن ربنا كشفلك خالد نفسه واد إيه هو انسان مش أمين حتى على الكلمة اللي ممكن تتقاله !! ماتفتكريش أن عرض الشغل اللي قدمهوله كان عادي !!

نظر آسر لحميدة بعصبية وقال :- قولي لصاحبتك يا آنسة حميدة خالد كان بيعمل إيه في الشركة قبل عمي ما يخليه يمضي استقالته ! قوليلها كان بيتقال عليه ايه !! قوليلها أنه مش امين عليها ويتخاف منه...قوليلها أنتي عشان هي مابقتش تصدقني في أي حاجة...

تابع بألم ظهر بعينيه :- قوليلها يمكن تصدق وتقتنع أني خايف عليها وأن أسوأ شيء حصلها وهي معايا هي عصبيتي !

التفتت سما اليه ورددت كلمته بسخرية ومرارة :- عصبيتك !!

نظرت له حميدة بحيرة ،يبدو أنه صادق اللهفة والخوف ، من يره لا يصدق غير انه عاشق يغار على محبوبته !! هناك شيء مخفي خلف هذا الشخص ولابد أن تعرفه....

قالت حميدة بمكر :- أنا معرفش عن خالد غير قليل جدًا ، المفروض هو قريبك وأنت عارفه كويس ولو حاسس أنه مش تمام تفهمها بهدوء وتقولها كل اللي عندك مش تتعصب بالشكل ده ؟!

تطلعت سما بنظرة ضيقة مذهولة إلى حميدة حيث نطق آسر منفعلا :-

_ لو هتسمعني وتصدقني وتصبر عليا مستعد اتكلم معاها

هتفت سما بعصبية :- بعد اللي قلته عليا وقلته قدامي مش عايزة اسمعك ، وفر كلامك لنفسك..

تركتهم سما وذهبت مبتعدة عنهم ، راقب ابتعادها بعين تتعذب حتى قال بألم :-

_ كلكم زي بعض

ابتعد هو الآخر وخرج من المكان ليترك حميدة تتطلع بالفراغ بحيرة بعدما استمعت لجملته الآخيرة !!

خرجت من المطبخ وهي تتحدث بتمتمة مع نفسها حتى لاحظ يوسف ذلك وتعجب من أمرها...استندت بذراعيها على المكتب وبدت شاردة للبعيد....تساءل يوسف :- مالك ؟

نظرت له حميدة للحظات ثم قالت بغموض :- يوسف...هو آسر كان في حياته واحدة قبل كده ؟ يعني حب قبل كده أو مر بتجربة حب فاشلة مثلًا؟

تعجب يوسف من طرح هذا السؤال فأجاب :- آسر !! آسر عمره ما كان له علاقة مع بنت سواء حب أو ارتباط حتى البنت اللي خطبها عرفت منه امبارح انهم فركشوا

حميدة بتفاجئ :- فركشوا !! هما لحقوا !

نظر لها يوسف بشك فقال:- مش عارف الاسباب بالضبط بس ده اللي عرفته وعموما آسر اصلًا عمره ما عجبته شاهي ولا لفتت نظره ابدا واستغربنا من خطوبته المفاجأة وكويس أن ده حصل قبل عمي وجيه مايعرف والا كانت هتبقى مشكلة...

حميدة بتساءل :- ليه مشكلة ؟!

اجاب يوسف بصدق دون حساب للنتائج :- شاهي كانت بتعرف خالد وبتروحله الشركة وهي السبب أن عمي وجيه طرده قبل كده...

صدمت حميدة وقالت ببطء :- معقول !! مكنتش أعرف الموضوع ده وحتى انا عمري ما شوفت شاهي دي في الشركة قبل كده !!

أجاب يوسف :- لأن مكتب خالد كان بعيد عن المبنى الاداري اللي أنتي فيه فبالتالي ماتعرفيهاش ولا شوفتيها....

نهضت حميدة عندما التمع بعقلها شيء فقالت سريعا ليوسف :-

_ طب كمل انت الشغل يا يوسف وانا هروح اسأل سما على حاجة بسرعة...

*****

**بمكتب آسر**

كان قد ذهب من المكتب كاملًا وترك لها كل شيء...دلفت حميدة للمكتب لتجد سما تعمل بجدية زائدة على الحاسوب وكأنها ستتشاجر معه...قالت :-

_ آسر فسخ خطوبته على فكرة

رفعت سما رأسها ورغم ما نهض بقلبها الا انها التزمت الهدوء وقالت :- اعمل ايه يعني ؟!

قالت حميدة بحدة :- البنت اللي كان خاطبها آسر كانت بتروح لخالد الشركة وده طرده منها قبل كده ، الموضوع ما يبينلكيش حاجة ؟!

تفاجأت سما مما سمعته حقا فقالت بحيرة :- مش عارفة قصدك ايه ؟!

حميدة بضيق :- مش يمكن خالد بيستخدمك ضد آسر عشان يغيظه ؟! واحدة بواحدة يعني ، آسر خد منه واحدة فيقوم خالد واخد السكرتيرة بتاعته....

زفرت سما بعصبية ثم قالت :- لأ....لأن خالد عرض عليا الشغل قبل ما يعرف كنت بشتغل عند مين اصلا ، لو الموضوع فيه تحدي يبقى من ناحية آسر وده يفسر أنه فسخ خطوبته لا وكمان مصمم أني أفضل هنا!! ده يأكدلي انه بيستخدمني زي اللعبة في ايده مش عشان خايف عليا والفيلم الهابط اللي بيعمله ده !!

هو وخالد واضح انهم بيكرهوا بعض وبيتحدوا بعض ولو هختار اقف مع حد فهيبقى خالد لأنه ما حاولش يستخدمني ضد حد...

حميدة بعصبية :-

_ انا بقى شايفة انك تسبيهم هما الاتنين وتبعدي عنهم ، أنتي مش اد الحوارات دي يا سما وهتوهي ما بينهم !!

نهضت سما بحدة وقالت :- النهاردة يعتبر اليوم عدى ، فاضل ٦أيام وأمشي من هنا ، كل يوم منهم هخليه يعرف ويتأكد أني عمري ما حبيته ولا فكرت فيه.....

******

مساء....

شردت جميلة وهي تستند برأسها على زجاج النافذة ، أتت حميدة إليها وقالت :- مالك انتي كمان ؟ مش قلتي اتصالحتوا والحمد لله ؟!

اجابت جميلة بشرود :- والله ما عارفة ده حصل أزاي يا حميدة !! لقيت نفسي بقوله آه ، مقدرتش استغنى بسهولة

ابتسمت حميدة وقالت :- يمكن خير ليكي ، وبصراحة جاسر باين عليه الحب ، حاسة أنه مابقاش المستهتر بتاع زمان..

جميلة بتمني :- يارب يكون ظني فيه حقيقي ، تعرفي لو اتأكد انه فعلا بيتغير عشاني هقف جانبه لآخر عمري بس خايفة يكون بيكدب عليا ، خايفة يكون بيعند مع نفسه وبعد ما يطولني يرميني....

حميدة باستياء :- يا ساتر يارب !! ليه التفكير البشع ده ؟! يابنتي اللي زي جاسر ده مش محتاج يعمل حوارات لأن بنات كتير بتجري وراه ، شاب امور وغني وكلامانجي...وبنات كتير بتحب كده

جميلة بغيظ :- مش عايزة اتخيل حتى انه كان بيعرف بنات ، بحاول انسى الموضوع ده

حميدة بتنهيدة :- انا اللي خايفة يا جميلة ، خايفة على يوسف ، يمكن ساعات بحس انه مكار لكن ده ما ينفيش انه طيب أوي أوي ، انا متقبلاه كده ، بحبه كده ، مش عايزاه يتغير ، خايفة في يوم الاقيه بقى واحد تاني معرفهوش...

قاطعها خروج رضوى التي همت بفتح الباب لتخرج ، تساءلت حميدة بتعجب :- رايحة فين يا أخرة صبري ؟!

اجابت رضوى وهي تفتح الباب :-

_ عم سمعة بعتلي اروحله في الورشة ، هروح اشوفه عايز ايه

تعجبت حميدة وقالت :- ما قاليش يعني !!

مطت رضوى شفتيها بعدم معرفة ثم خرجت ، قالت حميدة بحيرة :- يا ترى أبويا عايز البت رضوى في ايه ؟! لتكون عملت حاجة المنيلة ؟!

جميلة :- لما تيجي نبقى نسألها ، تلاقي في عريس اتقدملها هو بيعمل معانا لما بيكون ده الموضوع....

ابتسمت حميدة بخبث :- عريس!! ده لو رعد سمعك هيخنقك !!

جميلة بنظرة ماكرة :- تقصدي ايه ؟!

ابتسمت حميدة بخبث حتى قالت جميلة بضحكة :- كمللللت وبقينا احنا الأربعة !!

********

نهضت حميدة من على الأريكة ودلفت لغرفة النوم الخاصة بهما ثم جلست على الفراش واختلست النظر لسما التي تغط بنوم عميق بالفراش الآخر....اخرجت حميدة الاجندة الخاصة بيوسف التي قد بدأت قراءة بها منذ أن أخذتها منه ولكنها لم تخبره بذلك...فتحت الأجندة وبدأت تقرأ بأحرفها....كانت تبتسم احيانا كثيرة...وتنظر بعشق احيانا أخرى ،وتخجل في بعض الأحيان من المكتوب....كل هذا قد دونه دون كلل أو ملل على هذا الورق الأبيض...

******

**في الورشة**

جلس "سمعة" على مقعد خشبي يقابله مقعد آخر كانت تجلس عليه رضوى بنظرات متساءلة...جفف يداه المبتلة بالمنشفة القطنية الملطخة ببقع الزيت ثم قال :-

_ بصي يابنتي انا مش هلف وأدور في الكلام ، هدخل دغري كده في المقصود....بصراحة بقى متقدملك عريس

اطرفت رضوى عينيها بدهشة رغم أن الأمر ليس بالجديد فهذا حدث سابقا وتم الرفض...قالت بعصبية لم يكن مبرر لها :-

_ مش عايزة اتجوز ياعم سمعة أنا____

قاطعها الرجل وأضاف :- خليني اكمل بس....هو أنتي هترفضي من قبل ما تعرفي هو مين حتى ؟!

العريس اللي متقدملك يبقى واحد من الشباب اللي بتشتغلوا معاهم ....رعد

اتسعت عينيها بدهشة...بل صدمت من ما فعله رغم ان هذا أيضا المتوقع ولكن صدمت من استعجاله بالأمر فاستطرد الرجل قائلًا:-

_ هو جالي بعد صلاة العصر وشربنا الشاي مع بعض واتكلمنا ، وكلمني بصراحة وقالي انه فاتحك في الموضوع بس انتي اتكسفتي تردي...ايه رأيك يابنتي ؟

جف ريقها ولم تعرف بماذا تجيب...وصوت بالقلب يغرد مبتسما ولكن الخوف يبدو أنه اشتد أيضا فكرر الرجل سؤاله :-

_ إيه رأيك يابنتي ؟ بصراحة هو محترم وشخصيته عجباني ، هو بقاله هنا في الحته فترة خلتني اخد فكرة عنه...لو وافقتي هنخلي كتب كتابك مع حميدة وجميلة....يعني بعد شهر وتبقوا مع بعض في ليلة واحدة...

نهضت رضوى بنفضة ارتعد لها جسدها بكامله وقالت برفض :-

_ مستحيل اوافق ، شهر ايه يا عم سمعة اللي اوافق عليه ؟! في خطوبة شهر ؟!

الاسطى سمعة :- لو شاغلك الجهاز ما تقلقيش ، أنا محوش قرشين وداخل في جمعيات وأمي كمان راكنة قرشين على جنب للزمن...واختي بهية الله يرحمها باعت الدكان اللي ورثته من جوزها وحطته في البنك باسمكم من سنين....هتدبر يابنتي ما تقلقيش...ده غير أن رعد فهمني انكم هتسافروا برا يعني حتى لو في حاجة مقدرتش اجيبهالك قبل الفرح على ما ترجعوا هتلاقوها جت...الفرحة بتيجي برزق ربنا عشان تكمل..

تمتمت رضوى وتلعثمت وكأن وضعت بحفرة عميقة بصحراء جرداء فقالت :- ياعم سمعة أنت مش فاهمني ، أنا مش بتكلم عن الجهاز...انا بتكلم عن أني مش هقدر اتخطب شهر لواحدة يعتبر معرفهوش !! مش

قال سمعة مقترحا :- الواد محترم بصراحة وانا حبيته ، ما يتخيرش عن يوسف خطيب بنتي ، لو انتي موافقة عليه قولي آه وسيبي الباقي على ربنا ، هو في حد بيفركش جوازة عشان الخطوبة قصيرة !! وبعدين هو مش مديرك في الشغل والمفروض تكوني عرفاه ؟! اقصد يعني أنه مش حد ماتعرفيهوش خالص !!

رضوى بقلق وتوتر ظهر على ملامحها بشدة:-

_ الشغل حاجة والخطوبة والجواز حاجة تانية

سمعة بحزم :- يعني اقوله كل شيء قسمة ونصيب ولا اسيبك تفكري الأول ؟!

صمتت رضوى بحيرة وملامحها كأنها على وشك البكاء ، رأف سمعة بتوترها وقال :- طالما محتارة يبقى محتاجة تفكري ، هقوله سيبها كام يوم تفكر...

******

عادت رضوى لغرفة السطوح ويبدو عليها التوتر والشحوب ، دلفت للغرفة فلم تجد احدا مستيقظ بل خلدوا للنوم رغم أن الساعة لم تتعدى التاسعة مساءً....

شعرت بأنفاسها تلهث ، تطلعت لبعض الهواء النقي لرئتيها ، اغلقت الباب بخفوت ووقفت بخارج الغرفة على سطوح المبنى المظلم تستنشق الهواء....

دق هاتفها الخاص الذي كان بيدها ، رفعت الهاتف أمام عينيها لتجد أن المتصل "رعد" دق قلبها بسرعة عالية وكادت ان تغلق الهاتف حتى لمحته على سطوح المبنى المقابل يراقبها !!

شعرت بالغيظ منه لأنه لم يترك حتى الفرصة لها لتفكر قليلًا !! نظرت للهاتف مجددًا واجابت بصوت منفعل :- عايز ايه ؟!

قال بنبرة مشاكسة :- عايزك توافقي ، أنا عارف أنك عرفتي اني اتقدمتلك ،شوفتك وأنتي خارجة من شوية واستنتجت اللي حصل...

قالت بحيرة :- انت بتحطني قدام الأمر الواقع ؟!

_ ليه ما تقوليش أني مستعجل تبقي معايا ؟! أنا لما بنوي على شيء بعمله من غير تردد

هتفت بعصبية :- على فكرة بقى انا كنت هرفض لولا عمي سمعة قالي فكري الأول قبل ما ترفضي...

صمت لبعض الوقت ، ثم قال :- طب بما أن انتي عصبية دلوقتي نتكلم بكرة في المكتب بأذن الله ، حبيت بس اسمع صوتك قبل ما أنام...

اغلقت رضوى الهاتف فارتفعت ضحكته عاليًا بالهواء ، رمقته بغيظ وتحركت بخطوات سريعة لغرفة السطوح مجددٌا.....

اغلقت باب الغرفة ثم تسحبت ابتسامة لشفتيها لم تمنعها...صوته ، مشاكسته ، عناده ، تصميمه عليها ، شيء يحسب له

******

باليوم التالي.....

قد تاه من عقل حميدة أن تسأل رضوى عما كان سبب المقابلة مع والدها بالأمس فاستعدوا للذهاب باكرا للعمل....

بالمكتب.....

بدأت حميدة عملها مع يوسف كروتين كل يوم بينما ذهب جاسر مع جميلة في زيارة لأحد المواقع...

دلفت رضوى للمكتب    فرأته يستند بظهره على حافة المكتب الخشبي ويديه بجيوب بنطاله بثقة عالية ،يبدو أنيق اكثر من كل يوم بقميصه الأسود الذي اظهر لون بشرته البرونزية...ابتسم بمجرد ظهورها أمامه وقال :-

_ مستنيكي بقالي كتير

 تجاهلت كل هذا واخذت مقعدها وبدأت فحص الأوراق....اعلنت بصمت رفض التحدث بشأن هذا الأمر ولكنه عنيد....

تركها تفعل ما يحلو لها ثم أخذ فنجان قهوته وكوب آخر قد ارسل في أعداده لها خصيصا...

وضع كوب العصير أمامها على الطاولة ثم جلس وبيده فنجان القهوة 

بدأ الحديث قائلا :- نتكلم شوية قبل أي شغل ، بالنسبالي ده أهم

وضعت رضوى الأوراق بعصبية وقالت :- أنت متسرع في كل حاجة !! ده شيء يتخاف منه !!

وضع كوب قهوته بهدوء ولم يثيره قولها فأجاب:- مش هنكر أني مستعجل ، بس خليكي فاكرة أن فاضل قدامي شهر ونص للرحلة يعني يدوب اتجوز....

قالت بضيق :- في حد بيتجوز في شهر ونص ؟!

اجابها ببساطة :- لو جاهز يبقى ايه المشكلة ؟! لو هنتكلم عن الشقة وكل الكلام ده فأنا اصلا مش هخليكي تجيبي حاجة لأن ناوي اصمم بيتي بنفسي لما اخد ورثي بعد كام شهر ، أنا عايزك أنتي وبس...

هتفت رضوى بغيظ :- انت هتعمل زي عمي سمعة ؟!

انا مش بتكلم عن جهاز أو شقة !! انا مش هقدر اتخطب شهر ونص !!! مدة قصيرة أوي !!

تطلع بها رعد وقد بدأ يغضب بحق :- ايه اللي يرضيكي يا رضوى ؟

ابتلعت ريقها بتوتر ولم تجد اجابة مناسبة...اكمل عنها :-

_ أنا قلتلك أن في حاجة مخوفاكي ، لو انتي موافقة على جوازنا مش هتفرق معاكي شهر أو سنة

رضوى بعصبية :- وتفتكر هقدر أعرفك في شهر ونص ؟! هقدر اتعود عليك ؟! تفتكر هعرف اتعامل معاك عادي في شهر ونص ؟! انت ليه مش حاسس بيا ؟! لو فضلت تضغط عليا كده هرفض!

ضيق عينيه بغضب 

_ انا مش بضغط عليكي !! وعموما أنا عندي حل ، رغم ان الحل ده تقيل عليا لكن مش قدامي غيره...

انتظرت حديثه فتابع :- نتجوز

نهضت بنظرات غاضبة فيبدو أنه يسخر منها حتى أضاف ببطء وكأن ما يقوله ثقيل على نفسه وارادته :-

_ نتجوز بس في حكم المخطوبين ، يعني مش هقربلك غير لما تاخدي عليا وتبطلي خوفك مني ده اللي مش فاهمله اسباب!!

توترت عينيها وتحاشت النظر اليه ، يبدو هذا العرض مربكا ومريحا بآنٍ واحد ، ولكنه كان وقحا في قوله بهذه الصراحة!!

قال بنظرة حادة:- كده اعتقد أنك هتوافقي ؟

صمتت ولم تجيبه فقال :- طالما سكتي يبقى تمام ، اصلك لما حاجة بتستفزك بتبقي قطر !!

قالت بتلعثم :- ماهو شهر ونص خطوبة مش حاجة حلوة بالنسبالي ، عموما هفكر

مر يومان.....

بأحد الشاليهات الراقية بمنتجع سياحي حديث.....

كانت تجلس على رمال الشاطئ تنظر لمياه البحر بشرود.....تحت أشعة الشمس الصافية الدافئة....راقبته وهو يسبح بخفة بالمياه ، علمت أنه لم ينفك عن متابعة تمارينه الرياضية بانتظام شديد يحسد عليه....خرج من المياه وهو يمرر يده على شعره ينفض المياه من جبهته....حتى ابتسمت ابتسامة واسعة عندما رأته....قالت :-

_ يلا عشان الغدا جاهز

اقترب اليها وجلس على الرمال مبتسما بأشراق وقال :-

_ انا عارف أنك بتخافي من الميه بس نفسي...

قاطعه نهوضها بوجه متذمر حتى جذبها من ذراعيها لتجلس مجددا....قال هامسا :-

_ مش عايزك تخافي من حاجة ، كل لما بتشوفي بحر أو حتى حمام السباحة بحس بخوفك في عنيكي...

سقطت دمعة من عينيها وقالت :-

_ انا مش بخاف من المية على اد ما بكرهها ، بسببها اتحرمت من ابني اللي كنت مستنياه...

شعر وجيه ببعض الغيرة ولكنه تغاضى عن الأمر لأنه يفهم شعورها الأمومي فقال :-

_ لو فكرتي كويس هتلاقي أن ربنا بيحبك ، لو الطفل ده عاش كان هيفضل الرابط اللي بينك وبين ابوه المجرم ، لو كان عاش كان هيتعب في حياته أوي بسبب سمعة والده...

قالت للي بصدق وهي تمسح دموع عينيها :- عندك حق يا وجيه ، قوم يلا جهز نفسك عشان نتغدا سوا...

نهضوا سويا من على الرمال حتى الشاليه البحري....

اعدت للي بالداخل طعام الغداء على طاولة خشبية بلون البحر...بينما ارتدى وجيه ملابس رياضية وخرج للشرفة....

بدأو يتشاركون الطعام والضحكات حتى دق هاتفها الذي تركته على بُعد خطوات منها على اريكة جلدية.....

قالت وهي تنهض :- هروح أشوف مين اللي بيرن وراجعة....استناني بقى ما تاكلش غير لما ارجع...

ضحكت ضحكة عالية بينما كانت تسرع للهاتف....ابتلعت آخر ما في فمها من طعام واجابت :- الو ؟!

اجابها صوت يبدو بعيدا ومريبـًا:-

_ نستيني اكيد....أنا ما نستكيش ابدًا ، راجعلك يا للي ، راجعلك والمرادي هتكوني ملكي حتى لو غصب عنك....

اتسعت عينيها بذهول مما تسمعه ،الصوت يبدو وكأنه شبحا !! مزيف بالتأكيد ولكنه شخصا يعرفها !

قالت بارتجاف وخوف :- أنت مين ؟!

اجاب الطرف الآخر :- قدرك يا للي...أنا قدرك

اغلقت للي الهاتف وهي تنتفض من الخوف...لا يعقل أن طليقها المنتحر لا زال على قيد الحياة !!

وقفت عاجزة حتى عن الحركة حتى استدارت وفي التفاتها اصطدمت بجسد....صرخت بذعر ولكنها توقفت عندما وجدته زوجها "وجيه" قال بقلق :- مالك يا للي خايفة كده ؟!

نظرت له للحظات بصمت تام ثم ارتمت بين ذراعيه واجهشت بالبكاء فجأة....التفت يديه على خصرها بقوة وقال :-

_ شكلي خضيتك !! أنا أسف يا حبيبتي

قالت وهي ترتجف وتبكي ومتعلقة بعنقه :- انا خايفة يا وجيه ما تسبنيش ، خليك جنبي ارجوك

ضمها لقلبه أكثر ، همس بقرب اذنيها قائلا بابتسامة :-

_ أنا جانبك وهفضل جانبك للأبد...أنا قدرك

إلي هنا ينتهي الفصل الأربعون من رواية إمبراطورية الرجال

تكملة رواية من هنا


تعليقات

التنقل السريع