القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية إمبراطورية الرجال للكاتبه رحاب ابراهيم كامله جميع الفصول مع البرنس محمد السبكي قصص وروايات كامله من الفصل الواحد وعشرون للثلاثون

رواية إمبراطورية الرجال 

الفصل الحادى والعشرون/الثاني والعشرون 


 يووووه ، ماتخلصي بقى !!


تطلعت به ندى بتعجب وقالت :-


_ بالراحة يا آسر البنت ما عملتش حاجة !!


تكورت غصة بحلق سما وهي تحدق فيه بنظرات تحمل من العتاب والدموع ما جعله يتهرب بعيناه ولم تختفي ملامح الضيق من وجهه...قبل أن يتابع بمزيد من العصبية خرجت سما من المكتب....


مرت على مكتب حميدة التي جلست وعيناها تبحث عن يوسف الذي لم يظهر للآن !! هتفت حميدة:-


_ سمكـــة....بت يـــا سمكــة


وقفت سما قبل أن تخرج من المكتب نهائيًا واحكمت دموعها قليلًا حتى نهضت حميدة بأعين قلقة عليها وتساءلت:-


_ بتعيطي وبتجري كده ليه؟ !! مين زعلك قوليلي؟! آسر؟!


نكست سما رأسها بدموع وهزت رأسها بالأيجاب فتابعت حميدة بشك:-


_ اكيد عملتي حاجة ؟ يابت قلتلك اتقلي شوية وما....


رفعت سما رأسها بحدة وقالت:- والله ما عملت أي حاجة هو انا لحقت اصلًا !! ، هو زعقلي عشان دخلت عليه وباشمهندسة ندى معاه وقالي خليكي برا


رفعت حميدة حاجبيها بدهشة وبعض العصبية وقالت :-


_ خليكي برا !! ايه الطريقة المتخلفة دي !


نظرت حميدة لسما وقالت مربته على كتفيها :-


_ طب ما تزعليش تعالي اقعدي معايا ، يوسف مش هنا اصلا مش عارفة راح فين !!


هزت سما رأسها برفض وقالت :-


_ لأ أنا همشي ، هرجع البيت ، اعتبريني غياب النهاردة


قالت حميدة بحيرة:- طب استني أشوف ماله آسر قبل ما تمشي ، يمكن مضايق من حاجة ومايقصدش يتعصب عليكي...خليكي هنا على ما اجي...


قالت سما بضيق:- ما اظنش ، هو كان...


تطلعت حميدة بغموض اليها وتساءلت :- كان إيه؟!!


ابتلعت سما مرارة بحلقها وبدأت تروي ما رأته...


*****


***بمكتب آسر***


تطلعت ندى به بحيرة وتساؤلات كثيرة تعصف برأسها ، لم تحب ذلك الأقتراب منه  أنه لا يفعل هذا ولا هذه عادته معها فقالت بضيق:-


_ مكانش ينفع تستخدمني يا آسر بالشكل ده !! ماتفتكرش أني عبيطة ومافهمتش!! ، أنت أول ما حسيت بحركة الباب قربت مني لدرجة أن من الصدمة مابقتش مصدقة أنك انت اللي قدامي !! أنا زعلانة منك أوي وماكنتش متخيلة أنك تعمل كده وتحطني في الموقف السخيف ده..


تنهد آسر  وهو يجلس امام مكتبه وقال بأعتذار:- انا آسف يا ندى ، أحنا زمايل من سنين وعارفة أني مش كده بس..


قطع حديثه بغمضة قوية من عيناه ثم فتحهما على فتح الباب بعصبية من حميدة ،رمقتهم سويا بنظرات حادة وتساءلت :-


_ هي سما عملت ايه عشان تزعقلها كده ؟!!


تبدلت نظرة آسر للغضب مجددًا وقال بسخرية :-


_ وهي بقى بعتتك عشان تلوميني !! شغل عيال !!


استفزها طريقة حديثه وقالت بغيظ :- انا اللي جيت من نفسي لما لقيتها برا وماشية ، عملتلك ايه عشان تزعقلها كده وتقولها خليكي برا ؟!


قال آسر بمزيد من السخرية:- ما تدخلش قبل ما اسمحلها تدخل ، كل واحد حر في شغله !!


نظرت له ثم رمقت ندى بنظرة ازدراء وسخرية وقالت وهي تهم بالخروج :-


_ معلش..مش هتقاطكم تاني


حملقت ندى بها بدهشة فقد فهمت ما تلمح له حميدة فهتف آسر بعصبية :- آخر مرة تتكلمي معايا بالطريقة دي !!


وقفت حميدة بغيظ قبل أن تخرج من مكتبه وقالت :- ايه هتطردني!!


أجاب سريعا بأنفعال:- ده اقل شيء ممكن اعمله


خرجت حميدة من المكتب وصفقت الباب خلفها وهي تتمتم بالشتائم وتفاجئت ان سما ليست موجودة!! يبدو أنها استمعت لما حدث فركضت حميدة للخارج ونظرت للمصعد فلاحظت حركة به وايقنت انها سما...تنفست بضيق وحيرة وقالت :-


_ مش هعديهالك يا آسر ،اصبر عليا


دلفت للداخل وجلست أمام مكتبها بعصبية في انتظار يوسف...


*****


***بمكتب جاسر***


وقفت جميلة امامه وهو يمد يده بصندوق ورقي مزين بعناية ،ابتسامته خبيثة فيبدو وكأنه ينوي على شيء ، ارتبكت وهي حائرة من قبول أو رفض تلك الهدية ليقل بمكر :-


_ في واحدة ترفض هدية من خطيبها ؟!


اطرفت عيناها عدة مرات وأرادت أن ينتهي ذلك المشهد المربك فأخذت العلبة ووضعتها على المنضدة القريبة قائلة:- شكراً


ابتسم بخبث وقال وهو يضم ساعديه امام صدره بثقة :-


_ لازم تشوفيها ، عايز أشوف الفرحة على وشك بالهدية ، هتنبسطي أوي صدقيني


عقدت حاجبيها بضيق ليردف بتصميم :- مافيش شغل وهنفضل كده لحد ما تفتحي العلبة


صرت على اسنانها بغيظ ثم رفعت العلبة وهي تنظر له بتحدي حتى شهقت بصدمة مما رأته لينفجر جاسر بالضحك...هتفت به :-


_ أنت قليل الأدب !!


تحكم بنفسه وقال مبتسما ابتسامة واسعة :- كنت عارف انك هتقولي كده ، عجبتك يا روحي؟


اغتاظت من هدوئه وابتسامته المستفزة واجابت بعصبية :- زي الزفت ، في واحد يجيب لخطيبته حاجة زي دي؟! هو انا مراتك؟!


ضيق عيناه بمكر وأجاب بصوت خافت بعض الشيء :- قريب أوي ، اللون الاحمر هيبقى يجنن عليكي..


نظرت له بصمت لدقيقة وأرادت استفزازه فقالت :-


_ اوك هقبل الهدية ، عشان لما اسيبك ما تقولش أني كنت قليلة الذوق ، هشيل الهدية في جهازي لما ربنا يكرمني بأبن الحلال المحترم المؤدب...


تحولت عيناه لكتلة من الجحيم فقد فهم ماذا تقصد ، اهي بهذه الوقاحة لكي تأخذ هدية لرجل لرجلا آخر !!


قرر أن يعاقبها بطريقته الخاصة فأقترب منها فأشارت له بتحذير :-


_ أنا بحذرك لو قربت هرمي الدبلة في وشك دلوقتي ، ومش هتشوف خلقتي تاني..


وقف مكانه بعدما اصبحت عيناه الزرقاء كتلة من النيران المتقدة فهتف :- لو بس فكرتي أنك تكوني لحد تاني فخليكي عارفة أنك هتدخلي في حرب انتي مش ادها..


راقها غضبه وأرادت ان تبتسم بشدة ، لماذا تحب المرأة الرجل الذي يتحداها بالقرب؟!!


اغلقت العلبة ووضعتها على المنضدة قائلة بقوة:- وأنت ما تفكرش تتعامل معايا بالطريقة دي لأنك مش هتلاقي غير الصد ، فيها ايه لو بقيت محترم ؟!


ابتسم بمكر مقتربا لها وهمس:- يعني لو بقيت محترم هتحبيني؟


توترت عيناها وهربت لجهة أخرى فكرر سؤاله..فأجابت بإرتباك:-


_ يمكن...


اجاب مبتسما ابتسامة واسعة:- ماشي ، هبقى محترم معاكي لحد ما....


تساءلت بحدة:- لحد ما ااااايه؟!!


اجاب بمكر:- لحد ما نتجوز


******


**بمكتب رعد**


ظل رعد يخطو أمامها بتردد من قول شيء ، فقالت بغيظ بعدما رفعت رأسها من على الأوراق:- اقعد بقى خيلتني !!


نظر لها بتعجب وقال :- في سكرتيرة تكلم مديرها بالشكل ده ؟! انا مش عارف مستحملك أزاي!!


ضحكت رضوى واجابت:- عشان عندي لدغة وبضحكك


ابتسم رغما عنه وجلس امام مكتبه متسائلا :-


_ خلصي شغل بقى عشان احكيلك عملت ايه في آخر سفرية تصوير


نظرت رضوى للأوراق وقالت بأنغماس في الارقام امامها:-


_ لما اخلص هقولك


قال رعد ببعض المكر:- انا مبسوط أنك رجعتي لطبيعتك


نظرت له بتعجب وقالت :- وأنت عرفت منين أن دي طبيعتي ؟!


أجاب بتسلية وضحكة :- انا عارف من أيام بردقوشة ، يا بردقوشة


ابتسمت بخفاء وعادت للعمل ليتابع :-


_ كنتي قمر امبارح يا بردقوشة ، زي ما تخيلتك بالضبط


قالت بحدة:- وانت تتخيلني ليه اصلا !!


زم شفتيه بغيظ وهتف :- قومي ارميني من الشباك وارتاحي يا رضوى ؟! انا حمار أني بهزر معاكي اصلا


ضحكت قائلة :- آه عارفة الموضوع ده


هتف بغيظ:- يا مستفزة !!!


ضحكت أكثر كالأطفال ليبتسم قائلا بمزيج من المرح والغيظ :- صبرني يارب


******


دلف يوسف للمكتب وهو يصفر بمرح حتى وجد حميدة وكأنها قررت ان تغير من مظهرها دائما ، ابتسم لها وقال :- صباح الجلاش


لم تنتبه حميدة له ببادئ الأمر بسبب شرودها بأمر سما لينتبه الى ضيق ملامحها وهتف :- مااااالك ؟!!!


التفتت له حميدة وتفاجئت بوجوده حتى قالت :- كنت مستنياك


ابتسم بخفة وابتسامة واسعة قائلا :- ما انا عارف


لم تكن حميدة في حالة تسمح لها بالمزاح فروت له ما حدث ليتبدل وجه يوسف للعصبية والغضب وهتف :-


_ هو ايه اللي يطردك ؟!! ويزعقلك ليه اصلا..وأزاي يعمل كده ؟!!


حاولت حميدة ان تهدأ يوسف فلم تظن أن غضبه سيصل لهذه الدرجة حتى توجه يوسف بغضب حقيقي لمكتب آسر...


نظر آسر له بصمت وهو يدخل مكتبه بهذه الطريقة ليهتف يوسف بعنف :-


_ آخر مرة يا آسر تتكلم مع حميدة كده تاني ، وانت مش مسؤول عن شغلها عشان تطردها !! انا مش هسمحلك تزعقلها تاني ولا هسمح لحد


أجاب آسر بهدوء مريب :- ماتنساش أني اكبر منك وعيب تقف قدامي وتزعقلي بالمنظر ده !!


هتف يوسف بسخرية :- اكبر مني بأد ايه يعني ؟ سنة؟!!! وبعدين سما عملتلك ايه عشان تزعقلها هي كمان مالك فيك ايه ؟!! انت مكنتش قليل الذوق بالمنظر ده قبل كده ده انا كنت بقول عليك العاقل اللي فينا ؟!!


نظر آسر بالفراغ ولم يجيب ليتابع يوسف بغضب:-


_ لو حصل وزعقت لحميدة تاني او عليت صوتك عليها انا اللي هقفلك


ضيق آسر عيناه بدهشة و نهض من مقعده بعصبية ووقف امام يوسف بتحدي:- هتقفلي تعملي ايه يا يوسف؟! قول ؟!!


قالت حميدة بقلق من تصاعد الموقف  :- خلاص يا يوسف انا مش زعلانة


هتف يوسف بها لتصمت ثم عاد ناظرا لآسر بحدة :- اللي هعمله مش هيعجبك يا آسر ، أنت حتى ما فكرتش تعتذر ليها ؟!!


اختارت ندى ان تتدخل فقد شعرت بالغيظ ايضا من آسر لتصرفاته الغير مفهومة لهذا اليوم فقالت باستاذأن :-


_ انا ماشية بعد اذنكم


خرجت من المكتب ليأت رعد وجاسر وجميلة ورضوى أثر سماعهم صوت يوسف العالي ليقل جاسر بتساؤل:-


_ في ايه ؟ بتزعق ليه يا يوسف ؟!


اخبره يوسف ما حدث لينظر جاسر بتعجب وحيرة لآسر وقال :-


_ طب وهي عملتلك ايه عشان تزعقلها يا آسر ؟! ولما آنسة حميدة جت تسألك بتزعقلها برضو ليه ؟ أنت اللي غلطان!!


قال رعد باستغراب :- ده مش اسلوبك يا آسر انا عارفك ، في حاجة مزعلاك اكيد


تساءلت جميلة ورضوى بهمس لحميدة فقالت حميدة :- هفهمكم بعدين


هتف يوسف مجددًا :- لو كان حد من البنات عمل حاجة غلط مكنتش اضايقت للدرجادي لكن محدش فيهم غلط ولا هو كلف نفسه واعتذر !!


هتف جاسر بيوسف :- اهدى يا يوسف ووطي صوتك !!


قال آسر بعصبية وهتف عاليا:- لأ سيبه يعلي صوته عليا كمان وكمان ، وياريتها حاجة تستاهل!!


زم يوسف شفتيه بعنف حتى قال جاسر بحدة :- خد يوسف يارعد على مكتبك شوية


جذب رعد يوسف بالقوة قبل ان يحتد الشجار فهتف يوسف قبل ان يخرج :- خليك فاكر أني حذرتك يا آسر ولو عايز تتأكد أن كنت بتكلم جد ولا بهزر جرب وكررها وشوف انا هعمل ايه


جذبه رعد للخارح بقوة وهتف :- ياعم يلا بقى


انتظر جاسر ذهاب يوسف ورعد ليهتف بآسر بغيظ :- عمالين تزعقوا قدامي ولا عامللي اعتبار أني الكبير اللي فيكوا !! وبعدين انت غلطان يا آسر ما تنكرش ، انت مش لوحدك المسؤول هنا عشان تخلي حد أو تطرد حد على مزاجك !!


هتف آسر بعصبية :- خلصت من يوسف هتطلعلي أنت !! بلاش أنت بالذات تدي نصايح !!


ضيق جاسر عيناه بشراسة وتوجس أن يقل آسر شيء بوجود جميلة التي نظرت له بشك فقال لآسر بعنف :-


_ طب بلاش النبرة دي معايا انا بالذات عشان انا غبي ومش بدي فرص لحد ، انا جاي وبسألك وبعاتبك بالذوق ، لكن تغلط فيا استحمل اللي يجرالك مني وانت عارف في غضبي مابشوفش قدامي..


اخذ آسر هاتفه وقال لجاسر بحدة :- اوك..انا ماشي وسايبلكم كل حاجة


جذبه جاسر من يده بعصبية :- كلمني زي ما بكلمك ورد عليا في ايه ؟!


دفع آسر يدا جاسر وخرج من المكتب تمامًا...وقف جاسر ممتقع الوجه ولم يستطيع تفسير عصبية آسر لهذه الدرجة !!


قال للفتيات الثلاث :- خليكم هنا وسيبوني مع ولاد عمي شوية لوحدنا بعد اذنكم..


اومأ ت الفتيات ّ بالموافقة حتى ذهب جاسر لمكتب رعد....


حاول رعد أن يهدأ يوسف ولكن يوسف كان يصيح بغضب :-


_ يزعق لحميدة ليه ؟ ويهددها بناء على ايه ؟ المكتب ده مش بتاعه لوحده ولا حميدة شغاله معاه عشان يقولها كده ؟!


تعجب رعد وقال :- أنت سيبت المشكلة الاساسية ومسكت في زعقيه مع حميدة ؟! اذا كان هو تقريبا طرد سما !!


هتف يوسف بغيظ :- اسلوب غبي منه وماينفعش ، دول شغالين معانا مش خدامين عندنا !! تعرف انهم رفضوا ياخدوا مرتب الشهر ده والشهر الجاي كمان عشان ما يحملوناش مرتبات واحنا لسه بدأين شغل ! معقول يكون ده جزائهم


قال رعد :- عارف ،وانا رفضت طبعا ده حقهم


يوسف :- وانا كمان رفضت بس مجرد انهم يفكروا كده ده يخلينا نعاملهم احسن معاملة مش نطردهم ونهينهم بالأسلوب المتخلف ده !!


دلف جاسر وعلى وجهه علامات الحيرة والضيق ، جلس على مقعد امام يوسف وقال :- آسر تصرفاته مش طبيعية ، ولا ده طبعه اصلا ، انا قلقان


هتف يوسف :- طبعه ولا مش طبعه ، لو مضايق من شيء فده ما يخليهوش يتعامل بقلة الذوق دي وخصوصا مع بنات


قال رعد بقلق :- انت قلقتني انا كمان يا جاسر ، انا فعلا اول مرة اشوفه زهقان وعصبي كده


جاسر بضيق :- مشي وهو مضايق


قال يوسف بغيظ رغم ما يخفيه من قلق :- مشي راح فين ؟!


نظر جاسر بعصبية ليوسف :- وانت كمان يا هركليز عمال تزعق ومش معبر حد موجود !! ينفع اللي أنت عملته ده ؟!


قال يوسف بغيظ:- يعني لو زعق لخطيبتك كنت هتسكتله ؟ ده انت بالذات كنت علقته في السقف !!


قال جاسر بحدة :- هو ايه انا بالذات اللي انتوا ماسكينهالي دي ؟! مالي يعني مش فاهم ؟! وبعدين موقفي غير موقفك لأن جميلة خطيبتي


تلجلج يوسف وقال :- آه خطيبتك ، بس حميدة سكرتيرتي يعني في حكم خطيبتي


نظر رعد لجاسر نظرة ماكرة وانفجرا الاثنان من الضحك


****


**بالحي الشعبي**


انهمكت للي بقراءة مجلة وهي جالسة بصالون التجميل حتى دلفت لها سما وعينها منتفخة من البكاء فنهضت للي عندما رأتها  ..قالت بقلق :-


_ مالك يا سمكة؟!


ارتمت سما بين ذراعي للي ببكاء كالطفلة التي تختبأ بحضن امها وقالت :- انا مخنوقة أوي ولقيتني جاية لهنا


ربتت للي عليها بحنان وقالت :- طب اهدي وقوليلي حصل ايه زعلك كده..


ابتعدت سما وهي تمسح عيناها وقالت :-


_ انا ارتحتلك وحبيتك اوي يا للي رغم اني ما اعرفكيش من زمان ، ياريت اللي هقولهولك يفضل سر ما بينا


هزت للي راسها بالتأكيد :- اكيد طبعا ، تعالي اقعدي بقى واحكيلي كل حاجة واعتبري انك بتكلمي نفسك..


جلست سما ونظرت حولها بترقب ففهمت للي قلقها وقالت :- البنات واخدين اجازة الاسبوع ده ما تخافيش ، مافيش حد هنا غيري


ارتاحت سما بعض الشيء وبدأت تخبرها بكل شيء...


*****


عاد الشباب كلا الى مكتبه حتى جلس يوسف باقتضاب أمام حميدة فرمقته ببسمة خفية من عصبيته ودفاعه عنها الذي جعلها تشعر بفيض هائل من الحب اتجاهه..كانت الحيرة تعصف ملامحه بشيء من التردد ، كاد ان يتحدث حتى صدح صوت الهاتف اجابت حميدة برسمية :- الو؟


أجاب احد العملاء وهو ذاك الرجل الذي اتى مرارا للمكتب سابقا مستفسرا عن شيء لتجيبه حميدة نظرا لمعلوماتها عن شؤون العمل فأخذ يوسف سماعة الهاتف منها بعصبية وهتف :- و مش أنا جيتلك الصبح وقلتلك كل شيء عايز تعرفه ؟! هو لما تحب تعرف شيء تتصل بيا ولا بسكرتيرتي ؟!


كتمت حميدة ضحكتها حتى قال الرجل ليوسف بتردد:- كنت هسألها على حاجة تانية


احمرت عين يوسف من العصبية واغلق الاتصال بحدة وعنف وهتف :- انسان بارد وغبي ، رحتله بنفسي عشان عارف انه هيجي النهاردة ومافيش فايدة فيه؟!


قالت حميدة بتساؤل :- كان عايز ايه ؟


ضيق يوسف عيناه عليها وقال بنظرة شرسة :- تتجوزيني ؟


💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖


رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الثانى والعشرون


تجمدت وهي تنظر له...ماذا قال ؟! ايعني ما يقوله ؟! فلا شيء يجعله يقل ذلك سوى....


نفضت افكارها فربما سمعت خطأ ، لربما تحدثت أمانيها بالقلب فأخطأت...نظرتها له مشتته ، مرتبكة ، حائرة...تخبره أن ينطق مجددًا ، أن يقل ما تشككت به...أو أرادت التأكد أولًا....كل شيء وكأنه توقف أمام عيناها إلا قلبها !! فقد لهثت خفقاته من الركض...بينما هو يرتجف من الفقد...فقد شعور يعرف أنه لم يمر على قلبه مرة أخرى...كان الجميع حوله...وكانت وحدها له الجميع....


أخذت أرق بقاع القلب حياة...أخذت بقعة خاصة لا يُختص بها سوى الأم...فأعطاها هذا الحيز دون أن تدري لتصبح هي كل شيء...


نظر لصمتها بوجوم...ظن أنها تفاجئت فصمتت ، وأن تيهتها هذه حيرة من الإجابة...بعض الإجابات تعطي الحياة أو الموت...فلو كانت تشعر لما احتارت...ليتها اعطت حتى لو إشارة ولكنها لم تفعل !! هكذا قال عقله !!


ابتلع ريقه بتوتر وندم للحظة أنه قال ذلك ، فإن رفضت فسينتهي بينهما ذلك الرباط المتخفي بالصداقة....كرر سؤاله ولكن نظرته مترجية وقلقة:-


_ تتجوزيني يا حميدة ؟ مش بتردي ليـه؟!! للدرجادي الإجابة صعبة!!


اسدل قلبه خفقاته بألم...إلى متى يظل الحب حبًا بعد الرفض ؟ راقب صمتها بحيرة وخوف بينما كان صمتها عظيم من الصدمة...


لم تتحرك عيناها بل ظلت على جمودها...تحاول استيعاب ما سمعته مرة أخرى....كررها !! فقد حررها من ذلك القيد حتى تصبح له للأبد...وكأنها فتحت صندوق الأماني...وانتقت منه اغلاها...


تحرك يا قلب واجعلها تنطق ، فيبدو على عيناه أنه يخبأ ما ظنته حلما بعيد....وظنت أن قلبه كالبلاد البعيدة بينما كان دائمًا الوطن دون أن تدري !!


واكتفت بحلمًا حن به صوته بينما القدر يخبأ ما هو أكثر من الأحلام...


واشاح الأوهام ليقل لها هو يحبك يا فتاة....دائمًا


كانت تجلس على المقعد بينما ثقل جسدها بعد الأغماء جعل المقعد يميل بها وآل الى السقوط جانبًا...


نهض بعصبية يكتم الألم داخله من عدم إجابتها حتى صدم برؤيتها هكذا فركض اليها خائفا....


**مرت دقائق**


أشرقت عيناها...من حلماً لحلم يا قلب ابتسم...أول شيء طل امامها هو وجهه ذو النظرات الخائفة ، كطفل فقد يد أمه وسط الزحام ، يدفئها هذا الشعور الذي بثه فيها...أنها الملجأ...


لم تكن على مقعدها بل على أريكة تبعد عدة خطوات من مكتبها ،وهذا يدل أنه حملها !!


ابتلعت ريقها بخجل وهي ترتجف وتعتدل حتى قال بلهفة وقلق :-


_ خضتيني عليكي ياحميدة ، انا عقلي وقف لما شوفتك بتوقعي


ابتسمت ببطء مع تلألأ دمعة بعيناها ، هذا كثير على قلبها حقاً ، أن يحدث كله هذا دفاعاً !! قال يوسف بحزن وهو يعطيها كوب ماء :-


_ كنت مستني اجابتك ، بس


قالت حميدة بقوة ودموع :- بس ايه ؟!!


كأن احدًا سرق النبض منها ...قالت بنبرة عاتبة ، وقوية ، بها حب يعبر كل ظنونه فنظر إليها حائرا ، قال بنظرة عميقة :-


_ مش عايز أخسرك ، اعتبريني ما قولتش حاجة ، انا عايزك تفضلي جانبي وبس ،بأي حال وبأي شكل وبأي صفة ، خليكي جانبي..ماتسبنيش


لم يكررها مثلما تمنت !! اعتقد أنها سترفض !! كيف تخبره انها تخطت العشق !! هذا الطريق لن يفتح مجددًا إذا اغلق الآن ،نهضت منفعلة ، باكية ، هاتفة به بغضب لم يراه على وجهها يوماً :-


_ أنت أغبى انسان أنا شوفته في حياتي يا يوسف ، مش قادرة اتخيل انك كل ده وما....


صعب عليها الأعتراف...تراجعت في اللحظة الأخيرة ولشد ما أرادت أن تصفعه...توجهت لمكتبها وأخذت حقيبتها راكضة للخارج..


راقبها وهو يجمع شتات فكره ، ما معنى قولها !! هذه حرب لم يخوضها من قبل...انتفض من مقعده ليلحقها بينما هي كادت أن تهبط بالمصعد ، اوقف المصعد وهما بداخله بمفردهما....قال بلهفة عاصفة :-


_ أنا غبي وفيا كل الصفات الوحشة بس قوليلي أن اللي جه في دماغي صح ، قوليلي أنك بتحبيني زي ما بموت فيكي


هتفت به بعصبية :- أنت لسه ما فهمتش يا يوسف ؟!! وكنت محتار من اجابتي كمان ؟!! مش بقولك أنك غبي !!


جالت نظرته على عيناها الباكية ثم الى كل ملامحها الحبيبة وابتسم بعدم تصديق...وكأن الحياة قدمت له المنتظر حينما أحبته هي..


قال بابتسامة مقتربا لها :-


_ كنت خايف...خايف أقرب وأنا مش حاسس أني استاهلك ، محاولتش اظهر اكتر من صداقة عشان عارف نفسي ، لو قلتلك بحبك هفضل اقولهالك كل دقيقة ، كنت عايز اتقدملك وانا حاسس أني هقدر ابقى مسؤول عن بيت وأسرة ، مش عايز ابقى نسخة من أبويا...يعتمد على ميراثه وبس...أنا أول مرة اقول كده ،بس هي دي الحقيقة


يمكن دلوقتي حاسس أني هقدر على الأقل اقابل والدك ، هقولها تاني ،تتجوزيني ؟


ابتسمت بسعادة وهي تمسح عيناها من الدموع ونظرت له بمشاكسة قائلة:-


_ مش هرد عليك ، هحددلك ميعاد مع أبويا


اتسعت ابتسامته بسعادة وقال بمكر :- النهاردة


تعجب وقالت :- انت مستعجل بقى ؟!


غمز بعيناه بنظرة ماكرة وأجاب :- مش هرد عليكي ، هجاوبك بعد ما اقابل والدك ، تحبي اجيبلك ايه مع الشيكولاته وانا جايلكوا ؟


كتمت ضحكتها وقالت :- مافيش فايدة فيك !!


فتح باب المصعد وقال بذات المكر والابتسامة لم تفارق محياه :-


_ مش دلوقتي عشان يتقفل علينا باب واحد بس وغلاوتك لما يتقفل ما هيتفتح


ركضت للداخل بعدما ضج وجهها احمراراً فأرتفعت ضحكته عاليًا


*****


**بمكتب رعد**


ظلت رضوى تقضم اظافرها بغيظ وهي تتفحص بعض الأوراق فلاحظ رعد ذلك وهو على حافة الضحكة لمظهرها الطفولي الغاضب المتذمر....قال بتسلية:-


_ حاسبي لتبلعي صوباعك


وضعت الأوراق وكأنها انتظرت فتح هذا الحديث وقالت بغيظ :-


_ انسان قليل الذوق بصحيح اللي اسمه آسر ده ! ، زمان البت سمكة مموته نفسها من العياط دلوقتي..


قال رعد بهدوء رغم أن عيناه بها بعض التحذير :-


_ لاحظي أنك بتتكلمي على ابن عمي !! وبعدين آسر عمره ما كان قليل الذوق ، اكيد في حاجة مزعلاه


ضيقت عيناها شذرا وقالت :-


_ وهي مالها زعلان ولا لأ ؟!! هي جاية تشتغل ولا جاية تتهزأ كده ؟! والله لو أنا وقولتلي اطلعي برا ماهتشوف وشي تاني


ابتسم رعد وقال بعفوية :-


_ رضوى أنا المفروض مديرك وكده ،بس انا بخاف منك مش عارف ليه


تابع بضحكة صادقة فابتسمت وهي ترفع الأوراق امام عيناها وتتخفى بمظاهر الثبات والجدية...أردف رعد بخبث:-


_ وبعدين ماينفعش اقولك أنتي بالذات اطلعي برا ، ولاد عمامي آه في داهية أنتي لأ


كرر ضحكته بمرح حتى تبدلت ملامحها فقال بلطف :-


_ هعرف ايه اللي مزعله وصدقيني هتلاقيه من نفسه بيعتذرلها والموضوع ينتهي ببساطة..


هزت رأسها وتابعت العمل على الحاسوب ليقل رعد بترقب إجابتها :-


_ بتحبي السفر ؟ اقصد يعني نفسك تسافري تشوفي اماكن غريبة ؟


شردت رضوى للحظة فأجابت بصدق بعد ذلك :-


_ بصراحة آه ، أنا نفسي من زمان أعيش في مكان بعيد بعيد ومايكونش فيه حد ، ابعد عن الناس


قال مبتسما بدفء:-


_ وحتى اللي بتحبيهم ؟ ولا هتاخديهم معاكي ؟


قالت بعفوية ولم تدرك دفة مكر الحديث :-


_ أنا ماليش حد غير أخواتي ، أو يعني اللي بعتبرهم أخواتي...أنا يتيمة ماليش لا أب ولا أم ولا أخوات ولا حتى قرايب ، لقيت نفسي كده من صغري يمكن عشان كده اتعودت ابقى لوحدي..


صمت رعد لدقيقة ولاحظ مجرى الدموع بعيناها فنهض من مقعده  ...جلس بمقعد قريب وقال برقة:-


_ ماتعرفيش الأيام مخبيالك ايه ، مش يمكن حد واحد يعوضك عن الجميع ، ياخدك لحلمك وتعيشوا في دنيا جديدة ليكوا انتوا الاتنين


مسحت عيناها من الدموع ورمقته بحيرة ولا تنكر سرا أن بحديثه لمسة حنونة ،تربت على آلامها...


ابتسم رعد بحنان ثم نهض ومضى لمكتبه بخطوات بطيئة واضعا يداه بجيوب بنطاله الچينز الثلجي :-


_ عارفة...يوم ما اتجوز واحدة ، هلففها العالم كله ، انا بعشق السفر وبالذات في الجبال ، هاخدها معايا ، هعيشها بكل يوم صفحة حكاية من حكايات الف ليلة وليلة ، الأدوار هتتقلب وشهريار هو اللي هيحكي ويتكلم ....عشان أميرته ترضى عنه..


ابتسمت شاردة...وقالت بصدق دون أن تدري :- يا بختها


جلس على مكتبه بابتسامة ماكرة وقد صوب الهدف ببراعة...


قال بهدوء مربك :- وانا عند وعدي


رفعت رضوى اصبعها بتوتر لتعدل نظارتها ولكنها تفاجئت أنها تخلصت منها وذلك كان حركة اعتادت عليها بالايام الفائتة فضحك رعد بمرح لغيظها من نفسها....


******


**بمكتب جاسر**


نهضت من مكتبها عندما وجدته يقترب اليها بخطوات كالصائد الذي يقتنص الفرص للتصويب الصحيح...وقفت وهي تحمل حقيبتها بجدية وقالت :-


_ هروح أشوف الموقع الجديد ، خليك أنت هنا


رفع حاجبيه باستغراب وقال :- ده اللي هو أزاي يعني ؟! انتي ناسية أنك دلوقتي خطيبتي ؟! أن كنت سايبك تشتغلي فعشان أنتي هنا معايا بس ده مش معناه أني هسيبك وسط رجالة لوحدك !!


لوت شفتيها بسخرية وقالت :- خلاص حصلني !!


قال بابتسامة استفزتها :- طب ما نروح مع بعض ياروحي سوا سوا


اجابت بغيظ :- نفسي تتغير ، نفسي مرة اقف قدامك وما احسش أن دماغك بتفكر في...


قال مبتسما بتسلية :- ماهو كل ما ابص للهدية دي بصراحة دماغي بتلف ، شيلي الهدية وخديها من قدامي احسنلك


اخذت جميلة العلبة بنظرة تتحداه وقالت :-


_ حلو ، عشان لما اسيبك الاقي حاجة ارجعهالك غير الدبلة..


قال بنظرة تتسلى بإرتباكها :- طب وقلبي هترجعيه أزاي ؟!


تنهدت جميلة بنفاذ صبر وخرجت من المكتب تحت نظراته المتفحصة بضحكة....


*******


**بصالون التجميل**


انتهت سما من الحديث لتصمت للي بحيرة ثم قالت :-


_ أنتي غلطانة يا سما ما تزعليش مني ، الراجل ما بيحبش غير البنت الصعبة ويتعب على ما يوصلها ، أنتي طيبة وباين عليكي واتعاملتي بعفوية زايدة ، ويمكن برضو سبب اللي عمله غيرة !


قالت سما بضيق وعبوس :-


_ أنا اول مرة اتعامل مع حد كده ، عارفة أني غلط ، بس مكنتش استاهل منه يعاملني كده ، انا حسيت أنه بيطردني مش مجرد اسيبه شوية وارجع تاني المكتب....حتى لما حميدة راحت تسأله كلمها بأسلوب وحش أوي..


ربتت للي على يدها بحنان وقالت :-


_ ما تزعليش ، بصي...ارجعي بكرة الشغل ولا كأن حاجة حصلت ، بس من أول بكرة اتعاملي معاه من بعيد وبأسلوب جاف شوية عن الأول ، وحتى لو اعتذرلك خليكي معتدلة في تصرفاتك


اطرفت سما بحيرة وقالت بضيق :-


_ مش بحب أشوفه زعلان ،ومش بحب احس أنه زعلان مني


قالت للي برقة:- والله محظوظ آسر ده أن حد بطيبتك حبه ، بس اسمعي كلامي لأن كده احسن...


اومأت سما رأسها بالموافقة...


**********


**بالحي الشعبي **


استقرت سيارة وجيه على بُعد امتارا من صالون التجميل بحيث لا تصبح سيارته مرئية لها ، جلس الرجل الذي تولى مهمة المراقبة بجانبه حتى هتف مشيرا بأصبعه للأمام على "للي" التي كانت تودع سما بالخارج وقال :- هي دي اللي قلت لحضرتك عليها ،اللي مشيت من الاربع بنات اللي بيشتغلوا معاهم وام شعر اسود طويل دي هي اللي كلمت حضرتك عنها


تحرك عصب فكي وجيه بعنف وغيرة قاتلة من ذكر الرجل شعرها الاسود ومدحها أمامه فود لو يلكمه ولكن كيف يبرر فعلته؟!


رفع وجيه هاتفه واجرى اتصال....


*********


خرجت جميلة امام حميدة التي كانت شاردة بسعادة وتظاهرت بالعمل بينما لم تلاحظ ما بيد جميلة وخرج جاسر خلفها...


قال يوسف وهو يعطي " ساندوتشات " لحميدة :-


_ جبتلك ٦سندوتشات وانا ٦ ، مش مهم استحمل لحد ما ارجع البيت واتعشا


اخذت احد السندوتشات وبدأت تأكل بنهم وهي تبتسم ،فقد اصبحت تريد مشاركته حتى تلك الشهية المفتوحة...


قال يوسف بنظرة حنونة وهو يلوك الطعام بفمه :-


_ نفسي في الحياة اني اشتغل طول النهار وارجع البيت الاقيكي مستنياني وتأكليني


اشتد وجهها احمرارا بخجل فقالت بحياء:-


_ خلي الكلام الحلو ده لبعد كده يا يوسف ، كل شيء في وقته احسن


هز رأسه موافقا بعفوية :- حاضر ، المهم أنك هتفضلي جانبي


تشاركا الابتسامات والأحاديث...حتى انتبه لصوت هاتفه...اتسعت عيناه وهو يرى رقم عمه...نهض وأجاب بقلق :- الو؟


قال وجيه مباشرة وبقوة:-


_ ساعة واحدة وتكون قدامي في مطعم (....) لو اتأخرت ماترجعش تلومني على اللي هعمله...


اغلق وجيه الأتصال بقوة ثم امر السائق أن يبتعد عن هذا المكان....


نظر يوسف للهاتف بصمت مريب لتتساءل حميدة بقلق :- مين؟!


اجاب يوسف بحيرة:- عمي وجيه عايز يشوفني ضروري ، انا قلقان


ابتلعت حميدة ريقها بتوجس وحاولت أن تطمئنه حتى قال وهو يهم بالذهاب :-


_ ماتقوليش لحد أني رايحله لحد ما ارجع


اومأت حميدة رأسها بالايجاب وهي تراقب خطوات خروجه من المكتب بخوف طل بعيناها...قالت :- ربنا يستر


********


**بموقع العمل**


دفعت جميلة جاسر بعيدا عنها الذي استغل فرصة صعودهم للطابق الأخير واصبحوا بمفردهما دون شخصا آخر وحاول أن يأخذها بين ذراعيه بقوة...نظرت له بعنف واحتقار وهتفت وهي تسحب الدبلة من اصبعها وتلقيها بوجهه:-


_ أنت قليل الأدب وهتفضل كده ومش هتتغير ، مافيش فايدة فيك ابدًا !! أدي دبلتك اهي ومش عايزة أشوف خلقتك تاني


وقعت الدبلة بثرى الأرض فرمقها بغضب حتى قبض على معصم يدها بعصبية وهتف :-


_ أنتي ايه البرود اللي فيكي ده ؟! انا في حياتي ماشوفتش واحدة حجر زيك كده ومابتحسش !!! هو انا كنت هغتصبك ؟!!


دفعت يداه بشراسة وابتعدت عنه بعض الشيء ورغم ذلك لم تمنعها المسافة من صفعه بصفعة مدوية على وجهه...صرخت بوجهه:-


_ أنت اللي سافل وما تستاهلش غير واحدة في اخلاقك ، وأنا كنت عارفة كده ما اتصدمتش ، وفي جميع الأحوال كنت ناوية اسيبك لأن مش أنت اللي ممكن اكمل معاه مهما حصل..ماعرفتش تضحك عليا وتقنعني أني اتجوزك...ومش هتقدر تضحك عليا


رمته بنظرة محتقرة وابتعدت لترحل ، عدة خطوات مبتعدة حتى سمعت صوته بتأوه متألم....وكان ذلك إثر طرقة من يده على عمود بالقرب ولم يلاحظ من شدة غضبه رأس مسمار معدني صغير مثبت بالعمود الخرساني...


نزفت يد جاسر بقوة  ... ركضت جميلة اليه مجددًا بخوف...قالت بقلق:- ايدك مالها ؟! تعالى معايا لأقرب صيدلية


نظر اليها بشراسة وهتف بها وهو يضغط على النزف بيده الأخرى:-


_ عايزة مني ايه ؟ سيبيني وامشي !!


قالت بحدة :- قلت تعالى معايا ماينفعش تفضل تنزف كده !!


ضيق عيناه وهو يلهث وقال :- البسي دبلتك تاني وانا اجي معاكي


زمت  شفتيها بغيظ وبحثت على الأرض عن الدبلة الذهبية حتى وجدتها ثم وضعتها بأصبعها سريعا وقالت :-


_ لبست الدبلة ، يلا بقى تعالى معايا


ابتلع جاسر ريقه ببعض الراحة ثم نظر لها نظرة طويلة غامضة....


مر أكثر من نصف ساعة.....


بعدما تم تطهير الجرح ولفه بالشاش الأبيض وقف جاسر بالطريق ينظر لجميلة بصمت....ارتبكت من نظرته الدقيقة الصامته...ربما يتساءل لما تراجعت وأرادت مساعدته...هي نفسها لم تستطع ان تعترف لنفسها بما يريد سماعه...قالت وهي تخلع دبلتها مجددا:-


_ كده دوري انتهي ، احنا ما ننفعش مع بعض يا جاسر ، احنا حتى مش متحملين بعض واحنا عارفين ان الخطوبة دي مؤقته !! كفاية كده


قال بنبرة جديدة العهد عليه ، بها من الترجي ما قارب للتوسل :-


_ انا عمري ما اتحايلت على حد ، مكنتش بحب اعتذر ، ما افتكرش مرة أني ضعفت قدام حد ولا حتى عمي اللي مربيني...بس انا مش عايز اخسرك يا جميلة ، انا عارف أني فيا عيوب كتير بس صدقيني انا عايز اتغير عشانك ، يمكن بصراحة لما بتبقي معايا مابعرفش اتحكم في نفسي وببقى عايز اقرب ، أنا معترف أنك احسن مني ومعترف انك تستاهلي واحد احسن مني كمان ، بس أنا عايزك أنتي ، أنتي بالذات ، أنتي وبس


هزت جميلة رأسها نفيًا وقالت :-


_ علاقتنا فاشلة ، اللي احنا عايزينه حاجة والواقع حاجة تانية


اعطته الدبلة واستدارت لترحل بقلب لا تعرف من أين أتى له هذا الصراخ!!؟


********


جلس يوسف بمقعد امام طاولة يجلس عليها عمه بنظرات التي تكبت الغضب وقال :- ازيك يا عمي ؟


سخرت نظرة وجيه بمرارة وقال :- احسن كتير من غيركوا...من غير كلام كتير...جوازة جاسر مش هتتم


حدق يوسف بصدمة لبرهة ثم قال بتلعثم :- ليه ؟!


أجاب وجيه بغموض وحاول أن يتحدث بهدوء:- اسبابي هحتفظ بيها لنفسي لأن مش هستأذن من حد فيكوا عشان أشوف الصالح واعمله


اعترض يوسف وقال بانفعال:- ماينفعش حد يعمل حاجة غصب عنه وحتى ما يعرفش اسبابها ايه !! ده انا كنت جاي وفاكر انك سامحتنا وكنت هطلب منك تيجي معايا اتقدم لحميدة


نهض وجيه من مقعده ووضع بعض النقود على الطاولة وقال بجبروت :-


_ يوم ما تعمل كده انت أو جاسر ده بالنسبالي هيبقى زي تنازل رسمي عن ميراثكوا...


ذهب وجيه وترك يوسف يتخبط بصدمته....


*********


التمع هجيج النيران بعين جاسر ، وكان الممنوع مرغوب حتى بأمر القلوب!! هتف مناديًا...وقفت جميلة عندما سمعت صوته واستدارت متظاهرة بالغضب رغم ما بطن بقلبها من الم لتتسع عيناها من رؤيته على هذه الحالة....


إلي هنا ينتهي الفصل الثانى والعشرون من رواية إمبراطورية الرجال

رواية إمبراطورية الرجال 

 الفصل الثالث والعشرون/الرابع والعشرون


 


كان يجثو على أحد قدميه بينما القدم الأخرى مرتفعة عن الأخرى قليلا ويوجه لها ال"الدبلة" الذهبية كأنه أصبح رهن قلبها !!   :-


_ ماتسبنيش...ساعديني أني اتغير...أنا عايز اتجوزك لأني...بحبك


حدجته جميلة بدهشة فلأول مرة يعترف بها صريحة...فكررها مؤكداً :-


_ هفضل كده لحد ما توافقي ، أنا متأكد أن في شيء ليا جواكي بس خايفة ، بس تفتكري أن سبب تصميمي ده كله ايه غير أني حبيتك ؟! أنا لو كنت أعرف بنات فأنا من يوم ما عرفتك تقريبًا نسيت كل حاجة ، الأول كنت بعند لكن دلوقتي لأ....


التهب وجه جميلة من الخجل ومن جميع أعين المارة التي ثبتت عليهم ويبدو أنهم يستمتعون بمشاهدتهم هكذا... 


اردف جاسر غير معنيًا بمن حوله :-


_ اديني فرصة أخيرة وشوفي هتغير أزاي ، مش هتخسري حاجة بس هتكسبيني ، هتكسبي انسان ساب كل حاجة واختارك أنتي تبقي كل حاجة


قالت جميلة بتلعثم وخجل 


_ الناس بتتفرج علينا...قوم يا جاسر ماينفعش كده


هز رأسه برفض وقال بتصميم :-


_ مايهمنيش غيرك أنتي ، أنا زعلتك وبراضيكي ، البسي دبلتك ورجعيلي روحي ليا تاني


اجفلت من ما تراه...ايقل الصدق ؟! هل لهذه الدرجة احبها ؟! بل وكأنه تخطى العشق !! لو كان صادقاً وتركته ستكن حمقاء غبية...هي تشعر به بالفعل...هناك شعور لذيذ يدغدغ قلبها عند رؤيته لا تنكر...لذلك تخاف أن ينحدر قلبها لممر الشوق والعشق دون أن تتأكد منه أولًا....


ما المانع أن تعطيه فرصة  


انتفضت يداها وهي ترتفع ببطء إلى يده الممدودة يطلب أن ترفق بقلبه وتأخذ هذا الرباط الذهبي...


لامست اناملها الدبلة ببعض الخجل حتى أخذتها بنظرة متفحصة وهي بين الحيرة والتراجع وبين اللهفة لارتدائها وضم أصبعها بها مجدداً...


انتظرها حتى رأى الدبلة تزين أصبعها مجددًا ليبتسم بنظرة معانقة لعيناها التي تزينت بالخجل والابتسامة المترددة...


وقف معتدلًا...مستقيماً...وقال ببسمة صافية:-


_ مكنتش متخيل أني اعمل كده...بس أنا مبسوط


قالت جميلة بحياء من التطلع بعيناه :-


_ طلبت مني فرصة أخيرة واديتهالك ، بس لو حاولت تقربلي تاني ها...


قاطعها بابتسامة وقال برقة:-


_ انسي اللي فات ، انا عايز اعمل كل حاجة بتفرحك...وأولهم أني اتغير وابقى محترم...ابقى حد تقدري تثقي فيه وتحبيه وأنتي مطمنه ومش خايفة وقلقانة... 


_ طب ممكن نبعد عن هنا عشان الناس بتبص علينا


سار بجانبها مبتسماً بهدوء ، ينظر للأمام ويختلس النظرات الجانبية المبتسمة التي تربكها أكثر.....لم تهجر الابتسامة المشرقة ملامحه حتى ابتسمت هي!!


***********صل على النبي


**بأحد صالات الجيم **


دلف آسر بملامح واجمة وكأنه يريد الشجار مع احدهم...فكان ذلك انسب مكان يلقي بهذه الطاقة الهائلة من الغضب...


رحب به الجميع من بات يعرفونه من يوم مجيئه لهنا منذ سنوات....قال المدرب مرحبًا :-


_ بقالك فترة غايب !!


أجاب جاسر قبل أن يتوجه لدرج خزانته الخاصة للملابس بالمكان والذي يحتفظ بها بعدة اطقم خاصة بالتدريب :-


_ كنت مشغول شوية ومقدرتش احضر يا كابتن...


أشار له المدرب ليسرع حتى ذهب آسر وبدل ملابسه سريعاً ثم أتى ليبدأ ببعض التمارين السريعة لتمهيد جسده أولًا ثم خاض الخطوة الثانية وهو يبدأ تمرين الملاكمة...


وقف المدرب أمامه يتلقى الضربات والقاء التعليمات بتغطية الوجه والجسد أثناء رد الضربات من آسر....


*************صل على النبي الحبيب


عاد يوسف للمكتب بملامح مقتضبة مصدومة وزاد هذه السحب المعتمة التي اظلمت سعادته صدمة بعمه...كيف يخيرهم بين ميراثهم الشرعي وبين الزواج من هؤلاء الفتيات؟! ولماذا يأخذ منهنّ هذا الموقف العدائي ؟!


تركت حميدة كل شيء بيدها ونهضت من مقعدها وتوجهت اليه مستفسرة بقلق :- قالك ايه ؟


وقف يوسف أمامها ووقع بين حيرة أخبارها بما حدث أو عدم اخبارها...قال مستنكرا حتى يتهرب من الاجابة :-


_ في حد سأل عليا ؟


أومأت حميدة بالنفي ثم كررت سؤالها لينظر لها يوسف بنظرة عميقة بها ألم يحاول أن يُخفيه فأجاب :- مافيش حاجة يا حميدة....اطمني


تطلعت به حميدة بصمت للحظات وقالت بتأكيد :-


_ لأ في ، أنا بعرف من نظرة عنيك ، قولي في ايه يمكن اقدر اساعدك


ابتلع يوسف ريقه بضيق هائل ثم اخبرها بما قاله عمه فهي لابد أنها ستعرف بيوم ما ، قالت حميدة بتساؤل وقلق :-


_ وأنت قررت ايه ؟ احنا لسه فيها يا يوسف ، أنا ماكلمتش أبويا يعني تقدر ما...


قاطعها يوسف بحدة وعصبية :- أنتي بتقولي ايه ؟!!


انا لو خيروني بينك وبين كنوز الدنيا بحالها هختارك أنتي من غير لحظة تفكير...أنتي ما تعرفيش أنتي بالنسبالي ايه !! لكن اللي صادمني فيه قساوته !! عمي عمره ما كان قاسي كده !! مكنش بيدخل في اختيارتنا...


قالت حميدة ببعض الألم بنبرتها :-


_ يمكن عشان أهلي على اد حالهم


قال يوسف بقوة :- لأ برضو ، مش عمي وجيه اللي يفكر كده ، في شيء أنا مش فاهمه ورا رفضه ، في سبب بدليل أنه قالي هحتفظ بالسبب لنفسي...


ملأت الحيرة عين حميدة ليقل يوسف ناظرا لها بمحبة وصدق :-


_ أنا راضي أني اطلع السلم خطوة خطوة وانتي معايا ، هكون نفسي من أول وجديد ، هتتحمليني وتصبري وتفضلي جانبي ؟ انا هاجي اتقدم لوالدك النهاردة مش بصفتي يوسف الزيان...أنا ببدأ من الصفر


ابتسمت بينما فرت دمعة من عيناها وأجابت :-


_ كل خطوة هشاركك فيها يا يوسف ، مش هسيبك تمشي لوحدك أبدًا ، ده أنا صبرت عليك وأنت بعيد وكان بالي طويل ، يبقى يوم ما تقرب امشي !! انا هتكلم مع أبويا بصراحة لأني ما بحبش اخبي عليه حاجة...انا متأكدة أنه هيفهم موقفك


اطرفت عين يوسف بقلق :- خايف يرفض ، خصوصاً أنه اشترط على جاسر وجود عمي يوم كتب الكتاب..


قالت حميدة كي تطمأنه :- أنا ليا كلام تاني مع أبويا...سيبها على الله


أجاب يوسف بتنهيدة:- ونعم بالله


******** أستغفر الله العظيم


بالمساء......**بشقة الشباب**


نهض جاسر غاضبًا وهتف :-


_ يعني ايه اللي بتقوله ده يا يوسف ؟!! في شرع مين اتنازل عن ورثي لمجرد أن اللي هتجوزها مش عاجبه عمك ؟!!


قال رعد وهو ينظر لجاسر بنظرة ماكرة :-


_ هو مش أنت اصلًا مش ناوي تكمل ؟! زعلان ليه بقى ؟!


نظر جاسر بغضب لرعد وصاح به :-


_ تعرف ما تتكلمش خالص دلوقتي ؟!!!


ابتسم رعد بتسلية حتى اشتعل غيظ جاسر أكثر وبدأ يطوف بالمكان ذهابًا وايابًا مصيحاً :-


_ اللي بيحصل ده ما يتسكتش عليه ، احنا مش أطفال ونقدر ناخد ميراثنا غصب عنه هو مش مسؤول عننا !!


وقف يوسف بحدة وقال :- ايه يا جاسر هنرفع قضايا على بعض ولا ايه ؟! انسى الموضوع ده وشيله من دماغك نهائي


هتف جاسر بعنف :- أنا ما قولتش هرفع قضية عليه بس على الأقل لازم حد فينا يواجهه والاحسن كلنا نواجهه ونطلب حقنا...لو كنا وافقنا على موضوع الطرد سنة من الشركة والقصر فده مش معناه اننا هنوافق عن التنازل...انا مصدوم فيه !! عمري ما كنت اتخيل أنه يتحول ويبقى طماع كده !!


تنهد رعد تنهيدة طويلة وقال بغموض :- ده مش طمع ، انا متأكد عمي وجيه في شيء مخبيه ، شيء قوي مش عايزنا نعرفه ، لكن فكرة أنه طمع فينا فجأة كده مش داخلة دماغي ، احنا كنا بناخد اكتر من حقنا بكتير وعمره ما حاسبنا...فجأة كده هيطمع ؟!! صعبة !!


وافق يوسف وقال:- أنا فعلًا حسيت كده ، وعن نفسي قررت واخترت حميدة


بهذا الوقت فتح باب الشقة وظهر آسر وعلى ملامحه العبوس وهو ينظر ليوسف فقابله جاسر بغيظ :-


_ ما كنت تبات برا احسن ؟!! بقالي ٧ساعات برن عليك وأنت ولا معبرني !!


تجاهل آسر نظرات يوسف القلقه عليه وأجاب على جاسر بعدما دلف للداخل وأغلق الباب :-


_ كنت قاعد مع صحابي ، بقالي كتير ما شوفتهمش


هتف جاسر بعصبية:- ابقى رد بعد كده عشان لولا اللي احنا فيه كان زماني راميك من الشباك اصلًا


تساءل آسر بتعجب :- هو ايه اللي انتوا فيه ؟! ولا عايزين تفهموني أن كل حاجة وقفت لما انا مشيت !!


زم جاسر شفتيه بغيظ منه فقال لرعد :- قوله انت يا رعد عشان انا مش عايز اتهور


بدأ رعد يشرح لآسر ما قاله عمه وقراره المفاجئ ليصمت آسر للحظات من الصدمة حتى قال :-


_ مش معقول ؟!! في حاجة غلط !!


صاح جاسر وقال بانفعال :- كلنا شكين في كده ، احنا لازم نتكلم معاه ونفهم في ايه بالضبط ؟!!


نظر رعد لهاتفه وقال :- نتصل بيه نحدد ميعاد الأول ، يمكن لو روحنا فجأة يرفض يقابلنا


قال يوسف بضيق :- فاضل نص ساعة على ميعادي مع ابو حميدة ،هتيجوا معايا ولا انتوا كمان هاتسيبوني لوحدي ؟!


اكد جاسر :- ماتبقاش غبي يا يوسف ، طبعا هنيجي معاك كلنا وأن شاء الله نقرأ فاتحة النهاردة كمان بس نشوف موضوع عمك الأول


نظر يوسف بعبوس لآسر ، ليقل آسر له بعدما فهم من حديث جاسر سبب الزيارة:- وأنا هروح معاك يا يوسف ، زعلي منك شيء واني اسيبك في يوم زي ده شيء تاني


ابتسم يوسف ابتسامة مرحة كالأطفال وقال وهو يمضي اليه ضامماً :-


_ كنت عارف أني مش ههون عليك


لكمه آسر .. طبعاً يا غبي


اجرى رعد اتصال على هاتف عمه حتى أجاب وجيه بعد دقائق :- الو؟


قال رعد بمحاولة أن يتظاهر بالجدية والثبات:-


_ محتاجين نتكلم معاك شوية يا عمي ، بخصوص اللي قلته ليوسف النهاردة...لازم نفهم سبب قرارك...يمكن تقدر تقنعنا


ضيق وجيه عيناه بسخرية من اللعبة الساذجة التي يلعبها رعد بالحديث وقال :-


_ كل كلامي قلته ليوسف يا رعد ، ماعنديش كلام تاني اقوله...


قطب رعد حاجبيه بضيق وقال :- يعني رافض تقابلنا !!


أجاب وجيه :- لو المقابلة هتكون لأي نقاش تاني خارج الموضوع ده ماعنديش أي مانع ، لكن لو هتتكلموا فيه فأنا أسف...


أخذ جاسر من يد رعد الهاتف وقال بشيء من العصبية الي جاهد كي يلجمها وهو يتحدث مع عمه :-


_ احنا مش صغيرين يا عمي ونقدر نطالب بحقوقنا وده حقنا ، بتمنى ما توصلناش لطريق مسدود


اطرق وجيه على مكتبه بغضب وصاح :- تقصد ايه يعني ؟!! وبعدين خلي الكلام ده لحد تاني يا جاسر ، أنت مش بتاع جواز واكيد واخدها لعبة وتسلية وهترميها ، أنا عارفك ، وماتنساش أن كل شيء في ايدي وفي ثانية كل حاجة تبقى ملكي...أنا بعمل كده عشان احافظ على الأمانة اللي في رقبتي ومش هسيبكم لشوية بنات يمكن يكونوا متفقين عليكوا....ولا غاويين مقالب


قال ذلك بمرارة ظهرت بصوته فهتف جاسر بشدة :-


_ محدش متفق علينا يا عمي !! ، البنات دول ساعدونا ووقفوا جنبنا ومستنوش أي مقابل بما فيهم مرتبهم كمان !! ويمكن أنا بحاول اتغير واستقر... وبعدين انا مش فاهم مقالب ايه اللي بتتكلم عنها ؟!!


صمت وجيه دون إجابة ليأخذ آسر الهاتف وقال لعمه :-


_ البنات دي محترمة يا عمي مش زي ما أنت فاهم ، يمكن أنت فاكر كده عشان هما فقرا بس أنت عارف أني انا بالذات بحكم عقلي وصدقني هما مش زي ما أنت فاهم...


قال وجيه بتحدي :- اثبتولي


صمت آسر لبرهة ثم أجاب:- نثبتلك أزاي ؟!


وجيه بغموض :- انا طلبت الاثبات وانتوا عليكوا تأكدولي كلامكم ، اثبتولي انهم صادقين واثبتولي أن انتوا كمان صادقين وجادين...


انتهى الاتصال فقد أغلق وجيه الخط بملامح تهتف مرارة وغضب.....


نظر آسر للهاتف بحيرة واخبر الشباب بما قاله وجيه....


يوسف ببعض الأمل :-


_ شكنا في محله ، طالما طلب كده يبقى هو فاكر انهم طمعانيين فينا وكمان فاكر اننا واخدين الموضوع تسلية...مش عارف هقول لأبو حميدة ايه لو سألني على عمي ؟!


اجاب جاسر بتحذير:-


_ سيبني انا اتكلم ،هقوله اللي قولتهوله وانا بتقدم لجميلة ، بس أنا شايف أن البنات يعرفوا اللي بيحصل ، انا قلقان لعمك يوصلهم ويحاول يبعدهم عننا


رد رعد وقال :- ممكن فعلًا ، لازم يعرفوا كل حاجة بتحصل


يوسف بعجالة:- طب يلا جهزوا نفسكم ما فاضلش كتير...


********* لا إله الا الله


**بمنزل حميدة**


تشاركت الفتيات بعض الضحكات بينما سما كانت تبتسم فقط بعكس طبيعتها المرحة فقالت حميدة لها بحنان :-


_ بكرة يعتذرلك يا سمكة ما تزعليش


اخفضت سما رأسها واومأت متفهمة الأمر لتهتف رضوى بسعادة عند دخول للي الغرفة ومعها سقراط....قال سقراط بمرح :-


_ جبتلكم للي تاني ، انا بقيت مستشارها الرسمي


اتسعت ابتسامة للي وقالت :- لأ سقراط بقى رجع المدرسة وهيذاكر عشان يبقى مهندس اد الدنيا


ابتسمت جميلة لها بمحبة وقالت :- أنتي جميلة اوي يا للي ، بتفرحي غيرك بمنتهى البساطة ، احنا بقالنا شهور مش قادرين عليه يرجع المدرسة تاني


قال سقراط بضحكة :-


_ وانا اسمع كلامكم انتوا ليه يا ولية منك ليها ، انما للي دي تأمر كده وانا انفذ...


انفجر الجميع من الضحك ثم أخذ سقراط حميدة لتقدم الشربات لعريسها بالخارج مع دوى الأصوات بالزغاريد من الفتيات فقد تم الاتفاق وقراءة الفاتحة ..


القت حميدة نظرة آخيرة بالمرآة وعاونتها للي في لمسات بسيطة وناعمة على وجهها ثم خرجت حميدة مع سقراط....


جلست سما بزاوية بالغرفة وشردت للبعيد....نظر الفتيات لبعضهنّ وتوجهوا لها ملتفين حولها بابتسامتهنّ....


قال للي بمشاكسة :- مش نبطل تكشيرة بقى ؟!


جميلة بابتسامة :- من كتر ما بتضحك التكشيرة بتبقى غريبة على وشها


رضوى بقوة :- ما جاش من ساعة ما مشي وماشوفناهوش تاني في المكتب ، شكله كان مضايق فعلا يا سمكة وطلع زهقه عليكي...


كان الفتيات على علم بأن سما اخبرت للي بكل شيء عن الأمر فقالت للي :-


_ لازم تعمل اللي قلتلها عليه ، تتقل بقى وتوريله الوش الخشب


اكدت جميلة فقد شردت بشيء :-


_ هو ليه لازم نتقل ونتعامل بجفاف عشان يفكروا فينا ؟!! ليه كل واحد ما يظهرش اللي جواه بصدق ؟!!


اجابت للي بتنهيدة مريرة :-


_ لأن مشكل الناس صادقين يا جميلة ، ساعات كتير القرب ما بيكونش بدافع الحب ، ممكن يبقى عِند ، غرور ، وساعات كمان بيكون انتقام وتصفية حسابات


ابتلعت للي غصة مريرة بحلقها من تذكرها بذلك الأربعيني المخادع...قالت سما بعبوس :- مش عارفة هتعامل كده أزاي ، بس هحاول


*********لا حول ولا قوة إلا بالله


بعدما تم الاتفاق والتهنئة....ترك سمعه ابنته تتحدث قليلا مع يوسف بمفردهما بعد قراءة الفاتحة...رحل الشباب وتركوا يوسف فقط...


ابتسم يوسف لحميدة التي كسا وجهها حمرة شديدة من الخجل وقال :-


_ الف مبروك يا حبيبتي


اتسعت ابتسامتها وهي تنظر للأسفل بحياء شديد ليضيف يوسف بمحبة :-


_ أبوكي كان متفهم جدًا معايا ، حتى الاتفاق مخدش وقت وكان ربنا ميسر الأمر الحمد لله...


قالت حميدة بابتسامة :- أنا حكيتله وفهمته كل حاجة ، اللي خلاه يوافق عليك ومرحب أنك اتنازلت عن ميراثك عشاني...


أجاب يوسف بمحبة ونظرة عاشقة :-


_ أنا ممكن اتنازل بكل شيء عشانك يا حميدة ، أنتي حته مني


قالت بتوتر وارتباك :- هتفضل واقفين كده ؟!


ابتسم بمكر بعدما لاحظ ارتباكها...أخرج علبة صغيرة من جيبه بها قلادة يمتزج بها صورته مع صورتها بقلب واحد ذهبي...قال :-


_ تعرفي الهدية دي انا مجهزها من زمان ، من أيام ما كنت في الشركة ، خدت صورتك من الملف بتاعك وطلعت عليها ، وخليت الجواهرجي يحط صورتنا في قلب واحد...كنت عارف أن اليوم ده هيجي


نظرت للقلادة بدموع...دموع سعادة....قالت بابتسامة جرت عليها الدموع :-


_ كنت خايفة لتكون حبتني لمجرد أني بقيت حلوة...


تبدلت نظرته للضيق وقال بقوة:- أنا عمري ما شوفتك وحشة يا حميدة بالعكس ، يمكن ما اكدبش عليكي اتفاجئت أنك احلى من توقعاتي كمان ، بس أنتي في عنيا الأجمل والأحلى دايمًا ، من زمان مش من النهاردة...


أخذت القلادة ونظرت لها بفرحة غمرت قلبها وقالت بمشاكسة:-


_ رجعت صورتي للملف ولا خدتها ؟!


اتسعت ابتسامته مجددًا وأجاب:- رجعتها ما تقلقيش ، وبعدين بقى تعالي ناكل الشكولاتة قبل ما تسيح ، هاكل معاكي ماليش دعوة


مط شفتيه كالأطفال لتكتم ضحكتها وجلست وهي ترتدي القلادة التي وكأنها عانقت قلبها.......


بعد مرور دقائق قد تردد يوسف في اخبارها ما اتفق عليه مع الشباب فرمقته حميدة وعلمت أنه يخبأ امراً ما ويبدو أنه هام لهذه الحيرة البادية على وجهه...قالت :- قولي اللي مخوفك كده يا يوسف؟


ابتلع يوسف قطعة الشيكولاته بفمه ببطء ثم شرح لها كل شيء.....


اوضح العبوس على ملامحها بمدى الضيق الذي ملأ قلبها اتجاه عمه فقال يوسف برفق :-


_ أي حد مكانه كان هيفكر كده يا حميدة ، أي أب بيبقى ليه حسابات تانية غير اللي ولاده حاسبينها ، احنا هنكمل طريقنا زي ما احنا وهو يقتنع مع الوقت...


قالت حميدة باستياء:- أنا اشتغلت اكتر من سنة ، المفروض أنه عارفني واتعامل معايا ، مش مصدقة أنه يفكر فيا بالطريقة دي !!


قال يوسف بأسف :- ماتزعليش ، انا دافعت عنك وهفضل ادافع عنك دايمًا ، في أي قرار عمي ممكن ياخده هيكون قراري قدامه أني متمسك بيكي...محدش هيقدر ياخدك مني


تسللت ابتسامة لشفتيها حتى ناولها قطعة شكولاتة وقال بمرح :-


_ ننسى بقى الموضوع ده شوية ونخلينا في فرحتنا


أخذت منه الشكولاتة وقضمتها بابتسامة مداعبة وقالت :-


_ نخلينا في فرحتنا احسن....


********* الله أكبر


اغلقت جميلة الهاتف بعدما تحدثت مع جاسر لبعض الوقت بأمر هام...قالت بوجوم :- عم جاسر رافض جوازنا


انتبه الفتيات لها بنظرات بين الذهول والصدمة لتهتف سما بعصبية :- ليه بقى أن شاء الله ؟!


اجابت جميلة بتيهه :- جاسر قالي أن عمه وجيه فاكر أننا متفقين عليهم وبتوع مقالب ، جاسر قالي كده


صاحت رضوى بغضب :- متفقين ومقالب ؟! مجنون ده ولا ايـــه ؟!!


انتبهت للي للاسم جيدًا بجمود، توقفت عنده فقط...نظرت لجميلة باستفسار وتساءلت :- هو عمه اسمه وجيه ؟ اسمه وجيه ايه؟


اجاب الثلاث فتيات مع بعضهنّ :- وجيه الزيان...


اتسع بؤبؤ عين للي وهي تثب من مقعدها بنفضة مرتعدة ،لهثت انفاسها من الصدمة بل وشحب وجهها فجأة....نظر الفتيات لها بقلق والتفوا حولها بتوتر متسائلين عن سبب حالة الذعر التي اتقدت بعيناها فجأة....


قالت جميلة :- مالك يا للي ؟!


نظرت للي بتيهه والتي باتت على وشك البكاء..هزت رأسها قليلا واجابت :- لا ابدًا ، مافيش حاجة ،حسيت فجأة بتعب و


قالت سما بخوف :- طب نجيبلك دكتور نطمن عليكي


رفضت للي قائلة وهي ترتجف :- لا لا مافيش داعي ، أنا هرجع البيت ارتاح ، هجيلكم بكرة بأذن الله


لم تستمع لحديث الفتيات بل وكأنها تهرب من أمامهنّ حتى كادت أن تفتح باب الغرفة لتجد حميدة وقد اتت ويرتسم على ملامحها السعادة رغم أن عيناها بها شيء من القلق....


دلفت حميدة اليهنّ بابتسامة واضحة حتى هربت ابتسامتها من رؤية الضيق بملامحهنّ فتساءلت:- في ايه مالكوا ؟!


اخبرتها سما بما حدث لتقل حميدة بعبوس:- يوسف قالي بس ما رضيتش اقولكم غير لما نشوف اخرتها...


تساءلت للي بشحوب وتكاد تسقطت من فرط وهن قدميها الخائرة:-


_ طب ووصلتوا لحل ؟


هزت حميدة رأسها بنفي وأجابت:-


_ الشباب زعلانين ، يوسف وجاسر مصممين عليا انا وجميلة لكن موقف عمهم غريب !! ده فاكرنا متفقين عليهم !! وكمان جاب سيرة مقالب انا لحد دلوقتي معرفش يقصد ايه؟!!


التمعت دمعة بعين للي...الأكيد انه علم بقربها للفتيات وسرعان ما صعد ظنونه بهما.....هي خلف ما يدور الآن...لشد ما كرهت نفسها بهذه اللحظة...استأذنت لتنصرف فاعترضت حميدة ولكن وافقت مع إصرار للي


*****سبحان الله العظيم


جلست للي بسيارتها وهي تبكي بشدة...ارتمى رأسها على المقود وهي ترتجف من البكاء وقالت:-


_ اكيد شافني مع البنات وافتكر أني متفقة معاهم عشان انتقم منه بعد اللي عمله...أنا السبب في اللي بيحصلهم ده...


طرق سقراط على زجاج سيارتها بنظرة قلقة وقال:-


_ مين زعلك وخلاكي تعيطي كده ؟!!! قوليلي وميهمكيش حاجة


ابتسمت للي بتظاهر وهي تمسح دموعها وقالت :-


_ لا مافيش حد زعلني ، أنا بس لما ببقى تعبانة بعيط


قال سقراط بضيق:- الف سلامة عليكي يا للي ، تعالي معايا في دكتور قريب من هنا ، هو اسنان بس يقضي الغرض


ابتسمت للي ابتسامة أخرى ليقل سقراط بضحكة:- ايوة كده اضحكي


اشارت لها مودعة وقالت :-


_ طب أنا هرجع البيت ،تصبح على خير


تحركت سيارتها منطلقة بالطريق.......


********* سبحان الله وبحمده


دلف الاسطى سمعه لغرفة الفتيات وبارك لأبنته بمحبة قائلا :-


_ الف مبروك يابنتي ، أنا سمعت كلامك ومارضيتش أزعلك وارفض ،وكمان عشان الواد ده شاريكي وانا حسيتها في عنيه ، بس موضوع عمه ده مقلقني...


اجابت حميدة بلطف:- عمه قلقان وده طبيعي ،هو بدأ يغير موقفه وعايز يتأكد اننا فعلا مش طمعانين فيه ، على فكرة عمهم ده كويس جدًا ومشهودله بالاحترام من الكل بس مش عارفة هو فكر كده ليه!!


تدخلت جميلة بالحديث لتطمأنه:-


_ ما تقلقش يا عمي سمعه ، كل شيء هيبقى كويس أن شاء الله


ربت سمعه على كتف ابنته وقال بابتسامة:-


_ خلاص ، على خيرة الله ، ماتنسيش تروحي لستك عشان انتي عارفة دي بتاخد العلاج وتنام طول اليوم من التعب...


هزت حميدة رأسها بالإيجاب ثم خرج والدها من الغرفة...


قالت بعد ذلك :- مايهمنيش عمهم يديلهم حقهم في الورث ولا لأ ،المهم عندي انهم اختارونا احنا...طالما كده يبقى لازم نطمن


******الحمد لله


في الصباح الباكر.....بشركة آل الزيان....


بعدما دلف وجيه لمكتبه بعدة دقائق ظهرت سكرتيرته لتخبره بشيء وقالت برسمية:-


_ في واحدة عايزة تقابل حضرتك برا


رفع وجيه نظرته للسكرتيرة وتساءل :- واحدة؟ مين ؟!!


أجابت السكرتيرة مباشرة:- قالتلي أن اسمها ليان يوسف


ضيق وجيه نظرته بمكر وكانت نظرة انتصار كاسحة ، ولكنه كان يظن أن قدومها إلى هنا سيتطلب أكثر من ذلك من وقت....


💖💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖💖


 - الفصل الرابع والعشرون


 ظل لوهلة شارداً بالفراغ أمامـه...نظرته منتصرة...خطة محكمة....وفخا سقطت به....


كان دائمًا ماهر في القاء حجر النرد على جسد اللعبة ويتركها غارقة بالفكر.... لا تفكر في ربح الجولة مثلما تريد مجابهة هذا الغرور والتحدي الشرس المتلمع بعينيه الحادة....


انتظرت السكرتيرة اجابة وجيه حتى قال بهدوء غامض:-


« دخليها بعد ربع ساعة »


رفعت السكرتيرة حاجبها باستغراب...إذ كان لا يرفض مقابلتها فلماذا يأخرها وهو الذي يُعرف عنه شدة احترامه لوقته وللآخرين أيضاً...


خرجت السكرتيرة من مكتبه دون نقاش فعملها يقتصر على الموافقة فقط وليس ابداء الرأي....


****


جلست "للي" على مقعد بسيماء وجه غاضبة وكان مقعدها يواجه مكتب السكرتيرة بعدما أخبرتها بالانتظار...وشيء بداخلها يحمد تلك الدقائق التي ستجعلها تستجمع قوتها حتى تستطع مواجهته....


وشيء ثائر من الألم ضائق لتأجيل مقابلته فيبدو أنه لا يتلهف لرؤيتها مثلما تشعر هي وحتى لو انكرت ذلك....


بينما وجيه لم يظل قلبه على هدوئه منذ أن علم بوجودها هنا....بمملكته!!


هذه الدقائق ليست فقط كي يشعرها بأقلتيها بينما ليحاول بث قلبه بالكراهية بدلا من العشق كي يستطع تحديها والانتقام منها....


اغمض عينيه بقوة وصرخ صوت الكبرياء بقلبه واعترض على تمايل القلب على نغم اوتار العشق والشوق إليها....


مرت الدقائق.... أشارت السكرتيرة ل "للي" كي تدخل لموعدها مع مالك الشركة.....


استاءت للي من نفسها، ولمجيئها، ولقلبها الذي وكأنه يقفز فرحاً لرؤيته.....بللت شفتيها بأطراف لسانها بخفة ثم ابتلعت ريقها بتوتر حاد وهي تمضي باتجاه المكتب...بدت الخطوات سريعة وبطيئة!! وبدا وجودها هنا ك ضرب من الجنون....


ترددت وهي تلمس مقبض الباب مائة مرة قبل أن تفتح وتلقي مصيرها بين يد هذا الرجل القاسي....


ضيق عيناه لدى دخولها وهو يقف أمام مكتبه طويلاً بهيبته المعتادة التي تشعل هالته بالسيطرة والتحكم.....


وكأن الأيام التي تمضي علي عمره تضع سحرها بعيناه...لم يكن اسوء من أن تراه يقف هكذا....عزمت أن تظهر له فيض من القسوة ولكن يعرف كيف يصوب ضربة ناجحة بكل دفعاتها...


وقفت للحظة تتطلع بعيناه بإرتباك هائل...أطرفت عينيه وغطت أهدابه القاتمة الطويلة ما يلتمع خلفهما وما تعكسانه من افكار خبيثة ماكرة....


ابتسم وجيه بسخرية وقال :-


_كنت عارف أنك هتجيلي قريب...فهمتي الرسالة بذكاء !!


توجهت للي إليه بشيء من الكبرياء قد استمدته من قساوته وسخريته اللاذعة...أجابت وحاولت أن تجابهه في السخرية :-


_ فهمت وجيتلك يا وجيه ، مش ده اللي أنت عايزه ؟!


اتممت جملتها وهي تقف أمامه متحدية بعينان اخفت فيهما أي الم ولو مؤقتاً....تهكمت نبرته وقال بحدة :-


_ لو اللي أنا عايزه مجرد وجودك فأنتي عارفة أنك بالنسبالي ولا شيء ، لكن لما تفكري تقربي لحد يخصني تبقي قضيتي على نفسك....ضعف وغباء منك لما تفكري تنتقمي مني تقومي تستخدمي ولاد اخواتي ، كان اشرفلك تتحديني وتحاربيني بدل الاساليب الرخيصة دي !!


صدمت من حديثه ومن التعابير الهازئة التي تملأ عيناه.....كيف له بكل ذلك الجبروت الذي يتحدث به ؟! وكأنها ألد اعدائه !!


أجابت بعصبية وصوتٍ عالِ :-


_ الأساليب الرخيصة مش أنا اللي بستخدمها...فكر مين اللي استخدم اسلوب رخيص ورخص نفسه معاه...


اقترب لها بنظرات أعين مشتعلة غضب وقال بتحذير:-


_ لعلمك...أنا عندي اساليب تانية كتير تخليكي ما تناميش الليل ، لو ناوية تكملي في اللعبة الغبية بتاعتك وتتحديني يبقى حكمتي على نفسك حكم أنتي مش اده...


هتفت للي بغضب :-


_ أنت ايه ؟!! ولعبة ايه اللي بتتكلم عنها ؟! أن كنت جيتلك النهاردة فعشان فهمت من كلام البنات قصدك ولأنك عارف أن الكلام هيوصلني ، الكلام وصلني مش لأني متفقة معاهم ، لأني اتعرفت عليهم من ايام قليلة وحبيتهم واعتبرتهم أخواتي ، انا لسه عارفة أنك عم جاسر ويوسف امبارح بليل...


ضيق وجيه عيناه باستهزاء لتتابع للي بعصبية :-


_ عارفة أنك مش هتصدقني لكن هي دي الحقيقة ، لو كنت رافض جوازاتهم عشان يعرفوني فأنا هبعد عنهم للأبد ، ليه بتحملهم حاجة مالهمش ذنب فيها ؟!!


أجاب وجيه بقوة وهو ينظر لعيناها بغموض :-


عايز اوجعك...أنا مبسوط بالدموع المحبوسة اللي في عنيكي دي ، وأي شيء يوجعك هعمله....


جرت دمعة من عيناها بنيران قلب تتقد مع كل نظرة ساخرة محتقرة من عيناه....حتى قال بقسوة وشراسة:-


_ أنا بحتقرك يا للي ، يمكن مكرهتش في حياتي حد ادك...نظرتي ليكي مش اقل من نظرتي لأي عاهرة ممكن تعمل أي حاجة عشان توصل لهدفها...


لم تستطع لجم غضبها أكثر من ذلك فرفعت يدها لتصفعه حتى سبقها ولوى معصمها اسفل ظهرها ووجه على مقربة من وجهها ، قال بسخرية :-


_ لو فكرتي تعمليها تاني وترفعي ايدك يبقى حكمتي على نفسك حكم قاسي أوي مش هتقدري عليه...


التوت وهي تحاول الابتعاد عنه حتى نظر لعيناها القريبة منه وكم تمنى لو كانت زوجته الآن ليشفي شوقه المحموم إليها وقال بنظرة تلتمع بشيء مجهول :-


_ انا موافق اني اسلملهم ميراثهم حتى لو اتجوزوا البنات بس بشرط


ابتعدت للي وهي تبكي وتتفحص معصمها بألم...قال وجيه بغموض ولم ينتظر استفسارها :- تتجوزيني


كانت تنظر لمعصم يدها الذي كان بين يديه منذ لحظات وتبكي حتى وكأن الأرض دارت بها وتوقفت جميع حواسها عند هذه الكلمة.....رفعت رأسها ببطء وتكاثف الصدمة يغيم عيناها عن أي تعابير واضحة....وكأن الإجابة تأتي من عيناها...انتظر


تحركت نظرتها على عينيه بصدمة...تحاول أن تفهم أو تستوعب هذه الكلمة....عجباً أن أحياناً تأت الأحلام على بساط قاتم من الآلام...بساط جنائزي للسعادة..


اقترب إليها بثقة وببطء...متعمق بعيناها التي توقفت الدموع بمحجرها...لم تشعر كيف اقترب هكذا فقط تمنت أن تقترب عيناه لتبحث عن الصدق فيها...وكأنه أتى من حلم !! وقف أمامـها بنظرة ثابته بعيناها...لم تطرف عيناه ، لم تسخر ، لم تزدري صدمتها بل وكأن نظرته تتلهف للعناق المجنون...قال بنبرة وافقت نظرته غموض ودفء يسخر من هذه الحرب بينهما :- وافقي


توقف عقلها عن التفكير بينما قلبها له لاهثاً !!


اتقف وتجيب ؟ أم تركض اليه بموافقة ؟ أم تهرب من هنا بلا رجعة وتبتعد عن الجميع ؟ وللعجب كان اقلهما الم هو خيار الموافقة!!


كيف للحب أن يجعل القلب يفضل القرب بألم عن الفراق عنه ؟!!


يبدو أن لا شيء يضاهي الفراق ألم...ولكن الحقيقة أنه يريد ذلك للأنتقام...وهذا الماً على الم


خرجت الكلمة من شفتيها بصعوبة وقالت ببطء وعيناها ممتلئة بالدموع :-


_للدرجادي مصمم تنتقم مني ؟! مش مكفيك اللي عملته في فرنسا ؟! وبتأمرني أوافق ؟!! طب ارحمني وسيبني افكر حتى !!


تحرك عصب فكيه من الغضب ، ليتها ما ذكرت تلك الرحلة الآن ، رمقها بنظرة صارمة تهكمية :-


_ اللعبة دي لعبتك في الاساس ما تنسيش ، كنتي حابة تنهيها زي ما أنتي عايزة لكن انتهت زي ما أنا عايز ، أو يمكن القدر ساعدني أني اكشفك على حقيقتك من قبل الحكاية ما تبدأ


طفرت عينيها الدموع وهتفت بدفاع عن نفسها :-


_ يعني كنت بتنتقم مني !! أنا مكنتش مصدقة لحد دلوقتي أنك عندك قدرة الاقناع في الكدب بالشكل ده ، كداب بدرجة امتياز ، للأسف صدقتك


سخر منها وقال :-


_ من بعض ما عندكم ، وماتستهلكيش دموع كتير لأني مابثقش فيكي ، سبيها للي جاي...هتحتاجيها بعدين


ابتلعت ريقها بمرارة وهي تنظر له بعتاب وخذلان وقلب تحطم الى أشلاء ثم اجابت بعزة نفس:-


_ أي دفاع عن نفسي هتعتبره يأما كدب أو ضعف ، أنا مش حابة اببرلك حاجة ،تعرف اللي بتمناه دلوقتي ايه ؟


امشي من هنا لأبعد مكان عنك ، لناس مستحيل تكون تعرفهم ، لمكان ماتعرفش توصله....


احترقت عيناه بلهيب متقد من الغضب وهتف بعنف :-


_ مش هتعرفي...أنتي لو في آخر الدنيا هعرف أوصلك ، وبعدين خليكي فاكرة أني قدرت اجيبك لحد عندي هنا ، من غير أي مجهود ، كنت عارف أنك هتيجي وهتدافعي عن نفسك ، هتكدبي وتقولي بريئة ، هتخلقي مليون عذر لتصرفاتك واللي عملتيه ، هتنكري أنك ما اتفقتيش مع البنات على ولاد اخواتي ، كل ده كنت حاسبه وعارف أنه هيحصل...على فكرة أنتي مقدامكيش اختيارات لأن الشرط ده مش هيبقى العقبة الوحيدة ، طالما حطيتك في دماغي مش هسيبك...حاسس أنك خايفة توافقي !


احتدت نظرتها بغضب وهتفت به :-


_ أنت قلت كل الحقيقة واعترفت بنفسك أنك مش هتصدقها ، لكن أنا مايهمنيش تصدق أو لأ ، طالما ده اللي هيخليك توافق على جواز البنات فأنا موافقة بس بشرط


قال بثبات :- ما تتشرطيش عليا !!


مسحت عيناها من الدموع وقالت بكبرياء :-


_ الجواز مايبقاش على طول


صمت للحظات بنظرات غامضة بها شيء من الشراسة لجملتها ، أجاب بصوت حاد :-


_انا اللي أقرر هسيبك أمتى...وبعدين كان لازم تفكري الأول في الشرط ده ، مش يمكن تحبي وجودك معايا ، انتي لازم تخافي على نفسك اكتر من كده...متسرعة !!


قال ذلك بنظرة ساخرة بها شيء من التسلية والثقة العالية بالنفس فتحدته قائلة بقوة:-


_ لو هحب وجودي معاك كان على الأقل بان عليا لحظة ارتياح لكن طبعا رد فعلي كان واضح ، بس الواضح اكتر هو تصميمك عليا ، ساعات كتير بسأل نفسي ايه السر اللي بيخلي أي حد يعرفني يصمم عليا بالشكل ده...يمكن أنت أول واحد أسألك...الاجابة اختياري لو...


قاطعها بخطوة مقتربة شرسة من الغضب والعنف الذي تأجج بعينيه فأبتعدت بظهرها بتوجس وندمت بعض الشيء عن ما قالته حتى التصقت بالحائط...واجهها بصوت عنيف وقال :-


_ أول واحد !! واضح أن في قبلي كتير ، بس ما تتغريش أوي كده في نفسك ، أن كنت مصمم فمصمم أني اكسرك وابعدك عن أي حد قريب مني ، أنتي اللي دخلتي برجلك حياتي وبدون اذني يبقى تستحملي نتيجة غلطك..


اطرفت عيناها بتوتر وبدت كالهرة المختبأة ، نظرة أنثوية بإغراء يسحق مقاومة أقوى الرجال...تابع بهمس ماكر:-


_ ماتثقيش في نفسك للدرجادي ، ممكن تلاقي نفسك فجأة بتحبيني وبتموتي فيا...ساعاتها هتحبي دموعك جانبي ولا أني اسيبك..


انتفض جسدها ورفعت عيناها اليه بصدمة ، كيف كشف افكارها وما تشعر به بهذه البساطة؟!!


بينما قال ما قاله نتيجة لشعوره هو نحوها فتابع بشيء من العذاب بعيناه :- ساعات كتير بنفضل العذاب عن الفراق


لم تستطع ونزفت عيناها دموع بغزارة فقالت بصوت متهدج:-


_ وجيه..أنت ليه مُصر تعذبني ؟!! عملت فيك ايه وصلك لكده؟!!


نظر لدموعها بشوق عنيف لضمها اليه وقال بضيق :-


_ عملتي فيا كتير أوي..لدرجة أني مقدرتش انساكي


نظرت اليه بعين باكية امتزج بها بعض الحيرة ليسترد ثباته بعد ثواني وابتعد عنها قائلا بصرامة :-


_ كده احنا اتفقنا ، كتب الكتاب الأسبوع الجاي ، حضري نفسك


اتسعت عينيها بذهول وكادت أن تقل شيء فقاطعها كي لا تجادل :-


_ معنديش وقت للكلام ، اللعبة دي الحاكم فيها أنا وبس ، وانا عند وعدي بالنسبة للأتفاق ، وزي ما وصلتلك رسالتي هيوصلك موافقتي على جوازهم...


وقفت دون حراك ، بجمود وارتخاء قدميها بوهن ، ولكنها لا بد أن تتحدث...مضت اليه بخطوات بطيئة وراقبها بقلق داخلي أن تضعف مقاومته تحت نظراتها الباكية...قالت للي بألم :-


_ وجيه أنا مش بكرهك...ومش عايزة اكرهك...ماتوصلنيش للمرحلة دي عشان لو وصلتلها عمرك ما هتشوفني تاني...لو عايز تكسرني وتوجعني فأطمن...أنا من قبل ما اشوفك وانا مكسورة وعمري ما شوفت راحة في حياتي...أن كنت خايفة أوافق فمش عشان خايفة منك...انا خايفة تقسى لحد ما ينتهي وجودك جوايا...سيبلي حاجة اقدر أعيش بيها


ابتلعت غصة مريرة بحلقها ثم تحركت بخطوات سريعة لخارج المكتب...


توترت عيناه...ثارت مشاعره بشوق جارف...ومقاومة لعينة منعته من اللحاق بها...ما قالته يعني أنها احبته ؟!! اتكن بارعة في الخداع لهذا الحد !! لا يجب أن يرضخ مرة أخرى لقلبه ويصدق شيء تمنى بكل قلبه ان يكن صحيحاً....تلك المخادعة تعتقد أنه سينتقم وهو سينتقم من الفراق بقربها...سيبنى على الأطلال جزيرة مزهرة تطل على قلبه بالأماني...وتجمعت بها كل الأماني...ليكن وصلها حلم بعيد...لم يعرف لم ابتسم بعشق...فقط أيام وبعدها ستقام قيامة ثورة عشقه...سيعلمها أن الحب هو الصدق فقط...وأن قلب هذا الأربعيني هو معاهدة السلام....ولكن مع كل هذا لا ينكر أنه قبل ذلك سيؤلمها قليلا...عتاب بين الأحباب


*********


جلست بسيارتها...ذهبت الدموع...وكأن الفجر أصبح على عتمة الألم...كانت تبكي أمامه..ولكن ارتباك عيناه عند رحيلها اخبرها أنه لا يبدو مثلما يقل !! ما يخفيه هذا الرجل ؟!


ظلت تنظر أمامها بتهيه...لابد أن تعترف أن الأمان بداخلها أضاء !! تعجبت لذلك !! فكيف يكن الأمان وهو الخائن ؟!


كيف نحب من يؤلمنا لهذا الحد ؟!! وكيف نقنع انفسنا والواقع يطارد أوهامنا الساذجة!! بعد أيام ستكن زوجته!!


أكثر الأحلام أتت على طبق من القسوة !! تفاجئت أن الابتسامة تسللت لشفتيها وهي تردد بخفوت :-


_ هكون مراته !! مش معقول !!


حركت سيارتها وللحظة تاه عنوان منزلها عن خاطرها..يبدو أنها لم تخرج من طور الصدمة للآن..


**********


انتهت جميلة من صلاة الضحى وبدأت تستعد للذهاب للعمل وتبعها الفتيات بعد أداء فرضهنّ....همست حميدة لها وقالت بمكر:-


_ عنيكي منورة يا جوجو ، أول مرة أحس أنك مبسوطة كده ، يارب ظني يطلع صح...


وقفت جميلة بابتسامة أمام المرآة وانتهت من ارتداء حجابها وأجابت :-


_ بصراحة يا حميدة مبسوطة ، علاقتي بجاسر بدأت تتصلح ، يمكن خايفة بس حاسة أنه عايز يتغير بجد


ربتت حميدة على كتفها وقالت بابتسامة :-


_ لو اتغير عشانك كملي معاه ، لو اتغير بجد ، لأن التغيير ده مش حاجة سهلة...ماتفتشيش في اللي فات المهم اللي جاي وهيكون ايه..


تنهدت جميلة ببعض القلق :- يمكن اللي فات ده هو سبب خوفي ، أنا مش عارفة هو كان بيعمل ايه بالضبط ،خايفة ليكون...


صمتت بضيق فقالت حميدة :-


_ المهم اللي جاي يا جميلة بس ما تسلميش قلبك غير لما تتأكدي أنه فعلا صادق واتغير بجد ، انا عذراكي في خوفك ، اذا كان أنا نفسي خايفة رغم أني متأكدة أن يوسف عمره ما عرف واحدة غيري...تعرفي احلى حاجة فيه ايه ؟ أنه حافظ على الجزء الطفولي في قلبه   


اتسعت ابتسامة جميلة بمرح وقالت :-


_ سيدي يا سيدي ده يومين كمان وهنبقى بنقول شعر !! والله انا ما عارفة أزاي يوسف ابن عم البلطجي جاسر


انفجر الأثنان بالضحك لتقل جميلة بسعادة:-


_ احلى حاجة اننا حابينهم زي ما هما ، انا بحب يوسف على حاله وانتي حبيتي جاسر رغم بلطجته دي..


تدخلت سما بالحديث وقالت :-


_ أنا نفسي أشوف عمهم ده عشان اهزائه !! قال طمعانين فيهم قال !!!


قالت حميدة بضحكة :- طب احمدي ربنا أنك ما شوفتيهوش ، تهزأي مين يا غلبانة ؟!! ده أنا بكل طولة لساني دي كنت بقف قدامه مابقدرش انطق ، اكبر حد في الشركة كان بيقف قدامه زي الكتكوت ، وعلى فكرة عمهم ده فظيع ، يمكن احلى منهم كمان ، العيلة دي تحسي انهم من سلالة الملوك كده


تذكرت سما آسر وقالت شاردة :- آه بحس بكده


أتت رضوى وهي تحمل حقيبتها وقالت بعجالة:- يلا بقى هنتأخر


******


**بالمكتب**


مثلما اتفقوا سابقاً أن يأت الشباب أولًا للعمل...دلف الفتيات للمكتب وتوجهت كل فتاة لعملها...جلست حميدة وبحثت عيناها على يوسف ولكنه لم يكن له وجود !!


مر الساعي أمامها وهو يحمل كوب قهوة ومشروب كوكتيل فسألته حميدة:-


_ ماشوفتش يوسف ياعم مرزوق ؟


أجاب الرجل بلطف :- لسه خارج من شوية يابنتي


توجه الرجل لمكتب آسر مباشرة.....


ابتسمت حميدة بمرح وقالت :- ياترى بيتعارك مع مين المرادي ؟!!


******


**بمكتب آسر**


ترقب وصولها منذ أن أتى ، ظن أنها لم تأتي اليوم ولكنه تفاجئ بدخولها منذ دقيقة ، جلست سما دون أن تلقي عليه تحية الصباح حتى....بدأت بالعمل مباشرةً


نظر لها نظرة مطولة ودقق في تجاهلها المتعمد ولاحظه...قال بحدة :-


_ مش أنا قلتلك ما تدخليش غير لما اسمحلك ؟!!


صمتت لدقيقة حتى هتف بغيظ مكررا حتى دق الباب فقال آسر بعصبية وعيناه عليها :- ااادخل


دخل الرجل العجوز ووضع أمام آسر فنجان القهوة ثم توجه لسما وكاد أن يضع كوب العصير الذي كان بأمر آسر سابقا فرفضت سما قائلة :- شكرا يا عم مرزوق تعبينك معانا ، بس مش عايزة عصير ، مابقتش أحبه


اشتعلت نظرة آسر بغيظ فقد فهم مقصدها الخفي ليسأل الرجل العجوز بعفوية :- تحبي اجيبلك حاجة تانية ؟


ابتسمت سما بداخلها قبل أن تقل شيء على علم أنه سيغضب آسر فقالت بخبث وقد تظاهرت بالبراءة :-


_ ياريت تجيبلي علبة مناديل ، بحب المناديل أوي ، ولا أقولك ما تتعبش نفسك ، باشمهندس أسعد جاي النهاردة وقالي هيجيبلي معاه...خد العصير ده معلش


ضيق عيناه بنظرة خطرة وهي تخرج شيء من حقيبتها...استنشقت سما منديل ورقي من تلك العلبة التي اعطاها لها أسعد سابقا ، اطالت في استنشاق المنديل عند قصد وتركت العلبة أمامها...ابتسمت سما وتظاهرت بالهيام والوله وهي تنظر للمنديل فأنتفض آسر واقفا بعنف وتوجه لها....ارتجفت وهي تشعر بخطواته المقتربة حتى أخذ علبة المناديل بعصبية وقذفها من النافذة بنظرات عنيفة....


هبت واقفة بغيظ رغم أنها أرادت أن تضحك بقوة وهتفت به :-


_ أنت بترمي مناديلي ليه ؟!!


قال بحدة:- مزاجي


لوت شفتيها بسخرية وأشارت للمنديل بيدها وقالت :- مش مهم ، معايا واحد ، على ما يجي باشمهندس أسعد ، مناديله بتمسح دموع عنيا


تحركت عروق رقبته بنظرة خطرة من الغضب المكبوت فأخذ علبة مناديل ورقية من على مكتبه ورماها على المقعد بجانبها وقال :- علبة بحالها معاكي ، ولا مش كفاية لبلاعة الدموع ؟!!


قالت بثبات وهدوء:-


_ انا مش فاضية للكلام ،ورايا شغل كتير


أخذت علبة المناديل التي رماها بها ووضعتها على مكتبه مجددا وقالت:-


_ خليهالك ، مش محتاجالها ، اصلها بتخنق النفس


رمته بجملتها الأخيرة عن قصد وبنبرة حادة وجلست متجاهلة وقوفه قربها...ظل ينظر لها بمزيج من الغضب منها ومن نفسه وشيء من التردد في الاعتذار....


خرجت زفرة حارة من صدره دليل على ثقل الهم على قلبه ثم قال بتحذير :- خليكي فاكرة تحذيري بالنسبة لأسعد ، اعتبريه تهديد


ضيقت عيناها بحيرة من أمره فوقفت أمامه وقالت بحدة :-


_ أنا مش فاهمة حاجة !! أنت بتهددني ليه ؟! وليه بيستفزك أني اتكلم مع باشمهندس أسعد ؟!! اظن ده شيء مايخصكش ؟!!


تحدث بصوت اجش وحاد :-


_ يخصني ، طول ما أنتي بتشتغلي هنا فأي تصرف محسوب عليكي وعلى اللي بتشتغلي معاه ، وماتثقيش في أسعد أوي كده ده عرف بنات بعدد شعر راسه..


هتفت سما بعصبية وتحكمت بدموعها حتى لا تفر أمامه :-


_ ما طلبتش منك تنصحني ، ولا أنا اللي تكلمني بالأسلوب ده !! ، ووفر نصايحك لحد يمكن محتاجها اكتر مني ، أنت ماشوفتنيش في موقف يخليك تقولي كده ولا أنا اللي بسمح لحد يوشوشني في ودني !!


قالت ذلك دون تفكير ولمحت لموقفه مع ندى ، ابتسم بتسلية وقال :- شكلك زعلانة من اللي شوفتيه مش زعلانة أني زعقتلك !!


سقطت دموعها رغما عنها وقالت له بصدق :-


_ أنا مش عايزة اشتغل معاك ، كفاية لحد كده


توجهت للباب فوقف أمامها معترضا طريقها حتى اصطدم رأسها بصدره ، تشبعت عيناه بلهفة فائقة لضمها أكثر ولكنها ابتعدت بقوة عنه...هتف بها بعصبية صادقة :-


_ أنتي عايزة ايه بالضبط ؟ اعتذرلك ؟! اوك...أنا أسف


اجابت بعصبية وهي تبكي :- ماطلبتش منك تعتذر ، لو سمحت سيبني أمشي من هنا


صاح بعنف :- اعتذرتلك عايزة ايه تاني ؟!! ارجعي مكانك


رفضت بقوة :- سيبني امشي مش عايزة ارجع انت مش هتجبرني ؟!!!


صاح بعصبية وانفعال :- لأ هجبرك وهتفضلي هنا جانبي مش هتبعدي...


نظرت له بصدمة حتى امتقع وجهه بذهول مما تفوه به دون قصد ، ظهرت على وجهه أمارات الصدمة والندم والغضب من نفسه..هرب من نظرتها المتفحصة حتى قالت سما وقد ولد بقلبها بعض الامل :-


_ افضل جانبك ؟!! أنت مش عايزني ابعد ؟!


ابتلع ريقه  بنظرة تتهرب من تحديقها بها  توجه الى الباب وخرج من المكتب تمامًا....مسحت سما عينيها بدهشة ثم تسللت ابتسامة مرحة على وجهها وقالت :-


_ يالهوي....ينفع ياخد قلبي ويمشي كده ؟!!


جففت دموعها بالمنديل الورقي بيدها حتى انفجرت من الضحك عندما تذكرت ما سببه هذا المنديل من شجار....


*******


**بمكتب جاسر**


رتبت جميلة بعض الأوراق تحت نظراته المختلسة لها ، كلما ضبطته ينظر لها كان يهرب بنظرته لجهة أخرى ...ابتسمت بخفاء حتى وقف جاسر وقال بصوت يقرب للتوسل :-


_ نفسي نخرج نتفسح مع بعض ،والله هبقى محترم والله والله


حاولت أن تكبت ضحكتها ولكنها لم تستطع فضحكت بصدق امامه...راقبها بابتسامة وقال :-


_ طب وبعدين يعني هتفضلي تضحكي كده ، قلبي خرج من صدري


قالت مبتسمة ابتسامة واسعة :-


_ ممكن نخرج بس يبقى معانا حد مش هنبقى لوحدنا


قال بابتسامة :- ماهو الشيطان هيبقى تالتنا


ضحك بصوتٍ عالي ثم قال :- أنا بهزر على فكرة...بصي ايه رأيك يوسف وحميدة يخرجوا معانا ، اهو بالمرة يتفسحوا هما كمان بدل الحضانة اللي عايشين فيها دي


قالت مبتسمة :- ماشي ، بس عم سمعه مش هيوافق غير بعد الخطوبة ، نستنى شوية ونخرج كلنا مع بعض ، انتوا الاربعة واحنا الاربعة


قال جاسر بغيظ :- ما نعزم عم مرزوق بالمرة !!


قالت ضاحكة :- لو مش عاجبك خلاص


قال معتذرا :- لاااااااا ، عاجبني ،اقسم بالله عاجبني


نظرت له بمرح وقالت :- طب يلا عشان نزور الموقع ونشوفه ، ورانا شغل يا استاذ


اجاب بابتسامة :- بعشق سيطرتك ، بس بالراحة على مشاعري وثباتي ، انا لسه في kg1 ادب...


قالت وتركت ابتسامتها تتسع :- عقبال الكلية


اجاب ولم يستطع أن يخفي مكره أكثر من ذلك :-


_ بعد كتب الكتاب هقطع كل الشهادات دي


هتفت جميلة بتحذير وتكشيرة :- هاااااا ؟!!!


رفع يديه باستسلام وقال بعبوس :- خلاص بقى ، مكنتش كلمة قولتها، انا اصلا ما اتربتش...قلب الأم بيسامح


ابتسمت رغما عنها وقالت :- طب يلا قدامي ، واتحكم بكلامك شوية ها عشان أنا بتنرفز بسرعة


قال جاسر بمكر :-


_ أنا عايز اسألك سؤال بيلح بعقلي ، هو أنتي هتفضلي كده بعد الجواز ولا ده بس عشان احنا مخطوبين ومش من حقي والكلام المتعب للنفسية بتاعت الأنا ده !!


قالت جميلة بصدق :- لأ طبعا ،في فرق يا جاسر بين الخطوبة والجواز ، الكلام والتصرفات اللي بمنعك عنها دلوقتي اكيد بعد الجواز احساسي بيها هيكون العكس ، أنا عارفة حدودي ومش بحب اعمل حاجة غلط..


زي ما عارفة اتعامل معاك أزاي دلوقتي عارفة برضو هتعامل معاك أزاي بعدين


قال بابتسامة واسعة :- انا حبيت بعدين أوي ، هقابل عم سمعه النهاردة وهتفق معاه أن بعدين ده يبقى بكرة...


هتفت بجدية :- يلا نشتغل بلاس استظراف عالصبح !!


اشار لها للباب بجدية وقال :- يلا ياباشا


خرجت حميدة من المكتب  رمقها بابتسامة ماكرة وتمتم :-


_ خبيثة أوي البت دي ، قال يعني مش هاممها بعدين !! ده أنا ببات احلم بيه بنت عالم جفاف العشق دي


إلي هنا ينتهي الفصل الرابع والعشرون من رواية إمبراطورية الرجال

رواية إمبراطورية الرجال 

 الفصل الخامس والعشرون/السادس والعشرون 


 مر الوقت وبدأ القلق يتصاعد بقلب حميدة....نهضت من مقعدها وذرعت المكان ذهابا واياباً وهي تفرك راحت يديها بتوتر....قالت بقلق :-


_ ياترى اتأخرت ليه يا يوسف...قلقتني عليك !!


تنهدت تنهيدة عميقة ولم تستطع التركيز بالعمل حتى يطمئن قلبها....مر آسر من أمامـها دون أن يُلقي نظرة عليها فرمقته بغيظ وانتظرت حتى دلف لمكتبه مرة أخرى وقالت :-


_ يا ساتر يارب على التكشيرة !! أنا مش عارفة البت سمكة عاجبها فيه ايه بتكشيرته دي !!


عادت لقلقها على يوسف مرة أخرى وهي تدعو له بالسلامة.....


********


**بمكتب آسر**


وقف لدقيقة بعدما أغلق الباب يتطلع بها بنظرة غامضة...


شعرت سما به فابتسمت بخفاء ولم تحب أن يشعر باهتمامها في نظرتها له...تظاهرت بأنغماسها بالعمل...لم ترميه حتى بنظرة جانبية...توجه آسر لمكتبه ببطء وكأنه يضمر شيء بخاطره...


لماذا كل هذا التفكير ؟!! لماذا يرفه عنه اغضابها ؟!! ماذا فعلت له ؟!!


اسئلة كثيرة طرحها العقل والقلب معاً...ذلك الضيق الذي قتم أي مرح بعينيها لم يكن سبيل للتظاهر فيه...كان صادقاً


قال آسر بنبرة هادئة تنم عن شيء مخطط سابقاً :-


_ فريق المهندسين جايين دلوقتي


ضيقت عينيها بدهشة !! كيف يفكر هذا الرجل وهي من اعتقدت أنه ربما يؤجل اجتماع اليوم !!


حاولت أن لا تظهر أي تأثر بصوتها وقالت بلا اكتراث :-


_ أيه المشكلة ؟!!


رجع آسر بظهره للخلف وتنهد بارتياح ونظرة متسلية :-


_ وقت الاجتماع مش هتكوني موجودة ، هتفضلي قاعدة برا المكتب لحد ما اخلص وبعدين هتتفضلي تدخلي تنوري المكتب تاني يا آنسة سما...ما غلطتش فيكي اهو عشان ما تقوليش بطردك


اجفلت من حديثه وتوجهت نظرتها له بحيرة...قالت :-


_ انا فاكرة مرة أنك قلت هتخليني اتعلم واكون موجودة في الاجتماعات عشان افهم كل شيء عن الشغل...كلامك اتغير !!


أخذ آسر قلمه الحبر وحركه بين انامله بتسلية ونظرة ماكرة...مرت ابتسامة خفيفة على شفتيه وقال بهدوء :-


_ لو حبيتي تعرفي حاجة تقدري تسأليني أنا ، وهجاوبك على أي سؤال حتى لو ماكنش ضمن شغلك...


توقفت نظرتها بحيرة وحاولت أن تفسر سبب هذا الموقف الغامض منه !! قالت بثبات :-


_ مافيش مشكلة طبعا...


قال آسر بسخرية:- وبالنسبة للمناديل هجيبلك احسن منها !!


ابتسمت بنظرة ساخرة من جملته واجابت بتحدي :-


_ لأ شكراً ، النوع اللي أنا عايزاه هعرف اجيبه حتى لو ملقيتهوش هنا


تأججت نظرة آسر بعنف ورمى القلم من يده وذهب اليها فنهضت من مقعدها...نهوضها كان خط دفاع لقوتها ولكنها تعترف سرا أنها ترتجف من التوتر....اتقدت عيناه بشراسة وهتف :-


_ مكنتش أعرف أن النوع ده عاجبك أوي للدرجة دي!!


أجابت سما بثبات :- مريح ولطيف


صاح آسر من بين اسنانه بعنف :- أنتي عايزة ايه بالضبط ؟! عايزاني اطرده ؟! دي مش صعبة عليا على فكرة


ضيقت عينيها عليه بحدة وقالت :- ده افتراء!! هو عملك ايه عشان تطرده؟!!


هتف بعصبية:- حاطط عينه على حاجة مش من حقه...


لم تفهم سما ما يقصده بشكل تام فقالت بغيظ:-


_ انا مابحبش الظلم ولو ده حصل أنا همشي كمان..


احترقت عيناه من الغضب وهتف :- اااه ، زعلانة عليه طبعا !! ، واظن هتتقابلوا برا مش كده ؟!


اتسعت عين سما بصدمة حتى أشارت له وقد ادمعت عيناها بعصبية :-


_ آخر مرة تكلمني بالشكل ده ، أنا عمري ما عملت كده مع حد ولا كلمت حد ، يمكن آه يتيمة وماليش حد يسألني بس محترمة وعارفة حدودي...وأنت مالكش أنك تتكلم معايا بالطريقة دي ومالكش عندي غير الشغل وبس....خليك فاكر كويس يا باشمهندس أني كنت بحترمك وبقدرك وكنت بعمل كل اللي اقدر عليه عشان ما اغلطش في أي حاجة بس بعد اسلوبك معايا بجد بقيت اكره الشغل وبقى تقيل على قلبي...


هرب بعيناه من دموعها التي انزلقت على خديها ثم قال بضيق :-


_ اسلوبي معاكي سببه أني خايف عليكي...


هزت رأيها وقالت بمرارة :- آه عارفة ، بأمارة الطريقة اللي كلمتني بيها قدام باشمهندسة ندى !!


تساءل بعصبية:- لما أنتي عزمتيها ماجاتش ليه وهو اللي جه ؟!


اجابت سما وهي تمسح عينيها :-


_ هي اعتذرت عشان والدها مريض وبتفضل جانبه اكتر الوقت..


تابع ذات العصبية :- يوم خطوبة جاسر كان واضح أنك مبسوطة بحضوره !!


هتفت به وهي تبكي وعادت دموعها اعنف من السابق :-


_ تصدق صح !!! ده حتى لما أنت اختفيت انا مشيت وسيبت الخطوبة وهو كان لسه موجود...


ندمت على قولها هذا فاغلقت عيناها وعنفت نفسها وجلست على مقعدها واجهشت بالبكاء....


تؤلم قلبه ببكائها ولكن ابتسم من قولها...اخفى ابتسامته وناولها منديلا ورقيا وقال :- بطلي عياط بقى


هزت رأسها بالرفض وهي تنظر للأسفل فقال بأعتذار:- أنا أسف


لاحظ من نظراتها أنها لم تقبل اعتذاره فكرر بابتسامة وهو يجثو أمامها :-


_ انا مش ببقى قاصد ازعلك...بس فعلا أنا مش عارف بيحصلي ايه !!


توقفت عن البكاء وتطلعت به بصمت...ما هذه الرقة التي يتحدث بها ؟!!


استقام آسر واعتدل في حديثه وقال بغموض :-


_ أنا عصبي...عارف...بس فعلا أنا خايف عليكي...من كل حاجة...واولهم أنا...


اجفلت عينيها من كلماته حتى تهربت نظرته منها وعاد جالسا أمام مكتبه وقال دون أن ينظر لها :-


_ نكمل شغل ولما الاجتماع يبتدي اعملي زي ما قولتلك


قالت بحيرة :- طب وهفهم أزاي الشغل المفروض اكون موجودة !!


تنهد وكأن هموم العالم على كتفيه وقال :- هفهمك أنا اللي محتاجة تعرفيه...


راقبها وهي تعود للعمل بعدما توقفت عن البكاء بينما ذهنه شاردا بعدة أشياء....كيف يخبرها أنه يعشقها ويغار عليها بجنون...كيف يخبرها أنه لم يتخلص بعد من عقدة الطفولة الذي تركها له والداه....احبها رغم كل شيء...رغم أنه تعهد قديما أن لا يحب....النساء تستطع التظاهر بالحب...تستطع النسيان...تستطع الخداع...هذا ما ورثه عن والديه...ارث قد تأثث عليه منذ سنوات...سيواجه صعوبة شديدة حتى يتخلص منه وهذا أن استطاع...


*********


استدارت حميدة لتعود لمكتبها بعدما تحركت كثيرا بالمكان والقلق قد شق هدوئها....صدمت بيوسف يقف بمدخل المكان ثابتاً بنظرة غامضة...توجهت اليه بقلق وقالت عاتبة:-


_ كنت فين واتأخرت كده ليه ؟!!


نظر لها للحظات بصمت...دون أن يتحدث...تطلعت به حميدة بقلق فصمته هذا مريب أكثر من غيابه فقالت :- مالك يا يوسف في ايه ؟!!


تعالت ملامح الحزن على ملامح يوسف وقال :-


_ حميدة...احنا لازم نسيب بعض...مش هينفع نكمل


اتسعت عينيها بصدمة وذهول...نظرت له وكأنها ترى شبح مخيف...كادت أن تسقط من شد ما شعرت بوهن قدميها...قالت ببطء وعلامات الصدمة تثور على ملامحها :-


_ نسيب بعض !! أنت بتقول ايه ؟!


رافق هذا دموع من عينيها...وكأنه غرس خنجر بقلبها...ابهذه السهولة يتخلى؟!! ظنته سيحارب...ولكنه انسحب من قبل المعركة


استندت يدها على الحائط خوفا أن تسقط حتى قال يوسف بضحكة:-


_ صدقتي !!! أول مرة اعمل فيكي مقلب...بقى أنتي تصدقي أني ابعد عن روحي...ده أنتي روحي ياحميدو


اجهشت بالبكاء وهي تنظر له بشراسة رغم أن قلبها وكأنه ارتوى بعد الظمأ....عادت لمكتبها غاضبة وباكية فلحقها بأعتذار وابتسامة:-


_ والله ما كنت اقصد ازعلك للدرجادي ده انا جاي فرحان ومبسوط بس جت معايا غباء ماتزعليش مني ، والله لو كنتي مراتي دلوقتي لكنت بوست راسك وايديكي عشان ترضي


أشارت له بتحذير وعصبية:-


_ ماتكلمنيش دلوقتي خااالص يا يوسف ، اقولك حاجة...ما تكلمنيش خالص لا دلوقتي ولا بعدين...


اطرفت عينيه بأسف وندم وبدا كالطفل وهو نادم :-


_ مقدرش ما اكلمكيش...والله ماكنت اقصد ، آخر مرة هعملها


أشارت له حميدة بعنف :- سيبني في حالي يا يوسف


جلست على مقعدها امام المكتب وبكت بقوة...اقترب منها واسند يداه على المكتب بقربها...مرر زهرة بجانب وجهها وعينيها الباكية وقال هامسا بنبرة حنونة:-


_ بموت فيكي وماتهونش عليا دموعك...


نظرت له بأعين باكية وقالت بعتاب :- واضح !! افرض انا اللي كنت عملت فيك المقلب البايخ ده كنت هتعمل ايه ؟!!


قال مبتسما بعشق :- قلبي كان هيقف فيها....لحظة غباء ومش هكررها تاني...مش عايزة تعرفي أنا كنت فين ؟!


هتفت بعصبية :- مش عايزة أعرف ، سيبني دلوقتي


قال بمكر :- عايزاني ابعد بجد ؟!


نظرت له بغيظ حتى اتسعت ابتسامته فقال بنبرة دافئة :-


_ أنا اللي امسح دموعك يا عمري مش انزلها...بمنتهى الصراحة...انا جيت زي كل يوم لقيت عمي اتصل بيا...روحتله الشركة....كنت خايف وقلقان ليكون حصل حاجة...قالي انه موافق على جوازي منك وجواز جاسر من جميلة وهيدينا ورثنا وارباحنا وكل شيء....الأجمل من كده يا حميدة أن عمي أخيرا هيتجوز...هو قالي كده...أنا شوفت الفرحة في عينيه رغم أنه بيحاول يداريها مش فاهم ليه !!


طلعت من عنده والله وانا بجري...اول واحدة فكرت فيها انتي ،حسيت أني عايز افرحك واجيبلك هدية ،دورت كتير لحد ما لقيت خاتم جميل أوي...جيبتهولك وجيت بس معلش اتغابيت


ضحك بعفوية وهو يختم حديثه فابتسمت له ودفعته بملف كبير قائلة:-


_ ماتعملش كده تاني ، اللي خلاني اصالحك هو موضوع عمك ، بس فجأة كده ؟!!! وياترى مين؟!! اللي أعرفه أنه رافض الجواز من زمان !!


أخرج يوسف علبة من جيبه وقال مبتسما وهو يفتحها :-


_ قالي أننا هنعرفها قريب ، أنا واثق في ذوقه وانه مش هيختار أي حد ،المهم أنه هيفرح انا فرحان عشانه أوي


رفع الخاتم امام عينيها وقال بسعادة:- يارب يعجبك


نظرت له بابتسامة وقالت دون أن تنظر للخاتم :-


_ أي حاجة منك أنت عارف انها بتعجبني ، حتى السندوتشات


ضحك بصوتٍ عالي ووضع الخاتم بعلبته مرة أخرى ووضعه امامها قائلا :-


_ مبروك عليكي ، البسيه بقى ووريهولي في ايديكي


قالت وهي تمسح عينيها :- خليه يوم الشبكة


أجاب بتسلية :- لأ افرحي بيه دلوقتي ويوم الشبكة هجيبلك هدية تانية ، هدية من نوع مختلف بس أنا واثق انها هتعجبك أوي


اخذته حميدة ووضعته بأصبعها وقالت بفرحة :- حلو اوي يا يوسف ، ذوقك يجنن


قال يوسف مبتسما لسعادتها :- ربنا يقرب البعيد ، انا بجد مابقتش عارف انام من التفكير ، بحلم ببيتنا وحياتنا مع بعض ، على فكرة أنا متعاون جدًا ومتواضع ،هساعدك في كل حاجة....


قالت حميدة مبتسمة بحياء :- اهم حاجة تبقى حنين وتتقي ربنا فيا


قال يوسف بخبث :- ده انا هبقى حنين حنية يا حميدوو


كتمت ابتسامتها ودفعته بملف الاوراق بحدة وهتفت :- روح شوف شغلك يا استاذ !!


ابتعد بنظرات متسلية وضحكة عالية :- هروح اقول لولاد عمامي


قالت حميدة :- جاسر راح الموقع مع جميلة...آسر ورعد بس اللي هنا


قال يوسف بملاحظة:- بمناسبة آسر.....هخليه يعتذرلك على اللي حصل بس لما أعرف ايه اللي مزعله وبعد كده هخليه يعتذرلك...


اجابت حميدة بلطف :- مافيش داعي يا يوسف انا نسيت اصلا ، المهم يعتذر لسما مش ليا


اومأ يوسف بالرفض:-


_ لا طبعا ، كرامتك من كرامتي وطالما زعلك لازم يصالحك


*******


**بمكتب رعد**


اغلق رعد هاتفه بعد مكالمة هاتفية أخذت منه أكثر من نصف ساعة...كانت تعمل بجهد فكان يرمقها بغيظ من جمودها وعدم ابداء اي نظرة منفعلة  لانه يتحدث مع فتاة وكانت "سمر" وتابعت سمر حديثها وقالت :-


_ للأسف يا رعد تعب نور اختي لغبط كل شيء ، الحفلة هتكون في الفيلا مش في قاعة عشان تقدر تحضرها...


قال رعد بأسف :- معلش يا سمر أن شاء الله تقوم بالسلامة ، بس هي عندها ايه ؟!


اجابت سمر بحيرة :- مش عارفة ايه اللي حصل ، بعد ما كلمتك امبارح ااكد عليك تيجي أنت وولاد عمامك وقولتلي على خطوبة يوسف وجاسر ، بقيت مبسوطة وعمالة اتنطط من الفرحة انت عارف انا بعزكم اد ايه...عرفتهم كلهم وفجأة سمعت صويت الدادة في اوضة نور ، وقعت فجأة !!


تنهد رعد بإستياء وقال :- ربنا يشفيها أن شاء الله ، على الفرح هتكون زي البمبم ما تقلقيش...


قالت سمر بتمني:- ياااارب ، انا عايزة اسافر وانا مطمنة عليها ، المهم اكد على الشباب انهم يعزموا خطيباتهم...وعقبالك أنت وآسر يارب


ابتسم رعد وهو يرمق رضوى بنظرة جانبية سريعة وقال :-


_ يااارب ويكون قريب أن شاء الله ونسافر اليونان بقى ، اوبااااا لو ده حصل


ضحكت سمر على حديثه حتى قال رعد عندما فتح يوسف باب المكتب :-


_ يوسف قدامي اهو عايزة تكلميه ؟


اجابت سمر بالموافقة  اعطى رعد ليوسف الهاتف وهمس له ليخبره عن المتحدثة....قال يوسف بابتسامة:-


_ عايزة ايه مني يابتاعت الكشرى؟!


انفجرت سمر من الضحك وقالت:- قلبك أسود اوي ، لسه مش ناسي طبق الكشري اللي خدته منك يا مفجوع


اتسعت ابتسامة يوسف واجاب بمرح :- كنت جعان وخدتيه بضمير مرتاح من قدامي ياللي معندكيش قلب...


ظلت سمر تضحك لدقيقتين ثم اخبرته عن موعد زفافها فقال بمباركة:- الف مبروك يا سمر ويارب تجيبي نونو شبهي


هتفت سمر باعتراض :- لاااااااا ، كفاية في العيلة يوسف واحد ، المهم ماتنساش تعزم خطيبتك على الفرح ، عايزة أشوفها قبل ما اسافر واحذرها منك


قال يوسف بسخرية:- تحذريها مني؟!! هو انا يتخاف مني ولا ايه ؟!!


قالت سمر بابتسامة صادقة :- بالعكس يا يوسف أنت اطيب حد أنا شوفته في حياتي ، كنت اقصد اوصيها عليك والله


قال يوسف بمحبة أخوية :- أنا عارف بس بهزر معاكي يا سيو ، هحاول اقنع والدها تيجي معايا ، هو بيخاف عليها أوي وبصراحة عنده حق...ده انا مش ابوها وبخاف عليها من الهوا


هتفت سمر بمكر وقالت :- هموت واشوفها بعد الكلام ده...


ابتسمت رضوى وهي تستمع لكلام يوسف فاغتاظ رعد وتمتم :-


_ كومدينو بيشتغل معايا !! قلبها ده بيضخ عرقسوس مش دم !!


انتهى يوسف من الاتصال وقال لرعد :-


_ آسر مستنينا في مكتب جاسر ،عايزكم في حاجة ضروري ،اتصلت بجاسركمان عشان يجي دلوقتي مش هستنى لبليل


قال رعد بقلق :- في ايه؟!


خرج يوسف من المكتب وأشار لرعد ليأتي خلفه وقال :-


_ هتعرف دلوقتي...


رمق رعد رضوى بنظرة متذمرة وقد عادت ببساطة للعمل وقال بغيظ :-


_ عايزك تحفظي الارقام حرف حرف عشان هسمعلك ، ابلعي الملف كمان وكمان ربنا يصبرني وماضربش دماغي في الحيط بسببك يا لمونة...


نظرت له بتعجب وقالت بهدوء :-


_ هتتأخر عليهم...روحلهم


قلدها رعد :- يوحولهم !! يا ام لدغة ونص لسان يالمونة


قصد استفزازها فرمقته بعصبية حتى خرج من المكتب وهو يصفق الباب خلفه بغضب....تسللت ابتسامتها حتى اصبحت ضحكة..


*************


.ذهبت للي لمنزلها...لم يكن ذهنها حاضرا بما يكفي حتى تعود للعمل....


ارتفع صوت جرس الهاتف...مدت ذراعها لمكان الطاولة القريبة منها وأخذت سماعة الهاتف الأرضي....اجابت :- الوا ؟


اتاها صوته الأجش بثبات وقال :- لينا مقابلة بكرة عشان نتفق على باقي التفاصيل...


صدمت من معرفته لرقم هاتفها وقالت بتلعثم :- أنت عرفت رقم تليفوني منين ؟!!


نم صوته عن بعض السخرية وقال :- انا عارف كل حاجة عنك يا للي


قالت للي بمرارة :-


_ صدقني أنت ماتعرفش أي حاجة ، ورغم كل اللي قلته بس أنا حاسة أنك مش هتقسى عليا


احتدت نبرته بعصبية وقال :- جبتي الثقة دي منين اذا كان أنا نفسي وعدتك بده ؟!!


اجابت بألم :- التجربة عرفتي اعرف افرق بين الفعل والكلام ، احساسي بيقولي أنك مكدبتش عليا ، وموافقتي عشان اثبتلك أني مكدبتش عليك أنا كمان...بس أنت مش عايز تسمعني ، أو بمعنى اصح رافض تصدقني


صمت وجيه بقلب تسرع خفقاته ويبدو أنه لن يستطع أن يقسو مثلما يتعهد......صوتها فقط أكثر من كافي ليميل قلبه عشقا....تابعت للي :-


_ مش هنكر أن كلامك في المكتب جرحني بس كان باين انك في لحظة غضب ، وجيه أنت مش كده ، مش قاسي ، انت مكدبتش عليا...قول أني صح ؟


ابتلع ريقه بقوة واغلق الهاتف....نظرت للي للهاتف وقد تزايد شكها فقالت :- ما جاوبش...أنا لازم اعرف الحقيقة واتأكد من احساسي ، قلبي لا يمكن يكدب عليا...


💖💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖💖


 الفصل السادس والعشرون


**بموقع العمل**


وقفت جميلة وهي تتطلع بجاسر الذي يقف بجانبها ويتحدث مع بعض العمال...مندمج في العمل كليًا وهو يشير بعدة اتجاهات هنا وهناك...تسللت ابتسامة إلى شفتيها....كيف استطاعت أن تروض هذا الدنجوان الوسيم حتى يسير على خطاها هي ؟!


بدا مسيطرا وهو يتحدث...وبدا وسيمًا بوسامة شرقية بحته رغم عيناه الزرقاء بزرقة قاتمة بعض الشيء...اخفضت بصرها سريعا بحياء وغضت عنه....ولكن فكرها لم يحيد...إلى أين شعورها سيقودها ؟!


انتبهت فجأة أن ما من أحد غيرهما بالمكان وقد رحل العمال بغمرة شرودها...رفعت نظرها اليه لتجد نظرة المكر بعيناه وانتشر المكر بابتسامته أيضا...قالت بتلعثم وحرج وقد وجهت نظرتها لجهة أخر بارتباك:-


_ بتبصلي كده ليه ؟!


صاحب ابتسامته بعض الدفء وقال بتصريح :-


_ اصل حاسس أنك زي العطشان اللي مكسوف يقول عايز أشرب ، مكسوفة تبيني أنك معجبة بيا ، حتى بداري نظراتك ليا ، احنا اتفقنا نتكلم بصراحة..


تنهدت جميلة تنهيدة طويلة ثم اجابت  


_ أنا قلتلك أني عارفة حدودي...نظرتي ليك مش زي ما أنت فاهمها


تساءل جاسر وهو يضع أحد يداه بجيوب بنطاله الجينز الأسود :- فهميني طيب


نظرت له واجابت بتوتر سرى بعينيها :-


_ اجابتي هتكون سؤال ليك...ليه أنا ؟! انا بنت عادية واكيد مش اجمل واحدة عرفتها لأني متأكدة أن بيهمك الجمال...ليه اخترتني أنا ؟!


نظر لها بنظرة شاردة وكأنه عاد للماضي سنوات....قال بألم نضج بعينيه:-


_ أنا واثق فيكي عشان كده هتكلم بصراحة....أبويا كان بيعرف ستات كتير ، كنت بشوفه معاهم....ما تستغربيش أن كل الستات اللي شوفتهم معاه كانوا أقل من أمي في الجمال ، أمي ما شوفتش حد اجمل منها ، الجمال مش كل حاجة....


الجمال بيغري في الراجل كل حاجة الا قلبه....بس مافيش واحد عايز يفضل كده ، أي انسان من جواه بيبقى نفسه يحب ويثق ويحس بالآمان...احنا بنحتاج نحس بالآمان اكتر منكم والله...


أضاف عندما رأى التردد بعينيها وقال :-


_ هي دي الحقيقة ، يمكن عرفت بنات كتير ، بس عمري ما كنت هختار واحدة منهم...


عبست ملامحها بضيق وغيرة متخفية فقالت :- ليه ؟!


ابتسم وقال بصدق :- لأن اللي بيدخل القلب بيبقى مقامه كبير في عنينا...نظرتنا ليه بتبقى مختلفة....وهتلاحظي أن الناس القريبة للقلب هما اللي بيخرجوا احلى ما فينا...زيك كده


امتزج مع ابتسامتها بعض الشك والقلق فقالت :-


_ عايزة اسألك سؤال بس...


قطعت حديثها بحرج فنظر اليها مضيقا عيناه وقد فهم سير فكرها...تابعت جميلة بتلعثم :- هو البنات اللي عرفتهم ، معرفتك بيهم وصلت لفين ؟


حمد نظرتها الخجولة التي جعلتها تتهرب لجهة أخرى ولم ترى توتره ...كيف يجيب ؟! ايقل لها أنه لطالما كان يرافق العاهرات ؟!


هل يخبرها الحقيقة ؟! وهل اذا أخبرها ستبقى أم ستتركه ؟!


ازدرد ريقه بتلعثم وأجاب كاذبا :- مجرد معرفة وكانت بتخلص بسرعة ، مش زي ما أنتي فاهمة...


نظرت الآن له بدقة ، لعينيه بالتحديد ، عيناه بها رجفة محيرة لم تستطع تفسيرها !! اهذا غضب من السؤال أم كذب مستتر ؟!


تابع كي يبعد ظنها :- ما وصلتش للدرجة اللي جت في عقلك ، وبعدين أنا في جميع الأحوال مكمل معاكي أنتي....


نظرت له بحيرة وقالت :- اصلها تفرق كتير ، العلاقات السطحية شيء وال...


انعقد حاجبيها بضيق ولم تجد كلمة مناسبة للتوضيح فتابعت :- وأنك تغلط شيء تاني ، تصرفاتك اوحتلي بكده


ابتسم بمرح رغم أن التوتر بداخله هائل وقال :- لأ انا منحرف في كلامي ونظراتي ودي طبيعة فيا ، وبحاول اكون محترم معاكي على ما الخطوبة ما تخلص...الخطوبة طولت أوي !!


ابتسمت وقالت :- خطوبة ايه اللي طولت احنا لسه مخطوبين من يومين ؟!


لم يستطح انكار الخبث بنظرته وقال بنبرة هامسة :- مستنيها تخلص بفارغ الصبر....


قالت جميلة بجدية :- تعالى نشوف بقية الادوار شكلك حبيت الكلام وهتنسى الشغل ...


ضيق جاسر عيناه بغيظ وتمتم بخفوت :- هو احنا هنفضل في قبلين كتير مش هنشوف بعدين بقى ولا ايه ؟!!! الله يمسيكي بالخير يا توتو أنتي وكيرا


كتم ضحكته وهو يسير بجانب جميلة فتساءلت بتعجب :-


_ بتضحك على ايه ؟!


اجاب بابتسامة:- بعدين هقولك


انفجر ضحكا وهو يرى نظرتها الغاضبة وقال :- هتمنعيني من التفكير كمان ؟!


مطت شفتيها بضيق فيبدو أنه سيظل يفكر هكذا لوقت طويل !!


**بأحد الطوابق العلوية **


تطلعت جميلة جيدا حولها فرأت موضع "الشكائر "التي رأتها من قبل يبدو واضحا اليوم وكأنها نقلت من وقت قريب...توجهت الى المكان وتركت جاسر يفحص التشطيبات بعناية....


دققت النظر لها جيدا لترى دوائر الأتربة التي تركتها الشكائر علامة لموضعها على الأرض...حتى رأت اعقاب كثيرة من السيجار ملقى بأحد الزوايا ومن بينهم " سيجارة " ذات شكل غريب وكأنها ملفوفة على انامل اليد!! جثت جميلة وأخذتها بنظرة متمعنة...انتبه جاسر لما تنظر اليه بين أصابعها وذهب اليها بتعجب...خطف منها السيجارة وقال بضحكة :-


_ شكلك صاحبة مزاج


قالت بحدة:- هنهزر؟! البتاعة دي شكلها غريب ومش شبه السجاير اللي بتتباع !! اكيد دي بتاعت حد من العمال


نظر جاسر حوله بنظرة ماكرة وابتسامة خبيثة على شفتيه وغمغم :-


_ اكيد بيجيبو حريم هنا ، الكلاب ما قالوليش


قالت جميلة مستفسرة:- بتقول ايه؟


اجاب جاسر ببساطة وابتسامة:- دي سيجارة حشيش يا روحي ، آه وربنا


اتسعت عين جميلة ذهول ثم هتفت بعنف :-


_ مش معقول ده يحصل هنا ؟! انا لازم اكلم رئيس العمال اللي هنا واهزقه


الق جاسر السيجارة من يده على الأرض وقال بحدة:- وانتي مالك ؟!


احنا هنا لينا شغلنا وبس مالناش دعوة بيشربوا ايه !! وبعدين انا هقول لرئيس العمال بطريقتي ما تتكلميش انتي خاااالص


ضربت جميلة الارض بقدميها وقالت :- بس الموقع ده مسؤول مننا !!


اجاب جاسر وبدأ ينفذ صبره من عنادها :- مسؤولين عن الشغل ، اما العمال نفسهم مش مسؤولين مننا ده شيء خاص برئيس الشغل ، اقل اجابة هيقولهالك أنتي ليكي عندي الشغل اللي طلباه وبس اما العمال انا المسؤول عنهم....العصبية مش ذكاء على فكرة


قالت بسخرية:- وأنت هتعمل ايه يا شمشون ؟!


قال جاسر بحدة:- هعمل اللي هعمله بس خليكي انتي بعيد ومالكيش دعوة بحاجة غير الشغل ولو شوفتك بتتكلمي انتي حرة...خلينا نخلص بقى يوسف مكلمني من ساعتها والمفروض كنت رجعت المكتب


************


**بالمكتب**


حدج الشباب في يوسف بذهول ليقل رعد بابتسامة تدرجت لشفتيه :-


_ عمي هيتجوز ؟! انت سمعت منه الكلام ده كويس ولا مافهمتش كعادتك ؟!!


اكد يوسف الأمر وهو يستند على حافة المكتب بظهره وقال :-


_ متأكد وابصم بالعشرة كمان ، لو عايزني اتصلك بيه دلوقتي اسمعك هتصل...


آسر بتعجب :- يا ترى ايه اللي يخليه يغير رأيه بعد ما كان رافض يتجوز تمامًا ؟!


قال يوسف بابتسامة :- اكيد حب ، أول مرة أشوف عنيه بتلمع كده وهو بيتكلم ، كان بيقولي الخبر وكأنه بيقولي أهم خبر في العالم...وفي نفس الوقت حسيت أنه بيداري فرحته !!!


رمق رعد آسر بنظرة مغتاظة وهتف :- بطل عقدك دي يا آسر وبعدين عمي وجيه مش كبير ومن حقه يفرح ، الناس كلها كانت مستغربة هو رافض الجواز ليه بس أنا كنت عارف


يوسف بتعجب :- عارف ايه ؟!


نهض رعد من مقعده ونظر اليهم بمرح قائلا بثقة :- كل واحد فيكم أنا عارف بيفكر أزاي بالضبط ، جاسر بيحب جميلة بس مش عايز يعترف لنفسه كبرياء بقى وكده والمصيبة انه عايز يقنع نفسه أنه بيضحك عليها ، وانت يا يوسف كنت دايما بتحب حميدة بس كنت خايف تقولها ولا حتى تبينلها أي حاجة وكنت بلاحظ نظراتك ليها وهي بتشتغل....اما آسر بقى


نهض آسر من مقعده وهتف بعصبية :- مالي بقى أن شاء الله ؟!


قال رعد بمكر :- لسه تايه ومتوها معاك ، خف على البت دي مش حملك وهتندم ندم عمرك لو خليتها تكرهك بغبائك ده


هتف آسر بغضب :- ايه الهبل اللي بتقوله ده ؟!


رعد بسخرية :- ماشي هبل بس اعتبرها نصيحة وفكر فيها ، عمي وجيه مكنش رافض الجواز يا اغبيا ، هو رافض يتجوز من غير حب ، انا متأكد أنه حب بدليل كلام يوسف عن فرحته وسعادته اللي بيحاول يداريهم....


يوسف بخبث:- طب وأنت بقى يا معلم ؟!


ابتسم رعد وهو يضيق عيناه متذكرا حبيبته وقال باعتراف :-


_ آه بحب رضوى مش كارثة يعني ، بس مش هقولها غير لما احس أنها بتفكر فيا وهتوافق ، هفضل وراها لحد ما تحبني


آسر بسخرية:- هو الحب بالعافية ؟!


رعد بثقة :- أنا مش غبي زيك يا آسر اضيع سعادتي بإيدي ، يمكن البنات دول مش احلى بنات قابلناهم ، يمكن كمان اقل بنات شوفناهم من حيث الشكل ، بس انا عن نفسي حابب وراضي ومرتاح ومصمم انها تكون شريكة حياتي ، الجمال انا شوفته قدامي مليون مرة بس عمري ما حبيت وجود واحدة في حياتي اد رضوى...ساعات بحس أنها من دمي !!


يوسف بابتسامة :- انت صح يا رعد ، انا فعلا بحب حميدة من زمان ، بس كنت خايف من حاجات كتير....لكن جاسر ماينفعش نسيبه كده !


رفض رعد وقال :- لأ ، هو اللي يختار ويقرر انه يعترف لنفسه قبل أي حد ، لو واجهته هينكر زي ما بيعمل على طول ، سيبه لحد ما يوصل لبر الآمان وساعتها هتشوف جاسر تاني خالص...


انفعلت نظرات آسر بغضب وقرر الذهاب قائلا :-


_ أنا ماشي ، انتوا شكلكم فاضيين وما وراكوش شغل ؟!!


قال رعد بقوة :- فكر في اللي قولتهولك يا آسر وما تخليش العند ياخدك لطريق مسدود....


وقف آسر بنظرة مقتضبة ثم فتح باب المكتب وخرج مغلقاً الباب خلفه...


*******


**بمكتب آسر**


دلف المكتب على ملامحه العابسة...حيرة تمتزج بمؤق العين...والم يطوف بالنظرات لا يبتعد عن حدقتيه...رمقته سما بنظرة سيريعة ولم تتعجب فهو يبدو هكذا في اغلب الأحيان.....


جلس على مقعده امام المكتب  ..تطلع اليها بغموض ونظرة عميقة...تساءل في نفسه....الى أي مدى يبدو ظاهراً عليه العشق ؟! ايكن بنظراته ؟ تصرفاته ؟ أم أن غضبه الزائد معها تحديدا أصبح مشكوك به ولفت الأنظار ؟!


ابتلعت سما ريقها بارتباك وهي تشعر بنظراته المسلطة عليها ، كأن الحديث كان يدور حولها !! اظهرت انشغالا زائد وهي تعمل على الحاسوب أمامها....


انتبهوا سويًا لقرع الباب حتى لم تنتهي دقيقة ودخل فريق العمل المكون من ندى واسعد وكريم....نظر آسر لسما عندما توجه اليها أسعد بابتسامته هذه الذي يكرهها آسر بشدة...نهضت سما من مقعدها واستأذنت بالأنصراف حتى اوقفها اسعد وقال بتهذيب ورقة :-


_ رايحة فين خليكي معانا ؟!!


توقفت سما صامته للحظات واختلست نظرة جانبية سريعة لوجه آسر الذي  أصبح موقد النيران...ابتسمت لنفسها سرا حتى كرر اسعد جملته :-


_ خليكي معانا يا سما


صر آسر على أسنانه بعنف لتقل سما بجدية :- آنسة سما بعد اذنك ، ورايا شغل تاني هروح اعمله...بعد اذنكم


أجفل اسعد من جديتها الزائدة وامتقع وجهه وهو يقف مكانه بلا حركة...


همت سما بالخروج وقبل أن تغلق الباب تقابلت نظرتها بالصدفة مع نظرة آسر الذي تبدلت واصبحت دافئة بابتسامة طافت على ثغره وهو يرمقها من مقعده.....


اغلقت الباب ببطء وعيناها بحرب عشقية مع عيناه البندقية الماكرة....


ابتسمت عندما اغلقت الباب حتى استندت على الحائط بالخارج وهي تتنهد....ثواني وكانت حميدة تقف امامها بضحكة واشارت لها :-


_ هااااااا ، مالك يابت يا سمكة ؟!


تمخطرت سما في خطواتها وقالت بمرح :- اطلبيلي اي حاجة ترطب نار قلبي يا حميدة....هاتيلي نوعناع


قالت حميدة بسخرية:- وايه تاني يا مصيبتنا ؟


جلست سما ووضعت قدما على قدم وقالت بتنهيدة:- بيغير عليا يالهوي ، القشطة على فراولة اللي جوه ده بغير عليا ، مكنش يوم قلبك يا سمكة


ضحكت حميدة وهي تجلس على مكتبها وتساءلت :- طب احكيلي حصل ايه يا مصيبة ؟


قالت سما بضحكة خافته وطفولية :- كل ما يشوف باشمهندس اسعد بيكلمني وشه يقلب زي الرغيف المتحمص بعد ما كان فينو طازة هههههه ،لما بيبقى رايق ما اقولكيش بقى.....شكله كان بيغيظني لما زعقلي...


قالت حميدة بقلق وعتاب :- بقى هو ده اللي اتفقنا عليه ؟! مش قلنا نتقل وما تعتبريهوش موجود وتعاملك معاه شغل وبس ؟!


قالت سما بتذمر :- ما هو اللي بيبتسم وبيخليني ابتسم ، بلاش ابتسم يعني ؟! اكشر في وش الراجل ؟! ده احلى مني هههههههههه


كتمت حميدة ضحكتها ثم قالت بصدق :-


_ لا مش احلى منك يا عبيطة بالعكس ، بس لازم تغيري الدلقة بتاعتك دي ، شوفتي لما تقلتي عليه شوية بقى أزاي ؟! وكمان خدي بالك من حاجة يا سمكة....لو حصل نصيب بينكوا مش عايزاه يجي في مرة ويقولك اصلك كنتي تتمني اكلمك ومدلوقة عليا ، خلي بالك واعملي حساب لبكرة...


نظرت لها سما بصمت وقد اخرجتها حميدة من احلامها السعيدة...


**********


كان جاسر بسيارته وفي طريقه للمكتب وجميلة تجلس بجواره...دندن مقطوعة وهو يصفر بفمه :-


_ قولي ايوة قولي ايوة ايوة قووول ، منك أنت تبقى حلوة قولي قووول...


نظرت جميلة للطريق واخفت ابتسامتها فتابع جاسر بمكر :- فيها ايه لو قولتهالي ، كلمة واحدة تطفي ناري


نظرت له بسخرية وقالت :- عندي صداع على فكرة


قال وهو يرمقها بخبث :- يعني صوتي وحش ؟! مخدتيش بالك من الكلام طيب ؟! مافيش أي اشارة وصلت للرادار المصدي اللي جوه قلبك ده يا روحي ؟!


أجابت :- لأ....


تنهد جاسر بغيظ ورفع سرعة السيارة لتحملق جميلة بدهشة وهي ترتجف من الخوف....


بعد مرور بعض الوقت.....وقفت السيارة أمام المبنى...خرج من السيارة وتقدم لوجهتها حتى يفتح الباب لها   فقال بضيق :- يلا ياختي


توجهت معه للداخل وهي تخفي ضحكتها  حتى دخلوا المصعد وضغط جاسر على اسنانه بضيق وقال لنفسه :-


_ أول مرة اتثبت مع واحدة التثبيته المنيلة دي ، دي لو توتو مكانها كانت قفلت الاسانسير بنفسها علينا...


قالت جميلة بلطف :- ما تفك التكشيرة دي بقى !!


نظر لها بضيق وقال :- انا بقيت بخاف اتكلم حتى ، ده مش اسلوب على فكرة ، طالما ما قربتلكيش خلاص لكن ايه المشكلة لما اخد راحتي في الكلام معاكي ؟!


فتح باب المصعد ولكنها اجابت :- مافيش مانع نتكلم طبعا بس الكلام في حدود ،انا لو سيبتك تتكلم براحتك يبقى كده هترجع زي الأول ، صدقني أنا مش عايزة اضايقك بالعكس ، بس كمان مش عايزة اتعدى حدودي


ضيق عيناه وقال :-


_ يابنتي انا هموت وتتعدي حدودك اصلا ، بس عموما كلها كام يوم ونتجوز


هتفت جميلة بصدمة :- نعم ؟! كااام يوم ؟!!!


طرق جاسر بحدة على الحائط وقال بعصبية :- كام شهر ارتحتي كده ؟! لازم تفكريني يعني ده ايه الغلاسة دي ؟!


لم تستطع تمالك نفسها من الضحك فنظر اليها بغيظ ثم  قال :- انتي جبتيلي اعاقة في مشاعري ، ببقى نفسي اضربك كف خماسي وخطوة خماسية تقريبية اليكي


قالت بتحذير :- وبعدين ؟!!


قال ببسمة ماكرة :- ايوة ايوة ماهو ده هيحصل في بعدين ، احنا لسه في قبلين


ضحك بمرح فتركته ودلفت للمكتب بابتسامة تخفيها...


******


وقف جاسر بمكتبه متأملا يوسف بدهشة انتابته ببادئ الأمر ثم ابتسم وقال بسعادة :- مش مصدق !! عمي وجيه هيتجوز ؟!


اكد يوسف على ذلك فقال جاسر ببسمة ماكرة :- اقطع دراعي لو ماكنش الموضوع فيه قصة حب ، بس انا فرحان والله...انا كنت صدقت أنه خلاص نسي الموضوع ده.....بس هي مين اللي خلت القيصر يغير رأيه ؟


اجاب يوسف :- مقالش ، بس هنعرفها قريب في كتب الكتاب ، اكيد كلنا هنحضر


اكد جاسر :- اكيد طبعا ، مش هنسيبه في يوم زي ده ، مهما كان اللي بينا بس احنا دم واحد ، وعندي فضول قاتل أشوف عروسته


ضحك رعد بمرح وقال :- كلنا عندنا ذات الفضول ، والخبر الكويس كمان أنه وافق يدينا ورثنا ووافق على جوازكم كمان


جاسر بضحكة :- لا دي شكل العروسة واكلة الجو من اولها....


يوسف بجدية :- كتب كتابه يوم الجمعة الجاية والنهاردة الاتنين !! وخلي بالكم أن فرح سمر بعديه بكام يوم...وكده هخلي خطوبتي مابين كتب كتاب عمي وجوازه وبين فرح سمر ....


قال جاسر بتفهم :- هتتحل ما تقلقش ،المهم دلوقتي اننا لازم نحتفل بالمناسبة السعيدة دي ، ايه رأيكم نخرج نتفسح مع البنات ؟


يوسف بحيرة :- ما اعتقدش أن ابو حميدة هيوافق وبينا بس قراية فاتحة ، خليها بعد الخطوبة احسن ونخرج كلنا مع بعض


*********


انتظرت جميلة بخارج المكتب عندما علمت باجتماع بين اولاد العم حتى اخبرتها حميدة بالخبر السعيد ،اتسعت ابتسامة جميلة بدهشة وقالت :-


_ معقول ؟! الموضوع اتحل بين يوم وليلة كده ؟!


قالت حميدة بارتياح :- الحمد لله ، انا ماكنش هاممني حاجة بس كنت حاسة أن يوسف زعلان وشايل الهم ، انا مستعدة أعيش معاه تحت أي ظروف..


وافقتها جميلة :- وجاسر برضو كان مضايق ومش مصدق أن عمه يعمل كده ، خبر كويس وممكن يصلح مابينهم كتير


كادت سما أن تجيب حتى انتبهت لخروج فريق المهندسين من مكتب آسر فنهضت قائلة للفتيات :-


_ خرجوا ، هروح انا بقى للمكتب تاني


كادت ان تلتفت حتى صدمت بأسعد ، ابتسم لها بنظرة غامضة وقال :-


_ طب والله افتقدتك النهاردة والاجتماع من غيرك حسيت ناقصه حاجة


ابتعدت سما بضيق من نظراته فنظرت حميدة له ببعض الضيق وقالت :-


_ في حاجة يا باشمهندس ؟!


أجاب اسعد وهو ينظر لسما :- لا ابدا بس استغربت أن آنسة سما ما حضرتش الاجتماع زي كل مرة


ظهر آسر بمدخل مكتبه ووجهه مكفهر من العصبية وهتف :- آنسة سمااا


نظرت سما اليه بتوتر فتابع بنظرة تتطاير غضب على اسعد :-


_ ورانا شغل مش فاضيين لوقفة مالهاش لازمة


نظر اسعد بقوة الى آسر وظهر بينهما تحدي وعصبية حتى قالت ندى لتهدأ الأجواء :- يلا يا اسعد لسه ورانا شغل تاني


جذبه كريم للخارج ولا زالت نظرة آسر معبأة بالغضب اتجاهه...


توجهت سما للمكتب ومرت من جانب آسر الذي انتظر دخولها واغلق الباب بغضب واضح....


نظرت حميدة لجميلة وقالت :- ده بيغير بجد ؟!


ظلتا ثواني حتى انفجر كلاهما بالضحك لتقل جميلة :- والله وعملتها سمكة...


قالت حميدة  :- بس خايفة عليها منه ، ده شكله طبعه صعب وعصبي وهي فرفوشة وهبلة


جميلة بابتسامة :- بيكملوا بعض يعني ، المهم انها تثبت شوية عن كده...


************


بالمساء.....بغرفة السطوح...


تنهدت جميلة بارتياح وهي ممددة على الفراش....هتفت سما وهي تأتي بالطعام المرتب على صينية وتجلس على الأرض بإرياحية:-


_ تعالي كلي يا جميلة ، كبدة أهو انما اااايه عسل


لكمتها حميدة بغيظ :- بلاش تقرفيني عالمسا جاتك القرف


قالت سما بتذمر :- وهو انتي عارفة مصدرها ايه مش يمكن كبدة تعلب ولا كبدة حمار !!


نهضت حميدة بانفعال وركلتها بقدميها :- بتعملي كده عشان تاكلي لوحدك يا مفجوعة ، اطفحي


تمسكت سما بقدم حميدة وهي تضحك بصوتٍ عالي وتقل :- لأ تعالي انا بهزر معاكي ، تعالي بس ما تاكليش كتير. ههههههه


ابتسمت حميدة رغما عنها وجلست مجددا ، وضعت سما قطعة خبز بفمها وقالت :- اااااه ،الواحد مش جايله نفس للأكل يا عيال ، الحب بيقفل المعدة


رضوى بخبث :- انا سامعة طراطيش كلام عليكي من حميدة ،الا هو قالك ايه بعد ما دخلتي المكتب بعد الاجتماع


قالت سما بحدة :- بس يا ام لدغة


قالت حميدة بضحكة :- لا بجد قالك ايه يا سمكة ، عايزة أعرف يا سوسة


ابتسمت سمكة لهنّ بمكر...تركت الطعام ووضعت يدها على وجهها وكأنها تختبئ واجابت :-


_ حلفلي ستين يمين لو شافني واقفة معاه تاني ليطرده وقبلها هيضربه ، القاسي الذي احبني ههههههههه


قهقه الفتيات من الضحك ثم ظلوا هكذا للحظات لينتبهوا لصوت للي بالخارج.....


نهضت جميلة لتفتح الباب حتى تنحنح سقراط فارتدى الفتيات حجابهنّ عدا حميدة....فتحت جميلة الباب لتجد للي وبجانبها سقراط الذي وكأنه فقد اعز ما لديه.....قالت بقلق :-


_ حصل ايه ؟ اتفضلي يا للي


نظرت للي لسقراط بابتسامة وقالت :- اصله زعلان أني هتجوز وهمشي من الحارة مش كده يا سقراط ؟


نظر لها سقراط بغيظ وقال :- اسكت واهدى وارضى يا قلبي بمر الكاس ،ماهي هتفضل تسرق منا اعز النااااس.......التوكتوك من النهاردة هيبقى عالم احزاني


هتفت حميدة من الداخل :- مالك يا طائر الليل الحزين أنت ؟! تعالي يا للي وقوليلي في ايه


اتسعت ابتسامة جميلة وهتفت بمباركة:- الف مبروك يا للي ، الف الف مبروووك


اجابتها للي بهدوء ثم قالت لسقراط :- هتفضل زعلان كده ؟ مش قلت أنك اخويا الصغير اللي هيبقى جانبي في فرحي ولا هتسيبني ؟!


هز سقراط رأسه رافضا وقال بضيق :- لا طبعا هقف جانبك ، اومال مين يعني اللي هيقف عريسك مثلا ؟!


ضحكت للي على تصرفات سقراط الطفولية بمراهقة صبيانية....قالت حميدة :- سيبنا دلوقتي ياض ، خلينا نقعد براحتنا


رمقها سقراط بغيظ وقال :- همشي يا مكنسة يارب الكبدة تقف في زورك...


ذهب وتركهنّ..جلست للي مع الفتيات بالغرفة واعلنت جميلة الخبر ليصيح الفتيات بقفزات سعيدة  للتهنئة والمصافحة....


قالت للي ببعض القلق من اخبارهنّ:- بس لازم تعرفوا الحكاية من الأول...


نظرت الفتيات لها بفضول حتى روت للي الأمر منذ البداية.....بداية اللقاء الأول....


حملقت الفتيات بها بينما سما ابتسمت بهيام كعادتها وقالت :-


_ حلوة حلوة القصة ، ده بيعشقك على فكرة ، وقف جواز ولاد اخواته مخصوصا عشان يضغط عليكي توافقي


جميلة بتعجب :- طب أنتي ليه ما قولتيلوش الحقيقة لما روحتيله ؟!


اجابت للي بضيق :-


_ ماسابليش فرصة ، وكلامه بيقول أنه مكانش هيصدقني ، ومش هعرف اثبت بسهولة لأن ده كله حصل في فرنسا وعشان يعرف حقيقة الموضوع ده من حد تاني هيبقى صعب ، وبصراحة لما عرض عليا الجواز مخي وقف عن التفكير مابقتش عارفة اتكلم اصلا....


رضوى :- هنخلي ولاد اخواته يساعدوكي ، هما اقرب حد ليه وبيصدقهم


رفضت للي الأمر تمامًا وقالت :- لأ ، الموضوع ماينفعش يتقال قدامهم اصلا ، ده هيسبب لوجيه احراج وانا مش عايزة احطه في الموقف ده ، انا حاسة أنه بريء وفي حاجات كتير بتأكد احساسي بس مافيش دليل


حميدة بصدق :- هو عنده حق يا للي ما تزعليش مني ، المقلب بتاعك من الأول هو اللي خلاه يفقد الثقة فيكي ، لما جه يثق فيكي تاني حصل اللي حصل ، بس هل ممكن يكدب ويقول أنه هو كمان عمل مقلب ؟!


ردت جميلة بتأكيد :- ممكن جدًا ، لو أنا مكانه هعمل كده ، اظن هو مكانش مرتب أنه هيقابل للي في فرنسا اصلا من البداية ، ده يدل أنه مكانش مرتب مقالب اصلا زي ما قال ، واللي يخلي طليقك يخطف بنت صاحبتك ويعمل ده كله ممكن كمان يكون ورا اللي بيحصل ده...


للي بتنهيدة:-


_ فكرت كده ، اغلب الظن أن وجيه مكانش بيكدب عليا بس مش عايز يعترف ومش عارفة اثبتله ، حتى لو سها كلمته بنفسها هيكدبها لأنها قالت عليا أني بمثل...


حميدة بعبوس :- هتتعبي يا للي على ما تخليه يصدقك ، انا أعرف أنه انسان محترم جدا واتعاملت معاه كتير في الشغل ، مش بتاع مقالب ولا الكلام ده ابدًا ،ده الكل بيشهد بأخلاقه ونزاهته ، لما طرد ولاد اخواته انا اتصدمت فيه بس لما يوسف حكالي الوضع كله بعد كده حسيت أن كان عنده حق....


ادمعت عين للي بألم وقالت :-


_ واحدة زيي عمرها ما شافت طعم الفرحة ولا الآمان في حياتها ، مالهاش حد يحميها ولا حد تجري عليه وهي خايفة ، هو الوحيد اللي حسيت معاه بكده ولسه حاسة بكده ، أنا راضية اتعب شوية بس متأكدة أني هكسبه في الأخر ، انا هتعب اوي من غيره ، هتعب لأني بحبه وعمري ما حبيت حد غيره ، وهتعب لأن طليقي اكيد هيرجع ومش هيسيبني في حالي ، ده مصمم يتجوزني غصب عني ، لو ده حصل عمري ما هعرف اطلق منه مهما حاولت ولو قدرت واطلقت ممكن يقتلني زي ما كان هيعمل قبل كده....


ربتت سما على يد للي بحنان وقالت بقوة :-


_ وافقي يا للي ، هيجي الوقت ويصدقك ما تتنازليش عن فرحتك وراحتك


اكدت رضوى :- سما عندها حق ، وافقي عليه هو هيقدر يحميكي


قالت حميدة بابتسامة حنونة:- هقولك وافقي بس مش عشان ده شرط موافقته علينا ، هقولك وافقي عشانك انتي ، أنا اعرفه كويس ، ويوسف حكالي عنه كتير ، كل حاجة بتأكد ظنك ، هو مكنش بيكدب عليكي


تسللت ابتسامة خفيفة لثغر للي وقالت للفتيات :-


_ وجودي معاكم كان رحمة من ربنا اتبعتتلي ، بتوصلني لطريق افتكرت أنه بعد بس لقيته بيقرب أكتر....أنا موافقة...


إلي هنا ينتهي الفصل السادس والعشرون من رواية إمبراطورية الرجال

رواية إمبراطورية الرجال 

 الفصل السابع والعشرون/الثامن والعشرون


 بذات المساء...وقف وجيه واضعاً أحد يديه في جيب بنطاله بثقة وهو يقف مستقيمًا أمام المسبح الخاص بحديقة القصر "قصر الزيان"


كانت ابتسامة تطل على شفتيه من وقت لآخر وهو شارداً....ثم سار بخطوات هادئة وبطيئة...يفكر


كأنه وفى بوعد لقلبه بوصالها...كأنه تعهد أن يجدها...ولكن ما يؤرق مضجعه ذلك الذي فعلته...الخداع !!


كأنه غض البصر عن الحقيقة ؟! وتغافل عن أنها كذبت والقت بمكرها حول عنقه كالأفعى...أخذ تنهيدة حارة من رئتيه بحيرة حتى أتى إليه خادمه العجوز وتساءل :-


_ اعملك حاجة تشربها يابني ؟!


وقف وجيه أمام الرجل وقال بلطف :- لأ....مش عايز أشرب حاجة


كاد الرجل أن ينصرف حتى قال وجيه بحيرة :-


_ استنى يا عم نعيم هسألك على حاجة


قال الرجل العجوز :- انا سامعك


أخذ وجيه تنهيدة أخرى وقال بشيء غامض يتمايل بعينيه:-


_ خلاص روح ، الوقت متأخر


رمق العجوز نظرة وجيه المترددة وقال :-


_ وانا موجود في أي وقت حبيت تسألني ،تصبح على خير


ترك العجوز وجيه يقف ناظرا لمياه المسبح وذهب.....


تنهد وجيه بحدة وقال :-


_ حتى لو الوردة اللي عايزها مليانة شوك ، هاخدها ليا ، عارف أنها هتوجعني بس بحبها ومحتاج وجودها جنبي ، يمكن في يوم تتخلى عن شوكها وتختارني !!


***********


باليوم التاليــــــ


لم تقم "للي" من الليل إلا لمامًا...كانت تتململ في نومها كثيرا بيقظة....على بُعد ايام من الآن ستكن أمرأة متزوجة ومن مَن ؟!


من الرجل الوحيد الذي تمنت أن تكن له زوجة!! الذي مكث بقلبها منذ رؤيته لأول مرة !! كيف لا وهو يحمل من الوسامة والهيبة ما حمله الأربع شباب أبناء اشقائه !!


قارنت بينه وبينهم للحظات في عقلها....كان الرابح وليس فقط لأنها تحبه ، بل لأنه اكثرهم وسامة بالفعل....له هيبة مسيطرة تفوق حدودها الطبيعية...تعترف أن أي امرأة ستكن سعيدة بمجرد الحديث معه فكيف بالاقتران به ؟! وكيف لو تحداها كي يقترب ؟!


ابتسمت بخفة وشعرت برجفة طافت بجسدها حتى ارتفع صوت الهاتف الخلوي...اعتدلت للي والتقطت سماعة الهاتف المثبت على المنضدة الخشبية بجانبها...قالت بصوت به شيء من الكسل :- الو ؟


انتبهت لتنهيدة التي تدل أنه يحاول التحكم بنبرته قبل البدء في الحديث...قال بصوت أجش :-


_ ما اتفقناش هنتقابل فين وامتى ؟!!


صمتت وهي تبتلع ريقها بتوتر وارتباك فتابع :-


_ يستحسن نتقابل برا الشركة ، هكون قدام بيتك الساعة ٦م


تساءلت بنبرة متلعثمة :- وليه مش هينفع في الشركه؟!


ادرك أنها خائفة منه...متوجسة ومترقبة من افكاره ، راقه ارتباكها فقال بنبرة اقرب للمكر منها للهدوء :-


_ متخافيش أوي كده !! أنا لما بخطي خطوة فبخطيها وهي من حقي ، احنا هنتكلم في شوية تفاصيل بخصوص الفرح


تفاجئت للي وقالت بصدمة:- أنت هتعمل فرح ؟!!!


ضيق عيناه بتسلية من خوفها وأجاب :- الأمر يرجعلك ، لو عايزة هيتعمل معنديش مشكلة ، انا عارف اللي ليا وعارف اللي عليا


قال جملته الأخيرة بتحدي ، وبقوة ، وبقصد شيء فهمته دون أن يعترف به....قالت وقد حاولت الثبات دون ارتباك :-


_ لما نتقابل هنتكلم في حاجات كتير ، لأن في حاجات أنت ما تعرفهاش


قال بحدة :- اتمنى أن تأليفك المرادي يكون مقنع عشان مش هصدقه بسهولة...


قالت بإستياء وسخرية :- كنت عارفة أنك هتقول كده !!


ختم المكالمة بجملته الأخيرة :- نتقابل في مطعم (...) ، هتلاقيني قدام بيتك الساعة ٦م


اغلق الخط وحمدت أنه فعل ذلك...التقطت أنفاسها اللاهثة وهي تضع سماعة الهاتف وتتنهد بضيق...يبدو أن مهما قالت لن يصدق !!


**********


استعدت الفتيات كعادتهنّ بصباح كل يوم باستثناء رضوى....قالت حميدة متساءلة :-


_ الا الواد مصيلحي مابقتش أشوفه خالص راح فين ؟!


مطت جميلة شفتيها بضيق وقالت :- افتكريلنا حاجة عدلة !!


ضحكت سما بصوتٍ عالِ وقالت :-


_ سمعت أنه سافر يشتغل في مطروح ، قال يعني سابلها الحارة كلها وكده


قالت حميدة وهي تغلق حقيبتها وتنهض :- كده احسن ، وجوده هيجر مشاكل وهو لسانه طويل مش بيسكت


قالت رضوى بوجه يبدو مرهق للغاية :-


_ انا حاسة اني تعبانة ومش قادرة أقف ، مش عارفة هروح الشغل أزاي؟!


توجهت حميدة إليها وحسست على وجنتها وجبينها ثم قالت :-


_ جسمك مش سخن ! ، يمكن شوية صداع بس


جلست رضوى وقالت :- هغيب النهاردة ، أنا مصدعة أوي وراسي تقيلة


قالت سما بقلق :- هجيبلك برشام الصداع اللي باخده من التلاجة ، غيبي النهاردة يا رضوى مش مهم الشغل


ذهبت سما لتحضره فقالت جميلة :- هتصل بيكي اطمن عليكي كل شوية


ربتت حميدة على كتف رضوى قائلة :- ما تعمليش حاجة لحد ما نيجي ، هبعتلك سقراط يجيبلك أكل جاهز


اتت سما ووضعت الأقراص بجانب رضوى وقالت :-


_ خلي بالك من نفسك لحد ما نرجع يابت يا رضوى


اومأت رضوى بالإيجاب حتى خرج الفتيات من غرفة السطوح ....


تمددت رضوى على الفراش وغطت في نوم عميق من الارهاق والمرض...


********


**بالمكتب**


دلف الفتيات للمكتب لتجد حميدة أن يوسف أخذ مقعدها وانهمك في تسجيل بعض البيانات على الحاسوب فتوجهت له بابتسامة بينما ذهب الفتاتان الآخران لمكاتبهنّ....


قالت حميدة بمشاكسة :- ده شغلي على فكرة !!


نظر لها يوسف بابتسامة واسعة وقال :- أنا تقريبًا خلصت ، قلت اريحك شوية واريح عنيكي من الكتابة على اللاب...


 نظر اليها قائلا بضحكة :-


_ اوعي تكوني فطرتي هزعل منك ، هنفطر مع بعض


اجابت لتغيظه :- فطرت


انكمش حاجبيه بتذمر وقال بتصميم :- مش مهم ، هتفطري تاني معايا ، ده انا خلصت الشغل مخصوص بدري عشان اخطف وقت اتكلم معاكي يا عمري شوية...


قالت حميدة بابتسامة رغم أن نبرتها محذرة :- انا قلتلك خلي كل الكلام لبعد كده ولا أنت مش عايز تسمعني ؟!


نظر اليها بنظرة سريعة ماكرة وقال :- لا طبعاً عايز اسمعك أوي ، ماشي هصبر بس ده مش معناه انك مش هتفطري معايا ده أنا بستناكي مخصوص عشان تفتحي نفسي...


قالت بمرح :- لو على الفطار سهلة


قال يوسف بابتسامة خبيثة :- نخلي كل الكلام لوقته ماشي ..


*********


كادت جميلة أن تنفجر ضحكا وهي ترى جاسر يضع رأسه بين يديه على المكتب ويغط في سُباتٍ عميق...قالت وهي تخبط على كتفه بخفة :-


_جـاسر ؟!!


اكثر ما اضحكها تلك الابتسامة البلهاء على محياه وكأنه يرى حلما يروقه...فتح جاسر عيناه ببطء وكسل عندما انتبه لهتافها ثم فرد ذراعيه بتثاؤب وقال مبتسما :- بتصحيني ليـــه بس !!


قالت بابتسامة ساخرة :- صح النوم أنت في الشغل يا استاذ مش جاي تنام ؟!!


تنهد جاسر بابتسامة شاردة كسولة وقال بمكر وهو يتطلع بها :-


_ كنتي سيبيني اكمل الحلم ده يا مزعجة ، أما حتت حلم


جلست جميلة واجابت :- معلش ، فوق كده عشان نبدأ شغل


نهض جاسر وهو يرمقها بنظرات ماكرة ، توجه اليها ووقف أمامها للحظات صامتًا حتى رفعت نظرها اليه متساءلة بتعجب :- واقف كده ليه ؟!


قال بابتسامة ماكرة وهو يعقد ساعديه امام صدره :-


_ يارب تكوني زي ما شوفتك في الحلم يا كوكو ، كنتي كيوت لدرجة الاستهبال ، حاجة كده شبه الايس كريم بالچلي وانا مش عايز اوضح بقى


رمقته بحدة وهتفت :- شكلك لسه ما فوقتش


قال مدافعا :- انا كنت بحلم ؟! هو حد مسؤول عن احلامه كمان ؟!


قالت ساخرة :- اضغاث احلام معلش


اجاب ببسمة متمتما :- يارب تجيلي كل يوم الاضغاث دي ، دي مش اضغاث دي مشاعري المحبوسة


قالت مستفسرة:- بتقول ايه ؟!!


رمقها بغيظ وقال :- اقول ايه هو أنا قادر انطق ؟! ربنا على المفتري


قالت وهي ترمق ملف متابعة المواقع :- روح طس وشك بشوية مية وفوق كده عشان نشتغل


قال بعصبية رغم صوته الخافت:- من جود مورنينج بيبي لطس وشك بشوية مية !! تنطسي أنتي في قسوتك يا جاحدة..


*******


**بمكتب آسر**


تظاهر آسر بأنشغاله في التصميم الذي اعده بالأمس....جلست سما بالقرب تتفحص بعض الأوراق وتسجل أشياء أخرى على الحاسوب....


سقط القلم من يدها رغماً وتدحرج لجانب حذائه...نظر آسر للقلم بالاسفل وجثا ليتقطه بينما اخفضت سما رأسها لتأخذه بأصطدم رأسيهما ببعضهما وتأوهت لثوانِ....كان شكلها مضحك فابتسم آسر بالتدريج حتى تحولت ابتسامته لضحكة....رمقته بغيظ وهي تعتدل بجلستها مجددًا وهتفت وهي تتحسس رأسها :-


_ ده ايه الفرحة دي ؟!


وضع القلم أمامها وقال بضحكة عالية :- في واحدة تتخبط وبدل ما تقول آه تقول اوهوو ؟!! مش عايزاني اضحك أزاي ؟!


ضحك مرة أخرى بقوة...لأول مرة ترى ضحكته بهذا الشكل...ابتسمت بالتدريج حتى اخفت ابتسامتها عندما بدأ يلاحظ....


تحكم بتصرفاته وقال بثبات :- على فكرة أسعد هيخلص المشروع اللي متفقين عليه وهيمشي


حملقت سما بذهول وقالت :- هتمشيه برضو ؟! حرام عليك تقطع عيش حد !!


رمقها بغيظ وقال :- هو اللي طلب يمشي من نفسه مش أنا اللي مشيته !! مكنتش فاكر أنك هتزعلي للدرجادي !


تنفست الصعداء ثم قالت :- كنت هزعل لو مشي بسببي انما طالما هو اللي طلب خلاص براحته..


اراحته اجابتها وقال ببسمة ماكرة :- يمكن زعل لما زعقتيله امبارح عشان قالك يا سما من غير أي رسميات !! يمكن اتعشم من طريقتك..


نهضت سما بعصبية ووقفت أمامه هاتفة:- تقصد إيه ؟!


يعني إيه اتعشم من طريقتي ؟! خلي بالك من كلامك لأن معناه مش حلو


أجاب بثبات:- يعني مكانش المفروض حتى تبتسميله وهو بيكلمك ولا توقفي معاه من أصله لأي سبب


تأجج الغضب بداخلها وصاحت :- أنت بتفكر أزاي ؟! أنا عاملته بذوق لا اكتر ولا اقل واكيد مش هيعاملني باحترام وازعقله من غير سبب واعامله وحش !! الطريقة اللي بتتكلم عنها دي هي اللي أنت عايزني اتعامل بيها مش عشان هي الصح !!


هتف هو الآخر بعصبية :- آه لازم تتعاملي كده مع الكل..هو ده اللي هيريحني


ضيقت عيناها بدهشة وقالت :- يريحك ؟! وأنا ليه المفروض اعمل اللي يريحك ؟! انا بتعامل معاك في حدود شغلي اكتر من كده مش مطلوب مني حاجة


زم آسر شفتيه بغضب كالبركان وود لو هتف بإعتراف أنه يعشقها ، هي ملكه فقط ، ابتسامتها ، نظراتها ، ضحكاتها ، تخصه فقط ولكنه مقيد بقيد الماضي....قال :-


_ ما تحاوليش تضايقيني بتصرفاتك تاني ، أنا مش بحسب ردود افعالي وانا عصبي ، وكمان مش غلط لما انصحك ماتنسيش انك بتشتغلي معايا واعتبرتك مسؤولة مني


قالت سما بحيرة :- تفتكر أنا لو اشتغلت مع حد تاني هيعاملني كده زيك ؟ هو كل اللي بيشتغلوا بيتعاملوا زيي كده ؟!


اجاب آسر وهو يخفي عينيه عنها :- محدش هيعاملك زيي ، وبعدين انا مش هسمحلك اصلا تشتغلي مع حد غيري...


استاءت من ثقته بنفسه وهتفت بغضب حقيقي دون تظاهر :-


_ انا حاسة أني في سجن مش في شغل ، متعودتش أن حد يعاملني كده ، ولو فضلت تعاملني كده همشي...أنا مش مجبورة استمر !!


استدار لها بعين تطاير غضبها وتوجه لها مقتربا حتى جلست على المقعد منكمشة بداخله بخوف من عيناه فصاح بغضب :-


_ بقى مافيش أي حاجة تخليكي تفضلي هنا ؟!


ادمعت عينيها وهي تنظر له وقالت :- ما تزعقليش كده


ابتعد متوتر من نظراتها الباكية واعتذر بنظرات هربت لجهة أخرى :- خلاص بطلي عياط...


نظرت له بألم وحيرة....لأي مدى ستصل قسوته في الحديث ، واذ كان يحبها لما يأبى الاعتراف ؟! واذا كان لا يحب لما كل هذه الغيرة المشتعلة بعينيه ؟!!


تنهدت تنهيدة حارة خرجت بثقل من انفاسها ولا تعلم أين ستذهب بها الأيام مع هذا الغامض الغاضب دائمًا...


********


انتظر رعد مجيء رضوى حتى مل الانتظار....خرج من المكتب وبيده حقيبة الكاميرا وقال ليوسف بالخارج :-


_ أنا ورايا شغل برا يا يوسف وهرجع بليل


اومأ له يوسف بالموافقة ثم انشغل مع حميدة بالعمل مرة أخرى....رمق رعد حميدة بتعجب فإذ كانت موجودة لماذا لم تظهر رضوى معها ؟!


قال بتردد :- هي رضوى فين يا آنسة حميدة ؟!


رفعت حميدة نظرتها اليه وأجابت بضيق :-


_ تعبانة شوية مقدرتش تيجي النهاردة ، كنت لسه هبعتلك يوسف يقولك


امتقع وجه رعد بإستياء وخرج من المكتب بعدما بدا متوترا ومتلعثما ومرتبكاً.....قال يوسف بابتسامة لحميدة :-


_ حميدو حميدو ....قولي يوسف كده تاني...بس قوليها برقة من بتاعتك


ضيقت عينيها بابتسامة حاولت أن تخفيها :-


_ وأنا من امتى عاملتك برقة ؟!


قال بغمزة خبيثة :- لما اعترفنا لبعض ، اجمل مرة قولتي فيها اسمي ، انا مابحبش اسمي اصلا غير لما بسمعه منك أنتي....


قالت ساخرة :- اومال انت بتقولي يا حميدو لحد دلوقتي ليه ؟!


قال بنبرة قريبة للهمس :- لأ ده في الشغل بس ، لكن لما نكون لوحدنا بعد كده مش هقولك يا حميدة حتى


قالت بارتباك وخجل :- اومال هتقولي ايه ؟!


ابتسم متسليا بارتباكها واحمرار وجنتيها :- هقولك ياروح قلب يوسف...ينفع؟


نظرت حميدة للحاسوب برجفة الحياء من نظراته الماكرة ثم قالت بتعجب :- ساعات بستغرب كنت مخبي المكر ده فين ؟!


مرر انامله على رأسه  وقال :- ده نفحة بسيطة بس ، انا خبيث أوي على فكرة بس مدكن....


كتمت ضحكتها وحاولت التظاهر بالثبات والجدية ليقل بابتسامة:-


_خلينا في الشغل لحد ما نكتب حتى الكتاب مش عايز مشاعري تتهور ابوس ايدك


نظرت له بثقة وقالت :- على اساس أني هسمحلك ؟!! لا ده أنت ما تعرفنيش لما بتعصب


قال بابتسامة :- وانا كمان مش هسمح لنفسي بس يعني الانسان ضعيف وكده بس أنا على وضعي ثابت حتى كتب الكتاب....


هزت رأسها بنفي وقالت لتغيظه :- وانت الصادق لحد ما ادخل بيتك قبل كده ما تحلمش حتى...


ضحك بضحكة عالية :- ياستي أنا موااافق طالما في الآخر هتبقي معايا على طول... انا بحب التشويق


انفجر ضحكا عندما رأى عينيها التي تحولت للخوف وهي ترمقه....


********


**بغرفة السطوح**


انتبهت رضوى وهي ممددة على الفراش لصوت شيء يدفع من النافذة...نظرت بنصف عين للنافذة فلاحظت احجار صغيرة وكأن أحد يُلقيها!! اعتدلت في فراشها وظلت لدقيقة تنظر امامها .. ثم ارتدت حجابها سريعا ونظرت بحذر من النافذة فرأت رعد وهو يلقي بمشبك خشبي خاص بالملابس بعدما نفذت الاحجار معه....اصطدم المشبك برأسها فصرخت بتأوه :- ااااه دمااغي


اتسعت عين رعد بصدمة وقال سريعا :- ااااسف ، والله ما اقصد


فركت رضوى موضع الصدمة برأسها بألم وقالت بضيق :- انت مش المفروض في الشغل ؟!!


رفع هاتفه لها وقال :- هكلمك فون مش هعرف اكلمك كده وصوتنا عالي ، افتحي تليفونك عشان مقفول..


نظرت رضوى للهاتف الذي تركته على الشاحن الكهربائي بعدما نفذت طاقته....توجهت اليه ودقيقة وكان الهاتف يُضاء ويستعد لأستقبال الاتصالات.....تلقت الاتصال من رقمه واجابت بصوت ظهر كسولا متعبا :-


_ ايوة عايز ايه ؟!


ظهر بصوته بعض العصبية وقال :- يعني أنا سايب شغلي في الاستديو وسايب شغل المكتب وجيت هنا عشان اطمن عليكي وفي الآخر تكلميني بالشكل ده ؟!!


قالت بتعجب :- اكلمك أزاي طيب ؟! وبعدين أنا كنت نايمة وانت صحيتني وانا بتعصب من الحركة دي !


_ انا أسف مرة تانية ، عاملة ايه دلوقتي طمنيني ؟


قالت بصدق :- دماغي بتوجعني اوي ، وحاسة أني داخلة على دور برد جامد لأن حرارتي عليت ...


قال بضيق وقلق :- هجيبلك دكتور واجيلك دلوقتي


رفضت رضوى بشدة وقالت :- لا لا ما تعملش كده ، ماينفعش تيجي هنا وانا لوحدي ،ده برد مش بموت يعني!!


قال وقد المته جملتها :- بعد الشر عليكي يا رضوى ، بس انا مش هعرف اروح شغلي واسيبك كده ، فيها ايه لو جبتلك دكتور ؟!


قالت وقد تسللت ابتسامة على شفتيها :-


_ انا خدت مسكن وهبقى كويسة ما تقلقش ، روح شغلك


قال برفض :- لأ مش رايح ، انا اعتذرت اصلا ، يأما توافقي اجيبلك دكتور واجيلك يأما تيجي معايا اوديكي للدكتور بنفسي ..


قالت بحدة :- لا كده ينفع ولا كده ينفع...ماينفعش اخرج معاك وانت غريب عني ولا ينفع تجيلي وأنا لوحدي مايصحش


هتفت رعد بعصبية :- هو انا هاكلك ؟! ده انا عايز اطمن عليكي !! دي غلطتي أني سيبت كل حاجة وجيتلك ؟!


قالت بنبرة اظهرت العتاب :- انا بكلمك وانا مش قادرة اتكلم اصلا وانت عمال تزعقلي !! ينفع كده ؟!


قال بصدق :- لا ما ينفعش ، بس مش قادر اسيبك كده واقف عاجز مش قادر اعمل حاجة !!


قالت بهدوء :- هبقى كويسة بعد شوية


قال بتنهيدة وضيق :- خلاص هقفل معاكي بس كل شوية هتصل بيكي اطمن عليكي ، سيبي الشباك مفتوح ولو احتاجتي حاجة انا هنا...ماتنسيش...انا هنا جانبك


ابتسمت بشعور قوي بالطمأنينة وقالت :- خلاص ماشي ...


انتهى الاتصال ليضع رعد الهاتف بجانبه بابتسامة وقال :- هتعصبيني في مرة لحد ما تخليني اتجوزك غصب عنك وتبطلي تقوليلي غريب عني


جلست رضوى على الفراش مرة أخرى وتاهت بالفكر شاردة....لم تترك قلبها دون أن تتأكد انه يريدها بصدق ، ترتعب كلما تخيلت انها ممكن أن تكن مجرد نزوة يمر بها ، وتذكرت صديقة قديمة لها مرت بذات التجربة فقالت :-


_ لأ مش هسيب نفسي واحبه ، مش عايزة ابقى زي منال صحبتي ، كده احسن ، خليني بعيد احسنلي


*********


اتت الساعة السادسة مساء....


وقفت للي أمام المرآة تنظر لمظهرها جيدًا....عقارب الساعة تبدو بطيئة في حركتها !! نظرت لعينيها الكحيلة بعناية ولمظهرها التي أخذت كثيرا من الوقت حتى استقرت على ذلك الرداء الانثوي....فستان طويل محتشما من اللون الفيروزي...يشبه ذلك الرداء الذي ارتدته بسهرة باريسية معه ذات يوم...وحذاء بكعب عالي ولكنها يبدو مهما ارتدت من علو فلن تصل حتى لكتفيه !!


التفتت أمام المرآة لتنظر لنفسها من جميع الجهات...قالت بقلق :-


_ فاضل دقايق وتيجي الساعة ٦ ، متوترة أوي كده ليه ؟!


مرت الدقائق وهي ترتب ما ستضعه بحقيبتها الصغيرة المطرزة برقة...الرداء عليها يجعلها تشبه عروس البحر...لو كانت تدري مدى انوثتها ما كانت سترتدي مثل هذا الرداء المحتشم المغري بذات الوقت...


انتبهت لرنين هاتفها فادركت أنه هو ، ركضت للهاتف وتلعثمت عندما رأت رقمه..اجابت بخجل :- الو؟


قال وجيه بثبات :- انا قدام بيتك...مستنيكي


قالت بتوتر :- دقايق وهكون قدامك


*******


وقف سقراط بالتوكتوك بالقرب من بنايتها وقال بتعجب :-


_ يا ترى للي مجاتش النهاردة المحل ليه ؟ لازم اطمن عليها ده واجب برضو...كويس أنها قالت قدامي العنوان وهي بتتكلم مع البت اختي...


استعد سقراط للخروج من التوكتوك حتى وجدها تخرج بطلتها الرائعة من المبنى السكني وتتوجه إلى أحد السيارات...


كاد أن يذهب اليها حتى ظهر رجل ضخم الهيئة يقف خارج السيارة المتوجهة هي اليها...قال سقراط بغيظ :-


_ اكيد هو ده اللي ما يتسمى ، هموته ضرب ، هشرب من صفايح دمه وافضيهالك ، هملاها جاز واولع في اهله


دخل التوكتوك مرة أخرى وراقب من بعيد....


********


تأخرت لدقائق فخرج من سيارته ولكنه توقف فجأة عندما رأها ، طلتها فاتنة كعادتها ولكنها تبدو الآن اكثر فتنة ، هذا الرداء كان سيبدو متواضعا لو كان لإمرأة أخرى ولكن معها الأمر مختلف...حتى بابسط الأشياء فتنتها وانوثتها تتحدث صارخة...ما كان عليه أن يقابل تلك الفاتنة التي تسحق ثباته كرجل...


حاول أن يتجاهل اقترابها اليه بابتسامتها الواضحة بعينيها...


مابها تبتسم وكأنها ستذهب معه لسهرة غرامية وليس اتفاق على صفقة زواج !!


اتأمل اكثر من ذلك ؟ الم يكن هو يتمنى أكثر من ذلك ؟!!


تنهد بضيق من نفسه ومن قلبه ومشاعره التواقة إليها بشوق مجنون...ولعناقها بدفء حنون...ولقبلة على رأسها ثم ....


هتف بغضب لنفسه سرا...ما هذا الذي سرح به؟!!


وقفت أمامه تنظر له بتعجب من شروده ، تحكم بنفسه قليلا وقال :- اتأخرتي دقايق...يلا بينا


جلست بجانبه وهي تخفي ابتسامتها ، لم يغفل عنها نظرته المعجبة ، ذات الابتسامة بعينيه ، ذات الحنان وذات الدفء فيه ، تمنت أن يكن ظنها بمحله وأن يكن صادقاً....


********


بأحد المطاعم الكبرى....قد تم حجز طاولة بأحد الزوايا الخاصة لشخصين...أشار النادل إلى الطاولة بتهذيب وابتسامة رسمية فتوجه وجيه ومعه للي اليها....قالت مستفسرة عن سر هذا الترحيب الخاص به بالمكان فقال :-


_ انا جيت هنا كتير ،كلهم عارفني تقريبًا


ظهر عبوس على ملامحها وضاقت من جملته فلاحظ ذلك بتسلية ، قالت بتردد وشيء قوي يريد معرفة من كانت معه بالطائرة:-


_ اكيد مع البنت اللي شوفتها معاك في الطيارة ، جميلة فعلا ، حاجة غريبة أنك ما ارتبطش بيها ، كان باين انكم منسجمين على الآخر...


ابتسم ابتسامة ماكرة وراقه عصبيتها الواضحة فقال :- دي اخت صديق ليا ، رجعت مصر لأن الدكتور بتاعها كان هنا واتفقت معاه تعمل العملية هنا في مصر ، بالنسبة لموضوع منسجمين فهي بالنسبالي اختي الصغيرة لو كنتي مضايقة!!


قالت وقد ارتاحت واطمأنت لمعرفتها الحقيقة :- لا ابداً وهضايق ليه ؟!


تابع بنظرة عميقة ماكرة :- طريقتك اللي قالت كده ، انصحك ما تفكريش بالطريقة دي لأنك هتقابلي كتير ، مش معقول هتتعاملي بالعصبية دي مع كل واحدة تقرب مني أو اكون عارفها !!


رمقته بانفعال وقالت :-


_ يعني ايه تقرب منك أو تكون عارفها ؟! انت ناسي أني هبقى مراتك والمفروض تحترمني ؟! ولا من ضمن خطة انتقامك أنت تهنيني قدام الناس ؟!


ضيق عيناه بغضب وقال :- انا عمري ما هينت واحدة ولا هسمح لنفسي أني اعمل كده وبالذات لو كانت مراتي ، خطة انتقامي منك ليها حسابات تانية ما تقلقيش


قال ذلك ببعض الخبث بنظرته فنظرت بجهة أخرى متجنبة تطلعه بها والتسلية بعيناه...انتبهت فجأة لصوت تعرفه :-


_ أنت بتزعقلها كده ليه يا طويل أنت ؟!


استدارت للي بصدمة لسقراط بينما ضيق وجيه عينيه بدهشة واستهزاء لذلك الصبي الذي ينظر له بحدة قال متسائلا :-


_ وانت مين بقى أن شاء الله ؟!


اجاب سقراط بثقة :- أنا خطيب للي...لوليتا


اتسعت عين للي بذهول والتجم صوتها من الدهشة ، رفع وجيه حاجبيه وهو ينظر له بسخرية وقال :- شكلك مجنون !!


قالت للي اخيرا :- جيت هنا أزاي يا سقراط ؟!


نظر لها وجيه بدهشة وقال :- انتي تعرفيه ؟! سقراط مين ده ؟! سقراط الحكيم ؟!


سخر سقراط وقال :- لأ سقراط خطيبها...ها ايه تاني ؟


نهض وجيه من مقعده ونظر لسقراط وبدأ الغضب يظهر عليه فوقفت للي تمنعه قائلة:- استني يا وجيه ده اخو حميدة خطيبة يوسف ، هو بس بيخاف عليا ومايعرفكش


نفض سقراط يديه وكأنه سيبدا الشجار وقال :- لا سبيه ، أنا مستعد للمواجهة...اللي هيكسب هيتجوزك يا جلاشة


نظر وجيه له بصمت حتى جره من ياقة قميصه وقال بتحذير :-


_ مش همد ايدي على عيل صغير لسانه طويل ، يلا ارجع بيتكوا عشان المدرسة وبلاش جلاشة دي عشان انا عصبي


رفع سقراط نظرته اليه وقال بتهديد :- سيب قفايا لو سمحت ، انا مش حملك ولا طولك وهتروح فيا في داهية..


تركه وجيه بنفاذ صبر وقال له بعصبية :-


_ لولا أنك عيل صغير كان زمان ليا تصرف تاني


نفض سقراط يديه مرة أخرى واعترض بصياح :- طولك وعضلاتك دي مش هتنفعك ، واجهني يا وجيه


نهض وجيه بعصبية فقال سقراط للي وهو يهم بالركض:-


_ هستناكي في التوكتوك برا يا للي ، انتي هتتجوزي غضنفر ده أزاي ؟!


ركض من امام وجيه سريعاً ، صمتت للي للحظات حتى جلس وجيه ممتقع الوجه فانفجرت من الضحك فجأة....


💖💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖💖


 - الفصل الثامن والعشرون


 لم تستطع لجم ضحكاتها وشعور المرح الذي انتابها فجأة وهي ترى سقراط يركض متوجهاً للخارج بخوف...سيظل الطفل طفلا حتى ينعم بالرجولة..


تطلع بها بنظرات عصبية ، وغيظ مفرط ، وتأمل ضحكتها التي اوضحت لمعات عينيها واحمرار وجنتيها بشدة...قال بنبرة قصد فيها الحدة:-


_ هتفضلي تضحكي كده كتير ؟! أنتي فرحانة باللي حصل ده ؟! أزاي تخلي طفل زي ده يعاملك كده ؟!


تحكمت بنفسها وهي تبتلع ريقها كي تستعيد رزانتها واجابت بهدوء :-


_ أولًا أنا ما خليتهوش يعاملني كده...هو اللي بقى كده لوحده ، تاني حاجة أنت بنفسك قلت طفل...ده مراهق يعني برضو لسه طفل وأي تصرف عنيف معاه بيرجع بنتيجة عكسية....كنت بفهمه بهدوء أن كل اللي بيحسه هو حاجة مؤقته وطبيعية في سنه الصغير ده...


قال بصوت اوضح بنبرته الاتهام :-


_ عجبك أني غيرت صح؟! لعلمك دي مش غيرة


قالت بتحدي وهي تبتسم سرا :- اومال ايه ؟!


ارجع ظهره للخلف واستند بظهره على المقعد...قصد الهدوء وسيلة كي يخبرها أنها أقل مما تظنه بنفسها


أضاف وجيه وأرادف:- تحذير...تقدري تعتبريه تحذير....زي ما أنتي بتطلبي أني احترمك على الأقل قدام الناس فده حقي اللي المفروض تعمليه مش غير ما اطلبه...أنا مش هسمحلك تتصرفي أي تصرف يحرجني قدام حد..


وجدت للي أنه الوقت المناسب كي تخبره الحقيقة...يظن ما يظن...يصدق أو يُكذب...فسيأتي يوم وتولد الحقيقة أمام عينيه...


تطلعت بعينيه للحظات لتستشف منهما حالته الحاضرة ومدى تقبله للاستماع...قالت مباشرةٌ:- ممكن تسمعني...في شيء مهم لازم تعرفه...يمكن أهم شيء لازم تعرفه عني..


اكثر ما قلق منه بهذا الوقت هو ميل قلبه إليها...ميله لرؤيتها ،وللنظر لعينيها ،ولسماع صوتها حتى لو كان مجرد صوت الأنفاس ، لطرفات أهدابها الناعسة...لحضورها القوي أمامه ،وسطوة أنوثتها على مقاومته كرجل...كرجل يريدها ويشتاق ، وكعاشق يريدها ويجن لعشقها تواق...إذا وافق سيفتح الباب لخداعها ، وإذا رفض سيبخل على قلبه بالأمل في الوصال...


القرار...الصمت


صمت وكانت هذه الإجابة لرجل عاشق يتريث بالخطوات...حتى لا يُطعن من نصل حديثها مجددًا....أخذت جولة تأمل وترقب لتعابير عينيه الحائرة ، أرادت أن يوافق حتى لو كان موافقته بها الغضب ثائر...ستقتنص الفرصة...ولكن القدر أراد بتر حديثها بمجيء النادل...انتظر النادل اختياراتهم في قائمة الطعام...أشار وجيه إليها كي تختار شيء فأعتذرت بوجوم...نظرة عين غاضبة منه كانت كفيلة أن تغير مجرى رفضها فرفعت القائمة أمام عينيها ،ترى اللاشيء...الكلمات غائبة عن رؤيتها...


اختارت رقم من القائمة بشكل عشوائي...حتى أنها لا تعرف هذه النوعية من الطعام...ابتعد النادل بعد أخذ الطلب لينتظر وجيه حديثها وقال:-


_ تقدري تكملي...بس ما تطلبيش أني اصدقك


أسدلت جفنيها للأسفل...كأنه اغلق الباب بوجهها قبل الدخول !! ربما لابد أن تُقرع !! تلعثمت قبل حتى أن تبدأ الحديث !


فبدأت بإبتلاع ريقها ببعض القلق ثم قالت بنبرة متوترة:-


_ مش هتكلم عن أول مرة اتقابلنا..هتكلم لما اتقابلنا في فرنسا...لا أنت كنت عارف أنك هتشوفني ولا أنا كمان كنت عارفة أني هشوفك...اللي حصل أن______


*******


بالمكتب....


وقف يوسف يرمقها بشوق وهي تحمل حقيبتها وتستعد للعودة إلى المنزل...وضعت حميدة هاتفها بالحقيبة الخاصة بها ثم وقفت أمامه وتجنبت نظرته لها فقالت بجدية:-


_ نكمل الشغل اللي فاضل من النهاردة بكرة أن شاء الله...


قال وقد فاض العشق بقلبه :- محتاج أقولك بحبك...محتاج أقولهالك بطريقتي...هو لازم استنى لحد الفرح عشان اتكلم وأقول كل اللي عايزه ؟


ابتسمت بخجل شديد جعل وجنتيها كحبات الكرز...قالت وعينيها تتهرب من نظرته العميقة بعينيها:-


_ مين قالك يا يوسف أني مش عايزة اسمع ؟! أنت ما تعرفش أنت بالنسبالي إيه...كل الحكاية أني مؤمنة أن كل شيء بآوان ، كل كلمة لازم تتقال في وقتها الصح عشان نحس بحلاوتها ، عشان الكلمة الحلوة ما تتعكرش بالخوف...الخوف من اللي جاي...ومن الظروف


اقترب يوسف خطوة بسيطة إليها...خطوة كي يخصها بالحديث فقط...قال بهمس رقيق ومثير بآنٍ واحد :-


_ عندك حق ، كلمة بحبك لازم بعدها اخدك في حضني..وطبعاً ده مستحيل دلوقتي...


رمقته بنظرة تحذيرية فقال وقد اتسعت ابتسامته :-


_ خلاص بقى هنلتزم بالقوانين ، ما تزعليش مني


هزت رأسها بابتسامة خجولة وقالت :- مش بعرف أزعل منك أصلًا


ضيق عيناه بمكر وابتسامة متراقصة على شفتيه حتى خرجت جميلة من مكتبها وخرج جاسر خلفها ويبدو على نظراته الغيظ....أشار لجميلة وقال :-


_ خدي المفاتيح دي خليها معاكي عشان لو جيتي قبلي المكتب


أخذت جميلة المفاتيح منه وقالت باستفسار :- مفاتيح إيه دي ؟!


قال جاسر بسخرية :- مفاتيح قلبي ودقاته


نظر يوسف لح.ميدة وكتموا ضحكاتهم حتى قالت جميلة بنظرة ساخرة :- هعمل بيهم ايه ؟! اسلقلهم بضتين ؟!


نظر جاسر ليوسف الذي على وشك الانفجار من الضحك وقال بغيظ :-


_ جاري تحميل الضحكة....خدي المفاتيح دي عشان ورايا حاجة مهمة لازم اعملها وهتأخرني بكرة على ما أجي..


قالت جميلة بحدة وعصبية:- وراك إيه أن شاء الله ؟!


صمت جاسر وهو ينظر لهم بإستياء فكررت جميلة سؤالها بعصبية وأجاب جاسر بثقة وهو يضع يديه بجيوب بنطاله :-


_ ورايا غسيل...لازم افسر يعني ؟!


ضحكت جميلة رغما عنها وشاركها يوسف وحميدة في ذلك فقال جاسر بغيظ وعصبية من ضحكاتها وسخريتها :- ولا يهمني...


أشار يوسف لحميدة بنظرة فهمتها فخرجت من المكتب وانتظرت أمام المصعد فخلفها يوسف للخارج....قال جاسر بنظرة ماكرة وابتسامة:-


_ بقولك ايه ما تيجي تساعديني ده أنا يتيم وماليش حد....أن شاء الله اصعب عليكي...


رفعت حاجبيها بسخرية وقالت :- يا شيخ ؟!


هز رأسه مؤكد وتابع :- ايوة...عنيا رغرغت بالدموع وانا بكلمك مخدتيش بالك ؟


تابعت بذات السخرية:- آه خدت طبعا...الدمعة كانت هتفر يا عيني


قال بتأثر مصطنع :- عارفة ولاد عمامي دول...أنا اللي شايل مسؤوليتهم زي ولادي...طول عمري شايل المسؤولية لوحدي...


كتمت جميلة ضحكتها وهي ترى آسر يقف مدهوشا بما يسمعه وقد خرج من مكتبه منذ ثواني...قال آسر ذهول:-


_ يخربيتك ده أنا صدقتك !!


استدار جاسر بنظرة تحذير لآسر من التفوه بشيء عن ماضيه...قال آسر بغيظ:- مسؤولية ايه ؟! هو غسيل الهدوم بقى مسؤولية ؟! طب ما أنا بنضف الشقة ؟


خرجت سما من المكتب بنظرات حادة لآسر ويبدو أنه اغضبها في شيء ،مرت من أمامهم للخارج وتبعتها جميلة....


تساءل جاسر بشك :- شكلها عكيت في كلامك كالعادة ؟!


انسحبت نظرة آسر لباب الخروج ورمقها وهي تتجاهله بنظرة بعيدة عنه وأجاب بضيق :- ماتديش الموضوع اكبر من حجمه ، دي مجرد سكرتيرة والشغل مافيهوش طبطبة...


اجاب جاسر بتعجب:- هو حد قالك طبطب ؟! بس كمان ماتبقاش قليل الذوق في تصرفاتك وبعدين انا اصلا بتكلم على أنها سكرتيرة ولا أنت ليك رأي تاني ؟!


رمقه جاسر بمكر وبعض الشك فتلعثم آسر قائلًا :-


_ لا رأي تاني ولا تالت...ماتتكلمش في الموضوع ده تاني


قال جاسر بعتاب وفهم تجنبه لهذا الأمر :- على فكرة المفروض تعتذر لحميدة ،المفروض انها بقت خطيبة يوسف وهتبقى مراته قريب ، اكيد يوسف مش هيقولك كده مباشرة بس أنا متأكد أنه زعلان..


اومأ آسر رأسه بموافقة فقال :- هعتذرلها رغم أنها برضو نرفزتني ، بس هعتذرلها عشان خاطر يوسف ، أنا مش بحب أشوفه زعلان مني...ولا بحب أشوفه زعلان أصلا...


ابتسم جاسر بصدق وقال :- يوسف تحسه اخوك وصاحبك وابنك في نفس الوقت...


قال آسر بتردد:- وساعات بحسه أبويا كمان


امتقع وجه جاسر وتبدل للضيق والألم...يبدو أن هذا الأمر الذي لم يستطع تجاوزه للآن...قال آسر معتذرا:-


_ أنا أسف.يا جاسر...بس لازم____


هتف جاسر بغضب :- أنا مابحبش اتكلم في الموضوع ده وكلكم عارفين...


صمت آسر معنفاً نفسه حتى عاد يوسف ناظرا لهما بشك وتساءل:- مالكوا عاملين كده ؟!


لم يجيب احدا بل ابتعد جاسر ودلف لمكتبه صافقاً الباب خلفه بقوة وزاد وجه آسر ضيق....قال يوسف بقلق :- ايه اللي عصب جاسر كده ؟!


أجاب آسر بإستياء :- الموضوع إياه طبعاً ، مكنش قصدي بس الكلام جاب بعضه وجت سيرة عمي الله يرحمه...كان لازم أخد بالي واكون حذر اكثر من كده...


ظل يوسف صامتاً لبرهة ثم قال بثبات :- لأ....انت مش غلط ، الموضوع ده لازم جاسر ينساه قبل ما يبدأ حياة جديدة ويبني أسرة ليه...ماينفعش يفضل متعقد منه ويخليه الشماعة اللي يعلق عليها كل حاجة غلط بيعملها...


قال آسر بزفرة  :- اللي لاحظته أنه خايف خطيبته تعرف حاجة عن ماضيه ، بس ده ممكن يعمل مصيبة لو اكتشفت الحقيقة بعدين أو هو رجع للي كان بيعرفهم...انا مش مصدق أنه حتى لو اتجوز هيستقيم !!


يوسف بقلق :- ربنا يستر ، انا بتمنى أنه ينسى اللي فات ويكمل حياته بإحترام مع انسانة بتحبه وهتصونه....


شعر آسر وكأن الحديث موجه له فضجت عيناه من الهم وذهب من أمام يوسف دون إجابة....


**********


كانت تتحدث وتتحدث...تنظر إليـه تارة...وتارة أخرى تتيه بعينيها للبعيد...ماذا تقول ؟! ما تقوله كاد أن يؤدي بعقله للجنون...اكانت ستغتصب ؟!!! أم هذه خدعة جديدة ؟!


عيناه ككومة الاخشاب المتقدة بلهيب جعلها كتل من الفحم الأسود....قاطعها بغضب لم يستطع كبته وقال:-


_ لو فاكرة أنك بكده هتقدري تكسبيني تبقي غلطانة....أنتي ليه بتعملي فيا كده ؟!


قالت للي مؤكدة :- لأن دي الحقيقة ، أنا مش عارفة اثبتلك أزاي بس خايفة أقولك أسأل سها صاحبتي متصدقنيش ، معنديش دليل غيرها


قال ساخرا بعينان تبصق غضب :- لأنك عارفة أني مش هقدر اوصل لأي شيء لأن اللي حصل...حصل في فرنسا وده لو كان حصل فعلًا...موضوع زي ده حتى لو حقيقة فمش سهل اتأكد منه وأعرف حقيقته...


اغمضت عيناها لدقيقة بيأس ثم قالت :-


_ كنت عارفة أنك مش هتصدقني بسهولة..لكن اللي متأكدة منه أنك مضحكتش عليا لما طلبت تتقدملي أول مرة...بدليل أنك خلتني اجيلك بنفسي وعرضت عليا الجواز....لو انا في نظرك مستهترة وكدابة أو مش أقل من العاهرات زي ما قلت قبل كده...ليه طلبت تتجوزني؟!! ليه مش عايز تعترف أنك بتحبني ؟! ليـه نسيت احساسك وافتكرت بس تنتقم ؟! ليـه_____


قاطعها بنبرة خرجت من شفتيه بتحذير وهتف:-


_ ما تحاوليش تبرأي نفسك قدامي قبل ما اتأكد بنفسي...على ما اتأكد من صدق كلامك للأسف هاخد وقت لأن الموضوع ده طالما وصل للشرطة الفرنسية مش سهل أن أي حد خصوصا لو من جنسية تانية يوصل لأي معلومة فيه...وأنا مش عارف هقدر أثق في اللي هسأله أزاي عشان يتأكدلي ؟! الموضوع ده يمسني شخصيًا وماينفعش يتقال لحد غريب..


نظرت له بألم...تمنت أن تنكشف الحقيقة ويعود إليها حبيب الأمس....قالت:-


_ على ما تعرف الحقيقة بتمنى كمان تأجل انتقامك مني...ما تقساش عليا


تحرك عصب فكيه بعصبية جاهد كي يلجمها....أخرج من سترته علبة صغيرة مزينة...فتحها بحركة سريعة ورفع منها خاتم من الالماس الزيتي المائل للأصفرار.....


تحركت عينيها على نظراته المتهربة من عينيها....احياناً تشعر أن القسوة لا يعرف منها سوى كلمات تُقال أوقات الغضب فقط...يبدو على الخاتم أنه يقدر بثروة هائلة...الرجل ما يقدم شيء بهذا الثمن إلا لو كان يهمه الأمر...المهم في ذلك أنه لا يعتبر هذه الزيجة مؤقته....


اشار لها لتقرب يديها ففعلت ذلك ببطء....وضع الخاتم بأصبعها وقال :-


_ الأسورة بتاعته هتجهز بعد كام يوم...شبكتك....مبروك عليكي


نظرت للخاتم بأصبعها بتمعن...رغم أنه بدا رائعاً بيديها ولكنها لم تكترث كثيرا له وقالت بشرود :-


_ دايمًا كنت بعتبر الجواز اتنين عايزين يكملوا مع بعض...حابين كده...تحت أي ظروف...تعرف يا وجيه...بالنسبالي كنت اتمنى أنك تكون انسان عادي بس فرحتك بيا تكون ظاهرة وحياتنا نبدأها بسعادة....انا مش محتاجة فلوس واقدر اجيب كل حاجة عايزاها بسهولة...ورغم كده مقدرتش احس بلحظة سعادة...


أجاب بمرارة :- مافرقش عنك كتير...يمكن اكتر منك...كل حياتي وشغلي والورث اللي ورثته ابا عن جد....ماحسسنيش لحظة بالراحة...كل يوم كان بيجي...كان بيجيب وجع ووحدة...كان بيجيب هم وعمر على عمري ، بياخد مني اللي كان نفسي الاقيه...


تساءلت بلهفة :- ايه اللي كان نفسك تلاقيه ؟


ترقبت اجابته بشغف...ويبدو أن الاجابة كانت ثقيلة حد الصمت الذي انتابه فجأة....يأست من اجابته فنظرت لرجفة يديها بضيق حتى تفاجئت بقوله...:-


_ الحب...مافيش انسان مش محتاج للحب..مش محتاج يتحب...مافيش حد مش بيحلم بمكان فاضي وبعيد عن الجميع الا الناس اللي بيحبهم...من غيرهم هيبقى الهدوء ده فوضى وشيء مزعج...أي حاجة من غير الناس اللي بنحبهم هيبقى ناقصها كل حاجة...


ابتسمت بحذر وقالت بهمس:- وايه كمان ؟ عايزة اسمعك


رمقها بشك للحظات...استند بمرفقيه على الطاولة وقال بمكر:-


_ ممكن اطلب منك طلب ؟


وافقت قائلة ببعض التوجس:- قول


لما رفت بسمة خفيفة ماكرة على ثغره...كأنه يضمر شيء بخاطره ويروق له؟! قال بنظرة خبيثة:- يوم كتب الكتاب...البسي الفستان اللي شوفتك بيه يوم حفلة الفندق في فرنسا...مش هنكر أنه كان يجنن عليكي


ارتبكت بخجل وانسحبت عينيها لجهة أخرى بحياء...قال هذه الجملة بنبرة جعلتها ترتجف...صوته كالصفحات تروي بكل كلمة قصة عشق تنتظر الاعتراف....


*******


وقفت رضوى مختبأة بقرب النافذة وراقبت رعد وهو يحاول رؤيتها بين الحين والآخر...ابتسمت بمرح وهي ترى زفرته الغاضبة وتمتمته بعصبية....تسللت سما إليها ببطء ثم هتفت فجأة :- ررررررررضوى مستخبية ليه ؟


استدارت رضوى بفزع إليها وكادت أن تسقط من المفاجئة...جذبتها للبعيد بغيظ وقالت :- ياغبية وطي صوتك...هستخبى ليه يعني ؟!


نظرت سما للنافذة ثم الى رضوى وقالت مبتسمة بخبث :-


_ شكلها السنارة غمزت يابت ، طب مش تقوليلي عشان افيدك ؟!


اجابت رضوى بسخرية:- طب اتنيلي على خيبتك ، سنارة ايه ياختي أنا كنت هقفل الشباك وبستخبى من الهوا عشان عندي برد وكده


هزت سما رأسها بضحكة :- ايوة ما انا عارفة أن الهوا السبب وربنا عارفة هههههه


لكمتها رضوى بغيظ على ذراعها وقالت لتبدل مجرى الحديث :-


_ حميدة وجميلة فين؟!


سما :- بيجيبوا اكل ، ماهما عارفين انك تعبانة واكيد ما عملتيش أكل


نهضت سما قائلة :- هروح اغير هدومي....روحي استخبي تاني عشان الهوا كان بيبص من شوية


ركضت سما ضاحكة بعدما القت رضوى احد الوسائد بوجهها...ترددت في النهوض ولكنها تحركت متوجهة إلى النافذة بحذر....تسحبت إليها ثم نظرت بخفاء لتجد رعد يقف متأففا بعصبية وعاد للداخل مجددا...ابتسمت بتسلية واستغلت ذهابه حتى تغلق النافذة حتى ظهر امامها وهو يضيق عينيه بغيظ وقال :-


_ بتصل بيكي مش بتردي ومش باينة خالص وكنت قلقان عليكي


توترت رضوى وهي تجيب ويديها على باب النافذة الخشبي :-


_ كنت...نايمة


هدأ بعض الشيء وتساءل :- عاملة ايه دلوقتي ؟


اجابت بإختصار :- كويسة...


اغلقت النافذة سريعاً من الارتباك ليقل بغيظ وعصبية :-


_ أنا حمار باربع قرون عشان حبيتك ، مش لسانك اللي فيه لدغة ده قلبك اللي مضروب بالشبشب ،اتجوزك بس والله لأخليكي تحلمي بيا..


********


اجتمع الفتيات بعد تناول طعام العشاء بالغرفة المشتركة بينهنّ....قالت سما بتعجب:- هو احنا مش هنقول للشباب أن للي تبقى هي عروسة عمهم ؟!


اجابت حميدة:- هي طلبت بنفسها مايعرفوش حاجة ، يوم كتب الكتاب نبقى نقولهم اننا اتفاجئنا زيهم وخلاص وعادي يعني صدفة وبتحصل !


جميلة بحيرة :-


_ طب هيبقى كتب كتاب بس ولا فرح كمان ؟


قالت رضوى بعدما سعلت :- هي قالت انها هتتجوز يوم الجمعة ، يبقى كتب كتاب وفرح ، ممكن تبقى حفلة عائلية كده وزغروطين وخلاص ، ماتنسيش أنها اتجوزت قبل كده


سما باعتراض:- وايه يعني ؟! ده حقها !


حميدة بتفهم :- اكيد حقها بس جميلة تقصد أنها مش هتحب يتعمل فرح كبير وكده...غالبًا ده بيحصل لأي واحدة بتتجوز لتاني مرة...


سما بغيظ :- اشمعنى؟!!


تدخلت جميلة واجابت :- لأن اللي بتطلق وتيجي تتجوز تاني مش بيهمها المظاهر بتاعت أول مرة...بيهمها بس الشخص لأنها بتكون اتعلمت من تجربتها الأولى وعرفت أن الجواز مش فستان أبيض وزيطة وخلاص..الجواز اتنين يأما يعرفوا يبقوا كيان واحد يأما يفضلوا منفصلين نفسيا وفكريا حتى لو كملوا مع بعض...


تساءلت رضوى بحيرة :- يعني هو لازم نتجوز اكتر من مرة عشان نتعلم ونختار صح ؟!!


حميدة بهدوء:- وليه ما نتعلمش من اخطاء غيرنا ؟! ليه مانفكرش في الخطوة دي مليون مرة قبل ما نغلط مرة واحدة؟!...ربنا ادالنا عقل نفكر بيه ،وادالنا لسان نسأل ونستشير بيه ، وادالنا قلب نفرح بيه لو كانت الفرحة تستاهل...عمر القلب مابيفرح لو شاكك في فرحته..


تاهت رضوى بالفكر للحظات ثم قالت بألم :-


_ افتكرت منال صاحبتي....فضلت خايفة ومش عارفة تفكر وفضل يقربلها عشان تحبه ، حلف أنه صادق !! بنالها وهم كبير وعيشها فيه لحد ما فاقت منه على خيانة...كانت خلاص بقت زوجة وام كمان...وفجأة اعترفلها أنه عمره ما حبها...هي بس كانت صعبة عليه ، عجبته اللعبة واتحدى فيها نفسه وطلع وهو كسبان غروره...بعد ما كسرها ، خلاها ازاز مكسور هتأذي أي حد هيحاول يقربلها سواء هو أو غيره...كسر جواها الآمان


نظرت لها جميلة بوخزة خوف ، بلمسة من النيران الراكدة تنتظر النفث فيها...لتقل حميدة بتوضيح :-


_ منال ما فكرتش كتير ، ما سألتش حد ، ماحطتش مصطلح ممكن جواها ، صدقت أنه اتغير عشانها وماصبرتش عشان تتأكد...وافقت بسرعة عشان حبته...قلبها خرس أي صوت جواها بيقولها فكري قبل ما تقرري...


نهضت جميلة بتوتر واضح بعينيها وقالت :-


_ هقوم اخد دش بسرعة قبل ما انام...


راقبها الثلاثي وهي تبتعد لتقل سما بغيظ :- اكيد خافت من كلامكم


قالت حميدة بقلق :- جميلة حبيته ، وانا خايفة عليها ، انا اقصد كل كلمة قلتها ، جاسر مش سهل زي ما انتوا فاكرين ، ده عرف بنات مالهمش عدد ، عارف يدخل أزاي لأي واحدة...اتمنى يكون اتغير عشانها بس لازم تنتبه منه كويس قبل ما الفاس تقع في الراس وجميلة لو اتجرحت عمرها ما هتنسى أبداً...


********


مرت الأيام حتى أتى يوم الجمعة....


اجتمع بمنزل *للي" بعض المعارف إليها....وبعض من اقارب وجيه وكان من ضمنهم أبناء اشقائه....


اجتمع الفتيات بغرفة للي بعدما تم عقد القران وتعالت الزراغيد...وقفت للي أمام المرآة تتفقد زينتها لتقل سما :-


_ تعالي بقى نخرج ليهم اكيد بيسألوا علينا...احنا هنكمل السهرة في القصر صح ؟


اجابت حميدة:- لأ ، الحفلة هتكون عائلية وهنا ، يوسف قالي كده لأنهم مش عايزين يدخلوا القصر غير لما السنة تخلص زي ما قالوا لعمهم


تساءلت رضوى بتعجب:- كان ممكن تعملي حفلة كبيرة يا لولو وكنا هيصنالك


ابتسمت للي وهي ترتدي ذلك الرداء الذي اختاره لهذه المناسبة سابقاّ واجابت:-


_ مش بحب الدوشة يا رضوى ، كفاية عليا الناس اللي معايا وأعرفهم....أنا مابحبش الدوشة...النهاردة بداية حياتي معاه


ربتت جميلة على يدها قائلة بحنان :-


_ ربنا يسعدكم يارب ويبعد عنكم الشر....


دوت زغرودة من فم سما وحميدة عندما دلف سقراط للغرفة وقال ل"للي" بشيء من الابتسامة الممزوجة بالعتاب:-


_ فلتي مني المرادي بس لو جبتي بنت هتبقى عروستي ماشي يا جلاشة؟


ضحكت للي بصوتٍ منخفض واجابت :- ماشي اتفقنا بس اتشطر أنت في المدرسة وانجح ومالكش دعوة...


لكمته حميدة قائلة:- يلا يا لمض خد للي في ايدك كده ووصلها لعريسها...


دلف وجيه للغرفة ونظر لسقراط بغيظ ليقل سقراط بتوجس:-


_ كنت هجيبهالك ماتبرقليش كده !! خدها اهيه مش عايزها


أشار سقراط ل "للي" وقال :- الف مبروك يا جلاااااشة


ركض سريعا وهو يضحك وكأنه نال من وجيه فانفجر الجميع ضحكا دون أن يدرك احدهم السبب الحقيقي لمعاملة وجيه لهذا الصبي...لم تخبر للي احدا بتلك المقابلة التي اعتبرتها كوميدية بينهما...


غمزت حميدة للفتيات للخروج...


خرج الفتيات وتركوهم بمفردهما لبعض الوقت....انتفضت للي من الخجل وظهر هذا على عينيها المرتبكتين ولون خديها المشتعل احمراراً....


نظرا إليها بتمعن...أصبحت زوجته !! دقائق وستكن بمنزله !!


لا عصيان في أي شيء بعد الآن...


جذبها إليه فجأة...أصبحت قريبة للغاية...اناملها على صدره...وجهها قريبًا قرب خطر من عينيه....يديه تحاوط خصرها بقبضة قوية ، تملّكية ، خطرة على ثباتها....انتفضت بين يديه وكأنها عروس عذراء لأول مرة تتزوج !!


وأن كان جسدها فقد ذلك بزواج سابق ولكن قلبها بالعذرية باق...


انفاسه كانت تلفح وجهها وهو يقترب لجبهتها....قبلة رقيقة على جبهتها ، راقية في شعورها ، تتوج هذه الليلة بالمحبة والتقدير...همس بدفء :- الف مبروك


لشد ما خجلت وهي ترفع نظرتها إليه ، لترى تحديقه بها بدقة...حتى ضيق عينيه على شفتيها بشوق....تساءلت بلهفة:- بتحبني ؟


نظر اليها بغموض للحظات ثم أجاب :- لما أعرف واتأكد من الحقيقة هقولك


نظرت له بعتاب وقالت :- يبقى لما تعرف وتتأكد من الحقيقة ابقى____


قطعت جملتها بخجل  فهزها من كتفيها بغضب بعدما فهم ما ترمي اليه :- أنتي فاكرة ايه ؟ فاكرة أنك هتقدري تتحكمي فيا ؟! فاكرة أنك هتتشرطي عليا ؟! ماتنسيش انك دلوقتي مراتي !!


قالت بنفي والدموع بعينيها :-


_ مش بتشرط ولا بتحكم ، بس أنت مش فاهمني ، أنا مش عايزة يحصلي زي زمان ، ماتبقاش زيه...


هزها بعنف مرة أخرى وهتف :- بطلي بقى كلام عليه ومش عايز اسمع عنه اي حاجة انا مش زي حد !! القرار ده قراري انا وبس...ده حقي وانا مش بتنازل عن حقوقي...


ابتعدت عنه تفاديًا لعنفه حتى جرها من معصم يدها إلى صدره مجدداً ثم......


يتبع

.......

رواية إمبراطورية الرجال 

 الفصل التاسع والعشرون/الثلاثون


 ابتعدت عنه تفاديًا لعنفه حتى جرها من معصم يدها إلى صدره مجدداً ثم همس بفحيح صوته بقرب عينيها:-


_يعني أنتي مش عايزاني اقربلك ؟! بُصيلي واعترفي..


اجفلت "للي" من جرأته في الحديث معها....لم تستطع أن تسميها وقاحة لأنها الآن زوجته وتعرف أن من حقه الغضب ولكن....هناك عائق نفسي يتركه الانفصال الأول بقلب المرأة...عائق خشية وخوف من تكرار التجربة...ربما يصل الخوف لأكثر من حياء العذراء...


أزدردت ريقها بتلعثم...نبض قلبها بسرعة عالية وكيف تجيبه ؟! وهي من تتمنى القرب ولكنها تتمهل...سارت دمعتها التي تحررت من عينيها وقالت:-


_ نفسي تفهمني...لسه الخوف جوايا...وأنت بتعاملني ولسه الاتهام في عنيك وأسلوبك ، عايزاك ترجع زي الأول...تاخدني وانا مطمنة...مطمنة أني مش هصحى على نفس نظرة الانتقام دي....ظهور الحقيقة هو الحاجز ما بينا


ضيق عينيه التي أصبحت كتلة من الجحيم وقال بأزيز صوته:-


_ لعبة جديدة من الاعيبك !! الشرط ده مكنش ضمن اتفاقنا يمكن لو كنتي قولتيه كانت وضحت حاجات كتير لكن ما تفتكريش أنك صعبة عليا ، أو صعب أخد حقي...لكن مش هنزل للمستوى ده ولعلمك...انا عندي بدايل تانية كتير....


ابعدها عنه بنبذ وانتظر ليرى نتيجة حديثه فكانت ثورتها الهائلة وهي تقترب اليه بشراسة حواء عندما يتسلل الشك لقلبها :-


_ تقصد ايه ببدايل ؟! هتعرف غيري يعني ؟! هتخوني ؟!


نطق بسخرية تغمر كل ملامحه :- أخونك ؟!! مصطلح مش في محله...فكري في الوضع اللي أنتي اخترتيه بنفسك وبعدين ابقي قولي خيانة...مش أنتي لوحدك اللي بتعرفي تقرري في الوقت الصح...أنا اقدر اوجعك في اللحظة مليون مرة من غير ولا كلمة...


كانت ستثور ،وستغضب ، وتنتفض من الغضب أيضا ...لولا أنها رأت لمحة من الألم الذي طاف سريعا بعينيه واخفاه سريعاً ....


اقتربت منه ببطء فهرب بنظره عنها ...نظرت له بتمعن وعلمت أنه يستفزها بالحديث فقط...رفعت اناملها الرقيقة على جانب وجهه وربتت عليه بحنان ورقة...طافت نظرة حنان بعينيها عندما ارتبكت عيناه لهذه اللمسة...كان مستسلما لما تفعله تمامًا...اقتربت وهمست أمام عينيه قائلة:-


_ خليني أعترفلك بحاجة يمكن تريح قلبك على ما تعرف الحقيقة وتعرف أني كنت مظلومة...وجيه...لأنت اتجوزتني عشان تنتقم ولا أنا اتجوزتك عشان الشرط...احنا الاتنين قربنا لسبب واحد بس..


نظر لها بنظرة تمتزج بين الألم والعتاب والشوق :- سبب إيه ؟


نظرت له بصمت...كيف تخبره أن الاجابة من حرفين فقط؟! وكيف تخبره أن لم يعترف بها هو ؟! كبرياء حواء دائمًا يتحدث بهذا الشأن...


بدلت مجرى الحديث وهي تزيل دموعها عينيها بأنامل يدها:-


_ الناس مستنينا برا ،هنتأخر عليهم


ابتعدت قليلاً لتتفقد مظهرها بالمرآة فجذبها بقوة ولكن هذه المرة كانت عيناه تضج حنين لشيء يتوق لسماعه بشغف :- ماتهربيش !!


ابتسمت له برقة وقالت بصدق :- أنا مش ههرب منك لأني ناوية أبقى ، انا مكاني جنبك ومعاك....المكان ده استناني من سنين زي ما مكانك كان محفوظ ومستنيك...عايزة بكرة افتكر أنك حتى في قسوتك كنت حنين ، وكنت مأمني....مش عايزة مرة ابصلك وأخاف...


ضيق عيناه بضمة من لهفة قلبه اليها...من عشقه المجنون الذي يكاد يثور بكل لحظة...ود لو أعترف بكل قوته....أعشقك


*********


همس رعد بشيء جعل جاسر يبتسم بمرح فقال جاسر بمكر :-


_ عقبالي بقى أنا مستني اليوم ده اكتر ما مستني السنة تخلص واخد ميراثي...


ضيق رعد عينيه بخبث وقال :- أنا لا مستني ورث ولا غيره ، أنا مستني القنبلة اللي هفجرها قريب...أنا قررت اخطف


نظر له جاسر بعد فهم ولم يكترث لما قاله رعد فقد اعتاد على احاديثه الغير مفهومة....


استغل يوسف ابتعاد الفتيات عن حميدة وذهابهنّ لطاولة مرتب عليها الحلوى بتنظيم....وقف بقربها فتظرت له بابتسامة خجولة وقالت :-


_ بعت البنات يجيبولك تورته ، مش نسياك


ابتسم لها بمحبة قائلا :- خطوبتنا بعد يومين يا حبيبتي ، وبعد شهرين فرحنا ، هيبقى أجمل يوم في عمري


قالت حميدة بمشاكسة:- يعني مش هاجي في يوم واعاتبك أنك نسيت عيد جوازنا ؟!


اتسعت ابتسامته وقال :- بصراحة مش هقدر اوعدك أني هفتكر التاريخ دايما في كل سنة بالضبط ، لكن اوعدك أنك باقية جوايا برا النسيان...انا مكتفي بيكي عن الدنيا كلها....


ادمعت عينيها بسعادة وأصبحت نظرتها للأسفل....قال يوسف بعتاب :-


_ هو أنا بقولك كده عشان تعيطي ؟!


قالت حميدة بابتسامة شقت الدموع :-


_ لما بفرح عينيا بدمع غصب عني ، انا شيلالك كلام كتير أوي يا يوسف مش عايزة أضيع حلاوته واقوله دلوقتي...


ابتسم بمرح وهو يعطي لها علبة مناديل ورقية كانت بجيب سترته :- مش بقولك يوم الفرح ده هيكون احلى يوم بعمري ؟ امسحي دموعك ، مش عايز اشوفها تاني


اخذت منه العلبة بابتسامة ومسحت دموعها وهي تتنهد براحة....راقبها يوسف كأن ابتسامتها مطر طال انتظاره....وضوء الفجر بعد العتمة...


********


تسحبت نظرة جميلة باتجاه جاسر فوجدت نظرته مثبته عليها اينما ذهبت حتى رماها بغمزة وابتسامة ماكرة من بعيد فاتسعت عينيها بغيظ....وضع يده على وجهه ليخفيه فابتسمت رغما عنها من تصرفه الطفولي....تمتم جاسر وقال بغيظ :-


_ النكد يليق بكِ يا خميرة العقد والعكننة....


وكزه رعد سريعا وقال :- عمك طلع مع مرااااته


اسدل جاسر يديه من على وجهه فاتسعت ابتسامته وهو ينظر لوجيه وقال بخبث :-


_ عم مين يا عم ده احنا اللي عمامه ؟! قول أخونا الكبير ، عمك غلبنا كلنا يارعد ، اهو ده اللي يسكت يسكت ويقوم منشن صح ، انا جيت أنشن الطوبة ردت في دماغي فتحته... بس ليه حاسس أني شوفتها قبل كده ؟!


أجاب رعد بضحكة :- رضوى لسه قايلالي أن بيت جدها عندهم في الحارة وحضرت خطوبتك انت وجميلة...اكيد كلنا شوفناها


قال جاسر بابتسامة واسعة وماكرة :- عمك عنيه بتلمع لمعة أنا عارفها ، اطلق جميلة خطيبتي لو مكانش واقع لشوشته في الحب


سخر رعد بضحكة :- تطلق خطيبتك !! يلا يا مجنون خلينا نباركله


دوت اصوات الزراغيد بالشقة عند خروج للي وهي متعلقة بيد زوجها...ابتسامتها الخجولة كانت صادقة وحقيقية...ونظرته الجادة المتلقية المباركات بابتسامة بسيطة كانت طبيعية....


توجه يوسف إليه اولًا وضمه بمحبة مباركا :-


_ الف مبروك يا عمي


ربت وجيه على ذراع يوسف بابتسامة حنونة وقال :- عقبالك يا يوسف


اتى جاسر بابتسامته الماكرة وقال:- الف مبروك يا عمي ، يااااعمي


أجاب وجيه بابتسامة بعدما فهم ما خلف ابتسامته الخبيثة:- الله يبارك فيك يا جاسر....عقبالك


قال جاسر بابتسامة خبيثة:- يارب يارب ياعمي يارب


اقترب آسر ورعد متابعين المباركة والتهنئة.....


************


همست سما لرضوى بابتسامة:- للي كان عندها حق تحبه ، يخربيت كده


قالت رضوى بتحذير :- وطي صوووتك لحد يسمعك


اتسعت ابتسامة سما وقالت بخفوت :- محدش سامعني يا ختي ، بس بجد ايه ده ؟! مكنتش فكراه كده بصراحة...ده بولاد اخواته الأربعة وشكله راسي وتقيييييل


رضوى بمكر :- شوفتيه بيبصلها أزاي يابت يا سمكة ؟! بذمتك ده واحد ناوي ينتقم منها ؟!


تنهدت سما قائلة بهيام :- عقبال ما آسر يتعدي منه وينتقم مني كده


وكزتها رضوى وقالت بغيظ:- يا غبية ، انتي دعواتك بتتحقق ، أنتي عايزاه يتجوزك بشرط ؟!


اجابت سما بمرح :- وربنا هفرح هههههههه


ضحكت رضوى عليها...اتت جميلة وحميدة فقالت جميلة:- يلا بقى نروح نباركلهم قبل ما يمشوا


سما بدهشة:- هما لحقوا ؟! هيمشوا بسرعة كده ؟!


حميدة بتوضيح :- طالما مافيش فرح القاعدة مالهاش لازمة ، يلا يا بنات ...


توجه الفتيات للمباركة حتى اقترب سقراط بحذر وقال وهو يرمق وجيه بغيظ:- الف مبروك يا لوليتا....ماتنسيناش يا لوليتا.... وهتوحشينا يا لوليتااااا.


ضيق وجيه عينيه بتحذير وصرامة له فقال سقراط مصححا :-


_ الف مبروك يا مرات عمي وجيه...حلوة الصيغة دي ؟


كتمت للي ضحكتها وهي تنظر لوجه زوجها المنفعل....


*********


مرت الوجوه أمامـا سريعاً...طالت ما طالت...وبقيت ما بقيت...فقط هو من ترى عينيه حتى لو كان بعيدًا...وهي الآن بطريقها إلى القصر...معه..


بصفتها زوجته...وبصفته زوجها....ما الذي تفعله بها الأيام...اكثر ما تخشاه أن يكن هذا الطريق خاتمة حبها إليـه...انطلقت سيارته بالطريق...وهما بداخلها....غريب هذا الرجل !! حتى أنه لم يستعين بسائق ليقله بالسيارة ويتفرد بوجوده جانب عروسه....ماذا يدور بعقله ؟! هل هذا عدم مبالاة لهذا اليوم ؟ أم ماذا !!


كانت تنظر له عبر المرآة الأمامية بارتباك ، يشتد الارتباك كلما تقابلت نظراتهما...ينتفض القلب نبض وحياة...


وقفت السيارة أمام القصر...ووقفت يداه على المقود...كأنه ينتظرها لتقل شيء أو تتحرك لعالمه...تتوجه بإرادتها إليـه...


نظرت للي للقصر...أنه لمنزل يشبه المنازل التي قرأت عنها بالقصص والروايات...وكأنها خرجت من أحدهم لتعيش قصة ما


والبطلة...هي


والقصة ستأت بعد الحقيقة ....


والبطل هو...ولكنه ليس بالمغرور...أو الأناني ،انما رجل يقدر ذاته ، ذو كبرياء يُشاد به ، وعزة نفس عالية تأبى حتى الاعتراف لخفقات قلبه العاشقة...


انتظرها حتى تبادر...وانتظرته حتى يسبقها ويتحدث...


خسر معركة الصمت وخرج من السيارة بملامح ثلجية جامدة....تبعته ببطء...اعترفت أن ثباتها ومقاومتها ثُقبت !!


وما أصعب أن نحرم على أنفسنا ما هو احق الحق....


توجهت إليه بنظرات تتقد خجل وحياء ولدهشتها تشابكت يده مع يدها وقال بغموض :-


_ أول خطوة لحياتي...أول خطوة ليـا...خلي بالك منها


حاولت أن تفسر ما يقصده !! ايقصد الود أو التهديد ؟! ابتلعت ريقها الذي جف من عناق انامله بأناملها....نعم عناق...ضمة يده كانت حنونة  ، بها من القوة المائلة للعشق وليس القسوة....هذا الرجل ليس قاسي مثل ما يظهر !!


دلفت معه للداخل بخطوات تبدوء هادئة...ولكنه لابد أنه شعر بإرتجافها من لمسة يدها...


اسقف عالية...وستائر تبدو باهظة الثمن ، وأنوار تغمر المكان من جميع الزوايا...حتى قدميها التي غاصت بالسجاد السميك الناعم...يبدو كل شيء وكأنه حلم...شعرت ببعض الرهبة وهي تنظر حولها...تعجبت من شعورها بالقلق بدلا من الراحة!!


ترك اناملها...كان لذلك مرارة زرعت بنفسها ، لم تنظر له حتى لا يكتشف كم المها هذا... فقال بحدة :-


_ اطلعي فوق...أوضتنا آخر الممر في جهة اليمين


ارجفتها هذه الكلمة الذي مزجها بها...لم تفكر كثيرا فقد كانت تريد الاختلاء بنفسها....اسرعت على الدرج للأعلى وكأنها تحفظ المكان عن ظهر قلب...بينما جسدها بالكامل يرتجف....


وقف يتأمل هروبها منه وابتعادها....ظهر الألم بعيناه الآن ، كان يريد السير إليها ، لما قطعت عليه الطريق؟! ، هو لا يعرف إذا كان سيستطع الوصول للحقيقة أم لا...لا يثق في ذلك...لو كان قرارها مجرد قلق أو خجل لكان انتظر بمحبة....ولكنها تضعه أمام مفترق الطرق ، أما أن يخضع أم لا ...


توجه للحديقة....يحتاج لأستنشاق الهواء قليلًا....


**********


لم يكن ثمة حيرة في اختيار الغرفة الصحيحة...فقد كانت مميزة...توجهت إليها ببطء  فتحت الباب لتتأكد أنها الغرفة المقصودة بالزينة والورود الحمراء التي تملأ آواني الزهور....


دلفت واغلقت الباب خلفها وهي تنظر جيداً.....ذوقه رائع في اختيار الاثاث والوان الحوائط....كيف لا وهي لم تستطع أن لا تحدق به وبوسامته المدمرة بهذا اليوم تحديدا....الآن تذكرت ذلك بإرياحية من كشف شرودها....جلست على الفراش ذو المفارش القطيفة الناعمة....تسللت ابتسامة خجولة حتى سقطت نظرتها على الحقائب التي ارسلتها بالأمس...حقائب جمعت بها الثياب التي ابتاعتها بالأيام الماضية...توجهت اليها بتعجب وقالت :-


_ لسه الشنط هنا ؟!!


حاولت للي تحريك الحقائب ظنا منها انها تم افراغها فوجدتها ثقيلة !!! نظرت بدهشة وهمت بفتحها لتتفاجئ أن ملابسها كما هي !!


ضاقت من الأمر ثم جرت الحقائب امام خزانة الملابس لتبدأ في اصطفافها وتنظيمها....ربما الأمر ليس بهذا السوء فقد يشغل وقتها ويبدد ارتباكها بعض الشيء.....فتحت الخزانة بلطف حتى تفاجئت أنها ممتلئة تمامًا !!


نظرت بدهشة إليها وبدأت بالنظر بدقة وتفحص....اكثر ما جعلها تندهش هو اختيار جميع الألوان التي تحبها...كيف علم بذلك ؟!


نظرت بخجل لملابس النوم وتسائلت كيف أتى بها ؟!


أخرجها من احمرار خديها وخجلها صوت هاتفها المحمول....التفتت لحقيبة اليد التي تركتها من يدها منذ لحظات....توجهت اليها وأخذت الهاتف منها لتجد رقم مجهول....أجابت بتردد :- الو؟!


صدح صوته الكريه ويبدو أنه رتب لهذا الأمر وقال :-


_ اوعي تكوني فاكرة أنك كده فلتي مني ؟! احنا بينا حساب لازم يخلص ، اللي عملتيه فيا في فرنسا مش هعديهولك بالساهل ، جوازتك دي محكوم عليها بالفشل والنهاية القريبة ، يأما الطلاق او الموت....


أغلق حسام الأتصال لتقف للي مذهولة ، مصدومة ، مرتعبة ، مذعورة ، تعرف أنه مجرم...يستطيع أن يفعل أي شيء....وضعت يدها على فمها وهي تنتفض من الخوف حتى سمعت صوت فتح باب الغرفة....


دلف وجيه للغرفة بوجه لا تعبير له ، نظر لباب الخزانة المفتوح واقترب اليها...طافت نظرته سريعا ليخرج رداء من اللون الأزرق عاري الظهر تماما.....نظرت له بدموع وهو يلقي الرداء على الفراش وقال :-


_ البسي ده


ركضت اليه باكية وتناست أي شيء سوى أنها تريد أن تطمأن....تفاجئ بقربها....أكثر شيء استطاع أن يخمنه هو صمتها....ارتمت بين ذراعيه باكية وهي تلف يديها حول عنقه بارتجاف وتقل :-


_ انا خايفة ما تسبنيش ...


ارتبكت عينيه بقوة....وتسحبت يديه رغما لتضم خصرها....خائفة وقلبه يأمره بالرفق والرقة...قالت بذعر:-


_ اتصل بيا وهددني ،قالي جوازنا محكوم عليه بالطلاق أو الموت ...ده مجرم وممكن يعمل أي حاجة انا مرعوبة منه...


ابتعد عنها بصدمة وتساءل:- مين ؟ طليقك ؟!


هزت رأسها بالايجاب وضمته مرة أخرة قائلة:- هو...أنا مش عايزة اسيبك ، عايزة أفضل جنبك


قالتها وهي تنتفض وتضمه أكثر....تصرفها عفوي ولكنه أثاره واضعفه...ورق قلبه لبكائها...ضمها بقوة....تقريبًا كان سيخنق ضلوعها بين ذراعيه...حتى هدأ بكائها قليلا...فابتسم


تابعت بتصميم وفجأة اشتد بكائها :-


_ ماتسبنيش أنا ماليش غيرك...


دفن رأسه بعنقها قائلا بعشق :- انا جنبك


💖💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖💖


 - الفصل الثلاثون


صوته كأن أكثر دفئا وارباكا من أن تظل تبكي أو تتجاهل ...ابتعدت لترى نظرته...كانت نظرته مثلما تمنتها...أبت يديه أن تبتعد حتى جذبها إليه مرة أخرى...كان صوت دقات قلبها يكاد يكون مسموع وهو يقترب إليها..اقتحم الخطوة الفاصلة لأنفاسها...ولصوتها ، ولطرفات عينيها المرتبكة...


انتفض نبضها بقلب يقسم أنه يعشق هذا الرجل...لمسة يديه على ذراعيها تقول أنه لا يريد القسوة...انما يتوق للحب...يشتاق إليه مثلما تشتاق الروح للحياة... بعد دقائق


ابتعد خطوة صغيرة فقط حتى تستطع هي أخذ انفاسها المتلاحقة بقوة...دب فيه العشق وأعلنت عينيه ما يُخفيه....


لمس جبينه جبينها في توتر الأنفاس....قال بهمس وصوته بدا متهدج :- كان عندك حق لما قولتي أني مش هعرف أقسى عليكي...أنا فعلًا مش هعرف أقسى...مش هعرف اتظاهر بشيء مش جوايا...أنا عارف أنك مريتي بتجربة صعبة...اثرت في نفسيتك...ونص طريق الوصول ليكي أن أعترف أني ما اتجوزتكيش انتقام...


تبددت دفعاتها ، تسللت ابتسامة امتزجت مع دموعها ونبضها المرتجف...كيف تبتعد عنه بعد تصريحه هذا ؟! كانت تريد كلمة أحبك فأعطى لها ماهو أجمل...الآمان والطمأنينة..


قالت بصوت مرتعش :- طب اتجوزتني ليه ؟


طافت نظرته بحنان على عينيها ثم رفع أناملها لشفتيه بقبلة رقيقة....حتى ذهبت نظرته لعينيها مجددًا....قبّل جبينها بحنان ثم تنهد بكل ما يحمله قلبه من ميل إليها...قال بدفء هامسا بأذنيها :-


_ عشان لو مابتعرفيش تحبي....اعلمك


تسلل صوته الرخيم إلى أذنيها برجفة طافت جسدها بأكمله...وكأن المطر ينزلق عليها وجعلها ترتعد من البرد...ولكنه الآن دفء...رفعت نظرتها حتى عيناه...ظل ابتسامة مرت على شفتيها مع نظرة عتاب...تابع مبتسما :-


_بحب نظرة الشقاوة اللي بتبان في عنيكي لما بتضحكي...مابحبش الحزن اللي بيظهر وانتي بتبكي...


تدرجت ابتسامتها رويداً وهي تنظر له...لم تهرب بنظرتها بل أرادت أن تشبع قلبها من لمعات عينيه الحنونة...ليتابع بمكر :- كنت عارف من أول ما شوفتك أنك شقية...


علت وجنتها حمرة شديدة من الخجل ثم تساءلت بقلق :-


_ يعني مصدقني؟ مش هتسيبني ؟


صمت وقد تبدلت نظرته لشيء من الغموض...كيف يخبرها أنه يتمسك بقربها أكثر من أي شيء بحياته...قلبه يصدق أنها بريئة...رجفتها منذ قليل وكأن لم يمسسها رجل من قبل !! لا يمكن التظاهر لهذه الدرجة !! انما العقل كالقانون...يعترف بالأدلة فقط...لم يستطع اختراق ذلك الحاجز بين قلبه وعقله...ولكن شعوره يميل إلى صدقها...


أجاب بصدق :- أنا اعتبرت نفسي ضيف في حياتك....اقامتي معاكي متوقفة على قرارك أنتي...أول خطوة كانت ليا...بس الخطوة التانية لينا احنا الاتنين...


شدد يديه على خصرها وهمس بقرب عينيها قائلا :-


_ قربي خطوة وهقرب عشرة...


كان سيذهب مرة أخرى لثغرها حتى ارتفع صوت هاتفه...ابتعد وجيه بنظرات متسلية من الاحمرار الهائل على وجنتيها ونظر للهاتف بغموض...تبدلت نظرته للجدية فاستدار ليأخذ هاتفها من على شرشف الفراش بعدما تركته قبل أن تركض إليه...قال :-


_ هاخد تليفونك محتاج منه حاجة وهرجعهولك...


قالت بلهفة :- رايح فين ؟!


تسللت بسمة ماكرة على شفتيه وقال :- معايا اتصال مهم وضروري...ممكن اتأخر..


استدار واتسعت ابتسامته بخفاء من رؤية الغيظ بعينيها...


خرج من الغرفة بهدوء وتركها وحدها....ضيقت عينيها بغيظ...كانت تتمنع وهو المتلهف !! ماكر هذا الرجل وخطير !! فقد تبدلت الأدوار ولم يذهب إلا بعدما أرضى كبريائه !!


ورغم ذلك...ابتسمت بالتدريج...يستحق أن يُعشق ، بلحظة وكأنه البركان وبلمسة بسيطة منها تحول لذلك العاشق من جديد...هل يوجد شك بعد الآن كي لا تتأكد أنه يعشقها ؟!!


نظرت للرداء المُلقى على الفراش بخبث...قالت :- مافيهاش حاجة لو جربته...جوزي حبيبي اللي جبهولي


ابتسمت ابتسامة واسعة لأثر جملتها على مسمعها وبدأت ترتدي الفستان ببطء..


*************


*بمكتب وجيه بالقصر**


اجرى وجيه اتصال على آخر اتصال بهاتفها ليأت الأتصال بصوت يخبره أنه خارج النطاق أو مغلق !!


وضع الهاتف من يده فقد توقع ذلك ثم اتصل على ضابط الشرطة الذي تعرف عليه بأحد الزيارات العائلية منذ سنوات...قال وجيه :-


_ وصلتني رسالتك على التليفون بس كنت سايق معرفتش أرد...


قال الضابط رأفت بجدية :-


_ اللي وصلتله أن ده فعلا حصل بس اللي عمل كده مش اسمه حسام ، ده واحد مش عربي اصلا...المعلومات اللي وصلتني في الأول كانت بتقول انه هو حسام بعد كده حصل حاجة غريبة وكل حاجة بعدت الشبهة عنه بشكل غامض!!


ضيق وجيه عينيه بذهول وقال :- أنا شوفت حسام بنفسي في فرنسا ، شوفته أول يوم وصلت هناك...


اجاب الضابط رأفت :-


_ ده اللي مخليني شاكك...لو اللي شاكك فيه صح يبقى حسام بيشتغل لحساب مافيا كبيرة ، هما اللي يقدروا يهربوه ويحطوا واحد مكانه بسهولة...محدش غيرهم يقدر يعمل كده...تحرياتي بتقول أنه رجع بالفعل من فرنسا بس مختفي !!


نهض وجيه من مقعده بعصبية وهتف :- ده دليل أن في حاجة وراه ، لازم نلاقيه ماينفعش يفضل هربان كده !! ده بقى بيهددها بالتليفون كمان !!


قال الضابط رأفت بلطف :-


_ ما تقلقش ، انا حطيت مراقبة على بيتك لأن الموضوع أكبر من مجرد انتقام واحد من طليقته...لازم أعرف هو فين ولو وقع في ايدي هعرف اخليه يعترف بكل شيء....


زفر وجيه بغضب وهتف :- ولو وقع في ايدي همحيه من على وش الدنيـا


قال الضابط بتحذير:-


_ لأ...لازم تمسك أعصابك اكتر من كده ، أنا عارف أن الموضوع مش سهل بس موته مش هيفيدنا بحاجة بالعكس...هو لو يقدر يعمل حاجة اكتر من التهديد مكنش اختفى...سيبلي الموضوع ده وانا هخلصه ويستحسن نتقابل لأن الكلام مش نافع في التليفون...


وجيه بمحاولة ضبط النفس :- حدد الميعاد والمكان


صمت الضابط لدقيقتين ثم اجاب :- بعد بكرة ، نتقابل في شركتك أفضل بلاش البيت أو مكان مفتوح...هجيلك الساعة ٣العصر بأذن الله


وافق وجيه على الموعد وانتهى الأتصال....


لا زالت الأمور غير واضحة...ولا زال التخبط في الفكر قائم...ولكنه منذ أن دخلت حياته ومملكته بهذا القصر وقد تبدد غضبه منها...تعهد فقط أن يجعلها تحبه...شعر بذلك وهي بين ذراعيه للحظات...


رجفتها تقل أنها تشعر ، ينبض قلبها بشيء!


لحظات من أجمل لحظات حياته على الأطلاق...لولا لمعات الخوف بعينيها لكان نال ما تمناه ولكنها خائفة...حبيبته خائفة من كل شيء...اشياء تبدو معلومة وأشياء تبدو غامضة بخوفها !!


تساءل في نفسه...هل يصعد إليـها ويروي قلبه بالأماني أم يتمهل ؟!


أيهما أكثر آمان بالنسبة إليـها ؟! عيناها تفصح بأشياء متناقضة...الخوف واللهفة ، الحب والحذر ، التردد والثبات !! ماذا يفعل ؟


************


تنهدت بغيظ...ظلت لدقائق تنظر لمظهرها بالمرآة حتى نال أعجابها بشدة....بينما هو جالسا بمكان آخر لا يبالي !!


ايختبرها ؟! وهل نجحت بالاختبار ؟! ابتسامته الماكرة قبل أن يذهب اغاظتها أكثر....


مرت دقائق كثيرة بعد ذلك حتى تمددت على الفراش بعصبية ورغما ذهبت بعد دقائق في غفوة سابحة بين اليقظة والنوم...


فتح وجيه باب الغرفة وهو يعرف ما ستكون نتيجة أن وجدها يقظة تنتظره...شعر بخيبة أمل عندما وجدها نائمة على فراشه...كان سيغمره شعور مرير لولا أنه لاحظ ارتدائها لذلك الرداء الذي اختاره منذ وقت...امتلأت عينيه بالدفء وهو يقترب إليها...


فاتنة تبدو....


بريئة جدًا...


طفولية التململ !!


ابتسم بحنان وهو يُبعد خصلاتها الطويلة السوداء عن عينيها...ظل يتأمل ملامحها الناعسة للحظات...كيف لأي رجل عاقل أن يبعد هذه المرأة عنه ؟! ولكنه يشكر كل الظروف التي مهدت الطريق لتقتحم حياته...ما كان يظن يوما أنه يستطيع أن يسامح احدا وضعه برهاناً سخيف لبعض الدقائق....ولكنه الآن سامحها...يريد فقط أن يمنحها الأمان وينسج الصدق بينهما قبل أي شيء ...ليمر الحب على بساط الثقة ويشيد أسطورة عشقه بها...


ابتعد ببطء حتى يبدل ملابسه...


خرج بعد دقائق من حمام الغرفة الخاص وهو يجفف شعره وقد ارتدى ملابس مريحة رجالية من اللون الأسود....


وضع المنشفة على ظهر المقعد وتوجه للفراش بجانبها...اضطجع ببطء حتى لا يوقظها....نظر لوجهها النائم بابتسامة فاقترب إليـها واخذها بين ذراعيه برقة حتى فتحت عينيها قليلا وكادت أن تقل شيء فوضع اصبعه على شفتيها هامسا :-


_ بس...كملي نوم


ابتسمت وهي تغمض عينيها من جديد...كالطفلة التي اطمأنت لوجود والديها...وتشبثت بملابسه دون أن تدري...نظر ليديها على قلبه فابتسامة دافئة ثم قبل رأسها بخفة....وضع رأسه على الوسادة وهي بين ذراعيه برضا تام....


لم يكن ليرضى عن نفسه لو فعل ما يريده ونظرات الهلع بعينيها....


يشتاق وشوقه يجعله يقترب بحذر حتى ....ترضى


************


بهمس الليل....تملمت حميدة بفراشها وهي تتثاءب...لاحظت شيء جعلها تتعجب...قالت بصوت كسول :-


_ صاحية لحد دلوقتي ليه يا سمكة ؟!


مسحت سما عينيها من الدموع وقالت وهي تنهض من على الأريكة بقرب النافذة وتتوجه للفراش :-


_ مافيش يا حميدة ، نامي عشان ما تصحيش متأخر


اعتدلت حميدة وهي تفرك عينيها بثقل ثم نظرت لها وشعرت من صوتها بالحزن فقالت :- أنتي بتعيطي ؟!! حصل إيه !!


صمتت سما بدموع تنزلق من عينيها دون صوت 


_ قوليلي بتعيطي ليه ومين زعلك ؟! آسر مش كده ؟!


اكدت الدموت المنهمرة من عين سما ظن حميدة فربتت حميدة على يديها قائلة :- مش قلتلك اتقلي عليه ؟


ابتلعت سما ريقها بصعوبة وقالت :- أنا مش عارفة عملتله ايه تاني !! بقاله يومين بيعاملني بطريقة وكأنه مش بيكره ادي...لما اعتذرلي قلت يمكن كان زعلان شوية وخلاص لكن رجع أسوء من الأول....


حميدة بدهشة :- أزاي ؟!!


أجابت سما ببكاء :- بقى بيزعقلي كتير ، مش طايق يسمع صوتي خالص ومش عايزني اكلمه ولا كلمة حتى لو قلتله صباح الخير بيضايق !! حتى لما كنا في فرح للي من ساعات...بيبصلي وكأني عدوة !! جيت اباركله سابني ومشي !!


نظرت سما لحميدة ببكاء وقالت :- انا عملت ايه يا حميدة عشان يعاملني كده ؟! بحاول افتكر مش لاقية سبب يوصله للدرجادي !!


قالت جميلة بضيق وهي تعتدل في فراشها :-


_ عشان بتجري وراه يا سمكة ، في نوعية ماينفعش معاهم الطريقة دي وعموما كل الرجالة كده اصلا ، هتجري وراه هيجري منك


هزت حميدة رأسها برفض وقالت بشك :- لأ....مش ده السبب ، في حاجة غريبة في الموضوع ده ، أنا فعلا شيفاه الفترة دي غريب وسرحان كتير ومضايق على طول....بس اللي مجنني اشمعنى سمكة اللي بيعاملها كده ؟!


نهضت رضوى بعدما استعمت لحديثهم وقالت بعدما تثائبت :-


_ بقولك ايه يا سمكة....جربي تغيبي كده يوم يومين وشوفي رد فعله ايه ، هيبان


ضيقت حميدة عينيها وقالت :- ساعات بتفهمي يابت ، مش هنخسر حاجة ، وهراقبهولك طول اليوم ونشوف....


قالت سما بحيرة :- مش عارفة....بس هغيب


***************


تألق شعاع الشمس لهذا الصباح...


طيلة الليل كانت تشعر بذراعيه المسجونة بينهما....السجن الوحيد الذي يعشقه القلب....لأول مرة تسبح غفوتها بعمق دون قلق أو اضطراب وكوابيس مرعبة... أنكمش حاجبيها عندما شعرت بالفراغ جانبها...فتحت عينيها ولم تجد سواها بالغرفة !!


اعتدلت ببطء وعينيها بالكاد تتفتح بسبب الضوء المطل من النافذة...نظرت بجميع الاتجاهات ولم تجده  وكأنه رحل عنها !!


شعرت بشيء مؤلم غاص بقلبها وخوف مفاجئ....كانت ستركض لخارج الغرفة لولا هذا الرداء القصير الشبه عاري الذي ترتديه...


زفرت بحنق وتوجهت للخزانة تنتقي منها شيء مناسب حتى أخرجت رداء من الدانتيل بلون الخوخ يصل لبعد ركبتيهاوتوجهت للحمام سريعاً....


خرجت بعد دقائق ووقفت أمام المرآة تمشط شعرها ثم عقصته سريعا على شكل كورة أعلى رأسها بواسطة دبوس فضي لامع...


القت نظرة سريعة على مظهرها ثم خرجت من الغرفة وهبطت للأسفل...


**********


أمام المسبح....


وضع الخادم العجوز فنجان القهوة على الطاولة وقال :-


_ احضرلك الفطار دلوقتي ؟


وضع وجيه الجرنال من يده وأخذ فنجان القهوة قائلا :-


_ لما للي تصحى هنفطر سوا


كاد الرجل ان يبتعد حتى لمح وجيه للي تأتي من البعيد فقال مبتسما بتسلية :- خلاص حضره يا عم نعيم


اومأ الرجل العجوز بالموافقة وذهب وهو يغض البصر عن للي التي يبدو وأنها غاضبة من شيء....توجهت إليـه مباشرة واستمتع بالعصبية المطلة من عينيها وهو يعلم السبب...


وقفت للي امامه بإعتراض وقالت بغيظ :- قاعد بتشرب قهوة بمزاج وسايبني لوحدي و..


قطعت جملتها بإرتباك...تعرف أن ما تقوله يبدو تافهاً ولكنه حقا اغاظها


وضع وجيه فنجانه بنظرة ماكرة متسلية ثم نهض من مقعده ببطء ....بدا وسيما للغاية بملابسه الرياضية السوداء تلك...بدا أصغر بكثير من عمره !!


وقف امامها بابتسامة ماكرة حتى جذبها فجأة من خصرها إليه وقال بهمس :- في عروسة تزعق كده لعريسها ؟! مافيش حتى صباح الخير ؟!


ابتلعت ريقها بارتباك وحاولت التظاهر ببعض الثبات قائلة بغيظ :-


_ وهو يعني في عريس يسيب عروسته ويروح يفطر لوحده ؟!


اجاب بابتسامة :- انا بشرب قهوة لسه ما فطرتش...أنتي متعصبة كده لـيه؟!


قال جملته بمكر طل من حدقتيه فغضبت من نفسها أنها اتت من الاساس واظهرت ما يضيقها....قالت بتلعثم :-


_ يعني...أول يوم ليـا هنا والمكان غريب وكده


تساءل بخبث :- وأنا اللي بطمنك ؟


انتبهت لمكره وما يدفعها اليه...قالت بقوة وعصبية :-


_ لأ وانا غلطانة أني جيتلك


اتسعت ابتسامته وهو يراها تبتعد حتى لحقها وجذبها اليه قائلا بهمس:- مش هتكرر تاني


حاولت أن لا تبتسم وتظاهرت بالعصبية وهي تتملص من قبضته وتركض ولكنها تعثرت على حافة المسبح وسقطت به...نظر إليها بضحكة وقال :-


_ عشان تبقي تجري مني


كانت ستظل ضحكته لوقت أطول ولكنه رأها تضع يدها على فمها وتكتم صرخة ويبدو عليها الذعر وكأنها ترى شبحا مخيف!!


ظن انها لا تعرف السباحة فندم على مرحه حتى اندفع جسده بماء المسبح بحركات سريعة ورشيقة ليرفع جسدها للاعلى قائلا بقلق :-


_ في إيـه يا للي ؟!


كانت تنتفض وترتعش بشكل مخيف حتى سحبها من المياه لحافة المسبح مجددًا ورفعها لتجلس عليه...تشبثت للي حتى استطاعت الجلوس بجسد يرتجف ثم سقطت في اغمائة...


*********


بعد مضي فترة فتحت عينيها لتجد نفسها بالفراش بغرفته...وضع وجيه يديه على وجهها بقلق قائلا :- حصلك ايه ؟ فجأة اغمى عليكي !!


تذكرت ما حدث لها لتجهش فجأة في بكاء مرير....ضيق وجيه عينيه بدهشة وشك فيبدو أن الأمر ليس عاديًا...تساءل :-


_ بتعيطي ليـه ؟!!!


استطاعت تمالك نفسها قليلا ثم اجابت بصوت مخنوق :-


_ أنا بخاف من المية ، حسام السبب


وجيه بذهول :- عملك ايه ؟!


قالت وهي تنتفض من البكاء :-


_ كنت حامل في الشهر السادس وساعتها صمم ياخدني رحلة في مركب في البحر مع اصحابه ، كنت مرعوبة لأن دي مش عادته !!


فجأة لقيته مصمم أني انزل المية معاه !! اتحايلت عليه يسيبني لأني كنت تعبانة ماسمعنيش...ضربني كتير أوي لحد ما اغمى عليا ووقعت في المية...مافوقتش غير وانا في المستشفى لكن كنت خسرت ابني...كان بيدور على ابشع الطرق ويعذبني بيها...


دفنت رأسها بصدره باكية فضمها بقوة....حاول السيطرة على غضبه  فتمتم :- الحيوان...ده اكيد مش طبيعي !! مافيش انسان يعمل كده الا لو كان مجنون !!


قالت للي وهي تبكي :- مريض نفسي واهلي سابوني ليه عشان خافوا منه ، كان كده مع كل اللي حواليـه بس أنا اكتر...عشان كان عارف أني بكرهه..


جذب رأسها لصدره بقوة قائلا بدفء :-


_ للي...الحيوان ده مايقدرش يقربلك بعد النهاردة ، لأنه عارف أن لو بس بصلك هتبقى نهايته ، أنا مش برحم اللي يجي على اللي مني ، عايزك تطمني ومتخافيش....


توقفت عن البكاء ببطء وتساءلت :- هو أنا منك ؟


نظر لعينيها بابتسامة حنونة وقال :- أنتي لسه شاكة ؟! ده انا اتجوزتك غصب عنك !


_ أنا دلوقتي فهمت سبب شرطك وخوفك من القرب...واضح أنك شوفتي حاجات كتير منه ، وواضح أنك محتاجة تطمني الأول...


هزت رأسها بقوة وايجاب وهي تستمع لدقات قلبه فقال بتنهيدة :-


_ صدقيني...مهما صبرت عليكي...لو خيروني بين وجودك واني ارجع لوحدي قبل ما أعرفك....هختار شوكك يا وردتي


رفعت رأسها بصدمة ورددت :- وردتك ؟


هز رأسه بنظرة مبتسمة :- بالضبط


قال بذات الصدمة :- أنا ؟!!


ضيق عينيه بتفكير وأجاب :- مش بالضبط


عبست ملامحها لتتتسع ابتسامته قائلا بمشاكسة :- يلا عشان نفطر


نهض من الفراش قائلا :- هخلي الفطار يجي هنا أفضل


********


**بمكتب رعد **


ظل رعد ينظر لرضوى بمكر بينما هي بدأت العمل للتو لهذا الصباح...قال :-


_ انـا مسافر اليونان يا رضوى.....قريب


هبت رضوى واقفة من مقعدها وهتفت به :- انت بتقول إيه ؟!


اخفى ابتسامته بينما رمقها بخبث وتابع بتأثر :-


_ للأسف المسابقة اتقدم ميعادها ولازم أسافر ، كانت بعد خمس شهور وفجأة بقت بعد شهرين ، مش عارف حتى هحضر فرح يوسف وجاسر ولا لأ


ظهر على وجهها العبوس والضيق الشديد وجلست مرة أخرى ببطء ليتابع بتظاهر :-


_ مش دي المشكلة...المشكلة أن لازم أبقى متجوز...ده شرط من شروط المسابقة ، لازم يكون معايا مراتي ، ناس غريبة أوي !!


هبت واقفة مرة أخرى وهتفت بغضب :- متجوززز !!!


اخفى ضحكة كادت أن تفلت منه بسبب رد فعلها المضحك وقال :-


_ للأسف...هضطر غصب عني ادور على شريكة حياتي...


سقطت الأوراق من يدها بصدمة فنهض متوجها إليها...ود لو يأخذها بين ذراعيه ولكن هذا لا يصح...جثا والتقطت الأوراق المتفرقة على سجادة الأرض ثم وقف قائلا :-


_ مالك اتصدمتي كده ؟!


تلعثمت وابتلعت ريقها بغصة مريرة عالقة بحلقها وهي تأخذ الأوراق منه وقالت :- لأ ابداً مافيش...ربنا يوفقك


نهضت وكتمت شيء قاتل يطوف بداخلها....وقف امامها بحيرة...ايصرخ بها ويعترف بحبه أم يتمادى في خطته خوفا أن تصده ؟!!


قال بحدة :- اختاريلي أنتي العروسة


هربت بعينيها للأسفل...هزت رأسها بموافقة كي ينهي الحديث ولكنه لم يُنهيه...فقال:-


_ لو لقتيها قوليلها أني هخليها اسعد انسانة وهعمل كل اللي أقدر عليه عشان اسعدها..


هتفت به صارخة :- ما قولت طيب خلاص بقى !! لما الاقيها هقولك وابقى اقولها الكلام ده بنفسك...


رمقها بغضب ثم عاد لمكتبه وهو يكاد يلقي بكل شيء بوجهها علها تشعر به....


*************


أتى يوسف بعدما انهى مع احد المهندسين بعض الاستفسارات السريعة ليجد ذلك العميل السمج وهو يقف أمام مكتب حميدة....رمقته حميدة ببسمة خفية وهي تعلم ما يشعر بنفسه.....


اتى يوسف لمكتبها غاضبا وهتف :- انا حذرتك مليون مرة لكن اظاهر مافيش فايدة فيك وانا هكلم مدير الشركة اللي بتشتغل فيها ،لو سمحت اتفضل


شعر الرجل بالخوف والحرج وقال باعتذار :- أنا مش اقصد.. ده كان بس شيء مش فاهمة وجيت اسأل عليه...


هتف يوسف بغضب :- مش هكررها تاني ، انا مديلك كل التفاصيل ووجودك من غير داعي ده شيء سخيف ، شغلك بيوصلك لحد عندك اعملك ايه تاني ؟!


تأسف الرجل كثيرا ثم رحل ويبدو أنه لن يعود مجددا حتى لو استدعى العمل ذلك...قالت حميدة بشفقة :-


_ براحة يا يوسف مش كده !! انت مش سامع صوتك؟!!


اطرق يوسف على المكتب بحدة هاتفا :-


_واضح أنك بتنبسطي وانا متعصب وانا قايلك ما تتكلميش معاه تاني !


نظرت حميدة له بدهشة وقالت :- انا بنبسط وأنت متعصب ؟! مش هرد عليك يا يوسف...شكرًا


عادت للعمل بوجه عابس وبوجوم فنظر اليها بضيق وقال بانفعال:-


_ تبقي غلطانة وتعملي نفسك زعلانة !!


لم تجيبه وتابعت عملها فهتف بغيظ :- ما تردي عليا ؟!


نظرت له بضيق وقالت :- أرد اقولك ايه ؟!


اجاب بعصبية :- أي حاجة بس ما تسكتيش


تنهدت بدمعة تلألأ بعينيها وقالت :- عايزة اكمل شغلي بعد اذنك...


توجه لمكتبها بغيظ واقتلع اللاب توب من مكانه واغلقه....نهضت بعصبية وقالت :- ينفع كده ؟!!


ابتسم بمشاكسة وقال وهو يخفي الحاسوب خلف ظهره :-


_ آه ينفع ، لو فضلتي كده مش هتشتغلي النهاردة


قالت بنفاذ صبر :- هات اللاب يا يوسف خليني اشتغل


هز رأسه برفض وقال بندم :- ما تزعليش بقى انا أسف ، ما أنتي عارفة أني بغير عليكي ومش بطيق حد يبصلك ، انا بس اللي ابص لقطتي


نظرت له واخفت ابتسامة كادت أن تظهر ليقترب اليها بمكر قائلا:-


_ وربنا كنتي هتضحكي


قالت بسخرية :- قطتك ؟!!


قال بضحكة :- آه قطتي...قوليلي بحبك يا يوسف وأنا اديكي اللاب


قالت بابتسامة متحدية :- مش قايلة


اجابها بمرح :- وانا مش هخليكي تشتغلي


قالت بتحدي :- خليه معاك ، هروح اجيب اللاب بتاع سمكة اشتغل عليه ،هي اصلا غياب النهاردة...


تركته يقف ممتقع الوجه يرمقها بنظرات غيظ فابتسمت بمرح....


********


**بمكتب آسر**


ذرع آسر أرض المكتب ذهابا واياباً.....لما تأخرت إلى الآن ؟!!


تردد كثيرا أن يخرج ويسأل عنها أحد أصدقائها...سيبدو ملهوفا وهو يتجنب ذلك...دقت حميدة على باب المكتب فظن آسر أنها سما...


ابتسم براحة وقال وهو يجلس أمام مكتبه بتظاهر الجدية :-


_ اادخل


دلفت حميدة للمكتب وشعرت بفضول كبير لتعرف رد فعله لتغيب سما لهذا اليوم...ضيق عينيه عليها بدهشة وضيق فلاحظت حميدة ذلك ببعض التسلية...قالت حميدة وهي تشير للحاسوب :-


_ هاخد اللاب ده بعد أذنك...


قال آسر بتعجب :- سما هتيجي تشتغل عليه !!


اجابت حميدة بهدوء :- لأ هي غياب النهاردة ويمكن بكرة كمان مش عارفة


نهض آسر من مكانه بعصبية وهتف :- يعني ايه ؟! أزاي ما تقوليش أنها هتغيب ؟!


حميدة بحيرة واستغراب :- براحة ليه العصبية دي كلها !! ممكن يوسف ياخد مكانها مؤقتاً


صاح آسر بغضب :- كل واحد هنا ليـه شغل ماينفعش اخلي حد يسيب شغله بسبب حد تاني مش شايل مسؤولية وعنده لا مبالاة !!


تطلعت به حميدة بغيظ وقالت :- تقصد ايه ؟!


دلف يوسف لمكتب آسر وهتف :- بتزعق ليه تاني لحميدة يا آسر ، كده كتير اوي انا مش هستحمل اللي أنت بتعمله ده !! ، دي هتبقى مراتي يعني المفروض....


قاطعه آسر بأنفعال :- أنا مش بزعقلها هي ، أنا بزعق للي غابت من غير حتى ما تتصل وتقولي وانا اللي قاعد ومستني !!


ابتسمت حميدة بمكر ثم قالت ليوسف حتى يهدأ:-


_ ما زعقليش يا يوسف هو فعلا بيزعق عشان سمكة غابت


صاح آسر بعصبية :- لو سمحتي اتصليلي بسمكة....بسما


صحح ما قاله سريعا لتستأذن حميدة لبعض الدقائق حتى تجري اتصال....خرجت من المكتب وانفجرت من الضحك قائلة :-


_ حلاوتك يا سمكة ده انتي هتخليه يخبط دماغه في الحيط


إلي هنا ينتهي الفصل الثلاثون من رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم


تكملة تكملة الروايه من هنا







 

تعليقات

التنقل السريع