👈👈👈👈رواية👉👉👉👉
💚💚 امبراطورية الرجال💜💜
اربع شباب هم ورثة عائلة من فروع استقراطية قديمة العهد..رسم كلاً منهما وجهةٍ لحياته خاصة به..بينما يأبى العم الأعزب والمسؤول عنهم بعد وفاة آبائهم في حادثة أن ينغمس كل شاب فيهم بحياته فيقرر أن يسلبهم من إرثهم عقاباً على استهتارهم..فتقذفهم الحياة للحي الشعبي الفقير حيث المتمردات الأربعة..كيف تسير الأمور بينهم؟ وكيف يلتحم درب البساطة مع الغنا وحياة القصور؟ ولماذا يتنكرون الفتيات بمظهر أشبه بالرجال؟!!
العم/ وجيه الزيان
والشباب الأربعة.. آسر.. رعد.. جاسر.. يوسف
المتمردات.......... سما.. رضوى.. جميلة.. حميدة
رواية امبراطورية الرجال
الفصل الاول
خطوة يتبعها أخرى حتى دلفت فتاة تدعى"حميدة" إلى مكتب كبير بأكبر الشركات للاستيراد والتصدير..عملت منذ عام تقريبًا وبذلك الوقت وقعت بغرام "يوسف الزيان" وهو أحد ملاك هذه الأمبراطورية..إمبراطورية عائلة الزيان التي اكتسبت الثراء والارستقراطية منذ عهود ولِت..ولجت بداخل المكتب لرئيس الشركة والمسؤول الأول عن جميع الأفرع التابعة لمقر الفرع الرئيسي بالقاهرة..تنحنحت حميدة بإرتباك وهي تعدل نظارتها الطبية على عيناها ، بينما لم يضعها مظهرها البائس الذي يشبه مظهر الرجال الا موضع التوتر وانعدام الثقة بالنفس ، ليلتفت رجل اقترب على الخمسين من عمره ولكنه لا زال يحتفظ ببهائه وطلته الساحرة..وما العجب في ذلك فعائلة الزيان يعرف عن رجالها الوسامة الفائقة..هو "وجيه الزيان" أشهر رجال الأعمال العزاب..كأن المرأة لم تشغر حيز بتفكيره ولو انشاً!! استدار اليها بعدما كان يقف شارداً أمام النافذة وتساءل:
_ آنسة حميدة..وصلني أنك عملتي مشكلة مع عميلة عندنا بسبب يوسف أبن أخويا مراد الله يرحمه..ممكن أعرف اللي حصل؟
ازدردت حميدة ريقها بخوف وايقنت أنها على وشك الطرد أو ربما تم القرار بالفعل وينتظر فقط المناقشة..قالت بتلعثم :
_ بصراحة..بصراحة..هي اتفقت معاه على غداء عمل في مطعم عشان تتكلم معاه وتفهم منه كذا نقطة..مستر يوسف مش بيروح يقابل عميل غير لما اكون موجودة معاه..هي مرحبتش بيا نهائي وعاملتني بطريقة بشعة لمجرد أني حضرت وكأن دي مش مقابلة شغل !!
تفحص الرجل مظهرها عن كثب وتعجب لماذا اختارها يوسف عن غيرها لتكن مساعدته الشخصية بينما لا شيء بها يشجع على الحماس أو العمل فقال:
_ وبعدين؟ أنا عايز أعرف رد فعلك أنتِ كان إيه؟
أجابت حميدة بأقتضاب:
_ زعلت طبعاً..المفروض أن دي مقابلة شغل مش.....
حثها وجيه كي تتابع فهو على علم مسبق بما قالته وعندما رأى حيرتها أجاب عنها بعصبية :
_ مش اتنين ضاربين ورقة عرفي وبيتقابلوا من ورا الناس..مش ده اللي قولتيه؟!
احتدت نبرة حميدة بإنفعال وقالت:
_ هي اللي حسستني بكده يا افندم..ده أنا لسه بكلمها عن الشغل لقيتها شدت يوسف كده..اااقصد مستر يوسف..واترمت في حضنه البجحة وعايزة ترقص..لو حضرتك مكاني هتسيبها؟
هز وجيه رأسه وهو يخفي ابتسامته وأجاب:- والله كنت سيبتها..
صرت حميدة على أسنانها بغيظ وهتفت:
_ لو حضرتك عايزني اعتذرلها فأنا آسفة مش هقدر...استقيل ولا أني اعتذر لواحدة زي دي!!
صمت وجيه وهو يرمقها بعمق وتعابير وجهه لا توضح شيء..تحرك ليجلس أمام مكتبه وهي تئز قلق وخوف من احتمال طردها من العمل..وأكثر ما يؤلمها بذلك ليس الراتب بل الابتعاد عن حبيبها..قال وجيه ببطء:
_ ارجعي لشغلك على ما اقرر هعمل معاكي إيه..كل الاحتمالات موجودة..
ادمعت عين حميدة بيأس ولكن النظارة الطبية كانت حائل بينها وبين رؤية ضعفها للعيان..
كادت أن تخرج من المكتب حتى دلف يوسف سريعاً وهو يقضم ساندوتشه وقال بعصبية:
_صباح الخير يا عمي..حميدو ما عملش حاجة!
ضمت حميدة شفتيها بغيظ منه فهو لم ينفك منادتها وكأنها صديق رجل له..لم يعتبرها مرة واحدة أنثى ولم يلتفت اليها كأمرأة ولو بنظرة..راقبها وجيه بنظرة ضاحكة وخفية ليشير لها بالخروج..نظر يوسف لحميدة بتوجس من عصبيتها وأعاد جملته بعدما خرجت:
_ حميدو معملش حاجة يا عمي..البت الملزقة اللي اسمها كارين هي اللي شبطت فيا..واتحمرشت
اتسعت عين العم وجيه بتعجب وتساءل: اتحمرشت؟ يعني ايه؟!
أجاب يوسف وهو يأكل من ساندوتشه بنهم وقال موضحاً:
_ يعني اترمت عليا وأنا مش بتاع بنات..أنا بتاع ساندوتشات..
قال العم "وجيه" بيأس : أنت لا نافع في شغل ولا نافع في ارتباط ومش بشوف وشك غير وأنت بتاكل !! تصدق أن فعلًا حميدة لايقة عليك..متخلفين شبه بعض!!
أشار يوسف بتحذير: حميدو ياعمي..مابحبش حد يقول حميدة !!
ابتلع العم سيل الشتائم بفمه ثم قال: ولاد عمك فين؟ مش موجودين صح؟! اخواتي خلفوا عاهات وسابهملي !
ابتلع يوسف الطعام بفمه بتكشيرة كالطفل وقال: الله يرحمهم بقى يا عمي بتفكرني بالحادثة دي ليه!! بتحب تنكد عليا ليه!! اكيد أنت قاصد تسد نفسي ؟!
اطرق العم على مكتبه بغضب وهتف: دور عليهم وبلغهم أن في اجتماع ليهم بكرة الصبح..تكونوا عندي هنا الساعة ٨ بالضبط..
أومأ يوسف بالايجاب ثم خرج من المكتب..
**بطرقة طويلة بها عدة مكاتب متراصة بصفوف منتظمة**
توجه يوسف لمكتب حميدة مباشرة..اخفض رأسه وقال بخفوت: ما تزعلش يا صاحبي..جبتلك حقك
رفعت حميدة رأسها الذي كان بين يديها وضربت المكتب بقبضتها وقالت: ياااا اخي أنت إيه؟! هي البسطرمة سدت نفوخك ؟! وعمت عنيك!! انا حميدة مش حميدو..أنا بنت مش ولد..سكرتيرتك مش صاحبك!!
ضيق يوسف عيناه كالطفل المعاقب..وقال: أنا ماليش صحاب واعتبرتك صاحبي..أنا مرتاح كده..عموماً أنا خارج كام ساعة كده..معاكي ساندوتشات؟
رفعت حاجبيها بعصبية ليقل مصححاً: خلاص مش جعان!
فتحت حقيبتها وأخرجت علبة صغيرة ودفعتها بين يداه فهي احياناً تشعر وكأنها أمه..قالت: معايا..خد اهيه
ابتسم وهي يتفحص الطعام وقال: الله..كبدة وسجق..ربنا ما يحرمني منك يا حميدو قلبي..
فرحته كانت طفولية فابتسمت رغماً عنها..ذهب من أمامها فهاجرتها الابتسامة مرة أخرى..إلى متى سيظل هكذا لا يشعر بها؟ لا يرى فيها سوى صديق!! ليته يراها حتى كصديقة!
*****
أسفل عدسات الكاميرا..بأحد الاستديوهات..وقف رعد يتفحص كاميرته حتى اتت إليه فتاة تعمل عارضة أزياء..ولكنها الآن تصور إعلان لمنتج خاص بالبشرة بماركة شهيرة..تغنجت بخطواتها وتنورتها القصيرة وهي تتوجه إليه..وضعت يدها على كتفه وهزت رأسها بدلال قائلة: وحشتني يا بيبي..كنت فين بقالك فترة؟!!
ابتسم رعد بسخرية وقال دون أن ينظر لها فما من معشوقة أكثر من تلك الكاميرا بيده..منذ صغره وهو مفتون بالتصوير وعدسات الكاميرات ولكن العم وجيه يرى أن ذلك العمل" تافه" ولا يصلح لأحد أبناء عائلة الزيان..أجاب رعد: كنت مشغول شوية..
اقتربت الفتاة من خده هامسة: بقولك وحشتني !!
تحركت عيناه من الكاميرا اليها ثم قال بسخرية: ده قبل سهراتك بتاعت بليل ولا بعد؟! شيليني من دماغك يا تيما..دماغي مش فيكي..
لوت شفتيها بحدة وعصبية وقالت: اومال دماغك فين! في حتت الحديدة دي؟!
أشار لها بتحذير: خلي بالك تغلطي مش هسمحلك!! وبعدين انا دماغي لسه فاضية..ومافيش واحدة قدرت تدخلها..
مطت تيما شفتيها بتعجب وتساءلت : ومواصفاتها ايه بقى؟ فتاة احلامك.
رفع رعد حاجبيه بدهشة وأجاب : تصدقي عمري ما سألت نفسي السؤال ده؟!! مش بفكر أصلا ارتبط..بس اكيد يعني هتكون بنت مالهاش زي..
كادت أن تتحدث لتتفاجئ بوجود شاب انيق يشبه بعض الشيء ذلك الذي سيقودها للجنون..ومثلها مثل غيرها لن تستطيع أن تلفت نظره ولو قليلاً..وقف يوسف ينظر لرعد لبرهة ثم قال:
_ أنت امتى هتفتح تليفونك؟ مافيش مرة بتصل بيك بلاقيك متاح!
علق رعد حامل الكاميرا على رقبته وأجاب:
_بشتغل يا يوسف ومش فاضي لتليفونات!! اكيد في حاجة حصلت بخصوص عمك!! لخص وانجز ورايا تصوير
تنهد يوسف بعمق وقال: عمك عاملنا اجتماع بكرة وانا قلقان..لازم نتكلم النهاردة كلنا قبل اجتماع بكرة..
قال رعد بموافقة: ماشي..أنا هرجع بدري ومش هتأخر..هكون في القصر على الساعة عشرة كده..
اندهش يوسف : هو ده بدري!!
رعد بعصبية: هي دي مواعيدي..لو مش عايز تستناني أنت حر!!
قال يوسف مرغماً: هستناك..اوعى تتأخر
لوح له رعد وقد عاد لعمله بتركيز مع جلسة تصوير مع عارضة أخرى..
*****
بمبنى فخم بأحد الأحياء الراقية بالقاهرة..دق جرس أحد الشقق بعمارة سكنية..توجه بطوله الفارع وصدره العاري ليفتح الباب حتى ارتمت على صدره فتاة بملابس شبه عارية..ابتسم لها بلهفة وقال:
_ مستنيكي بقالي كتير...
قال ذلك وهو يغلق الباب بقوة ، تمايلت الفتاة التي تدعى"توتو" بمياعة وقالت وهي تلف يدها حول رقبته العارية وتتفحصه بشوقه :
_ وحشتني يا جاسر...أنت تعرف أني مابقتش اقابل حد من يوم ما عرفتك؟ كل صحابي مستغربين بس أنا عارفة السبب
جذبها أكثر الى صدره برغبة فلم يغضبه حديثها فبالنهاية هي فتاة ليل مثل غيرها ولكنه يروقه مدحها به فقال بمكر : ايه السبب ؟
نظرت له وهي تتأمله ببطء وبإعجاب شديد وقالت: كل اللي عرفتهم حاجة..وأنت حاجة تانية خااالص..اللي تعرفك مستحيل تعرف غيرك
ابتسم بثقة فليست أول إمرأة تقل عنه هذا..جميعهنّ قالن ذلك..بعد لحظات قد انتهى الحديث الى غرفة النوم..مثلما كان دائماً..ومثلما أصبح منذ سنوات..شاب لا يعرف بالحياة سوى المجون وفتيات الليل..هذه الشقة قد شاهدت الكثير منهنّ..
بعد مرور بعض الوقت كان يقف أسفل المياه بالحمام الخاص بغرفة النوم..يشعر بشيء يضيق عليه الصدر...يتلهف للخطأ برغبة جامحة ثم يعود نادماً..جرت المياه على ملامحه الشديدة الوسامة..وجسده الفارع الرياضي المفتول العضلات..خرج وهو يجفف شعره وحول خصره منشفة أخرى بيضاء..تأملته الفتاة بابتسامة راضية وقالت وهي ترتدي ثوب نوم قصير :
_ اجلت السفر عشان اجيلك النهاردة..
القى المنشفة على مد ذراعه وقال دون ادنى نظرة لها : طيب
ضيقت الفتاة عيناها بتعجب واقتربت له متساءلة : مالك يا جاسر ؟! أنت بقالك فترة متغير!! أول ما بتشوفني بحس أن مافيش حد فرحان اكتر منك وبعد ما بنقضي وقت مع بعض بتبقى بعيد..بعيد أوي!!
كاد أن يجيبها حتى دق جرس الباب..وقف لبرهة متعجباً فهو لا ينتظر أي ضيف بهذا الوقت..التفت للفتاة وقال بشيء من العصبية: البسي هدومك
مطت "توتو" شفتيها بغيظ فكانت تأمل أن تقضي معه حتى الغد ولكن يبدو أنه غير مرحب بذلك..
لم يعير جاسر لمظهره الكثير من الانتباه وذهب ليرى من الطارق حتى تفاجئ بوقوف أبن العم "يوسف" تطلع اليه يوسف من رأسه حتى اخمص قدميه ثم زفر بأشمئزاز وقال: معاك واحدة صح ؟!
لوى جاسر شفتيه بنفاذ صبر : عايز ايه يا يوسف؟ مش بعادة تجيلي هنا؟!
دلف يوسف للداخل بعدة خطوات وترك جاسر يقف عند الباب يتأمله بضيق ، هتف جاسر بعصبية: ما تقول يابني في ايه؟!
استدار يوسف بحدة وأجاب: عمك عاملنا اجتماع بكرة وانا مش عارف اتلم على واحد فيكوا !! ضروري نفكر في السبب اللي جمعنا عشانه عشان نرتب كلامنا معاه..
اغلق جاسر الباب بحدة ثم جلس على أحد المقاعد "بالريسيبشن" واضعاً ساق على ساق وهو يشعل أحد سجائرة وقال: هيكون عايز ايه يعني !! اكيد محاضرة هابطة من محاضراته وبعدها كل واحد يرجع لحاله تاني..
تعصب يوسف من هدوء جاسر وقال: أنت هتفضل كده لحد أمتى؟!
تعجب جاسر وقال بسخرية:
_ ده على أساس أنك احسن مني؟! ما الحال من بعضه يابن عمي !! لا انت بتحب شغل الشركة ولا انا ولا حد فينا احنا الاربعة بيحب يشتغل مع عمك في مكان واحد...عمك عايز يدفنا بالحياة زي ما دفن نفسه في الشغل..عايزنا نسخة مكررة منه بس أنا عن نفسي مش مستعد..
قال يوسف بغيظ: بس مستعد تبقى كل يوم مع واحدة!! مستعدة تفضل في القذارة دي!! محدش قالك ابقى زيه بس ماتبقاش أسوء منه وتاخد مبرر لنفسك أنك تفضل في المستنقع ده!!
نهض جاسر والقى سيجارته بعصبية بالمطفأة وهتف :
مستنقع!! انا كبرت لقيت ابويا كده ، كنت بشوفه بعيني وهو بيجيب كل يوم واحدة في البيت وامي مريضة مش حاسة بحاجة!! ولما عرفت سابته وسافرت..والعيلة كلها سافرت وراها عشان تقنعها ترجع بس القدر كان اسبق من الجميع والطيارة انفجرت بيهم كلهم وهما راجعين..مالحقش يصلح شكله في عنيا..
اقترب منه يوسف وربت على كتفه بمحبة: انت بتعاقب نفسك يا جاسر عشان انت اللي قلت لوالدتك وانت السبب في سفرها..بس ده قدر...ما تحملش نفسك ذنب ماعملتهوش!
تنهد جاسر بضيق شديد وهز رأسه كأنه ينفض هذه الذكريات عن رأسه وقال: بقولك ايه انا مرتاح كده..انت عايز ايه دلوقتي؟
تنفس يوسف بيأس وقال: تعالى معايا القصر..رعد هيجي بدري انا اتفقت معاه..وآسر هدور عليه لحد ما الاقيه..
خرجت "توتو" من الحجرة بعدما ارتدت ملابسها مرة أخرى وقالت لجاسر: لما اوصل هتصل بيك يا حبيبي..هتوحشني أوي
رمته بقبلة بالهواء ثم خرجت من الشقة دون أن تلتفت ليوسف أو يلتفت لها..صمت يوسف حتى خرجت فقال بتعجب: أنت بتعجبك الأشكال دي أزاي؟! أنا بشوفها بقرف!
تعجب جاسر وقال بسخرية: أنت آخرك حميدو اللي مش بتفارقه
قال يوسف بحدة: مالكش دعوة بيها يا جاسر..حميدو صاحبي أنا وبس
رمقه جاسر بسخرية وقال متوجها لغرفة النوم:
_ خليك هنا على ما اغير هدومي..
*****
بالقصر..
يقف على أعلى قممه..يشعل كومة من الخشب لتلتهب النيران بالسنة ادخنة مشتعلة..ويتذكر ذلك الصوت الحزين لآخر شيء قاله والده قبل أن يسافر تلك السفرية اللعينة :
_ عملت المستحيل عشان اخلي أمك تحبني ومعرفتش يا آسر ، ياريتني ما حبيتها كل الحب ده..اوعى تحب يابني عشان ماتبقاش زي أبوك..اتجوز اللي تجري وراك وبتحبك بس ما تحبهاش أنت عشان ما تحسش بالعذاب اللي انا حاسه..أو ما تحبش خالص احسن..
تفاجئ آسر وهو ينظر للنيران المتقدة بأيادي على كتفه فاستدار بدهشة ليجد يوسف وجاسر ينظران له بقوة...ارتبك آسر واخفى دموع عيناه سريعاً فقال يوسف بألم:
_ احنا هنفضل كده لحد امتى؟ كل واحد مش عارف يخلص من عقدته ولا عارف يعيش حياته!! بقينا عاملين زي الوحش الغني المسجون في قصره ، لا حاسس بغنا ولا بحرية والكل بيحسده !!
قال جاسر مغيراً دفة الحديث:
_ بلاش كأبة بقى !! تعالوا نشرب فنجانين قهوة على ما رعد يجي..بقالنا كتير ما اتكلمناش يا شباب..قعدتكم منيلة بس بحبكم ياكلاب..
ابتسم يوسف وقال:
_ عمي وجيه اكيد محضرلنا مفاجأة في اجتماع بكرة
تعجب آسر من الأمر وردد باستغراب: اجتماع لينا!!
أومأ يوسف بالإيجاب وقال:
_ بالضبط..واكيد ده عشان اهمالنا في الشغل وبصراحة عنده حق ، احنا اقل واحد فينا عنده ٢٩ سنة ولحد دلوقتي مافيش واحد مننا قادر يعتمد على نفسه!! عشان كده جمعتكم النهاردة ونشوف هنقوله ايه بكرة..على ما يوصل القصر هنكون اتفقنا..
******
بأحد الأحياء الشعبية يركض الصغار خلف بعضهم بلهو ومرح ويمررون الكرة بين اقدامهم الصغيرة..عادت حميدة لمنزلها البسيط ليهتف أحد الصغار ليغيظها:
_ أبرة طايرة في السمااا وحميدة ام كحلة هتتعمى
تعالت ضحكات الصغار عليها مرددين..استدارت حميدة بغيظ وصاحت به: لم نفسك يابو قردان أنت احسن اسرحلك شعرك بالشبشب..ولا اجيبلك سقراط أخويا يلمك؟
نظر الصغير لها بخوف على ذكر ذلك البلطجي الصغير المسمى" بسقراط" وهو طفل لم يتعدى الثالثة عشر عاماً ولكنه يفرض سيطرته على جميع صغار المنطقة..عادت وهي تتمتم بالشتائم فما كان ينقصها سوى هؤلاء الصغار أيضاً...
دلفت لمنزلها وكأنها تركض لتجد جدتها تقبض على "هون" معدني من النحاس وتسحن بمطرقة حديدية وجالسة على الأرض على "كليم" أزرق..هتفت حميدة بعصبية: بطلي بقى يا ستي سحن الكحل وتفرقيه على ستات الحته ! العيال الصغيرة بقت بتعايرني اكمن اسمي على اسمك !
رفعت الجدة حميدة رأسها الملثم بقماشة سوداء سميكة وقالت: مالك يابت داخلة ونافشة ريشك علينا ليه!! ولا عشان ما بقيتي تشتغلي شوفتي نفسك علينا!! الله يرحم المرحوم!!
ضمت حميدة شفتيها بغيظ حتى دلف أبيها "عم سمعه الميكانيكي" وهتف: صوتك طالع ليه يا حميدة..اوعي بتكوني بتزعقي لأمي يابت؟!
تماسكت حميدة وقالت : يابا هو مكنش في أي اسم قدامك غير حميدة !!
قال "سمعه" وهو يبتسم لأمه وجلس أمامها على الأرض:
_ وماله حميدة!! دي ستك دي ست الكل ..عاملالنا ايه ياما النهاردة..
ضحكت الجدة حميدة لتغيظ حميدة الصغيرة وقالت: بصااااارة
سقف سمعه بيديه مهللا وقال بضحكة خشنة : اوعى البتنجان المحدق..أنتِ حنينة يا ام سمعة..ربنا يخليكي للمنطقة بحالها..
كظمت حميدة الصغيرة غيظها وقالت بعصبية:
_ مش عايزة اطفح ، هروح البيت التاني
لوت الجدة شفتيها وقالت لأبنها بهمس: اما يا سمعه عندي ليك حتت عروسة انما اااايه..بغاشة يا ولا
رفع اسماعيل يده بإعتراض وقال ونظرة الحزن ملأت عيناه: ولا تملئ عيني ست بعد أم حميدة الله يرحمها يأما..انسي الموضوع أنا مش عايز اتجوز..هجوز نفسي ولا هجوز عيالي !!
توقفت امه عن السحن وقالت بضيق:
_ حقا والله يابني عندك حق..دي وداد الله يرحمها ماكنش ليها زي وكنت بحبها اكتر من بنتي وربي شاهد..انا مش هغصب عليك..لو نويت قولي وهجوزك في ظرف اسبوع..
التقطت يد أمه بمحبة وقبلها ثم رفع رأسه مبتسما وقال:
_ ربنا ما يحرمني منك ياما..
*****
وقفت سما تمشط شعرها برقة أمام المرآة بغرفتها حتى دلفت رضوى بغيظ وهتفت: ٣ساعات بتستحمي يا جربااانة !!
لم تكترث لها سما وتابعت تمشيط شعرها قائلة بهدوء:
_ ورانا ايه يعني! لا شغلة ولا مشغلة..
هتفت رضوى وهي ترفع يديها للسماء : نص برود أعصابها ياااارب البت دي هتجيبلي شلل!!
اتت جميلة إثر صوتهم العالِ ونظرت لسما بسخرية وقالت: أنتِ بتقعدي بالسعات ليه قدام المراية يا سمبوسة ؟! هتتلبسي يابت !!
أجابت سما بذات الهدوء والانتعاش:
_ بسرح شعري بهدااااااااوة ، أنتِ بقى هتفضلي مسترجلة كده كتير ؟ يابت ده أنتِ قمر وما اعرفش ايه اللي مدهولك كده !
جلست جميلة على الفراش ومددت قدميها قائلة: ماهو عشان أنا قمر ماينفعش أبين كده ، هيطمع فينا يا غبية واحنا مالناش حد يحمينا من ولاد الحرام...
قالت رضوى: لينا ربنا احسن من الكل
أخذت منشفة قطنية ثم توقفت فجأة.. وهي تتشممها: أنتِ بتسرحي شعرك بإيه يابت ياسمبوسة ؟!
ابتسمت سما بثقة: صابونة صن لايت اللي بتغسلي بيها وشك
هز رضوى رأسها بتفهم وقالت: وأنا بقول الريحة المعفنة دي جاية منين!
استدارت سما بغيظ وهتفت: ريحة شعري معفنة يا كدااابة !!
تمايلت وهي تهز شعرها الطويل يمينا وشمالا بغنج ثم قالت بثقة وفخر: ده البت نانا بتاعت الكوافير هتموت وتعرف بحط عليه ايه عشان يبقى ناعم وطويل كده..
فردت رضوى شعرها الذي ماثل شعر سما في طوله ونعومته وقالت: مش لوحدك ياختي..بلاش آلاطة وحياة والدك..
ركضت سما خلف رضوى لتمسكها فهرعت رضوى ضاحكة الى الحمام ثم توقفت سما عن الضحك أيضا وتركتها..جلست على الفراش ولاحظت أن جميلة تبدو شاردة فقالت بتساؤل:
_ مالك يابت تايهة كده ليه؟! حد زعلك في الشغل!
تنهدت جميلة بعمق وأجابت: مشيت من المصنع
حملقت سما بها بصدمة وقالت: ليييييه؟!
احتدت نظرة جميلة وصاحت بغيظ: مرات صاحب المصنع حطاني في دماغها ،تشوفني كأنها شافت عفريت ، فضلت تقرفني في الشغل لحد ما طفشت من نفسي..
قالت سما بكره: البت المعصعصة دي! حقها تغير منك بصراحة ، ده أنتِ بتلبسي لبس زي الرجالة ومع ذلك قمر وهي بتنام بالروچ ومالهاش منظر .
ضحكت جميلة رغما عنها من انفعال سما الذي يشبه صياح الأطفال وقالت: ضحكتيني وانا زعلانة
ضحكت سما وقالت: اضحكي اضحكي محدش واخد منها حاجة بكرة تلاقي شغل احسن منه وهفكرك..
اتت حميدة وعلى ملامحها الضيق لتتساءل سما بتعجب: مالك أنتِ كمان ؟!
قضمت حميدة اظافرها بغيظ وتمتمت وكأنها تحدث نفسها: آآآآآه بنت ال ....لو طولتها ، كنت هخرطها بسناني
قالت جميلة بدهشة: مين يا حميدة ؟!
قالت حميدة بغضب: واحدة وشها مالوش ملامح اصلا وعاملة نفسها الأميرة سوسن!!
عقدت سما حاجبيها وتساءلت: مين الأميرة سوسن دي؟!
نظرت حميدة لها بغيظ وهتفت بصريخ: وانا ايش عرفني !!
صمتت سما بتوجس من صياحها لتعيد جميلة السؤال: يابنتي قوليلنا ماااالك؟!
روت لهم حميدة ما حدث حتى قالت سما بهيام: بتحبيه بقى!!
دفعت حميدة الوسادة بوجهها وقالت: مش عندي مرارة ليكي يا زفته ومش فيقالك..انا متغااااظة
قالت جميلة بعدتفكير: وتتغاظي ليه يا عبيطة ماهو سابها ورجع قعد جانبك وجابلك حقك كمان ، هو اكل وبحلقة!!
قالت حميدة بضيق: تقصدي يوسف!! لا خيالك ما يروحش لبعيد..ده بيعتبرني راجل زيي زيه بالضبط..ده عمره ما قالي يا حميدة ودايماً يقولي يا حميدو لدرجة أن زمايلي بقوا يقلولي زيه!!
اخفت سما ضحكتها حتى دفعتها حميدة واوقعتها على الأرض بغيظ لترتفع ضحكت سما أكثر وقالت: بقى كده يا حميدو !!
جاهدت جميلة أن لا تضحك وحاولت أن تمنع حميدة من اللحاق بسما المنفجرة بالضحك على الأرض وقالت: خلينا في المهم دلوقتي..
جلست حميدة بزفرة حارة وقالت: طريقة عمه معايا ما تطمنش ، ممكن جدًا الاقي نفسي برا الشركة في لحظة..
ربتت جميلة على كتفها وقالت: سبيها على ربنا وماتفكريش فيها ، اللي حصل حصل وخلاص!!
هزت حميبدة رأسها وقالت: عندك حق..تفكيري لا هيقدم ولا هيأخر..بقولكم ااايه تعالوا نشرب عصير قصب ونشم شوية هوا انا مخنوقة..
قفزت سما بحماس وقالت: هروح البس حاااالًا
ابتسمت جميلة وشاركتها حميدة فسما دائماً تتصرف كالأطفال..
*********
وقف سقراط وسط مجموعة من سائقين"التوكتوك" يخبرهم بأحد مغامراته وقال: وبعد ما ضربت ٣من العصابة هوووب لقيت خمسة
قال أحد الرجال بفضول وحماس: هااااا حصل ايه يا وحش؟
أشار سقراط بيده وكأنه يستعد للقتال ثم قال: خلعت الساعة وحطيتها في جيبي..
من حوله بنفس واحد وبإندماج: وبعدين!
تابع سقراط: قلعت الشبشب..اومال هتعارك بيه! يتقطع
اضاف وهو يوسع عيناه وكأنه يرى غول: يقوم الخمسة يهجموا عليا مرة واحدة وانا طاااااخ طااااخ طرااااخ وقعتوهم كلهم على الأرض بإيد واحدة..
قال أحد الشاب بذهول: خمسة بإيد واحدة؟!
هز سقراط رأسه مجيباً: ومن غير ما اتحرك..اصلهم خافوا مني وانصدموا لما شافوا جسمي
نظر الشاب لجسد سقراط الضئيل ليتابع نظرتهم بقلق وصحح: لأ ما انا بخلع القميص وبسقع عضلاتي بتتنفخ...
قال أحدهم بسخرية: المفروض يتعملك تمثال في الحتة دي..
وأشار تحت قدم سقراط..
كاد سقراط أن يجيبه حتى انتبه لصوت شقيقته الكبرى : يااامنيل
اشار لها لتصمت ولا تناشده بهذا الاسم ولكن حميدة لم تكترث...وقف أمامها قائلاً بحدة: عايزة ايه؟!
قرصته من أذنه بغيظ وقالت: مش قولنا بلاش واقفة مع دوووول وتروح المدرسة ؟! أنت حرررر هتطلع بصمجي وعرة
دفع يديها بعصبية وقال: أنا عايز أصرف على نفسي مالكيش دعوة يا بومة
كتم الفتيات ضحكاتهنّ لتوكزه حميدة بغيظ وركض من أمامها...تابعوا السير بالطريق حتى انتبهت رضوى لأحد الأبنية الفخمة التي كانت سوبر ماركت قديم بالماضِ وقالت : ده هيتقلب صالون تجميل!
نظرت حميدة للوحة خشبية مستندة على الحائط وقالت بعدما قرأت ما منقوش عليها : معقول!! ليليان يوسف هتفتح صالون تجميل في حارتنا الزبالة دي!! دي اكيد اتجننت!!
قالت سما بحماس: بالعكس دي زكية جدًا ، مكان مش غالي وهتشتغل فيه شغل عالي هيكسبها دهب ، دي أشهر ميكب ارتيست في مصر!!
تدخلت جميلة بالحديث وقالت ساخرة: طب يلا ياختي منك ليها ، مش عارفة بتتكلموا على ايه انتوا اساساً مش هتعرفوا تعدوا من هنا تاني مش تروحولها!!
قالت حميدة: والله عندك حق ، قال يعني هتشتغل للناس الغلابة اللي في الحارة دي اقل حاجة عندها بيدفع فيها الافات..
تركوا الفتيات المكان وهم يتشاركون أطراف الحديث..
💖🕊💖🕊💖🕊💖🕊💖🕊💖🕊
- الفصل الثانى
على ساحة عريضة من الطريق..يوجد محل بائع"عصير القصب" يسكب المشروب من آنية معدنية قد سحبها من أسفل صنبور العصير بالمكينة الكهربائية للعصر..فأعد أربع أكواب للفتيات فأخذت كلنّ منهنّ كوبها..أتى شاب بنظرات ماكرة بإتجاه جميلة وطلب كوب له قائلًا:
_ عندك واحد ليا وحساب القمرات دول عليا.
التفت الفتيات له حتى حدجته جميلة بغيظ: ماتخليك في حالك يا مصيلحي بدل ما انسر شبشبي على نفوخك!!
قال مصيلحي وهو يتوجه لها خصيصاً: يابت أنا شاري بس أنتي اللي دماغك جزمة..قولي آه بس وأنا اعملك فرح بِفراشة ما اتعملش لاستقبال المحافظ نفسه..طالع من عيني العنب ده يروح لغيري.
وضعت جميلة كوبها بعصبية واعطت العصار حقه من محفظة نقودها ثم التفتت ل"مصيلحي" هاتفة بتحذير:لآخر مرة هنبهك بعد كده..
قاطعها بتحدي: هتعملي إيه يعني؟! مين اللي هيوقفلي عندك !! هو أنتي ليكي حد اصلاً!
أطرفت جميلة عينيها بدمعة اخفتها حتى هجم عليه الفتيات واوسعوه ضرباً حتى تجمع الحشد حولهم فهتفت حميدة بغضب: لو عايز تعرف ليها مين يا صايع هنوريك احنا..
لكمته سما على قفاه وقالت وهي تشد أذنيه بغيظ: بقى أنت عايز تتجوز جميلة يا راس الفجلة أنت..
هتفت رضوى بهم وقالت: لا ده تسيبهولي بقى
أخذت معصمه وهو يتأوه من ضرب الفتيات ثم غرزت اسنانها بلحم يده حتى صرخ بأعلى صوته فهتفت جميلة بهم وقالت: سيبوه بقى يغور في داهية..
بالكاد استطاع أهل المنطقة تخليصه من أيدي الفتيات حتى أتى الأسطى سمعه"والد حميدة" راكضاً وتساءل: في ايه ؟!
قصت حميدة له كل شيء فوقف أمام "مصيلحي" بغضب وقال:
_ عشان خاطر أبوك الله يرحمه هسيبك بس لو حصلت تاني واتعرضتلها فقسما بالله محد هينجدك من ايدي..
نظر مصيلحي للنظرات الغاضبة حوله فحاول أن يصحح ما حدث وقال: براااحة ياأسطى هو أنا خطفتها!! شاريها وهي تقلانة عليا..
صاحت حميدة بعصبية: مش بطيق تبص في خلقتك هو بالعافية يا حمار !!
وجهت الحديث لأبيها بحدة وقالت: ده مترصد للبت في الرايحة والجاية وكل ما تهزأه يزيد اكتر..والله لو بصلها تاني لكون جيباه من قلب بيته باللي في رجلي وافرج عليه أمة لا إله إلا الله.
هتف اسطى سمعة بأبنته وقال: خدي البنات وارجعي أنتي يا حميدة وأنا هعرف اخليه لو شافها في شارع يمشي من شارع تاني.
أخذت حميدة الفتيات بنظراتهنّ المتقدة غضب وتوجهوا للمنزل مرة أخرى..سارت جميلة بالطريق الذي تملأه الأحجار وبعض مياه الصرف الصحي دامعة..خيم الصمت على الفتيات فكل واحدة منهن تعاني من اليتم..حتى حميدة يتيمة الأم..
دلفوا لداخل المنزل الذي يقطنون به وصعدوا للطابق الثانِ...فاجئتهم جميلة وهي تتابع الصعود "للسطح" فنظر بقية الفتيات لبعضهن بضيق وقالت حميدة لسما: بت..روحي هاتيلنا حاجة ساقعة ولب نتسلى فيهم..ابقي حصلينا على السطح
فرت سما كالطيف للأسفل مرة أخرى حتى تبتاع المطلوب سريعاً بينما صعدت حميدة ورضوى خلف جميلة..
مرت دقائق والفتيات الأربعة ممددين على "حصير" مفروش على أرضية سطوح المنزل..كلًا منهما شاردة..قالت حميدة بمواساة:
_ ولا يهمك يابت..كلنا جنبك..
تنهدت جميلة تنهيدة عميقة وقالت: دايمًا بتشاف أني لوحدي..ماليش حد يحميني..زي حتت اللحمة اللي وقعت وسط كلاب عايزين ينهشو فيها..
قالت رضوى بنبرة ضائقة: ومين سمعك..ما كلنا في الهوا سوا..ده لولا خالتي بهية الله يرحمها لقيتنا وربتنا الله وحده اللي عالم كان هيحصل لينا ايه!!
قالت حميدة بتذكر عمتها بهية فهي شقيقة والدها وكانت تحب تربية الأيتام وتركهنً بعدما يبلغوا سن الرشد ولكن صادف أنها توفت قبل أن يصل هؤلاء الثلاث فتيات للسن المسموح به لأثبات الهوية الشخصية: الله يرحمها عمتي..كانت معوضاني عن أمي بس هي كمان راحتلها..
قالت سما بتبرم: أنا مابحبش النكد..ايه القرف اللي انتوا فيه ده!!
نظرت للسماء بابتسامة واغمضت عيناها قائلة: تعالوا نحلم احسن..نقول اللي نفسنا فيه..مش يمكن يكون باب السما مفتوح واحلامنا تتحقق بغمضة عين!!
ابتسمت رضوى وقالت: والله عندك حق يابت يا سمكة..تعرفوا أنا نفسي ايه..نفسي اشتغل شغلانة حلوة..اسافر واروح واجي واشتري كل اللي نفسي فيه..
قالت حميدة بشرود وهي تتذكر يوسف: وأنا نفسي يوسف يشوفني زي ما انا نفسي يشوفني..نفسي يبطل يعاملني أني صاحبه!! نفسي أشوف في عنيه أني عجباه كبنت..
تنهدت جميلة مرة أخرى وقالت: وانا نفسي في بيت صغير أنا مش طماعة..ويبقى ليا أسرة وبيت احس أنه حياتي كلها..نفسي اجرب احساس أني مسؤولة من حد وحد مسؤول مني..مش عايزة افضل لوحدي..تعبت من الخوف
فردت سما ذراعيها وقالت: أنا بقى طماااااااعة..نفسي أعيش قصة حب ولا الحواديت..الأمير على حصانه الأبيض..يجي ويخطفني من وسط كل الناس..ويكون بيحبني أوي..بيحبني بجد..وبيغير عليا بغباوة..ويتكلم عني ويقول أني حبيبته الوحيدة..وأنا بقى اتقل عليه
ضحكت سما بمرح وهي تتخيل الفارس المجهول..ليشاركها الفتيات بمرحها..فقالت جميلة متعجبة: أنتي ليه ما حاولتيش يا حميدة تلفتي نظر يوسف ليكي؟!
صمتت حميدة لبرهة في الأجابة ثم قالت:
_ أنا بحب نفسي كده يا جميلة، بحب شكلي وبحب نضارتي، صدقيني حاولت في مرة اتغير بس محستش أني مرتاحة وهو مخدش باله كمان..يوسف انسان محير وغريب..لحظة تحسيه طفل ولحظة تانية تحسي أنه فاهم كل حاجة ومخبي ولحظة تالته تحسي أني بعيدة عن تفكيره أميال..الشكل لوحده مش هيلفت نظره بدليل أن معايا بنات زمايلي انا نفسي بستغرب هو مش بيبص ليهم أزاي !!
أنا بنت عادية..لا الهدوم هتزود جمالي ولا مظهري مقلل مني..ولو اتمنيت أنه يحبني فلازم يحبني وانا زي ما أنا..
وافقتها جميلة بذلك لتقل سما بإعتراض: طب أفرضي اتجوزتيه هتفضلي على رأيك ده؟! تبقي غبية! ساعتها الاهتمام والشكل مطلوبين جدًا..
لوت حميدة فمها وقالت بسخرية: اتجوزته!!! ده لو بس قالي كلمة حلوة في يوم هعتبرها معجزة..
قالت رضوى: محدش عارف بكرة في ايه..يمكن بكرة هو اللي يتمناكي!!
❤❤❤❤❤❤ ********الصلاة على النبي❤
❤❤بقصر الزيان❤❤
كانت ستارة النافذة تتمايل بفعل الهواء بينما حل الصمت على أبناء العم الأربعة بعدما تحدث يوسف بكل مخاوفه فتابع:
_ مقدمناش حل غير أننا نرجع الشركة ونشتغل بجد..مش اسبوعين وشكراً زي ما بيحصل كل مرة..
قال آسر بضيق: أنا مابحبش شغل الاستيراد والتصدير أنا بحب المقاولات ودخلت هندسة مخصوص عشان ابقى زي أبويا.
نهض رعد من مقعده بغيظ وقال: أنا مش شايف أني عاطل ولا شايف أن التصوير شغلانة تافهة زي ما عمك بيقول..أنا بحب الكاميرات والتصوير ومش هعرف اشتغل غيرها..
أجابه يوسف بصدق: ده لو أنت قدرت تعمل بمرتبك حاجة يا رعد ، لكن كل فلوسك موجه للكاميرات والسفر في الجبال للتصوير..تقدر تقولي حسابك في البنك بيزيد ولا بينقص بسبب التصوير! هتقدر بالشكل ده تكون مسؤول عن أسرة في يوم من الأيام؟!
تابع يوسف :
_ أنا مش احسن منكوا ، أنا فعلًا بعترف بده ، واننا بقالنا سنين راميين الحمل على عمي وكل واحد فينا عايش حياته بطريقته..
رد آسر بدهشة: والمطلوب مننا ايه دلوقتي؟
نظر لهم يوسف بقوة وقال: نعتذرله..حتى لو هنتحايل شوية..ونبدأ صفحة جديدة معاه..الاجتماع ده اكيد وراه قرار مش سهل..نبدأ احنا بالاعتذار عشان تعدي على خير..
صمت الشباب بوجوم ولم يجيب احداً فيهم ليقل يوسف:
_ طالما سكتوا يبقى مش معترضين..تمام..كده اتفقنا..
قال جاسر بمرح: نحتفل بقى..
❤❤❤❤❤❤*******استغفر الله العظيم
باليوم التالي...بمكتب فاروق بشركة **آل الزيان**
وقف الرباعي أمام العم "وجيه" متصافين بجانب بعضهم ليتوجه سليم إليهم بنظرات غيظ وهتف:
_ بالذمة مش مكسوفين من نفسكم؟! أربع شباب كل واحد فيهم شبه الجدار ومالوش أي لازمة في الدنيا !! ، شاطرين بس تاخدوا فلوس وتصرفوا ! ده أنتوا لو بنات كان افيد!!
امتقع وجه آسر بضيق شديد بينما لوى رعد شفتيه وهمس لجاسر وقال:- عمك بيهزأنا يا جاسر..استخدم غباوتك بسرعة
وكزه جاسر متمتما بشيء وقال: غباوة مين اللي تنفع مع القطر ده ! انا اخري ميكروباص وفاضي كمان
تقدم يوسف وتوجه لعمه وجيه ثم قبّل كتفه ببسمة وهتف بباقي الشباب:- يلا قولوا النشيد اللي سرقناه..ااقصد اللي الفناه لعمنا حبيبنا
بدأ الشباب يرددون الكلمات رغماً عنهم مابين الضيق والضحكة المكتومة فقالوا : عمو وجيه يا عمو وجيه ، حياتنا من غيره هتبقى جحيم ، ابعد بس وجرب وأمشي هتلاقي الدنيا متنفعش ، كلنا ايد واحدة آه آه وبنحبك والله والله
كاد رعد أن يطلق ضحكة عالية فوضع جاسر يده على فم ابن عمه سريعاً وهمس: هتفضحنا خلينا نخلص من إذاعة الصباح ونمشي
فتابعوا بآخر مقطع : أوعى ياعمو تسيبنا وتمشي لأ لأ
قال رعد وهو يكتم ضحكته : تبقى معدية
ردد يوسف :- متسلمش عليا..يااااااسااافل
قالها وقد تحكم بنفسه ولا زال آسر على ضيقه وقف يوسف موازيا للصف ليقف أمامهم بمكر وقال : المرادي مفيش عقاب
صافح الشباب بعضهم ببهجة وابتسامة وهم يتلقوا التهاني حتى قال وجيه فجأة:- في طرد
توقف الشباب فجأة كالتماثيل فالتفت يوسف اليه بفم مفتوح وقال : ها؟
لوى جاسر شفتيه بسخرية وقال:- أنا طردت نفسي من زمان وليا شقتي اللي عايش فيها لوحدي
وكزه رعد بخبث وهمس:- لوحدك يا كداب !
أجابه جاسر بخفوت:- تقصد توتو ؟ لأ دي سافرت..جبت مكانها كاريمان حتت بت مانجا
ضغط رعد على شفتيه بغمزة ماكرة فابتسم جاسر بثقة
قال آسر بكبرياء:- حاضر يا عمي اللي أنت شايفه
هتفت يوسف بغيظ: مش وقت كبريائك خالص دلوقتي ، بيقولك طرد يعني مش هنتعشى !!
ابتسم وجيه رغما عنه وقال : لأ ومش بس من القصر..ده من هنا كمان
اكفهر وجه جاسر وهتف: طب وهصرف على حريمي منين
كتم يوسف فم جاسر وصحح: هدومي..يقصد هدومه يا عمي ماتفهموش صح..
أضاف العم متأملاً أبناء أشقائه بعمق وقال:
_ اديتلكم فرص بعدد شعر راسكم وانتوا مصممين تفضلوا كده..قراري هو أنكم هتتعاقبوا لمدة سنة..لا ليكم علاقة لا بالشركة ولا بالقصر واما حصتكم في الأرباح هتكون محفوظة لكن متجمدة لحد ما السنة تنتهي..عايز اتفرج عليكم وانتوا بتشحتوا ومش عارفين تصرفوا على نفسكم..يمكن ساعتها تعرفوا قيمة الشغل..
نظر له الشباب بحدة وغضب مكبوت فختم وجيه قوله:
_ أنا عارف أنكم هتفشلوا اكتر من الأول وعمركم ما هتعتمدوا على نفسكم وتبقوا رجالة أبدًا..تقدروا تتفضلوا..محدش يدخل هنا غير بعد سنة واتمنى تلتزموا بالقرار ده حتى لو جرالي حاجة..محدش عارف بكرة في ايه..
قال آسر مؤكداً: فعلًا محدش عارف بكرة فيه ايه!! بس لو جينا واحنا ناجحين ؟
قاطعه وجيه بتحدي: هعمل مؤتمر كبير واتنازل عن منصبي ليكم انتم الأربعة قدام الدنيا بحالها..ولأني عارف أن ده مش هيحصل بتحداكم وانا مرتاح..انتم فشلة!!
خرج جاسر من المكتب بغضب يقتدح بمقلتيه وتبعه بقية الشباب واحدا تلو الآخر..
وقف الموظفون على الجانبين عندما خرج أبناء عائلة الزيان الثلاثة خلف بعضهم وكأنهم يهرعون لقتال محتد..بينما وقف يوسف خارج المكتب بحيرة فاقتربت منه حميدة بقلق متسائلة:
_ حصل ايه؟ شكل ولاد عمك ما يطمنش!
نظر اليها يوسف بضيق وهم : انطردنا..مش هتشوفني تاني يا حميدو!!
لأول مرة تغاضت حميدة عن ما يضايقها بمناداتها وكأنها رجل وانشغلت بكل تركيزها بالمصيبة الكبرى..تمتمت بصدمة:
_ اتطردت!! يعني مش هتكون هنا !!
هز يوسف رأسه بنفي: لأ طبعاً..ده كمان أنا ممنوع ادخل هنا غير بعد سنة كاملة..معتقدش أن حتى بعد السنة انا ممكن اجي هنا تاني
تركها واقفة ورحل..أصبح وجه حميدة شاحباً كالأموات تلألأت الدموع بعيناها وركضت باحثة عنه وتخلت عن النظرة المنبعثة من الأعين بأستفسار
❤❤❤****لا إله إلا الله
دخل كل شاب سيارته وانطلق بالطريق دون حديث مع الآخر..بينما ركضت حميدة لخارج الشركة تتعارك مع الوقت لتلحق بيوسف..علها تنظر اليه وتشبع قلبها الذي انشق شوق ولهفة ولكنه رحل منذ ثوانِ..وقفت بمنتصف الطريق باكية وشعور مؤلم بأنها لن تراه مرة أخرى...
عادت لمنزلها فلم تستطع المواصلة بالعمل..لاحظ عليها أبيها هذا الشرود ولكنها بالطبع لم تخبره وكيف تخبره وأي شيء تخبره به؟ فهي أحبت ويبدو أنه من طرف واحد..
ولجت لغرفتها مباشرةً..وارتمت على الفراش واجهشت بالبكاء :
.......بالمساء.......
فتح جاسر باب شقته ليجد يوسف أمامه بوجه ممتقع ونظرة منكسرة فقال جاسر: ادخل يا يوسف ، آسر ورعد هنا
دلف يوسف وهو يتقدم خطوات للداخل بإنهزام حتى وقعت نظرته على آسر الجالس شارداً .. ورعد الذي يكور قبضته على ذراع المقعد وكأنه سيتشاجر مع أحد..أغلق جاسر باب الشقة وقال:
_ أنا ما اتصدمتش كتير..لأني عارف عمك وعارف أنه عنيد
رد يوسف بضيق: ما تخيلتش أنه يعمل فينا كده، يعني مش بس من الشركة لأ من القصر كمان..صدمني فيه
نهض آسر بنظرة متحدية:
_ أنا قررت أننا نتحداه..هو قال علينا فشلة وطردنا..فاكرنا هنرجع ونتذلل بس لو واحد فيكوا هيعمل كده مش هعرفه تاني..
نظر رعد بحدة وقال: نتذلل!! ده مستحيل..أنا مش راجع القصر نهائي لا بعد سنة ولا بعد عشرين..
أضاف جاسر: طب وبعدين؟!..اكيد محدش هيرجع يتحايل بس كمان ما تنسوش أننا عايشين من الفلوس اللي بيحطهالنا في البنك..
جلس يوسف محاولًا التفكير بشيء فقال آسر بشكل حاسم:
_ خطوة كنت بفكر فيها وجه آوانها..أنا هفتح مكتب مقاولات صغير نقدر نشترك فيه كلنا ،لو نجحنا في خلال السنة دي هنرجع بعد سنة كل واحد ياخد نصيبه ويفتح مشروع ليه..اظن مافيهاش حاجة لو ضغطنا على نفسنا سنة واحدة بس ونسينا العز اللي عشنا فيه السنين اللي فاتت..
نظر يوسف له بأهتمام وقال: فكرة هايلة ،أنا شايف أنها الحل الوحيد الللي قدامنا..
رعد بتأفف: طب وشغلي؟!
أجاب يوسف: تقدر تواظب بين الاتنين..احنا هنكمل بعض
ضيق جاسر عيناه بتفكير ثم سأل: طب والمكان؟ والموظفين! ورأس المال؟
شرح آسر: عمك هيقدر يتحكم في الأرباح اللي لسه هيبعتها البنك لكن حسابنا ده خاص بينا..
جاسر بسخرية: رصيدنا كلنا كام يعني؟ انا عن نفسي مصرف جدًا ويدوبك اللي كان بيتحط كان بيقضيني واظن انكم زيي!! عمي وجيه عرف يلعبها صح للأسف..
قال يوسف بحماس: نبيع عربياتنا ،مانسيبش بس غير واحدة لينا كلنا..والشقة دي ممكن جداً تبقى المكتب..٣ أوض مكاتب والمكتب الرابع هخليه في الصالة هنا مش مشكلة..انا هرتبلكم المكان
قال رعد بتفكير: فكرة مش بطالة..معنديش مانع طالما شغلي مش هيتأثر..
رفع جاسر حاجبيه بذهول: شقة ايه اللي هتبقى مكتب !! اومال هنقعد فين؟! أنا لحد الفكرة وموافق لكن أن شقتي تبقى مكتب فأسف..مقدرش
وقف آسر بعصبية وقال: ومافيش ميزانية معانا تكفي أننا نشتري أو حتى نأجر!! لو عندي شقة كنت استخدمتها فورا يا جاسر..وأنت بالذات محتاج تثبت لعمك أنك مش مستهتر وفاشل وبتاع بنات..ارجوك وافق
قال يوسف بلطف: فكر يا جاسر لما ننجح هيكون شكلنا ايه قدامه..فكر أنه وعد لو رجعناله ناجحين هيتنازل عن منصبه وساعتها انا عن نفسي مش هقبل يتنازل لأنه عمي برضو وماحبش انه ينهزم لكن هنسحب وانا ناجح ومش خسران..
رد رعد بموافقة: وانا كمان موافق
زفر جاسر بغيظ وقال: هي جت عليا يعني..خلاص موافق!
******الله أكبر
مر أكثر من أسبوعان في تحويل الشقة لمكتب على هيئة شركة صغيرة..وقف يوسف بابتسامة متسعة بالردهة التي رتبت بالمقاعد الجلدية ومكاتب على أطرافها وقال: كده تمام أوي ، جاهزة على الشغل..
جلس آسر بعدما انهى عدة أتصالات تخص بعض العملاء الذين عرض عليهم العمل ووافقوا على مضض وقال:
_ هنتعب شوية في الأول بس أنا حاسس اننا هننجح
ابتسم له يوسف وقال: فاضل بس نجيب طقم سكرتارية وساعي للمطبخ وكده تمام..
أجاب آسر بتحذير: فكرتني..كويس أن جاسر ورعد مش هنا..بخصوص طقم السكرتارية..أنا عايزهم رجالة مش بنات
حملق يوسف به بدهشة: رجالة!! وولاد عمك هيوافقوا ؟! مستحيل
عقد آسر حاجبيه وقال: لو جبت بنات فتأكد اننا مش هنشتغل وانت عارف طبعا جاسر ورعد !!
جلس يوسف بجانبه مفكراً وقال: بالنسبالي فعارف أنا هجيب مين لكن المشكلة في الباقي!
ضيق آسر عيناه لدقيقة ثم قال فجأة:
_ لقيتها..مش هنجيب رجالة..بس عايز سكرتيرات يعني...زي حميدو كده..
احتدت نظرة يوسف وهتف: وبتجيب سيرتها بالغلط ليه بقى دلوقتي؟
هز آسر رأسه بنفي وقال: ما غلطتش يابني بالعكس..النوعية بتاعت حميدة دي مستحيل جاسر أو رعد يبوصلها...عشان لو جبت رجالة فبأكدلك أنهم مش هيقعدوا هنا ساعة واحدة انما لو زي حميدة اهو الوقت هيعدي من غير مشاكل..
صمت يوسف مفكرا وقال: خلاص..انا هسيب المهمة دي لحميدة بقى.
💖💖*****الحمد لله
دلفت حميدة والهالات السوداء تحت عيناها من كثرة البكاء طيلة الأيام الفائتة الى مكتب "وجيه الزيان" بناء على طلبه..دلفت حتى أصبحت أمامه وتفحصها بشك: قدمتي استقالتك ليه؟!
صمتت حميدة ونظرت للأسف وودت لو القته من النافذة حتى أعاد حديثه بحدة:
_ عشان يوسف مشي صح؟ أوك..استقالتك مقبولة...برا
نظرت له بغضب
_ أنت مش بني آدم!! في حد يطرد ولاد أخواته بالمنظر ده ؟! ؟!
أطرق وجيه على مكتبه بغضب وأشار لها لتخرج:
_ أخرجي برا قبل ما ابعتلك الأمن يخرجك!!
نظرت له بكره وقالت:
_ انا اللي قدمت استقالتي لأني ماحبش اشتغل عند واحد مايعرفش يعني ايه رحمة!! سلام
خرجت حميدة من المكتب وصفقت الباب خلفها بكل قوتها
انسابت دموعها على خديها بغزارة..اشتاقت له بجنون وتمنت أن ترى حتى طيفه..حتى كادت أن تصعد لحافلة بالطريق فرأت بائع "الذرة المشوى" على الرصيف..تذكرت أن يوسف يحبه كثيرا غمرها الحنين رغما عنها فذهبت لتبتاع منه .فما أن انتهت حتى اخذ يوسف ما بيدها بضحكة عالية:
_ حميدووووووو...واااااحشناااااي
تسمرت حميدة للحظات ثم اتسعت ابتسامتها ببطء وصدمة وهي تردد: ي..يوسف!!
قضم يوسف من "كوز الذرة" بنهم وقد عادت النظرة المرحة الطفولية لعيناه وملامحه الوسيمة فأجاب: هو بعينه..تعرفي..من يوم ما سيبت الشركة ومابقتش أشوفك..وانا باكل برضو
اتسعت ابتسامتها وودت لو تبكي وترتمي بين ذراعيه فتابع بضحكة: بس من غير نفس والله يا حميدو
قالت بحدة: برضو حميدو؟!
أجاب يوسف بعفوية: أنا بعتبرك صاحبي..عشان خاطري سبيني كده والله ببقى مرتاح كده..شوفتي كنت هنسى..عايزك في موضوع مصيري..
دق قلبها بجنون فأي شيء أتى اليه مخصوص؟! قالت بخجل وتوتر: موضوع ايه؟
شرح يوسف الأمر لتنسحب فرحتها المؤقته رويداً ولكن تبقى شيء جعلها تطمئن أنه يريدها معه بمكانٍ آخر ،اختارها هي لا غيرها ! قالت بنظرة عاتبة: أنا قدمت استقالتي النهاردة..وعمك قبلها
قال يوسف بفرحة: طب كويس..كده أنتي جاهزة تبقي معايا
قالت بقلب يتمنى: معاك يا يوسف
ابتلع يوسف ما بفمه بشهية واضحة وأضاف:
_ طب والباقي؟ انا عايز ٣سكرتيرات زيك بالضبط ، يعني اقصد انهم محتشمين و
قاطعته فقد فهمت مقصده من التواء الحديث: فهماك..تقصد عايزهم نسخة من حميدو ابو اربع عيون
لوى شفتيه بتذمر وقال: مش اقصد ازعلك والله ، أنتي الوحيدة اللي جيتي في بالي وعقلي وقف عليكي والله..
جملته اربكتها واسعدتها بآنٍ واحد فقالت بحماس: سيب الموضوع ده عليا..بس اديني اسبوع كمان وعايزة لاب توب
يوسف بتساؤل: ليه؟!
أجابت فريدة: عشان اعلمهم شوية حاجات كده قبل المقابلة
❤❤❤❤ ****** صلِ على النبي
عادت حميدة والسعادة تغمرها ثم ذهبت للفتيات مباشرةٍ لتخبرهم...بعد شرح ومناقشة ابتسمت رضوى وقالت:
_ ايه ده ؟ بقى اطلب من ربنا شغلانة حلوة تقوم الأمنية تتحقق بالسرعة دي؟!
جميلة بقلق: بس احنا برضو تعليمنا على ادنا يا حميدة؟!
سما وهي تسير بخطا متمايلة: اكيد هقابل فارس الأحلام بقى وهعيييييش..
هتفت حميدة بها: أنتي بالذات قلقانة منك يابت! اركزي شوية وبعدين المطلوب مننا كلنا واولهم أنا..اننا مانتعاملش غير جد أو اكتر شوية..
عقدت رضوى حاجبيها وتساءلت بدهشة: يعني ايه؟!
وقفت حميدة أمام الفتيات بنظرة متفحصة وهي ترفع إطار نظارتها الطبية على أنفها وقالت:
_ يعني الصوت الناعم ممنوع..الابتسامة ممنوع ، النظارات ما تتقلعش ، احنا نعتبر في الجيش.. ليه بقى؟
نظرت للفتيات تراقب تعابيرهنّ فلاحظت المقت والوجوم على ملامحهنّ فأضافت:
_قولتولي ليه..عشان أي مياعة أو رقة الجيش هيتقلب لكافيه على النيل وأنا بصراحة بحب كده بسسسسس مش وقته خالص ، ماينفعش نحب حد فيهم ، ماينفعش نعاملهم على أننا بنات ، عشان جاسر ولا رعد ولا حتى آسر لو حسوا برقتكم يبقى هالله هالله على اللي هيحصل ، انما يوسف ده أصلًا تنين صغير عايش واتولد في صنية بطاطس ومش عارف يطلع منها..اللي هشوف سنانها وهي بتضحك هديها بضهر إيدي على خلقتها..
******اللهم حسن الخاتمة
إلي هنا ينتهي الفصل الثانى من رواية إمبراطورية الرجال
رواية إمبراطورية الرجال
الفصل الثالث/الرابع
اللي هشوف سنانها وهي بتضحك هديها بضهر إيدي على خلقتها..
قالت حميدة ذلك بنظرة تحذيرية للفتيات الثلاث..اعترضت سما بغيظ: ده سجن!!
قالت حميدة : لو مش عاجبك الشغل قولي!
لوت سما شفتيها بضيق وتمتمت بعض الكلمات الخافته ثم قالت: عاجبني.
تعجبت رضوى قائلة: بس ليه لازم نظهر بالشكل ده؟!
أجابت حميدة وهي تجلس على الفراش: هعيد تاني..أولًا لو على موضوع السكرتارية بس فأكيد يوسف ماكنش كلمني ، لكن هو عايز حاجة معينة والاحسن تكون زيي ، لأن ببساطة ولاد عمه بتوع بنات وعينهم زايغة ، هو آسر مش بتاع بنات الصراحة بس برضو هو شاب في الآخر ومايضمنش..
قالت سما بإعجاب: الله..اسمه حلو..يارب يكون حلو زي اسمه
قالت حميدة بسخرية: أنتي بالذات يا نحنوحة أنا خايفة منك..بس خليكي فاكرة أن أي غلط أو مياعة ماعرفش ممكن يحصل ايه خصوصا أني لسه مش عارفة مين هيبقى مع مين ، كل اللي أعرفه أني مع يوسف أنما بالنسبالكم ما أعرفش..
تدخلت رضوى وهي تمضغ علكة بفمها وقالت:
_ طب ودول هيوافقوا أن خريجين دبلومات يشتغلوا معاهم!؟
قالت حميدة موضحة: انتوا مش خدتوا كورس icdl لما جيتوا تقدموا في البريد؟! معاكم أسبوع هعلمكم فيه حاجات كتير اتعلمتها في الشركة..شغل المقاولات كل العملاء بتوعه مصريين غير الاستيراد والتصدير...وكمان دي فرصة كويسة تخدوا خبرة بحيث لو مشيتوا يبقى اتعلمتوا حاجة تفيدكم..
وافقتها جميلة: صح..وكده كده مش فارق معايا كتير..انا متبعة النظام ده من زمان في أي شغل بروحه بس الجديد حكاية النضارة دي..
سما بتبرم: مابحبش النضارات..تقيلة على مناخيري
أجابت حميدة وهي تعدل نظارتها لا اراديا: مافيش نضارات ، ومافيش ومافيش ، اومال أنا اخترتكم ليه! عايزين تكسفوني قدام يوسف؟! هو أنا أعرف حد غيركم؟!
أشارت سما بموافقة: خلاص خلاص ، مش مهم نستحمل
تنهدت حميدة بعمق وقالت: كل واحدة تحضرلي ورقها وترتبه ، في خلال أسبوع عايزاكم زي ما شرحت بالضبط..
******
بسهرة المساء بأحد قاعات الزفاف بالقاهرة
مضى "وجيه الزيان" خطوات بين الجموع حتى أشار له رجل أشيب وتقدم اليه ليبادله وجيه الابتسامة فقال الرجل بترحيب:
_ شرفتني بحضورك
ربت وجيه على كتف الرجل وقال بتهنئة: الف مبروك وربنا يتمم بخير..
قال الرجل بنظرة ماكرة وعشم صداقة منذ سنوات رغم أنه يكبر وجيه سنوات كثيرة: فرح بنتي مليان بنات ، اختارلك عروسة منهم
نظر وجيه له بإستياء وأجاب: أنا صرفت نظر عن الموضوع ده من زمان..وبصراحة احسن أني ما اتجوزتش ، أنت عارف أني مابحبش القيود والخنقة..
قهقه الرجل بشدة ثم بدأ يثرثر معه بالأحاديث...
بينما اجتمع عدد غفير من الفتيات بزاوية بعيدة خارج قاعة الزفاف المطلة على النيل...فرفعت احداهن زجاجة عطر باهظة الثمن وقالت:
_ 1, 3،2.ودلوقتي التحدي بدأ
صاحت الفتيات بحماس فتابعت الفتاة وقالت بمكر:
_ اللي اد التحدي ترفع ايدها..الكلام النهاردة على المليونير العازب ، اشيك واحد في الفرح..
أتت على بُعد خطوات فتاة برداء سواريه من اللون الأحمر الناري فقالت عندما اقتربت من الفتيات: يا انداااال ، تحدي من غيري!
التفت لها الفتيات بصياح: للي
التفوا حولها بترحيب ومباركة على الفرع الجديد من صالون التجميل الذي ستفتتحه عن قريب...بينما هتفت الفتاة التي اعلنت التحدي وقالت: ادها يا للي؟
ابتسمت لليان قائلة: عيب عليكي..
قالت الفتاة بشرح: نص ساعة مع وجيه الزيان ، توقفي معاه ، أو ترقصي ، براحتك المهم ماينفعش تسبيه قبل نص ساعة..
ضيقت للي عيناها بدهشة: انتي مجنونة؟!! ده معقد !! أنا ما شوفتهوش بس سمعت عنه كتير ، ده عمره ما سهر مع واحدة أزاي هقف معاه ونص ساعة يا مفترية!!
هزت الفتاة كتفيها بلا مبالاة وقالت: لازم التحدي يكون صعب اومال هيكون تحدي أزاي؟! لو مش ادها تقدري تنسحبي
لوت للي شفتيها بقوة وقالت: ادها
صاحت الفتيات بقوة بينما ليان دب القلق بداخلها ، هي لا تحب التحدث مع الرجال ولكن ذلك التسرع اللعين هو من جعلها تقف بهذا الموقف ، كيف ستسرق من هذا الرجل نصف ساعة من عمره؟
******
مر بعض الوقت وأتى وقت الرحيل..استأذن وجيه من صديقه العجوز لينصرف ...خطا وجيه لخارج القاعة بخطوات ثابته ورشيقة ، فلم يمر بجانب إمرأة الا والتفتت بجانب عيناها اليه بينما المراهقات كن يتهامسنّ عليه..حتى كاد أن يدخل سيارته لينتبه لصوت خلفه، أتى الصوت مع صوت جريان المياه بالنيل القريب..تتلقف الأذن همهمات النسمات المتطايرة فأخذت بخفة موجات الصوت للآذان..قالت للي: وجيه
استدار وجيه سريعاً لذات الرداء الأحمر الناري بصبغة أكثر نارية على شفتيها..خصلات شعرها الأسود الطويل كأنها برقية عشقية من قرون ولت..خطف انتباهه نظرة عيناها العميقة حتى اقتربت له ببطء ، تمنت لو كل خطوة تمضي بساعات فإن كان بحقيقة الأمر لعبة فلا تنكر أنها تفاجئت بوسامته!! اعتقدت أنها سترى رجل كهل بدلا من ذلك الرجل الساحر..وقفت أمامه بعد خطوات اليه وظل واقفاً يتأملها بصمت..قالت ببطء: فاكرني ؟
اطرف عيناه بحيرة ، لم يتذكر مرة أن إمرأة خطفت أنفاسه منذ النظرة الأولى مثل هذه الفتاة ، حتى من احبها بالماضِ لم تكن نظرته الأولى لها مهلكة مثل الآن..قال بدهشة: أسف..مش فاهم؟!
ظل الأضواء التمع بعيناها بينما لمعة عيناها اتت من دمعة حقيقية فللحظة شعرت وكأنها تجسد الواقع ، أو كأنها انتظرته حقا فقالت متابعة: شكلك مش فاكرني..
قال مأخوذا بشيء مجهول بعيناها: احنا اتقابلنا قبل كده؟!
تظاهرت بالأسى والحزن وقالت: خيرت نفسي بين خيارين ، يأما تفتكرني وتفتكر كل اللي كان بينا ، يأما هنهي حياتي وقدامك..
النيل مش بعيد..زي ما جمعنا أول مرة هيكون النهاية..
تعالت سمات الدهشة بملامحه وقال معتذراً: أنا عمري ما قابلتك ، حقيقي أنا مش فاكر أني شوفتك ولو مرة واحدة! يمكن حد شبهي!
قالت عاتبة: حد شبهك ،ونفس اسمك كمان!
طال صمته بنظرته العميقة لعيناها وكأنه يدرس لفتاتها وارتباكها الواضح فتابعت : قبل ما اسيبك للأبد ، عايزني افكرك ، ولا ما اتعبش نفسي ؟
قال وكأنه مسلوب الإرادة ولم يعرف لما احب الحديث معها ، لم تكن بالباهرة الجمال أكثرمن غيرها ولكن بها شيء يجذبه بشدة فأجاب: سامعك..
نظرت لساعتها بقلق وضاقت لأن لم يمر من الوقت سوى منتصفه ، كيف سيمر النصف الآخر وأي شيء ستقول؟! أشارت للداخل فتعجب..قالت موضحة: ده من ضمن حكايتنا
رفع حاجبيه بمكر وقال: مش هينفع ادخل بعد ما استأذنت ، أسف
رمقته بغيظ خفي ، ثم سحبت زهرة كانت تزين بها شعرها واقتربت منه بحذر ووضعت الزهرة الصغيرة بالجيب الصغير بسترته السوداء وقالت: خليها معاك ، هتفكرك دايماً بيا
ضيق عيناه عليها بحيرة بينما تخللت رائحة شعرها الى أنفاسه بإنتعاش، اضطربت دفاعته كرجل..قالت : كنت هنا وأنت كمان..في يوم زي ده..
قاطعها بقوة : أنا عمري ما شوفتك ولا أعرفك! بس كملي
اخفضت رأسها بلفته حزينة بينما قصدت أن يمضي الوقت بالصمت خير من الحديث..قالت وهي ترفع عيناها لعيناه:
_ لأ أنت تعرفني بس نسيت
صدم لقولها وردد: نسيت!!!
هزت رأسها بقوة وتجمع شعرها الأسود حول وجهها البيضاوي الصغير واكدت: آه نسيت ، أنت قولتلي وقتها أن في حاجات بضيع من ذاكرتك
بدا عليه نفاذ الصبر حتى استدار لسيارته ليرحل فامسكت ذراعه تمنعه بقوة ، تفاجئ بما فعلته وتفاجئ أكثر بالصدمة البادية على وجهها وكأنها لم تشأ أن تفعل ذلك !! ، وضعت أناملها على فمها بتمتمت اعتذار والتمعت عيناها كعين هرة حزينة وقالت: آسفة ..ماكنش قصدي..
تأملها لبعض الوقت بحيرة ولكن ليس منها بل من نفسه ،فإن لم تجذبه هي لكان التفت لها مجددا وتابع الحديث!!
قال محاولا السيطرة على نفسه : أنا ما أعرفكيش ولا عمري شوفتك ، اكيد حد شبهي أو في حاجة غلط مش مفهومة!
تحدث بعد ذلك لدقائق وتركته يتحدث والدقائق تمر ببطء شديد حتى أشارت احدى الفتيات عاليًا من بعيد وهذا يعني أن وقت التحدي انتهى..تنهدت براحة وابتسمت قائلة بانتصار: أنت صح ، احنا فعلا ما اتقابلناش قبل كده ، باااااي
أشارت له ملوحة وكأنها تبدلت لفتاة أخرى وركضت من أمامه للبعيد ، ظل متسمرا للحظات بصدمة ...
وقفت للي بين الفتيات بنظرة منتصرة وقالت: كسبت التحدي ، عشان تعرفوا بس أن مافيش حاجة توقف قدام لليان يوسف
اعطت الفتاة زجاجة العطر لليان وقالت:
_ بصرف النظر كلمتيه في ايه بس واضح أن لو مكنتش شاورتلك كان ممكن الكلام يعدي الوقت بكتير ،برافو للي
صاحت الفتيات من حولها لتقل أحداهنّ : عايزين تحدي تاني ، النهاردة فرح شاهندا وعايزين نحتفل..
قالت للي بسخرية وزجاجة العطر بيدها: كفاية كده وبعدين انا اكتر واحدة بتكسب في أي رهان ،كنتوا فاكرني مش هكسب ومش هعرف اتكلم مع وجيه الزيان بس اهو اتكلمت معاه وماكنش عايز يمشي كمان ...
ارتفعت ضحكتها بينما امتقعت وجوه الفتيات فجأة ، نظرت للي اليهم وقالت بسخرية: معلش معلش ، دي اقل حاجة عندي
أشارت فتاة لما خلفها فاستدارت للي لتتلقى صفعة مدوية على وجهها ، اسودت عين "وجيه" بغضب عنيف وركضت الفتيات للداخل وتركوها بمفردها تقف مقيدة بسجن نظراته المشتعلة، هتف بها بهدير صوت الغضب : حقيرة ورخيصة ، ورهان احقر عملتيه على حد ما تعرفيهوش وخليتيه اضحوكة قدام صحابك التافهين !!
كل يوم بتأكد أن كرهي ليكوا هو الصح..
انسابت الدموع من عين لليان ويدها لم تفارق خدها المصفوع وهمت أن تعتذر حتى القى وجيه بعض الأوراق النقدية بوجهها وهتف: مبلغ أكتر من كفاية احسان مني عشان ما تحطيش حد مالوش ذنب في الموقف السخيف ده تاني..ولا العاهرات اللي زيك
احتد غضبها رغم بكائها وقاطعته برفع يدها وكادت أن تصفعه مثلما فعل ولكنه قيد يدها بغضب وقال: مش أنا اللي ترفعي ايدك عليه يا حقيرة
دفع يدها بإزدراء بعيدا عنها ثم رماها بنظرة محتقرة وذهب من امامها..رغم قوة الغضب التي تملكتها للحظات ولكنها تعترف أن الحق معه فيما فعله..
أخذ وجيه سيارته منطلقاً بالطريق ، وشياطين الغضب والانتقام تتراقص أمام عيناه...
******
مرت الأيام ليأت يوم ما قبل مقابلة العمل"الأنترفيو" جلست حميدة على الأرض مستندة على وسادة خشنة وقالت وهي تحرك حبات "اللب" بين أسنانها : اهو كل شيء تمام ، بكرة الصبح أن شاء الله هنكون في المكتب..
جلست سما بضحكة : كل ما افتكر شكلنا بالنضارات ولبس الستينات اللي جبناه اموت من الضحك ، قال يعني احنا كنا ناقصين فقر !!
ابتسمت حميدة وقالت: تعالي على نفسك يا سمكة معلش عشان خاطري
قالت سما بمرح: اجي ياختي ماجيش ليه ، بالمرة اخس شوية
رضوى بسخرية: اكتر من كده هتبقي خلة سنان !!
ردت سما وهي ترمش بعيناها : انا دلوقتي إمرأة عاملة ولازم ابقى رشيقة..
انهت جميلة اعداد عشاء سريع وقالت: اكلة سريعة ، مش بطماطم وجبنة بيضة بطماطم..
قالت سما ضاحكة: يارب الحلبة ماتبقاش بالطماطم هههههه ، وبعدين انا عايزة اندومي !
هتفت حميدة: بيعفن القولون ،ستي قالتلي كده
تجمع الفتيات حول الطعام البسيط مع الضحكات فيما بينهنّ فقالت حميدة لهم بمحبة: عارفين يا عيال ، أنا مش عارفة من غيركم كنت هعمل ايه
قالت سما بمرح: اعملي جمعية هاهاهاهاهاها
ضحكت رضوى وجميلة بينما نظرت حميدة لها بغيظ وقالت:
_ بكرة نشوف لماضتك ياشبر ونص
******
بالصباح...
وقفت حميدة أمامهنّ بعدما استعدوا للخروج بينما استوقفها شيء فنظرت لسما بتفحص وقالت: أنا نمت امبارح بعد العشا واظاهر أن اللي بفكر فيه صح
كتمت رضوى وجميلة ضحكاتهنّ بينما أطرفت سما عيناها ببراءة وقالت: اوعي تكوني فكرتي أني روحت الكوافير ؟ اوووعك
هزت حميدة رأسها بنظرة للأسفل حتى خلعت ما بقدميها وركضت سما بضحكة عالية وقالت: مش بحب ابقى غفر هههههههه ، يا لهواااااي
اسرعت حميدة خلفها وبالكاد كتمت ضحكتها حتى تسلقت سما الفراش وقالت: دول هما اللي نادولي عشان اشرب بيبس
قلدتها حميدة بابتسامة فرت من شفتيها وقالت: انزلي وخلصينا خلينا نمشي..
هبطت سما بالتدريج وبحذر بنظرات ضاحكة فقالت: ماتضربنيش وانا رايحة الشغل ، رايحة الشغل أنا رايحة الشغل ههههه
ضحك الفتيات عليها وقالت حميدة : ربنا يصبرني
*****
أمام المبنى الذي يقطن به المكتب..وقف الرباعي بنظاراتهنّ السميكة ، قالت سما بتأفف: كان لازم يعني نضارات !! هو احنا يعني اللي أول ما يشوفونا هيضعفوا !! انا آه انتوا لأ هاهاهاها
ضحكت بمرح لتقل حميدة بضيق: فاضل ربع ساعة والشندوتش بتاع الصبح ده ما صالحش بطني ، جعااانة
قالت رضوى : شوفت بتاع عربية فول على أول الطريق ،تعالي نفطر أنا برضو جوعت
شاركتهم جميلة بينما قالت سما بنفاذ صبر: لأ هستناكم هنا ، مساحة العربيات اللي لابساها دي هتلبسني في الحيط..
قالت حميدة: خلاص ، هنروح انا والبنات وخليكي هنا ،خمس دقايق وراجعين..
وقفت سما بالطريق تنظر للفراغ بينما مر رجل عجوز بجانبها وقال ضاحكاً: يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم
قفز أحد الأطفال وأشار على سما قائلًا: تيمون وبمبااااا اهوووو
جزت سما على أسنانها بغيظ وهي تنظر للطفل بينما ترجل آسر من سيارته وهو يتحدث بالهاتف مشغولا عن النظر فيما حوله ، زفرت سما بضيق من وجودها بالشسارع تحت انظار الجميع المستهزأ فقررت أن تصعد وتنتظر الفتيات أمام باب المكتب فهذا أفضل حل ..
لم تلاحظ الذي دلف للتو بينما كل ما لاحظته تلك المحفظة السوداء الملقاة على الأرض ، احتارت أن تأخذها أو تتركها كما هي وما وجود لحارس المبنى ، أخذت المحفظة وقررت البحث عن صاحبها فيما بعد بينما آسر وقف أمام المصعد حتى انهى مكالمته الهاتفية قبل الدخول للمصعد الكهربائي حيث لا يوجد شبكة بالداخل ..فتح باب المصعد ودلف بداخله حتى دلفت سما دون أن تلتفت لمن ينظر بإتجاه الارقام ..اغلق الباب ووقفت خلفه والمحفظة بين يدها ،وقعت المحفظة منها فجأة فجثت لتلتقطها عندما رأت صورة شاب بداخلها خطفت أنفاسها ، استقامت وهي تنظر للصورة بابتسامة وقالت : ايه القمر ده !! هو بياكل بونبوني!
أخرجت البطاقة الشخصية وقرأت الأسم بينما تجاهل آسر همهمتها وهو يواليها ظهره ،قالت : آسر مصطفى الزيان
اتسعت عين آسر بصدمة وهو يستمع لأسمه فاستدار اليها ليجد فتاة ترتدي شيء أشبه بالفستان ولكنه بالطبع اقل رقة ، ونظارتها السميكة التي تخفي اغلب وجهها الصغير في حين أن كان بإمكانها إرتداء نظارة اصغر بكثير !! قال بصدمة وهو يخطف محفظته من بين يدها: دي محفظتي !!
رفعت سما عيناها بعصبية وسخرية بينما تسمرت وهي ترى نفس الملامح ،جف ريقها ...حتى قال: لقيتيها فين دي كانت في جيبي من دقايق؟!
بالكاد استطاعت النطق وهي تشير لباب المصعد: لقيتها واقعة في الشارع
قال بسخرية: وخدتيها على طول من غير ما تسألي!!
ضاقت من نبرته وأجابت: هسأل مين انا ما اعرفش حد هنا ، ده غير أني كنت ناوية اخلص شغلي واسلم المحفظة لصاحبها بنفسي مش اديها لحد ويا عالم هيعمل بيها ايه!!
فتح باب المصعد قبل أن يجيب ، نظر لها بإعتذار وقال:
_ آسف ،اتعصبت من غير داعي
ضغطت سما على زر الهبوط دون أن تجيبه فأنغلق باب المصعد ، استندت على الحائط وهي تكاد تقفز ضاحكة....
هبطت للأسفل ووقفت تائهة بابتسامة وما مر دقيقة حتى اتى الفتيات ولم يكتشفوا ما حدث....
*****
تجمع الثلاثي الشباب بمكتب واحد بينما قال رعد بتعجب:
_ هو احنا متجمعين ليه مش المفروض كل واحد يختار اللي هتكون سكرتيرته؟!
أجاب آسر وهو يتفحص هاتفه: خليها مقابلة واحدة ونخلص ورانا شغل كتير ، عندي ميعاد مع فريق مهندسين هيشتغلوا معانا من بكرة ولازم تكونوا معايا في الاجتماع..
دلف يوسف بحماس للمكتب وقال: في طقم نضارات برا هندوس بيهم السوق لأننا مش هنشوف حاجة أصلا ،شباااااب أنا متفائل
همس رعد بأذن جاسر وهو جالس بجانبه وقال:
_ حاسس بفتحة خير بالسكرتيرات الجداد
كتم جاسر ضحكته وقال:- ما تتعشمش أوي ،دول مجايب شربة العدس اللي مع يوسف هيكونوا ايه يعني ، اكيد صلصة ، أنا قررت أني اجيب توتو تشتغل معايا
قال آسر بجدية وهو يجلس بجانب أبناء عمه وامامهم مكتب خشبي عريض خصص مسبقا لدراسة التصميمات :
_ دخلهم مع بعض يا يوسف
وقف يوسف بعتب الحجرة وأشار لحميدة للدخول حتى اصطفت الفتيات خلفها كطابور النمل..دلفت واحدة تلو الآخر..رفع جاسر عيناه لهن واطلق ضحكة عالية لم يستطع كتمها..بينما صدم رعد للحظة الأولى فقال جاسر بضحكة: دي مرحلة ما بعد الصلصة
همست جميلة بغيظ وقالت لحميدة: هو ماله الأخ فشته عايمة كده ليه؟!
نظرت حميدة له لتصمت بينما ظلت سما تنظر بصمت وخجل لآسر الذي علمت أنها ستلقاه منذ معرفتها بهويته ، صدم آسر من رؤيتها فرمقها بنظرة تكرر الاعتذار بصمت..
قال رعد بتيهة: هو مين طفا النور؟!
اطلق جاسر ضحكة عالية وقال له بخفوت: على ما تخرج من صدمتك هبدأ انا..
لم تستطع جميلة كتم غضبها فقالت: انت بتضحك علي ايه ؟!
اطرق جاسر بالقلم على مكتبه وكتم ضحكته بالكاد وأجاب:
_ أنتي اسمك ايه؟
أجابت جميلة بغيظ: اسمي جميلة
اتسعت ابتسامته وقال: طب احلفي !!
وكزت جميلة ذراع حميدة التي بالطبع كانت تتوقع ذلك وقالت: مين الطور اللي بيستظرف ده؟ جاته نيلة في شكله
نهض جاسر وتلاشت كل معالم المرح بملامحه وكأن لدغه عقرب وقال لها مشيراً: أنتي قولتي ايه؟!!
لوت شفتيها بسخرية وقالت: ماقولتش
رفع حاجبه بدهشة من جرأتها فألقى القلم من يده وقال وهو يتحرك واقفاً امامها بتحدي: أوك ، المقابلة انتهت
قالت بنبرة أشد سخرية: عارفة ،مرفوضة
هز رأسه بنفي ونظرته تتوعد بشيء غامض : لأ اتقبلتي يا...مش فاكر...المرة الجاية ابقي فكريني
رماها بنظرة مستهزأة وقال لآسر ورعد الذي شاهدوا المشهد بصمت ودهشة من هذا العداء الغير مبرر وقال: سكرتيرتي
خرج من المكتب بعد كلمته دون أن يلتفت اليها ولو بنظرة..شيء جعلها ترتبك من نظرته وتقلق ،وشيء جعلها تقبل التحدي ،وشيءجعلها تبتسم !!
وضعت سما ملف أوراقها أمام آسر الذي تفاجأ بهذا وكأنها هي من اختارته ليعمل معها وليس العكس!! ابتسم بخفة وقبل ملفها وهو ينظر لأشياء قد علمها من يوسف مسبقاً وقال: تمام..
تبقى رعد الذي نظر لرضوى وقال: احدفي الملف في وشي واجري
تعجبت رضوى من حديثه وقالت : ليه هو أنا عفريت؟!
اومأ برأسه رافضا: لأ طبعاً ، أنا اللي استاهل اللي بيحصلي ،ادي آخر اللي ما يسمعش كلام عمه...مش عارف هكمل أزاي بس هحاول
قال آسر وهو ينظر لسما:
_ هنبدأ الشغل من...
قاطعته سما بنظرة خجولة وابتسامة : من النهاردة لو حبيت
نظر لها الفتيات بغيظ وهم يضغطون على أسنانهم وبأعينهم نظرة انتقامية...فرفع آسر رأسه بابتسامة تمايلت بعيناه وقال:
_ من بعد بكرة...بالتوفيق لينا كلنا
******
وقف يوسف مع الفتيات بخارج المكتب وقال: الحمد لله المقابلة انتهت على خير ،جهزوا نفسكم للشغل..بس حميدو هيبدأ شغل من النهاردة..
ضحكت سما رغما بينما تطلعت حميدة اليها بغيظ فقالت رضوى: طب بالأذن احنا بقى
جذبت رضوى سما من يدها للخارج وتبعتهم جميلة حتى تفاجئت بالذي يخرج من غرفة أخرى ويقف أمامها بنظرة متعالية..نظر لها من رأسها حتى اخمص قدميها وقال : ابو شكلك
💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖
- الفصل الرابع
قال ذلك وتحرك من أمامها للغرفة الأخرى، تسمرت للحظات ، هل تعود اليه وتعنفه أم تقبل بذلك العمل ولا تفكر كثيراً ؟! يبدو أنه يتوعد لها بالكثير فنظرته قالت ذلك..
رحل الثلاثي من المبنى بينما خلعت رضوى نظارتها وتبعها الفتيات بضيق.
**بالمنزل**
فُتح باب المنزل البسيط لتولج اليه جميلة ومن خلفها سما ورضوى، وضعت رضوى حقيبتها ببعض الشرود وهي تتذكر ما حدث بالمقابلة ، دلفت جميلة للغرفة لتبدل ملابسها بينما جلست سما الذي لم تختفي معالم الابتسامة من وجهها على آريكة قديمة بالصالة وتقرب من التلفاز المتربع على منضدة خشبية وتاهت شاردة..منذ أن وقعت نظرتها عليه وهي تشعر بألم ممتع بقلبها ، بأن هناك الكثير بينهما سيأت ، وأن القصة بدأت اليوم..مر ساعتين وهي جالسة وشاردة وبالكاد استفاقت من شرودها قبل أن يلاحظ أحد بينما يبدو أن رضوى لاحظت وأنتهى الأمر فرمقتها بنظرة ضيقة فقالت ضاحكة:-
- بت يا سمكة؟
أجابت سما ببعض التيهة:- ها؟ إيه؟!
رضوى بضحكة عالية:- ها وإيه؟!! هههههه مالك اتخشيبتي كده في المقابلة ؟ دي حميدة هتعلقك في مروحة السقف.
أجابت سما وهي تتمايل بهيام:- هو شباكنا ستايره إيه؟!
هتفت حميدة التي أتت للتو بنظرات مغتاظة:- حديد..حديد هيدغدغ على دماغك النهاردة..بقى هو ده اللي اتفقنا عليه؟! وقال ايه لو حبيت نشتغل من النهاردة...ما كنتي تديله عنوان البيت بالمرة! ده آسر الزيان يخربيتك
قلدتها حميدة تحت نظرات جميلة ورضوى المنفجرين من الضحك فقالت سما بابتسامة :- زوجي قرة عيني أوي..
وضعت سما يدها على وجهها بخجل وقالت بحياء:- هيتقفل علينا باب واحد أزاي ده؟!
حملقت حميدة فيها لوهلة ثم ركضت خلفها لتركض سما ضاحكة وصححت :- بااااب المكتب ، ماتبقيش قفوشة بقى
هزت حميدة رأسها وقالت:- والله هو اللي يتخاف عليه
تساءلت رضوى بتعجب:- مش يوسف قال هتشتغلي النهاردة ؟!
تنهدت حميدة وهي تجلس على الفراش وتخلع عنها حجابها فقالت:- حضرت معاهم اجتماع المهندسين الجداد ومشيت
ظهر الضيق على وجه جميلة الذي حاولت أن تخفيه وقالت:- والله لولاكي لكنت خليت اللوح اللي اسمه جاسر ده يترحم على كرامته ،بس ماحبتش اعملك مشاكل
وافقتها رضوى وقالت بغيظ:- ولا الحمار التاني ، "احدفي الملف في وشي واجري" ده كأنه هيتنازل عن العرش لما وافق يشغلني!!
قالت جميلة بعصبية:- أنا ليه ما رميتهوش من الشباك ساعتها؟!
أجابت رضوى بحدة :- وانا ليه ما اديتلوش بونية في وشه بدل الملف ؟!
سحبت سما يد جميلة لمرآة كبيرة مثبته بخشب خزانة الملابس القديمة وقالت وهي تشير لأنعكاس مظهرهما وقالت:- بذمتك ده منظر بني آدمة..حدديلي ملامحك ! ده احنا كنا شبه الصيادين!
وقفت جميلة تنظر لنفسها بتأفف واجابت:- وحتى لو منظرنا وحش ، هما هيتجوزونا يعني ؟!
قالت سما بدعا:- ياررريت
نظرت لها رضوى بغيظ وقالت:- انا اصلا رعد ده ما يملاش عيني
سما بضحكة:- هيخترق النظارة بكرة تشوفي ههههههه
قال حميدة بسخرية:- والله أنا حاسة أنك هتخدي مقلب يخرج من عينك..
هزت سما كتفيها بعدم اكتراث وقالت:- ما تخافيش على سمكة
****
**بالمكتب**
رتب آسر الأوراق بعد إنتهاء فحصها وقال وهو يعود بظهره للخلف بتنهيدة:- بصراحة كنت فاكر أن صعب نلاقي عملا بس اتفاجئت بصراحة..الحمد لله عندنا ٣مشاريع هنبدأ فيهم ودي بداية هايلة.
دلف يوسف وبيده حقيبة بلاستيكية بها طعام سريع وقال:- جبت ١٨ سندوتش ، كل واحد فيكوا ياخد واحد وانا ١٥ عشان بجوع بليل..
أخذ جاسر واحد منه بنظرة غيظ وقال له:- جلاب المصايب
وضع يوسف ما بيده على المكتب بضحكة وقال:- اهو كده اضمن انكم هتشتغلوا ، اومال كنت فاكرني هجيبلكم سكرتيرات زي بتوع الشركة؟!
قضم جاسر من الساندوتش بعصبية وقال:- بنت ال..والله لطفشها
هتف آسر بحدة:- وبعدين بقى؟! دول احسن من غيرهم على فكرة ، على الأقل مش هيطلبوا مرتبات عالية لأن معندهمش خبرة كفاية ، المرحلة دي هنستحمل فيها حاجات عشان نحقق هدفنا..
رد رعد بسخرية ممزوجة بالمرح وقال:- لأ والتانية لسه بتسأل ومستغربة أنها مش عفريت..انا عمري ما خوفت من الضلمة بس خوفت منها وربنا..
ابتسم آسر ابتسامة واسعة وقال بمرح:- والله شكلهم مبهج..
قال يوسف بضحكة:- الحمد لله أني مش زيكم ، أنا مرتاح مع حميدو جدًا..
ضيق رعد عيناه وفكر في شيء ما..رمق جاسر ملف رضوى وتعجب من صورتها بدون النظارة الطبية وقال:- العجيب أن صورهم في أوراقهم مختلفة!
سخر جاسر:- عيب عليك ده أنت أكتر واحد خبير في الموضوع ده
أومأ رعد قائلا:- آه فعلًا ، الصور بتداري كتير
****
بشقة كبيرة في أحد الأحياء الراقية بالقاهرة...
وضعت الخادمة الأجنبية كوبين من القهوة أمام "للي" ورحلت ، وضعت للي كوب امام صديقتها واخذت كوبها حتى قالت صديقتها نهلة :- مالوش حق يضربك بالقلم !!
تنهدت للي بشعور غريب وقالت:- ساعات بحس بكده وارجع واقول لو أنا مكانه كان هيبقى ده رد فعلي برضو ، خصوصاً أنه مش حد قليل...بصراحة عشان اكون صريحة التحدي كان سخيف فعلًا ومش عارفة وافقت عليه أزاي...كل مرة كان بيبقى بعيد عن أي شخص لكن المرادي الشلة افورت أوي..
قالت نهلة بتعجب:- للي أنتي مش صغيرة عشان تمشي ورا البنات دي ، أنتي واحدة ناضجة مش لسه مراهقة متهورة مش عارفة بتعمل ايه..
وضعت للي كوبها بعصبية وقالت بملء الدمع بعيناها:- وأنا عملت ايه وانا مراهقة يعني؟! اهلي جوزوني لواحد وراني العذاب الوان ،فضل يضربني لحد ما سقطت واتحرمت من الحاجة الوحيدة اللي كانت هتفرحني..ماتوا وسابوني معاه اتعذب...اتجوزت ١٩سنة واطلقت وانا ٢٤ وفات عشر سنين غيرهم وانا لسه الكسرة جوايا..
نهلة بتعجب:- اللي يسمعك يقول أنك كنتي بتحبيه !!
تنهدت للي بحزن وقالت:-
- ياريتني كنت بحبه ، يمكن كنت قدرت استحمل لحد ما يتغير، بس أنتي عارفة يعني ايه تعيشي مع واحد مش طايقة تبصيله؟ مش قادرة حتى ترتاحيله؟ انا ماكنتش بحب حتى نفسي وانا معاه ، وهو ماسابليش أي فرصة أني احترمه ، سمعت مرة واحدة جارتنا بتشتكي أن بنتها اتأخرت في الجواز لحد التلاتين كنت عايزة أصرخ فيها واقولها أن لو بإيدي اكون مكانها ما اترددت لحظة...كان أهون عليا مليون مرة افضل من غير جواز ولا أشوف اللي شوفته..
قالت نهلة برفق:-
- بس أنتي ما ضعفتيش بعد الطلاق بالعكس...حققتي حلمك وبقيتي أشهر ميكب ارتيست ، اظن ده كفاية
هزت للي رأسها بدموع وقالت بضعف:- لأ مش كفاية يا نهلة ، أنا عشان اكون صريحة مع نفسي فهعترف أن حلم بنت ال ١٩ لسه جوايا..نفسي احب واتحب..صحيح جوازتي الأولى كسرت جوايا الأمل..بس الحنين للحلم ده لسه موجود...نفسي اقابل اللي...
صمتت حينما مر بعقلها ملامح وسيمة غاضبة...تعجبت نهلة وقالت متساءلة:- سرحتي في ايه!
أطرفت عين للي ببعض التيهة وقالت نفياً :- لا أبداً
عادت نهلة متساءلة:- أفرضي قابلتي وجيه الزيان تاني..هتعتذريله؟
نفت للي وقالت برفض:- لا طبعاً ، كفاية القلم اللي خدته ، خلصانة
*****
**بقصر الزيان**
وضع الخادم العجوز كوب من القهوة على المكتب أمام وجيه ذو النظرة الشاردة الذي يتخللها الحزن وقال:- قهوتك يابني
خرج وجيه من شروده ورد على العجوز:- شكراً يا عم نعيم
قال الرجل مترددا:- أنا عارف أنهم وحشوك ، رجعهم لو ليا خاطر عندك...أنا ربيتكم كلكم زي ولادي
تنهد وجيه وقال بلطف للرجل العجوز رغم ما يعتمل بصدره من ضيق:- خاطرك غالي عندي ياراجل يا طيب ، بس للأسف المرادي ماينفعش اتراجع وإلا ما انتظرش منهم أي تغيير...ما تفتكرش أن بعادهم عني سهل لكن ماينفعش يفضلوا معتمدين عليا طول الوقت...أنا كبرت يا نعيم مابقتش صغير
قال الرجل بطيبة:- ٤٧سنة مش كبير يابني ، فكر في نفسك ودور على بنت حلال تعوضك اللي فات..
ابتسم وجيه بمرارة وأجاب:- بنات الحلال قلوا أوي اليومين دول..أنا نسيت أصلًا الموضوع ده..
صمت الرجل بنظرات حزينة ثم استأذن ورحل...رفع وجيه كوب القهوة الى شفتيه بينما ذكره لون البن لعينان شائكة الٱغراء...لذات الرداء الأحمر الناري..للمخادعة المجهولة..اعتلى صدره الضيق والحزن أكثر حتى وضع الكوب بحدة ونهض الى الشرفة المطلة على الحديقة...أخذ نفس ملء رئتيه حتى تهبط تلك الغصة المريرة بحلقه ولكن لا زالت عالقة..ما بهذه الفتاة يجعله يضيق من خداعها !! كأنه للحظة تمنى أن يكن حديثها صادقاً!!
*****
بصباح يوم العمل...
تملمت سما وهي تمط ذراعيها بكسل ولم تنتبه أنها صفعت رضوى دون قصد على وجهها...فتحت رضوى عيناها بغيظ ودفعت جسد سما الصغير على الأرض فتأوهت بتذمر:- يا كلبة
ابتسمت رضوى بانتصار:- عشان تبقي تتمطعي كويس، بقرة نايمة جانبي..
استقامت سما وهي تسند ظهرها وقالت :- هروح استحمى بسرعة
جميلة بضحكة وهي تخلع اسدال الصلاة :- قررتي تنضفي خلاص.
لوت سما شفتيها وقالت:- مش هخليكم تنرفزوني يا عرسة منك ليها.
ركضت سما الى الحمام ضاحكة قبل أن تلحقها جميلة..ابتسمت رضوى بمرح وقالت:- لسانها طويل بس بتموتني من الضحك
قالت جميلة بابتسامة واسعة حتى دلفت حميدة وهي تفرك عينيها بكسل فقالت رضوى متساءلة:- أنتي زعلانة من ستك ولا ايه ؟ بقيتي تباتي معانا اكتر الوقت..
قالت حميدة وهي ترتشف الماء من آنية فخارية تسمى"القلة" :- من ساعة موضوع جميلة وانا بقلق اسيبكم لوحدكم ، الواد مصيلحي ده طايش وممكن يطب عليكم..
قالت رضوى بحدة:- طب خليه يعملها وانا اطلعه على نقالة
ظلت حميدة تتحدث و"القة" بيدها وتغافلت عن هذا حتى خرجت سما وهي تلتف بداخل برنس قصير وقالت بضحكة:- ايه ده؟ بتشربي من القلة يعععع
نظرت الفتيات لما ترتديه سما وقالت حميدة بذهول:- انتي لابسة ايه يا آخرة صبري؟ جبتي البرنس ده منين يابت؟!
تمايلت سما أمام المرآة وقالت بثقة:- كنت اشتريته وعينته في جهازي ، طلعته عشان استخدمه وهبقى اجيب غيره..لأ واشتريت علبة شامبو كمان بدل الكياس هاهاهاها..بصرف ببزخ
ضحكت بإستفزاز لتقل حميدة وهي بالكاد تكتم ضحكتها:- وايه كمان ؟ اشجيني
التفتت سما وقالت بفخر:- كله جاي..انا دلوقتي بشتغل
رضوى بتساؤل:- أن شاء الله تنطردي النهاردة
قالت سما بغنج وهي تمشط شعرها وتقسمه الى نصفين:- فشر
قالت حميدة بتحذير:- أنتي عارفة لو ما اتلمتيش واتعدلتي هعمل فيكي ايه؟ انا بحمد ربنا أن حظك وقعك مع آسر مش ولاد عمه التانيين..على الأقل اعقل منهم..
ظهر الوجوم على وجه سما فقالت حميدة لتطمئنها:- بس ما تخافيش أحنا جانبك كلنا ، قولي يا مهلبية يا هتلاقينا كلنا جانبك.
هتفت سما :- يارب يتعدي منهم
حملقت حميدة بها بذهول بينما انفجرت جميلة بالضحك وصححت سما بتوجس من نظرة حميدة:- بهزر يا رمضان..
****
**بالمكتب**
بالغرفة الخاصة بالاجتماعات...جلس الشباب بإستثناء آسر الذي ظل واقفاً أمام شاشة بيضاء تعرض عليها دراسة مشروع مخطط حتى انتبه لقرع على الباب فنهض يوسف ليفتحه ودقيقة وكان الثلاثي الشباب يجلس قبالتهم الرباعي من الفتيات وظل آسر على حاله..رمق جاسر جميلة بسخرية جعلتها تشتعل غيظاً ، بينما سوم رعد نظرة الى رضوى ليجد نظارة ضخمة تواجهه فاستدار سريعاً لجهة أخرى بقلق..قال آسر ببسمة يخفيها من نظرات سما الخجولة اليه وكأنه تقدم لخطبتها :- قال آسر بتوضيح..
- دلوقتي نرتب المهام..يوسف طبعاً مع آنسة حميدة وشغلهم مع العملا، رعد وآنسة رضوى شغلهم هيكون حسابات..
- قال رعد بحزن :- هتحاسب على الحيا..ذنب مغفور أن شاء الله
أضاف آسر بجدية:- وجاسر وآنسة جميلة شغلهم في المواقع
ابتسم جاسر بمكر وبغمزة الى جميلة قائلًا:- آه أنا بحب الجغرافيا ، احييك على اختيارك..كمل جميلك بقى وانقذني من حشائش السافانا
كتم رعد ضحكته وهز رأسه لجميلة التي امتقع وجهها وقال:- آه انتي
ضغطت جميلة على نواجذها بعصبية بينما أضاف جاسر بسخرية:- الجو كان معتدل قمر صيفاً في نفس ذات المكان ، ايه اللي جاب رياح الخماسين في وشي ، اتخض كده
قالت جميلة لتغيظه:- معلش
رفع جاسر حاجبيه بتعجب ونظر لرعد بنظرة ماكرة وهمس له بشيء جعل رعد ينتفض من الضحك..
قالت سما بصوت رفيع:- وأنا مع مين؟
وكزتها حميدة بجانبها بحدة حتى تعتدل في طريقها بالحديث فقال آسر وقصد الجدية:- معايا
نظرت سما للأسفل بخجل وقالت بهمس:- بأذن الله
****
جلست حميدة بالاستقبال على مكتبها بينما اعطى لها يوسف قائمة بارقام هواتف العملاء وقال:- دي تليفونات الزباين واسمائهم ،هجيبلك كل التفاصيل عن كل اسم عشان تبقي مجمعة
أخذ حميدة منه القائمة وسرعان ما فتحت برنامج على "اللاب توب" لتدون الارقام والمعلومات حتى نظر لها يوسف وقال بابتسامة:- رغم أني كنت ساكت في الأجتماع بس بصراحة كنت هموت من الضحك
كتمت حميدة ضحكتها وقالت:- وانا كمان ، بس أنا واثقة في أخواتي
نظر يوسف بتعجب:- بس هما مش أخواتك!!
هزت حميدة راسها وقالت :- لأ اخواتي وعمري ما اعتبرتهم غير كده ، لو واحد في ولاد عمك زعل واحدة فيهم ماتزعلش مني ساعتها..
أجاب يوسف بتأكيد:- لا ما تخافيش ، ولاد عمي مش مؤذيين للدرجادي..في الأول بس ممكن التعامل يبقى فيه شوية خشونة بعد،كده هنكون كلنا فريق واحد أن شاء الله..
رددت حميدة بتمني:- أن شاء الله.
*****
**بمكتب رعد**
ظل يطرق بقلمه بصمت..ظلت جالسة بمقعد بعيد تتفحص أحد الأوراق بينما الارتباك نال منها كثيراً..قال بتمتمة:- خلصي اللي في ايدك واخرجي..
نظرت له بثبات وهي تعدل نظارتها وقالت:- استاذ آسر قال أن مكتبك هو مكتبي مؤقتاً على مايرتب الموضوع ده.
صرّ رعد على أسنانه بغيظ وقال بيأس:- كل المآسي طلعت على مقاسي..
نظرت له بسخرية وعادت تنظر للأوراق تؤكد على تدقيق بعض الحسابات ، أخرج رعد كاميرته الثمينة من حقيبة صغيرة بجانب المكتب وظل يتفحصها...رفعت رضوى رأسها بتعجب وقالت:- هو حضرتك مش هتشتغل؟!
ضيق عيناه عليها بغيظ وأجاب:- مالكيش دعوة..خليكي في حالك
قالت بسخرية وصوت يكاد لا يسمع:- قال يعني مهتمية بيك!!
زم شفتيه بغيظ وعندما نظرت له بتلك النظارات المخيفة ارجع نظرته سريعاً للكاميرا فكادت أن تبتسم...
****
**بمكتب آسر**
فرد آسر أول مشاريعه الهندسية على طاولة دائرية وقال موجهاً الحديث لسما:- نبدأ بسم الله..أنا عارف أنك مش هتفهمي كلامي بس مع الوقت هتفهمي..غير كده عايزك تبقي دراعي اليمين
تمتمت سما بهيام وقالت:- وقلبك في الشمال يا حبيبي
عقد حاجبيه بتساؤل وقال:- قولتي ايه؟!
هزت رأسها بنفي وقالت وهي تقف بجانبه:- اكيد أن شاء الله..هبهرك
كلمتها جعلت ينظر لها بشيء من المرح ثم اعاد نظرته للتصميم مرة أخرى وبدأ يتحدث بجدية...
كانت سما تهز رأسها بعلامة الفهم بينما لم تفهم حرف مما قيل..
***
**بمكتب جاسر**
وضع جاسر سماعة الهاتف بعد إجراء مكالمة تخص العمل بينما زفرت جميلة بملل ونفاذ صبر من الأنتظار..نهض من مقعده وبيده ملف...وقف أمام مقعدها والقى بالملف على الطاولة أمامها وأشار بنظرته للملف لتقل جميلة وكأنها ستتشاجر معه:- ايه؟!
نظرته كانت ساخرة وهو يجلس على مقعد أمامها واضعاً ساقاً على ساق بثقة ، وقال افتحي الفايل
زفرت بحدة وهي ترفع الملف وتفتحه فلم تفهم ما هو عملها بالتحديد فقالت بحدة:- اعمل بيه ايه؟!
اخفى ابتسامته وقال:- اعربي وترجمي ما تحته خط
حدجته بصدمة بينما تمالكت شتات فكرها وفهمت خطته في النيل من كبريائها ، نظرت للكلمات التي تم وضع خط اسفلها وودت لو تضحك فقالت:-
- كلمة ال"المشروع" فاعل مجرور بالشبشب..ومعانا حرف هيتجرجر دلوقتي بعد الإعراب..هيحتاج حرف عطف معاه لأنه مبتدأ
رمقها بغيظ فقد تحدته بإجابتها المستفزة فقال:-
- مش عايز اشد عليه واكسره واخليه مفعول به..
أجابت بتحدي:- أنا وأنت والأعراب طويل
وافق بقوة:- على الرحب والسعة..أنتي مش أدي
سخرت عيناها:- بتهيألك..أنت لسه ما تعرفنيش
تعجب جاسر وقال بحدة:- أنتي اللي لسه ما تعرفنيش...خافي مني
ابتسمت بسخرية وكأن الأمر لا يشغل لها بالًا:- طيب
غضب من ثباتها واستهزائها به ، فمن تكن لتحدثه بهذه النبرة والهدوء وهو من تنافست أكثر الفتيات جمالًا على مرافقته وصحبته...تلقى ٱتصال آخر فأجاب...ظل يتحدث لدقائق حتى انتهى الاتصال فنهض من مقعده وقال بنظرة تتوعد بشيء:- عندنا موقع محتاج معاينة...يلا بينا
كشرت جميلة وتفاجئت بالأمر قائلة:- يلا فين؟!
رمقها بإستهزاء:- يلا على الشغل ولا فاكرة أنك هتقعدي ترتاحي؟!
لو مالكيش في الشغل قولي..ولا تكوني خايفة؟
دفعت الملف من يدها بانفعال وقالت بجدية:- أنا مابخافش غير من ربنا...هنروح فين؟
ود جاسر لو يدفعها بعيداً عنه ويخرج من هنا ويعود لحياة الصخب والرفاهية من جديد ولكن سينتج هذا أشياء لم يستطع مواجهتها فأخبرها بالعنوان حتى ذهبت معه وشعور الضيق يغمرها...
تساءلت حميدة عن ذهاب جميلة مع جاسر فأجاب يوسف بأطمئنان:- مافيش قلق عليها..جاسر هيشوف الموقع بتاع المشروع وسط العمال وبعدين جاسر مش ذئب بشري يعني، هو آه بتاع بنات بس والله هما اللي بيجروا وراه وانا شوفت ده بنفسي..
قالت حميدة ببعض الضيق:-
- مش حابة جميلة تخرج مع حد غريب ، بس أنا واثقة فيها
إلي هنا ينتهي الفصل الرابع
رواية إمبراطورية الرجال
الفصل الخامس/السادس
في المصعد..دب القلق والأرتباك بأوتار نبضها فهي لم تعتاد على السير برفقة رجل حتى لو كان ذلك بمعقل العمل.. أنه ذاك المغرور والوسيم أيضاً...لم تشهد عليها أنوثتها بمرة واحدة وهي تميل لأحدهم..بل كانت تخفي أي شيء يظهر معالم أنوثتها..حاولت أن تهدأ هذا الأضطراب وهي تقف بقربه وتقنع نفسها أنه مثل الجميع..بينما هو لم يجتهد في ذلك ، بل وكأنه ندم على قراره بإشراكها في خطة العمل بالموقع..زفر بغيظ حتى فتح باب المصعد للطابق الأرضي وخرج منه بخطوات رشيقة ولحظة تاه عن فكره رفقتها...دخل السيارة التي أصبحت مشتركة بينه وبين أبناء عمه حتى فتحت جميلة الباب الخلفي وجلست..رفع رأسه للمرآة العلوية وهتف بحدة:
- أنا مش شغال عندك !! انزلي واقعدي قدام
صمتت لبرهة حتى تتحكم بأعصابها ثم قالت بهدوء:
- ولولا الشغل مستحيل كنت اركب عربيتك ،لو سمحت اطلع خلينا نخلص.
ضيق عيناه بعصبية وتفاجئ بتقليلها من قدره ، وقال: تركبي عربيتي!! ليه هو أنتي فاكرة أن ممكن واحدة زيك كانت تركب عربيتي اصلا !! ده أنا قلقان لحد يشوفك معايا ، اصلك ما تعتبريش من ضمن البنات اساساً !!
ابتلعت كلماته بمرارة ولكنها حاولت أن لا تظهر مدى تأثرها بحديثه فقالت بذات النبرة المتظاهرة بالهدوء: لو سمحت امشي خلينا نخلص شغلنا ، احنا مش هنتخانق على الأماكن زي العيال الصغيرة!!
ضغط على أسنانه بغيظ وأشار لها بحدة عبر المرآة:
_بعد كده تحصليني على الموقع ، أول وآخر مرة تركبي معايا
قالت بصدق : من نفسي كنت هعمل كده..اكيد وجودي دلوقتي مش بكيفي..بعد كده هكون عرفت العناوين وهروح بأي تاكسي..
انطلق جاسر بسيارته على أعلى سرعة وكأنه أراد معاقبتها...لم تبالي بما يفعله فقد غرزت كلماته شوك بثباتها انقض مرقد الهدوء..
***
**بمكتب رعد**
بدا وكأنه غارقاً بلحظات شاعرية مع فتاة قلبه ولكنه ينظر للكاميرا الحديثة التي أرسل في طلبها من الخارج منذ أسابيع..تفحص زوايا الكاميرا بدقة وإعجاب شديد حتى وكأنه ذهب عن فكره تلك الجالسة على أحد المقاعد تنظر له بغيظ..قالت رضوى من بين أسنانها :
_ خلصت مراجعة الملف وصلحت الأخطاء
نظر لها لدقيقة وكأنه يتذكر من هي حتى قال بلا مبالاة: طيب
سومته بنظرة مشتعلة من الغيظ وقالت: طيب ايه؟! حميدة قالتلي أن الملف اللي اراجعه لازم اتناقش معاك فيه !!
نفذ رباط الجأش ورماها بنظرة عصبية مجيبا: يعني أنتي هتعرفيني شغلي !! وبعدين اتناقش معاكي انتي ليه؟!
وضعت رضوى الملف بحدة ونهضت متوجهة لمكتبه بعصبية وهتفت: هو أنا جاية اشتغل ولا جاية العب؟! واكيد مناقشتي معاك ده شيء اجباري مش بمزاجي بس لما يبقى موجود عميل قدامك لازم تبقى فاهم كل الحسابات وبالتالي انا كمان لازم اكون عارفة!!
عقد رعد حاجبية بضيق وقال: طب أنتي بتزعقي ليه طيب !!
اجابت بغيظ: يا استاذ رعد ماينفعش طريقة الشغل دي !!
نهض رعد وعلى شفتيه نصف ضحكة ثم وقف أمامها وقال : قولي كده تاني اسمي؟
رمقته بحدة حتى اطلق ضحكة وقال متسائلا: أنتي لدغة!
لوت شفتيها وأجابت دون أن تنظر له : في الحرف ده بس ، تقيل على لساني شوية
ضحك مرة أخرى وقال: لأ واسمك رضوى هههههههه
تطلعت اليه بغضب ثم قالت: وبعد الهاهاها ايه؟!
نظر اليها بتعجب ، لم تبتسم حتى !! قال بتأفف: أنتي مملة بطريقة رهيبة يا رضوى ، أنا شوفت بنات بعدد شعر راسي بس كوكب الكأبة ده ما وردش عليا..خليكي خفيفة كده عشان أنا بزهق بسرعة
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت: مابحبش الخفافة وبعدين اسمي آنسة رضوى..ما تشيلش الرسميات
صمت للحظة ثم قال بابتسامة ماكرة: أنتي صح ، مش هقولك يا رضوى ، هقولك يا رضوان
رفعت رضوى حاجبيها بدهشة فأخذ رعد الملف وعاد لمكتبه..جلس ثم رفع قدميه على المكتب بإرياحية وبدأ يتفحص الملف بدقة..قال دون أن ينظر لها: اعملي قهوة يا رضوان
شعرت الآن بما تمر به حميدة فجزت على أسنانها وكادت أن تسحقهم ثم ذهبت قبل أن تلقي المنضدة بوجهه..
رفع عيناه بضحكة وقال: جبتيه لنفسك.
******
مرت رضوى أمام حميدة الجالسة بالأستقبال فرمقتها حميدة بتعجب وقالت: من أولها كده ؟!
أجاب يوسف الذي انشغل بالطعام الذي أتى به منذ دقائق وقال:
_يمكن رايحة تعمل لنفسها حاجة تشربها خلينا في شغلنا
نظرت له حميدة بسخرية وقالت: تقصد خلينا في اكلنا..أنت مش كنت جايب ٦سندوتشات شاورما؟
أوما يوسف رأسه بالإيجاب فأضافت حميدة بغيظ: هما فين ؟!
نظر يوسف لحافظة الطعام الورقية بيده وقال متهربا: قدامك اهو!
حميدة وهي تخفي ابتسامتها من تهربه الطفولي: عدهوملي
نظر يوسف للحافظة بصمت ، حتى ابتسمت هي وقالت: بالهنا والشفا
رفع رأسه ضاحكا : الله يخليك يا صاحبي..تعرف أن..
هتفت بغيظ: اسكت بقى
مضغ يوسف الطعام بفمه متذمرا من عصبيتها حتى عادت حميدة للعمل أمام اللاب توب...
******
**بمكتب آسر**
استقام آسر أمام طاولة التصميمات بعدما صحح أحد الزوايا بالإسقاط الهندسي على لوحة التصميم...قال موجهاً الحديث لسما التي تقف بجانبه هائمة في كل لفته تصدر منه حتى لو كانت طرفة عين...قال:- إيه رأيك بقى في التصميم؟
نظرت سما للتصميم وهي أشبه بالرجل الصيني الذي يستمع للأغاني الشعبية العربية...قالت وهي لم تفهم شيء على الأطلاق: عظيم عظيم...
هز آسر رأسه بإستحسان وقال: شكرا جدًا ، ايوة كده خليكي مركزة عشان مع العملا تبقي مترجمة كل حاجة بتتقال وتحفظيها..
نظرت سما للتصميم مرة أخرى وقالت دون أن تشعر وبضحكة: شبه السلم والتعبان هاهاهاها
انتبهت له وهو ينظر لها بدهشة فوضعت يدها على فمها ثم قالت: آسفة
قال بجدية: ممكن تعمليلي فنجان قهوة ؟
قالت مكررة: والله آسفة و
قاطعها بقوة: خلاص هروح أنا اعمله..الساعي لسه هيجي بكرة
أشارت له بموافقة: لا لا هروح أنا...اجي الاقيك بتشتغل ماشي
قالت ذلك بضحكة ثم خرجت من المكتب...ظل آسر للحظات حتى انفجر من الضحك وحاول أن يتحكم بصوته فقال: ايه البت دي؟!
*****
مرت سما من أمام حميدة بذات التعابير المقتضبة لترفع حميدة حاجبيها وقالت: البت سمكة مالها؟ دي الرقاصة بتاعتنا ااااقصد دي الفرفوشة بتاعتنا ، مالها وشها قلب كده ليه؟!
أجاب يوسف وهو يشرب من المياه الغازية"كانز": تلاقيها جعانة زيي
فغرت حميدة فمها وقالت: بسم الله الرحمن الرحيم...أنت جعان؟!
نظر لها بتذمر وقال بتوجس: عادي يعني
أخذت حميدة "كيس" من حقيبتها ووضعته أمامه قائلة بضحكة: كل يا يوسف...أنت لو جعت هتاكل صوابعك.
أخذ يوسف الطعام بشهية وقال بمرح: معاكي مخلل؟
كتمت حميدة ضحكتها وأخرجت علبة صغيرة بها المطلوب..
*****
**بالمطبخ**
انهت رضوى كوب القهوة ورفت ابتسامة على وجهها عندما تذكرت ضحكته ، وكزتها سما بخبث وهمست: قالك بحبك؟
شهقت رضوى من ما سمعته لتكتم سما ضحكتها وقالت: أو هزأك يا مهزأة عشان تبقي توقعيني الصبح ، ذنبي وبيخلص يا معلقة
لوت رضوى شفتيها وقالت بثقة: محدش يقدر يهزأني ، أنا مسيطرة
ضحكت سما بسخرية: آه بأمارة القهوة اللي في ايدك يا عنيا ، أنا هدخل عليكي في يوم الاقيكي بتكويله الشراب..ههههههه
أشارت رضوى بفنجان القهوة الساخن وقالت : هتخرسي ولا البسه في وشك؟!
*****
دلفت رضوى للمكتب مرة أخرى..وتوجهت اليه ثم وضعت الفنجان التي تطاير منه الأدخنة المتمايلة وقالت بحدة: القهوة
نظر لها بمقت وقال: دي طريقة لتقديم القهوة بذمتك؟! مجيتك عليا كده حسيت زي المصيبة اللي بتطب على البني آدم..براحة عليا يا رضوان أنا لسه صغير..
ظهرت ابتسامة متمايلة على شفتيه وهو يرى اقتضابها ، جلست مرة أخرى على ذات المقعد وقالت: خلصت الملف ؟
انزل قدماه من على المكتب بحدة وقال بعصبية حقيقية: بقولك ايه مش عشان هزرت شوية تقومي تسوقي فيها !! ، انتي شغالة عندي مش العكس ، يعني مالكيش تسألني أنا اللي أسأل وبس ، لحد،ما الدنيا تتزبط يأما يبقى ليا مكتب خاص يأما مايبقاش ليكي وجود من أصله...
نظرت له بصمت اغاظه ثم قالت: تمام..
رمقها ببعض التعجب فقد اعتقد أنها ستثور أكثر من هذا الهدوء المرتسم على ملامحها...رفع كوب القهوة ليرتشف منه بضع قطرات ثم قال بصدق: القهوة حلوة..شكراً
لم تجيبه وفهم أنها تعمدت عدم الحديث فصرّ على أسنانه بغيظ..
*****
مرت سما أمام حميدة عائدة لمكتب آسر وهي تحمل كوبين من القهوة...رمقتها حميدة ببسمة خفية وقالت: فنجانيين قهوة! ربنا يستر..
دلفت سما للمكتب وهي تتردد في الابتسامة حتى وجدت آسر يجلس على مكتبه ببعض الشرود فوضعت أحد الفنجانين أمامه ليقل: نسيت أقولك بشربها ايه..
ابتسمت له وقالت بلطف: مضبوط
تعجب وهو يرفع فنجانه لشفتيه ثم قال بعد قليل وهو يتذوق طعم القهوة برضا: عرفتي منين؟!
جلست أمام المكتب وارتسم الخجل على محياها وقالت: حسيت
ابتسم ابتسامة طفيفة وقال: طب استراحة بقى..اشربي قهوتك..
انشغل بتصفح هاتفه وهو يرتشف من القهوة قطرة بعد الأخرى حتى ضاقت من تجاهله وشربت من الفنجان بغيظ..رمقته بمكر ثم قالت:
- هما العملا كلهم رجالة؟
تعجب من سؤالها وأجاب: لحد دلوقتي آه ، ليه؟!
قالت وهي تبتسم بداخلها رغم أن اجابتها كانت صادقة: أصل مش متعودة اشتغل مع رجالة..
وضع كوب قهوته وتسائل: أنتي اشتغلتي قبل كده ؟
أجابت بصدق: اشتغلت مرتين..مرة في مصنع ومرة في محل بس لما حميدة لقيتني بتعب من كتر الوقفة طول النهار ، مانعوني هي وجميلة ورضوى أني اشتغل...أصل مرة اغمى عليا
رقت نظرته ببعض الشفقة وتسائل: بس وافقت أنك تشتغلي هنا !!
أجابت سما بتوضيح: وافقت عشان هكون معاها في مكان واحد وكمان هنا مش. زي المصنع أو المحل..
ابتسم بنظرة حنونة وقال: اكيد...ماتقلقيش يا سما مش هتعبك
قالت سما بخفوت: سما كده حاف..ياروح قلبي
لم ينتبه لما قالته فأضاف بقصد اطمئنانها ليس أكثر: وبعدين العملا مش هتقابليهم غير لما اكون معاكي ، وكده كده شغلنا هيكون في تنفيذ التصميمات ، أول ما اديكي اوك في شغل أي مشروع تبدأي مواعيده مع فريق المهندسين وبرضو هكون معاكي ما تقلقيش..
قالت ببسمة خجولة: لا خالص مش قلقانة..طالما أنت موجود
عاد آسر لأرتشاف القهوة وتصفح صفحته على أحد مواقع التواصل الاجتماعي عبر هاتفه...
بينما طافت سحابة حلم يقظة بعين سما....
هتف آسر : مش قولتلك ما تلبسيش اللون الأحمر تاني؟!
سما بخجل: اسفة نسيت
آسر بعصبية: يعني مش مكفيكي خناق المرة اللي فاتت مع العميل لما عاكسك وبتكرريها المرادي كمان؟
كررت سما اعتذارها : خلاص بقى آسفة ما تزعلش
نظر لها بحدة وقال: أنتي عارفة أني بتجنن لما بلاقي حد بيبصلك؟!
سما بمكر: ليه؟
جذبها اليه وهمس : عشان بحبك يا مجنونة
خرجت سما من حلم اليقظة بابتسامة حالمة وهي تجيب : وانا كمان حبيتك يا أسورة
اتسعت عيناها عندما ادركت موقعها فنظرت له وحمدت انشغاله بالهاتف ، تنهدت براحة وهي تطرق على رأسها
****
أمام أحد الأبنية الماثلة على اعمدة واسقف فقط دون حوائط...خرج جاسر من سيارته دون أن يعير من معه أي اهتمام ، خرجت جميلة من السيارة وتبعته للداخل...
استقبل جاسر رجل يبدو من هيئته أنه رئيس العمال ورحب به ثم بدأ يوضح له كل ما يخص العمل...جالت نظرة حميدة على المبنى حولها فهذه المشاهد لا تبدو غريبة عليها...رمقها جاسر بمكر وقال: عارفة الأدوار الخمسة دول ؟
اجابت جميلة بثبات: آه
قال مشيرا للدرج: عديلي عدد درجات السلم
نظر له رئيس العمال بتعجب بينما تطلعت جميلة اليه بصمت وقالت: احسن من الواقعة حتى..
زفر بفيظ فتوقع أيضا أن يستفزها ولكنها لم يهتز لها رمش!! ابتعدت عنه جميلة ورويدا رويدا بدأ الغضب يظهر عليها وهي تصعد أولى الدرجات وقالت: حيوان ، مش هسيبه يستفزني ويغيظني
بينما تابع جاسر حديثه مع رئيس العمال الذي اوضح له كل شيء بالمكان...
بعد مرور مايقرب ساعة...عادت جميلة بوجه ممتقع من الصعود والهبوط حتى وقفت أمامه قائلة وهي تلهث: ٣٠٠
أجاب جاسر أمام عدد من العمال : ٣٠٠ ايه؟
قالت جميلة بحدة: درجات السلم!!
أجاب جاسر بضحكة: ليه هو السلم الموسيقى؟ مين اللي قالك تعدي السلم يا غبية!!
ضحك العاملين عليها فوقفت أمامهم بحرج ، نظرت له بغضب ثم ذهبت من المبنى...اعتقد جاسر أنها ستنتظره بالسيارة فطال الحديث مع الرجل..،
مضت جميلة بالطريق وطفرت دمعة من عيناها من سخريته أمام الآخرين واستقلت أحد الميكروباصات حتى مبنى المكتب عائدة اليه...
مضى بعض الوقت حتى استطاعت أن تهدأ وخرجت من السيارة للمبنى مباشرةً....
اما بالموقع كان جاسر قد انتهى للتو من فهم بعض الأشياء وتوضيح العمل..فخرج الى سيارته وظن أنه سيدخل معها بشجار مباشر ولكنه تفاجئ بخلو السيارة!! وقف صامتا لدقيقة وقال: شكلها مشيت..يلا احسن
دخل سيارته دون اكتراث للأمر حتى وصل أمام المبنى التي تقطن بها شقته قبل ان تصبح مكتب..ترجل من السيارة وهو يصفر بفمه..حتى صعد للطابق الثالث ودلف للمكتب...
رمقته حميدة بنظرة سريعة وعادت لعملها بينما لم يلتفت له يوسف الذي انشغل بمكالمة هاتفية ويبدو أنها مع احد العملاء..
دلف لمكتبه ليتفاجئ بجلوسها على ذات المقعد ولا يبدو عليها أي غضب أو غيظ!! قال بحدة: بحسبك مشيتي!
أجابت وهي تنظر للملف وودت لو تجاهلته: همشي لما وقت الشغل ينتهي..
جلس أمام مكتبه بغيظ وهتف: واحدة غيرك كان زمانها مشيت وما شوفتش وشها تاني!!
تابعت تجاهله بنظراتها وقالت: واحدة غيري بقى ، وبعدين أنا مش فاهمة ايه اللي مضايقك مني للدرجة دي؟!
زفر بعصبية وقال: لا أنا مش مضايق ، بس هجيب اللي يضايقك
رفعت عيناها ذو النظارات السميكة اليه بحدة فأضاف:
_هجيب سكرتيرة معاكي ، سكرتيرة على مزاجي
ابتسمت جميلة بسخرية وقالت: آه ، قول كده ، أنت عايز سكرتيرة من اللي...
قطعت جملتها عن قصد وبنظرة ساخرة تابعت قرائتها بالملف فهب واقفا بعصبية وغضب وهتف: انتي أزاي تتكلمي معايا بالطريقة دي؟ انتي بتعامليني الند بالند وناسية أنك المفروض بتشتغلي عندي!
وثبت من مقعدها ووقفت أمامه تتحداه بقوة: بشتغل بس مش خدامة عندك عشان تتعامل معايا كده ، ولا عشان مش قليلة الأدب ولا بصيتلك اصلا قررت تجيب سكرتيرة تانية!!
ضيق عيناه بذهول وأشار لها بإستهزاء: أنتي تبصيلي؟! أنتي واعية للي بتقوليه ؟! انتي ما تطوليش حتى تحلمي بيا..
ضحكت بسخرية وقالت: أنت!! مش عايزة اقولك أنك ما تحركش فيا رمش عين حتى!! ولما اجي ابص فأكيد هيكون زينة الشباب وراجل بمعنى الكلمة..واظن واضح مين اللي مضايق فينا ،انا مش بفكر غير في الشغل لكن أنت هتجنن وده كله عشان ما وقعتش من طولي ساعة ما شوفت طلتك البهية..لو عايز فنجان قهوة تاني عشان تفوق قولي وهعملهولك ورانا شغل...
تطاير الشرر بعيناه ونظر لها بإحتقار : وفكرك أنك هتقعدي هنا ساعة كمان !
عقدت ذراعيها أمام صدرها وأرادت اغضابه انتقاما لأسلوبه معها ورغم أنها للحظة قررت الرحيل ولكن سيبدو وكأنها انسحاب اقرب للإنهزام وقالت: العقد اللي مضيته بست شهور
قتمت عيناه واصبحت كالكتلة الملتهبة وهتف: آه ماشي ، خليكي بس استحملي اللي هيحصلك..
نظرت جميلة لساعتها وقالت: وقت الغدا جه ، هروح اتغدى وراجعة
خرجت وكم كرهت ذلك العقد اللعين الذي اجبرها على المكوث بهذا الجحيم...
أعد يوسف بالخارج بعض المأكولات على طاولة مستطيلة الشكل وهتف على الجميع وقال:
_ يلا هناكل كلنا مع بعض النهاردة ، أول يوم شغل لازم نحتفل بيه
نهضت حميدة ورتبت الطعام الذي اعدته بالأمس ليلا وأخذت جميلة التي جلست شاردة على احد المقاعد وقالت: تعالي كلي ، انا عاملة كفته من اللي بتحبيها..
امتنعت جميلة لبعض الوقت ولكن نهضت تحت إصرار حميدة بينما خرج آسر ومعه سما من مكتبه وتبعه رعد التي سبقته رضوى وقالت: المرأة اولًا
تمتم بغيظ: مش لما تكون مرأة الأول !
التف الجميع حول الطاولة وبدأو بتناول الطعام وحمدت جميلة ربها أن ذلك المتعجرف لم يشاركهم ولكن راحتها لم تدم كثيراً فخرج واعتلت ملامحه الضيق...اقترب ووقف ناظرا للطعام لبرهة وكأنه يكتشف أنواعه ثم رفع عيناه لجميلة بنظرة غامضة وللعجب تبدل ضيقه للمرح..مثلما رأته أول مرة...قال يوسف بفكاهة:
_حلو الغدا الجماعي ده ، عشان نبقى ايد واحدة بجد
قال جاسر بسخرية: انا داخل من خمس. دقايق وكنت بتاكل ، وسايبك الصبح وانت بتاكل...
قال يوسف ليغيظه: وهفضل اكل ملكش دعوة..
قال آسر بابتسامة: سيبه يا جاسر براحته
تنهدت سما وتمتمت بسرية: حونين
كلما رفعت جميلة عيناها بالصدفة تأت نظرتها بنظرة جاسر الذي يبدو وكأنه يقصد التطلع اليها مطولا...ماذا يفكر هذا الرجل؟!
ارتبكت بمزيج من القلق والتعجب والسخرية...فالبتأكيد يضمر لها المكائد حتى ترحل من نفسها...
انتهى وقت الغداء..وعاد الجميع للعمل بينما شعرت جميلة ببعض التوتر في الانفراد معه مجددا...
دلفت للمكتب وحاولت أن تبدو ثابته بينما جلس جاسر أمام مكتبه بصمت مطبق..صمتٍ مربك، يحرك قلم بين أطراف أنامله وشارد بعض الشيء الا من بعض النظرات التي يوجهها اليها بين الخين والأخر...فتساءلت بحيرة إن كان هذا أول أيام العمل فكيف يكن الأتِ....
******
بمطار القاهرة...
اعلنت راية اقلاع الطائرة الآتية وقد دقت الساعة السابعة مساءً...
حمل وجيه معطفه على ذراعه وبيده الأخرى باسبور السفر فقد نظم هذه الرحلة منذ اسبوعين لحضور مقابلة هامة مع أحد ملاك الشركات الأجنبية لبدء صفقة جديدة...
جلس بالطائرة بعد دقائق وكان مقعده جانب إمرأة ترتدي قبعة نسائية تخفي جزء كبير من جبهتها ونظارة شمسية تخفي عيناها..جلس بهدوء ورشاقة حتى أتت أحدى المضيفات واعطت له أحد المجلات العلمية والاقتصادية وفعلت ذلك مع المرأة...لم تنظر للي للذي جلس بجانبها ولو كانت تعلم مسبقا بتلك الصدفة لم أرادت السفر بهذا اليوم للتنزه بعاصمة الجمال "باريس" قبل أن تعود لنشاطها بالعمل مرة أخرى ويكون الفرع الجديد اكتمل...ولكن كيف كانت تعلم وهي تحجز لهذه الرحلة أنها ستقابل أكثر الرجال الذين قابلتهم وسامة وبهاء وهيبة...تفحصت المجلة سريعا ولم تجد بها ما يشدها ولم تثير أي حديث بالجالس جانبها فهي لم تعتاد الاحاديث مع الغرباء وهذا ما جعلها تتجنبه تماما حتى من النظرة الفضولية لرؤية وجهه...وكان هو أكثر منها رسمية وجدية فلم يلتفت لها ولو بنظرة خاطفة...
اقلعت الطائرة من مسكنها وطافت للأعلى بالتدريج...مرت دقائق حتى شعرت للي بنعاس طرق رأسها بشدة وقد اعتادت على ذلك عند السفر، خلعت قبعتها والنظارة الشمسية ثم رمت رأسها للخلف واغمضت عيناها ،،فبمجرد أن تقلع الطائرة تأتيها غفوة عميقة....
ولكن امتزج مع غفوتها صورة من الذاكرة..صورة بغيظة لرجل سبب لها الألم لسنوات..الم جسدي ونفسي جعلها ظاهريا ٱمرأة ناضجة ولكن داخليا هشيم متكسر..كان يصفعها بحدة مثلما كان بالواقع وكانت تصرخ بألم مثلما كانت تفعل في الحقيقة...انتفض جسدها وهي تتمتم ببكاء ورعشة..فتحت عيناها على عينان تنظران لها بدهشة..والصدمة الأكبر أنها توسدت كتفيه ويدها على قلبه متمسكة به..تفاجئ وجيه من التي تشبثت به فجأة وتبكي بتمتمة وصدم بجمود عندما اكتشف أنها تلك المجهولة وما اوقفه عن دفعها بعيدا عنه هي تلك الدموع التي تنزف من عين غفوتها..دق قلبه بعنف ويدها عليه...نظرت له للي بذهول واعينهما لا تفصلهما سوى مساحة قليلة...لمحت بعيناه دفء لم تراه مطلقا بعين رجل..ورأت عتاب وبعض الغضب..ابتلعت ريقها بالكاد وابتعدت عنه وهي تنظم شعرها بإرتباك شديد.. تمتمت: اسفة...شوفت كابوس
لم يجيبها، نظر أمامه بثبات ولكن غضبه ليس منها بل من نفسه..حمل معطفه وحقيبة أوراقه الخاصة ونهض من جانبها وجلس على مقعد أمامي كان خاليًا...
ضاقت من تصرفه ، كانت تريد أن تعتذر له حتى بعد تلك الصفعة التي كادت أن تشق خدها بذلك اليوم...يبدو أنه لم ينسى الأمر بعد أو يتخطاه..
*****
عادت الفتيات بالمساء الى المنزل بينما التزمت جميلة الصمت ولم تخبر أحدا بما حدث ، فلا داعي للتوتر وقد نفذ الأمر بذلك العقد اللعين...جلست سما على الأرض بتنهيدة ثم وضعت ساق على ساق وهي ممددة بإريحية: اد ايه الشغل ده جميل..الانسان ماينفعش يعيش من غير ما يشتغل..
قالتها ببطء وتنهيدة ولم تلاحظ حميدة أنها تعني شيء آخر فقالت: يارب بس ما تسقطيش مننا وتوقعي من التعب..
هزت سما قدميها وقالت بهيام: أنا مصحصحة أوي ، مصحصحة جدا..
قضمت رضوى ظافرها بغيظ قالت: عرف أني لدغة في الرا..وبقى يقولي يا رضوان!!
ضحكت سما بصوتٍ عالي وقالت بسخرية: هههههههه اااحسن
قالت رضوى بسخرية: اما نشوفك يا جزمة هيحصلك ايه
ابتسمت سما بثقة وقالت: ليه هو أنا شيبوب زيكوا ، ده قالي النهاردة يا سما ما تقلقيش ، والنبي هو يومين كمان وهيقول يا سمكة...خطوبتي الاسبوع الجاي يابنات بعد العصر عقبال عندكم.
جلست جميلة شاردة ولاحظت حميدة ذلك فقالت بتساءل: مالك يا جميلة..ساكته بقالك كتير!!
قالت سما بمرح: عشان بتسمع كلامكم هتبقى زيكم يا اوباش
أجابت جميلة وهي تنهض : مافيش ،مصدعة بس ، هروح اتوضا واصلي المغرب..
هتفت سما : ادعيلي يا جميلة يتمملي بخير
أشارت حميدة لها بتحذير وقالت: والله لو ما اتلمتيش واتعدلتي كده هخلي يوسف يمشيكي..
سخرت سما ضاحكة: يمشي مين اذا كان انتي اللي ممشياه اساسا ههههههه، وبعدين دلوقتي أنا هكون من عليتهم..اه
حميدة بنفاذ صبر: يا خوفي من دلقتك دي ، ربنا يستر
هتفت سما بتذمر: يا شيخة سيبني مرة ادلق ما انا جعفر طول عمري ، زززهقت ، وبعدين بصراحة بقى بحبه قبل ما اقابله وجيت الدنيا دي بهوااااه
كشسرت حميدة بغيظ فركضت سما للغرفة قبل أن تدفعها باي شيء..
*****
تجمع الرباعي بأحد المكاتب فقال رعد بضيق: انا مش متعود انام بالشكل ده ، حتى ما سيبتوش سرير صغير أعرف انام عليه!!
وافقه جاسر بعصبية: انا مابقتش أنام أصلا ، ومش هقدر استمر كده !
القى آسر الهاتف من يده بانفعال وقال: خلاص لو معاكم فلوس تكفي روحوا اجروا شقة وعيشوا فيها
قال رعد بتأفف: فين أيام القصر والهنا اللي كنا عايشين فيه ، دلوقتي بنام على كنب جلد وبناكل سندوتشااات !!
وقف يوسف قائلا بتفكير: عندي فكرة..
قال آسر بجدية: قول
وقف يوسف ناظرا لهم بتفكير ثم قال: شقة زي دي معناه هندفع مبلغ وقدره شهريا ايجار وده مش هينفع في الوقت الحالي ، احنا عايزين حاحة مؤقته
جاسر بموافقة: مافيش مشكلة ، بس أعرف انام مرتاح بدل الهم ده
تابع يوسف : حميدو قالتلي أن عندهم بيت تاني مافيهوش غير شقة واحدة مشغولة ، هو حي شعبي بس ده افضل حل ، وكمان ايجار الشقة في المناطق دي هيكون بسيط مش مكلف زي الشقق الكبيرة في المناطق الراقية...
تفاجئ جاسر وذهل ثم ردد بعدم تصديق: عايزني أعيش في حي شعبي ؟! أنت مجنون !
قال رعد مرغما: ياسيدي انا موافق..طالما مؤقتاً
قال آسر : مافيش مشكلة
هتف جاسر بعصبية: وانا بقى اللي زي كل مرة بفضل المعترض الوحيد!!
يوسف بشكل نهائي: انا خلاص قررت وهكلم حميدة دلوقتي ، لو عايز تيجي معانا تعالى ، لو هتفضل هنا براحتك
صر جاسر على أسنانه بغيظ بينما اجرى يوسف اتصال على حميدة ليخبرها...
****
جلست الفتيات أمام التلفاز بعدما انتهوا من اعداد طعام سريع فقالت سما بغيظ لرضوى: كلتي البطاطس كلها يا ام بطن
اخرجت رضوى لسانها لتغيظها حتى صدح صوت هاتف حميدة الملقى بجانب التلفاز ، تشوش تردد القناة فأغتاظت سما : شوفي الزفت ده خلينا نسمع المسلسل...مستر حاج عبد الغفور البرعي...شبه البت رضوى بالضبط..
قالت حميدة بقلق: ده يوسف ، خير يارب
قالت سما بثقة: آسر قرر يجي يطلبني ، هو الحب والاحتواء وهو اللي يتحب بغباء
وكزتها رضوى بغيظ..حتى أجابت حميدة على الهاتف لتظهر على سماتها علامات الصدمة والذهول وهي تستمع ثم اغلقت قائلة وعلانمات الصدمة لا زالت على وجهها:
_يوسف عايز الشقة اللي فوق عشان يعيش فيها هو وولاد عمه!!
اتسع بؤبؤ عين رضوى بينما فغرت سما فمها وقالت: ها
ثم نهضت وهي تقفز من المرح والضحك وتقول: ما تزوقيني يا حميدة اوااام يا حميدة ااااه ،،عريسي جه اااه واني مالي هيه اااه
💖💖💖🕊🕊💖💖💖
- الفصل السادس
هتفت حميدة بعصبية وأشارت لسما بتحذير:
_ يابنتي اهدي شوية خليني استوعب اللي قاله يوسف، وماتعشميش نفسك عشان ما تقعيش على جدور رقبتك،
_متخافيش عليـــــــا ، أنا قلبي دايمًا دليلي وقالي أني داخلة على فرحة كبيـــــــــرة أد الدنيا..
رضوى بسخرية: هما هيسكنوا في البيت مش جاي يتقدملك يا هبلة!
أجابت سما وهي تضع يدها على خصرها بثقة: عارفة..دي حجة يا عبيطة عشان يبقى جانبي طول الوقت..مسألة وقت مش أكتر.
قالت حميدة وقد بدأ القلق ينتابها على مجرى تفكير سما وقالت:
_ما تخلنيش أندم أني وديتك بإيدي الشغل، مش عايزاكي تفكري كده يا سمكة ، محدش هيفرحلك ادنا يا غبية بس يوسف وولاد عمه مش جايين هنا عشان كده...
التفتت لها جميلة التي لم تشأ تعكير مرح سما وقالت لحميدة: هتوافقي؟
أطرفت حميدة عيناها ببعض الحيرة وقالت: مقدرش اتخلى عن يوسف في وقت زي ده ، زيهم زي أي ساكن تاني ، بس المشكلة أنهم هيعرفوا شكلكم الحقيقي ، الشكل اللي ظهرتوا بيه خشن اكتر من العادي ، وبصراحة أنا بقلق من رعد وجاسر دول اساتذة في الأنحراف..وسما خايفة عليها ، آسر دي طريقته مع الكل وبعدين هو لحق اصلا يعجب بيها حتى ده شافها مرتين!
حدقت سما بتبرم وقالت: دايمًا منكدين عليا كده جاتكم القرف ، وبعدين يعني أنا مش مستعجلة على الجواز كفاية خطوبة..
هزت رضوى رأسها بيأس وقالت: مافيش فايدة ، دي ماصدقت !!
جلست سما وهي تمط شفتيها برمقه مغتاظة لهم جميعاً ثم تبدلت نظرتها للهيام وقالت: لما سمعت اسمه حسيت أن قلبي دق ، ولما شوفته حسيت أني هحبه...
ابتسمت جميلة رغماً عنها وقالت: محدش قالك ما تحبيش بس ما تبقيش خفيفة كده!! عادةً الرجالة كلهم مابيحبوش البنت الخفيفة.
هتفت سما بعصبية وقالت: أنـــــــا خفيفة ؟!! والله ما يلمس طرف طرحتي قبل كتب الكتاب ، بس ما تمنعونيش احلم كمان!!
قالت حميدة بجدية: خايفة تتصدمي ، أنتي من أول يوم شغل ووقعتي على وشك أومال بعد الأربعين هتعملي أيه ؟!
تساءلت رضوى : سيبكم من الهبلة دي خلينا في المهم ، هتقولي لأبوكي يا حميدة؟
نهضت حميدة وجذبت شال قطني على رأسها واحكمته جيداً وقالت: هروح أقوله دلوقتي واستأذنه وهو بيثق في رأيي ومش بيقولي لأ على حاجة...
خرجت حميدة من المنزل لتجلس سما ببسمة شاردة وماكرة على الأريكة وتمتمت بشيء لم تنتبه له كلا من رضوى وجميلة فقالت رضوى بغيظ: قاعدلي طول النهار وماسك بتاعة كده اسمها كاميرا وكأنه شايل كنز ، والله عمه عنده حقه يطرده !!
زفرت جميلة بعصبية وقالت: ولا الغبي اللي اسمه جاسر.."عديلي درجات السلم " اعدهم يرجع يتريق عليا!! مش عارفة هصبر على بجاحته دي لحد امتى!
قالت رضوى ببسمة خبيثة: بس تعرفي يا جميلة بصراحة يعني..هما كلهم زي القمر ، ومغرورين بشكل لا يطـــــاق..
سخرت جميلة من الحديث وأجابت: أنا مش شايفة جاسر ده حلو !! مش بعرف أشوف الانسان الغبي والمستفز حلو ، ده متغاظ مني عشان مش بعامله زي ما متعود من البنات اللي عرفهم وكأن المفروض أن أي بنت تشوفه تقع في هواه !! عجرفة فارغة!!
رضوى بتعجب: رعد بقى ماحستهوش بتاع بنات على أد ماحسيت أنه مهووس بالتصوير..لو قاطعته وهو شايل الكاميرا تحسي أنك عفريت واقف قدامه..انسان غريب !!
تنهدت سما وقالت مبتسمة: آسر بقى ده غيرهم كلهم ، هادي ، وحنين ، ومؤدب ، معندوش مانع يعتذر لو غلط ، محسسنيش أني أقل منه في التعليم لدرجة أني حبيت التصميمات وبدأت افهمها ولا كأني مهندسة...حتى بصته ليا محترمة ، يمكن لو بصلي كده ولا كده كنت قلقت منه ، لكن معملش كده ، أسلوبه معايا رقيق أوي لو شفتوه هتعرفوا أن عندي حق احس أنه اعجب بيا من النظرة الأولى.
رضوى بتعجب: من النظرة الأولى! ، اللي هي بشكلك بالنظارة القعر كوباية ولبس الستينات ؟! واضح أنك تعديتي مرحلة الهبل
قالت سما لتغيظها: بكرة افكرك يا عرسة لما يتقدملي ، واراهنك
رضوى بتحدي: موافقة
*****
بغرفة الجدة حميدة...دلف سقراط للغرفة وتوجه للفراش حتى جثا وبحث بأسفله عن شيء...شعرت الجدة بحركته فمدت يدها وجذبته من شعر رأسه فتأوه صارخا: شعراااااي
اعتدلت الجدة وهي تهز رأسه بعصبية وقالت: بتسرقني يا حراااامي
صرخ سقراط بغيظ وقال: أسرق ايه يا حسرة !! ، هو احنا حليتنا غير ضيق الضيق ونعبيه في صناديق!! فين الكورة الشراب بتاعتي يا ولية ؟!
تركته الجدة داعية : ولولو عليك ساعة وانفضت ، روح هتلاقيها تحت الحوض بتاع المطبخ يا منيل..
خرج سقراط من الحجرة متوجها للمطبخ حتى دلفت حميدة للمنزل ورمقته وهو يمضي ذهاباً بعجالة..هتفت:
_رايح فين يا سقراط؟
لوح له بيدها ولم يبدي اهتمام لسؤالها فلوت شفتيها بغيظ...اغلقت حميدة الباب وتوجهت تبحث عن أبيها بغرفته..
دلفت حميدة وتوجهت لأبيها قائلة: عايزة أخد رأيك في حاجة يا ابا
فتح سمعه عيناه بأهتمام ثم اعتدل وقال: حاجة ايه يا حميدة ؟
أخبرته حميدة بالأمر فمرر سمعه يده على ذقنه مفكرا فقلقت حميدة أن يقابل طلبها بالرفض وقالت مدافعة: محترمين وولاد ناس متقلقش..هما بس ظروفهم صعبة شوية..
قال سمعه بلطف: لا مش قلقان ، يتفضلوا في أي وقت لكن أنا بفكر في البنات ، وجودهم في بيت واحد مش حابه ، أختي الله يرحمها سايبة البنات دول في رقبتي وأنا مش عايز حد يقول نص كلمة على واحدة فيهم وبعدين دول كمان صحاب الشغل اللي بتشتغلوا فيه يعني هيكون في كلام اكيد..
قالت حميدة بضيق: هترفض يا ابا؟! أنا متعشمة فيك متخذلنيش ، أنت عارف أني مابحبش حد يقصدني في طلب واكسفه..
ابتسم سمعه وقال : لا مش هخذلك..بس بشرط
قالت حميدة بأمل: قوله وهيتنفذ
قال سمعه شرطه: هرتبلكم اوضتين السطوح اللي فوقينا عشان البنات يقعدوا فيها واكون مطمن عليهم ، والله لو البيت هنا يساعينا كلنا لكنت جبتهم لكن أنتي شايفة الحال..الأوضتين اللي فوق محتاجين بس توضيبة عال وهيكونوا ولا اجدعها شقة في الحته ، والشباب يبقوا في البيت قصادنا مع نفسهم...وكده هبقى مرتاح
قالت حميدة بموافقة: مافيش مشكلة ، هنا ولا هناك واحد
أضاف الأسطى سمعه وقال: وبالنسبة للايجار يابنتي انتي بتقولي أن ظروفهم الفترة دي مش تمام ولسه بدأين شغل جديد ، مش هاخد منهم ايجار غير بعد ٣شهور ، الناس لبعضيها برضو.
ربتت حميدة على يد والدها بابتسامة محبة وقالت: تسلم يا مشرفني ، أنا هوصلهم الخبر
قال سمعه وهو يخلد للنوم مجددا: سيبيني بقى أنام شوية
اتسعت ابتسامتها ونهضت متوجهة للخارج..اغلقت إضاءة الغرفة وخرجت..
*****
بعدما عادت حميدة للمنزل الآخر واعلنت خبر موافقة والدها وشرطه وسما تنظر لها بغيظ: هنتكبس احنا الاربعة في أوضتين فوق السطوح؟! حرام ده ولا حلال ؟ فيها ايه لو فضلنا هنا احنا في شقتنا وهما في الشقة اللي فوق هما هياكلونا؟!
قالت جميلة بجدية: عمي سمعه عنده حق يا سمكة ، الناس ما ورهاش غير الكلام واحنا بنات ولوحدينا وهما اربع شباب مشاء الله ، نبعد عن الشبهات احسن..
وافقت رضوى: صح..وبعدين الاوضتين بتوع السطوح اترمموا من قريب وبقوا احسن من هنا والله ، مش فارقة كتير..
حميدة بتحذير: والله العظيم لو شوفت منك يا بت أي حاجة كده ولا كده مع آسر لكون جيباكي من شعرك..انا وديتك المكتب تشتغلي مش تتسرمحي
هبت سما واقفة من مقعدها غاضبة وقالت:
وأنا من امتى اتعديت حدودي مع حد يا حميدة؟! كلامي واحساسي حاجة وأني اعمل حاجة غلط دي حاجة تانية خالص...انتوا محسسني أني بقيت قليلة الادب وشمال ليه؟!
قالت ذلك بعصبية ثم تركتهم وذهبت لغرفتها بإنفعال...تشابكت نظرات الفتيات بضيق لبعضنّ..
جلست سما على الفراش بملامح مقتضبة بعدما صفقت الباب بحدة ومر دقيقتان فقط حتى دلف الفتيات الثلاث بنظرات آسفة لتقل رضوى: فكي التكشيرة يا شلاديمو
ابتسمت جميلة وهي تحرك ذقن سما وقالت: اخيرا كشرررتي
وقفت حميدة بنظرة معتذرة وقالت : حقك عليا ماتزعليش ، أنا عارفة أنك مش هتغلطي ، بس غلطك اللي يخوف في العشم ، أنتي استعجلتي في احساسك مع واحد لسه عرفاه بقالك كام يوم لأ وكمان قررتي أنه خلاص حبك!! ، سيبك من كل ده ، أنتي مش شايفة اللي أنا فيه يا سما؟! أنا بقالي سنة ونص في الشركة مع يوسف ولحد دلوقتي ما اعتبرنيش أكتر من واحد صاحبه!! اوعي تفتكري أنهم عشان نزلوا من البرج العالي لحارتنا انهم ممكن يفكروا في واحدة فينا بسهولة؟! أنا مش بصعبها عليكوا والله العظيم ، لكن مش عايزاكوا تحسوا اللي أنا حساه يمكن يوسف كمان بيتعامل بطبيعته مع الجميع انما ولاد عمه التلاته مغرورين...أنا خايفة عليكوا منهم..
جميلة بجدية: بالنسبالي ما تقلقيش ، جاسر ده آخر واحد ممكن افكر حتى ابصله ، أنا مش بطيق شكله اصلا..ده اقصى امنياتي أني اديله قلم معتبر يعلم على وشك لآخر عمره..
قالت رضوى : وبالنسبالي أنا كمان اطمني ، يومين كمان وانا ورعد هنحدف بعض بالجزم ، اكيد مافيش أي مجال بينا للأحاسيس !!
انتظرت حميدة قول سما التي اسبلت عيناها وعاد المرح بملامحها الطفولية وقالت:
_ سيبوني بقى يا جماعة افرح أنه هيعيش معانا هنا في شارع واحد وهصطبح بوشه الجميل ، يالهوي يااااني ، ده ما راحش من بالي طول اليوم حتى وانا بقلي البتنجان ، شيفاه في الطاسه
نظر الفتيات الثلاث لبعضهنّ بنظرات يأس..
******
بالطائرة..
قفزت الصحوة على غير العادة بذهن " للي" بعدما نبذها ذلك الرجل الغامض..نعم تراه غامض كثيراً منذ أن رأته ، حتى عندما تشبثت به في نومها لم يليقها بعيدا عنه وبالطبع رأى وجهها وادرك من تكون..امن بين الجميع تشبثت بصدره لتسرق بعض الآمان!! مر الوقت ببطء شديد واحترقت لرؤيته بشعور مجهول يغزو ثناياها ،قامت لتذهب للمرحاض بالطائرة..اقنعت نفسها أنها تريد ذلك بالفعل وليس من أجل رؤيته وهو يشغر أحد المقاعد الأمامية...نهضت وهي ترتب هندامها سريعاً ومضت بخطوات مترنحة بعض الشيء من اهتزاز أرض الطائرة وازيزها...لم تنظر بإتجاه عندما مضت بجانبه ولكنها شعرت بنظرته الخاطفة مما جعلها ترتبك...ايمكن الخجل من طيف أحدهم؟
ظلت بالحمام مدة خمس دقائق تعيد ترتيب زينتها وانتظام خصلات شعرها السوداء الطويلة..نظرت للرداء المخملي بلون الكرز الذي ارتدته دون اهتمام ولكنها حمدت اختيارها فقد أظهر لون بشرتها المضيء بنعومة ونثر على منحنيات جسدها تفاصيل مفعمة بالأنوثة ، احبت أن يراها أنثى فاتنة الجمال..لماذا هذا الكم الهائل من المشاعر ؟!....وجمت لبرهة وهي تنظر لنفسها بالمرآة ثم خرجت وعيناها تسللت رغما عنها لمقعده...اللعنة عليه فقد رمى رأسه للخلف على المقعد وأغمض عيناه ، اتراه تعمد ذلك؟! أم أنها لا تشغل حيز من تفكيره بالأساس وتصرفه عفوي؟! أرادت بقوة أن يكن الرأي الأول وان يكن تصرفه عمد..
جلست بمقعدها بضيق واغضبها تجاهله....
فتح وجيه عيناه وعادت رأسه باستقامة حتى شعر أنها مرت من جانبه وانتهى الأمر، لما حفرت هذه الفتاة قاعدة عريضة بعقله وامتلكت مقاليدها؟! لو لم ينهض من جانبها أو ترك عيناه لرؤية وجهها الفاتن لما استطاع أن يبعد نظراته عنها...لم تفعل به ٱمرأة مثل هذا الاهتزاز !! ويقسم أنه رأي الأجمل والأكثر فتنة ولكن بها شيء يطرق على قلبه بضمة ، ربما تلك النبرة التي قالت اسمه بها ذات يوم هي السبب ،أو ربما اشتاق للحب ولوعته ، يكذب من يقل أن الرجال عند الأربعين تهجرهم المشاعر ، فأن صدق هذا فأنه استثناء اذن...ذات يوم بعمره العشرين وعندما شغف حبا بفتاة كانت بدرجة كبيرة من الأنانية فان تلك المشاعر لم تكن عدوانية الأحتلال مثل مشاعر الاجتياح الذي يمر بها الآن...إمرأة جعلت ماضيه محمل بالكراهية للمرأة..فأصبحت جميع النساء مثلها...كان يشغف بها حبا وبعد الحادث المروع لأشقائه وأصبح كل شيء تحت رعايته واولهم أبناء اشقائه الراحلين...اعترضت حبيبته وخيرته أن يرسلهم لمدرسة داخلية للدراسة بعيدا والا ستنهي الخطوبة للأبد..ولم تحتمل فكرة أنه أصبح مسؤول عنهم مسؤولية كاملة...فهم صغاره ويحبهم كثيرا ، لم تفهم ذلك وعندما خيرته أختارهم وهجر كل شيء لأجلهم..
رمى رأسه مجددًا على ظهر المقعد وعندما أغمض عيناه هذه المرة فذهب حقا في سُبات عميق بعد فترة.....
بالصباح الباكر...
خرجت للي من المطار وتعمدت ارتداء نظارتها الشمسية حتى لا يظهر ارتباكها للعيان ، واجمعت قواها حتى لا تستدير وتبحث عنه فقد تاه وسط الزحام...
اوقفت سيارة أجرة خارج المطار وذهبت لعنوان الفندق الذي تمكث فيه دائماً أثناء العطلات..
انتظرت وجيه سيارة خاصة بينما خرج بطلة فائقة الهيبة وجوانح معطفه الطويل تهتز على كتفيه وقد ارتدي نظارة شمسية سوداء لأشعة الشمس المباغتة بضوئها الأعين...تحدث السائق مع وجيه بلغة اجنبية وأجاب عليه وجيه بمزيج من الأنجليزية والفرنسية..
******
استعد الفتيات صباحاً ، فوقفت حميدة أمامهنّ قائلة:
_ قدامنا نص ساعة على ما نوصل..يلا بينا
قالت سما بضحكة: بكرة هوصلكم بعربيتي..
قالت جميلة بسخرية: أنتي قررتي كمان انك هتجيبي عربية!!
اجابت سما بابتسامة عريضة: دي عربية آسر خطيبي..عربيتي برضو
هتفت حميدة: صبرني يــــــارب
هبط الفتيات على السلم ثم للطريق...توجه الرباعي ذو النظارات السميكة بالشارع حتى لمحهم "مصيلحي" وهو يقف على عتبة ورشته وقال:
_ حتى لو اعمى وبتحسس على الحيطان عاجبني ، يا مغلبني.
كتمت سما ضحكتها وقالت بهمس:
_شوفتوا الحب يا اغبية ، اهو شايفها ابو حفيظة ولسه شاري.
رضوى بضحكة خافته: فكري يا جميلة غلبتي الواد
قالت حميدة بابتسامة: هو أقرع بس بيحبك
سومت جميلة نظرة غيظ لحميدة وقالت: حتى أنتي يا حميدة ؟! قالت سما ولم تستطع كتم ضحكتها: يابت ده دايب دوب ، ده شعره وقع وهو مستنيكي ههههههه...
*****
بالمكتب....
انتهى الشباب من تناول الأفطار بإستثناء يوسف فتساءل رعد بتعجب: سبحان الله..يوسف مش جعان !!
نظر يوسف للطعام بعذاب وقال بضيق: بفطر مع حميدو ، اتعودت على كده ، بتفتح نفسي مش زيكوا !
جاسر بسخرية وهو يرتشف من كوب القهوة: بتفتح نفسك عشان بتشجعك تاكل وتبقى مفجوع اكتر...البؤساء
آسر بجدية: خلصوا عشان البنات زمانهم جايين وعايزين نبدأ شغل
كتم رعد ضحكته ونظر لجاسر الذي ابتسم بمكر فقال رعد بسخرية: بنات !! تقصد كتيبة الأعدام اللي اشتغلوا معانا ، أنت نظرك ضعف ولا مابقتش تشوف بنات ولا ايه حكايتك ؟!
تنهد جاسر قائلا: انتوا كلااااب ، كان زمان كاريمان دلوقتي قاعدة معايا وسلطان زماني ، لكن ليييه ، لازم نشتغل ونتحدي عموووو
رد رعد بذات السخرية:
_ لأ وانا اللي مكنش عاجبني ولا واحدة من الموديل اللي اشتغلوا معايا!! وبغبائي كنت بتغر عليهم ولا بعبرهم...اشتموني يا جماعة أنا حمااااار
دلف الفتيات للمكتب فجأة بينما ضحكت رضوى بملء فمها على كلمة رعد الأخيرة وقالت لحميدة: مش أنا قلتلك كده
ارتشف جاسر قهوته وبالكاد استطاع أن يكتم ضحكته ، ابتسم آسر بخفاء ثم مضى الى مكتبه سريعاً فذهبت خلفه سما مباشرةً...
نظر يوسف لرعد وانفجر من الضحك وهو يأخذ احد السندوتشات وقال :
_ ههههههههههه معلش
رمق رعد رضوى الضاحكة بغيظ شديد وتوعد لها برد الضربة....تجاهلت جميلة النظر الى جاسر بينما خطف نظرة ماكرة سريعة اليها ونهض وهو يرتشف من فنجان القهوة ببطء ويرمقها بذات البطء وقال: تعالي ورايا
زفرت بمقت فها قد بدأ سخافته مجدداً ولا عزاء لأعصابها...
فتح مكتبه لتشهق جميلة من حالة الفوضى الذي الحقت بالمكتب...راقبها متلذذا بصدمتها وقال: رتبي المكتب ، ولا هنقعد فيه كده؟!
استدارت له بدهشة وهتفت: هو أنا الشغالة؟!
عقد ساعديه أمام صدره وقال: أنتي السكرتيرة ، لو سمحتي رتبي المكتب مش هنقعد في الزبالة دي...بكلمك بهدوء اهو !!
ضيقت عيناها بغضب فهي على يقين أن هذا عن قصد...قالت متسائلة: هنروح موقع النهاردة؟
قال بتأكيد: هتسبقيني على هناك بعد ما تخلصي ، هقولك تعملي ايه هناك...
*******
بمكتب رعد....
كانت تكتم ضحكاتها كلما نظرت له فنهض من مقعده بعصبية وهتف:
_ ما تبطلي ضحك بقى !!
هزت رأسها بموافقة ثم ما لبث لعدة ثوانِ وعادت ضاحكة...توجه لمقعدها غاضبا ووقف أمامها هاتفا: قومي اوقفي!
نهضت رضوى وشفتيها ترتعش من كتم ضحكة أخرى وقالت بالكاد:
_ عايز ايه!
جز على اسنانه بحدة ثم قال: أنا عارف أنك بتضحكي عليا ، لو ما بطلتيش ضحك ها...
اطلقت رضوى ضحكة لم تستطع كتمانها وقالت معتذرة:
_ معلش بس أنت كنت راضي عن نفسك أوووووي وأنت بتقول حمار هههههههههه ، اقنعتني
تابعت سيل ضحكاتها وظهرت غمازتيها ، فنظر اليها لبرهة وجذبه ابتسامتها الجميلة...ربما رأها كذلك لأنه ابتسم بالفعل تباعا لضحكاتها فقال
_ طب كفاية عشان نبدأ شغل يا دم خفيف
...
*****
بمكتب آسر....
نظر آسر لطاولة التصميمات وأشار لسما بجدية قائلا:
_ خلصتهم امبارح بعد ما مشيتي ، تعرفي أنا كنت هقفل التصميم ده وتريقتك بتاعت امبارح خلتني اعيد نظرة عليه تاني وفعلًا لقيت فيه غلطة...
دق الباب فهتف آسر بصوت رجولي بالدخول ...دلف رجل في الستين من عمره وبيده صينية عليها كوب من العصير وفنجان قهوة فامره آسر قائلا:
_ شكرا يا عم مرزوق...سيبهم على المكتب
_ طلبتلك عصير فريش...وانا قهوة ، هيبقى روتين كل يوم الصبح ، اما بقية اليوم زي ما تحبي..
ابتسمت سما بخجل وتساءلت:
_ اشمعنى أنا عصير وأنت قهوة؟
رمقها بنظرة بها لفته من المرح وأجاب وهو ينظر للتصميم :
_ عشان ما تتعبيش ويغمى عليكي
نظرت سما بخبث وتمتمت : ده أنت عيون القلب اشتغلت وسهرتك يا روحي بقى ، اشطة عليكي يا سمكة..
*****
صمم يوسف بتناول الأفطار قبل أي شيء فقالت حميدة بتعجب:
_ أنت مش لسه فاطر مع ولاد عمك؟!
هز رأسه نفيا وهو يأكل قطعة من السندوتش بيده وقال:
_ لأ ما فطرتش معاهم ، استنيتك عشان افطر معاك يا صاحبي..مش بعرف اكل ولا بعرف اشتغل غير معاك اقسم بالله...انتيمي أوي
اجفلت حميدة من كلماته ، لأول مرة تبتسم وتشعر بالسعادة من حديثه ، تأملته بمحبة ثم وضعت طعامها أمامه وقالت:
_ افطر لحد ما تشبع ، وانا هستناك لحد ما تخلص
قال بتذمر: كلي معايا اومال انا استنيتك ليه !!
أخذت حميدة سندوتش وبدأت تأكله بشهية وبوادر أمل لأول مرة تتسلل بقلبها ، ايمكن أن ينتهي انتظارها الى مرحلة أخرى تتمناها ؟
******
انتهت جميلة من تنظيف المكتب وهي تتمتم بالشتائم حتى دلف جاسر للمكتب بابتسامة شامته وقال:
_ تمام..اسبقيني بقى على الموقع بتاع امبارح واقفي مع العمال
وقفت جميلة وهي تجفف حبيبات العرق من جبينها بمنديل ورقي وقالت بحدة:
_ اقف مع العمال اهبب ايه؟!
ابتسم ابتسامة عريضة من غضبها وقال:
_ عايز تفاصيل عن كل اللي هيوصل للموقع من مواد بنا ، والعدد طبعا ماتنسيش ، حتى شكاير الأسمنت عديهملي..
نظرت له نظرة مطولة ولاحظت أنه راقه غضبها وعصبيتها فقالت:
_ ياريت تفضل هنا وخليني هناك ، هعرف اتعامل معاهم احسن منك..
قال ليستفزها أكثر: ما عشان أنك لا تنتسبي للنساء بصلة ببعتك وأنا مرتاح ، يلا بلاش تأخير
أخذت جميلة نفسا عميقا حتى لا تطيع غضبها وتطيح به فأخذت حقيبتها وخرجت من المكتب دون أن تنظر له...
رمقها بنظرة مستهزئه وقال:
_ ولسه...
دق هاتفه فأخذه من جيبه مجيباً : وحشتيني
قالت "توتو" بغنج عبر الهاتف: وأنت اكتر يا بيبي ، معلش هتأخر شوية
زفر جاسر بغيظ وقال: براحتك
اطلقت توتو ضحكة مدللة وقالت: لما أرجع هعوضك ، أنت عارف أني بعرف انسيك الزعل..
ابتسم بمكر وأجاب: حاولي تيجي بأسرع وقت محتاجلك أوي..
أجابت بتعجب: أول مرة تقولي أنك محتاجلي!! اومال كلمت كاريمان ليه يا خاين!!
قالت ذلك بعصبية فاجاب عليها بضحكة: لا دي تسالي بس لحد ما ترجعي...أنت الأصل...
قالت توتو بغرور: خلاص سامحتك ،
اغلق جاسر الهاتف مبتسما وقال:
_ مكالمة كحتت الجفاف بتاع بسيوني اللي بيشتغل معايا..أنثى البطيخ...
يتبع
.....
رواية إمبراطورية الرجال
الفصل السابع/الثامن
ذهبت جميلة للموقع المراد معاينته ، نظرت له جيداً لتجد أن الهدوء يحيط بالمكان بعكس الأمس!! لا يبدو أنه يوجد أحداً هنا ولكن لا تستطيع الذهاب قبل أن تتأكد فربما أخذ العمال استراحة قصيرة بأحد الطوابق وسيعودون للعمل مرة أخرى..عاينت بنظرة سريعة المكان حولها وتذكرت أنه اعلمها بذكر كل ما يخص مواد البناء فقررت أن تلقي نظرة على الطوابق العلوية...مضت خطواتها للدرج الخرساني حتى صعدت درجة بعد الأخرى...الهدوء حولها يبدو مقلق بعض الشيء ولكنها لم تضع اهتمام كبير لهذا الأمر..
وقفت عند الطابق الأول "علوي" وتفحصت بنظرة شاملة كل الزوايا ، أدوات صغيرة خاصة بالبناء مترامية هنا وهناك وبرميل من البلاستيك الثقيل ممتلئ بالماء المعكر بأحد الزوايا وبعض شكائر الأسمنت الفارغة التي يظهر أن العمال استخدموها للجلوس بينما اعقاب السجائر المحترقة تعبأ الأرض...لا يوجد غير ذلك !!
رفعت جميلة حاجبيها بتعجب ثم توجهت للطابق الثاني لم يتغير الطابق الثاني عن الأول وظلت تصعد طابق بعد الآخر حتى وقفت بالطابق الآخير بالأعلى...هناك بعض الأختلاف بالأمر فيوجد اكداس من الشكائر المعبأة بأشياء غريبة وصناديق خشبية...لم تعرف لما أخذها الفضول لرؤية ما بهذه الشكائر فاقتربت خطوات اليها حتى صاح صوت أحد العمال بخشونة وعصبية : أنتي مين وبتعملي ايه هنا؟!
استدارت بذعر فقد سبب صوته صدى بالمكان الخالي حولها مما جعل الرهبة تشمل سمعها..ابتلعت ريقها واخبرته بهويتها فرمقها الرجل بتمعن للحظات ثم قال:
- في إجازة النهاردة ، استاذ جاسر عارف كده من امبارح يبقى أزاي بعتك ؟!
قطبت جميلة حاجبيها بدهشة فإذا كان على علم إذن ٱرسلها الى هنا بقصد إثارة غضبها عندما تعلم !! أضاف الرجل بحدة:
- اللي بيشتغلوا هنا رجالة وانتي مش مهندسة عشان يخافوا منك ، لما تيجي تاني ابقي اتصلي بالريس بتاعنا الأول عشان حد فينا يكون موجود..
اغضبها حدة الرجل معها فقالت بذات الحدة: سواء مهندسة أو سكرتيرة فالنتيجة واحدة !! ده شغلي وبنفذه وانا مش بشتغل عندك عشان تديني تعليمات احضر امتى واستأذن !! المكتب واخد الموقع ده وهيسلمه بعد ما يخلص ، وكل حاجة تخص الشغل هنا انا مسؤولة عنها لأني بسلم التقارير لاستاذ جاسر ، اجي امتى بقى دي بتاعتي انا..
شعرت بشيء غامض خلف حديث هذا الرجل فأرادت أن تسن أنيابها حتى يخشاها أن كان هناك ما يخفيه...فطن الرجل لمدار فكرها فقال بهدوء: لمؤخذة يا استاذة...بس شكلك بنت بلد وعارفة أصول ولاد البلد ، ما تأخذنيش لو زعلتي أنتي زي أختي الصغيرة...
قالت جميلة وقد هدأت بعض الشيء: حصل خير..انتوا أجازتكم امتى؟
أجاب الرجل : اتنين وجمعة
اومات جميلة برأسها ثم تركت الطابق دون مزايدة في الحديث ، زفر الرجل بقوة متمتما: كنا هنروح في داهية ، الله يخربيتك
******
**بالأستقبال**
انتهت حميدة من تدوين الملفات على الحاسب الآلي ومقابلة بعض العملاء وترتيب المواعيد معهم لمناقشة المشاريع الجديدة مع فريق المهندسين والتخطيط...جلس يوسف متنهداً وقال :
- الشغل النهاردة كان مرهق ، بس الحمد لله خلصنا
ارتشفت حميدة من كوب الشاي ثم قالت: الحمد لله
تذكر يوسف أمر الشقة فتساءل: صحيح...عملتي ايه في موضوع الشقة اللي كلمتك عنها امبارح؟ فكرتي ؟
ابتسمت واجابت: أنا كلمت أبويا ووافق ، وعلى فكرة هو قالي مش هياخد منكم ايجار غير بعد ٣شهور..يومين أن شاء الله نكون رتبناها وتيجوا تقعدوا فيها ، هي فيها عفش بس لو حابب تفرشها على ذوقك مافيش مانع براحتك..
ابتسم يوسف لها بشكر وقال : مش عارف اقولك ايه.. تعرفي..أنا كان ممكن اختار مكان تاني يكون مناسب اكتر لولاد عمي من الحي الشعبي ، بس بصراحة من كتر كلامك عن منطقتكم وانا نفسي من زمان أشوفها ، أنا بحب اللمة والصحاب ، مش بحب ابقى لوحدي ، بس للأسف في القصر كان كل واحد لوحده ، عمي مش قاسي بس شغله خده مننا ، هو بصراحة ضحى كتير عشانا ، ضحى بحياته وأنه يكون ليه بيت وأسرة واعتبرنا ولاده ، عشان كده واخد على خاطري منه ، وحشني أوي
حميدة بنظرة حنونة: أنت طيب أوي يا يوسف ، ساعات...لأ هو مش ساعات هو اغلب الوقت بحس أنك طفل..
اتسعت ابتسامة يوسف بمرح وقال: هنبقى جيران يا حميدو
كتمت ضحكتها عندما رأت ضحكته العفوية تغمر ملامحه الوسيمة..
******
انتهى رعد من مراجعة الحسابات مع رضوى فعاد لمكتبه وهو يتنفس الصعداء وقال: رضوان...روح قول لعمي مرزوق يعملي قهوة
القت رضوى الملف على الطاولة بحدة وهتفت:
- اللي اسمه رضوان يرد!!
اتسعت ابتسامته بشماته وقال: ما أنت رديت يا ابو الروض ههههه
هتفت بغيظ: هو انا جاية اشتغل ولا جاية اعملك قهوة؟!
أجاب بإستفزاز مبتسما: جاية تعمليلي قهوة..أنتي تطولي أصلا ؟! أنتي قاعدة مع واحد وقف قدامه أشهر الممثلين
قالت بضحكة: سمعتها البرسيم هههههه، كمل كمل
هجر ملامحه المرح ورمقها بغيظ حتى نهضت بنظرة مبتسمة وقالت : هروح اقول لعمي مرزوق يعملك قهوة
أجاب بغيظ: مش عايز يا ام لدغة...
كتمت ضحكتها فقد صدت الضربة بنجاح واغاظته ، عادت لتجلس وهي تكتم ضحكتها حتى دفع بوجهها القلم وهتف: ما اسمعش ضحكتك يا سئيلة
وقع القلم على قدميها فقالت بضحكة : أنت المفروض تفرح بنفسك ، بقيت حمار في السن ده ههههههههه ، واخد الحمورية من بدري ، اتاريك بترفس في الكلام ههههههههه
نهضت سريعاٌ عندما وجدته تحرك من مقعده وخرجت من المكتب وهي تكتم فمها من الضحك...
اغلق رعد المكتب بحدة ثم ظل دقيقة وابتسم رغما عنه قائلا: بومة...بس جزمة في الهزار
*****
**بمكتب جاسر**
جلس بإريحية ومد ساقيه على المكتب بثقة وهو يتحدث بالهاتف وقال: وحشتيني يا كيرو "كاريمان" بقالي يومين ما شوفتكيش حاسس بالغربة وغلاوتك..
ضحكت كاريمان بدلال وقالت: وأنت وحشتني ، ليها حق توتو تتمسك بيك..
قال بثقة مبتسما: آه عارف عارف..مابحبش اتكلم عن نفسي كتير
قالت كاريمان بمكر: هكلمك شات..أوك؟
أجاب بضحكة: يا حبيبتي أنا مابقاش عندي راوتر...أنا بقيت باقة يعني آخرنا صداقة..
ارتفعت ضحكة كاريمان بصوتٍ ناعم وقالت: مسكين
قال بخبث : أوي أوي..عارفة يا بيبي شوفت ايه امبارح في الحلم ؟
كاريمان بضحكة: ايه؟
جاسر بابتسامة ماكرة: شوفت ملاك جاي عليا...وبيحتويني و
هجمت بتلك اللحظة جميلة وفتحت باب المكتب بوجه يتقد غيظ فقال جاسر بقلق وقد انزل قدماه من على المكتب: اقفلي دلوقتي بس اتصلي اطمني عليا...ماتسبنيش للوحوش تنهشني
أغلق الاتصال ووضع الهاتف ثم أغلق زر قميصه العلوي وأشار لجميلة : هتقربي خطوة هصوت وهلم عليكي الناس وهقول اتحرشت بيا...وانا صغنون
اغلقت جميلة الباب بغضب وهتفت:
- لما أنت عارف أن النهاردة اجازة العمال بتوديني ليه هناك؟!!
ابتسم بمكر من غيظها وقال ببساطة: نسيت
هزت رأسها رافضة اجابته الكاذبة وقالت: لأ أنت قاصد تعمل كده ، لو مش قاصد كنت جيت ورايا زي ما قولتلي..
جلس جاسر ببسمة خبيثة ارتسمت بعيناه وأجاب بهدوء: أنتي زعلانة أني نسيت وروحتي على الفاضي ولا زعلانة أني ما روحتش وراكي ؟ حاسس أنك زعلانة عشان ما اهتمتش
نظرت له بدهشة..قالت بصدق : أنت ليه عايزني غصب عني اهتم بيك! ليه اصلا المفروض اعمل كده !! انا جاية اشتغل مش جاية طالبة اهتمامك ولا عايزة اهتم بحد..ياريت تلتزم معايا بنظام الشغل وتبقى جد عن كده..أنا ما بفكرش غير في الشغل وبس..
ضيق عيناه بغيظ واستشاط من اجابتها فقال: بصرف النظر أنك مسترجلة وما تعتبريش بنت اصلا ، بس كمان معقدة..أنا ما بحبش أفضل قاعد وشي في وش واحدة كلها عقد كده !! وبعدين ايه الوهم اللي عيشتي نفسك فيه ده واهتمام ايه ؟! أنا عايزك أنتي تهتمي بيا ؟! ده من قلة البنات اللي أعرفها؟!
أنتي لو شوفتي واحدة فيهم هتعرفي مقامك...
غرزت جملته طعنة بكبريائها وقالت بنبرة تهدد بالبكاء ولكنها تماسكت : مقام الواحدة في اخلاقها واحترامها لنفسها ، واكيد اللي بتتكلم عنهم ويعرفوك كلهم شمال...انا ما وهمتش نفسي أنت اللي مش عاجبك وجودي عشان محترمة ،لكن لو ماشية على هواك كان زمانك دلوقتي...
ضيق عيناه بخبث وهو يتوجه اليها ، وقف ناظرا اليها بنظرة مطولة وقال: كان زماني ايه؟!
امتنعت عن الإجابة فأشتد،مكر عيناه وقال: مش بطالة
التفتت له بحدة وقالت: نعم ؟!
أشار جاسر لأحد المقاعد وقال: اقعدي نشوف شغلنا...ولا تحبي تروحي ترتاحي؟ راحتك عندي أهم
رمقته بحيرة وقالت بجدية حتى لا يلمح حيرتها وارتباكها: نكمل الشغل ، فاضل ساعتين
عاد جاسر لمكتبه ببسمة خفية وراقه أن تصبح بقائمة...نسائه
******
**بمكتب آسر**
آسر وهو يتطلع بالتصاميم الهندسية : خلصنا شغل النهاردة يا آنسة سما...حماسك للشغل فاجئني..
ضاقت سما من وضع الرسمية باسمها فقالت وتظاهرت بابتسامة:
أنا اللي اتفاجئت بصراحة، وعشان مش تحتار ، أنا كنت فكراك زي ولاد عمك ، بس طلعت جد اكتر من ما فكرتك ، ومتفهم اكتر من توقعاتي، اكيد لأنك بتحب شغلك..
أجاب آسر بصدق: بالعكس ، أنا مابحبش شغلي للدرجة اللي أنتي متخيلاها..لكن بحب انجح وبكره الفشل..لما الظروف وقفتني في مفترق الطرق كان لازم العقل يجي دوره في الأختيار..
سما بخجل : طب والقلب؟!
آسر بنظرة صادقة ، بعيدة عنها ، وعن أحلامها الوردية ، بعيدة عن ظنونها وأوهامها، لكن البعد حتى انها لم تراه ..قال:
- القلب بيخلينا نختار اصعب الطرق ، يبقى من الغباء أخير قلبي واسيب طريق مضمون ، مرسومله دراسة جدوى متخططه صح ، القلب مش سكتي ولا بحب اختاره..
تمتمت سما بغيظ : كل الروايات قالوا فيها كده وفي الأخر بتوقعوا في الغرام يا خبثاء..نحن السكرتيرات..أنا يعني هههه
كتمت ضحكتها فتساءل آسر بتعجب: بتضحكي ليه؟!
قالت سما ببسمة خجولة: لا أبداً..
*******
رمقت حميدة رضوى بنظرات متساءلة من طيلة جلستها بالخارج فقالت : أنتي نقلتي هنا ؟!
كتمت رضوى ضحكتها وقالت: بستريح بس من الشغل
نهضت وتوجهت لباب المكتب ثم دقت عليه ، أتاها صوت رعد بحدة : مش فاتح
اتسعت ابتسامتها ثم فتحت الباب ودلفت بهدوء..اغلقت الباب خلفها فرفع رأسه بغيظ بعدما كان يتفحص كاميرته وقال : هو انا قلتلك ادخلي ؟!
قالت لتغيظه: نداء الواجب مش محتاج استأذان، والشغل واجب...هو أنا ممكن اسألك سؤال؟
رد بسخرية: اتنيلي
قالت وهي تشير للكاميرا بإعجاب: الكاميرا دي بتستخدمها أزاي ، أصل شكلها عاجبني أوي...
نظر لها بابتسامة لمدحها لمحبوبته فنهض بعفوية وهو يحمل الكاميرا وقال: هوريكي...تعالي كده
نهضت رضوى حتى أشار لها على أزرار الالتقاط وبعض الزوايا وتعمق في الشرح..انصتت باهتمام غير مفتعل فقد شعرت بالفضول في استخدام هذا الشيء....ربما لأهتمامه هو بالأساس له..أشار لها بالكاميرا وقال : لو حابة تجربي مافيش مشكلة...بس يارب ما تدمنيش الكاميرات والتصوير زيي..
أخذت رضوى الكاميرا بابتسامة شاكرة وفعلت مثلما شرح لها فألتقط صورة له وهو يشير لأحد الزوايا وعدة صور أخرى وقالت بابتسامة:
- فعلا...احساس حلو وانت بتصور
أخذ منها الكاميرا وقال ببسمة عفوية: حسيتي بإيه؟
قالت بصدق : مش عارفة...بس كأني ركزت اكتر في التفاصيل أو يمكن كنت عايزة افضل شوية ادور على اكتر شيء شاددني واصوره ، التصوير احساس قبل أي شيء.
ابتسم بإعجاب وقال: برافوا يا رضوى..كأنك بتتكلمي بلساني
شعرت بالخجل في طريقته الجديدة وقالت وقد عادت لجمودها : نكمل شغل؟
أجاب بصدق: بصراحة أنا مصدع ، خليها بكرة
أخذت رضوى حقيبتها بهدوء وخرجت من المكتب...من المبالغ فيه أن يكن ثمة مشاعر جرت بينهم ولكن بداية الغيث قطرة..
*******
عادت الفتيات للمنزل فبمجرد أن دلفت حميدة وبدلت ملابسها وقفت وهي تشمر عن ساعديها وبنطالها الاسود فقالت سما بضحكة: مش ده الاسترتش بتاع البت رضوى؟
قالت حميدة بحماس: بعد ما ناكل هنطلع فوق نروق الشقة ترويقة تمام عشان هيجوا هنا بعد بكرة
ابتسمت سما وهي تنهض بخفة: انا هرتب اوضة آسر
رضوى وهي تقضم قطعة من الخيار: أوضة آسر !! دول هما أوضتين ، كل اتنين هيترموا في اوضة
رمقت حميدة جميلة وهي تجلس بشرود وعبوس على ملامحها فقالت متساءلة: مالك يا جميلة ؟ أنتي مش عجباني من امبارح ، لو الشغل مزعلك قوليلي ومالكيش دعوة..
قالت جميلة وهي تتظاهر بابتسامة باهتة: لا ابدا أنا بس بقيت بصدع كتير من المواصلات...كنتي بتقولي ايه ؟
كررت حميدة ما قالته فوافقت جميلة حتى انتهائهم من تناول الطعام...
******
بالأجواء الباريسية...
وقفت للي أمام المرآة بغرفتها بالفندق تتفحص مظهرها فقد قررت التنزه بليلة باريسية مثلما اعتادت...انتقت رداء اسود وعمدت أن يكون طويل ولكنه لم يغطي ذراعيها بالكامل..واحكمت حول عنقها قلادة جلدية بها زهرة صغيرة حمراء أضاءت لون بشرتها الصافية ولون شعرها الفحمي...كان الرداء مفصلا عليها وكأنها تنتمي لفصائل حوريات البحر...انتعلت حذاء عالي الكعب ثم خرجت من الفندق لتذهب لعنوان مطعم شهير الذي تنتظرها به صديقة مقيمة هنا منذ سنوات قد اعتادت الالتقاء بها عندما تأتي الى باريس
خرجت للي من الفندق واستقلت عربة خاصة للعنوان المطلوب...دق هاتفها وهي بداخل السيارة لتجيب:
- دقايق واكون عندك يا سها ، بس اوعي ما تكونيش جبتي العفريته بنتك معاكي ؟
ضحكت سها وأجابت: لأ جبتها معايا يا للي ، ولادي بيحبوكي اكتر ما بيحبوني !!
شاركتها للي في المرح حتى أنتهى الأتصال...وقف سائق العربة فجأة بطريق مجهول فرمقته للي بقلق وسألته بلغة انجليزية فلم يجيبها بل أشار لها كي تخرج من السيارة...ابتلعت للي ريقها بخوف وهي تنظر للمكان حولها بتمعن فلم يكن مارة الطريق داعم لها فهم لا يبالون بالغرباء كثيرا...خرجت من السيارة حتى تفاجئت بخروج آخر رجل تريد رؤيته..زوجها السابق "حسام عزام" اقترب لها بنظرة متفحصة بعناية واعجاب واضح ثم قال: لما شوفتك في المطار ما صدقتش نفسي...أنتي انتقمتي في الجمال يا للي ، لو كنتي بالجمال ده وانتي معايا مستحيل كنت اطلقك...
ارتعدت بخوف وهي تنظر له وذكريات الماضي تتراقص أمام عيناها بمشاهد العنف والألم النفسي الذي طبعهم هذا الرجل الكريه على روحها وجسدها...هناك رجل تتذكر عين المرأة الدموع عند رؤيته...أما حباً أو كرهاً....فكان أشد مراحل الكره بعيناها فتراجعت للخلف...أشار حسام للسائق ليرحل الذي اتضح انهم على اتفاق مسبق بذلك...رحل السائق وتبقت معه بمفردها...
اندفعت الدموع من عيناها لا ارديا وقالت : عايز مني ايه تاني حرام عليك ، كفاية اللي عملته فيا ، سيبني في حالي
ابتسم حسام وهو يقترب اليها بنظرة متفرسة شهوانية:
- عشان اكون صريح معاكي أنا مراقبك من فترة وجيت وراكي هنا ، محدش هيحميكي مني هنا ، طول عمري بختار الوقت المناسب والمكان المناسب والشخص المناسب..
ابتعدت عنه بذعر حتى كادت أن تركض فقبض على معصمها قائلا بهمس :
_ ليلة واحدة معايا...عايزانا نتجوز موافق، مش عايزة جواز برضو موافق بس مش هتنازل عن اللي عايزه..
دفعته للي عنها بصراخ ثم بصقت عليه بإحتقار فتناثر شعرها حول وجهها بتمرد...أسرعت مبتعدة عنه بالطريق الخالي فأسرع خلفها حسام ...
ركضت للي بطريق مليء بالمحلات المزينة وحاولت أن تجد أحد يساعدها ولكن أن وقفت عن الركض سيلحقها ذلك البغيض...
******
بالمقهى اللبناني...
جلس وجيه مع ثلاثة من الرجال وأمراتان حول طاولة خشبية ، حيث احاط المكان زهور نادرة وأثاث جميعه من الخشب مما يجعل الهدوء والشاعرية تملأ النفس...هذا المقهى تابع لأحد الرجال اللبنانيين الذي تعرف عليهم وجيه منذ سنوات فأصبح "جان" مالك المقهى صديق وفي لوجيه...أتى جان مبتسما وتحدث مع وجيه بترحيب شديد بينما دقت الموسيقى العربية فأشار جان لوجيه أن يقم للرقص مع أحد هاتان الإمراتين ، رمقه وجيه بغيظ فابتسم جان بمرح...نهض وجيه مرغما فقد وضعه صديقه بموضع محرج...وتوجه لحلبة الرقص مرغما وبيده إمرأة فرنسية فاتنة وهي وكيلة أعمال مالك الشركة الذي تعاقد معها للتو...
دلفت للي للمقهى فقد هرعت اليه عندما لمحت اسمه العربي..فأطمئنت بعض الشيء حتى لحقها حسام للمقهى فركضت بوسط الجموع ووجهها مليء بالدموع خوفا أن يلحقها...راقبته وهي مندسة بين الراقصين حولها ببطء حتى صدمت بوجيه الذي توجه مع ٱمرأة معه لحلبة الرقص...التفتت لحسام فوجدته يقترب اليها وقد راها...ابتعدت للخلف والخوف يجتاحها...لم تشعر الا بتلك اليد التي سرقتها بدفء الى عينان أشد دفء وكأن القدر أراد اللقاء بأشد الأوقات احتياجا للأمان...لمحها تبكي خوفا من احدهم فلم يتمالك نفسه فترك من معه وسرقها الى صدره...تفاجئت وهي تقف أمامه وبأمانه...صدقا قد هجرها الخوف..كيف وهو يقف أمامها كالسد المنيع عن أي شيء يربكها...رمقها حسام من بعيد بغضب فأبتعد بحذر عندما لمح وجه وجيه الزيان...فهو على علاقة به بسوق العمل ولا يريد تشويه صورته أمامه...رحل من المفهى متوعدا لها ...
انتقلت نظرات وجيه على عيناها الباكية فقال :
- يعرفك؟
اجهشت بالبكاء وقالت : طليقي...
ضيق وجيه عيناه بصدمة حتى نظرت له بتوسل أن لا يتركها...ظلت نظرته حادة فنظرت للأسفل وازداد بكائها حتى شعرت أنه يشركها برقصة بطيئة...
بدي أعرف شو مبكيكي ، مني زعلانة براضيكي..تزعل الدنيا وما تزعل حياتي أنــــا...
وضعت يدها على كتفيه ونظرت لعيناه التي تحولت من القسوة للرفق وظلت صامته للحظات ثم قالت :
- مكنتش بحبه ، اهلي غصبوني عليه ، كان بيضربني وعاملني أسوأ معاملة...اطلقت منه من عشر سنين وفجأة النهاردة لقيته قدامي وعايز مني....
صمتت بحرج فضيق وجيه عيناه بغضب ثم هتف: عايز منك ايه؟!
أطرفت عيناها بخجل ولم تعرف بماذا تجيب حتى اسودت عين وجيه من الغضب وقبض على معصمها وجذبها للخارج...
خرج من المقهى وهي بيده فتساءلت: رايح فين؟!
التفت لها قبل أن يدخل سيارته وقال: هتقعدي في الفندق اللي أنا فيه ، مش هسيبك لوحدك...
💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖
- الفصل الثامن
مر طيف سحابة من الدهشة على وجه "للي" وهي تتطلع اليه بينما استطاع "وجيه" أن يدخلها سيارته وانطلق بالسيارة ..نظرت له قائلة بعدما عادت قليلًا من تيهتها:-
_طب وحجاتي؟! الشنط اللي سيبتها في الفندق؟!
أطرف وجيه بعيناه عدة مرات مفكرا بشيء ما ثم أجابها سريعاً :- تقدري تتصلي بالفندق يبعتوهالك مافيش مشكلة..
طريقته في الأجابة كان بها بعض الحدة وكأنه ندم على مساعدتها ، قالت شاكرة بصدق:- مش عارفة أشكرك أزاي ، أنت لو مكنتش موجود النهاردة مش عارفة كنت هعمل ايه..
تنهد وجيه بعمق ثم أجاب مثبتا عيناه بالطريق:- بطلي تعملي مقالب في الناس ، اكيد في مرة هتعملي لنفسك مشكلة بسبب رهان من اللي بتعمليه أنتي وشلتك.
اسدلت نظرتها بخجل وقالت بإعتذار:- أنا عارفة أنه شيء سخيف وحقيقي ندمت عليه ، بس فعلًا كل مرة الرهان كان بيبقى على أشياء مش أشخاص ، يعني مثلًا آخر رهان كان اللي توصل اسكندرية الأول عند واحدة صحبتنا هناك تبقى هي اللي كسبت.
صمت وجيه تائها بشيء لم تستطع تفسيره ، كأنه ندم على قراره !! ، أرادت أن تتحدث ولكنه اعلن الصمت..وقفت السيارة أمام الفندق الذي يقيم فيه فنظرت للفندق من بعيد وهي جالسة بالسيارة فقال وهو يترجل خروجا:- هو ده الفندق..
خرجت من السيارة أيضاّ ودخلت معه للفندق حيث أنهى حجز غرفة بنفسه ،اختلست النظر اليه وهو ينهي امر الحجز حتى سألها جواز السفر فأخبرته أنها تركته بالفندق مع حقائبها..يبدو انه معروف لدى رجال الفندق بثقة حتى يتم للموافقة على إقامتها دون جواز السفر مؤقتاً فألتفت لها قائلًا:- كده تمام..اطمني
أومأت رأسها وهي تشعر أن هذا حلما تمر به في غفوتها ، اهذا الرجل الذي تجاهلها قبلا يمد لها يد العون الآن؟! تشتد نظرة الأحتواء والآمان بعيناه كلما نظر اليها وكأنه تولى رعايتها منذ زمن ، أرادت ان تبتسم ، أرادت أن تشكر جميع الظروف التي جعلتها تقابله اليوم ، صعدت عبر المصعد وصعد معها فتساءلت بحيرة:- كم تبعد غرفتها عن غرفته؟ أم تراه حجز لها بطابق آخر ، هي لا تتقن الفرنسية كثيرا لذلك لم تفهم ما قاله لموظف الاستقبال بالفندق..كان يقف بجانبها ضخما يملأ المكان هيبة وتحكم ،لمحت انعكاس صورتهم بمرآة المصعد فابتسمت لنفسها..وقوفها بجانبه يروق لها ، كأن هذا القرب والمكان صنع خصيصا لها..اخفضت عيناها عندما تقابلت نظرتهم عبر المرآة ، نبضت نظرته بدفء غامض ، هذا الرجل الأربعيني خطر على القلب ، تقسم أنه يشعل ثباتها برمقة عين ، ويثير ارتباكها بحركة ولو بسيطة..أنيق لدرجة عالية ويبدو أنه يحافظ على تمارينه الرياضية فقد برزت عظام ذراعيه بخصر نحيل يلتف حوله حزام جلدي أسود لامع ، اقتلعت عيناها من النظر اليه أكثر من ذلك قبل ان يلاحظ تفحصها..لشد ما كرهت أن يدرك ذلك وهي من يجب أن تمتلك بأنوثتها أغواء فكره وتشتته وليس العكس..أشار لغرفتها ومعه احد العاملين بالفندق وتفاجئت أن غرفته بجانبها مباشرةً ، لم تعرف لما اطمئت لذلك وارتبكت بآنٍ واحد..هذا الرجل مجرد رؤيته تفقدها أتزانها فما بال لو كان بهذا القرب ربما لعدة أيام قادمة!!
دخلت الغرفة بأنفاس متلاحقة وتسللت بسمة الى شفتيها..أول شيء فكرت به هو التأكد من مظهرها..توجهت لمرآة الغرفة مباشرةً لترى أن الخجل أخذ موضعه على وجنتيها ولمعة عيناها بينما كأن شعرها الفحمي تدللت لمعته وأثار سحر الشرق بموجاته..ظلت تنظر لوجهها مبتسمة حتى دق جرس هاتفها فرفعت السماعة..تردد كثيرا قبل أن يحادثها ، لم يستطع المقاومة فإتصل بها من فرط الوحشة التي شعر بها بمجرد نأيها عن ناظريه..قال:- للي
قرعت دقات قلبها وهو ينطق اسمها..لم تجيب فكرر ندائه :- للي..كلمتي الفندق يبعتلك شنطك؟
أجابت بصدق:- لأ
قال وترك الندم لاحقاً:- طب ممكن نتكلم شوية..لو مش هضايقك
الم تقل أنه رجل خطر؟! لشد ما شعرت بتوق للحديث معه!! كيف شعر بذلك أو ربما تحت رعاية مساندتها بالغربة..ربما فكر ذلك فقالت:- تمام..
تنهد براحة ، أم بقلق؟! قال:- نتقابل في مطعم الفندق بعد خمس دقايق..مع السلامة
انتهى الأتصال..ووضعت السماعة وهي تبتلع ريقها بإرتباك شديد ، لم يمر بعمرها رجل أحدث بها هذا الارتباك ، لم تشعر بهذا الأهتزاز حتى بأشد أوقات القلب مراهقة..خفقة القلب بالنضج تثير الوجدان أكثر من خفقات المراهقة بوهم الحب الأول..
******
انتشر الفتيات لتنظيف الشقة العلوية الذي تنتظر الشباب..ركضت سما ورفعت صوت المسجل وهي تتمايل راقصة على أحد الأغانِ الشعبية:- يا أسر يا أسر ، يا أسر أنت اللي بهواه أه يا أسر..وبموت في حب آسرررر..
ضربتها رضوى بالمقشة على قدميها وقالت ضاحكة:- خلصي يا جواهر خلينا نخلص وننام ورانا شغل الصبح..
تمايلت سما بضحكة وقالت:- قال يعني البت بتفهم في الشغل ! ، ده أنتي بتقضي بقية اليوم تهزيق يابت ههههههه ، بسمع صوت الشتيمة لحد عندي..
لوت رضوى شفتيها بسخرية وقالت:- لأ وانتي اللي بقيتي خريجة هندسة ؟! ده أنتي خريجة كلية استاذ آسر مش معبرني..
ضحكت رضوى عليها لتجز سما على أسنانها بغيظ وقالت:- اتكبسي بقى..سرسوري خلى عم مرزوق يعملي عصير فواكه خاص ليا كل يوم ، بيوصلني اول ما بدخل المكتب..العشق مدمر يابنتي
هتفت حميدة بهما وقالت:- ما تخلصي يا نيلة منك ليها عايزة اتخمد ، واطفي البتاع ده دماغي صدعت
رقصت سما والمقشة بيدها وقالت ضاحكة:- وأنا ما بعرفش انضف غير وأنا برقص..
ركضت حميدة خلفها فتعالت ضحكات سما حتى دلفت لأحد غرف النوم فنظرت لها بتمعن وقالت:- الأوضة دي بتطل على الشارع ، حبيبي هيختارها..
قالت جميلة وهي تمسح الغبار من زجاج النافذة بقماشة قطنية مبللة وتساءلت:- اشمعنى!!
قالت سما بضحكة:- عشان يراقبني بصمت في الرايحة والجاية وأنا اعمل قال ايه مش واخدة بالي بس أنا واخدة هههههههه
ابتسمت جميلة .. فاقترب سما منها وقالت:- انتي زعلانة من حاجة وباين عليكي ، البغل اللي اسمه جاسر ده شكله قارفك
ضحكت جميلة وقالت:- هو بغل فعلًا ، هو قارفني بس أنتي عارفة أني بستحمل لآخر طاقتي..اتعودت على الشقا ، شغل المكتب ده مايجيش شيء في شغل المصانع..
جلست سما على الفراش المرتب وقالت وهي تهز قدميها كالطفلة:- ما ترديش عليه لو زعلك ، ولو زعلك تاني قوليلي وهخلي آسر يضبطه..الواسطة بقى هههه
قالت جميلة بتعجب:- اعقلي يا سمكة وبلاش تندفعي ، شيفاكي خدتي بالقرش كله عشم !!
مطت سما شفتيها بتذمر وقالت:- انتوا محسسني أني قولتله بحبك !! ، أنا هقوله بس بعد ما يقولي الأول
الحقت جملتها بضحكة كالعادة فصمتت جميلة وتابعت عملية التنظيف فلا يجدي الحديث أي نفع مع تلك الصغيرة..
******
خرجت للي من غرفتها فتفاجئت بخروج وجيه من غرفته أيضا ، ربما كانت مصادفة أو عمد ولكن نظرته راقتها ، كأنه المشتـــــاق إذا وجد ضالتـه..رافقها حتى المصعد حتى نال منها الحياء مطمعه على وجنتيها..هبط المصعد بثوانِ سريعة ، سرا تمنت أن تطل المدة ، وسرا تمنت أن تطل البقاء معه فهو يحملها لعالما دافئ جميل مزهر بمشاعر تحلم بها أي إمرأة ناضجة كانت أو مراهقة..رافقته بصمت حتى المطعم الذي كان به بعض صخب الموسيقى..جر لها مقعد بلياقة وتهذيب .. جلس وجيه أمامها محاولًا ايجاد مدخل لأي حديث ، دعاها الى هنا وهو لا يعرف سوى أنه يريد رؤيتها بلهفة مجنونة ، لهفة لم تمر بعمره الأربعيني سوى الآن ،نظرت حولها وظهر بعيناها الأنزعاج من أصوات الموسيقى فطرح عليها شيء:- ممكن نقعد في الجنينة ، لو مابتحبيش الاصوات العالية
كان هذا عرضا خطر ،مع رجل أشد خطورة ولكنها وافقت نظرا لرمقات بعض الأعين والتحديق بها ، وكأن جلوسها معه ملفتا حتى بتلك البلاد الأجنبية !! خرجت للحديقة وشعرت بالفضول في معرفة ما يريد التحدث فيه..سارت برفقته على هوادة بالحديقة زي الممر الطويل وعلى جوانبها الأشجار ، ليس بمفردهما تمامًا بل هناك الكثير من رواد الفندق والعاملين حولهم وهذا ما أشعرها ببعض الآمان والهدوء ، شعرت بلفحة البرد تتسلل الى بشرتها فلفت ذراعيها حولها برجفة بسيطة..شعر بذلك فخلع معطفه ووضعه على كتفيها دون أن يتأمل اشتعال وجهها بخجل..تركت معطفه على كتفيها ولم تعترض ، ابتسمت بخفاء وشاعرية ،هذا حلم بالتاكيد وليس حقيقة !! وضع وجيه يديه بجيوب بنطاله الأسود بينما قميصه الأزرق أزهى لون بشرته البرونزية ولثام عنقه الأسود صافح عيناه بهالة ثقة وهيبة ، قال :- اتكلمي..احكيلي اللي حصلك ، حاسس أنك عايزة تحكي ، ويمكن كمان عايزة تعيطي.
كان حديثه مفاجئ ، اكل هذا من أجل أن تتحدث هي؟! ولكن جرت دمعة بعيناها فهي بالفعل محملة بالأحاديث المسجونة..انزلقت دمعة من عيناها وقالت :- كنت بنت صغيرة لما اتجوزت ، مش هقول صغيرة أوي بس قلبي وعقلي كان أصغر بكتير أني استحمل واحد مريض نفسي..عشت أيام عمري ماهنساها ، تقريبًا مدة جوازي منه خمس سنين ماشوفتش يوم راحة..
امتقع وجه وجيه بضيق شديد وقال:- ليه ما طلبتيش الطلاق على طول؟! استنيتي ليه خمس سنين؟!
امتلأت عيناها بالدموع اكثر وقالت بصدق :- لأن عليتنا مش بتعترف بالطلاق ، معندناش حد اطلق ، مش مهم أي حاجة بس المهم ما ابقاش مطلقة ، مش مهم اتهان واضرب حتى من غير سبب بس المهم ما اتطلقش..هو كان عارف كده وعارف أن أهلي سلبيين فكان بيفتري ومش هامه..يمكن لو حد وقفله من البداية كان خلصني قبل ما أشوف كل اللي شوفته..
بكت بصمت وهي تضم معطفه على جسدها أكثر فكان يختلس النظرات الجانبية بين الحين والآخر ، قالت متساءلة:- أنت ليه طلبت تسمعني؟!
رفع وجيه رأسه للأمام وسار بنظرة شاردة وأجاب:- لنفس السبب اللي خلاكي تتكلمي براحة وبصدق ، اعتقد أنك بقالك فترة كبيرة ما اتكلمتيش والا مكنتيش عيطتي!
هزت رأسها بموافقة وقالت:- دي حقيقة ، حتى صحابي مابقتش اتكلم معاهم كتير في الموضوع ده..بحاول انساه
تردد وجيه قبل أن يسألها ولكنه أراد معرفة الحقيقة:- بتحاولي تنسيه..كنتي بتحبيه؟
وقفت فجأة ونظرت له بحدة قائلة:- أنا قلت قبل كده أني مش بحبه ، بحاول أنسى الأذى النفسي اللي سببهولي ، أنا بجد مش عارفة أنسى..
التمعت عيناها بالدموع مرة أخرى فقال معتذرا:- أنا أسف ، مش قصدي اضايقك..
تابعت السير ببطء وقد تحكمت بإنفعالها ثم قالت :- بصراحة..ببقى عايزة اعتذرلك عن المقلب اللي حصل بس كل ما افتكر القلم اتغاظ منك..
نظر لها مبتسماً ولأول مرة تراه يبتسم..دقت طبول القلب
******
باليوم التالي..
استيقظت للي ولم تنم ليلتها الا لماماً ، فمنذ عادت وهي تتململ بفراشها متذكرة كل كلمة قالها ، تبتسم تارة وتخجل تارة أخرى ، كان مهذبا ، وقورا ،رجل لا تخشى شيء وهي معه ، ظلت برفقته حتى وصول حقائبها بعد مرور ساعة ثم تركها ترحل..كانت بعيناه نظرات غامضة..حتى أنها لم تنتبه لمعطفه الا عندما اتت لغرفتها ، خجلت أن تتصل به ، أو ربما أرادت مرافقة شيء به عطره الرجولي لأكثر وقت ممكن..
دق جرس هاتفها الخاص فرمقته بدهشة واجابت سريعا:- سهـــا !! ، أنا أسفة بس مش عارفة أزاي نسيتك!!
قالت سها بعتاب:- بقى كده يا للي! فضلت مستنياكي في المطعم لحد الفجر وعمالة اتصل بيكي وهموت من القلق ، ومش بتردي على تليفونك!!
قالت للي معتذرة:- الفون كان في الشنطة وبجد ما انتبهتش ليه ، لما نتقابل هحكيلك..
قالت سها بتساءل:- أنتي فين؟!
أخبرتها للي عنوان الفندق المقيمة به ثم أنتهى الأتصال..
*****
دلف الفتيات للمكتب لتجد سما أن باب مكتب آسر مفتوحاً فتوجهت اليه مباشرة بينما جلست حميدة بمقعدها في الاستقبال..والثنائي الآخر كلا دخلت مكتبها..
**بمكتب رعد**
فتحت رضوى باب المكتب لتجد رعد يتحدث بالهاتف مع احد العملاء وينظر لأوراق بيده ، جلست تنتظره حتى انتهى من المكالمة وقال :- قدامنا نص ساعة عشان العميل في الطريق نكون راجعنا حسابتنا..
همت رضوى ورعد بمراجعات الحسابات سريعا ومناقشة بعض الأمور بجدية لا سبيل فيها للحدة أو المزاح..جلس بعد ذلك وقال بضيق بعدما مضى أكثر من نصف ساعة:- العميل اتأخر وانا ورايا شغل برا
تساءلت رضوى بتعجب:- شغل برا؟!
أوضح رعد :- لا ده شغل تبعي مالوش علاقة بالمكتب ، تصوير
فهمت رضوى الأمر بهدوء وعادت للعمل...
****
***بمكتب آسر**
تفاجئت سما بوجود فريق من المهندسين مكون من أثنين من الشاب وفتاة..كانت الفتاة تدعى"ندى" ملامحها جميلة هادئة ويبدو من طريقتها مع آسر بسابق معرفة قديمة..قالت ندى بحماس:- هسهر على الشغل ده لحد ما اخلصه يا آسر..
جلست سما تراقبها بصمت وغيظ ولم يلتفت اليها احدا منهم بل انشغلوا بالعمل كليًا..انتهى الأجتماع وانصرف فريق المهندسين فجلس آسر أمام مكتبه يرتشف من قهوته الصباحية بهدوء ، صدقا لم يشعر حتى بوجودها فرمقته عاتبة :- أنا جيت من ساعتها
تطلع اليها بتعجب :- فين المشكلة ؟!!
اسدلت نظرتها بضيق فنظر آسر للتصميم وقال بابتسامة:- أنا متحمس جدًا ، الفريق اللي معايا اخترتهم بالواحد وكلهم من أوائل دفعتي..
قالت سما وبدأت تشعر بالغضب:- كنت تعرفهم ؟
قصدت بسؤالها واحدة فقط فأجاب آسر بصدق:- كانوا زمايلي في الجامعة..
صمتت سما بضيق ظهر على ملامحها فقال آسر :- على فكرة ممكن مع الوقت اخليكي تقولي رأيك في المشاريع ،انتبهي للي بقوله وركزي وهخليكي من ضمن الفريق..
ابتسمت بالتدريج رغم أنه لم يقصد سوى اللطف فقط بينما قالت سما بخفوت:- بيعشقني في العشق
*****
**بمكتب جاسر**
انتظرت حتى مرت ساعة من الزمن فنهضت قائلة :- أنا رايحة الموقع ، لو هتيجي تمام لو مش هتيجي يبقى احسن
رفع جاسر عيناه بعصبية فكتمت ابتسامتها لأنها اغضبته وخرجت من المكتب قبل أن تتلقى تعنيف منه..
كتم ضحكة بداخلها خلال الطريق عندما تذكرت غضبه الذي كان على وشك الأنفجار...دخلت جميلة الموقع وأخذها الفضول للطابق الأخير لترى ما رأته بالأمس ولكنها تفاجئت بأن المكان خالِ !! رفعت حاجبيها بتعجب وسألت أحد العمال قائلة:- كان في شكاير وصناديق هنا امبارح ، راحوا فين؟!
رمقها العامل بقلق وتفاجئ من سؤالها فقال :- مش عارف ، مخدتش بالي.
تركته جميلة يذهب بينما لم تضع الأمر بموضع الخطورة فعادت الى الطوابق الأخرى لتشمل تفاصيلها..
مر اليوم بسلام...
لم تجد للي أي اتصال من وجيه أو حتى لمحته وهي تتعمد الخروج كل ساعة تقريبًا ، يبدو أنها بثرثرتها الصادقة اضاعت منه الفضول ، حتى أنه لم يتصل بها ليأخذ معطفه!!
عاد الفتيات بهذا اليوم الذي من المفترض به أن الشباب سيأتون للأقامة..
مساءا بالغرفة العلوية على سطوح منزل حميدة حيث الغرفة التي رتبها الفتيات لأقامتهنّ..وقفت سما أمام السور بمراقبة الطريق وقالت بتأفف:- هما اتأخروا كده ليه؟!
قالت رضوى التي تتمدد على حصير مفترش بالأرض :- يابنتي اهمدي بقى يجوا ولا عنهم ما جم احنا مالنا !!
قالت جميلة بسخرية:- شمتانة أوي في جاسر ، عشان يبطل غروره وينزل لأرض الواقع..ده بيقولي أشربي الشاي بالشاليمو ، ايه الشاليمو ده يا عيال؟!
قالت سما بجدية:-المج أبو ايد يا جاهلة ، مش عارفة هفضل اعلم فيكوا لحد امتى!
ارتفع صوت سيارة بأول الطريق بالمنطقة فركزت سما نظرتها على الطريق حتى هتفت :- وصلواااا
تجمع الرباعي خلف السور يشاهدون السيارة الفخمة وهي تشق أرض الطريق بحيهما الشعبي..قالت سما بهيام:- يا سلام لو نروح نستقبلهم
جميلة بحدة:- الساعة ١١بليل نستقبل مين؟!
تدخلت حميدة وقالت وهي تراقب يوسف وهو يترجل من السيارة:- أبويا مستنيهم على القهوة هو والواد سقراط.
ابتسمت جميلة وهي ترى جاسر يلتفت حوله حتى جذبه أحد الصغار وهو يشد قدميه وقال :- أنت مين يا طويل التيلة أنت !
نظر جاسر للصغير بغيظ وقال:- أمشي يلا من قدامي السعادي
قال آسر بنظرة جادة ليوسف:- اتصل بابوا حميدة يا يوسف
هتف صوت من خلفهم فقال:- محدش غريب يدخل المنطقة وأنا موجود يا كباتن
استدار الرباعي لمصدر الصوت ليجدوه طفل لم يتعدى سنوات مراهقته فسخر جاسر وقال:- هتعمل ايه يعني؟!
اقترب سقراط بنظرات عصبية ورفع رأسه ليصل لعين جاسر البعيدة وقال:- هعمل بلاوي زرقا ، أنا جامد بس مش بيبان عليا
قال رعد بضحكة:-أنت جاي من ديزني لاند صح ؟!
سأل آسر بجدية:- بقولك ايه تعرف عم اسماعيل ابو حميدة؟
هز سقراط رأسه وقال :- ده أبويا ، وحميدة أختي
ضحك جاسر وقال:- شبهها وربنا
قال يوسف بحدة:- وسايبنا !! ، روح قول لوالدك اننا وصلنا
تساءل سقراط:- انتوا مين؟!
جاسر بضحكة:- الهكسوس
ظهرت العصبية الصبيانية على وجه سقراط فصفر بأصبعيه وأتى عدة صبية بعمره وأطفال اعمارهم تتراوح ما بين السادسة والسابعة...فتساءل يوسف بقلق:- هو ماله؟!
أجاب جاسر بذات الضحكة :- بيجمع الجيوش..
أتى الأسطى سمعه وعرف أنهم الشباب المنتظر وصولهم ثم رحب بهم بشهامة وأدب ورافقهم حتى الشقة...
وقف والد حميدة بعدما شرح لهم كافة الاحتياجات وقال:- تصبحوا على خير بقى ، لو احتاجتوا حاجة انا في البيت اللي قصادكم ،نادوا عليا وهتلاقوني عندكم...
رد يوسف بابتسامة:- شكرا يا عم سمعه
ذهب الرجل وترك الشباب يقفون بالصالة فجلس آسر على أحد الأرائك غير معنيا ببساطة الاثاث حوله بينما اتجه يوسف لاحد الغرف وقال:- جعااان نوم
نظر جاسر لرعد وقال بضحكة:- تعالى نتفرج على المتحف ده
توجهوا للمطبخ بجانبهم فرأى جاسر "بوتجاز" أبيض اللون بثلاث عيون مثلثية وقال بضحكة :- أنا شوفت البوتجاز ده في فيلم قديم ، هو لسه موجود منه
رعد بتحذير:- خلي بالك البوتجازات دي ممكن لو استخدمناها غلط هتفرقع في وشنا
نظر للثلاجة ذات الباب الواحد وقال :- البيت ده ستيناتي أوي ، أيام الطربوش
ضحك رعد وقال:- لا عادي أنا متعود ، لما بسافر رحلات التصوير في الجبال بعيش في اماكن اقل من كده..
خرجوا من المطبخ ضاحكين ودلفوا لغرفة يوسف بينما ظل آسر جالسا بالصالة ويعطي للنافذة ظهره..
انتظرت سما حتى ابتعد الفتيات عن السور ضاحكين عن المشهد الهزلي لسقراط بينما راقبت آسر من النافذة والتقطت حجارة صغيرة والقتها وهي تدعوا:- يارب ما ترشق في افاه يارب ، انا عايزاه ينتبه بس.
القتها بقوة حتى سهمت الحجارة بموضعها الصحيح بمنتصف عنقه فأختبأت سما بمزيج من الضيق والضحك :- !!
انتفض آسر إثر الضربة المفاجئة واستدار يبحث عن من فعل ذلك ولم يجد احدا ، فر بغيظ وقال:- من أولها كده ؟!
بينما بغرفة يوسف...قد بدل ملابسه لملابس بيتية رياضية حتى رمقه رعد وقال بتساءل:- مافيش غاز هنا ، في أنابيب ،مين بقى هيتولى الموضوع ده
أشار يوسف بضحكة الى جاسر وقال:- تايسون..جاسر طبعا ههههه
حدق جاسر بذهول وقال:- أنا اشيل انابيب ؟! أنت مجنون صح؟؛
اقترب يوسف وقال له:- اللي بيشيل أنابيب هنا بيسقفوله ،جرب واتأكد بنفسك ، حميدة مأكدالي
زم جاسر شفتيه وهتف بإعتراض:- مستحيل
*****
بباريس..
ظلت للي تنتظر أي ظهور له ولكنه اختفى تماماً ،فكرت كثيرا أن تتصل به على هاتف الغرفة ولكنها مقتت وضع نفسها بهذه اللهفة ، ربما يعتقد بها شيء خطأ ، قررت الهبوط للحديقة لتجدد هواء رئتيها..سارت بذات الطريق وبمساء مشابه لهذا المساء ...لم تعرف لما سقطت دمعة من عيناها اشتياقا له ، هل يعقل أنها احبته ؟!
بهذه السرعة؟! ولكن أن كان للكره مفعول سريع فلما لم يكن للحب أيضا!! لما قابلته بذالك اليوم ولما تعلقت به لهذه الدرجة الخطيرة!؟
اليوم كانت الحديقة خالية اكثر من ذي قبل والطقس به رفة باردة لفحت وجهها برعشة ، جلست على أحد المقاعد ولم تحتمل فكرة أنه نسى وجودها فامطرت عيناها دموع حتى على حين غرة جلس بجانبها وبيده معطف جلدي وقال وبعيناه نظرة شوق شديدة:- عاملة ايه؟
رفعت رأسها اليه ببسمة سرعان ما تبدلت لنظرات عتاب فنهضت بعصبية وقالت:- كويسة
نهض ووقف أمامها قائلا بإعتذار خفي :-أنا مكنتش في الفندق ، كنت في شغل بعيد عن هنا ، خلصته ومعرفش أزاي وصلت لهنا
هتفت بعصبية دون أن تدري:- طب كنت قولي؟!
ابتسم بتسلية:- مكنتش أعرف أن يهمك أمري للدرجادي..حقك عليا
إلي هنا ينتهي الفصل الثامن من رواية إمبراطورية الرجال
رواية إمبراطورية الرجال
الفصل التاسع/العاشر
_مكنتش أعرف أن يهمك أمري للدرجادي..حقك عليا
بترت كلمتين جميع سطور الألم بمقلتيها..كسفت الدموع وتبقت اللمعة المتلألأة بمؤق العين..أكان يجب أن يبتسم بحنان وهو يقل ذلك؟! القلب إليه وعليه..يا دقة خرجت عن مسارها وخلخلت إتزان القلب المعذب بوحدته لسنوات..تشع عيناه دفء وتشع عيناها حياء فأكتملت لوحة العشق لآدم وحواء..
ابتسمت..تهربت من عيناه....بأنفاس تتلاحق من طيف ابتسامته..كأن الليل يدعوهم للسير تحت سحره..فسارا بطريق الحديقة المزهرة..يا الله ما به قلبها؟! أم أن إئتلاف القلوب قدرٍ مكتوب..كأنها المراهقة ذات الجدائل تسير وهي تتمنى أن لا ينتهي الطريق برفقة من تحب..الأمير الأربعيني..
كأنه أبقى ابتسامته إليها فقط!! لم تزر ملامحه العبوس برفقتها ، قال وكأنه يحدث نفسه:-
_ من سنين كتير ، تقريبٌا عمري وقتها كان ٢٧سنة..كنت خاطب
طيف إمرأة بالماض عكر صفو اللقاء ،اكان عليه ذكرها ؟ أم تذكرها رغما؟ قــــالت بوجوم :- كنت بتحبها؟
سومها بنظرة جانبية سريعة ، سرق من عيناها بيان الغيرة ، يتصيد مشاعرها وهي تعترف بخفاء!! ما أخطر من رجل يستطيع ترجمة مشاعر الأنثى..أجاب بصدق بعدما ظل دقيقة صامتاً:-
_ عشان اكون صريح وواقعي..هعترف أني كنت بحبها ، وقتها
وقفت "للي" فجأة وتطلعت اليه بسيل من الضيق والحيرة من إجابته فتساءلت:- يعني إيه وقتها؟!
تحركت عيناه على وجهها بطيف تسلية من عصبيتها وقال بجدية:- يعني كل عمر وليه دقاته..اوعي تفتكري أن القلب مالوش سن!
للي بتعجب:- القلب خارج نطاق الزمن
تعمق وجيه بنظرته لعيناها وكأنه ينقشها بين كلماته فقال:- بس مش خارج نطاق التجربة والأيام..حبيتها في العشرين بس بقت غريبة في الأربعين وكأنها ما مرتش على قلبي بيوم!!
سارت مجددا واخفت بسمة رفت على ثغرها ولكن هيهات ، كيف تخفي وهو سرق النبض اليه!! قالت للي :- كمل
أخذ من اجابتها المختصرة هدوئها ، وطمأنتها ، فتابع:- أخواتي الأربعة سافروا ، كل واحد بمراته ، سافروا يحلوا مشكلة لأخويا الكبير بس وهما راجعين الطيارة انفجرت بيهم وماتوا كلهم ، سابولي اربع اطفال اكبر واحد فيهم كان عنده ١٢ سنة ، اعتبرتهم ولادي بس خطيبتي أصرت تبعتهم مدرسة داخلية بعد ما نتجوز ، بالنسبالي ده كان مستحيل ، دول ولادي مقدرش ابعد عنهم ، فسخت الخطوبة مع أصرارها على قرارها..وكل شيء انتهى.
سرت رجفة الم لما قاله بينما طرحت سؤال كان بعقلها، أم تراه بقلبها؟!..قالت:- وارتبطت بعدها؟
هز وجيه رأسه بنفي وأجاب بصدق:- بصراحة لأ ، وقتها حسيت أن كل مشاعري كانت زي برج على الرمل ، اتبنت بإحساس أشبه بالسذاجة ، عشان كده أنا مرتاح أننا مكملناش ، حبيتها شاب في العشرين بس ماهزتنيش في الأربعين!!
قالت للي بإهتمام خفي:- وإيه اللي ممكن يهز قلبك في الأربعين؟
تنهد وجيه ثم رمقها بمكر سريعاً وقال:- الطبيعة
انكمش حاجبيها بعدم فهم فقالت :- مش فاهمة ؟!
أجاب وجيه ببسمة طفيفة:-
_ الطبيعة يعني انسانة طبيعية ، رقتها صادقة ، حنيتها صادقة ، مشاعرها صادقة وواضحة ، مالهاش في شطرنج التلاعب بالمشاعر..عشان عشق الأربعيني ده أسطوري..
شعرت بلفحة برد ، ليست منبعثة من النسمات وانما من مشاعرها ، ابتسمت بشرود وهي تسير بالطريق برفقته..
****
باليوم التالي..استعد الفتيات صبيحة يوم الخميس للذهاب إلى العمل..بينما في أثناء خروجهم تفاجؤوا بجاسر وهو يقف أمام السيارة ذات الإيطار المثقوب..كتمت جميلة ضحكتها وقالت:- البقاء لله
التفت لها وهو على علم بكم الشماته التي تغمرها فقال:- ما تروحيش على المكتب ،روحي على الموقع
قالت بنبرة تظهر السخرية:- كنت هعمل كده عشان بكرة الجمعة أجازة العمال..هتعمل في المرحومة دي ايه؟!
قالتها وهي تضحك بينما قالت حميدة بأسف:- ما تزعلش ، أنا هقول لأبويا يرجعهالك عروسة ،اكيد عيال الحته اللي عملوا
تركتهم حميدة ودلفت للداخل تخبر أباها عن السيارة فخرج بذلك الوقت الثلاثي الشباب وكلا منهم يحدق بالسيارة في صدمة ،تمتمت سما بعبوس وقالت:- يخربيت أي حاجة تزعلك يا أسورة
وكزتها رضوى بغيظ وقالت:- لمي نفسك على الصبح يابت
مطت سما شفتيها بضيق وقالت بهمس:- مابحبش أشوفه مكشر
نظر رعد للسيارة بعصبية وقال:- هروح شغلي أزاي دلوقتي؟! أنا ماروحتش امبارح بسبب العملا بتوعكوا ؟!!!
أشار له آسر ليهدأ وقال:- تاخد تاكسي مافيش مشكلة..
خرجت حميدة ومعها الأسطى سمعه بعدما أخبرته بالأمر فقال أسفا:- سيبوهالي وأنا هصلحها..
ابتعد جاسر بنفاذ صبر ورمق آسر ويوسف بنظرات غاضبة فقال يوسف :- تعالوا نشوف أي حاجة توصلنا للمكتب ونسيب العربية لعم سمعه..
***
مر خمسة عشر دقيقة...*بأحد الميكروباصات الشعبية*
جلس الأربع فتيات بالمقعد الأخير بالعربة بينما جلس الرباعي الشباب بمقعد ما قبل الآخير المنفصل عن بعض بمساحة للمرور..قالت جميلة بخبث :- تعالوا يا بنات احكيلكوا حكاية الأرنب الحيران
رمقها الفتيات بتعجب فضحكت سما قائلة:- بقيتي هايفة أزاي كده ليه؟!
ابتسم آسر وحاول أن يخفي ابتسامته بينما تطلعت حميدة بدهشة لجميلة وهي على يقين أنها ليست بتلك السذاجة وانما بالأمر شيء خفي فقالت جميلة بقصد سماع جاسر :-
_كان في مرة أرنب بعضلات ، لكن دماغه اد النملة ، وكان بيشتغل عنده ناس كتير...
قالت سما بتعجب واندماج:- كان غني بقى !
وافقتها جميلة وتابعت بضحكة :- جه في مرة يا بنات وعربيته بــاظت ، معرفش يروح الشغل ، كان متغاظ
سما بأندماج:- وبعدين وبعدين ؟
نظر رعد لجاسر بضحكة مكتومة بينما اكفهر وجه جاسر وهو يتمتم بتوعد فأضافت جميلة :- كل ما يتغاظ اكتر كل ما الفراشة تضحك عليه اكتر واكتر ، كاااابسة
قال جاسر بسخرية:- فراشة من أي اتجاه !!
قالت سما ببراءة:- ليه الفراشة ما تقرصهوش الأرنب العبيط ده ؟
اجابت جميلة وهي تنظر لرأس جاسر ذي الشعر الأسود الكثيف بنعومة فائقة وقالت:- قريب أن شاء الله.
******
بغرفة "للي" بباريس..
وضعت سها فنجان قهوتها على المنضدة ، فقد أتت منذ ساعة تقريبًا وروت لها للي كل شيء فهي صديقتها المقربة فقالت سما مبتسمة :- وبعدين ؟ لما قالك كده قولتيله ايه؟
ارجعت للي ظهرها الى المقعد وقالت بنظرة حالمة:- هرب كلامي مني ، كل حاجة فيه مختلفة ، هدوئه ، وصوته ، ونظرته..الانسان ده مش طبيعي !!
سها بحيرة:- اعتقد حد بالشكل ده لما يقرر يرتبط مش هيفكر كتير ، ماحستيش بتلميحات ولا حاجة؟
للي بابتسامة:- حسيت أني في كل كلمة قالها ، بس هو تقيل ، من كلامه فهمت أنه بيدي لكل شيء حقه ، اكيد مش هيصارحني على طول..انا عايشة في حلم بيتحقق !
سها بقلق:- اللي مخوفني وجود حسام هنا ، طالما جه وراكي مخصوص يبقى مش بالسهل يسيبك في حالك ،خلي بالك من نفسك.
احتدت نظرات للي بعصبية وهتفت :-
_ وجاي ورايا ليه ؟ ما يسيبني بقى أعيش حياتي اللي ضيعيلي منها سنين !! منه لله
صدح صوت هاتف الغرفة فرفعت للي السماعة وقد تبدل ضيقها ظنا أن المتصل وجيه بينما كان موظف الاستقبال يخبرها بالأنجليزية أن هناك مكالمة على الأنتظار فوافقت للي على تحويل المكالمة اليها حتى انتظرت لدقيقة واتاها صوت حسام الكريه وهو يتوعد بشر:-
_ بقى بتتحديني يا للي؟! اوك وأنا قبلت التحدي..ما تفتكريش أن وجيه الزيان هيحميكي مني؟! أنا هعرف أزاي...
وضعت للي السماعة وانهت الأتصال بحركة عصبية وصاحت بأنفعال:- الحيوان لسه ليه عين يكلمني؟!
توترت عين سها وقالت:- مش قولتلك !! ربنا يستر ويبعده عنك..
*****
مرت عدة ساعات من اليوم..عادت جميلة للمكتب ظهرا بعدما باشرت مهمتها بموقع العمل وعادت..فتحت باب مكتب جاسر لتجده يتحدث بالهاتف وهو يبتسم ويبدو أنه يتحدث مع أحداهنّ ،جلست على المقعد الذي اعتادت الجلوس عليه ليقل جاسر بقصد استفزازها:- تعرفي يا توتو ، أنا من ساعت ما سافرتي وعنيا ما شافتش أنثى غيرك ، كل اللي شوفتهم غفر
حاولت جميلة ان تتجاهل حديثه بينما استطاع بالفعل استفزازها فتابع ببسمة ماكرة:- عارفة مكتبي حاليًا هو نفسه أوضة نومي سابقاً..
جحظت جميلة عينيها خلف نظارتها الطبية وهبت واقفة بإرتباك وخجل ثم خرجت بخطوات سريعة للخارج فارتفعت ضحكت جاسر ثم انهى الأتصال سريعاً..
أتت جميلة بعد مرور دقائق فرمقها بابتسامة وتسلية ،جلست وتظاهرت بقراءة أحد الملفات ليقل وكأنه يحدث نفسه :- عارفة يا جميلة أن الأوضة صغرت أوي لما بقت مكتب !!
نادرا ما كان يناديها باسمها ولم تحب ذلك منه فتابع وهو يخفي ابتسامته:- سريري كان مكان ما أنتي قاعدة كده ، يعني أنتي دلوقتي تعتبري...
قاطعته بحدة :- استاذ جاسر!! انا ماليش علاقة المكتب كان ايه وبقى ايه ، ياريت نخلينا في شغلنا احسن..
تطلع اليها بعصبية وتمتم بغيظ..
*******
**بمكتب آسر**
تعمدت سما أن تريه أنها يعتمد عليها فظلت تعمل بجدية طيلة الساعات الماضية فرمقها آسر بتعجب فكانت لا تنفك عن طرح الأسئلة والتمتمة الغير مسموعة وقال:- ماخدتيش استراحة يعني!!
أجابت سما ولم ترفع عيناها عن جهاز اللاب توب :- قدامي لسه شغل ، هخلصه وهاخد استراحة..
نهض آسر من مقعده وتوجه اليها ثم رفع اللاب توب من أمامها قائلا بابتسامة:- خدي بريك وبعدين ارجعي اشتغلي ، الشغل مش هيطير
أشارت للجهاز بتفاجئ:- طب هكمل طيب!!
هز آسر رأسه بإعتراض:- قلت لأ ، اعملي اللي بقولك عليه
نهضت بابتسامة خجولة وقالت :- في ينسون وفي قهوة وفي سحلب...أشرب ايه؟
اتسعت ابتسامته وحقا هذه الفتاة تثيره للضحك وقال:- اللي يعجبك ياسما هو أنتي هتاكلي وتشربي على مزاجي!!
قالت بابتسامة:- لا يعني باخد رأيك ، مش أنا سكرتيرتك ؟
ضحك وظهرت اسنانه البيضاء فرمقته بدقة قلب يخفق بداخلها فقال آسر بضحكة :- أشربي ينسون
هزت رأسها بموافقة وهي تبتسم ثم ذهبت من أمامه بنظرات خجولة..قال مبتسما :- طفلة!!
*****
**بالأستقبال**
اخرجت حميدة ورقة من الطابعة الالكترونية التابعة للحاسب الألي ثم وضعتها بأحد الأوراق بينما تفاجئت بأحد العملا وهو يدلف للمكتب..رمقها بتفحص واقترب منها فتعجبت من مجيئه ورحبت به ليبدأ العميل استفساره عن احد الأشياء فأجابت حميدة بلطف:-
_ لما يوصل مستر يوسف تقدر تسأله في الموضوع ده ، هو هيوصل بعد دقايق..
قال الرجل بابتسامة:- شكرا لذوقك جدًا ، بس كده هضطر استناه على ما يوصل.
دلف يوسف للمكتب بعد دقائق وتعجب من وجود أحد العملاء الذي استفسر منه عن بعض الأشياء ثم رحل..التفت يوسف لحميدة متسائلا:- هو مش انا اتكلمت معاه آخر مرة وفهمته على كل شيء ؟! دي تاني مرة يجي فيها واقوله نفس الكلام!!
نظرت حميدة لحدته بالحديث وقالت:- وأنت بتزعقلي ليه وأنا مالي؟!
جلس يوسف بملامح عابسة ووضع الطعام امامه على المنضدة ، جذب الطعام اليه ولا زال العبوس قائم بتعابير وجهه فنهض بعصبية وقال :- وبيقولك يا انسة حميدة ليه هو مش أنتي اسمك حميدو؟! وربنا ما انا واكل
تركها وذهب مبتعدا لجهة المطبخ ، ظلت حميدة تنظر بجمود أمامها بمحاولة استيعاب حتى ظهرت ابتسامة على شفتيها بالتدريج ، ضحكت وهي تضع يدها على فمها وانتظرته حتى أتى بعد دقائق..رمقها بإنفعال حتى نهضت ووقفت أمامه قائلة وهي ترفع ايطار نظارتها بابتسامة :- طب أنت زعلان مني ليه دلوقتي ؟ ده أنت رفضت تاكل يا يوسف ودي كارثة!
الحقت جملتها بضحكة فزم شفتيه بغيظ وقال:- لأن شغل العملا معايا وأنتي سكرتيرتي المفروض ، يعني من نفسك كنتي قولتيله يكلمني أنا..
قالت بابتسامة وهدوء:- والله قلت كده وهو قال هيستناك..
هرب بنظرته بإتجاه آخر ثم قال بعصبية :- ماشي..أنا مش هسيب المكتب تاني
قال لتستفزه:- طب والأكل مين هيجيبه؟!
رفع حاجبيه بغيظ وأجاب:- هبعت عم مرزوق يجيبه
مر من جانبها وجلس بينما ودت لو تقفز ضاحكة...
*****
**بمكتب رعد**
انهت رضوى مناقشة المشروع الجديد والحسابات التفصيلية له ثم شعرت بالاجهاد فلا إراديا خلعت نظارتها لتمسح عيناها ، قال رعد وهو يعطيها الملف :- الملف ده ا.....
صمت مضيقا عيناه حتى ادركت رضوى الوضع وارتدت نظارتها بأسرع وقت ، الأمر لم يأخذ ثوانِ بينما ظن أنه توهم بشيء فعاد قائلا:- احنا كده خلصنا شغل النهاردة...همشي أنا بقى اخلص شغلي التاني..
التقط رعد حقيبة الكاميرا وأشار لها ملوحاً بالسلام وترك المكتب ، تنفست رضوى الصعداء وقالت :- مخدتش باله الحمد لله ، النظارة مغيرة شكلي مليون درجة..
*****
بعد مرور يوم العمل...بالمساء..
هذا المساء مر قلبهنّ بشيء من الإرتباك ، حتى جميلة بدأ شيء يغزو قلبها المحصن ضد الحب ، جلست على احد الأرائك بغرفة السطوح وقالت لنفسها سرا:-
_ أوعي العند ياخدك لمكان تاني يا جميلة ، ماتنكريش أن في حاجات فيه عجباكي ، وشداكي ، لكن ده دنيا تانية غيرك..خليكي بعيدة احسن..أنتي تستحقي احسن من كده
بينما ضمت سما أحد الوسائد وهي تدندن مقطوعة غنائية:-
_ كان يوم حبك اجمل صدفة يا آآآآسر ، لما قابلتك مرة صدفة يا آآآسر...ياللي جمالك اجمل صدفة..
قالت بصوت مسموع وهي تضع ساقٍ على ساق :- صمم أني اخد الاستراحة واروح اتغدى ، مهونتش عليه يا روحي
لم تعنفها حميدة هذه المرة بل كانت هائمة بعالمها الخاص وقالت :-
_ التنين حس بيا ، ده رفض ياكل من الغيرة..يوسفي
رمقتهم رضوى بضحكة عالية وقالت :-
_ كلكم بقيتوا سما الهبلة ليه كده ، انا هقف برا اشم هوا احسن
خرجت رضوى بضحكة ولم تنتبه لوجود أحدهم على السطوح المقابل ، لم تأخذ أي تحذير لإرتداء حجابها بل كانت ترتدي بجامة وردية ببنطال قصير..
وقف رعد يتأمل المكان حوله بتمعن تحت ضوء القمر ، رفع الكاميرا عندما لمح احد الطيور يقف على سور عالي مواجه له..ثبت الكاميرا عليه ليجد ظل يقف بالقرب..تحركت عيناه للظل ليتفاجئ بفتاة تدلى ضوء القمر على شعرها البني القصير وبشرتها الخمرية..تسمرت عيناه وهو يحاول التقاط ملامحها بتقريب العدسة ولكن بعد المسافة اعاقه...ابتسم وهو يرى التفاتها بضحكتها العالية ويبدو أنها لم تراه بعد...
اقتربت رضوى من السور لتتجمد وهي ترى ذلك الذي يحمل كاميرا ويوجهها اليها ، لم يكن جدال في انه هو ..جف ريقها واسرعت تختبئ بأحد الصناديق الخشبية وحجب الظلام رؤيتها بعد ذلك..ابعد رعد الكاميرا عن عيناه بغيظ وقال:- راحت فين؟! ومين دي؟
راقبته رضوى من بعيد وهي تبتلع ريقها بقلق حتى اختفى رعد وتسللت لداخل الغرفة مرة أخرى وتمنت أن لا يخمن من تكون..
*****
بباريس...
هذا اليوم وافق عيد ميلاد الفندق المقيم به كلا من وجيه وللي..لم تكن اتصالات بينهم بمواعدة اللقاء ، بل كان لقائهم مصادفة وهذا يعد اجمل وأكثر شاعرية..استعدت للي لحضور الحفل بعدما أتى اليها مدير الفندق صباحا مثلها مثل بقية النزلاء ودعاها لحضور الحفل..ارتدت فستان من الدانتيل الفيروزي الذي كان جحيم من الفتنة بمزج شعرها الفحمي على اعلاه..
بينما قلبها يعرف لمن تتزين..خرجت من الغرفة واستخدمت المصعد لنزول الحفل..لم تعتقد أن الحفل سيكن بهذا الازدحام!!
كانت تمر بصعوبة والاصوات العالية تكاد تصم آذانها ، يعد ضربا من الجنون أن فكرت أن تبحث عنه في هذا الأزدحام!! بل من المستحيل البحث عنه..ترتفع الأصوات بلغتها الفرنسية حولها وتعلوا المقطوعات الغنائية..نظرت حولها بضيق شديد فهي منذ الأمس لم تراه والآن لا يبدو أنها ستراه..قررت الخروج ولكنها توقفت حينما تذكرت تهديد حسام بالصباح...ماذا تفعل اذا ؟ ولا يجب أن تتصل به أيضا فهذا سيبدو غير لائق تماماً..فكرت في شيء وعادت ادراجها للمصعد بينما فتح المصعد لتراه أمامها بحلة سوداء فائقة الأناقة..ترددت في الابتسامة بينما لم يتردد هو عندما رأها بهذا الجمال..تساءل:- كنتي هترجعي أوضتك ؟
أجابت بإرتباك:- الحفلة مزعجة أوي وأنا مابحبش الجو ده..
القى وجيه نظرة حولها وهز رأسه موافقا:- عندك حق..
ودت لو تقف أكثر ولكن لابد أن تضع قدما للكبرياء بينها وبين هذا الرجل الماهر في تصيد ما تخفيه..قالت:- بعد اذنك
دخلت المصعد فتفاجئت أن عاد ووقف بجانبها ، اخفت ابتسامتها بينما قال بنظرة ماكرة:-
_ مافيش حاجة في الحفلة تخليني احضرها
قالت دون أن تنظر له:- بس شكلك كنت هتحضرها !!
وضع احد يداه بجيب بنطاله وقال بخبث:- كنت بس غيرت رأيي
فتح باب المصعد للطابق الذي به غرفهم ،خرج ولكنها لم تخرج فاستدار بتعجب وقال:-
_ غيرتي رأيك ولا ايه وهتحضري الحفلة؟!!
هزت رأسها بنفي وقالت وهي تضغط على احد الازرار للصعود :- لأ ، في كافيه فوق خالص ، مدير الفندق قالي عليه الصبح وهو بيعزمني على الحفلة..
غلق باب المصعد بينهما فاتسعت ابتسامتها وهي تراهن على مجيئه خلفها...
كانت على صواب عندما صعدت الى هنا فهي بأول الخطوات داخل مقهي خشبي بمقصورات منفردة وكأنه خصص للعاشق ، كانت السماء تهب بنسمات رقيقة على المقهى..بعض الظلام يحاوط المقاعد والشموع تنير الطاولات ، نظرت بابتسامة حالمة فحتى لو جلست بمفردها فالمكان رائع..اتى صوته خلفها قائلا بدفء:-
_ اجمل شيء شوفته في حياتي
استدارت له بنظرة تاقت لرؤيته ، لمحت من عيناه أنه يقصدها ، هي وليس أي شيء آخر ، أشار لها لأبعد الطاولات انفرادية..جلست ببطء. وجلس أمامها وكان الصمت هو فاتحة الحديث..
قال بصدق وبنظرة دافئة:- أول مرة احس أني عايش
تلاحقت أنفاسها بشدة..فتساءلت:- أول مرة؟!
هز رأسه مؤكدا وقال:- أول مرة..ومن يوم ما شوفتك
جف ريقها وانتفض جسدها بارتباك شديد فنهضت من مقعدها وابتعدت حتى تستطع التقاط أنفاسها ، لحقها واوقفها ، وقف خلفها قائلا:- للي..تتجوزيني؟
💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖
- الفصل العاشر
ايطلب القلب من نبضه الخفقان؟! أم تستأذن الحياة لتُحيينا؟! كأنه يطلب شيء بالأصل كان من حقه!! وكأن الحياة تطلب هوية أسامينا!!
هكذا شعرت..وقفت ترتعد إرتعادة خفية..إرتعادة عشقية..وصلت الأمل بالأماني فجعلتها برؤى الأعين..دق ناقوس العشق بصوته..فرفرفت اجنحة طائر قلبها الصغير..لم تستطع النظر إليه وهي لم تقو حتى على الالتفات !! رأف العاشق بصغيرته ووقف أمامها متعمقاً بعيناها..رمق ظل دمعة تختال بطرفات العين..عين طائره الصغير..عيناها هي..فابتسم!!
الرجل الذي يبتسم عند دموع المرأة إما رجلا قاسِ..أو رجلاً خبير ،وذاك الأربعيني تبدو عيناه هي حصن قلعته التي تخفي مكره..وأساطير مخطوطات العشق النادرة..حقا عليه أن لا يرضى بنصفا آخر عاديًا..فهو رجل يستحق أن يُعشق بكل ما أوتي القلب من دقات..
حبست تلك الدمعة التي كادت تنخر بقايا الثبات وتطلعت اليه بحيرة..ايبتسم لدموعها؟! حقا غريب!! قالت عاتبة:-
_بتبتسم عشان ببكي؟!
هل مررت بتجربة عناق النظرة؟ دفء يحاوط تلك الهالة بعيناه وكأن الآمان بقلبه فقط..ظلت الابتسامة على نسبتها ولكن عيناه جنت رقتها..فأرغمت تلك التي تابت عن العشق أن تفتح أبواب القلب على مصراعيها..فالتقتطت عدوى ابتسامته..أجاب بهدوء:-
_ لأن دموعك أكتر من كلمة موافقة..عارفة تستاهلي عليها ايه؟
أحبت ذلك الاستحقاق..فهي استشعرت من عيناه الإجابة ، ربما لو لم يكن من الخطأ وغير الجائز لأرتمت بين ذراعيه تخبره أنها أصبحت ملكه للأبد..وقفت تتوسل لقلبها أن يتمهل في لُهاث نبضه..قالت بصوتٍ ناعم مع نغمة ابتسامة على وتر العشق تتمايل:- إيه؟
زفت ابتسامته اعلان ماكر ، مختبئ كالصائد الخبيث ، هي لا تعرف بأي قلب سكنت ، وبأي رجل اربكته عشقا منذ أول لقاء ، هي لا تعرف بعد أنه مقاتل في العشق وكأنها بلاده الضائعة التي عادت تحت ظل ولايته..أجاب بصوت به توعد ماكر:-
_ هأجل إجابتي لبعد الحلال
يا الله!! قلبها من هذا الرجل!!..من يسعف قلبها منه الآن!! نظرته تركض خلف نبضها بعناق..بماذا تجيب فكأنه تأكد من موافقتها !! قالت بتعجب وابتسامة:- وكأنك متأكد أني هوافق ؟!
كأنه القى بنظرته الواثقة حجر النرد بربح اللعبة على طاولة الزهر..وكأنه يعرف قبل السباق أنه السابق!! ثقته العالية بنفسه تدعو للدهش وللإعجاب..فأجاب:-
_ لو سؤال الحب كانت بداية أجابته الدموع...يبقى اتبنى في القلب مكان..مكان شبه بيتنا اللي هنكون فيه مع بعض لوحدنا..كل ما فكر أنك هتكوني ليا أخاف عليكي..
قال ذلك واتسعت ابتسامته بأشد مكرا ، فابتلعت ريقها بإضطراب ، إمرأة ثلاثينية وكأنها عادت مراهقة!! فهمت مقصده ولكنها خجلت أن تظهر فهمها..قالت بتساءل:- بتعترف أن يتخاف منك!!
صمت لبرهة ، نظر بعمق لعيناها ، قال أخيراً بصوت أقرب للهمس وهذا ما جعلها ترتجف :- خايف عليكي لأنك مش اد أحساسي بيكي ، ولا اد قلبي..هستنى ردك..
اكتفت تهرباً ، واكتفت من الأضطراب ، وغرور الأنثى أراد مجابهة ثقة آدم فقالت مبتسمة:- بالصدفة..عيد الحب بعد كام يوم..هرد عليك يومها..
ضيق عيناه ببسمة ، يبدو أنهما الأثنين يتشاركان في الثقة ، تروقه تلك الأنثى ، سلبت كل ما به من ثبات..أضافت بتساءل طرحه قلبها قبل العقل :- بس أنت لسه عارفني من قريب..من أيام!!
كان يعرف أنها ستطرح هذا السؤال ، أجاب بدفء:-
_ لما تكوني بقالك سنين بدوري على حاجة معينة وفجأة تلاقيها ، هتتردي تاخديها؟! في حاجات في حياتنا لو ما خطفنهاش من الدنيا هتضيع مننا ، وأنا مش مستعد أنك تضيعي مني..
ابتسمت بخجل وبحياء وهي تسدل نظرتها للأسفل ، لجمت قلبها أن يهتف بالموافقة فيجب أن تسير بخطا العقل والتريث ، أقلها حتى تشعل انتظاره ، ويترقب اللقاء ، فهذا هو الرجل ، اجعليه ينتظر سيجعلك بالمقام..
سارا بصمت برفقة بعضهما ، أشد ارتباك الصمت هو صمت بعد الأعتراف..لم يعترف بالحب مباشرةٍ فهذا ما تمهل به ، ولكنه أعترف بأنه يريدها هي ، هي لا غيرها ، كانت تبتسم بسعادة حقيقية ، تقسم أن صدقية الابتسامة لم تمر على ثغرها يوماً ، ولا قلبها يوما ، ولا عمرها يوماً..وقفت بجانبه بالمصعد..لم تعرف لما ازداد ارتباكها! هل لأن خاطرة مرت تقل لها بضحكة أنها ستكن بمفردها يوما معه وزوجته؟! ستوافق..ستوافق بالتأكيد ، وهذا البُعد ليس الا مؤقتا وستكن له للأبد..تصبغ وجهها بحمرة شديدة ، تناقضت مع شعرها الفحمي ذي الموج..رمقها بمحبة وأراد بشدة أن تتخلل أصابعه بتلك الخصلات المتدلية ،أن تميل على كتفيه بدلال ، وأن تستقر على صدره بحميمية..ويلها من قلبه..هكذا كانت تقل آخر نظراته عندما خرج من المصعد وسار برفقتها بإتجاه الغرف..
ودت لو تركض لغرفتها وتبتعد عنه ، وودت لو تظل هكذا للأبد !! هكذا شتان لا يجتمعان سوى بالعشق..
وقفت أمام غرفتها وما أربكها أنه وقف خلفها ، كأنه ينتظر سلام مؤقت..قال بشوق:- للي..
استدارت بدقات قلب عالية ، وارتباك بمقاومة بالية..قال بمكر:-
_ المقابلة الجاية يوم الفلانتين..اشتاقيلي
ضجت عيناه بغيث من المشاعر بينما اعلن أن اللقاء الآتِ سيكن يوم إجابتها على عرضه..تعجبت من أمره! مر من أمامها وتوجه لغرفته ببساطة..وقبل أن يدلف رمقها بنظرة جميلة ، صالحت تلك الضيق من قوله..ابتسمت بالتدريج ثم قالت :- قاسي...بس وحشتني
*****
أتى اليوم التالي بصباح جديد..ووافق يوم الجمعة
استيقظت الفتيات على روية فقد أتى يوم العطلة ، تملمت سما بتثاؤب وقالت:- حد يروح يجبلنا فطار يا عيال ، ما استعشتش
اجابت رضوى بكسل وهي تدفن رأسها بالوسادة :- اتخمدي يا نيلة النهاردة أجازة..
قرصتها سما بضحكة بذراعيها وقالت:- جعانة يا سلعوة ، قومي حضرلينا الأكل يابت..وماتنسيش البصل ابو لمون..
نهضت رضوى وهي تضربها بالوسادة وهتفت :- اهو أنتي اللي سلعوة يا ايد المقشة ، وبعدين بصل ايه يا بتاااعت آسر ، والله لأقوله أنك بتفطري ببصل.
اعتدلت سما وقالت بتوسل كالطفلة:- لاااااا ، خلاص والنبي ، هقوم أنا..حتى احضر الفطار لأسورة هههههههه، بغذيه ابو عيالي
نهضت سما من الفراش وتوجهت للحمام حتى تغسل وجهها..
مرت دقائق حتى خرجت من الحمام واستعدت للخروج حتى تبتاع طعام الأفطار من بائع الفول والطعمية...
*****
استيقظ الشباب وتجمعوا بصالة الشقة البسيطة...ابتسم جاسر بمرح وهو ينظر حوله وقال:- يارب يكون اللي شايفه حلم واصحى على صوت توتو..
رمقه رعد بضحكة وقال:- توتو لو شافتك هنا مش هتعرفك تاني..
ضيق جاسر عيناه بخبث وأجاب:- لأ أنا مسيطر..مش أنا اللي اتزحلق
هتف يوسف بغيظ:- حد يروح يجبلنا الفطار أنا جعت !!
جاسر بضحكة:- أنا بخاف منك ، خايف مرة تجوع بليل تصحى تاكلنا
رمقه يوسف بغيظ وهتف:- خفيف الدم وسمج !! يلا يا تايسون روح هتلنا فطار..
لم يجيب جاسر فقد اكتفى بنظرة محذرة حتى لا يكرر يوسف الحديث..قرع الباب فتوجه يوسف اليه...
وقف سقراط بصينية صغيرة بين يديه حتى فتح يوسف الباب فقال سقراط:- الجماعة باعتيلكوا الأكل ده
نظر يوسف للطعام بشهية وتساءل :- جماعة مين؟ دااااعش؟!
اقترب سقراط من يوسف بنظرة ماكرة وقال:-
_ البت سمكة هي اللي بعتت الأكل ده لآسر..لوحده..خليها في صدرك..في سرك
فغر يوسف فاه وقال:- سمكة مين؟
همس سقراط وكأن الأمر سرا عالميًا:- سما
ضيق يوسف عيناه بغيظ وأخذ الصينية من يد سقراط وقال:- آسر ابن عمنا...يبقى الأكل لينا كلنا
قال سقراط :- غبي بس فهمان..
اغلق يوسف باب الشقة بقدميه في وجه سقراط من فرط غيظه منه ، عاد للداخل بنظرات متحمسة وهو يضع الطعام على المنضدة وقال:- سمكة بعتت الأكل لآسر بصراحة وقالت لوحده بس احنا مش هنسيبه يفطر لوحده...اقتربوااا
قال آسر بدهشة وهو ينظر له:- سمكة مين؟!
أجاب جاسر بضحكة وهو يدندن:- في البحر سمكة..سمكة
ليتابع رعد ذات الضحكة:- بتزق سمكة..سمكة
اوضح يوسف الأمر وقال:- سما..سكرتيرتك
اتسعت عين آسر ثم ابتسم بالتدريج:- هي اسمها سمكة ؟! وبعتالي أكل ليه؟! ولوحدي!!
وضع يوسف يده على كتف آسر وقال بجدية:- أنا عمري ما هسيبك تاكل لوحدك أبداً...اعتمد عليا في الموضوع ده..
أضاف جاسر ضاحكا:-
_ عيني علينا ، احنا ولاد التلاجة باين!
صحح رعد:- غسالة...غسالة يا جاسر بوظت المثل
اجاب جاسر مبتسما :- مافيش غسالة هنا ، هنغسل هدومنا في الحلل
اعترض يوسف وهو يجلس بالقرب من الطعام:- لأ في غسالة ،في الحمام
اطلق جاسر ضحكة عالية:- هي دي الغسالة؟! ام خرطوم على الجنب دي؟! عايز أقولك أني افتكرتها كولمن كبير...اتشجعت ومليتها مية امبارح بليل...
وضع يوسف لقمة بفمه وقال:- كويس..جاهزة للغسيل..هتبقى قمر يا جسورة وأنت بتعصر بعضلاتك دي..الشقى مستنيك ولازم تلبي النداء..
اطلق آسر ضحكة عالية من حديث يوسف بينما بدأو جميعهم بالطعام مع مشاركة الضحكات بينهم..
****
جلست حميدة تنظر بصمت للفتيات حول الفول..قالت بتعجب:-
_ هو ده بخمسة جنيه فول؟!
قالت رضوى بغيظ:- دي بجنيه ونص بس!!
شاركتهم جميلة في الدهشة وقالت:- ما تظلموهاش يا جماعة اكيد طفحته من ورانا..بالهنا والشفتشي يا مفجوعة
قالت سما بقلق :- الفول غلي..عارفين قدرة الفول بقت بكام دلوقتي؟!
رمقتها حميدة بغيظ:- فين المخلل الجزر يابت؟
اجابت سما بتوجس وتلعثم:- مالقيتش مخلل..جبت لفت وهعمله مخلل..توفير
وضعت حميدة يدها اسفل ذقنها وتحكمت بغيظها قائلة:- الطبق ده هنبصله لحد ما نشبع ونفسنا تتسد..ماينفعش يتاكل منه
وهتفت بالفتيات:- خدوا وضع البؤس والتقشف يا عيال
وضعت الفتيان ايديهنّ بمأساة اسفل ذقنهنّ...فصمتت سما وهي تتمتم بالدعاء حتى لا ينكشف امرها..
****
ظهراً...
خرج يوسف وآسر لأبتياع بعض الأشياء من السوق وقد سبقتهم حميدة مع سما...دلفت جميلة لترتب خزانة الملابس بعدما جعلتها سما بفوضى واضحة..حتى لمحت عبر النافذة جاسر وهو مشمر ساعديه وبنطاله ويدندن وهو يعصر أحد الملابس..
حملقت به لدقيقة ثم انفجرت من الضحك ، قلقت أن يراها دون النظارة والحجاب فأسرعت في ارتدائهما وعادت للنافذة..كلما التوت الملابس بيده تطلق ضحكة عالية..
شعر جاسر بصوت أحدهم يأت بالقرب فترك ما بيده ونظر من نافذة الحمام ليجد جميلة تشاهدة بضحكاتها..تعمدت أن يراها وقالت بضحكة:- ماتنساش تزهر الهدوم بعد العصر..ربنا يقويك يا مديري على الغسيل..اوعى الغسالة تجري على البلكونة من فرحتها بيك..
استندت على الحائط من ضحكاتها فمرر جاسر يده على ذقنه بتوعد:- بتتريقي يا كوز الدرة ؟! ماشي
اغلق النافذة بغيظ بينما عاد لما يفعله وضحك رغما عنه...وقال:- حيوانة!!
*****
بالسوق..
هتفت سما ببائع الطماطم بغيظ:- هما ٣جني مافيش غيرهم..الطماطم مفعصة
قالت حميدة وهي تنظر حولها بتفحص:- لأ وصفرا..
قال آسر بتعجب وقد رأها للتو :- بتزعقي كده ليه؟!
تسمرت سما بدهشة واغتاظت من حميدة التي صمتت أن ترتدي النظارة اللعينة ترقبا لظهورهم فجأة وقد صدق حدسها...لانت ملامحها وقالت للبائع:- طماطمك جميلة اوي يا عمو...مسكرة
نظر اليها آسر بابتسامة ماكرة بينما قال يوسف لحميدة:-
_ عايز اجيب حاجة اسمها كرفس..بس مش عارف
ابتسمت حميدة وقالت:- هجيبلك كرفس ما تزعلش
قال آسر مبتسما:-
_ ما تزعقيش كده تاني في الشارع..يا سمكة
حدقت سما به بصدمة حتى ابتعد ضاحكا وهو يسير مبتعدا منصرفا حتى يعود للمنزل وتبعه يوسف...أشارت حميدة بيدها أمام وجه سما المتجمد :- يااااابت
رفعت سما يدها واشارت لإتجاه آسر قائلة:- ده قال سمكة !! قالي يا سمكة يا حميدة..قال يا سمكة!!
هزت حميدة راسها وقالت:- آه سامعته آه
هتفت سما وهي تكاد تركض خلفه:- آآآآآسر
جذبتها حميدة وهي تكتم فمها:- هو قالك بحبك يخربيتك!!
ضحكت سما بقوة وقالت بسعادة:- مش قولتلك كلها يومين وهيقول يا سمكة!! لأ ده أنا أحضر للفرح من دلوقتي..هجيب الخشب من دمياط..
ابتسمت حميدة رغما عنها ثم جذبتها ليذهبوا بمواصلة التسوق..
*****
بصباح يوم السبت..
ترك الأسطى "سمعة" السيارة أمام باب المبنى القديم وقد أخبر آسر بهذا مساء الأمس ، بينما خرج الشباب للعمل بإرتياح أن السيارة قد تم تصليحها..
فخرج الرباعي الفتيات من المبنى المقابلة حتى وقفت حميدة بشهقة وقالت:- يالهوي!!
وقف الشباب متجمدين أماكنهم من السيارة التي ثقبت مرة أخرى حتى اطلقت جميلة ورضوى ضحكات عالية فقالت جميلة بسيل ضحكات :- العربية دي مش مكتوبلها عيش في حارتنا ، العربية بقت عارجة!!
التفت جاسر بعصبية وقال:- اكيد أنتي اللي خرمتي العجل تاني؟!
انفجرت جميلة في الضحك وقالت :-
_والله ما كنت هنكر بس للأسف مش أنا..المرة الجاية بقى
وقف يوسف بتذمر وقال:- هنركب ميكروباص تاني!!
هزت حميدة رأسها بنفي وقالت:-
_ لأ..النهاردة زحمة..هنركب الاتوبيس
إلي هنا ينتهي الفصل العاشر من رواية إمبراطورية الرجال
رواية إمبراطورية الرجال
الفصل الحادى عشر/الثاني عشر
قالت حميدة:- لأ النهاردة زحمة..هنركب الأتوبيس..
رمقت سما آسر الذي يقف لا يبالي بأحداً سوى بالسيارة العاجزة عن الحركة..
بينما جميلة كانت تضحك كلما مرت نظرتها على وجه جاسر وفهم هو أن خلف ضحكتها مشهد الأمس فزم شفتيه بغيظ..
رمقت رضوى بتوتر رعد الذي يختطف النظرات إليها بغموض..قلقت أن يكن اكتشف أمرها ولكن هناك شيء خفي يبتسم لذلك أيضاً!!
**بداخل أحد الاتوبيسات الشعبية**
، لا يوجد مقعد واحد خاليًا..فوقفت الفتيات بالممر بين المقاعد لتقل سما بغيظ:- مش كنا استنينا شوية على ما أتوبيس تاني يجي أو نلاقي ميكروباص يلمنا..
قالت جميلة وهي تستند بمقعد الكمثري الفارغ:- هنتأخر والدنيا زحمة أوي النهاردة..
تسللت رضوى من بينهنّ وجلست على مقعد الكمثرى وقالت بمرح:- أنا هقعد هنا واللي يقدر يقومني يفرجني..
تمسكت حميدة بعمود معدني فضي مخصص لذلك وقالت:- يا ترى الشباب عملوا ايه؟! احنا سيبناهم ومشينا..
لوت سما شفتيها بضيق وقالت:- اكيد ركبوا تاكسي يا بومة منك ليها..اومال فاكرين هيجوا ورانا!!
دقائق وكانت العربة على أتم الأستعداد للأنطلاق وأزدحم الممر بمزيج من الرجال والنساء حتى حملقت سما وهي ترى الشباب يصعدون العربة وعلى وجوههم العبوس..تسللت ابتسامة خفية وهي ترى آسر يقترب اليها فقالت لرضوى بتمتمة:- الحقيني هيغمى عليا يابت يا رضوى ، الحب بيقرب
ضيقت رضوى عيناها بتعجب فرفعت نظرتها للقادمين بدهشة وأجابت :- ايه اللي جابهم هنا دول!! دول نايتي على الأتوبيسات!!
ضحكت سما وقالت:- الحب بيعمل المعجزات وبيركب الاتوبيسات..
تفاجئت جميلة بالذي وقف أمامها مباشرة وكأنه تعمد ذلك..ابتسمت بتشفي وقالت وكأنها تحدث حميدة الواقفة بجانبها:-
_ لازم الانسان المغرور ياخد على دماغه يا حميدة يا ختي ، ولسه ياما هنشوف ونضحك..
رمقها جاسر وهو يجز على أسنانه بغيظ بينما قال يوسف لحميدة:-
_ مالقيناش تاكسيات فجينا وراكوا ، احنا ما نعرفش حاجة في المنطقة دي..
اجابت حميدة بتحذير:- خلاص يا يوسف أحنا حوالينا ناس ، مش وقت كلام..
تطلعت رضوى لرعد الذي كان يخشى من ارتطام حقيبة الكاميرا من الأزدحام حوله فقالت له:- هات الشنطة دي خليها معايا لتتخبط.
نظر اليها بأمتنان وقال:- تبقي عملتي فيا معروف..خليها معاكي.
أخذت رضوى منه الحقيبة ووضعته على قدميها..
سار الأتوبيس بالطريق بينما كان يقف عدة مرات كل دقائق..
وقف السائق عند احد الأشارات فأختل توازن جميلة ووقعت على صدر جاسر..شهقت بصدمة وتجمد جسدها..جف ريقها وهي ترفع عينيها المرتبكة خجلا لعيناه المشتعلة تسلية وابتسامة جريئة خفية.. قال بخفوت وضحكة مكتومة :- مرتاحة؟
رمقها بغمزة حتى ابتعدت عنه وتهربت من النظر إليه..تبدلت الأدوار وأصبحت هي التي تتحاشى النظر إليه..
ارتجفت لقربه..ليس لهذا القرب قصد منه ولكن قلقت من تسلل شيء بداخلها ، شيء تقاومه بشدة..
*****
بمدينة الحب..باريس
وقفت للي أمام نافذة غرفتها..تترقب الصباح والضياء ، يشع نور الأمل بقلبها..يشع نور الحب بعمرها..الحب كالزائر الذي يأتِ دون سابق أنذار..تساءلت..اتحب عيناه أم صوته؟! عيناه تقول الكثير ، وأن هناك شغفا بالعمر لم تختبره بعد..أحبت أتزانه ، صدقه، حتى رمقات عيناه الجريئة احياناً التي تخبرها أنه بالحب ليس رجلا عاديًا..
ختمت مدينة الحب الفرنسية على قلبها بإجتياح فارس القلب..رغم أنها تزوجت بالسابق ولكنها شعرت بشيء من الاعتزاز والدفء في أنها ستكن المرأة الأولى بعمره...قال لها تشتاق إليه فأي تعهد وهي جنت من الشوق لفراق عدة ساعات ليلية!!
أتراه مثلها يفكر الآن؟! انتبهت لصوت الهاتف الذي أخرجها من شرودها فمضت اليه ورفعت السماعة مجيبة:- الو
أتى صوت صديقتها سها وقالت:- صباح الخير يا حبيبتي
تلقت للي صوت صديقتها بابتسامة وأجابت:- صباح النور يا سها
ردت سهى وقالت:- معلش يمكن صحيتك ، بس وصلني خبر أن الشلة جاية بعد يومين..
تعجبت للي من الأمر بعض الشيء ولكنها أجابت بعفوية:- طب كويس ، بس ما اتصلوش بيا ليه؟!
أجابت سهى:- لأنهم مايعرفوش عنوانك ، وأنا ماحبتش اقولهم من غير ما اسألك
فكرت للي لبرهة فأجابت:- لأ..ما تقوليش لحد على عنوان الفندق ، أنا بصراحة مابقتش أحب اخرج معاهم من آخر مرة اتقابلنا..
قالت سها بتفهم:- خلاص براحتك ، أنا هقولهم أني ما اعرفش برضو..
اجابت للي :- كده افضل ،وعندي خبر ليكي يجنن
روت للي كل ما حدث بالامس فتافجئت سها وأجابت بتهنئة
*****
بعد وصول الشباب لمكتب العمل أخذ كلا منهم مكانه ومهمته..
جلست حميدة بالأستقبال وبدأت تفحص الحاسوب بينما اجرى يوسف عدة اتصالات..
**بمكتب رعد***
جلست رضوى تفحص الأوراق بدقة بينما وقف رعد بنظراته الغامضة اليها ، تردد في السؤال ثم قال:-
_ هو انتوا عندكم حد غريب قاعد معاكم؟!
لدقيقة لم تستوعب رضوى السؤال حتى أضاء بعقلها شيء فقالت متظاهرة بعدم الفهم:- مش فاهمة تقصد ايه؟!
قال رعد ولم يجد طريقة ليصل الى هدفه دون أن يروى ما رأه ليلا فقال:- اقصد يعني في حد عايش معاكم غيركم انتوا الأربعة؟
صمتت رضوى لبرهة بخاطرة ماكرة ، ابتسمت بخفاء ثم قالت:- آه
امتلأت عين رعد بالحماس وقال:- ها مين؟
تظاهرت رضوى بالخوف وقالت:- بردقوشة
رفع رعد حاجبيه بتعجب وتساءل:- بردقوشة !! مين دي؟!
نهضت رضوى وهي تنظر حولها بتفحص وعلامات الخوف تملأ وجهها فقالت:- اللهم احفظنا ، ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم..بردقوشة دي أخت عفرت
ردد رعد بدهشة:- عفرت!!
هزت رضوى رأسها بتأكيد وقالت :- آه بس هو مسافر الكويت
تطلع اليها رعد بصمت فتابعت :- زي ما بقولك كده ، بردقوشة دي مش بتظهر غير بليل وللناس اللي عايزة تظهرلهم بس ، هي قالتلي كده..
توجس رعد وقال:- يانهار اسود
أشارت رضوى تنفي الأمر وقالت:- لا متخافش ، مش بتأذي خالص دي دايمًا بتضحك وطيبة جدًا
وافقها رعد وقال:- آه عارف ، شوفتها بتضحك ، حسيت أن فيها منك؟! هو مش عارف أزاي بس حسيت
اخفت رضوى ابتسامتها وقالت:- هي بتحب تتشبه بالناس اللي بتحبهم..يعني لو حبتك هتبقى شبهك أو هتحب اللي أنت بتحبه..بس أنت شوفتها فين؟!
شرح جاسر الأمر لتقل رضوى بتأكيد:- ما تطلعش بليل لوحدك تاني..هي مش مؤذية خالص بس عشان ما تتعلقش بيها..
عبس وجه رعد وقال :- تصدقي حلمت بيها امبارح!! بردقوشة
نظرت رضوى للأوراق وبالكاد كتمت ضحكتها..
*****
**بمكتب جاسر**
تفحصت جميلة اجندة التقارير الذي اخذتها من موقع العمل ، أو ربما أرادت التظاهر بذلك...بينما جلس جاسر امام مكتبه وهو يطبطب على صدره ببسمة ماكرة وقال :- جميلة
لم تنظر اليه واكتفت بالأجابة:- ايه؟!
قال بضحكة بقصد استفزازها:- هركب الأتوبيس كل يوم معاكم
رمقته بغيظ ولم تجيب فتابع بخبث:- الاتوبيسات مفيدة للرئة
اطلق ضحكة عالية فقالت لتغيظه:- والغسالات مفيدة للعضم
قلدته وهو يعصر الملابس فضحكت رغما عنها..تحرك من مقعده أمامها ، ووقف قائلا:- مش هتستفزيني
رفعت نظرتها له وقالت:- ومش في بالي استفزك اصلا ، عايزة اكمل مراجعة التقارير بعد اذنك.
عادت لفحص الاجندة فضغط على أسنانه بغيظ من عدم اكتراثها به..لم تفعل إي فتاة مثلما تفعل وهي اقلهن جمالا!! ورغم ذلك استفزت كبريائه وغروره لدرجة عالية...
******
***بمكتب آسر***
دلفت سما وبيدها يدها كوب من القهوة ووضعته على طاولة التصميمات قائلة:- عملتلك القهوة بنفسي ، حسيت أن قهوة عم مرزوق مش عجبتك
رمقها آسر بشكر وابتسامة:- بصراحة آه ، وكمان عايز اشكرك على الفطار..مكنش ليه داعي تتعبي نفسك
جلست امامه ببسمة مرتبكة وقالت:-
_ لأ أزاي ، انتوا ضيوفنا وماينفعش ما نعملش الواجب معاكم ،وبعدين دي حاجة بسيطة يعني..
قال آسر بابتسامة:- بس تسلم ايدك ، قليل لما يعجبني اكل حد..
مكنتش أعرف أن بيقلولك يا سمكة
اشتد وجهها احمرارا وخجل فنهضت قائلة بتوتر:- هفتح الشباك عشان الهوا...
مرت سريعا من جانبه حتى تفتح النافذة بينما تعثرت قدميها بالسجادة مع كعب حذائها المتوسط الأرتفاع من حركتها المتوترة فكادت أن تسقط حتى لحقها آسر واسندها بالطاولة فوضعت يدها على كتفيه منعا للسقوط..التقطت انفاسها من المفاجأة بجسد ينتفض بينما نظرت لقربها منه..تطلع اليها بغموض للحظات فابتعدت وهي تبتلع ريقها بخجل شديد..قال آسر بحدة:-
_ ابقي خلي بالك وأنتي ماشية !!
تعجبت من حدته !! من المفترض أنه هب للأسراع اليها قبل أن تسقط !! ومن المفترض أن يكن نبرته أكثر رقة !! قالت معتذرة:- أسفة بس الجزمة كعبلتني ، اصلها ضيقة
ابتسمت ابتسامة واسعة بمرح جعلته يبتسم رغما عنه..
******
***بالأستقبال***
قال يوسف بعتاب:- ما افتكرتنيش بعلبة تونة يا صاحبي..صاحبتك بعتت لأسر فطاااار
حملقت حميدة به بذهول فقالت بعدم فهم:- يعني ايه؟!
روى لها يوسف كل شيء فجزت حميدة على أسنانها بغيظ ثم تظاهرت بابتسامة وقالت:- لأ الفطار ده ليكم كلم طبعا..طبعا
ابتسم يوسف وقال:- بصراحة تاعبينكم معانا ، مافيش داعي تتعبوا نفسكم زيادة والله..
ابتسم حميدة بفيض من الغيظ وقالت:- لأ ازاي ماينفعش..
دلف ذلك العميل للمكتب مرة أخرى ووقف أمام مكتب حميدة وقال:- معلش جيت من غير ميعاد بس كان في حاجات عايز أسأل عليها..
قال يوسف بغيظ:- طب ما تسألني أنا !!
تظاهرت حميدة بالانشغال بالعمل بينما كانت ترمق يوسف ببسمة جاهدت كي تخفيها...تمنت أن يكن هذا بدافع غيرة الحب ولم يكن خلفه غيرة الصداقة!!.
******
بعدما انتهت من طعام الأفطار..جلست أمام شاشة التلفاز..عبثا كانت تريد ابعاده عن فكرها ولو قليلا ولكنها لم تستطع..دق الباب فنهضت كيف تفتحه...تلقت من خدمة الغرف رسالة ورقية بمغلف أزرق اللون..تعجبت !! أخذته واغلقت باب الغرفة ثم همت بفتح المغلف...ورقة مطوية على جوانبها ، بها عطر فرنسي مثير الرائحة..ابتسمت وهي تقرأ كلماته..
_ عارف أنك هتستغربي..بس لقيت قيمتك في أني اكتب بنفسي وابعتلك اللي كتبته.. يمكن قلبي عايش من زمن فات..لو اقدر ارجع بالزمن كام ساعة والغي حكم حكمته على نفسي أني ما أشوفكيش غير يوم الفلانتين كنت رجعت..بمنتهى الصدق..وحشتيني.......وجيه
طوت الورقة وهي تتمدد على الفراش وترفع الورقة أمام عيناها ، لافته شاعرية ، أحبتها..ضمت دقاتها..دقات قلبها..لم تكن أقل من لهفتة..ايمكن للجنون أن يصعد منذ اللقاء الأول؟! فكأنه لقاء عابرين كان وأصبح مهد العاشقين..
*****
مر اليوم..واتى المساء..
منذ أن أتت الفتيات وكلا واحدة منهنّ بعالمها الخاص ، عوالم منها الشاعري ومنها المتردد ومنها المرح..
وضع طعام العشاء والتف الفتيات على الأرض جالسين فقالت سما وهي تنظر لطبق البطاطس المقلية:- البطاطس شكلها حلو كده ! ولا أنا اللي جعانة؟!
ابتسمت رضوى وهي تفكر بمرح وتنتظر ذهاب الفتيات للخلود للنوم حتى يبدأ المرح...بينما تاهت جميلة بالفكر وظهر عليها الشرود والضيق ...قالت حميدة بغيظ لسما:-
_ ليا حساب معاكي بعدين
ازدردت سما ريقها بتوتر فيبدو أن حميدة كشفت الأمر فقالت:-
_ الله بقى!! يلا نستعشى
تساءلت جميلة بتعجب:- في ايه؟!
نظرت حميدة لسما وقالت بهتاف:- الاستاذة خدت الفطار امبارح وودته لآسر
ضحكت رضوى وقالت:- كنت حاسة والله
قالت جميلة بهدوء:- ياستي عادي ، ما تدققيش
مر الوقت وأخذت كل فتاة موضعها بالفراش..تسللت رضوى من بينهن وأخذت حجابها..فلم تستطع الاستغناء عنه وهي تعرف أنه من الوارد أن يكن رعد بالخارج..
خرجت من الغرفة واغلقت الباب بخفوت ثم نظرت للمبنى المقابل ، لم تجد احدا لبعض الوقت...لوت شفتيها بغيظ فقد اعتقدت بسذاجة أنه سينتظرها...تنهدت بيأس ثم استدارت عائدة حتى انتبهت لصوت يهتف:- برردقوشة
ابتسمت قبل أن تلتفت له ثم استدارت ونظرت له وهو يحمل الكاميرا بيده وهم لألتقاط صورة فأخفت وجهها بيدها..
ظل واقفا يتأملها بابتسامة، كأنه ينظر ليس لشبح ، لم يصدق أن تلك السمراء المثيرة تكن شبح!
لم يعرف لما ساقته قدماه وكأن ما علمه جذبه أكثر..
أشار لها ملوحا بابتسامة فبادلته الأشارة دون حديث..ظل ينظر لها محاولا طبع تلك الملامح التي تبدو مألوفة لديه...
*******
اشتاقت..وتاقت..وساقتها قدماها لذلك المقهى العلوي..ربما يروي حنينها حتى اللقاء..انتهت بإرتداء رداء مناسب من اللون الأزرق..خرجت من الغرفة وتوجهت بالمصعد للأعلى..الى تلك الطاولة نفسها...لم تتبين بالظلام من كان جالساً ينظر أمامه بشرود..
وقفت بالقرب قائلة:- طب لو الصدف جمعتنا من غير ميعاد ، ارجع مكان ما جيت ولا استنى ؟
التفت اليها بابتسامة وأجاب:- لا استني ، لأني مستنيكي
وقف أمامها..كأنه حاول يقل لها ها أنا ذاك الرجل ، ذو الهيبة ، ذو القوة..وأنتِ من تمايل القلب أمامها مرتبكاً..اقتصت من الحنين بضع نظرات فثارت دقات قلبها ترحيباً ، بصدف أحب اليها من ترتيب اللقاء...أشار لها لتجلس فهزت راسها بإعتراض وقالت:-
_ خدت من الصدفة أحلى ما فيها ، بس خلينا على ميعادنا احسن
رمقها بنظرة عاتبة ولكن بها من الأعجاب ما جعلها ترمقه بثقة وقال:- قاسية
اجابت مبتسمة:- واحدة بواحدة
ضيق عيناه مكراً ، تتحداه بالبعد وعيناها فيضا من الشوق؟! يقف عاجزا عن ضمها بين ذراعيه حتى خنق ضلوعها ! ما به؟! ايضعنا الحب بمعتقل المجاذيب؟! أم يدفعنا لهاوية الجنون؟!
قال متوعدا بشيء يخص العشاق:- اتحملي عقابي
نظرت لعيناه ، أرادت أن تضعف هذا الباهي بثقته بنفسه، أرادت أن تضعفه بالحنين والحب لتروي قلب قد أشتاق له..قالت:-
_ مش ههون عليك..ولا أنا بتهيألي؟
ابتسم..تختبره تلك الماكرة، تختبره مشاعر رجل قد نضج به الشوق وأصبح شائك العشق..أجاب:-
_ لو كان بتهيألك مكنتيش هتلاقيني هنا..
احمر وجهها وقالت بخجل :- هرجع أوضتي ، بعد اذنك
تاخذ بعضا من أنفاسه وترحل!! استدارت ببسمة اتسعت بالخفاء ، وتركته بعد دقائق..
*****
باليوم التالي...
استيقظت للي وانتظرت منه رسالته الصباحية..لم تاتي !! مر بقلبها طيف الهون والعتاب ، ايعاقبها حقاً ، ضاعت بمشاعرها سريعا في حب هذا الرجل..لم يكن ثمة مراهقة أو سذاجة في انجذابها السريع نحوه فكأنه الحب من النظرة الأولى...تذكرت ذلك اليوم ببسمة ، لم تعرف كيف نظمت قصتها الوهمية معه ذلك اليوم..
تلقت اتصال من صديقتها سها بهذا الصباح أيضا لتخبرها به عن ضرورة المقابلة لشيء هام فوافقت للي على الفور..
وضعت السماعة بحيرة ثم رمقت تاريخ اليوم...ابتسمت عندما تذكرت أنه المقابلة المنتظرة ستكن غداً...يوم عيد الحب
ايكن للحب بساط أم المنظر شيء آخر...
💖💖💖🕊🕊🕊🕊💖💖💖
- الفصل الثانى عشر
بهذا الصباح..تكرر ما حدث بالأمس وتشارك الشباب وسيلة مواصلة واحدة وهي "الأتوبيس" بينما وجدت الفتيات مقعدين شاغرين فجلست سما ورضوى بجانب بعضهما بينما وقفت جميلة وحميدة متمسكين بذلك العمود الافقي..
همس يوسف لحميدة وقال:-
_ تعرف يا صاحبي..أنا عمري ما ركبت اتوبيسات غير لما جيت الحارة بتاعتكم..ومع ذلك للأمانة أنا حاسس أني مبسوط..
تغاضت حميدة عن ما يؤذيها بحديثه بهذه الكلمة الكريهة إلى نفسها "صاحبي" وابتسمت لنصف الكوب الممتليء..قالت:-
_ اللمة حلوة يا يوسف ، تعرف رغم أن عيال الحارة بيطلعوا عيني وبينرفزوني بس بحبهم ، والشارع بيحبهم ، لو سكتوا مابيبقاش للحته طعم..الفلل اللي بتعيشوا فيها دي عاملة زي الاستراحة السيراميك بتاعت المدافن..
ابتسم يوسف بتنهيدة وقال:- عندك حق ، القصر بتاعنا ماشوفتش اجمل منه ، وماشوفتش ايتم منه!!
التفتت حميدة اليه بتعجب وقالت مستفسرة:- ايتم منه؟!
هز يوسف رأسه وأكد بعبوس اعتلى ملامحه وغصة:- آه..كل حاجة فيه بتفكرني باليتم وبأهلي اللي ماتوا فجأة ، بعمامي اللي كنت بحبهم ، حتى عمي الوحيد اللي فاضلنا طردنا وفضل وحيد هو كمان ، على اد ما زعلان منه على اد ما وحشني وقلقان عليه.
لمحت حميدة دمعة مسجونة بعين يوسف..فهجم ذلك الشعور الذي
بداخلها بأنه طفلها..طفلها الكبير..هو بالفعل كالطفل الكبير..لا يستطيع احداً أن لا يحبه..رغماعنها فرت دمعة من عيناها لأجله..وكم تمنت أن كانت زوجته الآن ، لو كانت لأخذته بين ذراعيها بضمة حنون تطمأنه أنها ستكن الأم قبل الحبيبة ، ستكن كل ما يحتاج..هكذا المرأة حين تحب..تتقن الاكتفاء..
رمقها بضيق وقال:- بتعيطي ليه بقى دلوقتي؟! إذا كان أنا جعت !!
ابتسمت وهي تهز رأسها قائلة:- مافيش فايدة فيك!!
قال بطفولية مبتسما:- أنا عارف أنك زعلان عشاني يا صاحبي..هو أنا بحبك من شوية!!
تجمدت حميدة واتسعت عيناها ، تدرجت الابتسامة ببطء لثغرها ، فقد قالها بعفوية وتعرف ذلك ، ولكن القلب طرب بمطلع الكلمة من شفتيه..
راقبت رضوى تلك الجالسة بجانبها وهي تحسب شيء على اصابع يدها بخفوت فقالت متساءلة:- بتعدي ايه يا سمكة؟!
مطت سما شفتيها بغيظ وقالت:- لغبطيني !!
صمتت لبرهة ثم قالت:- لو ٣أوض كده هحتاج كام مفرش سرير وكام بطانية يا رضوانة أنتي؟
رفعت رضوى حاجبيها بتعجب وقالت:- ليه هتتجوزي؟!
هزت سما رأسها بخجل وأجابت بابتسامة:- ايون
أجابت رضوى ببسمة مكتومة:- اوعي تقولي أنك قررتي توافقي خلاص على عطية العجلاتي..صراحة الواد مؤدب ويستحقك ،هيخيط نعل مخك المخروم ده..
وكزتها سما بغيظ وقالت :- عطية مين يا عرسة بقى أنا اتجوز واحد متجوز اتنين غيري؟! ، أنا هتجوز آسر ، احنا الاتنين بنعشق بعض في السيكرت...في السر يعني هههههه
قالت رضوى بسخرية:- ليه عاملين عاملة؟!
أجابت سما بمرح:- جريمة حب..عقبال ما اتسجن في بيته ياااارب..
وقف جاسر بجانب جميلة التي منذ الأمس وهي تتجنبه بتعمد..راقه تجاهلها واستفزه بآن واحد..رمقها بنظرة جانبية وقال بهمس ماكر:-
_ مش عارف أنتي واخدة مني موقف ليه من امبارح !! هو مش أنتي اللي وقعتي في حضني؟!
قصد استفزازها بابتسامة فضغطت على اسنانها بغيظ وقالت :- برا الشغل مالكش كلام معايا..ماشي؟
رفع حاجبيه بسخرية وتمتم:- يخربيت ثقتك بنفسك يا كوز الدرة انتي..
وقف الاتوبيس فأختل توازن جميلة وكادت تسقط على المقعد الجانبي الذي كان يجلس عليه شاب ثلاثيني ، فرد جاسر ذراعيه امامها وتمسك بحافة المقعد حتى يمنعها من السقوط على الشاب وهتف بعصبية:- أنتي رايحة فين يا حاجة أنتي؟!
توازنت جميلة بوقفتها ثم قالت بغيظ:- ما تزعقليش كده !! أنا بدوخ من الاتوبيسات..
زم جاسر شفتيه بغيظ وهتف:- يبقى ما تركبيهاش بدل ما تقعي على الناس كده!!
نهض الشاب من مقعده بتهذيب وقال لها :- اتفضلي يا أنسة اقعدي
جلست جميلة وشكرته بصوت خافت ليقل الشاب دون قصد محادثتها:- بعد أذنك الساعة كام ؟
رفعت جميلة معصمها بساعة اليد بينما نظر جاسر للشاب بعصبية وكاد أن يتشاجر معه ، تعجبت جميلة من شعورها بضحكة جاهدت كي لا تفلت منها ، فقالت له بلطف:- الساعة ٨
هز الشاب رأسه وقال:- تمام..شكراً
قالت جميلة بابتسامة لطيفة:- العفو
تنفس جاسر بحدة فاسدلت نظرتها برفة ابتسامة..لم تعرف لما شعرت بالمرح في الأمر ، ولم تعرف لما راقها عصبيته!!
راقبت سما وهي بمقعدها ذلك الوجه الشارد الذي يتطلع بعيناه للبعيد..يقف بجانب يوسف ولكنه بعيد الفكر عن ما حوله..تشعر المرأة بإنجذاب في غموض الرجل كما يشعر الرجل بتلك الجاذبية في غموض المرأة..وكأن الجاذبية قانونها مبهم غير مستبين..
الوضع بين رعد ورضوى كان مختلف عن الجميع..كان به نوع من الصداقة الخفية والظاهرة !!..والتسلل للحب لكلايهما..كان به تفهماً غامضاً ونوع من الألفة..
**بالمكتب**
دلف الشباب للمكتب فأخذ كلا منهم موضعه..فجلست حميدة أمام مكتبها بالاستقبال وبدأت فحص الأيميل الالكتروني لتلقي الرسائل بينما تلقى يوسف عدة مكالمات لترتيب مواعيد العملاء..
**بمكتب جاسر**
دلف للمكتب بملامح عصبية وجلس أمام المكتب بحركة اظهرت عصبيته..وقفت جميلة أمام المكتب وقالت:-
_ حضرتك مش بتروح الموقع خالص وده ماينفعش !! احنا هنستلم موقع جديد النهاردة ولازم تبقى موجود..
تطلع اليها بنظرة حادة ، تساءل في نفسه بحيرة ، لما تعامل الجميع بلطف سواه!! لما يستفزه هذا !! منذ أول لقاء واستطاعت أن تجابه ثقته بنفسه ، يريد بشدة أن يراها خاضعة له..وقف وقرر أن يلعب تلك اللعبة..قرر أن يعذبها ثم يترك على مد ذراعيه ويرحل..
توجه إليها بخطوات تبدو هادئة ولكن ما به من حيرة ومن إصرار على كسر هذه الثقة بها أشد من أي شيء واجهه بعمره..ليست جميلة..فليكن..ولكنها عنيدة ، واثقة ، تتحداه..ربما لو كانت جميلة وخاصعة له لكانت مثل الأخريات ولم يلتفت لها مطلقاً..
وضع يداه بجيوب بنطاله الجينز الأسود وتمدد عرض منكبيه ظاهراً بقوة ، ابتلعت ريقها ونظرت للأسفل ثم لجهة أخرى تهربا من نظرته المتفحصة بمكر..يعرف أنه وسيم لدرجة عالية..يعتز ويفخر بذلك ، ويعرف أن نادرا ما كان يجد إمرأة لا تكترث به فربما لم يرى فتاة لم تعجب به من قبل..وإن لم تقل فكان يتضح بنظراتهن..ولكن تلك المخلوقة ذات النظارات السميكة يبدو أنها لا تراه من الاساس..قال بصوت اظهر به بعض العصبية عمدا:-
_ ما تركبيش اتوبيسات تاني
أطرفت عيناها بإرتباك ، ابتسمت بداخلها سرا ، اظهرت النقيض وثبتت على ملامح الجمود..قالت مستفسرة وكأنها لا تفهمه:- ليه؟!
رمق نظرتها المتهربة بتسلية..ارتباكها اخبره أنها تلمست طريق وضعه لها بخداع..أجاب بتنهيدة:- عشان اللي حصل النهاردة ما يتكررش تاني..
رفعت نظرتها لعيناه وقالت بتساؤل أراده شيء بداخلها..تمنت أن لا يكن القلب..فإذا كان القلب اتبع ميلها..فياويلها..قالت بتلعثم:- مافيش حاجة حصلت ، أنا مش عارفة تقصد ايه؟!
اقترب خطوة إليها عمداً..فأبتعدت ذات الخطوة بتوتر..قربه مربك ، وهو أراد القرب لإرباكها..قال :- أنتي عارفة قصدي ، أنا ماحبش أنك تكلمي حد..
قطبت حاجبيها بحيرة ، كان جريئا في قوله..يبدو أنه يقصد كل كلمة!! حاولت أن لا تطرق بفكرها لشيء بعيد..اجابت بثبات:-
_ المفروض نبدأ شغل ، مافيش وقت نضيعه في الكلام..خصوصا أني مش فاهمة بتتكلم عن ايه!!
استدارت لتبتعد فجذبها من معصم يدها الى صدره وقال ببسمة ماكرة:- أنتي ليه مش عايزة تعترفي أني بوترك ، خايفة تحبيني صح؟
ضيقت عيناها بنظرة غاضبة ، وعندما ابتعدت عنه دفعته بقوة حتى دفع على مكتبه بحدة..استقام واستدار اليها بعصبية وقال:- مش هعديلك اللي عملتيه ده ، لولا أنك بنت كان هيبقى ليا تصرف تاني ، بس عموما أنا برضو ليا تصرف تاني معاكي..وبطلي تهربي مني
صفعته على وجهه بغضب ولم تستطع تمالك نفسها..فصدم وذهل مما فعلته..ادمعت عيناها وقالت:-
_ احبك أنت؟! أنت فيك ايه يتحب؟! مغرور على ايه!! وليه حاطتني في دماغك ؟! أنا بقى اقصى امنية ليا أنك تسيبني في حالي وبلاش الطريقة اللي بتتعامل بيها معايادي..أنت تعرف أني بكرهك؟
ضيق عيناه بغضب وبتر المسافة بينهم وأصبح أمامها عنوة..قال بتوعد:- لا مش بتكرهيني بدليل الدموع اللي في عنيكي ، ولا أنا بكرهك بدليل غيرتي عليكي النهاردة..وآه هتحبيني بكيفك أو غصب عنك..مش عشان انا متعود أني اتحب ، عشان أنا عايزك أنتي بالذات تحبيني..وهتحبيني
تطلع اليها بنظرة قوية ثم خرج من المكتب..صفق الباب خلفه فأهتز جسدها برعشة..ابتلعت ريقها بخوف حقيقي..ربما اعجبت به بالفعل ولكن من تحب ؟ ذلك المغرور؟! الدنجوان!! ستكن حمقاء أن تركت قلبها له...مسحت عيناها من الدموع وتماسكت بعض الشيء..
****
**بمكتب رعد**
ظلت تدرس الملفات كعادتها..وكان يرمقها ببسمة خفية بين الحين والآخر..فقال بصدق:- عايز أخد رأيك في حاجة يا رضوى.
احبت وكرهت مناداته باسمها دون رسميات..واحبت أن يشركها في بعضا من اموره..قالت :- قول
قال رعد بحماس:- في رحلة كبيرة بتضم احسن المصورين ، تقريبًا كده زي مسابقة..لسه عارف الموضوع ده امبارح..هنسافر اليونان..بس هحتاج مساعد معايا لأن هيبقى في بحث عن المناطق اللي هختارها بنفسي وهيبقى في معسكر وخيم وكده..غالبًا بختار المناطق اللي فيها جبال ومزارع خيل..
ابتسمت رضوى لهذا الحلم الجميل وقالت:- الله..يابخت اللي هيروح معاك..
تطلع اليها بابتسامة قائلا بتصريح:- ايه رأيك تيجي معايا أنتي ، انتي اكتر حد حسيت أني متفاهم معاه في الشغل ومازهقتش منك نهائي..الرحلة ممكن تكون في الجبال وكده بس صدقيني هتنبسطي أوي وهوريكي اماكن عمرك ما شوفتيها...أنا سافرت اليونان قبل كده مرتين..
فغرت فاها من الصدمة ، هزت رأسها برفض وقالت:- لا طبعا ، هو ايه اللي اروح معاك!! أنت اكيد بتهزر؟!
انكمش ما بين حاجبيه بغيظ من رفضها وقال:-
_ لا مش بهزر دي حقيقة ، وبعدين فيها ايه لما تيجي معايا هو انا هاكلك؟! أنتي شوفتي مني أي حاجة تقلقك؟!
قالت رضوى بحدة:- لأ ، بس ماينفعش اروح معاك طبعا...عيب
قال رعد بسخرية:- عيب!! أنتي محسساني اننا هنتجوز في السر!! دي سفرية شغل !!
اغلقت رضوى الملف بيدها وقالت :-
_ عارفة أنه شغل بس برضو مش أصول أني ابقى مع واحد غريب واسافر معاه كده عادي..اقفل الموضوع ده بعد اذنك..
زم رعد شفتيه بغيظ منها..ضاق لرفضها واغتاظ..
******
مرت سما أمام حميدة وهي تحمل طبق عليه فنجان قهوة وشيء آخر اخفته بيدها...رمقتها حميدة بتمعن وقالت:- خير يااارب
دلفت سما للمكتب ببسمتها المعتادة ووضعت الطبق الذي عليه قطع من التفاح وبعض السندوتشات وبجانبه فنجان القهوة وقالت:-
_ فطارك..
رفع آسر عيناه من على التصميمات ورمقها ببسمة قائلا:- بس أنا فطرت!!
قالت بخجل وابتسامة:- زيادة الخير خيرين ، افطر كويس عشان تعرف تشتغل بتركيز..
رمق آسر قطع التفاح وقال بابتسامة:- وجيبالي تفاح مع القهوة..
اتسعت ابتسامتها وقالت بمرح وعفوية:-
_ البت حميدة جابت تفاح امبارح والتفحاية دي نصيبي هههههه
ظل آسر ناظرا لها للحظات ثم انفجر ضاحكا وقال :- أنتي ضحكتك بتضحكني غصب عني..شبه ضحكة الأطفال الصغيرة
اتسعت ابتسامتها وقالت:- طب افطر بقى
قال بمرح وقد أخذه طفوليتها:- طالما كانت نصيبك يبقى هتاكلي معايا..انا مش جعان بس مش عايز ازعلك..
اعطاها بعض قطع التفاح فأخذتهم منه ببسمة خجولة...
******
بالفندق بالعاصمة الفرنسية..
انتهت "للي* من استعداها للخروج بهذا الصباح..خرجت من غرفتها وعلى يدها معطفها الجلدي نظرا لتقلب الطقس فجأة..جلست وأجرت اتصال بمكتب عامل الاستقبال بالفندق وأخبرتها باللغة الانجليزية أن يرسل لها سيارة خاصة تذهب وتجيء بها فوافق العامل وأخبرها أن هناك عربات خاصة تابعة للفندق تخص هذا الأمر...وستكن بإنتظارها خلال دقائق..انهت للي الاتصال بإرتياح..ثم جلست بتعجب وبعضا من الضيق..لم يحمل لها هذا الصباح أي رسالة منه حتى الآن!! ربما ضاق من ذهابها بالأمس ، أو ربما أراد وهج لهفتها حتى اللقاء المنتظر..
هذا اللقاء الذي يسري بروحها بفرحة كفرحة الأطفال بليالي العيد..كأن الفرحة حتى ننالها لابد أن نسير على الجمر أولا..لتنضج وتأتي للعمر بشهية تلهب القلب عشقاً..أخذت معطفها وخرجت من الغرفة..
وفي طريق السير الى منزل صديقتها بعدما اعطت السائق العنوان..كانت زاهدة عن مرأى أي جمال يمر على ناظريها بالطرق الباريسية..تمنت أن ترى الأمطار وهي بين ذراعيه..تركض وتركض وتبتسم ضاحكة ويشاركها في ذلك..ستفعل ذلك حتما..ابتسمت بمحبة وتعجبت من ممر العمر..يأت بالمفآجات دون إنذار..دون اختيار..السعادة لا تعترف بالأعمار..فقد يشيَّب الألم صغيرا وتُصبي السعادة كهلا...
وقفت سيارة أمام عربتها على بُعد مسافة ليست قصيرة ولكنها سدت طريق السير..اضطر السائق أن يقف فجأة وتلفظ بالشتائم بلغته الفرنسية التي لم تفهم منها للي شيء..نظرت للأمام بضيق حتى اتسعت عيناها بذعر وهي ترى ذلك البغيض وهو يترجل من سيارته متوجها اليها..هتفت بالسائق أن يتحرك بالسيارة لاي اتجاه ولكن السائق هتف بعصبية ولم تفهم مما قاله شيء...فتح حسام باب السيارة من جهتها وجذبها بحدة من معصم يدها فصرخت به :-
_ سيبيني يا حيوااان، أنت جاي ورايا ليه تاني وعايز مني ايه؟!
تلوت بقبضته فتطلع اليها بنظرة تفترس جسدها بشهوة وقال:- عايزك أنتي..لو تطاوعيني هتريحي نفسك وتريحيني ، فيها ايه لو نقضي كام يوم مع بعض وبعد كده كل واحد يروح لحاله؟! اوعدك مش هتشوفيني تاني بعدها..بس اشبع منك يومين
لكمته على صدره وكتفيه صارخة ببكاء وصاحت :-
_ أنت وصلتني أني ادعي على ابويا وامي اللي جوزوني في يوم لواحد مختل نفسيا..حرام عليك..كفاية اللي عملته فيا زمان جاي دلوقتي ومستكتر عليا اعيش بهدوء ومرتاحة؟! أنت مش بني آدم !!
ضحك ضحكة بغيضة..تشمئز لها نفسها وقال:-
_ وحشني العذاب اللي كنت بعذبهولك ، وحشني أشوفك بتعيطي وبتتمني الموت..اوعي تتحديني لأنك عارفة كويس أني ماعنديش مانع حتى أني اعمل جريمة لحاجة انا عايزها..وجيه الزيان مش هيرحمك مني..وعلى فكرة بيلعب بيكي ده مش بتاع جواز
دفعته بقوة وهي تلكمه بأقوى ما فيها...هتفت بشراسة:- اوعي تجيب سيرته على لسانك القذر ده ، أنت مين عشان تقارن نفسك بيه ولا تتكلم عنه؟!
جز حسام على اسنانه بعنف وقال:- اه...شكلك وقعتي في هواه..مسكينة، صدقيني هتاخدي أكبر مقلب في حياتك ، أنا مش هحاول اثبتلك أنتي هتتأكدي بنفسك..هتجيلي بنفسك يا للي وساعتها أنا اللي هرميكي..
هتفت بصراخ:- لو بدبح عمري ما هوقع نفسي في طريقك تاني..وابعد عني احسنلك لأنك مش اد وجيه الزيان ولا هتقدر تقف قصاده..واظن أنت عارف مين هو وجيه الزيان وممكن يعمل في حشرة زيك ايه!!
ضحك حسام بسخرية وقال:- انا عارف اكتر من اللي انتي تعرفيه يا حلوة ، راقبتك من ساعة ما خرجتي معاه يوم ماهربتي مني ، قريب هتعرفي مين فينا الحشرة وأني مش الحيوان الوحيد اللي عرفتيه في حياتك..سلام يا..للي
قال اسمها بسخرية..كأنه حقا يعلم ما لا تعلمه..لم تكترث لما يقله فهو حاقد ولا يروقه سعادة الأخرين ، تركها وعاد لسيارته فعادت جالسة بداخل سيارتها الاجرة..ومضت السيارة في الطريق الى منزل صديقتها سها..
وقفت العربة أمام المنزل التي تبتلت الأشجار على جانبيه..ووارفت أوراقها بنضرة زمردية..خرجت للي وقد استعادت هدوئها بعض الشيء بينما خرجت سها بمجرد أن انتبهت لصوت سيارة بالخارج..خرجت من المنزل بعجالة واضحة وصافحت للي بحرارة ثم قالت للي بحيرة:- عايزة اقول للسواق يستناني بس مش عارفة وشكله مابيفهمش انجليزي كويس وانا مابعرفش اتكلم فرنساوي كويس..رغم أني متفقة مع الفندق يستناني بس شكله هيمشي..
رمقتها سها بنظرة حائرة ثم ظلت للحظات تفكر بتردد قبل أن تقل للسائق بلغة فرنسية متقنة شيء لم تفهم منه للي اي كلمة..فبعض الجمل الفرنسية التي تتقنها لم تساعدها على فهم الحديث بالكامل..هز السائق رأسه واجاب بشيء لم تفهم منه للي أيضا ثم أخذ السيارة وذهب..تعجبت للي وقالت:- انتي قولتيله امشي؟!
اجابت سها :- لأ...هيرجع تاني بس هو رايح محطة البنزين وراجع..
هزت للي رأسها بتفهم ودعتها سها للدخول..
كان المنزل انيقا، هادئ ، متوسط الحجم، يكثر اللون الأبيض به مما يدعو للهدوء فقالت للي مبتسمة:-
_ فرنسا بقى ليها غلاوة خاصة عندي ، عشت فيها اجمل أيام
ترددت سها في الابتسامة وقالت:- ربنا يسعدك يارب
تعجبت للي وقالت:- فين العفريته بنتك مش شيفاها ؟!!
ابتلعت سها ريقها واجابت:- في رحلة تبع المدرسة بتاعتها هي واخواتها..هروح اعملك حاجة تشربيها على ما الاكل يجهز..
ذهبت سها وتعجبت للي من نظرات صديقتها الشاردة!! نهضت من مقعدها وخرجت للحديقة وهي تتنفس بعمق..ابتسمت وهي تشاهد عدد من القطط الصغيرة وهي تتغذى من حليب الام..شعور جارف للأمومة سار بقلبها..ابتسمت وهي ترى قبس من الخيال الذي يريها اطفالها من ذاك الرجل الذي سرق قلبها منذ أول نظرة..المستقبل يبتسم لها كلما تذكرته..يخفق قلبها بقوة..انتبهت ليد سها وهي توجه لها كوب من عصير الفاكهة الطازجة...اخذته للي بمرح وقالت:-
_ تعرفي يا سها أنا حاسة أني مابقتش اخاف زي الاول..قابلت المجرم اللي اسمه حسام من شوية قبل ما اجيلك..في أول لحظة حسيت برعب بس لما افتكرت وجيه معرفش القوة اللي حسيت بيها جاتلي منين...احساس حلو لما تتحامي في راجل شيفاه كل قوتك وسندك..اسمه بس خلاني مطمنة ومش خايفة..وغير أنه خطفني وسرق قلبي فهو سرق خوفي..
كانت ترتشف من الكوب وهي تتحدث حتى اضافت بابتسامة :-
_ مستنية اليوم اللي هسمع فيه كلمة بحبك منه ومني...أنا..
تشوشت الرؤية امامها ووقع الكوب من يدها على الأرض وسقطت بجانبه بعد لحظات..تطلعت سها اليها بدمعة فرت من عيناها وقالت:- غصب عني يا للي ، أنتي مش أغلى عندي من بنتي..
إلي هنا ينتهي الفصل الثانى عشر من رواية إمبراطورية الرجال
رواية إمبراطورية الرجال
الفصل الثالث عشر/الرابع عشر
هتفت سها بالخادمة حتى تأتي ، فأتت الخادمة بعد دقائق وأمرتها سها في معاونتها لنقل "للي" لأحد الغرف بالطابق الثاني بالمنزل..وتم ذلك بعد لحظـــات..
وقفـــت سها بالغرفة ونظرت لــ "للي" بأسف وآلم ثم رفعت هاتفها والتقطت مقطع فيديو قصير لم يوضح ملامح للي كثيرًا..فمن سيتعرف عليها هو من يعرفها جيدًا..ارسلت المقطع لرقم حفظته بهاتفها مسبقاً..ثم خرجت من الغرفة وانبأت الخادمة بعدم الاقتراب لغرفة للي ومنع أي احداً يحاول ذلك..خرجت من المنزل وانطلقت بسيارتها في الطريــــق..
مضى بعض الوقــــت الذي قادت فيه سيارتها وهي شبه لا ترى شيء أمامـــها..أي شيء..وقفت بالســيارة بطريقٍ خالِ قد حددت به موعــــدًا بالسابق..خرجت من السيارة بعد لحظــــــات واتجهت لقمة جبلية بصمت يملأ القلب رهبة...وهناك على بُـــعد خطوات تقف تلك السيارة الفخمة الذي يتكأ عليها صاحبها منتظرًا...مضت إليه بخطواتها المتوترة ووقفت بالقـــرب منه قائـــلة بقلق:-
_ كنت فكراك هتتأخر!!
ليس صائـــبًا أن تقُل ذلك ريما لشخص لأول مرة تراه!! ولكنّ بدء الحديث مع الغرباء يحتاج لجهد..استدار وجيه إليها متعجبًــا من خوف يثب من مقلتيها ، فأي شيء جعل تلك الغريبة تهاتفه لأمرًا عاجل خاص بحبيبته "للي" منذ ذلك الأتصال المقلق وهو لم يُفكر كثيرًا بل أتى دون تفكير إلى هنا..أجاب :- جيت قبل ميعادي كمان..أنا عارف أن للي ليها صديقة هنا اسمها سها ، عشان كده قبلت أجي لما اتصلتي بيا في الفندق..إيه بقى الأمر الخطير اللي يخصني أنا وللي؟!
ازدردت سها ريقها بينما الهاتف بيدها كان مفتوحــــاً على أتصال أجرته قبل الخروج من السيارة كان متفق عليه مع المدعو "حسام" الذي قام باختطاف طفلتها الصغيرة وأوقعها بشراك تلك الخطة الشريرة..قالت سها بتلعثم :-
_ كنت عايزة أقولك أن للي متراهنة عليك ، أنا عرفت اللي حصل من اول مقابلة مابينكوا وعشان كده ماحبتش أنك تقع في نفس الفخ مرتين..خصوصـــاً أنك حد ليك مكانتك واسمك وسمعتك..النهاردة يوم الفلانتين زي ما اتفقتوا..الشلة كلها وصلت النهاردة عشان يتأكدوا بنفسهم أنها كسبت ووقعتك..عشان كده جت وراك فرنسا وفي نفس الطيارة كمان..حتى ظهورهــــا في المطعم لما قابلتها تاني مرة مكنش صدفة..كل شيء كان مترتبله..هو ده الرهان..للأســف
مثل الرعد الذي يزلزل السحب وترتجف له القلوب خشية..وقـــف بلا حراك..تلقى الصدمة بشموخ رجل هزم لأول مرة أمام نفسه..أمام قلبه..أمام جميع بقاع الكبرياء به..بأي حق يعاتب أو يدافع وهو من قدم قلبه كاملاً لذات الرداء الأحمر من اللحظة الأولى.. قدم قلبه بأرخص المشاعر..رغم علمه بمراهنتها الاولى عليه!! سخرت سنواته الأربعين منه..وسخرت بعض الشعيرات البيضاء برأسه من تلك الخسارة الفادحة..هل يدافع! يشك ! يرفض!! سيكن احمق بالتأكيد..اوقعت بفخ حواء يارجل؟! عار عليك!!
عار، انهار ، احترق بنيران شوقك وفراقك وخداعها..ويلها..
راقبت سها انفعالاته بدقة..تذكرت ما حاول ذلك البغيض اقناعها به ، ذلك الوجيه مخادع!! نظرت سها لوجيه بمحاولة ان تستشف منه حقيقة الأمر..صدمته بادية للعيان ينقصها الأفصاح والهتاف والعلانية..اعلنت رفعة نظرته الحداد المقيم على القلب حتى الممات..حداد أعلن موتها بقلبه..عاشق يعلن موت حبه والحبيبة على قيد الحياة ترزق!! جف صوته من أي حياة للحب به وقــال بجمود:-
_ وتفتكري أني مش عارف؟!
كاذب ، كاذب ، ترددت هذه الكلمة من عقله وقلبه ، فهو لم يظن للحظة أن تلك العينان تكذبان؟! وأن اللهفة بنظرتها خائنة!!
تطلعت سها بدهشة اليه !! ، اذن صدق ذلك البغيض في ادعائه! ، لماذا تقع صديقتها بهذه النوعية من الرجال؟!! تساءلت بدهشة:-
_ تعرف أنها بتضحك عليك؟! وساكـــت؟!
شردت عيناه بظل خيال رسم عيناها أمامه ، ابتلع ريقه بمرارة وقال مجاهدا تلك الغصة المعلقمة الذي تكورت في حلقه بمرارة :-
_ عجبني تمثيلها ، وعجبني لهفة عنيها الكدابة ، دموعها مأثرتش فيا ، بس كمـــلت فرجة للآخر...تسلية في وقت أجازه..وانتهــت
لم يفكر..فقط قال ذلك بكبرياء أبى أن يظل مطعوناً أكثر من ذلك..ربما لو ما كانت لعبة تلك اللعبة اللعينة المسماة بالـ"رهان" ما كان سيصدق بسهولة..ربما كان دافع عنها ولكن كيف سيدافع وهو رأى ذلك بعينه من قبل؟!..وجمت سها بنظرات غاضبة صامتة!! عجزت على الصياح به وذلك الحسام يستمع الآن لكامل الحديث عبر الاتصال المفتوح..
لم تجد الكلمات لتقل المزيد..يكفي ما قالتـه ، وما سمعتـه..قالـت:-
_ ابعد عنها..لو سمحت.
قـــال وجيه بكبرياء وعين تأبى الاستسلام :- أنــا مش متمسك بيها ، ماتهمنيش..خليها هي اللي تبعد عنـي..
تطلعت به سها بنظرة سريعة ثم عادت لسيارتها دون اضافة أي كلمة أخــرى..قادت سيارتها للبعيد واختفت عن ناظريه..اعتصر الألم عيناه ، واعتصر الألم صدره ، واعتصر الحزن ماخلف الضلوع..قلب الاربعيني الذي هزم من جديد..ولكي يصدق القول...فهذه هزيمته الأولى في العشق..
أحبها..منذ البداية أحبها..منذ أن وقعت عيناه عليها وتلفظت باسمه برقة صوتها..تساءل أي لعنة من السحر حلت على قلبه وقتها؟!!
اغمض عيناه بألم شديد زلزل كيانه..فما يزلزل كيان الرجل مثل حبيبة خائنة..تسخر من كبريائه ورجولته..
لأول مرة يختبر مـــذاق الخيانة والغدر ، سمً بطيء..كطير طعن بعيار ناري وهو بريعان تحليقه وشغفه..فلا يَسمع الصائد أنين الطائر الذبيح وهو يسقط!!
عقابها ليس بالعنف..أو العتاب..أو رد اللعبة باللعبة..عقابها بالهجر والفراق..أن لا تنعم بانتصارها..ولا ترى تلألأ الألم بعيناه..فليكن ذات هيبة حتى بالألم..
******
**بمنزل سهــا**
وقف حسام ومعه طفلة لم تتعدى سنواتها العشر الأولى..مقبضـــاً عليها من رسغها غير مُعتني بأنها طفلة تبكي بهلع وهي بقبضته..راقب الطريق لمنزل سها حتى اقترب بخطوات مدروسة..اخرج مفتاح قد أخذه من سها عنوة حتى يأتي ويتم تبديل الصغيرة بأخذه لــ"للي" حــاول فتح الباب ولكن صدم أنه مغلق تمامًا ولا يمكن فتحه بتلك النسخة من المفتاح!!
احتدت ملامحه بغضبه وتلفظ السباب ، ارتعشت الطفلة وهي منزوية بالحائط وتنتفض بذعر ، بينما أخرج حسام مسدس واطلق عدة طلقات نارية على الباب..صرخت الطفلة وهي تضغط بيدها على آذانها بارتياع..استطاع أن يفتح الباب بعد ذلك فجرّ الطفلة للداخل وهو على علم بأن سها ليست بالداخل..كان ينظر حوله بملامح تظهر بعلانية فاضحة كم هو مريض نفسي مهووس بتملك ما ليس من حقه..القى الطفلة بعنف على أحد المقاعد وحذرها أن تصرخ مجددًا فهزت رأسها ببكاء مكتوم وأطاعت الأمر بخوف..بينما راقبت الخادمة الفرنسية المشهد كاملا وقد كانت من أحد أفراد الشرطة وتخفت بهذا الشكل حتى يتم القبض على هذا المجنون..
اخرجت هاتفها وقالت بلغتها:-
_ قد أتى..امامكم دقيقتان قبل أن يصعد للطابق الثانِ للفتاة النائمة..
تلقى الطرف الآخر الأمر ثم علا الصمت مرة أخرى..
بعدما صعد حسام للطابق الثاني بحث بجنون عن الغرفة التي تمكث بها للي ، فتح غرفتين فلم يجدها ، ففتح الثالثة بقوة ليجد للي نائمة بسُباتٍ عميق..ظن أن الوقت مناسب قبل أن تأتي سها لمنزلها فأغلق الباب جيدًا وبدأ بخلع معطفه ثم قميصه..ضحكته شيطانية وهو يتأهب لأغتصابها..كلما تخيل ردة فعلها حينما تستعيد وعيها يملأوه الهووس أكثر..كاد أن يخلع بنطاله حتى فتح الباب بقوة غفيرة من الشرطة الفرنسية وبدأو بمحاوطته متلبساً بجريمة اعتداء على المنزل واعتداء على تلك المرأة النائمة..
صدم حسام من ما ظهروا أمامه فجأة وابتلع ريقه بخوف مما ينتظره..وقفت سها وهي تضم ابنتها بخارج الغرفة وترمقه باحتقار وهتفت بغضب:- كنت فاكرني هبيع صاحبتي بعد ما خطفت بنتي ، يمكن سمعت كلامك لأني عارفة أنك قذر وممكن تعمل أي حاجة بس مكنتش هسيبك تأذي للي بعد العذاب اللي شافته على ايدك ، بنتي رجعتلي بخير وللي كمان بخير الحمد لله ، اما أنت بقى السجن مستنيك وكل اللي حصل ده متصور صوت وصورة..ماتنساش أننا معانا الجنسية وهتروح في داهية..
اقتدح الغضب بعين حسام وقال بسباب:- يابنت الـ*****
جرته قوى الشرطة للخارج وهو مكبل بالأصفاد الحديدية ، رمقها بتوعد وانتقام فضمت سها ابنتها اليها أكثر ثم ركضت إلى للي..مررت يدها على رأسها وهي تحمد الله على الى ما آلت الأمور إليــه..
*****
**بالفندق**
حزم وجيه حقائبه من الغرفة وانهى حساب الفندق ثم أمر احد العاملين بحمل الحقائب حتى السيارة الفخمة التي استأجرها للتجوال..خرج من الغرفة ليتفاجأ بتجمع عدة فتيات أمام الحجرة المجاورة والتي كانت تخص للي..تهماست الفتيات فيما بينهنّ بضحكات خافته وقالت أحداهنّ بتعمد وضحكة عالية:-
_ للي عملت عملتها وهربت..والله برافوا عليــها.
ارتفعت أصواتهنّ بالضحكات فأمتقع وجه وجيــه بألم وخذلان وهنا تأكد من الأمر..فقد هربت أيضاً!!
مر من أمامهنّ دون نظرة حتى قالت فتاة لصديقتها:- هو حسام ده هنشوفه امتى ولا هنعمل المقلب ده ببلاش؟!
وكزتها الأخرى قائلة:- اسكتي دلوقتي..اللي طلبه مننا عملناه وخلينا وجيه الزيان يفتكر أن اتعمل عليه رهان كالعادة..حسام قالي استناه هنا بس مش عارفة هيجي أمتى..للي دي اصلاً أنا بكرهها وماصدقت اعمل فيها مقلب يطلع من عينها..
*****
**بمكتب جاسر**
انتظرت طويلًا حتى بات الانتظار مملًا ، لابد أن تذهب لمعاينة الموقع الجديد..ولابد أن يأتي معها لا سيما أن هذه أول زيارة للموقع الجديد..دلف جاسر للمكتب بتعابير لا تقل شيء..
انتظرت منه تعنيفاً أو ربما طرداً..أو أي شيء سوى طريقته في التحدث هذه..وقف أمامــها بثبات قائًلا:-
_ جميلة..أنا أسف على اللي عملته ، أنا بصراحة مش متعود على الشغل وكنت بحب اضيع وقت عشان اليــوم يخلص وخلاص..عارف أني استفزيتك ونرفزتك ، يمكن كمان قلت كلام ماينفعش يتقال بس ماكنتش اقصده ، ياريت نفتح صفحة جديدة ، كمدير وسكرتيرة لا أقل ولا أكتر..
نظرت له بثبات..أو بالأصح بدهشة، لو ظن أن حديثه هذا سيكن اعتذار فهو اخطأ ،لم تعرف هي أيضا لما شعرت بغصة من حديثه..ما هذا الحمق التي تشعر به؟! قالت ببطء متظاهرة بالارتياح:-
_ يكون أفضل ، شغل وبس.
هز جاسر رأسه موافقـــاً وأكد:- شغل وبس
استطرد بجدية وقال:- هنروح دلوقتي الموقع الجديد نعاينه مع المهندسين والعمال..مافيش هزار في الشغل بعد النهاردة..
كانت طريقته جدية حد السخف والضيق..هكذا شعرت ، وهكذا تعجبت من شعورها الجديد!!
سبقته وخرجت من المكتب فتطلع اليها بمكر وابتسامة خبيثة قائلًا:- أنا هعرفك أنك مش أدي..هخليكي تنامي تحلمي بيا
******
فتحت عيناها بعد مدة طويلة بالغفوة..سقطت الغشاوة رويدا رويداً عن مقلتيها..حركت جفنيها بكسل حتى اتسعت عيناها بقوة بعد دقائق عندما ضجت ذاكرتها بآخر مشهد..انتفضت للي من الفراش وهي تنظر حولها بهلع وجف ريقها من الخوف..دلفت سها للغرفة وقد أتت لتطنئن عليهـا فوجدتها استيقظت..اطمئنت للي بعض الشيء من رؤية صديقتها وقالت بصوت يرتعش:- حصلي ايه يا سها؟!
توترت نظرة سها بثقل الحديث والشرح فأجابت بصدق:-
_ هحكيلك كل حاجة يا للي ، بس اطمني أنتي بخير
روت لها سها ما حدث لتسقط للي على الفراش بصراع الصدمة..رددت بدموع القهر:- وجيه كان بيضحك عليا؟! بيتسلى بيا وبيردهالي؟!
قالت سها بأسف:- كنت مضطرة اكدب عليه عشان حسام صمم أنه يسمع كلامي معاه وهو على التليفون ، ده كان شرط حسام الوحيد عشان يرجعلي بنتي ويجبها لحد البيت ، بس اتفاجئت أن وجيه بيقول كده!!
جرت الدموع على عين للي بمرارة وبكت قائلة برفض:- مستحيل أصدق أنه كداب ، أنا لازم اتكلم معاه بنفسي.
اوقفتها سها وقالت:- ماتثقيش في حد أنتي لسه عرفاه من أيام يا للي ، محدش جبره يقول اللي قاله!! اللي كان مستنيكي النهاردة صدمة كبيرة..يمكن اللي حصل ده كله في مصلحتك..
هزت للي رأسها برفض وصرخت:-
_ وجيه مش كداب ، يمكن ما اعرفهوش غير من فترة بسيطة بس أنا متأكدة من احساسي أنه مش كدب عليـــا ، لو كان بيكدب مكنش طلب ايدي!! مكنش استنى موافقتي!! في حاجة غلط !!
صمتت سها بحيرة فركضت للي من الغرفة للخارج..أمرت سها السائق الخاص بها أن يصل للي للفندق..
*******
**بالفندق**
كانت عيناها انتفخت من الدمــوع حتى وقفت بها السيارة أمـام مبنى الفندق..ركضت للطابق الذي يضم غرفتها بجانب غرفته..ولكنها تفاجئت بأصدقاء السوء..نظرت لهم في دهشة حتى قالت أحداهنّ:-
_ للي..بقالنا كتير مستنينك..النهاردة الفلانتين..يوم مميز بالنسبالك
وقفت للي بتعجب من أمرهنّ !! تركتهنّ وذهبت لغرفة وجيه تقرع الباب لتقل احد الفتيات:-
_ مشي من الفندق..ماهو اللي جايبنا
استدارت لهنّ للي بصدمة ليؤكد باقي الفتيات على ذلك..بضت عينيها بدموع القهر والألم..كان يخدعها!! اعاد لها الصفعة بطعنة!
ولكن هذه أذيال الآثام..والخطايا..الم تكن هي البادئة بالخداع؟!
لم يكن ليفكر ذلك لو ما فعلت فعلتها الأولى..هي المخطئة..وتستحق العقاب..وعقابها أن لا يراها إلى الأبد..ومع ذلك رددت اسمه بشوق وبكاء..ستحبه دائمًا..أخذ قلبها دون رجعة.
*******💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖
- الفصل الرابع عشر
ببقايا من القوة عادت لمنزل صديقتها..لم تحتمل المكوث بمحفل الذكريات بهذا الفندق..وكأنه أصبح مقبرة مشاعرها!
سرب حبات الدموع لم ينقطع..بل وكأن اوشك قلبها عن التوقف!!
استقبلتها سها بنظرات يأسه وقالت:-
_ اتصلت بالفندق بعد ما مشيتي..كنت عايزة اتكلم مع وجيه بس للأسف لقيته خلص حساب الفندق ومشي منه..
جلست للي على أقرب مقعد..كالعجوز التي تستند على عصاها بكهولة..اطرفت عيناها الباكية بعتاب وقالت:-
_ كان لازم يعرف الحقيقة يا سها ، حتى لو اللي حصل كشف الحقيقة بس كان لازم يعرف أني ما كذبتش عليه..
تقدمت سها خطوات الى صديقتها...جلست بزفرة حارة من رئتيها وأجابت:-
_ الضابط اللي اتفقت معاه اكد عليا ما اقولش لحد نهائي على الخطة ولا حتى أنتي..انا ما حسبتش نهائي أن وجيه هيقول كده!! أنا اتفاجئت زيك بالضبط ومابقتش عارفة ارجع واقوله الحقيقة ولا الحقك أنتي وبنتي..أنا ماكنتش عارفة افكر يا للي وكل اللي شغل بالي انتوا..بس كمان أنا كنت هرد عليه واقوله ايه وهو بيعترف بنفسه أنه كان بيلعب بيكي؟! اقوله لأ هي حبتك بجد وبرافوا عليك قدرت تردلها المقلب!!
هزت للي رأسها ببكاء اهتز له جسدها وقالت بألم:-
_ آه كنتي قوليله..على الأقل كنت هفضل قدامه صادقة مش كدابة..
طرحت سها الحديث بلوم ومعاتبة:-
_ ياما نصحتك تبعدي عن الشلة دي يا للي ، حتى لو قولتله الحقيقة مكنش هيصدقني لأنه شافك وسمعك بنفسه وأنتي بتتراهني عليه..للأسف أنتي اللي حطيتي نفسك في الوضع ده من البداية..اللقا كان مكتوب ما بينكم وكنتوا في جميع الأحوال هتتعرفوا على بعض ، لكن أحنا اللي بنختار الطريق اللي نمشي فيه وأنتي اخترتي الطريق الغلط..انا كنت عارفة أني لما اقوله كده هيزعل وهيثور بس قلت هفهمه كل شيء بعدين..لكن اتفاجئت باللي قاله..
ابتلعت للي ريقها بمرارة وعين ممتلئة بالدموع..قالت بحزن:-
_ أنا راجعة مصر على أول طيارة..مش عايزة افضل هنا..
*******
**بموقع العمل الجديد**
وقف جاسر يتحدث مع بعض الرجال العاملين بالمعمار ويتساءل ويجيب في الحديث فيما بينهم بجدية ودقة في التفاصيل..تطلعت إليـه جميلة ببعض الشرود!! كأن لا يليق به سوى الجدية! ربما لو كان هكذا منذ البداية لما احترصت منه كل هذا الحرص..انتبهت على صوته وهو يقل بصوتٍ شبه عالٍ:- جميـــلة!!
توتر جسدها بإنتباه..دعت أن لا يكن لاحظ شرودها به فتعرف أن لا زال بداخله بعض المكر الرجولي..فلاحظ بالفعل ورمقها لبرهة بتسلية ثم أخفى انتباهه وتصرف بجدية مبالغة:-
_ ياريت تكوني خدتي بالك من كل اللي قولته؟
أراد إرباكها..فهو يعرف أنها لم تنتبه لشيء ، أو ربما انتبهت للقليل ولكن شرودها به قد قطع اتصال التركيز..انتظر إجابتها ببسمة خفية بداخله..تلعثمت جميلة بتوتر وقالت كاذبة:-
_ أ..آه..ولسه هعرف أكتر الايام الجاية..
استطاعت أن تتهرب بمهارة ، أو ربما حالفها الحظ ، ولكنه تعجب من نفسه للحظات..ما بتلك الفتاة يجعله شغوف بإيقاعها في براثنه ؟! أتراه ذلك العناد بصوتها ؟! لم يتذكر أنه رافق سوى العاهرات!! ولكنه مع جميع بقاع الكذب والمجون به يعترف بلا ريب أنها بريئة..نقية!!
الشيطان لا يستطيع أن ينكر صدق الملائكة..هكذا كان..
للحظة تخيلها بين ذراعيه..جريئة ، مثيرة ، تتمنى قربه بهمس كلماتها الخافته..أن لا تكن بتلك النظارات اللعينة ، واللعنة لو كانت تحبه وقتذاك..شرد بها للحظة..ما هذا الذي يشعر به؟!!
احمرت وجنتي جميلة بخجل من تطلعه بها..هل ضاقت من نظرته أم تاقت لمرحه ؟!
قال وقد استعاد ثباته ومكر خطته:- خلصنا..يلا نرجع المكتب
سارت بجانبه دون أن تجيب بكلمة..قلقت أن يلاحظ توتر نبرتها فيشمت بها..وتعجبت! لما يفعل بنا الصمت أكثر ما يفعله الحديث؟!
ربما لأن الصمت مغلف بالغموض والحيرة والإجابات الكثيرة دون تحديد..بينما الحديث يضيء طريقٍ واحد..لإجابة واحدة..
هبطت درجات السلم برفقته حتى الطابق الأرضي..استندت على السور الخاص بالسلم وهي تهبط..ضاقت من نفسها لهذه المشاعر الجديدة..ليته ظل مستهتراً لا يعبأ لشيء..
في وهج شرودها وهي تحرك قدميها للأسفل دون تركيز ، التوى كاحلها بحجر صغير لم تنتبه له فصرخت وهي تميل بجسدها جانباً ، انتبه جاسر لذلك بدهشة ودعم يدها حتى لا تسقط بينما وضع يده الأخرى على خصرها..بأول دقيقة كان غير متعمدا في ذلك بينما تلا الدقائق التالية تعمد في القرب..نظرته اليها حادة الرغبة في الاقتراب..لا يعرف ما به وماذا حدث له !!
دفعته جميلة بشراسة وتناست الم كاحلها لتهتف به بغضب:-
_ لو قربت مني كده تاني هكسرلك ايدك ، لا هيهمني أنت مين ولا هيهمني شغل..وسفالتك دي مش معايا!!
رمته بنظرة نارية وتحاملت على قدميها وركضت للأسفل بعد ذلك..ظل واقفا للحظات بدهشة من نفسه..هو نفسه لا يعرف لما أراد القرب بهذه القوة!! أشد الساقطات التي وقعت بين يديه لم يريدها هكذا !! ، ربما لأن تلك الفتاة صعبة المنال واستفزت غروره..هكذا اقنع نفسه..
خرجت جميلة من الموقف وانزلقت دمعة على خديها..شعرت أنها اخطأت خطأ فادح في دق قلبها لقربه..استغفرت ربها كثيرا وهي بالطريق عائدة للعمل..قالت بصوت الصمت بداخلها..
(ما اتعمدتش يقربلي وكان الموقف صدفة..بس ليه حسيت أني مبسوطة؟! استغفرك يارب وأتوب إليك..أنا نفسي أكرهه..)
******
**بمكتب آسر**
انتهى الرباعي "المهندسين" من التصميمات النهائية لأول خطوة بالمشروع الجديد..قالت ندى بإرتياح وهي تحتسي قهوتها:-
_ الحمد لله كده تمام..التصميم ده تعبني أوي أنا والفريق..
ابتسم آسر لها بلطف وقال:- أنا عارف أنك شاطرة يا ندى..ومازن واسعد دول التوب في الدفعة اصلاً..
جلس مازن بضحكة مرحة وقال:-
_ احسن حاجة أنك فتحت المشروع ده ، بجد خطوة كبيرة ولو شديت حيلك هيبقى ليك اسمك في السوق.
وقف أسعد بجانب سما التي كانت تراقب ندى بغيظ وقال :-
_ في حاجة فاتتك اقدر اساعدك فيها؟ حاسس أنك مضايقة!
نظرت له سما وحاولت أن تلقي بذلك العبوس على ملامحها وترسم بدله اللطف..قالت دون تعابير بوجهها:- لا أبداً ، بس جالي صداع فجأة.
هتف أسعد لينتبه آسر الذي انغمس في الحديث مع ندى بذكريات الدراسة..قال :- بطل كلام بقى يابني ،الآنسة سما جالها صداع بسببك!!
توجهت سما له بنظرة مغتاظة فإن كان حديثه اعترفت أنه صحيح ولكن ليس من حقه احراجها هكذا!! يبدو أنه لاحظ نظراتها لآسر وفطن لأعجابها به!! نظر إليها آسر بإعتذار لم يكن مجبورا على قوله..اقترب لها بأسف:- مخدتش بالي أنا أسف..هطلب من عم مرزوق يجبلك مسكن من الصيدلية حالاً..
أومأت سما بالرفض وقد أرضاها مجرد اعتذار ، قالت مبتسمة:- لا لا مافيش داعي ، الصداع بيجيلي وبيروح بسرعة ما تقلقش.
صمم آسر على قوله بينما استأذن الفريق بالأنصراف..رمقت سما المهندسة ندى بنظرة متفحصة رغم أنها سريعة!! مقتت ذلك الزي الذي يجعلها تبدو كالمسنة..فهكذا ملابس لا تناسب سنها تمامًا..
جلس آسر بعدما أعطى الأمر لساعي المكتب بإحضار الدواء..نظر للتصاميم المنتهية العمل وقال بإرتياح:-
_ الحمد لله ، كده هنبدأ شغل من بكرة في الموقع الجديد ، الموقع الأول هننتهي منه بعد شهر أو بالكتير شهرين..أنا تقريبًا ما بقتش أنام من التفكير في الشغل والتصميمات..
جلست امام مكتبه ببسمة هادئة ، ودت لو تضع يدها على كتفيه بربته شاعرية ، تدعمه وتقويه ، ولكن كيف الاقتراب وهذا لا يصح ولا يرضاه ربها..حتى في تمنيها شيء ممتع..
الحب..حتى انتظار الأعتراف به يُعد أجمل العثرات..يبقى الترقب به لذة للقلب..
أجابت بصوت رقيق لم تكن تتصنع به:-
_ لازم تنام وترتاح..عشان تدي للشغل حقه..ولنفسك حقها.
نهض آسر بتنهيدة عميقة..فتح سحابة ستار النافذة وقال بعد لحظات شاردة :- نفسي انجح يا سما والاقي نفسي ، حاسس أن في حاجة ضايعة مني وهلاقيها لو لقيت نفسي..
أرادت أن يصله دفء صوتها ، ابتسمت لنطقه لاسمها دون رسميات..قامت من مقعدها ووقفت خلفه قائلة بصوت داعم :- هتنجح وهتوصل لكل احلامك بأذن الله..هكون أول اللي يباركلك واخرهم..اوعدك
احيانًا تجد لحديثها طريقا مضاد بعيناه..فهي لم تقل شيء يجعله يتطلع بها بهذه الحدة؟!! بل على النقيض فهي تدعمه!!
عاد لمكتبه دون حتى أن ينظر لها برمقة سريعة..ولم يصدر منه أي حديث فقد انكب على تصميماته من جديد رغم أنها مكتملة الدراسة!
******
**بمكتب رعد**
خرج يوسف من المكتب وبيده أحد التقارير التي تمت مراجعتها وحساباتها..نهض رعد من مكتبه قائلًا قبل أن يغادر:-
_ أنا همشي دلوقتي يا رضوى..وعلى فكرة هتأخر بكرة على ما أجي
نظرت له بعبوس وصمتت لدقيقة...قالت :- ماشي..
حمل حقيبة الكاميرا وقال بجدية:- فكري في الموضوع اللي قولتهولك كويس وبهدوء ، مش عايزك تستعجلي ، لسه موضوع السفر ده فاضله كام شهر مش دلوقتي خالص ،لو وافقتي تيجي معايا مش هخلي حته في اليونان غير لما اخليكي تشوفيها..بجد هتبقى سفرية تجنن..فكري يابنت الحلال
هزت رضوى رأسها برفض وقالت :-
_ مستحيل ،مستحيل، ماينفعش اسافر مع حد غريب مهما كان السبب..يمكن بصراحة الفكرة نفسها عجباني لكن ده مش معناه أني موافقة..
شعر بالغيظ منها ومن نفسه لأنه يتمنى أن توافق !! قال بشيء من العصبية:- على فكرة أنا اول مرة أعرض على حد يجي معايا وخصوصا لو بنت!! أنا نفسي مستغرب أني بعرض عليكي الموضوع ده فمتحسسنيش أني اتقدمت اطلب ايدك !! ده شغل!!
هبت من مقعدها بعصبية وهتفت بصوت اتضحت به اللدغة الذي يحجبها الهدوء بعض الشيء:- أنت اتعصبت عشان أنا رفضت اسافر معاك؟!
ظل يكتم ابتسامته للحظات حتى انفجر من الضحك وقال :- لما بتزعقي اللدغة بتظهر ، انتي اللي بتضحكيني في اوقات غلط!!
تابع سيل ضحكاته بينما ابتسمت رغما عنها فقال بلطف:-
_ اهو عشان كده يمكن عايزك تبقي معايا ، بتخرجيني من المود وبضحك من قلبي..خلاص ما تزعليش وما تتعصبيش..بس بطلب منك بكل هدوء تفكري...ممكن؟
هزت رأسها برفض وقالت:- لأ
انعقد حاجبيها مرة أخرى بغيظ وتبرم..فخرج من المكتب صافقا الباب خلفه بحدة..ضحكت رضوى وهي تتذكر مزاحه وغضبه..
******
بأحد الفنادق المشهورة بالعاصمة الفرنسية..
ارجع بظهره على المقعد ، تنهد بكل ما يحمله القلب من ألم..لم ترحل صورتها من أمام عيناه!
ماذا ينتظر حتى ينأى القلب عنها؟! لربما جنت مشاعره الراكدة فجأة وأصبحت شغفا لم يستطع اخماده...أياماً قليلة معها كانت بالعمر الماضِ بأكمله..ليتها اعترفت بنفسها ، ربما كان سامحها وبدأ صفحةٍ جديدة معها..سيعود الى مصر خلال أيام قليلة آتية..ولكنه يعترف أنه عائد بلا قلب..لم يقتحم جنون العشق قلبه من قبل فأتت تلك المخادعة وما هي الا اياما وقد اقتلعت قلبه ورحلت..يا ويلها لو رأها مرةً أخرى..اشتعلت النيران بقلبه..ولم يستطع أن يخمدها..
*****
*بمنزل سها*
اتت الحقائب الخاصة ب "للي" من الفندق بينما اخبرتها سها عن ما تحدثت به مع السائق..قررت للي العودة الى بلادها بأقرب وقت..قالت سها مواسية صديقتها:-
_ حسام وتقريبًا خلصنا منه وزمان دلوقتي الدنيا مقلوبة فوق دماغه ، وجيه طلع بيردلك المقلب ،احمدي ربنا أنك خلصتي منهم هما الاتنين..ارجعي مصر واشتغلي اكتر من الأول وحققي احلامك..انسي شوية للي وخليكي ليان يوسف عشان تقدري تعدي المرحلة دي..
ازدردت للي ريقها بصعوبة وقالت بوجه شاحب من البكاء حتى اكتفت:- هقولك حاجة يا سها يمكن تستغربيلها..كنت اتمنى وجيه يفضل جنبي حتى لو كدب..أنا مش مصدقة أني مش هشوفه تاني..أنا بنيت كل حياتي الجاية وهو فيها..انا ماصدقت أفرح !!
سها بتعجب:-
_ للي أنتي لسه عرفاه من أيام بسيطة !! اللي أنتي فيه ده اكبر من معرفتك بيه؟!
امتلأت عين للي بالحزن واجابت:- مش بالوقت ،أنا فضلت عايشة مع حسام خمس سنين وكل يوم كنت بكرهه اكتر..مافيش لحظة حبيته فيها ولا حتى قدرت اجبر نفسي واحبه.. لكن وجيه حاجة تانية..انا مش مراهقة يا سها ، انا واحدة فاهمة نفسها وعارفة هي عايزة ايه بالضبط..عشان كده لما شوفته ومن أول مرة معرفتش انساه..وجيه ده فيه كل احلامي اللي اتمنيتها من سنين..أنا مستنياه من زمان أوي..متخيلتش أن فرحتي هتنتهي بالسرعة دي، بقى كل سنين العذاب اللي شوفتها تديني يومين بس فرحة!!
صمتت سها وهي ترمق حزن صديقتها بضيق..وحسبي على قلب أراد قسوة البقاء ولا نيل الفراق والهجر..هكذا يفعل بنا الحب؟!
******
**بمكتب جاسر**
بعد أن عادت جميلة للمكتب ،مرت دقائق ودلف جاسر بنظرات مزيج من التسلية وبعض الغموض..راقب تعابير وجهها الغاضبة بصمت فقال :- على فكرة أنتي فهمتيني غلط ، اكيد مكنتش عارف ولا مرتب أنك هتقعي وشوفي كنت بتعامل معاكي قبلها بدقيقة أزاي!! غلطتي فيا بس هعديهالك المرادي وهعذرك بس ما تتكررش..
رفعت جميلة حاجبيها بذهول ، اهو الذي يعنفها ؟!! هتفت :- اللي ما يتكررش اللي عملته واللي قلته اعتبره تهديد ، انا مافيش حد يقربلي واسكتله..
قال جاسر مختبرا ، أراد معرفة شيء فتساءل بمكر:- يعني مافيش مرة كده واحد لمسك ولو..
قاطعته بنفضة من جسدها وهي تنهض ، اشتعل وجهها بحمرة غاضبة منه فهتفت:- أنت فعلا قليل الأدب وفاكر كل الناس زيك ، انا عمري ما سمحت لحد يلمس حتى ايدي..وهعتبر نفسي مطرودة
اتجهت جميلة للباب لتخرج فسد جاسر عليها الطريق ببسمة صادقة نبعت رغما عنه على ثغره وقال :- ما تزعليش ، أنا اسف
ابتعدت عنه خطوات للخلف..اتضح أنها تنفر من قربه وهذا اغاظه ولكن حديثها تسلل لقلبه رغما.عنه.أضاف بصدق:- غلطتي فيا تاني بس أنا مسامحك ، ياريت نرجع لأتفاقنا وصدقيني مش هحاول اضايقك نهائي ،جربي مش هتخسري حاجة..
أطرفت عيناها بتوتر وحيرة فأردف قائلا ورماها بأفضل ابتساماته الساحرة:- أنا اول مرة اعتذر لحد على فكرة..بس أنتي غير أي حد قابلته..تستحقي اعتذرلك.
قالت بإرتباك:- المفروض امشي دلوقتي بعد اذنك..
قال بنبرة اظهر بها الرجاء عمدا:- هستناكي بكرة ، ورانا شغل كتير
تهربت جميلة من نظراته المتفحصة ، خطواتها اظهرت هروبها ، تسللت ابتسامة الى شفتيه ولكن أن اعترف فكانت ابتسامة صادقة لا سبيل للمكر فيها.
أتى المساء...
بغرفة السطوح..
اجتمع الرباعي متشاركين في اعداد العشاء بالمطبخ ، خطفت سما من يد رضوى قطعة من "الخيار" وقالت:- كلتي الخياراية كلها يامفجوعة!! دي آخر واحدة..
سخرت حميدة وقالت:- الرقة هناك في المكتب والفاجعة والطفاسة لينا احنااا
قال سما بضحكة:- ليه هو انتوا آسر عشان اكلمكم برقة ؟! ده فيه انوثة عنكم هههههههه
تلقت سما صفعة على عنقها من يد رضوى فصاحت بتذمر:- ضربة في ايدك وقلبك وودنك يام نص لسااان
ضحكت رضوى وقالت:- اخرسي يا كلبة
تنهدت حميدة ببعض التيه وقالت:- بقولكم ايه انا عايزة اتمشي شوية ، بقالنا اسبوعين تقريبًا بنشتغل ومخرجناش خالص.
وافقت سما بشدة:- اهاااااااا
أجابت حميدة بموافقة:- حضروا نفسكم والخروجة دي على حسابي.
ضحكت سما بقوة وقالت:-
_ ما انتي اللي بتصرفي علينا اصلا ، بصي بأذن الله بعد ما اتجوز اسر هدفعلك كل اللي صرفتيه عليا..على الجزمة ههههههههه
ضحكت الفتيات بينما ركضت حميدة ضاحكة خلف سما كعادتهم في المزاح..
**********
عند بائع عصير القصب...
احتست الفتيات النسروب الطازج بأكواب العصير لتقل سما بهيام:- آه آهآه لو أسورة قلبي يجي دلوقتي ويشرب معايا من كوباية واحدة ، انا شفطة وهو شفطتين ههههههه
ضحكت جميلة ثم قالت بسخرية:- بالسهولة دي هتشربيه من كوبايتك؟! دي تضحية كبيرة منك
رفعت سما حاجبيها بمكر وقالت ضاحكة:- وآه لو مصيلحي يجي دلوقتي ،حلولي يا حلوووولي ههههههههههه
قالت حميدة بشهقة:- يالهوي...آسر وولاد عمه!!
اعقبت ذلك شهقة من فم رضوى:- يا مصيبتي...مصيلحي!!
إلي هنا ينتهي الفصل الرابع عشر من رواية إمبراطورية الرجال
رواية إمبراطورية الرجال
الفصل الخامس عشر/السادس عشر
حملق الفتيات في الاتجاهين يمينًا ويساراً ثم نظرا الثلاثي الفتيات الى سما بدهشة ، ابتسمت سما بثقة ورفعت يديها داعية :-
_ دعوتي مستجابة الحمد لله، يااااارب ياااارب السنة الجاية اكون في بيتك يا آااسر ،وتعشقني عشق محدش اتعشقه قبل كده في العشاق..
هتفت حميدة بيهنّ وقالت:- للخلف درررر
استدارت الفتيات لجهة أخرة لتتابع حميدة بأمر:- انا لابسة نضارتي ، البسوا النضارات بتاعتكم بسررررعة..
أخرجن الفتيات النظارات الطبية من حقائبهنّ وذلك يُعد استعداد طوارئ بالنسبة لهنّ ،قالت سما وهي تكتم ضحكتها:- طب ولبسنا الجميل ده..نقلعه؟ ههههههه
اجابت حميدة بحدة:- لا يا أم دم خفيف ، بس نص العما ولا العما كله ، ما انا قلت بلاش تخرجوا كده قعدتي تبرطمي ، البسوا النضارات اهي تداري شوية..
ارتدت الفتيات نظاراتهنّ والتفتوا مرة أخرى لجهة الطريق..
رمقهم الشباب من بعيد فقال جاسر بتعجب منهنّ وبضحكة :-
_ أنا بقى يجيلي تهيؤات ولا ايه؟!
قال آسر وهو يعقد حاجبيه باستغراب:- شكلي أنا كمان بقى يجيلي تهيؤات..
ابتلع يوسف آخر قطعة بالـ"سندوتش" وقال:- مالكوا في ايه ؟ مش واخد بالي كنتوا بتتكلموا عن ايه؟!
قال جاسر بنظرة ضاحكة له:- أنت بالك في بطنك اصلا!
ابتسم رعد ابتسامة خبيثة ولم يتحدث فرمقه جاسر بتعجب وتساءل بمرح:- ايه سر الابتسامة الخبيثة دي ياض!
وضع رعد يداه في جيوب سترته الصيفية وقال بضحكة:-
_ اصلكوا اغبية هههههه
تطلعوا اليه الشباب بغيظ فأزدادت ضحكات رعد وهو ينظر لهما واحد تلو الآخر..
قال يوسف بعفوية:- ايه ده! البنات هناك اهم!! تعالوا نسلم عليهم
جاسر بسخرية:- نسلم عليهم!! دول طول النهار في وشنا !! ، أنا شوية وهحلم بالشاويش جميلة..
آسر بحدة:- ماتنسوش أننا في منطقة شعبية والكلام ده ماينفعش هنا..تعالوا نكمل مشي في مكان تاني افضل..
رفع رعد عيناه لجهة الفتيات بابتسامة ماكرة وقال:- أنا عطشان يا ولاد..تعالوا نشرب عصير.
وافق يوسف على الفور:- وأنا كمان عطشت بعد ما اكلت..
آسر بيأس:- يبقى نروح من غير سلام ولا كلام..فاهمين؟
أجاب الشباب بموافقة:- فاااااهمين
***** صلِ على النبي الحبيب
جميلة بقلق :- هو أحنا لو جرينا من هنا هيجرى حاجة؟!
حميدة بتوتر:- هيشكوا فينا ، غير أن مصيلحي هيجي وراكي زي عادته والمشكلة هتكبر..
سما بضحكة:- يارب يتخنقواااا معاه ههههههه ، رجالتنا وبيحمونا
وكزتها رضوى بغيظ وقالت:- اخرسي دلوقتي خالص
ضحكت سما مرة اخرى وأجابت:- دعوتي مستجابة عشان قلبي أبيض وزي الحليب ، والله لنتجوزوهم ونسيطر ، هنبقى سلايف يا عيال ههههههههه
أقترب مصيلحي منهم بنظرات هائمة بجميلة ولم يتحدث معهنّ ، قال لبائع العصير:-
_ اديني كوباية عصير ابل بيها مضخات قلبي يا صلاح ، يمكن الكوباية تحن.
ضحكت سما وهي تنظر لجميلة وهمست:- قصده أن جميلة كوباية مايعرفش أنها شفشق ههه
زغدتها رضوى بذراعها لتصمت ولكنها كتمت ضحكتها رغماً ، قالت حميدة بصوتٍ عالِ:- الشبشب بتاعي جيباه جديد مش عايزة أخسره..
رمقها مصيلحي بغيظ وقال موجها الحديث لبائع العصير:- أنا بكلم الكوباية يا صلاح ، الجردل بيتكلم ليه؟!
انفجرت سما بالضحك وهي تشير لحميدة ثم قالت:- أنتي هههههه
زمت حميدة شفتيها بعصبية وهي تنظر اليه بغيظ ليتابع مصيلحي وهو يأخذ كوب العصير ويعطيه لجميلة:- أشربي ده يا ست البنات
هتفت جميلة بغيظ:- يا أخي سيبني في حالي بقى أنت ااايه ما بتفهمش؟!
تنهد مصيلحي وقال مبتسما ببلاهة:- لما بشوفك بحس أني مش فاهم أيتوها حاجة ، دماغي بتسيح ،وقلبي بيرفرف تكاتك.
رضوى بشفقة:- مسكين!!
وقفت حميدة أمامه وجذبت جميلة بعيدا عنه ثم قالت:- يعني انت مش عامل اعتبار لأبويا اللي كلمك بدل المرة مية مرة!! شكلك بتحب التهزيق والضرب بالجزم ، ما تسيب البت في حالها يابااارد !!
قالت جميلة بغضب:- هو عايز الناس كلها تتكلم عني وعنه ، هو عايز يوصل لكده ويسوء سمعتي عشان اوافق عليه في الآخر.
مصيلحي بنظرة مؤكدة:- مش هتكوني غير ليا ومش هسيب حد غيري يدخل عتبت بابك..يابت أنا عايزك ورايدك ، وهاخدك بأي طريقة..
ضيقت حميدة عيناها بعصبية وهتفت:- اللي هتاخده من اللي بتعمله ده هو الضرب بالشباشب..
رفع مصيلحي يداه لكي يبعد يد حميدة التي كادت تزجه بعيدا حتى اوقف يداه يوسف بنظرة حادة وقال:- أنت كنت هتمد ايدك على مين؟! على حميدووووو !! ده أنت نهار ابوك اسود
قالت جميلة بتوتر:- يلا يابنات وهنخلي عم سمعه يشوف صرفه معاه ويبطل يعاكسنا..
رمقت سما بابتسامة خفية وجه آسر الذي احتدت ملامحه وهو يقترب لمصيلحي ويقول بعصبية:- عيب تبقى أبن حتتهم وتعاكسهم! ، هي دي شهامة ولاد البلد يعني؟!
هتف مصيلحي بغيظ:- وانتوا مين بقى أن شاء الله؟! ثوار المنطقة ؟!
جذبه رعد من ياقة قميصه قال بعصبية:- آه..وابعد عني عشان انا عصبي..
اجاب مصيلحي وهو يتملص من قبضته بمحاولات فاشلة:- طب سيبني عشان ابعد عنك؟! وأنا كنت بعاكس واحدة بس، وبعدين انتوا مالكوا اصلا دي بنت منطقتي وبكلمها ؟!
قال يوسف بتساءل:- تقصد مين فيهم ؟
رد مصيلحي ببساطة:- ست البنات...جميلة
تسللت نظرة جميلة لوجه جاسر الذي وكأنه قنبلة واشتعل فتيلها ، ابتسمت لثانية رغما عنها ثم اخفت تلك الابتسامة عندما نظر اليها بغضب ثم أخذ مصيلحي وهو يجره بغضب هاتفا:- أنت كنت بتعاكسها؟!
رد مصيلحي بعصبية:- وعايز اتجوزها كمان ، حد ليه شوق في حاجة؟! جميلة هتبقى مراتي وهتجوزها يعني ه____
لم يتابع ، لم يستطع ، فكيف ينطق وهو تلقى لكمات من قبضة ضرباتها كالاحجار الثقيلة..اجتمع الشباب حول جاسر بينما هتف ليبتعدوا وثارت ثورته بعنف لا يعرف له سبباً ، نزف وجه مصيلحي الدماء وهو يصيح:- بتعصبك هتجوزها؟ طب هتجوزها هتجوزها هتجوزها..ها
حاول الشباب تخليص مصيلحي من الثور الهائج "جاسر" وهتف آسر بحدة:- هتودينا في داهية هيمووت في ايدك !!
صاح جاسر وهو يجز على اسنانه بعنف :- هموووته
جذبه رعد من يده وقال:- تااااايسون ، كفاية كده يابني ، ده وشه مش باين يخربيتك !!
قال يوسف بغيظ:- يستاهل ، كنت هضربه كده ، هاكله ضرب..
اقتربت حميدة اليهم وقالت بقلق:- كفاية كده بقى ، احنا كل مرة بنضربه وهو مش بيحرم بس المرادي ه...
هتف جاسر بشراسة واقترب لجميلة بصياح:- هو كلمك قبل كده؟!
نظرت اليه بهدوء ، نظرتها بها شيء من المرح ، حاولت أن تجيب بثبات :- اه ،كتير
اشتعلت نظرة جاسر بغضب وعاد الى مصيلحي فابتسمت جميلة
راقبتها سما بنظرات مرحة فاقتربت منها وهمست:- ياريتني كنت انا والله هههههه
تأوه مصيلحي من الضربات فصاح غاضبا بعدما رأى بعض افراد المنطقة بدأو في التجمع حوله فقال:- والله لوريك
تابع جملته بالسباب والشتائم ولكن بشكل خافت حتى لا يثير غضب ذلك المجنون مرة أخرى..
هتف جاسر وهو يرتدي ساعة معصمه التي سقطت اثناء المشاجرة وقال :- لو سمعت أنك كلمتها تاني اقرا على روحك الفاتحة.
رد مصيلحي بغيظ:- مش هكلمها ، هتجوزها
منعوا الشباب جاسر من العودة لمصيلحي مرة أخرى فصاح جاسر بعنف:- تتجوز مين يا**** جميلة تبقى خطيبتي
شهقت حميدة ، حملقت عين رضوى من الصدمة ، اتسعت ابتسامة سما بالتدريح مع نظرة جانبية لجميلة التي تجمدت ملامحها عن الحركة ثم ركضت مبتعدة من المكان..
***** لا إله إلا الله
دلفت جميلة للمنزل بعدما استطاعت الهروب بوسط الحشد ، دقات قلبها تتسارع بجنون ليس من الركض ، بشيء أشد على القلب من الخطوات السريعة..ارتقت السلم سريعاً حتى غرفة السطوح بينما أتى الفتيات خلفها..
جلست جميلة على الفراش بالغرفة ، تجمع شتات فكرها ، ماذا حل بثباتها !! اهي فرحة أم صدمة؟! او خوف ربما..لا يجب أن تشعر هكذا ، أين قوتها وكبريائها؟! ابتلعت ريقها بقوة وحاولت أن تهدأ حتى تفاجئت بوقوف الفتيات امامها..
قفزت سما وهي تلهث من الركض وضحكت ضحكة عالية:- الأوووولى...الف مبروووك يا جوجووو
هتفت جميلة وتظاهرت بالضيق :- مبروك على اااايه!! هو اكيد قال كده عشان شاف مصيلحي مصمم على رأيه بس اكيد ده شيء يضايقني!
لوت سما شفتيها بغيظ حتى جلست حميدة دون حديث بجانب جميلة وتبعتها رضوى ثم سما ليصطف الرباعي جالسين على الفراش بصمتٍ مطبق..ضحكت سما بخفوت ثم فجأة انفجرت حميدة من الضحك واعقب ذلك ضحكات الفتيات...استمرت هذه النوبة من الضحك لمدة عشر دقائق حتى قالت حميدة بمرح:-
_ رغم انها خناقة بس كنت هموت واضحك وهما بيتخانقوا ، دول مالهمش في الكلام ده اصلا !! أنا اول مرة اشوف يوسف عصبي كده !! بس حتى في نرفزته دمه عسل وضحكني.
شاركتها رضوى في المرح وقالت:-
_ اللي ضحكني اكتر لما مصيلحي قال لجاسر بتعصبك هتجوزها طب هتجوزهاهتحوزها هههههه ، ولا رعد بيقوله ابعد عني انا عصبي وهو ماسك في خناقة ههههه
تنهدت سما بهيام وقالت:- شوفتوا آسر وهو بيبص بعصبية لمصيلحي ، ياختي عليه ، أسد..لولا انه عاقل كان موت مصيلحي من الضرب.
غمزت حميدة لجميلة وقالت:- لا بس جاسر خدلك حقك وبزيادة يا ست البنات
ضحك الفتيات على كلمات حميدة الأخيرة فقالت جميلة وتظاهرت بالغيظ:- ده تور سايب في عنبر سبعة ، هما بيأكلوه ايه ده؟! وبعدين هو حطني في مصيبة أكبر ، انا دلوقتي قدام الناس بقيت خطيبته؟! دي كارثة!
سما ببسمة ماكرة :- بيحبك يا شفشق هههههه ،ياريتني كنت مكانك.
صدح صوت هاتف حميدة فتلقت اتصال من يوسف فقالت بهتاف:- استنوا يوسف بيتصل بيا..
أجابت بقلق:- ايوة يا يوسف معاك ، حصل ايه؟
قال يوسف بحدة:- حسابي معاكي بكرة ، المهم..جاسر عايز يكلم جميلة..
اخذ جاسر منه الهاتف وعندما سمعت حميدة صوته وضعت الهاتف على قدم جميلة وقالت:- الحقي..ت..تايسون
اخذت سما الهاتف عندما رأت تردد وخوف جميلة ووضعته على اذن جميلة بنظرة هائمة وقالت:- اتكلموا وانا معاكم..امممم
قالت جميلة بتلعثم :- عايز ..ايه؟!
ضيق جاسر عيناه ببسمة ماكرة وقد توقعت حدة صوته فقال بمكر:- عايز اتكلم مع عم سمعه بكرة أن شاء الله..
هبت من مكانها وهي تنتفض ، تصنعت بالجدية وهتفت:- انت ايه اللي قلته ده ؟! انت فاهم ده معناه ايه؟!
قال جاسر بصوت نبرته تشتد مكرا :- معناه أنك بقيتي خطيبتي قدام الناس ، ده القدر ياست البنات ههههه
عارفة لولا اللي حصل ده كنت هزأتك بصراحة..
تعجبت من مرحه وسعادته!! قالت بدهشة:- وأنت فاكر أني هوافق عليك؟! تبقى بتحلم!!
سخر جاسر وقال :- لا النبرة دي مش معايا أنا مش المفك اللي اسمه مصيلحي ده ، أنا جاسر الزيان ، وبعدين انا بعمل كده بنقذك أنتي لأن بعد اللي قلته في ساعة غضب ، لو ما اتخطبناش رسمي هيبقى شكلك وحش قدام الناس وهيقولوا حكايات كتير عليكي..ممكن نفسخ الخطوبة بعد كده حتى لو بعدها بشهر..
تبدلت ملامحها للصدمة ، نبرته تخبرها أنه لا زال يلعب تلك اللعبة على ايقاعها..قالت:- مش هوافق ، ومش هسيبلك الفرصة دي
جاسر بسخرية:- هو أنتي فاكرة نفسك فرصة ليا؟! يمكن أنا اللي حلم ليكي ومستغرب أنك كمان بتفكري حتى تقولي لأ ، ولو عايزة ترفضي ارفضي بس احسبي عواقب رفضك كويس ، وخلي بالك أنك لو بقيتي خطيبتي مافيش مخلوق هيقدر يبصلك ، ولو مكنتش قلت كده كانت هتحصل مشاكل كتير لأبو حميدة..
اغلق جاسر الهاتف فأبتعدت سما بغيظ:- تعرفي يابت انا لو مكانك اتخطبله واوريه النجوم في عز العصر
تساءلت حميدة :-قالك ايه؟!
روت لها سما ما سمعته مع صمت جميلة الحزين فهتفت رضوى بضيق:- والله انا برضو لو مكانك هوافق بس هخليه مش عارف راسه من رجليه...
جلست حميدة وقالت بتفكير:- هو عنده حق في كل حاجة على فكرة ، بعد اللي حصل ده الواد مصيلحي ده طايش ولسانه فالت وهيتكلم كتير وابويا مش هيسكت..الموضوع ده هيجر مشاكل كتير للكل..
نهضت جميلة وقالت بقرار آخير:-
_ أنا هوافق يا حميدة ، بس مش عشان حاجة غير عمي سمعه ،الراجل اللي رباني بعد ما خالتي بهية ماتت ، كتر خيره في كل اللي عمله عشاني ، مايبقاش جزائه أني كل شوية اجيبله مشاكل..اما بقى جاسر فأنا عارفة هو بيفكر أزاي وعارفة هتعامل معاه أزاي..
وقفت حميدة وقالت بلطف :- بخلاف ده كله يا جميلة ،مش يمكن يحصل نصيب مع جاسر ؟! ، دفاعه عنك النهاردة بيقول أن في شيء جواه..حتى لو حاجة بسيطة لكن موجودة
جميلة بدهشة:- مستحيل يا حميدة تقولي كده!! ده بتاع بنات !! ، أنا معرفش حتى هو ووصل لأي درجة من قلة الأدب ، لكن احساسي بيقولي أنه منيل الدنيا..
هتفت سما:- ياستي جربي فترة خطوبة هو انتي هتخسري ايه ؟! ، هو حد بيقولك امشي معاه دي خطوبة؟! وهو اللي قال بنفسه وحكم على نفسه ومصمم كمان..والله تبقي غبية لو رفضتي
رضوى:- تعرفي بقى يا جميلة ، لو خليتيه يحبك بجد ، هتبقي الكسبانة ،اللي زي ده لو قرر يستقر وحب بجد بيبقى يالهوووي بقى..
******* لا حول ولا قوة الا بالله
قال آسر بتعجب:- أنت دبست نفسك ولا أنت قاصد ولا ايه حكايتك؟!
رمقه جاسر بابتسامة خبيثة:- لأ قاصد ، كام شهر خطوبة اعدلها مخها وتبطل تعاملني ند بالند ، البت دي استفزتني من أول مرة شوفتها ومش هسيبها غير لما أعرفها مقامها..
قال يوسف بضيق:- كده غلط يا جاسر ، محدش كان بيوقفلك قبل كده لأن اللي كنت بتعرفهم اصلا كانوا شمال ، لكن دي بنت محترمة ما تستاهلش منك كده!
جلس جاسر على الاريكة القديمة بالمنزل البسيط ،وضع ساقا على ساق بغرور وقال:- كده كده لازم اخطبها ،يعني الموضوع خرج من ايدي..
نهض آسر من مقعده وقال بيأس:- مافيش فايدة فيك ، بس لو حسيت أنك بتتمادى يا جاسر أنا اللي هقفلك ، ده غير أنها ما تستاهلش كده فلازم تاخد بالك أننا عايشين في بيت الراجل اللي مربيهم ووقف جنبنا ، يعني قلة اصل أنك تعمل كده..
تركه آسر ودلف لغرفته وتبعه يوسف بسيماه الضائقة حتى رمقه رعد بنظرة ماكرة وقال بابتسامة وصوت خافت:- أنا سيبتهم يتكلموا وسكت لكن أنا عارفك يا جو ، أنت ماتركزش مع واحدة الا وكانت داخلة دماغك وأوي ، اتحداك لو كنت ناوي تسيبها..
رفع جاسر حاجبيه بدهشة وبعض الحدة..كأن رعد وضعه أمام مرآة ثلاثية الأبعاد..قال بثبات:- داخلة دماغي آه..لكن مش زي ما أنت فاهم..دي لعبة
اشتدت نظرة المكر بعين رعد وقال:- بكرة نشوف ،مبرووك ياعريس
نهض رعد هو الآخر وذهب للغرفة التي يتشاركها مع جاسر ، تسللت ابتسامة الى شفتي جاسر ،نظرة المكر اشتعلت بعيناه واتضحت ، وقال:- كل حاجة مهدتلي الطريق للي عايزه..مش قولتي أني قليل الأدب؟ انا بقى هخليكي تموتي في قليل الأدب ده..
****** سبحان الله العظيم
بعد منتصف الليل..بتمام الساعة الواحدة ليلًا..
استيقظت حميدة على صوت هاتفها..اعتدلت بالفراش وأرتدت نظارتها دون أن تلقي اهتمام على شعرها المشعث بفوضى..اجابت:- ايوة ؟
تلقت صوت أبيها الحاد:- ايوة يا حميدة ، الواد مصليحي استناني لحد ما رجعت من الشغل وحكالي على اللي حصل ، الكلام اللي حصل ده ماينفعش الناس كلها هتتكلم كده!!
قالت حميدة بهدوء:- ما تقلقش يابا ، جاسر عايز يتكلم معاك في موضوع الخطوبة وجميلة موافقة ، مصيلحي بقى من ساعة ما عرف وانا متأكدة انه مش هيعديها بالساهل ، بس اللي هيكتم بوقه خطوبة جميلة..
قال سمعه بإرتياح:- طالما كده على البركة ، بس بكرة مش هكون فاضي خالص ،خلي المقابلة الجمعة الجاية بعد الصلاة ، واهو نتكلم في كل حاجة براحتنا وماكونش مستعجل.
حميدة :- خلاص ماشي ،هقولهم بكرة ، بس في حاجة يابا خلي بالك منها..انا حكيتلك موضوع عمهم يعني ما تتحكمش يحضر لأنه مش هيوافق يحضر اصلا ، وهما مالهمش حد غيره..
صمت سمعه لبعض الوقت ثم قال:- هعديها في قراية الفاتحة والخطوبة لكن عند كتب الكتاب لازم احط ايدي في ايد كبير ليه..يلا ربنا يتمملها بخير هي بنت حلال وتستاهل ، عقبالك يا حميدة وأشوفك في الكوشة مع اللي يستاهلك يابنتي.
ابتسمت حميدة بخجل حتى تابع أبيها وفهم صمتها :- خلاص ارجعي نامي ، تصبحي على خير
قالت :- وأنت من أهله.
عادت حميدة ممددة على الفراش حتى انتبهت لتمتمة سما وهي نائمة :- آسر..لا لا ما تمسكش ايدي هههه
نظرت لها حميدة بدهشة وتأكدت انها تتحدث وهي نائمة فكتمت ضحكتها وقالت:- حتى وأنتي نايمة ؟! يابت الهبلة!!
*****سبحان الله وبحمده
صباحاً...تعمدت حميدة أن تنهض باكراً قبل موعد استيقاظ الشباب وقالت للفتيات:- يلا اصحوا وحضروا نفسكم بسرررعة ، النهاردة لازم نمشي قبلهم ، انا معايا نسخة من مفاتيح المكتب..
نهضت جميلة وقالت:- انا صاحية ، هقوم اجهز بسرعة
رمقتها رضوى وقالت بخبث:- انتي ما نمتيش اصلا يا ست البنات
ضحكت سما بصوتٍ عالي وقالت:- سيبوها يا عيال ، ده اللي جرالها ما جراش لحد ، عقبالنا يارب
مطت حميدة شفتيها بسخرية وقالت وهي تأخذ المنشفة من على ظهر المقعد :- لا وأنتي بصراحة جاهزة ، ده أنتي طول الليل بتنادي على ابن الجيران..آآآآسر..لا لا ما تمسكش ايدي هههه
اعتدلت سما من فراشها وحدجتها بعصبية هاتفة:- أنتي أزاي تدخلي في احلامي انا وآسر؟! يا حشرية يا بقدونس!
همست رضوى بمكر:- ما تحكيلي الحلم يا سمكة؟
وكزتها سما بغيظ:- بس يابت ، دي خصوصيات بيني وبين زوجي المستقبلي ، احكيلك ليه يا خنفسة ؟! وبعدين يعني هو كان عايز يمسك ايدي وأنا اعترضت..قمت ماسكة ايده انا ههههههههه
رضوى بضحكة:- يالهوي عليكي !! ، هتجبيلنا العار
سما بثقة:- لا متخافيش ده في الحلم بس ،انما الحقيقة هلوعه ، هدوخه، هسهره الليل ، مش هيلمس طرف طرحتي غير بعد كتب الكتاب ، انا مش سهلة برضو.
حميدة بضحكة:- قومي يا تحفة منك ليها واجهزوا بسرعة مش هنقضيها كلام.
****** صلِ على النبي الحبيب
بالمكتب..
دلفت كل فتاة الى مكتب بإنتظار وصول مدرائهم الشباب بإستثناء رعد الذي ذهب لمهمة عمل أخرى..مر من الوقت ما يقارب الساعة حتى دلف يوسف وخلفه الشباب...رمق حميدة بغيظ وقال:- سبقتونا ليه النهاردة؟!
اجابت حميدة وهي تنظر لجاسر :- معلش بس مش هنتقابل في مواصلات تاني عشان كلام الناس وكده ، وعلى فكرة الميعاد مع ابويا اتأجل ليوم الجمعة الجاية..
صرّ جاسر على اسنانه بغيظ فقد ظن أن الأمر سينتهي اليوم ويبدأ خطته بداية من الغد..دلف للمكتب بعصبية..فتبعه آسر إلى مكتبه..
جلس يوسف أمام مكتب حميدة وقال :-
_ امبارح لو ماكنش جاسر عمل كده كنت هعمل انا كده...انا لما لقيته بيقربلك لقتني بجري عليكي.
حاولت ان تخفي ابتسامتها ، تساءلت بمكر:- ليه؟!
تذمرت عيناه وهتف:- عشان أنت صاحبي !!
زمت شفتيها بغيظ منه وقالت:- روح افطر يا يوسف شكلك جعان..
قال مبتسما بعفوية:- هبعت عم مرزوق يجبلنا فطار كلنا
*******
ترقبت وصوله بتوتر ، تارة تستجمع قوتها وثباتها ،وتارة أخرى ترتجف توترا وقلق ، حتى فتح باب المكتب فابتلعت ريقها بنفضة اجتاحت جسدها..كيف ستخبره أنها وافقت؟!
اغلق جاسر الباب ببطء متعمد ونظرته عليها لا تحيد ، ابتسم عندما لاحظ ارتباكها ، تنفس بصوت مسموع بقصد ، يعرف كيف يربكها جيدا وكيف يتعامل مع الاناث، اقترب اليها بخطوات تبدو بطيئة ولكنه تعمد أن يشعل حيائها أكثر..وقفت جميلة من فرط التوتر الناجم حولها ،كرهت ذلك الاحمرار الذي شعرت به بدفء بشرتها ، بالتأكيد يتضح عليها الخجل والارتباك..اللعنة!
قال بصوت صدر كالهمس:- اكيد ما نمتيش طول الليل من تفكيرك فيا ، أنا برضو ما نمتش كل ماتخيلت أنك...
قطع حديثه عمدا ، راقب توتر ملامحها واحمرار خديها بابتسامة ماكرة ، تلعثمت في القول:- أن كنت هوافق فعشان ما تحصلش مشاكل ، هستحمل فترة ، فترة وتعدي وكل شيء ينتهي
تطلع اليها بصمت ، درس توتر عيناها وملامحها جيدا ، لاحظ رجفة يدها المضمومة لعضها ، أدرك انها خائفة ، خائفة منه ،أذن هناك شيء ، شيء يمهد له الطريق حتى يصبح بداخلها..ايكن هذا الشيء..الحب!!
نعم يريدها أن تعشقه ويبدو أنه اخذ القرار في ذلك لا محال..
قال بنبرة عذبة:- اهون عليكي تسبيني وتعذبيني ؟!
اشتد توترها أكثر ثم نظرت له بحيرة ، اتلك اللعبة شغفته لهذه الدرجة؟! هل لمجرد أنها فتاة ملتزمة اعلن الحرب عليها؟! نطقت بحيرة:- أنا مش فاهمة أنت عايز توصل لإيه بالضبط؟!
اعطاها اجمل ابتساماته وأجاب:- عايز أوصلك ، اوصلك أنتي ، اوصل لقلبك بالتحديد ، في حاجات كتير هتعرفيها مع الوقت..بس لعلمك..أنا أول مرة افكر ارتبط في حياتي..واخد القرار وانا مش ندمان ولو بنسبة بسيطة ، فكري فيها كويس وفكري ايه اللي ممكن يوصلني لكده..أنتي ذكية وهتعرفي قصدي..
أطرفت عين جميلة وتهربت منه لجهة أخرى ، قال وهو يعود امام المكتب:- من هنا ورايح هنروح الموقع مع بعض وهنرجع مع بعض ، اكيد مش هسيب خطيبتي وسط العمال لوحدها..
جلست جميلة على المقعد مرة أخرى وتحاشت النظر اليه ، كل ما فعلته أنها رددت ادعية بصمت حتى ينكشف ما يخفيه هذا الجاسر وما يضمره لها.
****** لا حول ولا قوة الا بالله
**بمكتب آسر**
ظلت سما تنتظر آسر حتى يتحدث بما حدث بالأمس ولكنه انشغل بالعمل بشكل تام ، ربما قصد ذلك !! ، ترددت أن تفتح الحديث معه بهذا الشأن فستبدو ثرثارة ، كادت أن تتحدث حتى باغتها ورفع سماعة الهاتف بإتصال على فريق المهندسين وقال:-
_ الو..صباح الخير يا مازن ، ساعة وتكون عندي أنت وباقي التيم
يبدو أن الطرف الآخر وافق سريعا ليضع آسر سماعة الهاتف بمكانها وعاد منشغلا بالعمل...تساءلت سما بحيرة:-
_ هو مش اجتماع المهندسين بعد بكرة؟!
رفع عيناه عليها بحدة وأجاب:- ضرورة شغل ، في مانع ؟!
هزت سما رأسها وقالت بضيق :- لأ طبعا.
لماذا يعاملها هكذا ؟! فظنت أن معاملتها ستتغير للافضل بعد ما حدث بالأمس ، تنهدت بعبوس وجلست على المقعد صامته ،تنظر للأوراق وهي لا تراها ، ربما كان هو أشد منها حيرة وضيق وتشتت بالفكر!!
بين التقاء النظرات ، وبين شعور دقات القلب ، وبين التعمد في الصمت والتجاهل والقرب والبُعد...يكن الحب متخفياً!!
*****الله أكبر
ظهراً...أتى رعد بعدما انهى عمله بالتصوير بأحد الاستديوهات الشهيرة..توجه لمكتبه مباسرة وهو يدندن مقطوعة انجليزية ويبدو على ملامحه الانتعاش..كانت رضوى أنهت التقارير وشعرت بثقل رأسها فجأة ، تركت لنفسها العنان من عدم وجوده فأبعدت النظارة الطبية عن وجهها ووضعتها بجانبها ، والقت رأسها على المكتب واغمضت عيناها وسريعا تاهت بالغفوة..
دلف رعد للمكتب..وتفاجئ بأنها تضع رأسها بين يديها على سطح المكتب الخشبي وتغط في نومٍ عميق..تأملها للحظات..قبل ثوانِ لم يكن بالشيءالمميز بها..ولكن غفوتها تبدو أرق مما تظهر عليه..ربما لأنها تخلت عن نظارتها الطبية لبعض الوقت.. ابتسم وشعر بأنه يريد أن يلتقط بكاميرته ذلك المشهد الهادئ.. فلم يجذبه شيء الا وقد التقطه بعدسة الكاميرا ولكنه تفاجئ بها وهي تنظر له بدهشة وقد شعرت بوجوده وحركته حولها ..فقال ببساطة بعدما التقط وجهها بالكاميرا:- لقطة تجنن..حبيت اسجلها
وثبت من مقعدها بعنف وارتدت نظارتها سريعا قبل أن يلاحظ شيء ، حتى اقتربت منه ، أخذت الكاميرا من يده والقتها على الأرض لتصبح عدساتها الزجاجية شظايا متناثرة..نظر بصدمة رعد للوهلة الأولى..اتقدت عيناه وهو ينظر لها بشراسة..للحظة ندمت رضوى على ما فعلته من رؤى الغضب يكسو ملامحه..ابتعدت عنه لتتفادئ ثورته حتى اقترب منها وهو لا يشعر بشيء سوى بالنيران المتأججة من الغضب..هتفت:- لو قربتلي هصوت وهلم عليك العمارة بحالها..
انتفضت عروق رقبته وهو يقول بعنف:- أنتي عارفة أنتي عملتي ايه الأول ؟!
جذبها من معصم يدها قبل أن تركض من امامه حتى تلوت من قبضته بحركة قوية فسقطت النظارة الطبية من وجهها حتى وضع رعد يده على فمها كي لا تصيح بصوتٍ عالي ودفعها اتجاه الحائط بغضب...
نظرت ليده التي تكتم فمها ثم الى عيناه المتسمرة..وقف أمامها متجمدا للحظات..نظرته مثبته عليها دون أي تعبير للغضب بل وكأنه شرد للبعيد..اطرفت عيناها بدهشة من جموده وحاولت أن تتحدث ولكنه يغلق فمها !! تسللت ابتسامة الى شفتيه بالتدريج وهمس وكأنه وجد ضالته:- بردقوشة !!
كأنه تاه عن ما اغضبه وأصبح كل ما يملكه تلك الفتاة التي تنظر له بمزيج من الشراسة والخوف ، قال متابعا بذات الهمس:-
_ أنتي حاجة تانية من غير النظارة دي ، ما تلبسيهاش تاني يا رضوى عشان خاطري.
تجمدت أطرافها ، سرت قشعريرة بخفقات القلب ، أن يترك معشوقته متناثرة لقطع متكسرة على الأرض ويترك غضبه ويتحدث بهذه الطريقة ليس بالهين !!
هناك من لا تجري قوانينا عليهم ، ابعد عن بقاع الغضب ، يقف امامهم القلب ضعيفا لا يترجي سوى القرب..
ابتلعت ريقها قبل أن تدفعه وتنأى عنه ملتقطة أنفاسها بالكاد..شعرت بشحوب وجهها ولكن النقيض بدا ظاهرا بأشتعال حمرة وجنتيها بشدة..ظل على ابتسامته وهو يراقبها بصمت..نظرته ماكرة لحد القلق..تجنبت وتجاهلت نظرته وهي تلتقط نظارتها من على الأرض ، جثا رعد على ركبتيه وتظاهر بلملمة أشلاء الكاميرا المكسورة بينما عيناه تتحرش بعيناها ببسمة ماكرة..
وقفت رضوى وهي ترتدي النظارة بثبات وقالت بصوت جاهدت لكي يبدو حاد :- طريقتك دي ما تنفعش معايا ، لو اتكرر اللي حصل ده تاني همشي ومش هتشوف وشي تاني.
وقف أمامها بنظرة متسلية وقال بصدق :- لأ أنا عايز أشوف وشك على طول ، وأن كان على الكاميرا مش مشكلة ، فداكي
رفعت حاجبيها بذهول بينما اتسعت ابتسامته وقال:- يلا نكمل شغل يا...بردقوشة
قالت بعصبية:- وماتقوليش الاسم ده بعد اذنك !!
قال بضحكة:- ده اختراعك أنتي لو تفتكري ، واقنعتك أني صدقت ، بس بصراحة أنتي مسلية جدًا ، الوحيدة اللي بتخليني ابتسم..وعلى فكرة ضحكتك حلوة..
تظاهرت بالغضب واندفعت متجهة نحو الباب ، خرجت من المكتب وتركته يترقبها بضحكة مكتومة..نظر للكاميرا وقال بمرح:-
_ لولا اللي حصل ده كنت عملتلها عاهة مستديمة ، البنت دي مش طبيعية..وأنا بحب ما وراء الطبيعة.
**** استغفر الله العظيم
عاد الفتيات بذلك اليوم بمفردهنّ مثلما اتوا ، ظلوا هكذا لعدة أيام حتى اتى يوم الجمعة بأنتظار قراءة الفاتحة...
**بالعاصمة الفرنسية**
دقت ساعة سندريلا بالرحيل الى بلادها العربية ، ومع أول طائرة عائدة..عادت..مثلما أتت عادت..تحمل أيام هي الأكثر جمالا والما في آنٍ واحد..جلست بمقعدها في الطائرة..ذات المقعد ولكنه ليس هنا..كأن ما مر كانا حلماً واستيقظت منه على صخب الضوضاء من جديد..اطرفت عيناها بألم وتنهيدة حتى تجمد جسدها وهي تراه يحمل معطفه ويجلس بمقعد أمامي ولكن الصدمة ليست برؤيته فقط..الصدمة فيمن تتمسك بيده بابتسامة واسعة ، إمرأة ذات معطف أبيض ، فاتنة لا تستطيع انكار ذلك ،يرمقها بابتسامته الساحرة...هل هذه الابتسامة متاحة للجميع؟! الم يخصها بها مثلما المح سابقاً!! كاذب ،مخادع ، اجفلت بدمعة احتبست بعيناها ،والم يشق قلبها لنصفين ، ليته ما أتى ولا رأته ، فيبدو أنه لا يرى سوى ما معه فحتى لم يتطلع لما حوله..جلس بهدوء وهي بجانبه وتشاركا الاحاديث..
اغمضت للي عيناها بحدة واخمدت غضب كاد أن يجعلها تقفز من مقعدها لذات الشعر الأشقر وتجرها منه لأرض الطائرة..وتساءلت بنيران قلبها المتقدة..من تلك الفاتنة؟! أو بالتحديد من هي بالنسبة له ؟! اتجعله يراها؟! لا..لابد أن تختبئ ولا يرى عيناها الدامعتين بقهر...ارتدت نظارتها الشمسية التي لم تكن بحاجة لها نهائيا بالطائرة ثم حاولت أن تغفو ، تمنت ذلك وتضرعت الى الله كي تتيه بغفوة تسرقها من ذلك الحزن والمراقبة لهذا المخادع الأربعيني..
فهل من آت ننتظر ؟! أم ما فات يمحي بالقلب الأثر؟!
💖💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖💖
- الفصل السادس عشر
ونشعر أن القلب ما بات يشعر فيما بعد الصدمة...ثمة غصة بالقلب تُنهك دقاته وتؤلم الحياة به..حتى لم يعد حياة بالقلب سوى دقات تخفق حتى آخر الأنفاس !!
ويمكن العقل أن يغفو ولكن القلب لا ينام عن الآلام..
حاولت..وحاولت..وتأملت الغفوة..ولكن ما تشعر به خارج محطة النسيان والأهمال الفكري..ابتلعت ريقها بصعوبة..صعوبة كمثل رؤيته. مع تلك الشقراء..أتراه يهمس لها بكلماته العذبة؟! أيكن يخبرها بالموعد الآت بينهما؟!
امتدت رأس للي للأعلى قليلًا وأبصرته وتلك الشقراء تميل رأسها على أحد كتفيه..بالتأكيد يستنشق عطر خصلاتها القريبة لأنفاسه..ماذا يجول برأس هذا الرجل الآن؟! اكان يقابلها قبلاً؟!
وإذا كان الظاهر للجميع ذلك المشهد الشاعري فكيف وهما بمفردهما؟! يا اللهي! يكاد رأسها ينفجر من التفكير فيمن يجلس وتفصلها عنه عدة خطوات..حقاً أن المسافة ليست هي سبيل البُعد بينما القلوب هي المقياس..
أخذت تنهيدة حارة من صدرها..فكم سيمر من الوقت حتى تنسى هذا الرجل؟! وإذا تقابلا مصادفةٍ ماذا سيكن ردة فعلها؟!
للحظة شعرت بحنين مجنون اليه..وإنها تريد أن ترتمي بين ذراعيه وتقل لــه أنه الأقرب وسيكن دائمـًا الأقرب..ورغم ذلك في الحقيقة يستحيل حدوث هذا..حتى أن كان لا زال معها..فالرجل لا يستميل قلبـه الا لذات الدقة المتعالية عن أرادته..صعبة المنال..
أغمضت عيناها واحكمت دموع توسلت لتتحرر..قالت :-
_ من ضمن الوجع..من ضمن حاجات كتير حلوة راحت مني..كنت أنت اجمل وجع وياريته دام جانبي..اتمنى أني ما اشوفكش تاني وأتمنى أشوفك كل ثانية !!
*****
عيناه مرتبكة..قلب يخفق بجنون..لتلك المسافة البسيطة التي تفصله عن عشق قلبه..نعم...لا سبيل للأنكار...احبها منذ أن وقعت عيناه عليــها..كأنها خرجت من أفكاره لتتجسد روح وجسد متفجر الأنوثة أمامـه..همست الشقراء التي كانت شقيقه صديقه اللبناني "چان" وقالت بلهجتها اللبنانية :-
_ وهلا وجيه ، بعد ما بنرجع على مصر ، راح تكون بالقصر ولا بترچع الشركة؟ بعتقد أنه الاحسن ترتاح ببيتك بعد السفر..
خرج وجيه من شروده وأجابها بعدما التقط جملتها الأخيرة :-
_ هوصلك الفندق وبعد كده هرجع القصر ، كلها كام ساعة ونوصل مطار القاهرة..
قالت يارا بابتسامة بعدما رفعت رأسها اليه:-
_ بدي منك تزورني بالمشفى ، خي چان هيوصل مصر يوم العملية بالضبط..راح اكون لوحدي طول اسبوعين..مسكينة أنا !!
قالت ذلك بتذمر طفولي فقال وجيه ليخفف عن تلك الفتاة الذي كانت بمثابة شقيقته الصغرى منذ أن تعرف على شقيقها جان:-
_ أنا قلتلك أني مش هسيبك لحد ما جان يرجع ، أن شاء الله تقومي بالسلامة ونطمن عليكي..
تطلعت يارا اليه بتعجب..شعرت بحسها الأنثوي أن هناك ظل إمرأة يكمن خلف تيهة عين هذا الرجل فقالت:-
_ عينيك شاردين!! ليش مابقيت عم تحكي معي متل الأول ؟! دايمًا كنت تخبرني أني متل أختك وتحكي معي لكن هلا ماعم بدري شو بيصير معك وجيه ؟! حاسي أن اللي مخبايا ورا هالشرود أحداهنّ! احكي..احكي..هترتاح بالحكي..حاسي أنه راح يطق راسك من التفكير !!
ابتسم وجيه ابتسامة لم تصل لعيناه...كانت مجاملة ليس أكثر..فماذا يجيب؟! هل يخبرها أن من سرقت الغفوة من عيناه تجلس بأحد المقاعد الخلفية للطائرة..ربما لولا وجود يارا لكان دفعه الشوق اليها حتى لو بدافع التعنيف..أجاب بجدية:- لا أبداً..بفكر في الشغل مش أكتر..
التوى فم يارا بسخرية فقالت:- عم تُكذب!! خلص ،متل مابدك..تعبني راسي وانا بترچاك تحكي..وهلا وقت النووووم ، good Night Baby
تمتمت يارا ببضع كلمات قبل أن تغمض عيناها وتتيه بغفوة على كتفه ، طريقتها مضحكة وهي تتمتم ، لطالما كان يضحك منها ويسخر من طفوليتها ، أما الآن فكأنه فقد الشيء المتبقي بداخله يناشد صخب الحياة..
******
دقت الساعة السابعة صباحاً..
تسلل ضوء النهار لنافذة الغرفة رويدًا رويدًا ، ولا زال الفتيات مستغرقين بالنوم ، ارتفع صوت هاتف جميلة بصوت سريع ينبيء عن استقبال رسالـة..لم ينتبه أحدًا ببادئ الأمر حتى مر لحظات وعاد الصوت من جديد يشير باستقبال رسالـة أخرى...
تململت جميلة بفراشها حتى نظرت للمنضدة القديمة التي تفصل سريرها عن السرير الآخر..رمقت الهاتف بنظرة كسولة وعقلها يغيب بالنعاس ثم يعود..قالت سما بضحكة كسولة مغلفة بركود النوم:-
_ أقري باعتلك ايه يابت وسمعيني..
تنفست جميلة بسخرية ولم تظن ابدًا أنه جاسر!! قالت بسخرية:- ما اديتلوش رقم تليفوني
تثاءبت سما ثم ضحكت وقالت وهي تفرد ذراعيها بكسل:- هتلاقيه خده من وراكي ،هو هيغلب؟!
مدت جميلة ذراعا لتأخذ الهاتف ولا زالت عيناها مغمضة ثم فتحت عيناها بالكاد وهي تنظر لشاشته المضيئة بإنزعاج من ضوئها ، مرت ثوانِ حتى اعتادت عيناها الضوء لتعتدل بنفضة وقد اتسعت عيناها وهي تقرأ رسالة وكان محتواها...
( صباح الخير يا حبي..بما أن النهاردة قراية فاتحتنا وكده فأحب أقولك...وحشتي قلب خطيبك..)
اطرفت عين جميلة عدة مرات حتى استوعبت ما تراه..انتقلت للرسالة الأخرى وقرأتها..
( هسمحلك بشهرين خطوبة..اكتر من كده هخطفك..ماتختبريش صبري لأني مش صبور...فاهمة يابنت عضلات قلبي ؟)
ابتسمت جميلة للجملة الأخيرة ثم نظرت بتحدي للهاتف وبدأت تكتب رسالة هي الأخرى...
( بقولك ايه..احنا الاتنين عارفين الخطوبة دي لأيه ما تستغفلنيش!! وبعد الشهرين دول كل شيء هينتهي..فاهم يا موتر نبض مرارتي؟ )
كان جاسر ممدد على الاريكة بصالة المنزل ، يبتسم بمرح وهو يبعث الرسائل حتى تلقى رسالةٍ من رقمها..قرأها بنظرة حادة ثم أجرى اتصال على هاتفها ببعض العصبية..
رمقت جميلة الاتصال بتوتر ، لم تحسب أنه سيتصل ايضاً !! قالت سما بضحكة:- عقباااالي يااارب عقبااالي
رفعت جميلة الهاتف وأجابت بعد تردد ولم تترك له الفرصة حتى يتحدث:- جبت رقمي منين ؟! ومين اللي سمحلك تكلمني وتبعتلي رسايل؟!
تنهد جاسر وقال بصوت تعمد أن يبدو هامس:- قلبي اللي سمحلي ، ورقمك خدته من ملفك مش صعبة يعني ! وبعدين في واحدة تكلم جوزها نن عيون قلبها بالطريقة دي؟!
كتم ابتسامته لعلمه أنه اغاظها فصدق حدسه وهتفت منفعلة:- جوز مين يا اخ؟! أنت صدقت؟! هو انا حتى اتخطبتلك عشان تبقى جوزي كمان؟! ده أنت خيالك واااسع بشكل !!
تنهد جاسر مرة أخرى وهو ينهض من الاريكة...اتجه للنافذة العريضة بالصالة وفتحها قائلا عبر الهاتف:- ما تبصيلي من الشباك يا كوكو ؟
عايز اتصبح بخلقتك..بضحكتك
صحح سريعاً ولكنها انتبهت لما قاله ، اشتعلت عصبيتها وقالت :- وأنا مش عايزة أشوف وشك ، الله يكون في عون اللي امها داعية عليها في ليلة ما يعلم بيها الا ربنا وهتكون من نصيبك..
ضحك بثقة ثم همس بمكر :- هتنبسط أوي أوي أوي ، تقصدي أمها دعيالها أنها هتكون من نصيبي ، وأنتي يا كوكو اللي هتكوني من نصيبي وحبيبي...افرحي وبلي الشربات
ارتفعت صوت ضحكته مرة أخرى لإثارة غضبها مما جعلها تغلق الاتصال...دفعت جميلة الهاتف بعصبية فتساءلت سما بحيرة:-
_ مجهزناش هتلبسي ايه النهاردة ؟!
اوعي تقولي هتلبسي النضارة الحلل دي النهاردة؟! وربنا اتف في وشك ؟! واجيب سقراط يكمل تف
زمت جميلة شفتيها وبدأ الارتباك جليًا على وجهها فأجابت :- هلبسها ، هخلي منظري زي الزفت النهاردة ، ده افتكر اننا هنتخطب بجد؟!
سما بغيظ :- اتفوووو التليفزيون سايبينه شغال ليه؟!
*******
حطت الطائرة بمطار القاهرة عند الساعة الثامنة صباحاً..
استعد الركاب للخروج من الطائرة ،بينما ترقبت للي وقد شعرت بجسدها وكأنه تخشب من طول الوقت التي جلست به أثناء الطيران..ترقبت وقوفه...تمنت أن لا ينظر للخلف ويراها ، لا تريده يربح انتصارا آخر وهو يتباهى بتلك الشقراء الفاتنة..أي رجل كان سيتباهى بها فهي رائعة الجمال بشكل ملفت..
اكان كاذباً وهو أن الشعر الأسود يفتنه ؟! أم تراه يساير من تقع بين يداه ويمدح المميز بها؟!
اسدلت رأسها بتخفي ، كأنها تعاين رباط حذائها حتى تكسب آخر ما تبقى لها من كبرياء وماء الوجه...ظلت هكذا لبضع دقائق حتى استقامت وهي تتمنى أن يكن خرج من باب الطائرة...ارتجفت بعض الشيء وهي ترفع رأسها حتى استعادت بعض هدوئها عندما لمحت مقعده خالي..تنفست الصعداء ونهضت من مقعدها..
بعد مرور بعض الوقت وحمدت ذلك الازدحام الذي جعل رؤيتها تبدو صعبة بين هذا الحشد من البشر..
خرجت للي من المطار وهي تجر حقائبها حتى استطاعت أن توقف سيارة أجرة بالخارج...
يبدو أن القدر يأبى هروبها ، فلم تلبث أن وضع السائق حقائبها بالسيارة وكادت أن تدخل السيارة من بابها حتى تجمدت لتلك العينان التي يقف صاحبهما على بعد امتار في الجهة المقابلة ،يقف نفس وقفتها وبيده باب سيارة يبدو أنها كانت بإنتظاره..
نظر اليها وجيه بنظرة معتمة من الغضب والعتاب والعنف والعشق حتى ابتلعت ريقها وهي تشاركه النظرة بحزن والم..استطاعت أن تؤجل دموعها للحظات ، لم يريد ذلك ولكن قدماه ساقته اليها ولم يستمع لحديث مقاومته...
تزلزل ثباتها ، انتفضت دقات قلبها من خطواته المقتربة ، بأي شيء يريد التحدث بعدما فعله؟! انتظرت حتى اقترب وأرادت أن تكتب النهاية وهي رابحة ، حتى لو ربح بسيط ولكن افضل أن تكن الخسارة كليًا...دخلت السيارة الأجرة وأمرت السائق بحدة أن يسرع بالطريق..حرك السائق سيارته وانطلق ينهب الطريق سيراً ...وقف وجيه قبل أن يصل بخطوات ، اغمض عيناه لبرهة معنفا نفسه بشراسة ، أي حمق جعله يذل قلبه اليها من جديد؟!
لا يصدق أنه فعل بكرامته وكبريائه هذا؟! لماذا اقترب؟! وما الذي كان سيقوله؟! كان سيعاتبها...أراد رد الغدر بعتاب عاشق وليته ربح!
*****
رمق السائق بتعجب الذي تبكي خلفه ، فتركت للي لدموعها الحرية كي تذبح روحها ، ايغدر قلبه وتعاتب عيناه؟ أي جبروت يحمله هذا الرجل؟! ولكن حمدت برأفة الصدف ، فهي رغم كل شيء..تحبه وافتقدت نظرته كثيراً...
وقف السائق عند العنوان المطلوب فخرجت من السيارة بحقائبها ثم استعانت ببواب المبنى حتى يعاونها في حملهم..
******
انتهت صلاة الجمعة...وبدأ الفتيات في تجهيز العروس..
اجتمع الشباب في صالة المنزل البسيط الخاص بوالد حميدة وبدأ الحديث والاتفاق على كل شيء...
......بغرفة حميدة....
هتفت جميلة بعناد:- هلبس النضارة يعني هلبس النضارة ، هاتولي أي عباية سودة منيلة بستين نيلة للمقابلة الزفت دي..
قالت حميدة بغيظ:- مابلاش نضارة النهاردة يا جميلة ماتبقيش جافة أوي كده !!
شاركتها سما بسخريتها:- عايزة تطلعه بالمنظر المعفن ده ؟! ده لو كان بيعرف واحدة هيعرف عشرة ، ده هيبوس رجلك عشان تسبيه !!
نظرت رضوى لجميلة وقالت بحيرة:- ليه الموقف ده يابنتي الواد شاري؟! وبعدين بجد بقى شكلك معفن!
وقفت جميلة بتصميم وهي تتمسك بنظارتها وقالت:- مش مهم ، المهم ابعد عن تفكيره أي حاجة كده ولا كده ، ده انا اخاف لو قلتله ازيك اغريه!!
ضحكت سما ضحكة عالية وقالت:- حوشي الانوثة اللي بتقع منك يابت ! ، ده واحد زهق من الجبنة اللي بالقشطة وقرر ياكل مش ، يقوم المش يكتر دوده ههههههههههه وانا اللي كنت جيبالك سر الشياكة يا جزمة
تساءلت رضوى باهتمام:- ايه هو يابت يا سمكة؟!
أقتربت سما من درج الخزانة ببسمة فخورة ثم أخرجت شيء منه واشارت به للفتيات وقالت:- برفان لولوا
هتفت جميلة مرة أخرى بتصميم :- هاتولي عباية سودا ،مش خارجة غير بالعباية السودا والشبشب البلاستيك الأحمر بتاع الحمام
تطلعت سما فيها بصمت فقالت جميلة بتساؤل :- بتبصيلي كده ليه؟!
اجابت سما بصدق:- بحتقرك
إلي هنا ينتهي الفصل السادس عشر من رواية إمبراطورية الرجال
رواية إمبراطورية الرجال
الفصل السابع عشر/الثامن عشر
بمجلس الرجال بمنزل الأسطى "سمعه"
تم الأتفاق على كل شيء فقال سمعه لأبنه"سقراط" :-
_ قوم يا سقراط قول للجماعة يقروا الفاتحة معانا ويجيبوا الشربات
نهض سقراط من مقعده بينما تساءل جاسر كيف تجري العادات بالأحياء الشعبية بعد قراءة الفاتحة..هل سيجلس معها ؟
قال آسر بجدية:- الخطوبة وتلبيس الدبل يوم الجمعة الجاية ، إيه رأيك يا عم سمعه؟
وافق الأسطى سمعه وقال:- خير البر عاجله يابني ، وبالنسبة للشبكة مش هنختلف ، اللي تقدر عليه جيبه دي هديتك أنت لعروستك.
دوت زغرودة عالية من فم الجدة حميدة وهي تبارك وتهنئ الشباب..
دلف سقراط للغرفة المجتمع فيها الفتيات ، فتح الباب ليتفاجئ بجميلة التي من المفترض أنها تكن على أتم الاستعداد والتأنق للخروج معه ، وجدها ترتدي عباءة سوداء شديدة القتامة بغطاء رأس ذات اللون فقال بدهشة :- هو مين الل مات؟!
انتعلت جميلة الشبشب الأحمر وأجابت:- أنت جاي تاخدني صح؟
تطلع اليها سقراط من رأسها حتى اخمص قدميها بنظرة مذهولة وقال:- أنتي هتخرجي لعريسك كده ؟ انا لو مكانه هرجع في وشك
قالت سما بغيظ:- اهو غبي بس فهم !
تلقت سما ضربة قاسية على ذراعيها من سقراط فباغتته بلكمة عنيفة على كتفه بمناوشة طفولية..
قالت جميلة وهي تعدل نظارتها على انفها:- هو ده اللي عندي ولو مش عايزني أخرج يكون احسن..
قالت حميدة بضيق:- أنتي حرة ، صينية الشربات جاهزة قدامك اهيه ، خديها وقدميها..
نظرت جميلة بتوتر لأكواب العصير الأحمر ، كانت يداها رغم عصبيتها ترتعشان بخجل شديد يجتاح قلبها..
تظاهرت بالثبات وأخذت الصينية وخرجت من الغرفة لترفع رضوى صوتها بزغرودة عالية...قالت سما بقوة:- مش مهم النهاردة ، بس غصب عنها في الخطوبة هتتعدل
هزت حميدة راسها بموافقة:- عشان كده ما اجبرتهاش ، وهو كده كده عارفها مش هيتفاجئ ، بس يوم الخطوبة هجيبلها اللي تزبطها وتخليها قمر..
******* صلِ على النبي الحبيب
سار سقراط بجانب جميلة وهي تحمل الصينية وتمتم :-
_ جاب الهم لنفسه العبيط ، بقى حد يتجوز الأشكال دي؟!
تجاهلت جميلة كلمات سقراط الخافته بينما اشتد ارتجاف يدها وهي على بعد خطوات بسيطة من الرجال..
همس يوسف لجاسر وقال بضحكة خافته:- فاكر لما قلت عليها صلصلة ؟! اديك غرقت في الحلة ولا حد سمى عليك !
سومه جاسر بنظرة ساخرة وقال:-
_ مش أنا اللي أغرق وبس بقى بطل رغي خليني اتصدم بهدوء
تعجب يوسف وتساءل:- تتصدم ؟!
ظهرت جميلة امامهم وهي تحمل الصينية وقد تصلب ظهرها عن الحركة!! ، حملق جاسر عيناه بغيظ بعدما لمح ما ترتديه ولم يصدم كثيرا فقد توقع الأسوء...تمتم:- يا بختك الأسود يا جاسر!!
..أخذ سقراط الصينية من يدها عندما رأها قد تسمرت وقال:- معلش اصلها بتوحرج
نغزها بذراعها قائلا بتمتمة:- ما تسلمي يا بومة !!
القت جميلة السلام عليهم ثم وقف الثلاثي الشباب واستأذنوا بالرحيل وقد عارض سمعه ذلك ولكنهم صمموا وانصرفوا بعد لحظات ، تبقى جاسر الذي ظل جالسا يتطلع اليها بنظرات منها غاضبة ومنها الذي وكأنه يكتم ضحكة عالية..
هتفت الجدة حميدة على أبنها وقالت:- سيبوهم يابوا حميدة يتكلموا مع بعض شوية ويعرفوا بعض أكتر..
نظر جاسر لجميلة بنظرة ماكرة وقال بعدما اصبحوا بمفردهم:- للدرجادي فرحانة ؟
تطلعت اليه بدهشة!! ظنت أنه سيغتاظ وينفعل !! دائما يعكس توقعاتها فأجابت:- ايه باين عليا الفرحة؟!
صمت للحظات حتى وعلى عين غرة خطف نظارتها الطبية التي تخنق بها عيناها السوداء الحكيلة..اتسعت عين جميلة بصدمة وهو ينظر لها نظرة طويلة عميقة بها شيء دافئ..اجفلت من نظرته لها ثم تحركت لتركض للخارج حتى جذبها من يدها اليه وقال بهمس :- حلوة اللعبة...بس بصراحة أنتي أحلى..قابلت بنات كتير بتعمل اي حاجة عشان تبين جمالها بس أول مرة اشوف واحدة بتخفي أي جمال فيها ومع ذلك محدش جنني ادك !!
ابتعدت عن قبضته وقالت بعصبية :- ما تحلمش بأكتر من خطوبة هتنتهي بعد فترة لأني مش عايزاك
تحركت عروق فكيه بعصبية...من هي لترفضه؟! اقترب اليها واقتنص المسافة بينهما فابتعدت خطوة ولكنه جذبها اليه مرة أخرى بعصبية وهمس بقرب وجهها وعيناه تتوعد بتحدي:-
_ وأنتي مستعجلة ليه ؟! اصبري على رزقك ، أنتي هتعوزيني وأوي كمان...زي ما أنا
قطع حديثه وهو ينظر لكامل تفاصيل وجهها بلهفة واضاف:- عايزك
غلى الدم بعروقها ودفعته بعنف وهي تشير له بسبابتها محذرة :- انا عمري ما هعوزك ، لأنك ما تستحقنيش ، ومش أنت اللي ادخل عتبت بيته وانا مبسوطة ومطمنة ، أنت انسان مغرور مش شايف غير نفسك !! مقتنع أنك ما تترفض وأي واحدة تقابلها لازم تقع في هواك؟! بس أنا لأ...لأني لما هقبل بواحد يكون شريك حياتي اكيد هيكون انسان محترم مش زيك !!
ضيق عيناه بلمعة ساخرة وقال:- بكل العيوب اللي فيا هتحبيني ، وبكل أرادتك هتتمني أنك تبقي مراتي وهتبقي ما تقلقيش ، هفكرك قريب أوي..طالما أنا عايزك يبقى هاخدك
مر من جانبها ووقف قائلا بهمس وهو يعطيها النظارة السميكة :- عنيكي حلوة ، ليكي حق تداريهم ، بقية الاكتشافات هعرفها بنفسي مش هستنى الصدف..
ابتسم بمكر وهو يرى خوف نظراتها منه وهي ترفع أناملها لتأخذ النظارة بإرتباك، خرج من الغرفة وتركها تقف متجمدة مكانها...
أتى الفتيات اليها راكضين وهتفت سما بعد زغرودة عالية:- الف مبروك يا بت عقبال الفرررح
توجهت رضوى للخارج وهتفت بفرحة:- هروح اشغل الصب ونحتفل بقى ونفرح شوية
راقبت حميدة نظرات جميلة التائهة بخوف فقالت لسما:- روحي اعملينا عصير لزوم القاعدة يا سمكة
ركضت سما ملبية الطلب بضحكاتها المعتادة...اختلت حميدة بجميلة وجلست على الاريكة بالغرفة وقالت :- قلقانة ليه؟!
ابتلعت جميلة ريقها بنظرة خائفة
، قالت بتلعثم :- انا خايفة مش قلقانة يا حميدة ، خايفة منه ، ومن ضعفي قدامه ، ومن تصميمه يكسرني ، أنا ما استحقش واحد زي جاسر لأ ، أنا عايزة أعيش مرتاحة في حياتي..
حميدة بقلق:- حصل حاجة مابينكوا خوفتك كده؟!
روت لها جميلة ما حدث لتقل حميدة بضيق:- قليل الأدب وكنت عارفة كده ، خدي بالك من نفسك وأنتي معاه لحد ما تسبيه ، أنتي تستاهلي واحد احسن منه يا جميلة كفاية عقلك
جميلة بتوتر وهي تفرك يديها :- حاسة أني وقعت في فخ ، مش ده اللي هسيبه وهيسيبني في حالي ، مش عارفة ليه دايمًا طريقي مليان شوك؟! المصيبة الأكبر أني ساعات بحس أني عايزة أصدقه ، وساعات بحس أن في حاجة في عنيه صادقة ، انا خوفي من نفسي اكتر من خوفي منه..
فكرت حميدة لبعض الوقت ثم قالت مقترحة:- الخطوبة الأسبوع الجاي ،هتبقى عائلية هنا ، متروحيش الشغل الأسبوع ده وهخلي يوسف يمسك الشغل بدالك لحد ما ترجعي ، فكري كويس وبعيد عنه وبالمرة يحس أنك مش مدلوقة عليكي ويتجنن اكتر..
صمتت جميلة لدقائق ثم أجابت بموافقة:- ماشي ، انا محتاجة فعلا اكون لوحدي..
******لا حول ولا قوة الا بالله
باليوم التالي...بالمكتب...
دلف الفتيات الثلاث صباحاً وهذه المرة وجدوا الشباب قد سبقوهم بالمجيء..جلست حميدة وهي تضع يدها على رأسها مع غزو الصداع الذي رافقها منذ صحوتها..ذهبت كل فتاة لعملها بينما وقف يوسف أمام المكتب بقلق...ضاق لمظهر الأرهاق البادي على وجهها فقال:- مالك في ايه؟!
نظرت له حميدة بعين ذابلة وقالت بصوت متعب :- صداع من ساعة ما صحيت ، مش شايفة قدامي ..البنات كانوا مصممين أغيب بس ماينفعش..الشغل كله بيرجعلي انا عشان اخلصه.
ضيق يوسف عيناه بعصبية وقال:- كويس انك ماغبتيش
تفاجئت بقوله!! الهذه الدرجة لا يفكر سوى بالعمل؟! نظرت له وقد شعرت أن حمول أخرى اثقلت كاهلها بجانب المرض ، ابتلعت ريقها بصعوبة وخرج صوتها مرتعشا من الخذلان وقالت بيأس:-
_ الشغل أهم طبعاً ، عندك حق
تنفس يوسف بحدة وهتف:- لأ طبعاً الشغل مش أهم منك يا غبية ،تعالي معايا الصيدلية اللي تحت نقيس الضغط ، يمكن هو السبب ، حاجة سريعة على ما اجيبلك دكتور
تسمرت حميدة لانفعاله الواضح ! ، انقشعت تلك الغمة عن كاهلها ، هتف يوسف بها عندما وجدها لا تستجيب لندائه:-
_ يلا تعالي معايا ، قومـــي !!
صدقا لو اعترفت أنها تريد الضحك !! ، كلما انفعل كلما زادت ضحكتها المختبئة...الغضب لا يليق به ، المرح والابتسامة والتصرف بعفوية وطفولية فقط ما يغمروا ملامحه ، هذه النوعية من الرجال ليست بسيطة!! فإذا أظهروا مكرهم ركضت قلوب احبتهم دقاً ، تخيلته للحظات لو قال أحبك ببعض المكر؟! لو جذبها لذراعيه بابتسامة ماكرة؟! هذا الطفل الكبير؟! مسكين قلبها !
ابتسمت حميدة بشرود وحقا نسيت الم رأسها لبعض اللحظات ، اغاظه صمتها وصاح:- يابنتي يلا بقى مش هعرف اشتغل وأنا قلقان عليكي وشايفك كده؟! اقسم بالله لو ما جيتي معايا للصيدلية ماهتشغلي النهاردة ها
اتسعت ابتسامتها بشبه ضحكة فتعجب يوسف منها!! ابتسم رغما وقال بمزيج من اللوم والمرح:- بتعصبيني وبتضحكيني؟!
قالت بتسلية :- أصلك بطلت تقول يا صاحبي !
لوى يوسف شفتيه بضحكة وقال:- نسيت الصداقة لما شوفتك تعبانة ، يلا بقى يا حميدوو
نهضت حميدة وحاولت أن تخفي تلك الابتسامة من ثغرها ، ربما لاحظ سعادتها في اهتمامه؟ ورغم رقة ما شعرت به فهي تعرف أن قلبه مثل الطفل الصغير الطيب ، لذلك تعشقه!!
******* استغفر الله العظيم واتوب إليه
**بمكتب جاسر**
ذرع المكان ذهابا وايابًا بإنتظارها...اتلعب تلك اللعبة وتجعله ينتظر؟! منذ الامس وعيناها لم تغب عن باله لحظة! فإن كان يريد الانتصار عليها مرة فبعد الأمس يريد ذلك الف مرة...تنفس بغيظ من تأخرها بهذه الطريقة...دلف يوسف اليه ولاحظ عصبيته فقال:- على فكرة خطيبتك مش هتيجي النهاردة
التفت جاسر بدهشة وهتف:- أنت بتقول ايه؟!
أضاف يوسف ببساطة:- ولمدة أسبوع جاي كمان ، لسه حميدة قايلالي ، قالت أن جميلة تعبت شوية امبارح والدكتور حذر ما تتعبش نفسها في الشغل..
انعقد حاجبي جاسر بضيق ، بقلق ،بغيظ وغضب ، وشعور بأن الأمر متعمد منها ، ولكن شيء بداخله قلق أن يكن الأمر حقيقة...أخذ هاتفه من على المكتب وقال ليوسف:- طب انا هروح اشوف الموقع الجديد يا يوسف ، لما نرجع نبقى نتكلم في التفاصيل..
خرج دون أن ينتظر رد يوسف ، لوى يوسف شفتيه بتعجب وعدم فهم حتى خرج هو الآخر من المكتب...
***** لا اله الا الله
منذ وصول للي بالأمس وقد قررت زيارة الفرع الجديد لل"بيوتي سنتر" الخاص بها بالحارة الشعبية...صممت أن تستأنف العمل بأقصى سرغة فيكفي بكائها طيلة الليلة الماضية..استقلت سيارتها بهذا الصباح بإتجاه الفرع الجديد...
بعد مرور ساعة...وقفت السيارة بالمكان التي زارته عدة مرات بالسابق ليكن باستقبالها فتاتين من المساعدين لها..قالت جمانة بترحاب:- أخيرا القمر رجع؟ حمد الله على سلامتك يا للي
ابتسمت للي للفتاة بود وصافحتها ثم قالت الفتاة الأخرى وتدعى" سارة" من ساعة ما كلمتينا امبارح واحنا ما صدقنا ،واقفين بقالنا نص ساعة مستنينك
رحبت للي بالفتاة الأخرى ثم اخرجت احد الفتيات المفاتيح من حقيبتها وقالت:- هتتفاجئ بجد المكان ولا في الخيال ،خسارة يبقى في حارة والله..
فتحت الفتاة الباب الحديدي الذي يخلفه باب آخر زجاجي باللون الوردي...دلف الثلاثة للمكان وبدا على نظراتهنّ الاعجاب الشديد وقد تم الانتهاء من تجهيز المكان تمامًا..
قالت للي باستحسان:- هنبدأ من بكرة أن شاء الله
التفت الفتيات اليها بدهشة وقالت احداهنّ:- بالسرعة دي؟! مش هتستني الدعاية؟!
تنهدت للي وقد أصبح كل شيء سواء فلم يعد شيء يبهجها وأجابت:- لأ ، أنا عايزة اشتغل ليل نهار ، نبقى نعمل الدعاية واحنا بنشتغل ، المواعيد جهزتوها ولا لسه؟!
اجابت سارة وهي تخرج دفتر ملاحظات صغير:- في حجز كتير الفترة الجاية ، أول حجز هيبقى بعد اسبوعين ، الجدول مليان مشاء الله..
أومأت للي رأسها وهي تتمنى أن لا يتذكر عقلها بخضم العمل تلك الأيام الحالمة بعاصمة الحب..
خرجت من المكان وهي تتحدث مع الفتيات لتشهق جومانة بصدمة عندما وجدت اطار سيارة للي مثقوب ويرتخي على الأرض...
تطلعت للي بذهول للسيارة ورأت شاب يبدو أنه هو الفاعل يواليها ظهره ويبتعد عن السيارة فتوجهت له بعصبية حتى اوقفته هاتفة:- أنت اللي عملت في عربيتي كده؟!
استدار الشاب لها وتطلع اليها بتفحص فأجاب بمغازلة:- هو القمر نزل في حارتنا ولا ايه؟!
هتفت للي بالشاب الذي يبدو أنه لم يتخطى سنواته العشرين ، فكرر الشاب كلمات المغازلة وهو يقترب الى للي ليجذبه سقراط بعصبية:- أنت اتجننت ياض انت ؟! مش عاملي اعتبار خالص...ماشي
جمع سقراط اصبعيه اسفل لسانه وصفر عاليًا ليجتمع حشد من الصبية وبدأو في لكم الشاب العشريني حتى ركض بعيداً...نظر سقراط الى للي بابتسامة وقال:- أي خدمة
ابتسمت له للي بشكر وقالت:- متشكرة أوي ، انت اسمك ايه؟
أجاب سقراط وهو ينظر لها بهيام:- سقراط أوي
تعجبت للي من الاسم ولكنها لم تحب احراج الصبي فقالت:- طب يا سقراط ، ماتعرفش مكانيكي هنا يصلحلي العربية؟!
نظر سقراط للسيارة وقال لها :- استريحي هنا ، ساعتين وعربيتك هترجع احسن من الأول كمان ، طول ما انا معاكي ما تقلقيش
اتسعت ابتسامة للي بامتنان واعجبها شهامة الصبي الصغير بينما هتف سقراط بالصغار وقال :- اللي يقرب لها يجيلي على ورشة أبويا ، دقيقة وراجع مش هتأخر
لوح لها سقراط قائلا ليطمأنها:- محدش هيجي جانبك ما تخافيش ، شوية وراجع...
هزت للي رأسها بأمتنان وعادت لمكان عملها الخاص بانتظار وصول الميكانيكي...
ركض سقراط بالطريق وهو يدندن مقطوعية شاعرية حتى وقف أمام ورشة والده وقال:- اباااااااا
ذعر الاسطى سمعه وهتف:- هتجيبلي صرع يا حمار !!
قال سقراط مبتسما :- أنا قررت اخطب
💖💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖💖
الفصل الثامن عشر
امعن والده النظر به لوهلة دون فهم ثم أجاب بسخرية واستهزاء:- مش لما تبقى راجل الأول تبقى تخطب يا أهبل !
التوت شفتي سقراط على جانبي فمه بضيق وغيظ فهتف به والده:- ماتنطق ياض عايز ايــه؟!
قـال سقراط بتبرم:- عايزك في مصلحة
روى له سقراط أمر"للي" فقال سمعه مستفسرا :- هي فين ؟
أشار سقراط للجهة الخلفية وقال:- على قمة الشارع في المحل الجديد ، بس عايزين نكرموها بقى دي تبعي
التقط سمعه منشفة مقلمة اللون ملطخة ببقع الزيت والشحم ومسح بها يداه ثم أجاب:- كده كده هنكرموها ، دي تعتبر دلوقتي بنت المنطقة ، تعالى معايا وريني مكانها فين..
ذهب سقراط مع أبيه لمحل "للي" الذي يبعد امتاراً من ورشة الأسطى سمعه..
وقفت للي تنتظر الصبي بالمحل الخاص بها حتى انتبهت لصوت سقراط وقد أتى مع رجل بشوش الوجه يشبهه في الملامح كثيراً...
تنحنح سقراط قبل أن يدلف متجها اليـها وقال:- جبتلك أبويا بنفسه..الأسطى سمعه
رحبت للي بالرجل حتى قال سمعه بلطف :- ما تقلقيش دي حاجة بسيطة ومش هتاخد وقت معايا...شوية وهكون غيرت العجل..
شكرته للي بامتنان:- متشكرة جدًا ، أنا هستنى هنا على ما تخلص
خرج سمعه للسيارة وأرسل سقراط لصبيه الورشة حتى يأتوا بالأدوات اللازمة لتغيير الاطارات المثقوبة..
****** صلّ على النبي الحبيب
**بالمكتب**
شردت حميدة بابتسامة لم تفارق محياها منذ أتت من الصيدلية برفقته..كلما تذكرت ما مر منذ دقائق ماضية....(فلاش باك)
"" بالصيدلية""
وقفت حميدة وعيناها ذابلة بعض الشيء من الالم الذي يزداد برأسها مع كل خطوة ، أتى طبيب صيدلي شاب وتساءلت عيناه عن المطلوب فقال يوسف:- عايز حد يقسلها الضغط
جر الطبيب الصيدلي جهاز قياس الضغط من المنضدة الزجاجية وقال لحميدة:- لو سمحتي ارفعي الكُم
اطرفت عيناها بخجل لا سيما انها تقف بين أثنين من الشباب فهتف يوسف بها بحدة:- استني انتي بتعملي ايه؟!
رمقها بنظرة حادة نادرا ما كانت تراها بعيناه ثم اشار لفتاة حتى تأتي ، فهم الطبيب هذا التصرف وظن أنها ربما تكن خطيبته أو زوجته أو حتى شقيقته..ابتعد بهدوء دون جدال وترك الفتاة تجري قياس ضغط الدم..اتجه يوسف لاتجاه آخر ونظر لجهة أخرى لبعض الوقت حتى لا يشعرها بالحرج نظرا لظهور جزء ولو بسيط من ذراعها..تعجبت الفتاة وهي تضبط المقياس بيدها لابتسامة حميدة التي كادت أن تتحول لضحكة!! لأول وهلة تعجبت ثم فطنت الأمر فابتسمت هي الأخرى بصمت...
انتهى الأمر وخرجت حميدة مع تعليمات الطبيب الصيدلي لارتفاع الضغط...سرقت نظرة جانبية ليوسف الذي يسير برفقتها باتجاه المبنى وأرادت بشدة أن تعرف سبب ضيقه فتساءلت بابتسامة مترددة على شفتيها:- مالك كده كأنك زعلان من حاجة؟!
رمقها بغيظ وقال:- مافيش..
نظرت للأمام بضحكة مكتومة ، نظرته المغتاظة تديرها تسلية ومرح ، حتى بغضبه يبدو مضحكاً!!
دلفت للمكتب معه وجلست أمام مكتبها ، هتف يوسف على على الساعي ليأتي بعصير طازج لكليهما وجلس بمقعد قريب من المكتب..تطلعت اليه بمرح والضحكة تكاد تفلت من شفتيها...شعور رقيق يجتاح قلبها عندما تشعر بملامح الغيرة بعيناه..كالطفل الثائر على دميته!! أتى الساعي بكوبين من العصير الطازج فأخذ يوسف احد الاكواب ووضعه أمامها فشكرته بلطف...انتظرت حتى يأخذ كوبه ولكنه لم يفعل وتظاهر بالنظر لأحد الأوراق...قالت بتساؤل:- اشرب العصير أنت كمان!!
أجاب دون أن ينظر لها:- مش عايز...انا طلبت اتنين ليكي أنتي
كتمت ضحكة أخرى وقالت :- يا دوبك أشرب ده
رفع عيناه واتضح أنه يمر بحالة عصبية وهتف:- اشربيهم من سكات وسيبي الشغل هكمله أنا..
نظرت له لدقيقة بصمت ثم انفجرت من الضحك واحمرت وجنتيها بشدة...ابتسم يوسف رغما عنه وقال:- نفسي أعرف ايه اللي بيضحكك وأنا متعصب!!
تحكمت حميدة بنوبة الضحك وأجابت بابتسامة عريضة:- مش عارفة بس مش بقدر امسك نفسي من الضحك..وبصراحة مش عارفة متعصب ليه؟!
اشار يوسف لذراعيه وعاد غيظه فقال:- يقولك ارفعي الكم فترفعي كده على طول؟! وبعدين ده شاب ؟!! يعني...
صمت بحيرة من متابعة الحديث...ابتسمت له بمكر وقالت:- ده دكتور لو ناسي ، يعني غصب عني
لوى شفتيه بغيظ ولم يجيب فضحكت دون صوت وتابعت ارتشاف العصير...
****** لا حول ولا قوة الا بالله
عادت من شرودها وتحمل ابتسامة صادقة...ابتسامة مطمئنة لمشاعرها لهذا الرجل الذي سيبدو أنه سيظل طفلاً متذمرا للأبد..تحبه..متأكدة من مشاعرها...ثمة لذة عندما تحب المرأة رجلا بقلب طفل..يبدو أن قسوة العالم لم تصل لأطراف قلبه...أخرجها صوته من شرودها وقال مبتسما بمرح بعدما خرج من مكتب جاسر:- بتضحكي على ايه؟!
نظرت له وقالت بهدوء وابتسامة:- اصل الصداع راح الحمد لله
تنهد بإرتياح وقال:- الحمد لله..مش بحب أشوفك تعبانة والله...بحس أني انا اللي تعبان..
نظرت بجهة الحاسوب وكسا وجهها الخجل فقالت بابتسامة :- بعد الشر عنك..مكنتش عارفة أنك هتزعل عليا كده
جلس يوسف امامها وقال بعفوية:- في حد ما يزعلش على صاحبه؟!
عاد شعور الغيظ بداخلها فصرّت على أسنانها بتمتمة خافته مغتاظة.
***** استغفر الله العظيم
***بمكتب آسر***
ظلت سما ترفع عيناها اليه بين الحين والآخر...عله ينظر ،يشعر بوجودها ، يتحدث في اي شيء..ولكنه بدا غارقاً بفكره وهو ينظر للتصاميم النهائية للمشروع الأول لهم..قالت سما لتقطع هذا الصمت المزعج:- اعملك قهوة؟
كأنه انزعج بالفعل..ونمّ صوته أنها تحدثت بالوقت الخطأ فأجاب بجفاء واختصار:- لأ
مطت شفتيها بضيق وغيظ ، ثم ظلت دقائق وقد انهت عملها على الحاسوب وقالت مجدداً:- قولتلي أنك هتشرحلي التصميم الجديد !
ارتفعت نظرته من الأوراق اليها بصرامة ، وكأنه صفعها بتلك النظرة الحادة ، أجاب باقتضاب:- مش فاضي
اسدلت عيناها بصمت وبضيق ، كأنها فعلت مكروها له ليعاملها هكذا ، ظهر العبوس على وجهها فأنتبهت للأوراق التي دفعها من يده بعصبية وهتف:-
_ موضوع أني اشرحلك التصميمات ده حاجة خارج شغلك اصلا بس قلت كده عشان تتعلمي ، لكن مش معناه أنك ملزومة بده ولا أنا كمان ملزوم أني اشرحلك...شوفي شغلك احسن!!
ابتلعت سما ريقها بصعوبة ، ادمعت عيناها رغما عنها..حدجها بعصبية ثم نهض وخرج من المكتب صافقا الباب خلفه!! أطرفت عيناها بحيرة وقالت :- أنا عملت ايه عشان يعاملني كده؟!
فتح الباب وقد ظنت أنه هو ولكن ظهر امامـها المهندس أسعد..تحاشت سما النظر لأي جهة سوى للحاسوب امامها ، تأملها أسعد بتعجب من دموعها التي تلتمع على وجنتيها بوضوح فتساءل بلطف :- بتعيطي ليـه؟!
تفاجئت سما به ، رفعت عيناها اليه وترددت في الاجابة ، تلعثمت قائلة:- لا أبدًا ، دي حاجة دخلت في عيني
قال أسعد برقة:- طب ممكن تقومي ؟ لو سمحتي
نبرته المهذبة جعلتها تنهض وهي تنظر للأسفل ، أخرج أسعد من جيبه علبة المناديل الورقية وأخرج منهما واحدًا ثم ما لبث وقال بمرح :- لأ خدي العلبة بحالها..
ابتسم ابتسامة لطيفة جعلتها تظهر ظل ابتسامة لتشكره بلطف وهي تأخذ منه العلبة حتى لا تحرجه:- شكراً
أشار لوجهها بضحكة وقال:- بالتكشيرة دي مش هقبل شكر
اتسعت ابتسامتها مجاملة فقط ، ليس شعورا بمزاحه...كررت :- متشكرة أوي..كفاية منديل واحد
أخذت منديلا وأعطته العلبة فقال بمرح:- لأ خلاص ، يدوبك تكفي دموعك بعد ما أمشي ،أكيد آسر هو اللي ضايقك...صح؟ عايز اقولك أن دي طريقته معانا كلنا واحنا صحابه...مع أن بيتعامل مع الغرب بشياكة زايدة!!
شردت سما قليلا في حديثه..هل هذا يعني أنها لم تصبح غريبة بعد؟! نمت ابتسامة صادقة على شفتيها وهي تائهة بفكرها وقد نست أنها بالمكتب...ونست ايضا من يقف أمامها ويتحدث بمزاح..واكبر ما تغافلت عنه أن آسر متوقع ظهوره بأي لحظة...
دلف للمكتب ليقف فجأة ناظرا لهما بصمت مريب ، تنقلت نظرته بينهما بتساؤل غاضب وصامت أيضاً...ابتسامتها ضحكات اسعد ، ووقوفهما أمام بعضهما كأنه ضبطها بالجرم المشهود!! انتبهت سما اليه واحتارت من الغضب الذي قتم لون عيناه الصافية باللون العسلي ، توجه أسر لهما بخطوات بطيئة ثم عقد ساعديه أمام صدره وعيناه لا تنبئ بالخير...قال بصوت أجش:- في ايه؟!
كان سؤاله اقرب للاتهام ، هكذا اتضح بنبرته ونظرته الشرسة التي تنتقل بينهما بغضب ، أجاب اسعد ببساطة :- هو ايه اللي في ايه؟! مزعل آنسة سما ليـه؟! حرام عليك يا آسر دي مش حملك !!
راقها أن أسعد يدافع عنها أمام آسر ، وراقها تلك النظرات التي تتطاير شرر غضب بعيناه ، اجلت الابتسامة لوقتٍ تكن فيه بمفردها...قال آسر من بين أسنانه ونظرته قاتلة على أسعد:- وأنت بقى المحامي بتاعها ؟!
ارفق أسعد ذلك بمزاح ، احتارت سما أن كان فهم مقصد آسر أم اعتاد رد حديثه بالمزاح!! أجاب:- لأ انا مهندس مش محامي للأسف ، بس ممكن ابقى محامي وقت اللزوم..أنت هتوجعلي دماغي ليه ياعم أنت ، أنا جايلك عشان اراجع معاك شوية حاجات كده..
بدا أن آسر أخذ من قوته حتى يتمالك أعصابه..أجاب بنظرة ثاقبة لا تخلو من الغضب الصامت :- مش النهاردة يا اسعد ، في بكرة اجتماع للتيم بتاعنا ، اجل الكلام لبكرة.
أجاب اسعد بضحكة ساخرة:- وانا اللي جاي ومتحمس ؟! عموماً خلينا لبكرة...مع السلام بقى
توجه لسما وقال بمرح:- ابقي اختاري الأيام اللي أنا جاي فيها وعيطي عشان اكون موجود واضحكك...هعمل حسابي بعلبتين مناديل المرة الجاية..
ابتسمت سما وهي تتجه للحاسوب وخرج اسعد من المكتب...بينما ظل آسر بمكانه ينظر لها نظرة صامته طويلة وعميقة ، أرادت أن تبتسم بمرح لمعرفتها أنه يريد صفعها الآن من غضبه ، هتف آسر:- قومي اقفي
ذات الأمر ولكن الآن أكثر قسوة وخشونة ، فكرت بمكر وقالت:- حتى أنت بتقولي كده؟! بس باشمهندس أسعد بصراحة قال كده عشان يخليني ابطل عياط...
أخذت علبة المناديل وأخرجت منها واحدة ، جففت وجهها الذي جف تقريبا من نزف الدموع عليه ، قالت بخبث:- انسان مؤدب جدًا
صاح آسر بشراسة:- قلتلك قومي اقفي
لم تنزعج من غضبه بل ابتسمت لنفسها بخبث ، نهضت ووقفت امامه بهدوء...قالت بثبات:- نعم؟!
ضيق عيناه بغضب يحاول لجمه ، أشار لها بتحذير :- لو اللي شوفته ده اتكرر تاني رد فعلي مش هيعجبك..
كأنه يتهمها بتهمة مخزية قالت بعصبية:- ليه هو أنت شوفت ايه أن شاء الله؟!
ضغط على أسنانه بعنف قبل أن يجيب:- أنتي في شغل يا أنسة مش في كافيه على النيل والمشهد الشاعري ده !! أنا مش هكرر...
قاطعته سما بغيظ :- أنت بتقول ايه؟! انا ما اسمحلكش تتكلم عني كده!! كافيه ايه ونيل ايه ؟! ده واحد دخل لقاني بعيط بعد ما اتكلمت معايا بأسلوب غريب ، كل المشكلة بقى انه اداني منديل وانا شكرته؟! فين المشكلة في ده؟!
سلط عيناه الغاضبة عليها وهتف :- أنا حذرتك ، ومش هكرر كلامي تاني..
اقترب اليها بضع خطوات تقريبية وقال بحدة :- ما تضحكيش معاه تاني ولا مع أي حد أنتي فاهمة ؟
قالت مبتسمة :- مش أوي
اغاظه ابتسامتها وصاح:- أنتي مستفزة !!
رمقته بعتاب ولم تقل شيء ،جلست وتظاهرت بأنغماسها بالعمل..امتلأ وجهها بالعبوس فرمقها بضيق...عاد لمكتبه وجلس على مقعده وراقبها بحيرة ، مابه؟! وما الذي يفعله ؟! عبوسها يضيقه...ظل مترددا للحظات حتى نهض مقترباً اليها...قال ببطء وبشيء وكأنه يعتذر بخفاء:- تعالي اشرحلك التصميم اللي طلبتيه
أجابت بجمود ولم تنظر له :- مش عايزة اعطلك..
قرع باب المكتب فجأة فسمح آسر بالدخول وعاد هاتفا بها بغيظ:- تصدقي أنك فعلا مستفزة وانا غلطان أني كنت بصالحك
استدار بعصبية ولم يحسب مجيء الساعي وبيده فنجان قهوة وكوب من عصير الكوكتيل قد طلبه لها...انسكب محتويات الأكواب على قميصه الأسود فاتسعت عين سما بذهول وركضت عليه بقلق...قال آسر بضيق من شعور القهوة الساخنة على جسده:- مش تخلي بالك ياعم مرزوق؟!
قال الرجل معتذرا بأسف:- معلش يابني ،والله ما اقصد..
اخذت سما علبة المناديل سريعا ومررت منديلا على ذراعه قائلة:- مايقصدش معلش ،استنى همسح القهوة من على ايدك
ذهب الساعي ليأت بكوب ماء للتنظيف حتى جالت نظرة آسر على وجه سما وهي تنظف كم قميصه بلهفة واضحة...ابتسم ببطء واحب لهفتها عليه..انتبهت لنظراته فابتعدت قائلة بمكر وهي تعطيه المناديل:- كمل أنت ، علبة المناديل بتاعت باشمهندس اسعد نفعت
اشتعلت نظرته غبضا والقى علبة المناديل على الأرض بعصبية وخرج من المكتب بخطوات سريعة
وضعت سما يدها على فمها بضحكة وقالت:- شهرياري هههههه
******* الله أكبر
***بمكتب رعد***
انشغل رعد ورضوى بمراجعة أحد الملفات حتى دق هاتفه الخاص باتصال..نظرت رضوى للهاتف القريب منها وهي تقف بجانب رعد وقالت:- تليفونك..
نظر رعد للهاتف بضيق وقال :- ردي
تطلعت اليه بدهشة!! فكرر كلمته وهي ينظر للملف بتمعن:- بقولك ردي!
ارتفع حاجبيها بتعجب ولكن اطاعت الأمر وجذبت الهاتف اليها ،رمقت الشاشة بنظرة حادة عندما وجدت اسم " سمر" اجابت ببعض الحدة :- الو؟
أجابت سمر باستغراب وقالت:- مين معايا؟! دي نمرة رعد مش كده؟!
لوت رضوى شفتيها بغيظ وأجابت:- أه هي!!
تساءلت سمر بتعجب:- طب وأنتي مين؟؛
هتفت رضوى بعصبية فنتج ظهور عقدة لسانها:- سكيكته (سكرتيرته)
انتبه رعد على الكلمة فنظر اليها بضحكة وأخذ منها الهاتف محاولا كتم ضحكته ، رفع صوت الهاتف للسماعة الخارجية عندما رمقها غاضبة وأجاب والهاتف بيده عن بُعد:- ايوة ؟
قالت سمر بضحكة:- مين اللدغة اللي ردت عليا دي؟! فصلتني ضحك
جاهد ليكبت ضحكته وقال:- عايزة ايه يا سمر؟
قالت سمر بمرح:- أنت ناسي أن فرحي بعد اسبوعين يا ندل؟! وفين المجرمين التانيين مش عارفة اوصلهم !! انا عرفت اللي حصل من عمو وجيه وعمالة ادور عليكم مش لقياكم !!
قال رعد بعبوس على ذكر عمه:- ما تقلقيش ، هنحضر انا وولاد عمامي ، اكيد ماينفعش مانحضرش فرح اختنا الصغيرة
شدد رعد وهو ينظر لرضوى بضحكة على كلمة"اختنا" فرمقته ببسمة حاولت أن تخفيها وقد هجر العبوس ملامحها...قالت سمر بضحكة:- بس خلي بالك بقى أن بنات عمو خالد جايين ، اوووو ده هيبقى فرح الموسم وانتوا كلكم متجمعين ههههه
قال رعد بسخرية:- كالعادة يعني ، بنات لزجة ومايعة وبتاعت مقالب
اضافت سمر بتحذير:- بس خلي بالك بقى عشان مايحصلش زي المرة اللي فاتت ،المرة اللي فاتت عدت على خير بس راندا ناويالك المرادي ، مش هتمشي من الفرح غير وانت خاطبها هههه
راقب رعد ملامح رضوى التي انقلبت للعبوس مرة أخرى وفكر بمكر ، ابتسم بخبث مجيبا :- لا ما تقلقيش ،المرادي هنكون كلنا متأمنين كويس..
ضحكت سمر عاليًا وقالت:- والله انتوا الاربعة تحف نادرة ، ابقى سلملي على المفجوع يوسف وعملاله بوفيه لوحده مخصوص
ارفقت حديثها بضحكة أخرى فأجاب رعد ولا زال نظرته على رضوى التي تظاهرت بالعمل:- ما تقلقيش ، كله متأمن وتحت السيطرة
انتهى الاتصال بعد لحظات ووضع رعد الهاتف ببسمة ماكرة ، تحججت رضوى وهتفت بعصبية:- انتوا بتتريقوا عليا عشان انا لدغة يعني؟!
قالت رعد ببطء:- سكيكية
رمى رأسه للخلف بضحكة عالية وهو يتذكر نطقها للكلمة فتطلعت اليه بضيق حتى قال معتذرا بضحكة:- خلاص أسف ما تزعليش ، بس أنتي لو تسمعي نفسك وانتي بتقولي كده هتضحكي والله...
سومته بنظرة عاتبة فقال مكررا الأسف:- خلاص بقى اسف
تبدد ضيقها منه ، فالحقيقة كانت تبتسم سرا لضحكاته لا سيما انها السبب في ذلك فقال :- تعالي نكمل شغل يا سيكيكتي
انفجر من الضحك رغما عنه..حاولت أن تغضب ولكن فشلت ..فتبسمت..
******سبحان الله وبحمده
***بغرفة السطوح***
انهت جميلة تنظيف المكان جيدًا ،جلست بتنهيدة ولم يغفل عن عقلها لحظة ما تمر به..لم تغفل عيناها عنه ، ولا صوته من أذنيها...ماذا تفعل وهو خطر على ثباتها ومقاومتها...لو كان على غير ما هو عليه من فساد لكان سلب عقلها وقلبها دون خوف...لكان أكثر جاذبية أيضاً...فأنها ترى الرجل الذي يتخفى المكر بعيناه ويتحكم برغباته هو أشد جاذبية من الرجل الذي يترك لشهوته العنان دون قيود..ودون أخلاق....بأي عقل تفكر بمستقبل وهي من تتعهد بقرب انتهاء هذا الارتباط؟! لماذا دائمًا تجده بالغد والآتِ!! كأنه أصبح مرسى الحياة وزورق الرحلة!!
وتساءلت بحيرة..هل هي جميلة للحد الذي لم يخفيه التنكر؟! أم هو الغرور الذي جعله يلتفت اليها عندما لم تعير لوسامته اهتمام؟!
كأي فتاة هي تريد الارتباط برجلا وسيم ولكن..ما نحتاجه يكن احيانا اعظم من رغبة القلب...الاحتياج للآمان وللدفء اكبر بكثير من احتياجها للحب...ربما هذا بسبب افتقارها للأسرة فهي منذ أن تفتحت عيناها للحياة ولم تجد لها اما أو ابا..
خائفة هي من قلبها..ومن سيطرة رغبة القلب..فأشد خوف عندما يخاف المرء من نفسه..فأي عداء يحمل وأي حربٍ تُقام ؟!
نهضت من مقعدها وأرادت النظر لملامحها علها تجد الأجابة...وقفت أمام المرآة تنظر لأنعكاس وجهها بتمعن..نظرت لملامحها بدقة..قالت بمرح عندما تذكرت تحديها معه وحررت شعرها على كتفيها من تلك الكورة المضمومة أعلى رأسها:-
_ زمانه دلوقتي متغاظ أني غبت..ااحسن ، قـال ايه هيخليني أحبه وهيتجوزني عافية !! فاكر نفسه حدق!! هو يعني عشان حلو شوية؟!
ارتفع صوت جاسر بضحكة وهو يراقبها من نافذة الغرفة بعدما تسلل للمبنى بخفاء.. وقال بمرح :- Hellllo
تجمدت للحظات بصدمة ، استدارت بعد لحظات لتجد عيناه تتفحص شعرها ووجهها بدقة فركضت الى الداخل وهي تنتفض من الخجل والغضب بآنٍ واحد...
خرجت بعد دقائق بعدما ارتدت رداء محتشم يخفيها من شعرها لأخمص قدميها ولم تغفل عن النظارة السميكة التي باتت بالنسبة له مغرية أكثر من السابق ، دائما عبق الفتنة يكمن بالخفاء..
وقفت بخارج الغرفة وهتفت به بضيق:- أنت أزاي تتجرأ وتيجي هنا؟!
اقترب لها بابتسامة ماكرة وأجاب ببطء:- من النظرة التالته تقريبًا وانا عرفت أن ورا مظهرك ده حاجة تانية بتداريها..عجباني دماغك
كررت سؤالها بشكل أعنف فأجاب ببساطة:-
_ هو مش أنتي خطيبتي ؟ وعرفت أنك تعبانة ،متخافيش محدش شافني وأنا طالع ،مع أني شايف انه عادي..
غضبت جميلة وصاحت:- عادي ده عندك أنت ، انما عندي لأ وماينفعش ومش أصول ده ان ماكنش قلة أدب كمان ، لو سمحت أمشي قبل ما حد يشوفك هنا ويبقى شكلي وحش ،انا لوحدي هنا
اقترب جاسر لها أكثر وقال بهمس:-
_ لما عرفت أنك تعبانة جيت اطمن عليكي ، انتي هتلوميني أنك وحشتيني ؟! على فكرة انتي عدوة نفسك!
ابتلعت جميلة ريقها بارتباك وابتعدت عنه ، قالت وجاهدت ليخرج صوتها حاد وغاضب:- طريقتك مش بتعجبني ، انا مش بحب كده ، هو فيها حاجة لو بقيت محترم وتبطل كلامك وتلميحاتك اللي كلها...
قطعت حديثها بخجل فقال مبتسما :- كلها ايه؟!
هزت رأسها بيأس عندما رأت الغرور الذكوري بعيناه:-
_ على فكرة لو بقيت محترم ده هيخليك جذاب اكتر ، ما تفتكرش طريقتك واسلوبك ده بيعجبني !! أنت في عنيا مش أقل من متحرش!!
حدجها بشراسة وهتف بغضب:- متحرش!! انتي فاهمة اللي بتقوليه اصلا؟! هو أنا كنت اتحرشت بيكي ؟!
رمقته بنظرة حادة وكانت الاجابة فقال بغيظ:- تقصدي امبارح يعني ؟! فاتحتنا اتقرت لو فاكرة!
سخرت قائلة:- وده معناه انك تقربلي؟! أنت فاهم الموضوع غلط ، وعموما أنا عارفة أنت مصمم على الخطوبة دي ليه
تساءل بغموض:- ليه؟
ازدردت جميلة غصة بحلقها عالقة وقالت بأسى:- أنت اللي زيك لما بيغلب مع واحدة بيحاول يوصلها بكل الطرق ، وبما أن مافيش طريق ليا غير الرسمي فأنت اخترته ، بس اخترته برضو عشان توصل للي في دماغك..
امتلأت عيناها بحزن لأول مرة تظهره له فقالت بنبرة تشبه الرجاء:- سيبني وابعد عني ، أنت بتخليني خايفة ، وقلقانة ، مش ببقى مطمنة وأنت موجود بالعكس ، مش أنت اللي أحب اكمل معاه..لو فاكر أني حبيتك أو حتى اعجبت بيك تبقى غلطان..مافيش واحدة هتحب واحد وتحس بكده!!
لاحظت نظرة غريبة بعيناه ، نظرة غاضبة شرسة ، عنيفة ،قاتمة وقاتلة وكل شيء يصل لمنتهاه ، ارتبكت عندما اقترب اليها وظنته أنه سيصفعها او على الأقل تعنيف ولكنه همس برقة لأول مرة تبدر منه...قال:-
_ يمكن عشان كده مصمم على الخطوبة ، مش يمكن عايزك تعرفيني ؟! مش يمكن أنا مش بالصورة اللي أنتي شيفاني بيها!! ليه ما حطيتيش ولو نسبة بسيطة أني فعلا معجب بيكي ؟!
نظرت اليه بحيرة..يبدو حديثه صادقاً لدرجة كبيرة!! ، كيف يمكن للكذب أن يصل لهذه المصداقية في نظرته؟! والأغرب لمحت نظرة معذبة بعيناه لأول مرة تراها أيضاً...تابع بغموض:-
_ مش كل اللي بتشوفيه من بعيد حقيقي...عشان تحكمي صح لازم تعرفي كل الحقايق ، تعرفي اللي مداري جوا القلوب ، وساعتها يمكن تعرفي وتتأكدي أني مش زي ما أنتي فاهمة ، ومش زي ما الكل شايفني...يمكن لو أنتي بس شوفتي حقيقتي ده كفاية أوي عندي...مايهمنيش أي حد تاني..وصدقيني أنا جيت لأني فعلا كنت قلقان عليكي..
ابتعد عنها وسرعان ما أختفى من امامها وذهب...ظلت صامته لدقائق تستوعب معنى كلماته..وكأن كلماته من لغة أخرى تبحث عنها بالقاموس!! اتصدقه؟ يبدو ذلك غباء أن فعلت ويبدو غباء أن كذبت !! ولكنها تمنت أن يكن صادقاً...يا الله...هي تتمنى ؟!
احبت...وانتهى الأمر
****** سبحان الله العظيم
انهى الاسطى سمعه عمله وسلم السيارة لـ"للي" وقال بفخر:-
_ عربيتك رجعت زي ما كانت واحسن
شكرته للي كثيرا وسألته عن اجره فرفض ببادئ الأمر ثم قال بعد اصرارها مبلغا اقل بكثير من المتوقع فقالت :-
_ بس ده اقل من حقك يا اسطى سمعه !! ده يعتبر حق الكاوتش بس!!
قال سمعه وهو يجفف يده بالمنشفة:- اعتبريه ترحيب بيكي في حارتنا بدل اللي عملوه العفاريت عيال الحارة في عربيتك..
ابتسمت للي بود وقالت:- مش عارفة اشكرك أزاي..
قال سقراط وهي يطرف عيناه بهيام:- احنا المفروض نشكرك أنك نورتي حارتنا المعفنة دي
اتسعت ابتسامة للي بصدق فأخذ سمعة المبلغ منها واستأذن بالانصراف...استغل سقراط الموقف وقال بخبث:-
_ طب انا هطلب منك طلب وياريت توافقي
قالت للي بابتسامة وقد اعتادت الحديث مع الصبي:- قول يا سقراط اللي انت عايزه
قال سقراط بابتسامة:- شبكة اختي يوم الجمعة الجاية ،احنا عاملينها عائلية على ادنا كده ، ياريت تحضري
قالت للي ببعض التعجب وسبقت قولها بالتهنئة:- الف مبروك ليها ، بس انت بتقول عائلية !! يمكن وجودي يضايق حد !
اسبل سقراط عيناه ببطء وقال :- لا ما انتي خلاص بقيتي مننا وعلينا
تعجبت للي وهي تريد الضحك من طريقة الصبي الصغير فتابع سقراط مصححاً:- اقصد يعني بقيتي بنت حارتنا ، هتنورينا ولا ايه؟
قالت بموافقة:- هحضر بأذن الله ، بعد اللي عملته معايا انت ووالدك مقدرش ارفض وفي جميع الأحوال انا من أول بكرة هكون هنا كل يوم..
قال سقراط بسعادة:- هتيجي تلاقيني راشش مية قدام المحل بتاعك ومافيش اي عيل جربان هيقدر يجي جنب عربيتك
ضحكت للي ثم قالت:- لا كده اجي وانا مطمنة
إلي هنا ينتهي الفصل الثامن عشر من رواية إمبراطورية الرجال
رواية إمبراطورية الرجال
الفصل التاسع عشر/العشرون
***بشركة آل الزيان***
وضع الساعي فنجان القهوة على مكتب وجيه عقب إنتهاء الاجتماع العام لأفراد الشركة ثم خرج بهدوء
رفع وجيه الفنجان لشفتيه دون أن يغير اتجاه عيناه من على الأوراق لتأتي فجأة عيناها بين الأسطر ، طرفاتها وكأنها الكلمات تُقرأ بصمت..ضاق من نفسه ووضع الأوراق بعصبية على مكتبه..
إلى متى سيظل هكذا ؟! حتى في الأجتماع سرت بعقله ليجتاحه حنين الى رؤيتها...زحام العمل لم يبعدها عن فكره مثلما اعتقد!
ارتفع صوت الهاتف فرفع السماعة وأجاب:- الو؟
أجاب الطرف الآخر :-
معاك يا وجيه بيه ، بالنسبة للموضوع اللي أمرتني بيه قبل السفر فشغلهم ماشي كويس ، أنا بعتلهم كام زبون كده من بعيد والا ماكنش حد هيروحلهم أصلا ، دول لسه صغيرين أوي في السوق...بس معلش في السؤال..طالما طردتهم ليه بتساعدهم ؟!
تنهد وجيه بعمق فقط أطمأن عليهم وقال:- ما تنساش أنهم في الأخر ولاد أخواتي يعني ولادي ، أنا عايزهم يشيلوا مسؤولية مش ادمرهم واخليهم يحبطوا ، عايزهم ينجحوا في شغلهم ويحبوا الشغل ولو وقعت مايضيعوش من بعدي ، الأب بيعاقب بإيد وبيسند بالأيد التانية...
قال الطرف الأخر:- عندك حق ، أنا أول مرة أشوفهم متجمعين كده وبيشتغلوا ، دول حتى سكنوا في حارة !!
ابتسم وجيه بعدما اندهش بعض الشيء وقال:-
_ كده تمام..كل شيء ماشي صح..بعد ما تمر السنة هيعرفوا قيمة القصر والشركة والشغل...هيرجعولي زي ما أنا عايزهم وساعتها ايديا هتكون مفتوحالهم..خلي عينك عليهم ولو في أي حاجة اتصل بيا فوراً..
الطرف الآخر:- تمام...
******
بالمساء...
وعقب إنتهاء العشاء..جلست الفتيات الأربعة أمام التلفاز...كل واحدة منهنّ شاردة بخاطرها...فقالت حميدة بابتسامة :-
_ هو اللي بيغير ده يا عيال بيبقى شكله ايه؟
تمددت سما على الأرض ووضعت ساقا على ساق وقالت :- بيزعق..بيشخط فيكي كده..ويرجع يصالحك..الغيرة تحسي كده أنها بطعم الشطة
قالت جميلة بحيرة:- طب واللي بيحب..بيبقى شكله ايه؟
أجابت سما وهي تهز قدميها بأندماج :- متشحتف..متشحتف دايمًا على اللي بيحبه..رايح بيسأل علـيه ،جاي بيسأل علـيه..
نظرت رضوى لهنّ بتعجب وقالت:- مالكم سرحانين كده؟!
ضربتها سما بمرح بقدميها على ساقها وقالت:- انتي خنفسه يابت ، الا عمرك ما حبيتي كده ولا سرحتي جاتك القرف ، اللي جوه ده مش قلب دي طاسة زيت سمك
رضوى بسخرية :- ليه هو أنا هبلة زيكوا ؟! انا ممكن اعجب بحد آه لكن الحب ده مشواره طويل معايا ، أنا نفسي احقق احلامي الأول ،مش عايزة الاقي نفسي فجأة في بيت بين واحد وعيال وطبيخ وغسيل ومسح!! انتوا تفكيركم عادي انما أنا غيركم...
سما بمكر:- يعني بذمتك مافيش حاجة كده ؟!
اجابت رضوى بصدق :- تقصدي رعد يعني؟! بصراحة مش هنكر أن فيه كتير من مواصفات فتى احلامى بس مقدرش اقول أني حبيته !! أنا مش بحب بسرعة كده زيكوا ، حتى لو عاجبني بس برضو مش حب..
اعتدلت سما وهتفت بالفتيات :- أنا مش هلبس البتاعة المعفنة اللي اسمها النضارة دي تاني ، مش هروح بيها الشغل
حميدة بحيرة :- مديالكم شكل جد ، أخاف لو رجعتوا لطبيعتكم يطمعوا فيكوا ، بالنسبالي والله لو قلبت رقاصة يوسف مش بيشوف غير الأكل وهو اصلا زي الاطفال مافيش خوف منه..
قالت سما ساخرة:- بالعكس يا غبية ، تعرفي رغم أنك بتشتغلي معاه اكتر من سنة بس لسه مافيهمتهوش صح ، أنتي اللي عودتيه على شكلك ده ، أنتي اللي حسستيه من البداية أنه بيتعامل مع راجل..
لوت حميدة شفتيها بضيق وقالت:- كنت أعمل ايه يعني؟!
قالت رضوى :- أول حاجة تعمليها تقلعي قعر الكوباية دي ، في اختراع اسمه عدسات
قالت جميلة بدهشة:- يعني تلبس ضيق وتبقى مبرجة عشان تعجبه؟!
اجابت سما بغيظ:- هو أنا بقولها انحرفي ؟! لكن مافيش عقل يقول أننا نخلي مظهرنا بالمنظر الزفت ده؟! اظن جميلة هتشيل النضارة في خطوبتها ولو لبستها بعد كده هيبقى شكلها غريب وبصراحة بقى انا عيني بقت بتوجعني منها وحاسة أن نظري هيضعف بجد
قالت رضوى بقوة:- بقولكم ايه ، أنا شايفة أن كل واحدة ترجع لطبيعتها ، مش حلو اننا نوحش نفسنا ، احنا بس هنرجع لطبيعتنا العادية ، بنات عادية...
قالت سما بموافقة:- ايوة ، ده اللي بقوله
صمتت جميلة بشرود بينما قالت حميدة :- خلاص ماشي ، بس الاحسن ننفذ الكلام ده بعد خطوبة جميلة..
*******
**بمنزل الشباب**
ظل يوسف ناظرا للتلفاز الذي يقدم برنامج إعداد طعام...قال بابتسامة:- الأكل شكله يفتح النفس..
بينما باقي الشباب جالسين بأريحية على المقاعد القديمة بالمنزل...نهض رعد بعدما انتشل نفسه من موجة شرود عالية وهتف بالشباب:- أنا عايز أعرف دلوقتي حالا..يعني ايه حب؟!
أشار له يوسف وأجاب بتنهيدة وهو يأكل قطعة من الخبز:-
اممممم...الحب...الحب يعني تجوعوا في نفس الوقت ، وتحبوا نفس الأكل ،وتصحيك بليل وتسألك..اتعشيت ياروحي؟ الحب فيه حاجة من الطبيخ..
اغتاظ رعد من اجابة يوسف وهتف:- أنت ما تتكلمش خالص...كل كلامك بحسه بالكاتشب الحامض
، قال آسر بسخرية:- هو في حاجة اسمها حب أصلا؟! انت بتسأل اسئلة غريبة!!
زم رعد شفتيه بغيظ ثم قال:- هتفضل تفكر كده لحد ما تعجز وتلاقي نفسك لوحدك يا عقد!!
أجاب آسر بحدة:- الجواز شيء والحب شيء...حتى لو في حب ،أنا مش هتجوز واحدة بحبها..
ترك بعض الأوراق من يده بعصبية ودلف لغرفته...ابتسم جاسر لنظرة رعد المتوجهة اليه وقال بمكر:- انا لو جاوبت وشك هيحمر..بلاش أنا
ابتسم رعد وقال:- كنت عارف أن دي هتكون اجابتك يا سافل ، عموماً خلاص..
*****
وقفت للي بشرفة منزلها تتنهد بشعور ممزوج بين الشوق والحزن والعتاب...انتبهت لهاتفها ويبدو انه رقم دولي فأجابت :- الو؟
قالت سها بصوت هادئ:- حمد الله على سلامتك يا للي ، مرضيتش اتصل بيكي امبارح عشان السفر وكده
قالت للي الله يسلمك يا سها..انا كويسة الحمد لله..
قالت سها :- ربنا خدلك حقك ، شلة الفساد اللي كنتي تعرفيهم عرفت أنهم وصلوا فرنسا أصلا بطريقة غير شرعية واتمسكوا وبيتحقق معاهم ، انا مش راضية اتواصل معاهم عشان ما يجبوليش مشاكل بس عرفت من صديق هنا بالصدفة ولسه الزفت حسام بيتحقق معاه والدنيا مقلوبة عليه هنا..
للي بدهشة:- طب أزاي وجيه يعمل كده ؟! مش معقول يسيبهم بعد ما جابهم لفرنسا؟!
اجابت سها بهدوء:- اللي يخليه يجيبهم مخصوص عشان يعملك فخ ، يخليه يسيبهم برضو ولا كأنه يعرفهم وماتنسيش أنهم اشتركوا معاكي في المقلب الأولاني يعني الانتقام مش منك أنتي لوحدك..
شعرت للي بالسخف من كل شيء فقالت:- سها ...ما تفتحيش الموضوع ده تاني لو سمحتي ، وياريت لو قدامك حل للبنات عشان يرجعوا اعمليه فورا...ربنا يهديهم
قالت سها بصدق:- أنا كلمت فعلا حد واثقة فيه عشان يساعدهم ، لكن هفضل بعيد عنهم انا مش عايزة مشاكل...
قالت للي بتفهم :- كده تمام..
*******
مر الأسبوع...بشكل بطيء ، مثلما مرت الأيام السابقة لم يكن ثمة تجديد...ورغم شعورها بالخوف الا أنها اشتاقت لرؤيته ، وتعجبت لما لم يحاول رؤيتها بعد آخر مقابلة؟! هل هو غاضب، يأس ، أم ندم؟!
بيوم الخطوبة .....
تجمع الفتيات حولها بغرفة حميدة بمنزل والدها سمعه لتقل سما وهي تنظر لوجه جميلة بمساحيق تجميل غير متجانسة الألوان:-
_ ايه النيلة ده !!
اغتاظت جميلة منها وأجابت:- ماهو حلو اهو؟!
حميدة وهي تتفحص وجه جميلة :- هو مش وحش ، ومش حلو
هتفت رضوى وقالت:- وشك مجير ، الكحل مالوش عشرين لازمة وقديم وسايح ، وبعدين ده لون روچ بذمتك ؟!
قالت جميلة وهي تنظر للمرآة بضيق:- ياريتني جبت حد زوقني
هتفت حميدة بغيظ:- ما انا اتحايلت عليكي وانتي لا لا لا
جلست سما بحدة:- طب هنعمل ايه؟! ده الناس برا وكلها شوية والمفروض جاسر وولاد عمه يجوا ، مش هنلحق نجيب حد دلوقتي !! والمفروض احنا كمان نتنيل نتزوق...اقووول عليكي اايه يا جميلة..
طرق سقراط باب الغرفة فذهبت رضوى لتفتح الباب حتى دلف لخطوة واحدة بالداخل وقال:- كويس أني لحقتكوا قبل ما تطلعوا ، استنوا هعرفكم على بونبوناية الحارة..ادخلي يا للي
دلفت للي برداء سهرة فضي اللون وبكامل اناقتها ، شهق الفتيات من الفتاة التي يبدو وكأنها خرجت من أحد اساطير قصور الأميرات الفاتنات...تعجبت للي من نظراتهن وقالت بابتسامة ونظرة يشوبها الحيرة:- الف مبروك
ظلت الفتيات ينظرون لها بدهشة حتى توجهوا إليها ملتفين حولها بنظرة تتفحصها بدقة من رأسها لأخمص قدميها!!
ابتلعت للي ريقها بتوتر حتى قالت حميدة وهي تنظر لشعر للي المسترسل بنعومة فائقة وتهب منه رائحة ذكية منعشة :-
بقى أخويا سقراط الجربان يعرف السنيورة دي؟!!
تمعنت سما في وجه للي المزين بحرفية عاليـة بمساحيق التجميل التي بدت وكأنها طبيعية..قالت باتساع بؤبؤ العين :-
_ قمر قمر يعني !! اكيد مش بتاكل غير مربى وقشطة..
تطلعت جميلة في رداء للي الفضي وقالت بإعجاب:- حلوة...وفستانها حلو..احلى من فستاني الحقير..
أشارت رضوى على الحلق الفضي الذي يلتمع بأذن للي الصغيرة وقالت :- الماظ ده؟! ليكون فالصوا!!
ابعدهم سقراط بغيظ مع ضحكة للي الخافته وهتف بالفتيات بعصبية:-
_هو انتوا كمان هتعاكسوها يا غجر؟! ده على ما جبتها لهنا دخلت في معارك وخناقات متأجلة !!
هتفت حميدة بتساؤل:- مين دي يا سقراط؟!
قالت سما بضحكة واثقة:- الرقاصة..مش حوار يعني!!
قطبت للي حاجبيها بضيق وكادت أن تتحدث وتعلن عن هويتها ليقل سقراط معنفاً الفتيات:- ما انتوا ما تعرفوش ريحة الجمال يا برعي منك ليها!! بقى في حد في الحارة مابقاش يعرف مين ليان يوسف؟! ده انا هنكتب الشارع باسمها..
شهقت الفتيات عندما تذكروا ذلك المحل الفخم الذي يتم تجهيزه منذ مدة كبيرة...قالت حميدة بدهشة:- يالهوي!! ليان يوسف اللي بتطلع في التليفزيون وفي البرامج عندنا في البيت؟!!!
خرجت سما من صدمتها وقالت:-
_ بقى القمر دي ليان يوسف ؟! اه..كده صح..بس كنت فكراها اكبر من كده!! طلعت كتكوته..
ضحكت للي على مظهر الفتيات وقالت بلطف :-
_ مش اوي كده يا بنات !! عادي يعني
قالت رضوى بقوة:- عادي ايه !! ده نهارنا ابيض النهاردة
قالت جميلة بابتسامة وهي تشير لها لتجلس :- نورتينا يا مدام ليان..اتفضلي اقعدي ارتاحي
ابتسمت للي وقالت بود:- تقدري تقوليلي للي ، مابحبش ليان
جلست للي للمقعد المشار عليه...حتى هتفت حميدة بشقيقها وقالت:- حاجة ساقعة يا سقراط بســـرعة
رفضت للي وقالت :- لا لا أنا لسه شاربة والله ،أنا اصلا مش بشرب مياه غازية عشان النظام الغذائي بتاعي..
همست سما بعدم فهم وقالت لحميدة:-
_ هو ايه النظام الغذائي ده يا حميدة ؟! هي بتبعتر وهي بتاكل؟!
قالت حميدة وأجابت:- هبقى أسأل يوسف ، مفتاح أي سؤال يخص الطبيخ..ضليع في شؤون المحشي والصلصة..
تساءلت جميلة بتعجب:-
_ بس ليه اخترتي حارتنا بالذات ،مع أنك مشهورة أوي ، كان ممكن تختاري مكان انضف من ده بكتير !!
اجابت للي بابتسامة
_ انا عندي فرعين كبار بس اللي خلاني افتح فرع هنا هو أن أصلا البيت اللي فتحت فيه الفرع الجديد بتاع جدي الله يرحمه ، كنت بحب أجي ازوره وانا صغيرة ، ليا ذكريات جميلة كتير هنا
سما بتعجب:- كنتي بتيجي هنا؟! بس ماشوفناكيش خالص هنا ؟!
اجابت للي بلمحة عابسة بملامحها:-
لأن من بعد جوازي وحتى لما اتطلقت ماجيتش هنا ، تقريبًا من ١٥ سنة ، وجدو مات بعد جوازي بشهرين
هتفت رضوى وقالت وهي تستعجلهم:- يا بنات خلصوا يلا العريس زمانه جاي والوقت سرقنا..
اسرعت جميلة للمرآة وقالت بضيق:- يعني مكياج زفت وكمان ساح!! كنت عارفة أنها شبكة منيلة
ضربت سما قدميها بالأرض كالطفلة وصاحت:- محدش سمع كلامي ، كان زماني دلوقتي جايبة البت سكرة بتاعت كوافير ام سماح للعرايس..
نهضت للي وقد انفجرت من الضحك ثم قالت لجميلة بحماس:-
_ روحي اغسلي وشك وتعالوا ورايا كلكم ، اعتبروني الساحرة الطيبة..
نظرت الفتيات لبعضهن بابتسامة خفية فقالت سما :- طب هنطلع أزاي من النسوان اللي في الصالة دي!!
قال سقراط بقوة :- سيبيهملي
قفزت سما بضحكة:- حلوووو، وهطفي لمبة السلم عشان ماتنورش الشارع واحنا طالعين ونتشاف
هم سقراط بالخروج فقال قبل أن يفتح الباب:-
_ هحبس النسوان في اوضة ستك حميدة وانزل اسخن التوكتوك وهستناكم قدام البيت عشان محدش ياخد باله منكم
قالت للي باستحسان:- برافوا سقراط
اسبل أهداب عيناه بهيام وهو يتوجه للباب ببطء حتى اصطدم رأسه بالباب فتلفظ الشتائم:- باب أبن....
قالت للي بتحذير :- قولنا إيـه؟! لازم تبطل تشتم !!
صحح سقراط سريعاً بابتسامة ارغمها على الظهور:- قلب..باب أبن قلب..قلبي يعني
ارتفعت ضحكت للي ثم قالت للفتيات:-
_ تعرفوا مكانش عندي حماس للشغل بس دلوقتي حاسة أني ممكن اخلص عشر عرايس في ساعة..هطلعكم قمرات..ساعتين بس واخلص
قالت جميلة بقلق:- ساعتين هتكون الخطوبة خلصت!!
تدخلت سما بالأمر:- هتخلصك أنتي الأول وبعدين احنا
قالت للي بقوة:- طب يلا مافيش وقت ولازم نأخر العريس شوية على ما يوصل
قالت رضوى بمرح:- دي مهمة سقراط ، هو هيتصرف
كتمت للي ضحكتها من طريقة رضوى بالحديث حتى أسرع الفتيات بجمع ما يلزم من الفساتين المخصصة للخطوبة فقالت للي معترضة:-
_ سيبوا الفساتين دي ، انا عندي اللي يناسبكوا واحلى ، يلا بسرعة
خرج سقراط من الغرفة وهم بدفع النسوة داخل غرفة الجدة حميدة وهو يهتف :-
_ يلا يا ولية ستي عايزاكم في اوضتها ، يلاااا ده في كنافة جوا
فتحت سما الباب بخفوت الطريق أصبح خالِ فأشارت للفتيات...
***امام المبنى***
جلس سقراط بمقعد القيادة بالتوكتوك وارتدى نظارة شمسية بثقة عالية فقالت حميدة وهي تلكمه على ظهره بغيظ:- هتلبسنا في الحيطة يا اهبل !!
تحركت رأسه وانفه دلالالة على السخرية ثم قال برقة ل "للي" تعالي اقعدي جنبي يا للي..حاجزلك جنبي
نظرت الفتيات لبعضهن بضحكة بينما رمقته حميدة بغيظ ،جلست للي بابتسامة واسعة وشعرت وكأنها نست ما يؤلم قلبها ولو بعض الوقت..تحرك سقراط بالتوكتوك حتى مكان البيوتي سنتر....خرج الفتيات من التوكتوك لتقل للي بمرح لسقراط:- زي ما قولتلك ، حاول تأخر العريس شوية ، ساعة ساعتين كده على ما نخلص
قال سقراط بابتسامة عذبة:- لو عايزاني أرشه بجاز هرشه ، انفخه زي الكوتش ما يضرش ، انت تؤمر يا عسل
اتسعت ابتسامة للي وقالت بضحكة :- لأ اخره بس
ذهب سقراط ضاحكا من امام المكان ودلف الفتيات للداخل خلف للي..نظر كلا من الفتيات للمكان بأنبهار ولرائحة العطور المنبعثة منه ،والأضواء التي تحاوط مرآة كبيرة مستطيلة الشكل تأخد مساحة كبيرة من الحائط بينما المكان بالداخل ذو مساحة كبيرة اكبر من مظهره بالخارج..
قالت للي للفتيات العاملات بالمكان :- جومانة ، سااارة ،جهزولي التلات بنات دول على ما اخلص العروسة
قالت جميلة وهي تسرع لغسل وجهها:- هغسل وشي هنا بقى مالحقتش اغسله في البيت
اعطتها للي غسول مناسب للبشرة بعدما تساءلت عن نوع بشرتها فبدأت جميلة تنظف وجهها بقوة...تبعها الفتيات حتى ذهبت للي لزاوية خاصة بفساتين السواريه الخاصة بالمحجبات لتقل لها جومانة بهمس:-
_ للي...أنتي متأكدة أن البنات دول هيقدروا يدفعوا تكلفة الليلة دي؟!
تطلعت بها للي بتحذير:- وطي صوتك يا جومانة!! دول تبعي ماتسأليهمش على فلوس خالص ، دي هدية مني ليهم ، وحق شغلكم أنا هدفعه ما تقلقيش
عادت للي للفساتين وانتقت ما يناسب الفتيات بعناية ودقة..
جلست جميلة على احد المقاعد أمام مرآة كبيرة نظيفة ، وامتزج شعورها ما بين القلق والتوتر والبهجة والأطمئنان لهذه الفتاة وكأنها نجدة السماء..
****** صل على النبي الحبيب
***بمنزل الشباب***
وقف جاسر أمام مرآة بالغرفة وهو يرتدي جاكته الأسود الأنيق على قميص أبيض ناصع ورابطة عنق سوداء رفيعة اظهرت بشدة عرض منكبيه..قال يوسف بمرح:-
_ آخر حاجة كنت اتوقعها أن الفاسد اللي فينا هو أول واحد يدخل القفص..
عدل جاسر ياقة المعطف بموازاة مع ياقة القميص وقال وقد بدأ يرتدي ساعة معصمه:-
_ ومين اللي مأكدلك أني هدخل القفص؟! دي خطوبة مش جواز !!
قال رعد بضحكة:- ماهي بتبدأ كده ومابتعرفش بعد كده ايه اللي بيحصل...هتصحى في يوم هتلاقي نفسك بقيت متجوز وليك بيت وأسرة..
تساءل آسر وهو يربط ربطة عنقه بعناية:-
_ أنت كلمت عمك وجيه يا يوسف وقلتله؟
مط يوسف شفتيه بتذمر وقال:- حاولت اتصل بيه لكن رفض يرد عليا ، بعتله رسالة بموضوع الخطوبة وطبعاً عزمته ، بس أنا متأكد انه مش جاي..
قال جاسر بغموض:- احسن أنه مش جاي ، هيجي على الفاضي
ضيق يوسف عيناه بشك وتوجه لجاسر مستفسرا ببعض العصبية:- تقصد ايه يا جاسر؟! انا افتكرتك عقلت !! ياريت ما تحطناش في موقف وحش قدام أهل حميدة..
تحاشى جاسر النظر ليوسف وتظاهر بنثر العطر الرجالي على ملابسه وأجاب:- ما تكبرش الموضوع يا يوسف
احتدت نبرة يوسف
_ أنت اللي مابقتش فاهمك؟! انا متأكد أنك لا يمكن تاخد الخطوة دي لمجرد عند او غرور !! ، بس لما بسمع كلامك بقلق منك
توجه جاسر له بتساؤل حاد:-
_ قولي أنت بقى حكايتك ايه؟! كل ما تتكلم تقول أهل حميدة أهل حميدة..أنت مابتعملش حساب لحد للدرجادي..واضح أن مش اهل حميدة هما السبب في خوفك وقلقك ده..دي حميدة نفسها!!
_ وفيها ايه يعني؟! هي أو أهلها واحد وبعدين دماغك ما تروحش لبعيد ، أنا ماينفعش افكر في أي واحدة غير لما أحس أني اقدر ابقى مسؤول عن زوجة واولاد مش عمي هيصرف عليهم كمان!! وكمان أنا فعلا مش شايف حميدة بأكتر من صداقة
قال جاسر بحدة:- يبقى خلاص ما تقعدش تديني عبر ومواعظ !!، لما يبقى يحصل حاجة ابقى اتكلم
انتبهوا الشباب لصوت قرع على باب الشقة فذهب رعد ليفتحه...
دلف سقراط وبيده زجاجات مشروب بارد واعطى لكل شاب زجاجة وقال بمرح:-
_ الف مبروك يا عريس
وضع جاسر زجاجته على منضدة تتوسط الغرفة وقال:- طب يلا عشان كده هنتأخر..
قال سقراط سريعا:- لأ استنوا خمس دقايق كده لسه الليلة ما بدأتش..هروح اجيب كوباية أشرب فيها...
اسرع سقراط للمطبخ وسكب محتوى الزجاجة بكوب زجاجي كبير ثم ركض بإتجاه جاسر الذي وقف متحدثا مع آسر في أمراً ما...تظاهر سقراط بالتعثر حتى وقع المشروب على ملابس جاسر ونال آسر حظا من هذا المشروب أيضاً...
نهض سقراط وابتسم لنفسه لنجاح الخطة وتظاهر بالأسف وهو يتوجه لجاسر :-
_ والله ما خدت بالي ، هات البدلة ثواني وتكون نضفت عند الولا علي المكوجي ..
خلع جاسر سترته بنظرات غاضبة ، هتف آسر بانفعال:- هدومي انا كمان اتبهدلت..
قال سقراط متأسفاً :- هات أنت كمان البدلة ،دقايق وهرجعلكم بيهم زي الفل..
آسر بضيق:- يارب ما يتأخر
قال يوسف بلطف:- هو قال دقايق ما تخافوش وبعدين لسه الليلة طويلة
******* لا حول ولا قوة الا بالله
انهت جميلة تنظيف بشرتها بعدة مسكات طبيعية ثم بدأت للي بتجفيف وجهها برفق ثم قالت:- قومي البسي الفستان السيمون الأول ، هيبقى تحفة عليكي
نظرت جميلة للرداء المعلق على مشجب بإنبهار وترددت في النهوض لتحثها للي على الاسراع..توجهت جميلة لزاوية مغلقة خاصة لذلك وبدأت ترتديه..مرت دقائق ووقفت أمام المرآة بابتسامة..تسللت فرحة غامضة لقلبها ، لأول مرة ترتدي شيء يظهر انوثتها لهذا الحد ، تطلعت بتمعن على مظهرها ولم تصدق أنها تمتلك هذا الكم من الأنوثة...لاسيما أنها كانت دائما تتخفى بملابس الرجال فأين لها أن تكتشف هذا؟! كان الرداء يناسبها تمامًا وكأنه صنع خصيصا لها!!
هتفت للي بعجالة فخرجت جميلة بنظرات خجلى من تطلع الفتيات بها...شهقت سما وقالت:- تحفة
اشاد الجميع بانبهار لتقل للي بثقة:- كنت عارفة أنه انسب حاجة ليكي ،خبيرة بقى
جلست جميلة على مقعدها مجددا وبدأت للي بتزيين وجهها فأتت جومانة بحجاب يناسب الفستان حتى انتهت للي بعد مرور نصف ساعة ثم بدأت بربط الحجاب على وجهها بيد احترافية قد اعتادت على ذلك لسنوات عدة..
اخيرا وقفت جميلة التي تجاهلت النظر للمرآة حتى الأنتهاء تمامًا فوجهتها للي للمرآة بابتسامة وقالت:- ها بقى ،قوليلي رايك
التفت الفتيات اليها وتركوا استعدادهنّ للتزيين لتهتف سما بضحكة:- جاسر هيتجوزها النهاردة ههههههه
ابتسمت حميدة بسعادة وقالت لجميلة:- طول عمرك زي القمر يا جميلة
قالت رضوى بفرحة حقيقية:- نفسي أشوف وشه لما يشوفك قمر كده ، الواد هيتهبل
اطرفت جميلة عيناها بعدم تصديق ، اهي تلك الفاتنة التي تراها بالمرآة ؟! ما هذا السحر الذي وضعته للي لتتحول من فتاة بسيطة لتلك الأميرة!! رفرف قلبها بفرحة لنفسها ولثقتها العالية التي اكتسبتها للتو...قالت للي:- هخلص حميدة بسرعة عشان هتسبقونا الأول..
ذهبت حميدة لإرتداء فستان بلون الكرز الأحمر يتشكل برسمة وكأنها عروس البحر..بعكس رداء جميلة الذي وكأنه صنع لأميرة المملكة..
بدأت للي بتزيين حميدة حتى انتهت بمدة أقل بضعة دقائق لتنال حميدة ذات الاطراء فقالت للي:-
_ استنوا نشوف سقراط الأول عمل ايه
كادت للي أن تخرج من المكان حتى دلف سقراط وهو يلهث :-
_ اخرتهم ساعة ساعة الاربع وخلصت بس بدلة جاسر اللي انكب عليها العصير ،فكرته هيستنى ابن عمه بس استعجل وراح بيتنا ،يلا لو خلصتوا عشان ارجع أشوف بدلة آسر
ذهبت جميلة وحميدة معه فنظر لهم بذهول:- انتوا استحميتوا بتنر ولا بمية نار ؟! ده انتوا اتصنفرتوا مش اتمكيجتوا!!
******* لا اله الا الله
***بمنزل حميدة****
ارتجف جسد جميلة وهي تصعد الدرجات حتى باب المنزل بالطابق الثاني ...قالت حميدة بغيظ من سقراط:- مش كنت تولع نور السلم يا غبي !!
قال بحدة:- جيت اولعه اللمبة فرقعت يا فقر!! مافيش فايدة...البوم عمره ما هيبقى سمان ابداً..
اخيرا وقفوا بالقرب من مدخل الشقة فوقفت جميلة بقلق جعل قلبها يدق بعنف من الخجل فهمست حميدة بابتسامة:-
_ هيتلوح اقسم بالله ، وهفكرك بعد كام ساعة
اطلقت حميدة زغروظة الدخول ويداها متعلقة بيد جميلة وباليد الأخرى تمسك سقراط وتوجه للداخل بفهامة وكأنه يزف موكب السلطان...
وقف جاسر بعدما هب من مقعده بصدمة ، راقبه رعد ببسمة خفية وهمس :- هابي جواز داي يا وحش ، كنت فاسد وصايع ومحدش قدك ، ده أنت مش هتدخل القفص ده أنت هتجري على القفص..
ابتسم يوسف وقال:- مين الكريزة اللي جانبها دي وبتزغرد؟! هما يعرفوا ناس نضيفة اوي كده ؟!
ابعدهم جاسر بكلتا يداه وقال وعيناه متسمرة على جميلة :- غوروا في داهية دلوقتي وسيبوني مع التنين دول.. دي هليكوبتر كان مستخبي في عربية فول!!
توجه جاسر اليها ببسمة ماكرة ومذهولة من الجمال الفاتن التي طلت به جميلة...ابتلعت ريقها بخجل ورجفة كلما توجه خطوة اليها ، تحاشت النظر اليه وهي تجيب على مباركة الجيران لها..
وقف أمامها وقال ببسمة تناغمت مع مكر عيناه الشديد حتى قال سقراط:- يلا عشان تقعدوا ، مرحبا بكم ، الكراسي البلاستيك تنتظركم..
ابتسمت جميلة لمزحة سقراط توجهت للمقاعد وجلست على أحدهم ،جلس جاسر بجانبها وتعلقت عيناه بها دون خجل ممن حوله..ان يعرف أنها جميلة ،اكتشف ذلك سريعا ، ولكنه لم يدرك أنها فاتنة لهذا الحد !! اكثر ما زين فتنتها حيائها الواضح بعيناها..ليكن صادق مع نفسه ، العاهرات لم يخجلن ، العفيفات فقط من يمتلكون ذلك السحر الذي يغمر قلب الرجل بالسيطرة والرفق لأنثاه..
قال بهمس خبيث :-
ماينفعش كلام خالص دلوقتي ، هستنى لما نقعد لوحدنا
اطرفت عيناها بدقات قلب عالية ، تراه ماذا يقصد وماذا ينوى هذا المغرور ؟!
راقبت حميدة نظرات يوسف اليها بين الحين والآخر بينما انتبهت لسؤاله وهو يسال سقراط عنها فقالت له:-
_ بتسأل عليا ليه؟!
تراقص المرح بنظراتها وهي ترى اتساع عيناه بصدمة حتى قالت ضاحكة:- أنا حميدة يا يوسف ؟!
حملق يوسف بها لبعض الوقت بذهول فقال بحدة:-
_ حميدة مين يا وزة أنتي احنا هنهزر؟!
لوت شفتيها بسخرية وقالت:- اعملك ايه عشان تصدق ، تحب احكيلك أول مرة اتقابلنا فيها لما اتخبطت فيك وانا نازلة على السلم بتاع الشركة وشنطتي اتفتحت والأكل بتاعي وقع وقمت واخد سندوتشين من سندوتشاتي يا طمااااع
حدق فيها بدهشة ثم ابتسم بعدم تصديق ليعود بعد ثواني للدهشة وظل هكذا لعدة دقائق حتى ضحكت حميدة بقوة وقالت:-
_ أنت مصدوم ولا مبسوط ولامالك فيك ايه؟!
قال يوسف بابتسامة تطوف بعيناها بدفء:-
_ عملتي ايه في حميدو صاحبي طلعيه ، مش هعرف اشتغل معاكي تاني بالشكل ده !!
ابتسمت وهي تنظر لجهة أخرى ولكنها قالت:-
_ خلاص همشي واسيبك
تطلع لعيناها لدقيقة وقال بابتسامة :- وتفتكري أنا هسيبك؟!
ارتبكت من طريقته التي لم تعهدها عليه وذهبت من امامه وهي تركض تقريبا...قال يوسف بضحكة:- ملبن..
كتمت حميدة ابتسامتها حتى ركضت لغرفتها واغلقت الباب خلفها وهي تلهث ، دقات قلبها عالية لدرجة الجنون ، ما حدث له ؟! كأنه زهد الطعام فجأة !! وما حل بنظراته البريئة لتتحول الى المكر هكذا!!
****** الله أكبر
ركضت رضوى الذي تركت سما تتزين بصالون التجميل ، واتت للفتيات قبل ان تنتهي السهرة ، وقفت امام المدخل بعد أن انتبهت لصوت هتف باسمها فجأة...نهض رعد الذي كان جالسا على أحد درجات السلم بالخارج ينتظرها فقد علم من سقراط أنها على وصول بعد دقائق...استدارت رضوى لتجد رعد يقف أمامها بوجاهة وسترته الزرقاء تخطف لون عيناه الأسود بجاذبية هائلة...قال مبتسما وهو يرمق ردائها السماوي الفضفاض وكأنها اسطورة خيالية :-
_ هما استغربوا من التغيير ،بس أنا مش مستغرب ، انا عارف انك حلوة وتقدري تبقي اجمل من كده بكتير كمان..
هربت بعيناها وشعرت بدفء يسري بكامل جسدها فقالت بحياء:- بتحرج..
ضحك رغما عنه وقال بمرح:- حاولي ما تقوليش أي كلمة فيها حرف "ر"
نظرت له بتقطيبة وضيق فأعتذر برقة:- مقصدش أزعلك
قالت وقد تظاهرت بالحدة رغم انها تبتسم سرا:- عايز ايه يا رعد ؟
ضحك مرة أخرى ثم قال برقة لعيناها:- عايزك تسافري معايا اليونان
قالت بغيظ:- قلتلك مستحيل ، وما تفتحش الموضوع ده تاني ، ماينفعش اسافر مع حد غريب !!
اقترب خطوة فأبتعدت ذات الخطوة بخجل :- انا مصمم تسافري معايا ، وطالما ماينفعش وانا غريب فأكيد هينفع وأنا قريب ، مبروك يا رضوى..
ابتسم بتسلية وهو يراقب ارتباكها الشديد فقالت بتلعثم :- مبروك على ايه؟!
اشار للحفل بالداخل وقال بمكر:- لخطوبة جاسر وجميلة ، يلا ندخل نباركلهم..
****** سبحان الله العظيم
اتت سما وهي تركض أيضا لتلحق السهرة قبل أن تنتهي ووعدتها للي بأغلاق الصالون وستأت بعد قليل...ركضت وتراقت الدرجات بخطوات سريعة حتى التوى قدميها وسقط نعل حذائها للأسفل ،نظرت سما بضيق للسلم المعتم وقالت:- ده وقته!!
كان الصعود بهذا الظلام اسهل بكثير من الهبوط..استندت على الجدار القصير هبوطا حتى اصطدمت بكتف احدهم...لم يمضي الكثير فهي اكتشفته من عطره الخاص..
اخرج آسر قداحة من جيبه واشعلها أمام وجهها ،نظرت له سما وتجمدت..نظر آسر اليها بعمق وبعيناه شرود عميق..ارتفع صوتها انفاسها بتوتر وارتباك فقالت بتلعثم :- جزمتي..وقعت وكنت
تفاجئت بنطقه لاسمها ببطء:- سما
أرادت ان تبتسم ، لم تكن تتمنى أكثر من هذه النظرة الدافئة الحنونة ، ولكنه يبدو أنه يحتجزها عن الحركة !! تساءلت بتوتر..كم ستبقى من الوقت هكذا تنظر له وينظر لها ، وشعور خفي تمنى لو تلك اللحظات تدوم للأبد..
قالت بخجل:- ممكن..الجزمة بتاعتي!!
لم يحرك ساكنا!! بل ظل ينظر لها ،بالتأكيد لم تكن اجمل من شاهد ، ولكنه تفاجئ أنه راها بهذا الشكل تماما بخياله ، ربما تمنى ان تكن هكذا !! التقط حذائها سريعا واعطاه لها بنظرات لم تحيد من عليها ،ابتعدت وارتدت حذائها وصعدت الدرجات بجانبه..لما لم تكن الدرجات أكثر من ذلك؟! لم وصل لمدخل المنزل بهذه السرعة فرمقها ببسمة وقال:- فستانك يجنن بس ضيق!! كويس أن كل الموجودين ستات..
كادت أن تجيب حتى التفتت على صوت أسعد الذي صعد السلم بعدما عانى في السؤال ليعثر على البيت الصحيح...قال عندما شاهد آسر:- اخيرااا وصلت
صدم آسر لمجيء أسعد وقال:- انت عرفت منين؟!
قال أسعد وهو يرمق سما بنظرات اعجاب ولم يكتشف أنها سما السكرتيرة ذات النظارات الغليظة :- آنسة سما اللي عزمتني ، هي مين الانسة دي مش تعرفنا؟!
توجه بالحديث لسما لتتبدل ملامح آسر للغضب وهو يرمق سما حتى قال:- عزمتك!!
اكد أسعد على الأمر وهو يبتسم لسما وقال:- اه والله عزمتني
تدخلت سما بشعور مرح ظهر بعيناها :- اه فيها ايه لما اعزمه ؟!
ذهل أسعد منها وهتف :- أنتي سما معقول؟! ايه القمر ده يخربيتك!
تفاجئت سما بإلاطراء وحقا لم يروقها وبالأخص عندما اتقدت عين آسر بغضب مميت ، دلف آسر للداخل بخطوات سريعة غاضبة وتركهم فنظرت سما بإتجاهه بضيق وعنفت نفسها بهذه الدعوة الذي هدمت أكثر لحظاتها شاعرية مع آسر...
دلفت وتعمدت تجاهل أسعد الذي لم يبتعد بعيناه عنها..حتى وبعد لحظات اختفى تمامًا...بحثت عنه بعبوس على ملامحها ولم تجده ،
اتت للي وهنأت الجميع مع فرحة حقيقية نبعت من الفرحة التي وضعتها بقلب الفتيات... قاربت السهرة على الانتهاء فأستأذنت سما وقالت لحميدة :- هطلع انا فوق ،حاسة اني صدعت
وافقت حميدة بقلق عليها ليقل يوسف بابتسامة:-
_ ممكن تجيبيلي طبق جاتوه كمان ؟
ابتسمت حميدة وقالت:- حاضر ، ساعات بتحسسني أني مامتك !!
قالتها بمرح ولكنه صوب نظره عليها بحنان ،لم تعلم أنه يعتبرها ذلك بالفعل!!
***** سبحان الله وبحمده
صعدت سما خطوات للأعلى وكانت بطريقها لغرفة السطوح حتى جذبتها يد لحائط الغرفة بظلام السماء وضي القمر ليلا...قال بعنف:- مين اللي سمحلك تعزميه ؟! وأزاي انا معرفش ولا قولتيلي ؟!
كادت سما أن يغشى عليها من الذعر والارتياع من مفاجئة وجوده فقالت وقد جف ريقها تماما :- أنت بتعمل ايه هنا؟!
قال بذات العنف:- ردي عليا وجاوبيني الأول؟!
نظرت لقربه لها بمقت واستياء وحاولت أن تبعده عنها بقوة ولكنه فهم محاولاتها بأنها تكرهه فهتف بغضب:-
_ معجبة بيه صح؟ أو ممكن تكوني حبتيه كمان !! مانتي
اشارت له سما بتحذير وبدأت تجهش بالبكاء:-
_ ما تتكلمش كلمة عليا ،انا ما كنتش هعزمه اصلا بس هو جه وانا بعزم الباشمهندسة ندى وهو اللي عزم نفسه بنفسه وحرجني فأضطريت ااكد عليه يجي..وبعدين اقولك ليه واخد اذنك ليه ؟!
اقترب اليها مجددا بشراسية وهتف:- عشان أنتي المفروض مسؤولة مني!!
احتارت عيناها من امر هذا الغامض!! فقالت معترفة:- مسؤولة منك ليه!! كوني اني سكرتيرتك ده مايقولش أني بقيت مسؤولة منك انا مش طفلة!!
اكد آسر بعصبية:- لأ مسؤولة مني غصب عنك ، انا حذرتك مرة بس
قاطعته ببكاء :- ما تزعقليش كده !! انا مش تحت امرك ولا خدامة عندك !!
رمقها بضيق وقد بدأت عصبيتة تقل..قال بعد لحظات:- بطلي عياط
هزت رأسها برفض فابتسم رغما عنه لطفوليتها وقال:- طب عشان خاطري
ارتبكت وهي تزيل دموعها فقال هامسا رغم المسافة بينهم الذي تبعد خطوات:- ما تلبسيش ضيق كده تاني
قالت سما وتظاهرت ببعض الثبات:- طب لو سمحت امشي عشان محدش يطلع فجأة ويلقيك هنا ، هتعملي مشكلة كبيرة
قال آسر وقد تمالك مشاعره بعض الشيء:- همشي ، بس خليكي فاكرة أن دي آخر مرة بحذرك فيها ، المرة الجاية هطرده من الشغل
ذهب من أمامها وتركها تحملق بذهول في الظلام ، حتى تدرجت الابتسامة التي خبأتها لوقت كبير ثم قفزت ضاحكة بمرح..
****** الحمد لله
جلست جميلة بغرفة الجلوس مع جاسر الذي لا زال يرمقها بمكر فقالت وهي تنهض:- هروح اجيبلك حاجة تشربها
نهض وسبقها عند باب الغرفة قبل أن تخرج لتصطدم بصدره ويبدو انه تعمد ذلك...ابتعدت عنه بنظرة عنيفة وقالت بتحذير:- اياك تمسك ايدي تاني أنت فاهم ؟!
نظر جاسر للدبلة بأصبعها وقال :- كلها شهرين وتبقي كلك ملكي
ضيقت عيناها بدهشة و تمتمت :- انت بتقول ايه؟!!! انت صدقت!!
هز رأسه مؤكدا ببسمة خبيثة:- أوي ، مش عارف ليه بتعامليني كده !! في واحدة تعامل خطيبها...حبيبها..بالقسوة دي؟!!
عموما كلها شهرين وهعدلك دماغك دي ياروحي..
ابتسم ابتسامة واسعة وهو يرى عيناها اشتعلت غيظا وعصبية فأجلسها على المقعدة بالقوة وقال لعيناها ببطء :-
_ اقولك حاجة...لو بإيدي كنت كتبت كتابي عليكي النهاردة...ماتنكريش أني عاجبك ، انا عمري ما قابلت بنت وما عجبتهاش !!
نهضت بشراسة وقالت:- مغرور وشايف نفسك ، مستحيل اتجوز واحد زيك
نظر لها بتحدي وقال وقد اظهرت نبرته قوة تحديه:- لو رفضتي...هخطفك
💖💖💖💖🕊🕊🕊💖💖💖💖
- الفصل العشرون
فغرت جميلة فاها بدهشة..التسلية والتحدي بعيناه تنذر بالخوف منه..ابتلعت ريقها بقلق وابتعدت عنه مسافة أمان...للحظة كرهت ذلك الرداء الذي افصح المجال لأنوثتها كي تتحدث عن نفسها..وتلك المساحيق الناعمة الذي ابرزت ملامحها بإغراء وفتنة..ولكنه قبل ذلك كان مصمما أيضاً !!
ودقة شقية تبتسم بالقلب وتقل احبه !! ترى يا قلب لمن تدق؟! كانت بشرودها ترمقه بين الحين والآخر...وكان يراقب تيهتها مبتسما بثقة..أكثر ما يغري الرجل بالمرأة ليس تعمد اظهار الفتنة بل الأكثر إغراء إمرأة فاتنة تتخفى عن الأعين....تخبأ نيرانها لقلب ستسكنه...تشجعت جميلة وأظهرت قوة اعترفت سرا انها لم تملكها :-
_ قول اللي تقوله...لا هبقى ليك ولا هتكون ليا ولو ليوم واحد....أنا عندي أموت ولا اتجوز واحد عينه زايغة زيك..
رفع أحد حاجبيه بتعجب لأصرارها على الأبتعاد وهجر مشاعرها فتساءل:-
_ هو أنتي كنتي شوفتيني مع غيرك عشان تحكمي عليا ؟! وبعدين كنت فاكرك أذكى من كده !! البنت الذكية هي اللي ماتفكرش في الماضي ، تفكر أزاي اللي جاي يبقى بس ليها...تفكر أن اللي عرف بنات كتير لو أختارها وساب كل اللي حواليه يبقى اكيد عايزها مش مجرد تسلية...أنا مطلبتش اقابلك في السر ، أنا اتقدمت رسمي وأظن ده يثبت حسن نيتي...
تمنت لو يكن صادقـاً......تمنت أن كان يقصد الحقيقة في كلمات دفاعـه عن نفسه.....تمنت لو استطاعت أن تنظر له دون أن تقلق من كذبه....
قلقت أن يظهر بعيناها بعضاً من اختلاس الصدق بحديثه..انحدرت نظرتها للأسفل كملجأ للهروب من عيناه التي لا تعرف سوى تعري افكارها...واخطر أنواع الهروب هو هروب القلب من نبضه الذي أحب.....اقترب إليـها بغمرة شرودها..لم يكن الاقتراب خطراً ولكنه يربك الأنفاس.....قال بابتسامة ظهرت صافية !! ، كأنه يدعوها لبدء صفحة جديدة لطريق يجمعهما معاً :-
_ أنا شايـف أنك تدي لنفسك فرصة ، مكنش في أي سبب ممكن يجبرني أني ارتبط ببنت أنا مش عايزها....خصوصا أن عمري ما فكرت ارتبط أصلًا....
أتى وقت السؤال الذي لطالما طاف بعقلها وأربك دفاعتها أمامه...قالت بحيرة وتمنت إجابة مقنعة :-
_ اشمعنى أنا ؟!! اكيد أنا مش أحلى واحدة عرفتها !!
..أجاب بنظرة امتزجت بين الصدق والغموض :-
_ القلب ما بيحبش الأحلى....بيحب الأقرب ، والقرب مش بالسنين...القرب بيبقى متقسم بين اتنين في ضي العين محفوظ...شوفتك قريبة في عز ما كنت أنا نفسي بعيد عن نفسي..
وابتدا وصال القرب وابتدت الحكاية......حكايتنا
احتوت عيناه ملامحها بغزو يكتسح مناطق كانت مظلمة بداخله...لم يستطع التفريق أن كانت رغبة أم اشتياق لدفئها.....مثل الطائر المحلق لأول مرة....لا يعرف أن كانت ارتجافتها ناتجة عن شغف التحليق أم خشية السقوط!!
قال لها بصوت قصده مثيراً :-
_ عايز أقولك أن الأسبوع اللي غيبتي فيه من الشغل...وحشتيني أوي...ماكنش ليا نفس لحاجة.
هذا كثيراً على مقاومتها...اخفت ارتباكها بقوة هائلة وقالت بثبات وهي تتحاشى النظر إليه:-
_ راجعة الشغل بكرة بأذن الله....
تنمرت عيناه على ثباتها المصطنع وابتسم بمكر قائلًا :-
_ محضرلك هدية أول لما توصلي بكرة...على ذوقي
وتابع بنبرة أشد مكراً :-
_ هتكون فرصة كويسة شغلنا مع بعض اننا نتكلم براحتنا...عايز اتكلم معاكي في كل شيء....خلاص...فترة قليلة وهتكوني..مراتي
...ليته ما قال هذا فقد تاهت نظرتها للحظات...فتساءل بتعجب :- خايفة؟!
اجابت بصدق :-
_ أي بنت بتخاف قبل الخطوة دي...مش المسؤولية اللي بتخوف...الأختيار هو اللي بيعيشنا في خوف دايمًا..بالذات لما نكون مش واثقين..
عقد ساعديه أمام صدره فبدا طويلًا اكثر مما تظن...قال :-
_ مافيش شيء مضمون ، والخوف لو اتملك مننا الفرحة مش هتقرب ، زي اللي نفسه يعوم في البحر وخايف ليغرق ويموت !! رغم أنه لو ادى لنفسه فرصة وفكر هيعرف أن الموت هيجي سواء على الشط أو في الميه.
فلسفة استخدمها لأقناعها...مابات يعرف أن كان يقنعها أم يقنع نفسه!!
« ابتسمت ببطء...وشقت الابتسامة طريقاً للصدق »
*****
بعد رحيل كل من حضر من الجيران...جلس الجميع بصالة الشقة الخاصة للأسطى "سمعه" فقال ل "للي" شاكراً :-
_ الف شكر على الواجب اللي عملتيه مع البنات ، قوليلي حسابهم كام كلهم ؟
هزت للي رأسها برفض وقالت بلطف :-
_ لا ده هدية مني ليهم ، وبعدين أنت واجبك سابق يا اسطى سمعه
ابتسم الرجل بطيبة وصمم على رأيه ولكن "للي" اعترضت بشدة على أخذ ثمن التزيين..
نهضت من مقعدها واستأذنت للرحيل..فنهض سقراط وقال:-
_ استني هوصلك..ما يصحش اسيبك لوحدك بليل كده ،لازم اسد زيي يمشي معاكي يحميكي
ابتسمت للي لهذا الصبي المضحك حديثه ثم خرجت من المنزل...
خطت لخارج الشقة حتى وجدت حميدة تنحدر الخطوات إليها وتقل بإعتراض:-
_ أنتي ماشية ولا إيه ؟! ده أنا كنت جاية اخدك تقعدي معانا فوق شوية ونسهروا انشالله للصبح..
رغم أن للي احتاجت للتحدث وبعض الهروب من الألم الذي قبع بقلبها إلا أنها قالت بابتسامة:-
_ مرة تانية أن شاء الله ، الوقت متأخر واكيد عايزين تناموا
تمسكت حميدة بمعصم للي وقالت بضحكة:-
_ لأ النهاردة بالذات محدش هيجيله نوم ،وبعدين بعد اللي عملتيه معانا احنا خلاص اعتبرناكي واحدة مننا ،تعالي تعالي ده انا جايبة لب وسوداني
قال سقراط بابتسامة بلهاء :- هطلع معاكــم
رمقته حميدة بحدة وقالت :- تطلع فين هو احنا رايحين القهوة ؟! ادخل يلا اغسل مواعين الحوض المرطرطة جوا ، ولما تتعب سيبيلي الباقي
تشنجت ملامح سقراط بغيظ وعصبية ولم يستطع الحديث والشتائم بوجود للي فقال مصححا ما قالته حميدة :-
_ أنا بساعدهم في وقت فراغي...من غيري يغرقوا ويتشردوا
سخرت حميدة من حديثه بلوية من شفتيها مع تضيق عيناها بعض الشيء...وافقت للي الصعود مع حميدة حتى وجدت رضوى وسما يتشاركون الضحكات وهم يتناولون السوداني بشهية...دلفت حميدة ومعها للي لغرفة السطوح البسيطة ورغم بساطتها ولكنها مريحة أكثر بكثير من الشقة الفخمة التي تسكن بها للي...
اشارت حميدة على الكنبة وقالت ل "للي" :-
_ اقعدي على الكنبة ياعسل
_ والله السطوح نور بيكي يا لولا ، اقسم بالله احنا حبيناكي حب مش طبيعي رغم اننا عارفينك من ساعات
ابتسمت للي بصدق ثم تحركت من على الاريكة وجلست بجوارهم على الأرض وقالت بمرح :-
_ وأنا كمان والله
قالت رضوى بضحكة
_ البت جميلة زمانها تقطف من الحب ثمارهً وهي اكبر حمارة
ضحك الفتيات على حديثها الألدغ لتقل للي بضحكة :-
_ ربنا يسعدها ويسعدكم أنتوا كمان
تنهدت سما وهي تبصق قشر اللب من فمها :-
_ يارب يا للي يا أختي ياااارب ، الحب دهولة
_ شوفتوا يا عيال لما شافونا من غير نضارات وقمرات كان شكلهم مصدوم أزاي !!!
تعجبت للي وقالت :- نضارات؟!!!
هز الفتيات رأسهنّ بالايجاب فقالت سما :-
_ هحكيلك قصتنا معاهم
روت سما كل شيء منذ البداية فانفجرت للي من الضحك وشاركتها الفتيات فقالت حميدة بدفاع ومرح :-
_ كنت خايفة عليهم والله بس طلع يتخاف منهم مش عليهم
تمالكت للي ثباتها من الضحك وقالت :-
_ انتوا مصايب والله ، بس ما توحشوش نفسكم تاني ،خليكم بطبيعتكم احسن كتير
قالت سما بسعادة :-
_ بصراحة انتي النهاردة سر فرحتنا ، حتى المكياج مكنش اوفر تحسيه طبيعي وشيك ، كل حاجة عملتيها كانت حلوة أوي ربنا يردلك الفرحة اربع اضعاف...عددنا ههههههه
قالت رضوى بابتسامة مرحة :- لأ دي سمكة اللي دعيتلك يعني ابشري
مرت دقائق حتى دلفت جميلة بنظرات هائمة سارحة وحتى لم تلاحظ وجود للي فضحك عليها الفتيات وقالت سما بخبث :-
_ س سؤال...مسك ايدك ؟
_ لو حاول كنت طردته!! انا حذرته
ضيقت سماعينيها بمكر وتابعت :-
_ قالك ايه يابت احكيلنا بقى !!!
غمزت حميدة بضحكة لجميلة وهي ترمقها بمكر لتقل جميلة بابتسامة :-
_ هنفتح صفحة جديدة مع بعض
قالت سما بضحكة :- صفحة كتب الكتاب ؟
*******
**بمنزل الشباب**
جلس يوسف أمام التلفاز وهو يرفع كوب عصير الى شفتيه ولكنه توقف فجأة عندما طاف بذهنه وجه حميدة فأنزل الكوب بابتسامة شاردة وقال :-
_ المفروض يعملولي تمثال حمار...بس هي برضو غلطانة ،بقى في حد يبقى شكولاته كده ويبين نفسه مخلل ؟!
ضحك ضحكات خافته ليتساءل رعد بابتسامة :-
_ بتضحك علي ايه ؟!
أوما يوسف بابتسامة ورفض الاجابة ليقل جاسر الذي اقتدح الخبث بعيناه :-
_ حتت تنين !! بس ماشي ، أن كانت هي تنين فأنا سوبر مان
قال يوسف بسخرية :-
_ يابني اسكت بقى واستخبى في اوضتك ، ده أنت المفروض تبني لنفسك مكان تحت السرير وما تظهرش تاني قدامنا ، وعمال تعترض وي وي وي وأنت أول ما شوفتها بعتنا يا حيوان !!!
أكد رعد بضحكة :- آه قالنا غوروا في داهية القاسي ، اومال لو فرحك كنت ضربتنا بالنار ياض؟!
أجاب جاسر بذات السخرية :-
_ لا وانتوا اللي مشاء الله فتوات !! واحد فضل تايه نص ساعة قدامها والتاني استناها برا ولا فاكريني مش لاقط تحركاتكم يا أوباش !!
تساءل يوسف بحيرة :- هو آسر فين مش شايفه ؟!
أجاب رعد :- تلاقيه نام ، أقوم انا كمان أنام
نهض يوسف وقال :- وانا كمان هروح انام..
*******
**بقصر آل الزيان**
وضع الخادم العجوز فنجان قهوة على مكتب وجيه وقال بقلق :-
_ ده رابع فنجان قهوة في أقل من ساعة يابني ؟! غلط كده على صحتك !!
تنهد وجيه بعصبية وقال :-
_ ما تخيلتش أن في يوم زي ده مكونش جانبهم ، حتى مافيش واحد فيهم كلف نفسه وجه يعزمني بنفسه !! يوسف بمنتهى البساطة سابلي رسالة ولا كأني غريب !! ولادي ضاعوا مني خلاص
_ كنت قاسي عليهم بس غصب عني ، جربت كل شيء معاهم وفشلت وده كان آخر حل ، متخيلتش انهم ينسوني بالسرعة دي !!
قال نعيم العجوز ليهون عليه :-
_ يمكن خافوا لترفض !! ربنا يجمع ما بينكم تاني
اغلق وجيه عيناه بحزن وتمني أن يحدث ذلك بالفعل حتى دق هاتفه وأجاب :- الو؟
أجاب الطرف الآخر :-
_ أنا مراقبهم في السكن هنا زي ما امرتني وراقبت كمان العروسة ، اللي عرفته أنها قريبة السكرتيرة اللي كانت بتشتغل في الشركة عندك واسمها حميدة..
_ اهم البنات اللي كنت مراقبهم طالعين اهم مع واحدة شكلها مش من الحارة أصلا !!
قال وجيه بأمر :- راقبهم كويس واعرفلي وراهم ايه
تخفى الرجل عن أعين الفتيات حتى ابتعدت للي بسيارتها عن المكان ولوح لها الفتيات بابتسامة فقالت سما بمرح :-
_ للي دي سكر
لتجيب جميلة بمحبة :- مش عارفة من غيرها كنا هنعمل ايه !!
عاد الفتيات يتحدثون بمزاح طوال الطريق ليقل الرجل لوجيه عبر الهاتف :-
_ شكل اللي معاهم دي ياباشا وراها سر
تساءل وجيه بقوة :- لازم تعرف هي مين بسرعة
اجاب الرجل :- سمعتهم قالوا للي ، اسمها للي مع أن المحل بتاعها مكتوب أن اسمها ليان!!
انتفض وجيه من مقعده بذهول وهو يردد بصدمة هائلة :- للي !!
تابع الرجل الحديث بينما وجيه أغلق الهاتف بنظرات تنتفض دهشة وصدمة ، اهذه احد الاعيبها ؟! ليس في الأمر مصادفة فهي يبدو أنها لا زالت تصر على ايقاعه !!
اسودت عيناه من الغضب والعنف الذي اتقد بداخله اتجاهها...
*****
باليوم التالي...
ذهب الفتيات للعمل ليجدن الشباب قد سبقوهم بالمجيء ، دلفت سما للمكتب بسعادة ...تفاجئت بوجود آسر مع المهندسة ندى والذي بدا وكأنه كان يهمس بشيء بأذنها بنظرة ماكرة لم تراها بعيناه مطلقاً!!
تجمدت بموضعها وهي تنظر له بدهشة حتى التفت اليها بنظرات عدائية وهتف بعصبية :-
_ ايه الغباءده مش تخبطي قبل ما تدخلي ؟! خليكي برا شوية
تطلعت به سما بصدمة ، من هذا الذي يقف ويهتف هكذا ؟! لا يعقل أنه آسر المهذب !!
ارتعش جسدها بقوة حتى سقطت حقيبتها من يدها وجرت الدموع بعيناها...فهتف مجددًا :-
_ يووووه !!! ما تخلصي بقى !!
إلي هنا ينتهي الفصل العشرون من رواية إمبراطورية الرجال
تعليقات
إرسال تعليق