![]() |
الفصل الاول
في مطار القاهرة الدولي ..
كان زياد يسير داخل المطار وهو يجر حقيبته خلفه ، يرتدي نظارة سوداء تخفي عينيه وملابسه سوداء بالكامل ..
خرج من بوابة المطار ليجد ابن عمه منتصر في انتظاره والذي ما إن رأه حتى اقترب منها بسرعة وقال له :
" حمد لله على سلامتك .."
ثم أردف بلهجة حزينة :
" البقية فحياتك ..."
رد عليه بهدوء يناقض تلك النيران المندلعة داخل قلبه :
" حياتك الباقية ..."
" هات شنطتك .."
قالها ابن عمه وهو يأخذ الحقيبة منه ويجرها وراءه بينما تحرك هو أمامه نحو السيارة ...
ركب بجانب كرسي السائق بينما كان ابن عمه يضع الحقيبة في الخلف ثم عاد وركب بجانبه في مكان السائق وشغل سيارته وقادها متجها الى منزل عمه ...
" اخبار ماما ايه ..؟!"
سأله زياد بتردد ليتنهد سلام وهو يجيبه :
" تعبانه اوي ، مش قادرة تستوعب لسه اللي حصل ..."
زفر زياد أنفاسه بقوة وقال بألم ظهر جليا في صوته :
" محدش فينا قادر يستوعب ده .."
" أبوك بردوا مش كويس ، تعبان اووي .. حتى رنا وضعها سيء جدا .."
" خليك جمبها يا منتصر ، انت اقرب حد ليها .."
أومأ منتصر برأسه وقال مطمئنا إياه :
" متقلقش عليها ، انا جمبها ..."
حل الصمت المطبق بينهما .. صمت لم يقطعه أحد منهما .. فكليهما غارقا في أفكاره .. زياد لم يستوعب بعد ما حدث .. موت أخيه تركه في صدمة حقيقية .. أخوه الذي ودعه قبل يوم بعدما انتهى حفل زفافه ورحل الى المانيا لأجل العمل ليأتيه خبر وفاته هناك بسكتة قلبية والسبب غير معروف الى حد الأن أو هكذا يظن ...
أوقف منتصر سيارته أمام الفيلا ليهبط زياد مسرعا من السيارة ويتجه الى الداخل بلهفة ..
وجد والدته تجلس هناك وبجانبها اخته ومعهما مجموعة من أقاربهما ...
ما إن رأته والدته حتى انتفضت من مكانها وقالت بلهفة :
" زياد ، وأخيرا جيت ..."
ثم هطلت دموعها بغزارة ليحتضنها زياد بقوة دون أن ينطق بحرف واحد ..
نهضت أخته رنا هي الأخرى واقتربت منهما تربت على ظهر والدتها بمواساة قبل أن تتنحى الأم جانبا لتقترب رنا منه وتحتضنه وهي تهتف بأسى :
" شفت اللي حصل يا زياد ..؟! علي مات .."
ثم انهارت باكية بين أحضانه ليشدد زياد من إحتضانها ... كان يشعر بطعنة قوية في داخله وهو يراهما بهذا الشكل المؤلم .. طعنة تماثل طعنته بفقدان أخيه الوحيد ..
ابتعدت رنا من بين أحضانه ليجد خالاته وعماته يعزونه واحدة تلو الأخرى .. اكتفى بإيماءة من رأسه دون رد ثم تحرك مبتعدا عن مكان جلوس السيدات الى خارج الفيلا ليجد منتصر والكثير من الرجال يجلسون في الحديقة الخلفية ومعهم والده ...
اقترب من والده الذي نهض مسرعا ما إن رأه واحتضنه بقوة ثم بدأ يتلقى التعازي من الجميع ...
" طالما زياد جه خلونا ندفنه .."
قالها زوج عمته ليقول زياد ردا عليه :
" لازم أشوفه الاول ..."
ربت منتصر على كتفه وقال :
" تعال معايا ، هو فإوضته .."
اتجه زياد معه الى الطابق العلوي وتحديدا الى غرفة علي ليجده هناك ممددا على السرير بينما والدته تجلس بجانبه وتقرأ القرأن له .. اقترب منه وهبط نحوه وطبع قبلة على جبينه قبل أن يهتف بصوت مرتعش :
" ربنا يرحمك يا علي .. ربنا يرحمك يا حبيبي ..."
بالكاد استطاع التماسك وهو ينهض من مكانه قبل أن يبدئوا مراسم الدفن ...
..................................................................................
وقفت زينه أمام الباب الداخلي الفيلا تنظر إليه بتردد ، لم يكن عليها الحضور الى هنا بعد كل ما حدث لكنها لم تستطع ألا تحضر مراسم دفنه وعزاءه ..
ولجت الى الداخل بخطوات مترددة وهي متشحة بالسواد من رأسها حتى أخمص قدميها لينتبه إليها الجميع ويبدئون في همساتهم حولها ..
ما إن انتبهت رنا لمجيئها حتى انتفضت من مكانها وركضت نحوها وهي تصرخ عليها :
" انتِ ايه اللي جابك ..؟! مش مكفيكي اللي حصل ..؟!"
ارتعش جسد زينه وهي تجيبها بتوسل :
" ارجوكِ يا رنا بلاش تعامليني كده ، انا جيت عشان أشوفه لأخر مرة وأودعه .."
صاحت رنا بها بقسوة :
" تودعيه بعد ما قتلتيه ، يا بحاجتك يا شيخة ..."
ثم قبضت على ذراعها وقالت بقسوة :
" اخرجي من هنا حالا قبل ما اخلي الحرس يطردوكي.."
في نفس اللحظة هبط زياد ومنتصر من الأعلى على أصوات صراخ رنا وتوسلات زينه ليقفز منتصر مسرعا نحو رنا ويجرها خلفه قائلا :
" مش كده يا رنا ، مش كده أرجوكِ ..."
" انت مش شايف بحاحتها .. دي جايه تودعه بعد ما قتلته.."
لم يستوعب زياد ما يسمعه فهو لا يعرف اي شيء عن سبب موت أخيه ....
بينما أكملت رنا بحقد وغل غير متأثرة ببكاء زينه الذي يمزق القلب:
" انتِ واحدة سافلة وحقيرة ، وانا لا يمكن أسمحلك تقربي من حد مننا ..."
تقدم زياد نحو زينه وقال لها بنبرة باردة مقتضبة :
" من فضلك يا مدام اخرجي دلوقتي ، احنا مش ناقصين مصايب .."
نظرت إليه بعينيها الباكيتين وقالت بترجي :
" خليني أشوفه وأحضر دفنته أرجوك ..."
" على جثتي تحضري حاجة .."
قالتها رنا ثم اقتربت من أخيها وقالت وهي تشير نحوها ببكاء :
" دي هي اللي قتلته يا زياد ، خانته وطعنته بشرفه ولما علي مستحملش ده مات .. مات من صدمته فيها ..."
تطلع زياد إلى اخته مصدوما بما تقوله وقد بدأ يستوعب الان ما حدث يومها حاولت زينه التحدث لكن قاطعها زياد بنبرة قوية حازمة :
" اظن كفاية لحد كده ، اتفضلي اخرجي من هنا بدل ما اخلي الحرس يخرجوكي ..."
تطلعت زينه إليهم بوجع ثم ما لبثت ان تحركت أمامهم خارج الفيلا بملامح باكية مذلولة ...
..........................................................................................
بعد مرور ثلاثة ايام ...
كانت تجلس على سريرها وهي تحتضن جسدها النحيل بذراعيها ... دموعها تغطي وجنتيها وهي تستمع الى اصوات صراخ والدها الذي يصم الأذان ...
" قلتلك مش عايزها ، دي وسخت سمعتي وضيعت شرفي .. انا مش عاوزها فبيتي .. خليها تخرج من هنا حالا .."
ازداد إرتعاش جسدها وهي تنتحب بشدة ، الجميع يتجنبها ويعاملها كشيء قذر غير مرغوب به بعدما حدث .. حتى والدها لا يريدها ولا يتقبلها بينهم ..
" دي بنتك ، حرام عليك .. عايزها تروح فين ..؟!"
كان هذا صوت والدتها المتوسل ، والدتها الوحيدة التي تدافع عنها امام والدها رغم أنها تتجنبها كليا ...
" مليش دعوة ، خليها تروح مطرح ماروح ، المهم تخرج من هنا .. انا انتهيت بسببها .. خسرت شغلي وسمعتي .. مبقتش قادر أرفع وشي وسط الناس .."
ازداد نحيب زينه بعدما سمعته ، لقد انتهى والدها كليا ولم يعد بمقدوره أن يتحمل ما حدث .. ليتها لم تجازف وتتزوج من علي ، ليتها لم تتوقع منه ردة فعل جيدة ...
انتفضت من مكانها متراجعة الى الخلف حينما وجدت الباب يفتح ووالدها يقتحم الغرفة متجها نحوها بملامح تنطق غضبا وكرها ..
جذبها والدها من ذراعها وسط صراخ والدها واختها الصغرى وهو يقول بغضب :
" اطلعي بره ، مش عاوزك فبيتي .. انتِ فاهمة ..؟!"
ثم جرها خلفه متجها بها نحو الباب .. حاولت والدتها ان تمنعه لكنها دفعها بقوة وأسقطها أرضا ...
" ارجوك يا بابا بلاش تطردها .."
قالتها اختها الصغرى ذات السبعة أعوام وهي تتوسله ببكاء لكنه لم يكن يراها او يرى غيرها .. كل ما كان أمامه شرفه الذي تلطخ بسببها وعلى يديها .. فتح الباب ودفعها نحو الخارج لترتطم بصدر أحدهم والذي تلقاها داخل أحضانه قبل أن تلتفت نحوه فتظهر الصدمة جلية على وجهها .. فمالذي جلبه الى هنا ...؟!
يتبع. بعد التفاعل
الفصل الثاني
اتسعت عينا زينه ما إن رأت الشخص الواقف أمامها ، عرفته على الفور رغم أنها لم تلتق به إلا مرتين إحداهما يوم زفافها على علي والأخرى يوم الجنازة ..
عادت ببصرها نحو والدها وقالت بترجي :
" بابا ارجوك متعملش فيا كده .."
إلا أن الأب رمقها بنظرة يائسة قبل أن يغلق الباب بقوة في وجهها ...
" واضح إني جيت فوقت مش مناسب ..."
قالها زياد بتهكم بارد جعلها تستدير نحوه غير منتبهة لنبرته الساخرة ، قالت بلهجة حاولت جعلها هادئة غير باكية :
" انا اسفة بس بابا ..."
قاطعها بجمود :
" ملوش لزوم تبرري ، أبوكِ طردك ومش عايزك ...."
أغمضت عينيها بألم ثم فتحتهما وقالت بلهجة عادية :
" اتفضل يا ..."
ثم صمتت تحاول تذكر إسمه ليذكرها به بحنق واضح :
" زياد .. اسمي زياد ..وأكيد مش هنتكلم هنا عالسلم وانتِ بالبيجامة.."
نظرت إلى ملابسها بعجز ثم ما لبثت ان قالت بهدوءاستغربه هو :
" بابا اكيد هيفتحلي الباب ، هو لا يمكن يسيبني كده .."
ثم أخذت تطرق على الباب وهي ترجوه بنبرتها الرقيقة:
" بابا افتحلي من فضلك ، متعملش فيا كده .."
جذبها زياد من كف يدها وقال بلهجة حازمة :
" كفاية بقى ، واضح انوا مش عايز يفتحلك ..."
" ازاي ..؟! هروح فين ..؟!"
قالتها كأنما تحدث نفسها ليرفع زياد عينيه نحو الأعلى بنفاذ صبر ثم عاد وفتحها وهو يبتسم ببرود :
" متقلقيش ، من الناحية دي أنا هحل ليكي الموضوع ده ..."
نظرت إليه بحيرة وقالت :
" تحل ايه ..؟!"
صمت لوهلة قبل أن يردف وهو يخرج بعض الأوراق من حقيبة سوداء مستطيلة كان يحملها معه :
" المهم توقعيلي عالأوواق دي .."
انتبهت زينة لما يقوله وشعرت بأن هناك مصيبة جديدة تنتظرها فسألته بتوجس:
" أوراق ايه دي ..؟!"
أجابها وهو يمد الأوراق نحوها :
" أوراق تنازل عن حصتك فثروة علي الله يرحمه ..."
تطلعت إليه بصدمة ، كيف يفكرون بشيء كهذا وفي وقت مبكر فلم يمر سوى ثلاثة أيام على وفاته وهم يتحدثون بالميراث والأموال ...
وجدت نفسها تصيح به :
" انت اكيد اتجننت .. ازاي تطلب مني حاجة زي كده ..؟! أخوك لسه يادوب مدفون من يومين وانت جاي تطالب بفلوسه .."
" أخويا اللي اندفن بسببك مش كده .."
قالها بلهجة حادة ثم أردف بهدوء خطر :
" لو فاكرة اني هسيبك تاخدي مليم واحد من ثروته تبقي غلطانه ، انتِ ملكيش أي حقوق عندنا .."
نظرت إليه بعدم تصديق وقالت :
" حقوق ايه اللي بتتكلم عنها ..؟! انت فاكرني زيكوا بفكر بالفلوس وبس ..؟!"
منحها ابتسامة قاسية لم تصل إلى عينيه ثم قال بسخرية واضحة :
" لا انت بتفكري فحاجات تانية أهم ..بتفكري ازاي تكدبي، تخدعي .. تخوني .."
ابتلعت ريقها وقالت وهي تهم بصفعه :
" انت واحد سافل وحقير .."
إلا أنه كان أسرع منها حيث أمسك بكف يدها ومنعها من صفعه ثم قال بلهجة صارمة :
" أحسنلك توافقي وإلا هنضطر نروح للطب الشرعي ، وساعتها هتتوورطي اكتر خاصة لما الجيران يشهدوا عاللي حصل ..."
" انت بتعمل كده ليه ..؟! حرام عليك .."
قالتها ببكاء لم تستطع إيقافه ليزفر أنفاسه وهو يقول بضيق :
" انا مش بطلب منك حاجة صعبة يا مدام ، الموضوع أبسط من كده بكتير ..."
وجدت نفسها تقول بعصبية ونفاذ صبر فقد اكتفت من سماع كلامه المسموم :
" هات قلم عشان أوقع وأخلص .."
أعطاها قلما أخرجه من جيبه لتحمل الأوراق وتبدأ بتوقيعها واحدة الى الأخرى ..
انتهت من توقيع الأوراق لتجده يهتف بها :
" لو تحبي تروحي مكان معين أنا ممكن أوصلك عادي .."
نظرت إليه بدهشة ، هل يحاول مساعدتها ..؟!
شعر هو بحيرتها فقال بضيق ظهر واضحا في صوته :
" انا مش بساعدك حبا فيكي ، بس انا مش متعود أشوف بنت فوضع زي ده وأسيبها كده .."
ابتلعت غصة داخل حلقها وهي تفكر بأن والدها تركها هكذا وكأنها ليست ابنته وقطعة منه ...
وقبل أن ترد عليه سمع الاثنان صوت صراخ يأتي من داخل الشقة ، اتجهت زينة نحو الباب وأخذت تحاول فتحه وهي تصرخ بتوسل :
" افتحوا الباب أرجوكم ، حصل ايه ..؟!"
ثم حاولت دفعه عدة مرات دون فائدة بينما بدأ صوت تحطيم بعض الإشياء يصل إلى مسامعهما وصوت بكاء والدتها وأختها ظهر بوضوح لتهتف بهما زينه بصوت باكي :
" حد يفتحلي الباب ، افتحوا الباب ..."
تقدم زياد نحوها وجذبها بعيدا عن الباب وبدأ يضربه بقدمه ليفتح الباب بعد عدة محاولات ..
دلف الاثنان الى الداخل ليجدا والدة زينه تحتضن ابنتها في أحد أركان الصالة وهي تبكي وترتجف رعبا أما والدها فكان يدمر كل شيء يراه أمامه حتى أصبح المكان مدمرا بالكامل ..
اقترب والدها منها وملامح وجهه لا تبشر بالخير ثم صرخ بها وهو يجذبها من شعرها :
" انت ايه اللي جابك هنا ..؟! مش قلتلك مش عايز أشوف وشك تاني .."
صاحت زينه بألم بينما أخذ زياد يحاول تحريرها من قبضة والدها وما زاد الطين بلة تجمع بعض الجيران أمام الباب وهم يحاولون أن يروا ما حدث ...
حررها زياد أخيرا من قبضته وهو يصيح به :
" كفاية بقى ، مش كده .."
" والله انا مظلومة ، والله معملتش حاجة ..."
بدأت الهمهمات تعلو بين الجيران ليقول الأب بوهن :
" انت فضحتيني ، وطيتي راسي ... هتعملي ايه اكتر من كده ..؟!"
" والله مكانش ذنبي ، بابا انا اغتصبوني .. والله اغتصبوني وخفت احكي .."
حاول والدها جذبها من خلف زياد الواقف في وجهه كسد منيع وهو يصيح بها بقهر:
" اخرسي يا فاجرة يا حقيرة ..."
" قلتلك سيبها ..."
قالها زياد بنفاذ صبر ليرد الأب بحدة :
" انا ملكش دعوة ، متدخلش بيني وبين بنتي ..."
في نفس الوقت تقدم مجموعة رجال بعضهم يرتدي جلابيب طويلة والأخرون يرتدون ملابس عادية ليهتف الأب بوهن :
" عمامك جم من البلد وهم هيتصرفوا معاكِ ، هيغسلوا عارك ..."
تجمدت الكلمات على شفتي زينه وأخذت تنظر الى والدها بعينين متسعتين ، لا تصدق أن والدها فعلها واتصل بإخوته في البلد ...
كيف هانت عليه هي ليفعل بها هذا ..؟! ألا يعرف أخوته وطريقة تفكيرهم ..؟! سيقتلونها دون أدنى تردد..
التفت زياد نحوهم يناظرهم من الأعلى للأسفل فوجد الشر واضح على وجوههم ...
عاد ونظر إليها لتنظر إليه بنظرات تحمل فيها الرجاء الخالص ، لقد بات الأن هو منقذها الوحيد ..
تقدم أحد الرجال والذي يرتدي بنطال اسود فوقه قميص أسود أيضا ليجذب زينه من شعرها من الخلف بقوة جعلتها تصرخ ألما قبل أن يهتف بجانب اذنها :
" وطيتي راسنا يا فأجرة ، لازم أقتلك وأغسل عارنا .."
رغما عنه لم يتحمل زياد ما يراه فتقدم منه وهتف به بصوت عالي غاضب :
" انت مجنون ولا ايه ..؟! تغسل عارك يعني ايه ...؟!"
ثم حاول تحرير زينه من يده لكن دون فائدة ليرد عليه الشاب بتحذير :
" ملكش دعوة انت ، تطلع مين انا عشان تكلمني بالشكل ده ..؟!"
وعندما لم بجد ردا أكمل :
" لتكون انت الشاب اللي غلطت معاه قبل الجواز .."
لم يتحمل زياد ما سمعه فهم بضربه لكن رجلين ضخمين تقدما منه ومنعاه مما يفعله ليهتف زياد بعصبية كبيرة:
" انا اخو جوزها اللي مات يا متخلف .."
" اخو جوزها على عيني وراسي ، بس متتحشرش فشيء ميخصكش.."
" يعني عايزني اسيبك تقتلها .."
قالها زياد بذهول ليرد الأخير ببرود :
" عاري ولازم أغسله .."
وقبل أن يتحدث زياد كان الشاب يرميها للرجال خلفه وهو يأمرهم :
" ودوها عالعربية ، خدوها عالطريق البري وخلصوا عليها .."
تقدمت منه والدة زينه وانحنت نحوه تهتف به بتوسل :
" أبوس ايدك بلاش تموتها ، دي بنتي اللي مليش غيرها .. عشان خاطري .."
إلا أنه لم يهتم بها وبتوسلاتها بل أشار الى الرجال لينفذوا ما قاله بينما أخذ زياد يتطلع إليها وهي تساق معهم بملامح متشنجة غير مصدقة ..
يتبع. نكمل بعد التفاعل
الفصل الثالث
خرج زياد مسرعا من شقة عائلة زينه ، هبط درجات السلم راكضا وهو يجري اتصالا بمنتصر يخبره قائلا :
" عايزك تلحقني عالمكان اللي رايحله دلوقتي انت والبودي جارد بتوعنا ... هتقدر توصل ليا عن طريق الGPS..”
جاءه صوت منتصر القلق :
" حاضر ، بس هو فيه حاجة ...؟!"
" مش وقته يا منتصر ، اعمل اللي بقولك عليه.."
قالها زياد بعجلة وهو يقود سيارته لاحقا بزينة وابناء عمها ...
تنهد بإرتياح حينما بات على بعد مسافة صغيرة من سيارتهم ثم بدأ يقود بهدوء وترقب محاولا عدم أفلاتهم منه ...
كان يقود ويده تعبث بالهاتف حيث أجرى إتصالًا بأحدهم وقال :
" ايوه يا فندم ، من فضلك عايز ابلغ عن جماعة خاطفين بنت وعاوزين يقتلوها عشان يغسلوا عارهم ... "
ثم شرح لهم التفاصيل تماما وطلب منهم أن يلحقوا به ...
أوقف زياد سيارته على جانب أحد الطرق المقطوعة ليجدهم يهبطون من سيارتهم غير منتبهين له ...
جذب أحدهم زينه وجرها خلفه ورماها على أرضية الشارع ....
بينما أخرج الأخر مسدسه وصوبه نحوها ...
أغمضت زينه عينيها وهي تنتظر أن يصدح صوت الرصاصة عاليا ليعلن نهايتها ... في تلك اللحظة لم تستطع التفكير بأحد سوى نفسها ...
شعور غريب وهي قريبة من الموت اجتاحها ، شعور بالراحة ، نعم سترتاح هناك حيث ربها الذي يعلم بكل ما حدث .. سيحميها الله من شرور البشر وظلمهم ... حاولت أن تتذكر اختها الصغيرة كأخر شيء حلو بقي في حياتها ...سوف تنتهي حياتها وهي تتخيل ابتسامتها البريئة وحضنها الدافئ أمامها .. وقبل أن يطلق الرجل رصاصته كان زياد يصرخ بهم راكضا نحوهم ...
التفت الرجل نحوه يناظره بحيرة قبل ان يهتف :
" انت عايز ايه ..؟! لحقتنا هنا ليه ..؟!"
وقف زياد أمامها بينما فتحت زينة عينيها بعدم تصديق ليقول زياد بنبرة قوية شجاعة :
" محدش يقرب منها ، انتوا فاهمين .."
" ابعد عنها بدل ما اضربك بدالها ..."
" انتوا مجانين .. دي جريمة هتتحاسبوا عليها ..."
قالها زياد محاولا منعهم عما يقومون به وفي نفس الوقت وصل منتصر ورجاله الى المكان والذي ركض نحو زياد قائلا بعدم تصديق :
" ايه اللي بيحصل هنا يا زياد ...؟!"
زفر زياد أنفاسه وقال :
" زي مانت شايف ..."
تقدم رجال منتصر نحو ابناء عم زينه ومعهم أسلحتهم ثم أشار لهم زياد قائلا :
" خدوا السلاح اللي معاهم حالا وكتفوهم .."
حاول ابناء عمها مقاومة رجاله لكنهم لم يستطيعوا فهؤلاء يحملون اسلحة حديثة ويتمتعون باجسام ضخمة مخيفة ...
وصل رجال الشرطة بعدما انتهوا من ربطهم ليجدوا زياد واقفا أمامهم وزينة تقف خلفه غير مصدقة بعد لما حدث ...
تقدم زياد من الشرطة وزينة تسير خلفه كظله ليقول زياد بعدما شكر الضابط :
" اتمنى انكوا تاخدوا منهم تعهد بعدم التعرض ليها ..."
تحدث احد ابناء عمومتها قائلا :
" لو فاكرة انك خلصتي مننا تبقي غلطانه، احنا مش هنسيبك إلا لما نغسل عارنا .."
نظر زياد الى زينه المختبئة خلفه بينما قال الضابط له بصوت خافت :
" بس دول ناويين على شر ومش هيهمهم تعهد من غيره ، الأحسن إنك تحميها منهم بنفسك .."
" ازاي ..؟!"
سأله زياد بحيرة ليجيب الضابط :
" معرفش ، بس انا هخليهم تحت المراقبة .. وانت احمي المدام منهم وخليها قصاد عينك عشان محدش منهم يقدر يقرب ليها ..."
زفر زياد أنفاسه بضيق وقال :
" ان شاءالله..."
بينما أمر الضابط :
" يلا خدوهم عالبوكس.."
أردف الضابط مشيرا الى زينه :
" وحضرتك والمدام لازم تيجوا معانا عشان تشهدوا ضدهم ..."
" حاضر .."
قالها زياد بإذعان ثم أشار الى زينه طالبا منها أن تركب سيارته ليتجه هو نحو منتصر ويشكره ثم يذهب الى سيارته ويقودها متجها الى مركز الشرطة ...
............................................................
كانت والدة زينة تبكي بصمت وكذلك اختها حينما زأر الأب بهم غاضبا :
" كفاية عياط بقى ، قرفتوني .."
" حرام عليك ، ازاي هانت عليك بنتك ترميها ليهم ..؟!"
قالتها الأم بنحيب وهي تفكر أن هذا الرجل بلا قلب ...
أما هو فكان يهز قدمه بعصبيه وهو يهتف بينه وبين نفسه :
" يا ترى قتلوها ولا لسه ...؟!"
اقتربت منه ابنته الصغرى والتي تشبه اختها زينه كثيرا وقالت له بتوسل باكي :
" ارجوك يا بابا متخليهمش يقتلوها ، عشان خاطري .."
جذبها الأب من ذراعها وهو يقول بكره :
" اخرسي ، انت متتكلميش.. مش كفاية عليا عمايل اختك .."
نهضت الأم من مكانها وأخذت الطفلة بعيدا عنه تحميها بين أحضانها بينما لسان يقولها :
" اختها معملتش حاجة ، اختها بريئة ، بنتي مظلومة وذنبها فرقابتك.."
كان سيرد عليها لولا رنين هاتفه الذي جعله يشير لها بتهكم :
" اهي زمان البريئة ماتت وخلصنا منها ..،"
ثم جاءه صوت ابن اخيه يقول :
" الواد اخو جوزها لحقها وجاب لينا رجالته والشرطة ..."
كانت الأم تنظر إليه وقلبها كاد يتوقف من شدة الرعب بينما سمعت زوجها يسأله بغلظة :
" يعني ايه مقتلتوهاش..؟!"
تنفست الأم الصعداء بينما أغلق الأب الهاتف ورماه أرضا ليتحطم الى اجزاء قبل أن ينظر الى الأم الفرحة ويقول بتوعد :
" متفرحيش اووي ، هقتلها يعني هقتلها ، مهما هربت مني مصيري هلاقيها واقتلها .."
.........................................................................
أوقف زياد سيارته أمام منزله لتقول زينة بتوسل :
" أرجوك بلاش ."
زفر زياد أنفاسه بقوة وقال بضيق :
" ارجوك انتي افهمي ، احنا مش طالعين رحلة .. ولاد عمك مش هيسيبوكي فحالك .. استوعبي ده وانت دلوقتي مسؤولة مني وتحت حمايتي .."
" انا هروح استخبى فأي مكان بس بلاش ادخل هنا .."
" انا عارف انوا محدش طايقك جوه ولا انا شخصيا طايقك بس انتِ لازم تفضلي هما عشان ده احسن مكان ليكي .."
أغمضت عينيها محاولة ألا تبكي بينما أمرها هو :
" يلا انزلي .."
هبطت زينه من سيارته على مضض وسارت خلفه ... فتحت الخادمة لهما الباب وهي تنظر الى زينه بتعجب ...
دلف الاثنان الى صالة الجلوس ليجدا والدة زياد واخته رنا ومنتصر هناك ليفهم زياد على الفور أن منتصر قد أخبرهم بكل ما حدث ...
ركضت رنا فورا نحو أخيها واحتضنته بقوة بينما نهضت الأم نحو وهي ترمق زينة بنظرات حارقة ...
ابتعدت رنا من بين أحضانه وأخذت تنظر الى زينة بحقد بينما أحاطت والدتها وجهه بكفيها وهي تسأله بدموع :
" انت كويس مش كده ..؟!"
أومأ برأسه وهو يقبلها من جبينها ثم أكمل وهو يشير الى زينه :
" زينة هتقعد معانا الفترة الجاية .."
" انت بتقول ايه ..؟!"
قالتها رنا بعدم تصديق بينما قالت الأم :
" انت اتجننت يا زياد ..؟! عايز الحثالة دي تعيش عندنا ..؟!"
ابتلعت زينة غصتها داخل حلقها بينما قال زياد بهدوء :
" لازم تفضل هنا .. حياتها فخطر ومفيش مكان أقدر أأمن عليها فيه غير هنا .."
قالت رنا بنبرة عصبية :
" ده بدل متسيبها تموت او تغرر فداهية ... جايبها هنا عشان تحميها ."
" عن اذنكم .."
قالتها زينة وهي تتجه خارج الفيلا ليوقفها زياد قائلا بحدة :
" قلتلك مفيش خروج من هنا إلا معايا ... افهمي ده .."
نظرت زينه إليه وقالت بترجي :
" ارجوك سيبني اخرج ، انا مسؤولة عن نفسي .."
" جايبها هنا ليه ، وهتقعد هنا بصفتها ايه ..؟!"
سألته الأم بنبرة غاضبة ليرد زياد :
" بصفتها خطيبتي وقريب هتبقى مراتي .."
يتبع. نكمل بعد التفاعل
الفصل الرابع
الصدمة ألجمت جميع الموجودين وأولهم زينة ..
بينما كانت رنا أول المندفعين حيث قالت بلهجة غاضبة وعيناها تطلقان الشرر نحو زينة :
" انت بتقول ايه يا زياد ..؟! عايز تتجوز دي ..؟!"
أجابها زياد بنبرة قوية حاسمة :
" ايوه يا رنا ، هتجوزها وياريت نقفل الموضوع على كده .."
" بالبساطة دي ، عايزنا نسكت عن جوازك من وحدة زيها .."
قالتها رنا بعصبية وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها ليحذرها زياد :
" قلنا كفاية يا رنا ، الموضوع اتقفل لحد هنا .."
التفتت رنا نحو والدتها تسألها بحيرة :
" ماما انتِ ساكتة ليه ..؟! اتكلمي قولي اي حاجة .."
نظرت والدتها إليها للحظات قبل أن تلتفت نحو زياد وتخبره :
" زياد ممكن نتكلم شوية لوحدنا ..؟!"
أومأ زياد برأسه وأجابها بهدوء :
" أكيد ..بس أودي زينه إوضتي الأول .."
قبض زياد على يد زينة وجذبها خلفه لتسير وراءه بلا حول او قوة ..
ارتقى بها درجات السلم وطلب منها أن تنتظره داخل غرفته ثم خرج من الغرفة وهبط نحو الطابق السفلي ليخبره منتصر ان والدته تنتظره في غرفة المكتب ..
ولج زياد الى داخل المكتب ليجد والدته هناك تجلس على الكرسي الجانبي للمكتب ، اتجه نحوها وجلس أمامها بأريحية ليجدها تنظر إليه بتدقيق قبل أن تسأله بهدوء :
" عايز تتجوزها ليه ..؟!"
أطلق زياد تنهيدة صغيرة قبل أن يقول :
" محتاجة حمايتي ، والحل الوحيد عشان أحميها إني أتجوزها .."
هنا لم تتحمل والدته ادعاء الهدوء اكثر فوجدت نفسها تخبره بعصبية :
" وانت عايز تحميها ليه ..؟! انت نسيت هي تبقى مين وعملت ايه ..؟!"
أجابها زياد ببرود غريب :
" لا مش ناسي ، وده كان أحد الأسباب اللي خلتني أقرر أجيبها هنا وأخطبها.."
" انا مش فاهمة حاجة .."
قالتها والدته بنبرة تائهة حائرة ليزفر زياد نفسا قويا قبل أن يرد عليها منتشلا إياها من حيرتها :
" زينه مش واحدة عادية ، زينة سرقت اخويا مني بعدما خدعته ..جايز هي فعلا مكانتش قاصدة انوا يحصل كل ده ، وجايز هي بريئة ، بس ده ميمنعش إنوا فيه نار جوايا من ناحيتها .. نار مش هيطفيها إلا إني أخد حق أخويا منها .."
" لا يا زياد ، لا يابني .. بلاش كده ، انا مش عايزة أخسرك ..."
أمسك زياد بكف يدها وقال بثقة :
" عمرك مهتخسريني .. خليكِ واثقة فيا .."
نهضت من مكانها واحتضنت وجهه بين كفيها وقالت بتوسل :
" بلاش الانتقام يا زياد ، الانتقام بيدمر صاحبه ..."
نهض من مكانه واحتضنها بقوة وقال :
" امال عايزاني اسيبها تعيش حياتها وتتهنى بيها بعدما خلت أخويا يخسر حياته .."
تطلعت والدته إليه بعينين دامعتين بينما أكمل هو مطمئنا اياها :
" متقلقيش عليا ، انا اعرف اتصرف معاها صح .."
" هتتجوزها فعلا ..؟!"
سألته الأم بعدم تصديق ليرد بخفوت :
" بصراحة لا ، مستحيل اتجوزها .. انا قلت ده قدامكوا عشان أبرر موقفي .. بس ياريت محدش يعرف بالكلام ده ..."
صمتت الأم ولم ترد بينما طبع زياد قبلة على جبينها ورحل ..
................................................................................
كانت زينة تجلس على سرير زياد بتوتر بالغ .. أخذت تنظر الى الغرفة بملامح حزينة .. كانت الغرفة ذات أثاث أسود بالكامل .. كل شيء بها يتسم بالسواد .. أغمضت عينيها للحظات تحاول أن تبعد تلك الأفكار السوداء عن مخيلتها .. لطالما كرهت اللون الأسود ، كيف لا وهو لون الحزن ..؟!
أفاقت زينة من شرودها على صوت زياد يتقدم منها ، نهضت من مكانها على الفور واقتربت منه تسأله بقلق :
" انا همشي من هنا امتى ..؟!"
أجابها بإقتضاب وهو يخلع سترته ويرميها أرضا :
" مش هتمشي من هنا .."
صاحت بلا قصد :
" يعني ايه ..؟!"
رد عليها بحدة :
" متعليش صوتك يا زينة ، ده اولا .."
ثم أردف بنبرة حازمة :
" انتِ خلاص هتعيشي هنا ..."
" انت بتتكلم بجد بقى ..؟!"
قالتها زينة بعدم تصديق ليومأ برأسه دون رد ..
ابتلعت ريقها وقالت بلهجة مترددة :
" بس الكلام اللي قلته مستحيل يحصل ، انا صعب اعيش هنا .."
" مش بمزاجك .."
نظرت إليه وقالت بألم مرير :
" معاك حق ، هو فعلا مش بمزاجي ..."
" تعالي معايا .."
سارت خلفه بإذعان لتجده يتجه نحو غرفة علي ، ارتفعت حرارة جسدها وهي تراه يفتح بابها ويدلف الى داخلها .. لم تستطع الدخول .. شيء ما منعها من هذا رغم أنها لم تدخلها سوى مرات قليلة من قبل ..
وجدته يخرج ويقول :
" مش هتدخلي .."
" انت جايبني هنا ليه ..؟!"
سألته بصوت متلكأ ليرد بفتور :
" ادخلي الاول .."
دلفت الى الداخل بخطوات مترددة لتدمع عيناها ما إن رأت صورته المعلقة على حائط الغرفة أمامها ..
"انتِ هتنامي هنا فإوضة علي الله يرحمه ، عشان تفتكري ذنبك فحقه كل لحظة .."
التفتت نحوه بعينين حمراوين متسعتين لينظر لها بتحدي ..
أشاحت وجهها بضيق تحاول أخفاء دمعة تسللت على خدها قبل أن تعاود الإستداره نحوه وتهتف بنبرة قوية :
" انا مش هقعد فالإوضة دي .. وهخرج من هنا .."
اندفعت بعدها نحو الباب لكنه جذبها من ذراعها وألقاها على السرير قبل أن يقول بحزم :
" قلتلك مش بمزاجك .."
نهضت من فوق السرير وقالت بعدم تصديق :
" افهم من كدة انك حابسني هنا .."
" اعتبريها كده لو تحبي ..."
قالها بحسم وأكمل :
" انت مش هتخرجي من البيت ده بعد كده إلا معايا ..."
خرج بعدها من الغرفة تاركا إياها تنهار باكية على السرير ..
...................................................................................
اتجه زياد نحو الحديقة وبدأ يأخذ نفسا عميقا عدة مرات محاولا أن يصفي ذهنه من كل ما يمر به في الأونة الأخيرة ..
أيقظه من شروده رنين هاتفه ليخرج الهاتف من جيبه ويضغط على زر الإجابة ويقول رادا على المتصل :
" اهلا ، انا بخير الحمد لله .. انتِ عاملة ايه ..؟!"
جاءه صوتها الرقيق :
" انا بخير الحمد لله ، واحشني اوي يا زياد .."
تنهد تنهيدة طويلة وقال بشوق :
" وانتِ اكتر ، اخبار الشغل ايه ..؟!"
أجابته بجدية :
" كله تمام ، انت هترجع امتى ..؟!"
" مش عارف ، لسه قدامي وقت طويل لحد مارجع ..."
" يعني هتغيب عني كتير ..."
" للاسف ايوه .."
حل الصمت بينهما للحظات .. لحظات قطعتها وهي تقول بحزن :
" انا عارفة إنك تعبان وبتعاني ، نفسي أوي أكون جمبك .. نفسي أخدك فحضني وأطبطب عليك .."
ابتسم بمرارة وقال بصدق :
" وانا نفسي فده اوي يا دينا ..."
" حاساك متغير ، فيه حاجة عايز تقولها ..؟!"
صمت قليلا قبل أن يقول :
" بصراحة عندي كلام كتير نفسي أقوله ، موتة علي دمرتني يا دينا .. بقيت حاسس نفسي واحد تاني .. نفسي أشوفك واحكيلك عن اللي بمر فيه .."
" مش عارفة أقولك ايه .. انا كمان نفسي أبقى جمبك وأكون معاك فأزمتك دي ...هحاول اخد إجازة وانزل مصر .."
" ياريت ، ياريت بجد يا دينا .."
" خلي بالك من نفسك يا زياد .."
" وانتِ كمان خلي بالك من نفسك .."
" باي.."
أغلق زياد الهاتف وعاد ينظر ببصره نحو السماء يفكر في أخيه الذي يشتاقه كثير ...
فجأة سمع صوت صراخ يأتي من غرفة علي فركض مسرعا عائدا الى الفيلا ..
ارتقى درجات السلم بسرعة قياسية ووصل الى الغرفة ليجد رنا أمامه تهتف ببكاء :
" الحقنا يا زياد، ماما هتقتلها..."
اقترب زياد منهما ليجد والدته تقف أمام زينة المنزوية في ركن الغرفة تحمل مسدسا موجهة فوهته نحوها ...
" ماما هاتي المسدس .."
قالها زياد بنبرة مرتجفة وهو ينظر الى والدته التي تنظر إلى زينة بعينين زائغتين ..
هزت الأم رأسها نفيا وقالت :
" لازم أقتلها وأخلص من شرها ..."
" ماما أرجوك ..."
قالها زياد بتوسل لتصيح رنا به :
" خده منها يا زياد بدل متقتلها ..."
" هاتيه يا ماما .."
قالها زياد وهو يرجوها بعينيه لتهز الأم رأسها نفيا وقد قررت أن تضغط على زر المسدس .. ركض زياد نحوها وحاول أن يسحب المسدس منها قبل أن تضغط على الزناد بينما زينة ترتجف بالكامل وهي تستند بجسدها على الحائط ليصدح صوت رصاصة عالية في ارجاء المكان ..
يتبع. لو لقيت تفاعل هنزل حلقه حالا
الفصل الخامس
في احدى المستشفيات الخاصة ..
وقف زياد أمام غرفة العمليات ينتظر خروج الطبيب بلهفة كي يطمئن على زينه التي أصيبت برصاصة في كتفها ..
خرج الطبيب بعد حوالي ربع ساعة ليجري زياد نحوه متسائلا بتوتر :
" ها يا دكتور ، طمني .."
ابتسم الطبيب له مطمئنا إياه :
" الحمد لله مكان الإصابة مكانش خطير ، الرصاصة خرجت بسهولة من مكانها ، حاليا هننقل المريضة لإوضة عادية وهتفضل تحت المراقبة لحد بكره .."
" شكرا اوي .."
قالها زياد بإمتنان للطبيب الذي ربت على كتفه قبل أن يرحل تاركا زياد لوحده ..
بعد لحظات تقدم كلا من منتصر ورنا نحو زياد ، سألته رنا بنبرة قلقة :
" اخبارها ايه يا زياد ..؟!"
أجابها زياد مطمئنا إياها :
" متقلقيش يا رنا ..هي كويسة ، الدكتور طمني عليها .."
تنهدت رنا بإرتياح بينما أخرجن الممرضات زينه من غرفة العمليات متجهين بها الى احدى الغرف العادية ..
تأملتها رنا بملامح جامدة قبل أن تقول :
" كويس انها مماتتش، وإلا كنت هخسر أمي بسببها .."
لم يعلق زياد على كلامها بل قال مغيرا الموضوع :
" ماما عاملة ايه ..؟!"
أجابته رنا بهدوء :
" نامت بعد ما خدت المهدئ بتاعها .."
أومأ زياد برأسه متفهما ثم قال بلهجة عادية :
" انا هفضل مع زينه لحد متفوق ممكن البنج .."
" كويس .."
قالتها منتصر بجدية بينما اعترضت رنا :
" ممكن أفضل انا معاها لو عايز بس بلاش انت .."
" أنا اللي هفضل معاها يا رنا ، انتي روحي واقعدي جمب ماما .."
قالها زياد بصرامة ، سأله منتصر :
" هتعمل ايه مع البوليس ..؟!"
أجابه زياد ببساطة :
" هقولهم الرصاصة خرجت بالغلط وانا بنظف المسدس .."
" انا خايفة عليك يا زياد .."
قالتها رنا بقلق ليحتضنها زياد ويهدئها :
" متقلقيش يا حبيبتي ، كل حاجة هتبقى كويسه .."
ثم أشار لمنتصر قائلا :
" روحوا انتوا البيت دلوقتي .. وانا هاجي بالليل اطمن على ماما .."
أومأ منتصر برأسه متفهما ثم أخذ رنا وخرجا من المشفى عائدين الى المنزل بينما ذهب زياد الى الغرفة التي نُقلت زينه إليها ..
....................................................................................
كان زياد جالسا أمام السرير الذي ترقد زينه عليه يطالعها بملامح صامتة لا توحي بشيء ..
كان زياد يتأمل ملامح وجهها الناعمة الرقيقة بحيرة ، لا يعرف لماذا هناك شيء في داخله يشده نحوها منذ أول مرة رأها فيها ...
عاد بذاكرته الى الخلف ، الى اليوم الاول الذي دلفت به الى شركتهم كموظفة جديدة ، جذبت أنظاره منذ النظرة الأولى بضحكتها الشقية وملامحها البريئة ، هو زياد الشريف الذي لم يتأثر يوما بإمرأة ولم ينظر يوما الى واحدة وجد نفسه يراقبها ويتبعها كالمراهقين وهي غير واعية او منتبهة له ..
ظل هكذا يتابعها من بعيد وينجذب نحوها كل يوم أكثر حتى لاحظ في أحد الأيام إهتمام أخيه الأصغر بها ، أخوه الذي اعترف له بعدها بعشقه لتلك الفتاة التي سلبت لبه من النظرة الأولى ليأخذ زياد صدمة عمره فيقرر السفر على أثرها خارج البلاد والعيش وحيدا بعيدا عن الجميع خاصة بعدما علم برغبة اخيه في التقدم لها وخطبتها ...
أغمض عينيه بوهن وهو يتذكر كم معاناته لوحده دون أن يخبر أحدًا حتى منتصر ابن عمه وصديقه المقرب ...
كان يظن أن بزواج أخيه منها ستنتهي زينة من حياته تماما لكن القدر كان له رأي أخر فهاهي زينة تدخل حياته من جديد بل وتحتل تفكيره بالكامل لكن ليست كحبيبة بل كقاتلة لأخيه الوحيد ...
فتح عينيه ليجد زينه ترمش بعينيها قبل أن تفتحهما ببطء ، رغما عنه اقترب منها ليطمئن عليها ، فتحت أخيرا عينيها بالكامل لتهمس بصوت ضعيف واهن :
" مية ، عايزة مية .."
حمل زياد قدح الماء الموضوع على الطاولة بجانبها وأخذ يبلل شفتيها ولسانها بقطرات من الماء بواسطة إصبعه ..
أغمضت زينة عينيها بألم بينما هبطت الدموع الغزيرة من مقلتيها ..
لقد نجت من الموت المحقق للمرة الثانية ، ليت الرصاصة جاءت في قلبها وأنهت عليها .. ليتها فقط ..
" انتِ كويسة ..؟!"
سألها زياد بجمود لتومأ برأسها دون أن ترد فيعاود سؤالها :
" طب بتعيطي ليه ..؟! اندهلك الدكتور ..؟!"
هزت رأسها نفيا وسألته بصوت مبحوح :
" هو انا عايشة بجد ..؟!"
" ايوه .."
أجابها بهدوء لتبتسم بمرارة قبل أن تقول بنبرة باكية :
" ياريتني مت ، ياريت الرصاصة جت فقلبي وموتتني ، يمكن ساعتها كنت هرتاح .."
لم يعلق زياد على حديثها بل ظل يتأملها بصمت تام غريب ..
.....................................................................................
في صباح اليوم التالي ..
استيقظت زينه من نومها لتجد الغرفة فارغة ، يبدو أن زياد غادر المشفى بعدما نامت هي ، ابتسمت بحزن وهي تفكر بحالها وكيف أصبحت وحيدة بلا أي أحد وفوق هذا أعمامها يريدون قتلها والتخلص منها بأقرب فرصة ..
أفاقت من أفكارها على صوت الباب يفتح يتبعه دخول زياد إليها ، كان يرتدي ملابس سوداء بالكامل تناقض بشرته البيضاء بشكل واضح ..
اقترب زياد منها ووقف بجانبها متسائلا بصوت رخيم :
" عاملة ايه النهاردة ..؟!"
أجابته بهدوء :
" كويسة الحمد لله .."
أردف زياد قائلا :
" الدكتور كتبلك على خروج من المستشفى ، بس لازم تاخدي ادويتك بإستمرار وتداوي الجرح لحد ما يطيب ..."
أومأت زينه برأسها وقالت بإختصار :
" ان شاءالله .."
نظر زياد إليها وقال بجدية :
" هندهلك الممرضة عشان تساعدك وانتي بتغيري هدومك .."
" ملوش لزوم تتعب نفسك اكتر من كده ، تقدر تسيبني وتروح ، انا هدبر أمري .."
صمت زياد ولم يرد عليها لتكمل هي بخفوت وإمتنان حقيقي :
" وشكرا بجد على كل اللي عملته .."
زفر زياد أنفاسه بقوة وقال :
" العفو بس انا مسؤول عنك وعن حمايتك وعشان كده مش هقدر أسيبك.."
" وانا لا يمكن ارجع معاك لبيتكم اللي محدش متقبلني فيه ، ارجوك راعي وضعي وافهمني .."
" ومين قال اني هرجعك لبيتنا ..؟!"
تطلعت إليه بنظرات حائرة وسألته بعدم فهم :
" امال هنروح فين..؟!"
أجابها بإقتضاب :
" هنقعد بالفندق لحد منلاقي حل لموضوع أعمامك ده .."
حاولت زينه أن تتحدث لكنه أكمل بحسم :
" انا هروح اندهلك لممرضة ، عشان تساعدك تغيري هدومك بسرعة ونخرج من هنا .."
ثم خرج من الغرفة تاركا إياها تتابعه بدهشة وهي تفكرفي السبب الذي يجعله متمسكا بحمايتها ..
.....................................................................................
أمام احد الفنادق ذو الخمس نجوم أوقف زياد سيارته وهبط منها ثم اتجه نحو الباب الاخر وفتحه لزينه لتهبط من السيارة ...
أخذ الحارس مفاتيح السيارة منه كي يضعها في الكراج بينما سار كلا من زياد وزينه الى داخل الفندق ..
وقف زياد أمام موظفة الإستعلامات وبجانبه زينه ليحجز لكلا منهما جناح خاص به ..
بعد لحظات كانت زينة في جناحها تنظر إليه وهي تشكر ربها على نعمة وجود زياد في حياتها لولاه ما كانت لتستطيع أن تفعل أي شيء ..
أما زياد فكان جالسا على الكنبة يفكر فيما يفعله ، هو يفعل كل هذا بنية الانتقام منها ولكن أين الإنتقام بالضبط ، كلا هو لا ينتقم .. هو فقط يحميها من بطش الجميع ويساندها في أزمتها ..
شعر بطعنة قوية داخل صدره حينما وصل الى هذا الإستنتاج ، إنها سبب موت أخيه ، عليه ألا ينسى هذا ...
رنين هاتفه أيقظه من أفكاره المتعبة ليجد دينا تتصل بها ، أجابها بسرعة وهو يشعر بالأمتنان لهذا الإتصال الذي جاء في وقته ليصل إليه صوتها المرح :
" زياد، تعرف انا فين دلوقتي ..؟!"
نهض من مكانه وقال بعدم تصديق :
" انتِ هنا فمصر .."
" ايوه.."
قالتها بسعادة ليطلق تنهيدة ويقول :
" انتي فين ..؟! انا هجيلك فورا .."
ردت عليه بسرعة :
" انا فالتاكسي ، ابعتلي عنوان فندق كويس أستقر فيه .."
" هبعتلك حالا .."
قالها زياد بجدية ثم أغلق الهاتف وأرسل لها عنوان الفندق الذي هو فيه الأن وأخبرها إنه سيحجز لها جناح في الحال بجانب جناحه ..
يتبع. نكمل بعد التفاعل
الفصلين السادس والسابع
أمام نفس الفندق وقفت سيارة تاكسي صفراء اللون لتهبط منها دينا وهي تجر حقيبتها خلفها ...
سارت متجهة نحو موظفة الإستعلامات كي تحجز لنفسها جناحا وقبل أن تتحدث معها كان صوته الرجولي الرخيم ينادي عليها ..
التفتت نحو الخلف وهي ترسم على شفتيها ابتسامة مرحة ثم احتضنته بقوة وقالت بلهجة عذبة سعيدة :
" وحشتني اووي .."
ربت على ظهرها بكفيه ثم ابتعد عنها قليلا وهتف بها بهدوء :
" انتي اكتر ، انا حجزتلك جناح جمب جناحي ..."
" بجد ..؟!"
أومأ برأسه وأشار لموظفة الإستعلامات كي تعطيه البطاقة الخاصة بالجناح .. أخذ منها البطاقة وقال لدينا :
" اكيد عايزة ترتاحي من السفر ..؟!"
هزت دينا رأسها نفيا وقالت :
" عايزة اتكلم معاك ، واحشني اووي يا زياد .."
" طب يلا بينا ..."
قالها زياد وهو يقبض على يدها ويسحبها خلفه .. وصلا أخيرا الى الجناح ليتفاجئ زياد بزينة تخرج من جناحها المقابل لجناحه ...
نظرت زينة الى زياد الذي يقف بجانب فتاة ممسكا بيدها بملامح متعجبة قبل أن تتنحنح قائلة بحرج :
" مساء الخير .."
" رايحة فين ..؟!"
سألها زياد بسرعة لترد بهدوء :
" رايحة بيتنا أجيب هدومي .."
ابتعد زياد عن دينا واقترب منها قائلا بعدم تصديق :
" تروحي فين ..؟! انتي اكيد تجننتي ..؟! بيت ايه ده اللي تروحيله ."
" امال هلبس هدوم منين ..؟!"
سألته بهدوء غريب ليرد بنفاد صبر :
" انا هتصرف فموضوع هدومك ده .."
أومأت برأسها دون أن ترد ليردف بتحذير :
" ارجعي جناحك ومتخرجيش منه تاني .."
كانت دينا تنظر اليهما بحيرة بينما زفرت زينة أنفاسها بقوة وسألته بنبرة متململة :
" هو انت حابسني ولا ايه ..؟!"
أجابها بهدوء خطر :
" اعتبريه كده لو تحبي .."
ثم اكمل بجدية :
" ده عشانك وعشان مصلحتك انتي .."
منحته ابتسامة ساخرة قبل أن ترد بخفوت متألم :
" مصلحتي ..!!"
ثم تحركت عائدة الى جناحها ليقول زياد مشيرا الى دينا :
" يلا بينا .."
دلف زياد ودينا الى الجناح ، جلس زياد بوهن على الكنبة بينما اقتربت دينا منه وسألته بتردد :
" مين دي يا زياد ..؟! وبتعمل ايه معاك ..؟!"
نظر إليها زياد بصمت للحظات قبل ان يجيبها :
" دي زينة مرات أخويا علي الله يرحمه .."
" بجد ..؟! وبتعمل ايه هنا ..؟!"
سألته دينا مندهشة من وجود زينه معه ليرد عليها موضحا لها سبب وجوده :
" اهلها عايزين يقتلوها بعد معرفوا اللي حصل ، وانا المسؤول عن حمايتها .."
صمتت دينا ولم ترد ليتطلع اليها زياد بحيرة قبل أن يسألها بتعب :
" مش هتقولي حاجة ..؟!"
" هقول ايه يعني ..؟!"
" قولي أي حاجة .."
ترددت دينا فيما ستقوله لكنها كانت مضطرة لقوله ، قالت بلهجة ذات مغزى :
" مش شايف إنوا وجودها حواليك غلط .."
صمت زياد ولم يرد لتبرر دينا سبب كلامها :
" زياد انا خايفة عليك ، متنساش دي تبقى مين وعملت ايه ... متخليش الماضي اللي موته زمان يرجع يعيش ..."
" مستحيل يرجع يعيش .."
قالها زياد بنبرة قاطعة لتقول دينا مكملة حديثها :
" محدش هيتقبل علاقتك بيها ، أولهم أهلك.."
قاطعها زياد بصرامة :
" انا مفيش بيني وبينها حاجة يا دينا ، انا مجرد بحميها مش اكتر .."
هزت دينا رأسها وقالت متفهمة :
" انا فاهمة ده كويس ، بس خايفة لا الأمور تفلت من ايدك .."
رد عليها بقوة :
" مستحيل ، انا منكرش اني فيوم اعجبت بيها ويمكن حبيتها من غير ماحس بس هي اتحرمت عليا من ساعة ما حبت علي وحبها ..."
جلست دينا بجانبه وربتت على يده مساندة اياه قبل ان تهتف براحة :
" كده انت طمنتني ، وياريت بردوا تسمع كلامي وتبعد عنها .. هيكون احسن ليك..."
أومأ زياد برأسه ولم يرد بينما نهضت دينا من مكانها وأخبرته أنها ستغير ملابسها ..
................................................................................
كانت زينة تجلس على سريرها وتبكي بصمت .. تبكي حالها وما وصلت إليه .. ليتها لم تستمع الى كلام صديقتها التي نصحتها بعدم البوح بسرها الأكبر لعلي .. صديقتها التي ظنت وأقنعتها وقتها أن علي سوف يسامحها لأنه يحبها بحق ..
فلتنظر الأن إلى أين وصلت وكيف أصبح حالها ...
ازداد بكائها ونحيبها وهي تتذكر علي .. علي الذي أحبته بصدق وتمنته شريكا لها ، ظنت أنه سيغفر لها ويتفهمها لكنه فعل مثلما فعل الجميع بها ..
أغمضت عينيها وتمددت على سريرها وقررت النوم بعدما جذبت غطاء السرير نحوها ورغما عنها ارتسمت صورة اختها مريم أمام عينيها فشهقت باكية وهي تتذكرها وتتذكر حبها وتعلقها بها ، ليتها لم تتزوج واكتفت بحب مريم ..
وضعت كف يدها على فمها محاولة كتم شهقاتها وهي تتذكر أختها ووالدتها وحياتها سابقا ، ظلت تبكي طويلا حتى غلب عليها النعاس ونامت أخيرا ...
استيقظت في صباح اليوم التالي وهي تشعر براحة غريبة تسيطر عليها ..أطلقت تنهيدة صغيرة وهي تبتسم بصمت من شعور الراحة الذي غمرها بعد ليلة البارحة .. شعور لم تفهم سببه و لا ماهيته لكنه مريح وبشدة ...
نهضت من فوق سريرها بعدما أبعدت الغطاء عنها واتجهت نحو الحمام لتأخذ حماما منعشا ، خرجت من الحمام وهي الف المنشفة على جسدها ، خلعه المنشفة وارتدت فستان لونه بني غامق يصل الى منتصف ساقيها وسرحت شعرها بعناية قبل أن تقرر الخروج من جناحها وتناول إفطارها في مطعم الفندق ..
خرجت زينه من الجناح واتجهت الى المطعم وهناك أخذت صحنا ووضعت به بعض أصناف الأطعمة الموجودة وجلست على احدى الطاولات تتناولها بشهية مفتوحة ..
فوجئت بشاب وسيم يقترب منها ويسألها :
" ممكن أشاركك فطارك ..؟!"
أومأت برأسها وهي تبتسم بخجل ليجلس أمامها ويهتف بهدوء :
" اول مرة أشوفك هنا .. شكلك مقيمة جديدة بالفندق ..؟!"
تنحنت قائلة :
" ايوه صح دي اول مرة أبات فيها هنا .."
ابتسم وقال :
" انا شبه مقيم هنا .."
" بجد ..؟!"
سألته بدهشة ليرد قائلا :
" انا اصلا عايش فإيطاليا ، وباجي هنا زيارات مستمرة فبختار الفندق ده أقعد فيه .."
" حلو ..."
" انتي اسمك ايه ..؟!"
أجابته زينة :
" زينة وانت ..؟!"
أجابها :
" مراد ..."
" تشرفنا يا مراد .."
" الشرف ليا .."
في هذه الاثناء تقدم كلا من زياد ودينا الى داخل المطعم ليتفاجئا بزينة تجلس مع شاب غريب وتضحك بخفة ..
غلت الدماء في عروق زياد الذي تقدم نحوها بخطوات سريعة ووقف أمامها لتختفي ابتسامة زينة وتسعل بحرج بينما نظر مراد الى كليهما بحيرة ..
" معلش يا زينة ممكن تقومي معايا ...؟!"
أومأت زينة برأسها ونهضت معه على مضض .. سارت خلفه متجهة الى الطابق العلوي حيث جناحها ..
" افتحي الباب .."
قالها زياد وهو يقف امام الباب لتفتح زينة الباب وتلج الى الداخل يتبعها زياد الذي أغلق الباب بقوة ...
اقترب زياد منها وقال بلهجة ساخرة :
" نازلة تحت وبتفطري وضحكتك مالية وشك ولا كأنه فيه واحد لسه ميت من كام يوم المفروض انه جوزك .."
توترت ملامح زينه وقالت بأسف :
" انا بجد مكانش قصدي .."
صرخ بها :
" يعني ايه مكانش قصدك ، انتي بجد معندكيش احساس.. ليكي نفس تاكلي وتهزري يا شيخة .."
" انت عايز توصل لإيه ..؟! عايزني أنتحر عشان ترتاح ..؟! "
لم يجبها بل ظل ينظر إليها بصمت لتكمل بإنهيار :
" انا هريحكوا كلكوا .."
واتجهت مسرعة نحو السكينة الموضوعة على الطاولة وسحبتها موجهة رأس السكينة نحو صدرها ليقف في وجهها هاتفا بتوتر ملحوظ :
" انتي اتجننتي ، سيبي السكينة من ايدك .."
هزت رأسها نفيا والدموع اللاذعة غطت وجنتيها لتهتف بصوت باكي :
" لا يا زياد ، انا تعبت بجد وده الحل الوحيد اللي هيريحني ..."
" زينة بلاش جنان .."
قالها بتوسل وهو يحاول الاقتراب منها لتتجه بالسكينة نحو صدرها لكنه كان أسرع منها وجذب السكينة نحوه محاولا سحبها من يدها ...
ظل زياد يحاول سحب السكينة وهي تقاومه بقوة حتى جرحت السكينة كف يده فتراجعت زينه الى الخلف ناظرة إلى زياد بصدمة وقد سقطت السكينة من يدها ..
تطلع زياد الى الجرح العميق بملامح متألمة وقد بدات الدماء تسيل من يده ..
اتجهت زينة مسرعة الى الحمام وأخرجت حقيبة الإسعافات الأولية ، تقدمت نحوه زياد وقالت بنبرة مرتجفة وهي تشير نحو الكنبة :
" ممكن تقعد .."
جلس زياد على الكنبة بينما بدأت زينة تمسح كف يده بالمناديل الورقية بخفة قبل أن تعقم الجرح برقة بالغة بينما أخذ زياد يتأملها بملامح واجمة لا توحي بشيء ...
انتهت زينه من تعقيم الجرح وتطهيره لتربطه جيدا قبل أن تنهض من مكانها وتقول بإعتذار :
" انا اسفة يا زياد ، بجد مكانش قصدي .."
زفر نفسا قويا وقال بلا مبالاة :
" حصل خير ..."
ثم نهض من مكانه وهم بالوجه خارج الجناح لكنه شعر بدوار شديد يسيطر عليه ..
سارعت زينة للإمساك به وأجلسته على الكنبة وسألته بقلق :
" انت كويس ..؟!"
أومأ برأسه دون أن ينظر إليها أو يجيبها ، نهض بعد لحظات من مكانه وقد استعاد توازنه أخيرا ليخرج من الجناح متجها الى جناحه ثم يتصل بدينا التي نساها في الأسفل ..
.....................................................................................
مرت عدة أيام لم يحدث بها شيئا جديدا ..
عادت دينا الى أمريكا وعاد زياد يمارس عمله في شركة والده وبقيت زينة وحيدة في الفندق ...
استيقظ زياد من نومه في احد الأيام على صوت طرقات على باب جناحه ..
هبط من فوق سريره واتجه الى الباب لفتحه ، فتح باب الجناح ليتفاجئ بزينة أمامه تنظر إليه بخجل ..
" نعم ..؟!"
سألها بجمود لترد بنبرة متشنجة :
" ينفع نتكلم شوية .."
" اتفضلي .."
قالها زياد وهو يفسح لها المجال للدخول ثم أغلق الباب خلفها واتجه نحوها لتهتف به بأسف :
" اسفة اني صحيتك من النوم .."
رد زياد ببرود :
" حصل خير .."
ثم سألها :
" عايزة ايه ..؟!"
كان الإرتباك يظهر بوضوح عليها ، لم تستطع زينه أن تفتح الموضوع معه مباشرة فأخذت خصلة من شعرها وضعتها خلف أذنها ثم قالت أخيرا بتوتر ملحوظ :
" انا عايزة اشتغل ..وحبيت أستأذنك إني هدور على شغل من النهاردة .."
" تشتغلي ..؟! "
قالها زياد متعجبا لتومأ برأسها فإقترب زياد منها وسألها :
" انتي محتاجة فلوس ...؟!"
هزت رأسها نفيا وقالت :
" مش حكاية إني محتاجة فلوس ، بس حكاية إني متعودة اشتغل من زمان ومش هعرف أقعد من غير شغل .."
" وبالنسبة لعمامك اللي عاوزين أي فرصة عشان يقتلوكي ..؟؟"
أطلقت تنهيدة صغيرة وقالت :
" معدش يهمني ، اللي يحصل يحصل ..."
نظر إليها بصمت بينما أكملت بجدية :
" انا مش هفضل حياتي كلها خايفة منهم ، يعملوا اللي هما عاوزينه .. معدش يفرق معايا .."
" طيب ايه رأيك تشتغلي معايا فالشركة زي ما كنتي بتشتغلي زمان .."
اعترضت بسرعة :
" لا مش هقدر .."
" ليه ..؟!"
سألها بحيرة لترد بجدية :
" مش هقدر وخلاص ، انا هدور شغل فمكان تاني .."
" للاسف مش هينفع تشتغلي فمكان تاني لانك مسؤولة مني ولازم تفضلي تحت عيني طول الوقت .."
زفرت أنفاسها وقالت بملل :
" قلتلك انا مش مهتمة للي هيحصل يعني تقدر تخلي مسؤوليتك من عليا ..."
رد عليها بعناد :
" وقلتلك انا مسؤول منك ولا يمكن اسيبك كده ..."
شعرت زينة فجأة بدوار يسيطر عليها وهي تهم بالرد عليه ليقترب زياد منها ويهتف بقلق :
" مالك يا زينة ...؟!"
وقبل أن تفقد وعيها كان يتلقفها بين احضانه ..
..............................................................................
داخل غرفة الطبيب كان زياد يتابع الطبيب الذي يفحص زينة بقلق ...
انتهى الطبيب من فحصها لتعتدل زينة في جلستها بينما اتجه زياد خلف الطبيب وسأله :
" خير يا دكتور ..؟؟"
ابتسم الطبيب وقال :
" خير ان شاءالله ، انا شاكك إنها حامل .."
تصنمت زينة في مكانها ما ان إستمعت لما قاله الطبيب ولم تكن صدمة زياد أقل منها ..
خرجت زينة من خلف غرفة الفحص وتقدمت نحو زياد المصدوم وقالت بعدم تصديق :
" حضرتك متأكد ..؟!"
هز الطببب رأسه نفيا وقال بجدية :
" لا طبعا ، تحليل الدم هو اللي هيأكد لينا الحمل .."
ثم أخرج ورقة وكتب عليها اسم التحليل وطلب منهما أن يذهبا الى المختبر ليجريا التحليل ويتأكدان ..
ذهب كلا من زياد وزينة الى المختبر لتجري زينة تحليل الدم ، التزم كلاهما الصمت التام ولم يقولا شيئا فالصدمة كانت أقوى من أي حديث ...
وصلا الى المختبر وأجرت زينة التحليل وجلسا ينتظران خروج النتيجة والتي ظهرت بعد فترة طويلة ..
أعطت الموظفة الظرف الذي يحوي نتيجة التحليل لزينة التي تلقته منها بأصابع مرتجفة قبل ان تبدأ في فتحه ثم قراءة التقرير ...
نظر زياد إليها بتردد ليجد الدموع تشق طريقها على وجنتيها ففهم على الفور النتيجة ..
إنها حامل ...
سحب زياد الورقة منها وأخذ يقرأ ما بها حيث تظهر النتيجة موجبة ...
زفر أنفاسه بإحباط وهو يفكر بأن المشاكل لا تنفك ان تلحق به من كل اتجاه ..
،،....................................................................................
في طريق العودة الى الفندق كان كلاهما ملتزما الصمت وشارد بأفكاره ..
زينه تفكر في هذا الطفل الذي فاجئها بظهوره هكذا وزياد يفكر بأشياء مختلفة ...
أوقف زياد سيارته على جانب الطريق وقد شعر بالإختناق ، هبط من السيارة ووقف على الرصيف الجانبي وأخذ نفسا عميقا لعدة مرات ..
هبطت زينة من السيارة واقتربت منه تسأله بتردد :
" انت كويس ...؟!"
اوما برأسه دون رد لتقف بجانبه تتأمل الطريق بملامح ساكنة وقد شعرت بالراحة الكبيرة فهي كانت بحاجة الى تنفس القليل من الهواء ...
وضعت زينة يدها على بطنها بحركة لا ارادية لينتبه زياد لها فيضطرب كليا قبل ان يجد نفسها يسألها بملامح متشنجة :
" ابنه ..؟؟"
التفتت نحوه محاولة استيعاب ما يتفوه به فقالت بصوت شاحب :
" تقصد ايه ..؟!"
رد ببرود قتلها :
" الولد ده ابن علي ..؟!"
أدمعت عيناها لا إراديا ، شعور المرارة سيطر عليها قبل أن تجيبه بسرعة مبتلعة تلك الإهانة :
" طبعا ابنه ..."
" وايه اللي يثبتلي ده ..؟!"
" انت اكيد اتجننت .."
قالتها بعدم تصديق لما تسمعه ليرد ببرود :
" انا متجننتش ولا حاجة بس مفيش حاجة مضمونة وانتي بالذات مش محل ثقة بالنسبة ليا ..."
وجدها تصيح بقوة وبكاء :
" الولد ده ابن علي ، انت فاهم .. انا محدش لمسني غيره.."
تطلع إليها بنظرات تائهة لتلعق شفتيها وتهتف ببكاء وهي تحتضن جنينها بذراعيها :
" ده ابنه ، اخر ذكرى ليا منه ، واللي هيشكك فده يبقى مجنون .."
" خلينا نروح .."
قالها بإقتضاب لتمسح دموعها بأناملها وتسير خلفه ...
ركبت السيارة بجانبه ليتجه بها عائدا الى الفندق...
ما إن وصلا الى هناك حتى جرت زينه نحو جناحها يتبعها زياد والذي ما ان وصل الى جناحه اجرى اتصالا سريعا بدينا يخبرها :
" دينا انا محتاجلك اووي ..."
يتبع. نكمل بعد التفاعل
الفصل الثامن
دلفت زينة الى جناحها وهي تشعر بسعادة كبيرة لأول مرة منذ وفاة علي ..
تلك السعادة بقدوم طفل صغير من دم الرجل الوحيد الذي أحبته وتمنته لها ..
وضعت كف يدها على بطنها تتلمسها بسعادة غير مصدقة لما حدث معها ..
هل سوف يبتسم لها الحظ أخيرا بعد كل هذه المعاناة ..؟!
أدمعت عيناها وهي تتذكر علي ، كم تمنت لو كان موجودا وشاركها هذه اللحظة ..؟! لكن ابنها سيعوضها عنه ..
جلست على السرير وهي ما زالت تحتضن بطنها بكفيها وتنظر إليها وكأنها ترى صورة الطفل بداخلها ...
حملت هاتفها وقررت أن تجري اتصالا أجلته طويلا .. اتصال بصديقتها المقربة والتي تناستها بعدما حصل خاصة لأنها سافرت إلى ألمانيا في رحلة عمل ..
اتصلت بصديقتها تنتظر منها أن تجيبها ليأتيها صوت صديقتها الصاخب :
" زينة وأخيرا افتكرتيني ، انتي فين ومختفية ليه ..؟! أنا حاولت اتصل بيكي معرفتش .. سامحيني يا زينة ، ياريتني ماكنت قلتلك متقوليلهوش حاجة ..."
ضغطت زينة على هاتفها وهي تحاول ألا تتذكر ما حدث لكنها رغما عنها شردت فيه ..
ذكرى زواجها من علي وتوترها وعدم إخباره بالحقيقة والتي انتهت بموته ..
سوف تظل تحمل ذنبه طوال عمرها في عنقها ...
" زينة رحتي فين ..؟!"
أجابتها زينة أخيرا :
" ايوه يا نور ، انا معاكي .."
" انتي لسه زعلانه مني ..؟!"
سألتها نور بتردد لتجيبها بدموع :
" لا والله مش زعلانه ، انتي وحشتيني اوي ..."
جاءها صوت نور الحزين :
" وانتي واحشاني أكتر يا زينة ، انا راجعة قريب وهشوفك .. "
" ياريت بجد يا نور ، انا محتجاكي اووي ..."
ابتسمت نور بألم وقالت :
" طمنيني عليكي .. اخبارك ليه ..؟!"
أجابتها زينة بنبرة خافتة :
" انا كويسة وعندي ليكي خير حلو .."
" بجد ..؟! خبر ايه ..؟! قوليلي .."
" انا حامل .."
تجمدت نور للحظات من صدمة الخبر الذي سمعته ثم ما لبثت أن قالت بعدما استوعبت الصدمة :
" مبروك يا زينة .. مبروك يا حبيبتي .."
ثم أكملت بتعجب :
" بس ازاي حصل كده ..؟!"
" مش عارفة ، اهو حصل وخلاص .. "
ضحكت نور بخفوت وقالت :
" طلعتي مش سهلة يا زينة.."
" تقصدي ايه..؟!"
سألتها زينة ببراءة لتتنحنح نور بحرج وتقول مغيرة الموضوع :
" ولا حاجة ، المهم احكيلي بقى ..."
...............................................................................
كان زياد يسير داخل غرفة النوم ذهابا وإيابا يفكر بما حدث وكيف سيخبر أهله به ..
عادت كلمات زينة تتردد داخل أذنه وهي تخبره بأنه لم يلمسها أحد سوى علي ..
لا يعرف لماذا شعر برغبة كبيرة في تصديقها ..؟! ولكن هناك أشياء تمنعه من هذا ..
توقف في منتصف الغرفة يفكر في إمكانية رؤيتها الأن والحديث معها ،نظر الى الساعة فوجدها التاسعة مساءا ...
قرر زياد الذهاب إليها فخرج من جناحه واتجه الى جناحها المقابل له ، طرق على الباب بتردد لتفتح له زينة الباب بعد لحظات وهي ترتدي بيجامة طويلة ..
تنحنح قائلا بإرتياك:
" عايز اتكلم معاكي .."
" اتفضل .."
قالتها زينة وهي تفسح المجال له كي يدخل فولج الى الداخل وتبعته هي بعدما أغلقت الباب ..
التفت زياد نحوها يسألها بوجوم :
" انتي ليه قلتيلي محدش لمسني غير علي ..؟!"
نظرت زينة له بدهشة محاولة أن تستوعب كلماته ، لم تستوعب سؤاله هذا فرمشت بعينها وقالت بعدم تصديق :
" نعم ..؟!"
زفر زياد أنفاسه بقوة وقال :
" كلامي واضح يا زينة ، تقصدي ايه بكلامك ده ..؟!"
أجابته بتوتر ملحوظ وهي تفرك يديها :
" عشان هي دي الحقيقة يا زياد ، انا محدش لمسني غير علي .."
ضحك زياد بقوة ثم قال بلهجة هازئة :
" هو انتي فاكراني عبيط وهتكدبي عليا ...؟!"
" والله هي دي الحقيقة ، انا فعلا مكنتش فيرجن وده لإني تعرضت للإغتصاب .."
قاطعها بملل :
" اغتصبوني وضربوني وايه كمان ..؟!"
أدمعت عينا زينة وهي تهتف بصوت متشنج :
" انت ليه مش مصدقني ..؟! ليه محدش فيكوا بيصدقني ...؟!"
أجابها زياد بنبرة جادة :
" عشان كلامك مش منطقي ومفيش دليل عليه .."
هطلت الدموع من عينيها بغزارة وهي تهتف بلهجة باكية :
" والله العظيم هي دي الحقيقة ، انا اغتصبوني ثلاث شباب بعدما خدروني و.."
قاطعها زياد بضيق :
" خدروكي ..؟! "
أومأت برأسها وهي تمسح دموعها بأناملها ليقترب زياد منها محاولا تهدئتها ، قال زياد وهو يجذبها بجانبه على الكنبة :
" طب اقعدي واحكيلي .."
جلست زينة بجانبه وهتفت بنبرة رقيقة ضعيفة :
" الحادثة دي حصلت من خمس سنين ، كنت لسه فالجامعة ، كان ليا صديقة اسمها منى وكان فيه شاب هناك اسمه ماجد بيحاول يقرب مني طول الوقت .."
أومأ زياد برأسه طالبا منها أن تكمل لتسترسل زينة في حديثها قائلة :
" ماجد كان شاب صايع وغني مصاحب نص بنات الجامعة ، كان بيحاول يصاحبني بكل الطرق وأنا برفضه .. لحد ما فيوم منى قالتلي إنها تعبانه ومحتاجة تروح بيتها وطلبت مني أوصلها عشان مش قادرة تروح لوحدها .."
أغمضت عينيها للحظات وهي تتذكر ذلك اليوم بكل ما فيه من بشاعة ، كيف خدعتها منى وأخذتها الى شقة ماجد ثم أصرت عليها أن تتناول شيئا من صنع يديها لتجلب لها الشاي الذي يحتوي على مادة مخدرة ..
خدرتها منى وتركتها فريسة لماجد وأصدقائه اللذين تناوبوا عليها واغتصبوها واحدا تلو الاخر حتى انتهوا منها وتركوها لتستيقظ بعد عدة ساعات وتجد نفسها وحيدة عارية في السرير ..
" مكنتش مستوعبة الي حصل اول ما صحيت ، اتجننت من الصدمة ومعرفش ازاي لبست هدومي المرمية على الارض وخرجت بسرعة من الشقة ، مكنش فيه حد منهم هناك ..."
اعتصر زياد قبضة يده بقوة محاولا أن يسيطر على أعصابه وهو يستمع الى صوتها الباكي وملامحها المتعدية ...
تحدث أخيرا بصوت قوي :
" عرفتي ازاي انهم ثلاثة ..؟!"
أجابته من وسط دموعها :
" منى هي اللي اعترفتلي بده قبل متنتحر ..."
" انتحرت ليه ..؟!"
" مقدرتش تعيش فعذاب الضمير ، اصلها عملت اللي عملته مقابل فلوس دفعها ماجد ليها عشان تعالج أختها الصغيرة .."
توقفت زينة عن الحديث للحظات محاولة أن تأخذ أنفاسها قبل أن تكمل بصوت شجي :
" انا سامحتها بعد ما ماتت ، مقدرتش مسامحهاش رغم كل اللي عملته فيا .."
ثم نظرت الى زياد الصامت وسألته بخفوت :
" زياد انت مصدقني صح ..؟! قول إنك مصدقني .. انا والله مش بكدب .."
نظر إليها زياد بطريقة غريبة ثم ما لبث أن قال بلهجة جامدة بثت الرعب داخلها :
" أساميهم ايه ..؟!"
ابتلعت ريقها وأجابته بوهن :
" ماجد حافظ عبد الرحيم ، الاتنين الباقيين اعرف أساميهم بس مصطفى وعبد الرحمن ..."
نهض من مكانه واتجه خارج الجناح تاركا إياها تتابع أثره بحيرة قبل أن تنهار باكية من جديد ..
.........................................................................................
دلف زياد الى غرفته وهو يكاد ينفجر من شدة الألم والغضب ...
فتح أول ثلاثة أزرار من قميصه وأخذ نفسا عميقا لعدة مرات ...
لم يمنع نفسه من أن يأخذ القدح الموضوع على الطاولة ويرميه على الأرض ليتحطم الى عدة اجزاء ..
لا يعرف لماذا شعر بنفسه يتحطم مثل هذا القدح ..؟!
أخرج هاتفه من جيبه وأجرى اتصالا سريعا بمنتصر الذي أجابه بدهشة :
" واخيرا اتصلت بيا ، انت مش ناوي ترجع بيتكم ..؟!"
" حافظ عبد الرحيم .. تعرف حد بالإسم ده ...؟!"
أجابه منتصر بعد تفكير استمر لعدة لحظات :
" ايوه تقريبا ده رجل اعمال مهم ..."
" طب اعرفلي اذا كان عنده ولد اسمه ماجد وجبلي كل التفاصيل اللي تخصه .."
" طيب بس هو عمل ايه ..؟!"
أجابه زياد بحسم :
" مش مهم تعرف المهم تجيبلي التفاصيل عنه لو طلع هو نفسه .."
يتبع
عارفة انوا فصل قصير تفاعل وانزل حلقات كتير
الفصل التاسع
جلس على سريره بعدما أنهى اتصاله بمنتصر يعتصر قبضتي يديه بقوة حتى برزت عروقه فيهما يحاول أن يسيطر على غضبه والنيران المندلعة داخل صدره بلا فائدة ..
نهض من مكانه وهو ما زال يعتصر قبضتي يديه بنفس القوة ، أخذ يسير داخل الغرفة كطير ذبيح لا يعرف ماذا يجب أن يفعل ..
ارتسمت صورة زينة وهي تغتصب أمامه .. صورة علي وهو يموت قهرا ..
لم يشعر بنفسه إلا وهو يلكم الحائط بيديه عدة مرات ويصرخ قهرا بينما الدماء أخذت تتطافر من يديه ..
توقف عما يفعله أخيرا ليستند على الحائط وهو يلهث بعنف ..
ظل على هذه الحال حتى استرد أنفاسه الطبيعية ليجلس على الكرسي الموضوع جانبا بوهن وفي تلك اللحظة أقسم في داخله أن يسترد حقها وحق أخيه مهما بلغ الثمن ...
............................................................................................
في صباح اليوم التالي ..
استيقظ زياد من نومه متأخرا قليلا فهو لم يستطع النوم حتى ساعات الفجر الأولى ..
نهض من مكانه واتجه نحو الحمام ليأخذ حماما سريعا قبل أن يخرج وهو يلف المنشفة حول خصره ..
حمل هاتفه من فوق المنضدة الموضوعة بجانب السرير وأجرى إتصالًا سريعا بمنتصر يذكره بما طلبه منه ليلة البارحة ليخبره منتصر أنه سيتأكد من جميع المعلومات التي تخص هذا الرجل اليوم ..
اغلق الهاتف مع منتصر وغير ملابسه مرتديا ملابس الخروج ثم صفف شعره ووضع عطره وخرج من الغرفة ليتسمر في مكانه وهو ينظر الى باب جناح زينة المغلق شاعرا بالتردد في الدخول إليها من عدمه ..
كانت هناك رغبه قوية في داخله بأن يراها ويتحدث معها وبالفعل قام بتلبية رغبته تلك وطرق على باب الجناح بيديه لتفتح له زينة الباب بعد لحظات وهي ترتدي نفس البيجامة ، وجهها أحمر وعيناها منتفختان من شدة البكاء ..
لقد قضت الليل بطوله تبكي وتنتحب وقد عادت الذكريات السوداء إليها من جديد .. تأملها زياد بألم عميق وقد أدرك في تلك اللحظة أنه يحبها وبشدة ..
لقد ظن أن مشاعره نحوها لا تتعدى الإعجاب وأنه لا يحبها .. ظل يقنع نفسه طوال الوقت بهذا خاصة بعدما ارتبطت بأخيه ..
أفاق من أفكاره على صوتها تناديه برقتها المعهودة :
" زياد .."
لم يشعر بنفسه إلا وهو يدفعها الى الداخل ويدلف خلفها غالقا الباب خلفه متسائلا بنبرة قلقة :
" انتي كويسة ..؟!"
هزت رأسها نفيا وقد عادت الدموع تطفر من عينيها ليتمنى في داخله أن يحتضنها ويخفف عنها ..
سيطر عليه في تلك اللحظة الشعور بالعجز .. العجز من مواساتها وتخفيف عذابها ...
" متعيطيش يا زينة .."
قالها برجاء خالص لتحاول زينة كتم شهقاتها وهي تجيبه :
" مش هعيط .."
لعن نفسه لأنه إتهمها يوما بالخيانة والخطيئة ، كيف صدق أن ملاك مثلها قد يخطأ بهذا الشكل ، إنها بريئة للغاية .. بريئة بشكل يعجز عن تفسيره ..
حتى ملامحها تنطق بالبراءة والعفوية والطفولية ..
" تعالي اقعدي هنا .."
قالها زياد وهو يجذبها من ذراعها ويجلسها على الكنبة ثم جلس بجانبها وقال بلهجة وديعة :
" ممكن تهدي ..؟!"
أومأت برأسها وهي تمسح وجهها بباطن كفيها ليهتف زياد بصوت هادئ :
" أوعدك يا زينة إنوا اللي عرفته ده مش هيعدي بالساهل وإني هجيب حقك منهم .."
نظرت إليه من تحت أهدابها وسألته بحيرة وإضطراب :
" هتعمل ايه ..؟!"
أجابها بشرود :
" هتعرفي بعدين ، بس ألاقيهم الأول .."
عارضته بسرعة وخوف :
" لا يا زياد ، ماجد واحد واصل بلاش تورط نفسك معاه .."
نظر إليها بعدم تصديق وقال بغضب لم يستطع السيطرة عليه :
" انتي بتقولي ايه ..؟! عايزاني اسيبه ..؟! انتي عارفة كل اللي حصل معاكي حصل ليه ..؟! حصل بسبب خوفك وسلبيتك وهبلك .."
تراجعت الى الخلف بعينين متسعتين محاولة إستيعاب ما تفوه زياد به بينما استعاد زياد وعيه أخيرا وأفاق من نوبة الغضب التي سيطرت عليه ليهتف بسرعة متأسفا :
" زينة ، انا اسف .."
ابتلعت زينة ريقها وقالت بملامح شاحبة :
" متعتذرش يا زياد ، انت معاك حق .. كل اللي حصل بسبب سلبيتي وهبلي .."
هز رأسه نفيا وقال بتوسل :
" متقوليش كده ارجوكي ، انا اتسرعت وقلت كده .. انتي مكانش قدامك حل تاني ، كان لازم تخبي عشان تعيشي ..."
نظرت إليه بملامح متعبة .. متعبة من كل ما مرت وما زالت تمر به قبل أن تهتف أخيرا بنبرة مرهقة :
" انا تعبت ونفسي ارتاح .."
" هترتاحي ، أوعدك بده .."
نظرت له بصمت بينما نهض هو من مكانه وأخبرها أنه سيذهب الى شركته تاركا إياها تتابعه وصوت كلماته يتردد داخل اذنها " هترتاحي ..."
...................................................................................
دلف زياد الى شركته واتجه نحو مكتبه ليخبر السكرتيره وهو يمر من أمامها :
" خلي منتصر يجيني حالا .."
دلف الى داخل مكتبه ليتفاجئ برنا تنتظره هناك ..
" رنا ، انتي بتعملي ايه هنا ..؟!"
سألها مصدوما من وجودها في مكتبه بينما نهضت هي من مكانها واقتربت منه تعاتبه بحزن :
" كده بردوا .. هو ده إستقبالك ليا يا زياد..."
ربت زياد على كتفها واعتذر منها مبررا موقفه :
" انا اسف يا رنا .. انا بس تفاجئت من وجودك .."
قالت رنا مفسرة سبب مجيئها :
" انا جيت عشان اتكلم معاك ... محتاجة اتكلم معاك ضروري .."
أشار لها زياد طالبا منها أن تجلس على الكرسي ليجلس هو أمامها ويسألها بقلق :
" احكي يا رنا .. فيه ايه ..؟!"
أجابته بتوتر :
" مش ناوي ترجع البيت يا زياد ..؟! ولا انت خلاص صدقت إنك هتتجوز زينة وتحميها ..؟!"
نظر إليها زياد وقال بنبرة قوية حازمة :
" زينة مسؤوليتي يا رنا سواء رضيتوا بده أو لا ، هي غلطت صحيح بس ده مش معناه إني أسيبها كده .. لازم أوقف جمبها وأساعدها وأحميها .."
" غلطت ..!! هي غلطت غلطة عادية مثلا ..؟! دي قتلت أخوك .."
أشاح زياد وجهه بعيدا عنها لتهتف بعدم تصديق :
" هي عملتلك ايه عشان تدافع عنها وتحميها بالشكل ده ..؟! نفسي افهم ضحكت عليك ازاي ..؟!"
" كفاية يا رنا ، زينة ملهاش دعوة بكل ده .. هي عمرها مطلبت مني أفضل جمبها أو أحميها .."
قالها زياد بعصبية واضحة لتردف رنا بسخرية :
" لا واضح إنها قدرت تخدعك وتمثل دور البراءة عليك زي ما عملت مع علي قبل كده .."
زفر زياد أنفاسه بقوة وقال بضيق :
" قلتلك كفاية يا رنا .. كفاية .."
نهضت رنا من مكانها وقالت بنبرة متأسفة :
" للاسف مكنتش منتظرة منك ده .. انا اصلا جيت عشان أقولك انوا ماما تعبانه وعايزاك ترجع البيت تاني .."
ثم أكملت بسخرية مريرة:
" ماما مش قادرة تستحمل بعد ابنها اللي فاضلها من الدنيا ..."
تطلع إليه بعجز بينما خرجت هي من الغرفة بعدما رمته بنظرات مزدرءة ليدخل في نفس اللحظة منتصر وهو يقول متسائلا بدهشة :
" هي رنا كانت بتعمل ايه هنا ..؟!"
أجابه زياد بتهكم :
" كانت جاية تقطمني .."
تطلع إليه منتصر بحيرة بينما أكمل زياد بجدية محاولا أن ينسى كلام رنا :
" ها عملت ايه ..؟! جبتلي المعلومات اللي تخصه ..؟!"
أومأ منتصر برأسه وهو يجلس امامه هاتفا بجدية :
" طلع هو نفسه اللي قلتلك عليه ، عنده ولد وحيد اسمه ماجد .. "
" جبت معلومات عن الولد ..؟!"
أومأ برأسه وقال :
" ايوه كل المعلومات بتقول إنه ولد محترم جدا وخلوق .. بيشتغل فشركة والده .. حتى والده نفسه رجل محترم وشريف ..."
" انت متأكد من الكلام ده ..؟!"
سأله زياد مصدوما لما يسمعه ليرد منتصر بجدية :
" ايوه متأكد طبعا ..."
شرد زياد في كلام منتصر وأخذ يقارنه مع كلام زينة ليجده على النقيض تماما ..
يتبع. بعد التفاعل الفصل الجاي مميز استعدوا
الفصل العاشر
أمام إحدى أهم شركات الإستيراد والتصدير في البلاد أوقف هو سيارته معطيا مفاتيحها الى الحارس الخاص بالشركة ثم اتجه بخطوات عملية الى داخل الشركة ..
وصل الى مكتبه الذي يقع في الطابق الخامس ليجدها جالسة على مكتبها تعمل على حاسوبها الشخصي بتركيز شديد ..
تأملها مليا بنظرات عاشقة وهي شاردة في عملها غير منتبهة لكل ما يدور حولها ..
أفاق من شروده أخيرا ليستوعب ما يفعله فتنحنح مصدرا صوتا وهو يلج الى الداخل ملقيا تحية عملية عليها :
" صباح الخير .."
نهضت هي من مكانها على الفور و أجابته بنفس العملية :
" صباح النور يا فندم .."
تحرك الى داخل مكتبه ضاغطا على أعصابه بقوة كي لا يستدير نحوها وينظر إليها بينما عدلت هي حجابها وجلست مرة اخرى على مكتبها ..
بعد لحظات قليلة وجدته يطلب منها أن تدخل إليه فسارت نحو المكتب وولجت الى الداخل قائلة :
" نعم با فندم ..؟!"
" جهزتي الملفات اللي تخص الصفقة الجديدة ..؟!"
أومأت برأسها وهي تجيبه بتأكيد :
" ايوه يا فندم وراجعتها ..
" كويس ، تقدري تروحي تشوفي شغلك .."
خرجت هي من مكتبها ليدلف بعد لحظات صديقه وأحد الموظفين في شركته هاتفا بنبرة مرحة :
" صباح الخير يا بوس .."
" صباح النور ..."
" أخبارك ايه..؟!"
" كويس .."
تطلع صديقه إليه وشعر بأنه ليس بخير فسأله بقلق :
" مالك يا ماجد ..؟! شكلك مش مرتاح .."
تنهد ماجد وقال بجدية :
" تعبان شوية يا مؤمل .."
" تعبان ليه ..؟!"
سأله مؤمل بحيرة ليرد ماجد بجدية :
" موضوع ريم من جهة ، وضغط الشغل .."
" انت لسه مصر على موضوع ريم ..؟!"
قال ماجد بسرعة وإصرار :
" طبعا مصر ، انا بحب ريم وهتجوزها .."
نظر إليه مؤمل بعدم إقتناع لكنه لم يشأ أن يزعجه بحديثه حول هذا الموضوع بينما شرد ماجد في مشكلته التي لا يوجد لها حل ..
.....................................................................................
عاد زياد الى الفندق مساءا بعد يوم طويل قضاه في العمل ..
دلف الى جناحه وألقى بجسده على السرير بتعب قبل أن يخرج هاتفه من جيبه ليجد دينا قد اتصلت به مرات عديدة .. أغلق الهاتف مرة اخرى ورماه بجانبه على السرير ثم اعتدل في جلسته وأخذ يفكر في حديث منتصر عن ذلك المدعو ماجد ، هل يعقل أن يكون ماجد شخص محترم مثلما أخبره منتصر ..؟! أم إنه يخدع الجميع مدعيا حسن الخلق والإحترام أمامهم ..؟!
أفاق من أفكاره تلك على صوت طرقات على باب جناحه ، اتجه نحو الباب وفتحها ليتفاجئ بزينة أمامه ، فسح لها المجال كي تدخل لتلج الى الداخل بخطوات خجول مترددة ..
التفتت زينة نحوه بعدما أغلق زياد الباب وسار خلفها ، تأملها زياد مليا قبل ان يسألها بحيرة :
" فيه حاجة يا زينة ..؟!"
أومأت برأسها دون أن ترد فوجد نفسه يسألها بنفاذ صبر :
" فيه ايه ..؟!"
أجابته بتردد :
" جيت أكلمك عشان موضوع ماجد .."
" ماله ..؟!"
سألها زياد بسرعة وترقب لترد بجدية :
" انت ناوي تعمل ايه معاه ..؟!"
أجابها زياد وهو يقترب منها بخطوات مدروسة :
" هعاقبه العقاب اللي يستحقه ، بس انتي بتسألي ليه يا زينة ..؟!"
ثم أكمل وهو يميل بوجهه ناحية وجهها :
" مهتمة فالموضوع ده كده ليه ..؟!"
شعرت زينة أن هناك شيئا ما وراء سؤاله فقالت :
" انت بتكلمني كده ليه ..؟! هو فيه حاجة ..؟!"
وجد زياد نفسه يخبرها بصراحة تامة عما سمعه وعرفه عن ماجد :
" انا سألت عن ماجد حافظ عبد الرحمن ، وعرفته ، طلع شاب خلوق محترم ملوش فالمشي البطال.."
" كذب ، اكيد ده واحد تاني . ."
قالتها زينة بسرعة وهي تهز رأسها نفيا بعدم تصديق ليردف زياد بقوة :
" للأسف مش كدب ، انا إتأكدت إنو هو نفس الشخص من خلال الكلية اللي درس فيها واللي نفسها كليتك .."
تطلعت زينة إليه بنظرات مضطربة وقالت بنبرة تائهة متحيرة :
" ازاي ..؟! الكلام ده كدب .. أمجد عمره مكان محترم او كويس ...أمجد ده اغتصبني عشان رفضته .."
ثم أكملت وجسدها يرتجف وعيناها تترجانه أن يصدقها :
" والله كدب يا زياد ، متصدقش الكلام ده ، صدقني ارجوك .. بلاش متصدقنيش انت كمان ..."
قالت جملتها الأخيرة بوجع وإنهيار ليقترب زياد منها ويحتضنها هاتفا بمؤازرة :
" اهدي يا زينة ، انا مصدقك .."
لا تعرف لماذا شعرت زينة بالأمان بين أحضانه .. أمان افتقدته لوقت طويل ..
اما زياد فتنحنح بتوتر وهو يفكر بأن هذه الوضعية لا تجوز أن تستمر فأبعدها عنه بحرج وقال :
" انا لازم أشوف ماجد ده .."
" انت مصدقني مش كده ..؟!"
سألته زينة بعينين دامعتين ليومأ برأسه دون رد فتتنهد زينة بإرتياح وهي تفكر أن الله يحبها لدرجة أنه بعث زياد لها كي ينقذها مما هي عليه...
..............................................................................
بعد مرور اسبوعين
خرج زياد من الفندق صباحا متجها الى شركة حافظ عبد الرحمن ، لقد قرر أن يبدأ في خطته التي قررها منذ وقت طويل ..
وصل إلى هناك ليجد السيد حافظ وماجد ابنه ومجموعة من موظفي الشركة الأساسيين في إنتظاره ...
ألقى التحية عليهم ليجد الترحيب الحار منهم فهو زياد الشريف والذي تعاملهم معه يعتبر مكسب كبير لهم ..
جلس الجميع يتحدثون بشأن البضاعة التي يريد زياد استيرادها بالتعاون مع شركتهم ..
اتفقوا على كل شيء ليقول زياد أخيرا :
" بمناسبة توقيع العقد انا عازمكم الليلة على العشا في الفندق اللي مقيم فيه حاليا .."
قال حافظ بجدية :
" ميرسي يا زياد بس انا للأسف مشغول النهاردة جدا ... ممكن ماجد يحضر .."
قال ماجد بسرعة :
" اه طبعا ده شيء يشرفني .."
ابتسم زياد بإنتصار وحيا الجميع مودعا إياهم بعدما أعطى عنوان الفندق لماجد وأكد عليه أن يحظر مساءا ...
..........................................................................
وقف زياد أمام المرأة يعدل ربطة عنقه وهو يفكر بأن اليوم سيعرف جزءا من الحقيقة أو ربما الحقيقة بأكملها ...
اليوم سيتأكد اذا ما كانت زينة صادقة في حديثها أو لا ..
انتهى من تعديل ربطة عنقه ليحمل سترته ويرتديها قبل أن يخرج من الغرفة ويتجه الى جناح زينه ..
لقد أقنعها بعد عدة محاولات أن تحضر هذه العزومة معه مخبرا إياها أن ضيفة هو صديق له من أيام الجامعة ...
وبالرغم من عدم اقتناعها وعدم فهمها لإصرار زياد على حضورها خاصة بسبب وضعها الإجتماعي إلا أنها وافقت على مضض ...
خرجت زينة من جناحها وهي ترتدي فستان أسود قصير وتضع مكياج خفيف ، ابتسم زياد ساخرا وهو يفكر أنها تنسى أحزانها بسرعة بينما تأملته زينة بحرج قبل أن يبتسم في وجهها وهو بقول :
" جاهزة ..؟!"
أومأت برأسها ليتجه بها الى المطعم حيث سيأتي ماجد الى هناك ..
دلف الاثنان الى المطعم وجلسا على طاولة الطعام ينتظران قدوم ضيف زياد ..
دلف ماجد بعد لحظات الى المطعم ومعه اخته الصغرى لينا ، تقدم نحو الطاولة التي يجلس عليها زياد غير منتبها لزينة التي تجلس أمام زياد مولية لهما ظهرها ...
ما إن وصل ماجد الى الطاولة حتى تصنم في مكانه غير مصدقا لما يراه أمامه ...
تصنمت زينة هي الأخرى في مكانها محاولة أن تستوعب ما تراه قبل أن تهتف بعدم تصديق :
" ماجد .."
يتبع. نكمل بعد التفاعل
تكملة الروايه اضغطي من هنا
تعليقات
إرسال تعليق