القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

سكريبت ليلة هروب البائسة كامل بقلم سيد داود المطعني في موسوعة القصص والروايات جميع الفصول كامله


_ امشي اطلعي برة بيتي يا حلوفة، اياك ترجعي هنا تاني .. انتي طالق طالق طالق

_ حرام عليك، هروح فين بعد نص الليل دلوقتي، أبوس أيدك استنى لحد الصبح


«مشى مجدي ناحيتها بكل قسوة، ومسكها من شعرها يجرجرها قدام اصحابه اللي قاعدين بيحششوا في الصالة»

فتح الباب ورماها برة بدون رحمة..

رفض يخليها تلبس حاجة فوق لبس البيت اللي عليها، رفض يخليها تاخد شنطة أيدها اللي فيها فلوسها وتليفونها واثباتات شخصيتها، ورفض كمان يخليها تاخد ابنها الرضيع اللي بيصرخ جوة ده..

طلعت «مايسة» في عز الليل للشارع، في منطقة عمرانية جديدة قريبة من الصحراء والجبل، مفيش فيها غير كلاب ضالة بتعوي..

مفيش حاجة تسترها، ولا حتى حذاء في رجلها يحميها من وخزات الإسفلت اللي ماشية عليه..

بتبكي وهي هتنفجر من العياط، بتندب حظها وخايفة من ولاد الليل اللي بيرجعوا من القهاوي شاربين مخدرات ومش شايفين قدامهم غير شياطين بترشدهم..

مفيش مكان لمايسة في المنطقة دي غير بيت خالها «أكرم» هو أكبر منها بسبع سنين، وبيشتغل عند جوزها في ورشة السيارات بتاعته، ومن شلة المخدرات اللي بتروح تحشش معاه في البيت..

مشيت المسكينة والرعب حواليها في كل مكان، مش عارفة تروح فين ولا تعمل ايه، وخلت رجليها تسوقها لحد بيت خالها..

الساعة اتنين بعد نص الليل، وكل سكان العمارة نايمين، عمارة خمس أدوار بس وملهاش بوابة ولا بواب، مفتوحة لأي حد يدخل ويخرج زي ما هو عايز..


وقفت مايسة تخبط على شقة خالها في الدور الخامس،  ملهاش جرس، والباب حديد علشان الحرامية أكتر من السكان في المنطقة دي، خبط كتير على الباب ومفيش حد بيرد، لحد ما كانت هتفقد الأمل وترجع

...

لكن أخيررا.. .

اتفتح الباب من جوة، وخرجت مرات خالها، بنت شابة عمرها تسعة وعشرين سنة، يعني أكبر منها بتلات سنين بس، شعرها منكوش، ومكشرة، ضاربة بوز ينكد على مديرية كاملة..

أول ما شافت مايسة قدامها اتضايقت، وكشرت في وشها، والمسكينة مش عارفة تتكلم من البكاء ورعشة البرد


_ خالي هنا يا نجلاء؟

_ خالك راجع م الورشة مطحون، وفي سابع نومة دلوقتي..

_ ممكن تصحيه تخليه يلحقني..

_ لا يا مايسة مش هصحيه، ارجعي بيتك بالقرف اللي انتي لابساه ده الله لا يسيئك روحي..

_ حرام عليكي يا نجلا، صحي لي خالي يشوف لي حل في المصيبة دي.. 

_ يا ستي حلي مشاكلك بعيد عنا .. جوزي مش مكفي مشاكلنا لما هيشيل هم مشاكلك


«مايسة بتنزل تبوس أيدها بلهفة وهي بتبكي»

_ أبوس أيدك يا مرات خالي، أبوس أيدك صحيه يجيب لي ابني

_ أوف .. مصيبة تاخدك انتي وابنك في يوم واحد


«خرج خالها على صوتهم، وكانت عيونه غالبها النوم، عمره تلاتة وتلاتين سنة، وشنبه عريض وكبير، بس جسمه رفيع خالص»

شافها واتنرفذ، وكأنها بعصبية:

_ في ايه يا مايسة؟ عايزة ايه؟ ايه اللي جابك دلوقتي؟

_ إلحقني يا خالي، مجدي طلقني وخد ابني مني، وطردني باللبس اللي انت شايفه.

_ وانا هعمل لك ايه؟ ما اهو طلقك سبع مرات قبل كده، وكل مرة كان تاني يوم بيرجعك .. روحي اقعدي عند بيتك للصبح يا مايسة، يكون جوزك فاق م السطلان اللي هو فيه وهيدخلك علشان تعملي له الفطار

_ مش عايزة ارجع له تاني يا خالي، وعايزة ابني

_ اسمعي يا مايسة! أنا بشتغل عند جوزك، ومش هستحمل منه أي شتيمة في الشغل بسببك، روحي اترزعي قدام بيت جوزك لحد ما يفتح لك الباب الصبح زي كل مرة

_ كرامتي يا خالي اتهانت، هان كرامتي قدام المساطيل اصحابه، كان عايزني أسيح لهم حشيش السهرة .. ولما رفضت ضربني وجرجرني من شعري

_ أووووف .. أمشي من هنا يا مايسة، روحي عند أبوكي، حلي عن سمايا أنا عندي عيال زي أربيهم..

«خالها قفل الباب في وشها ورفض حتى يطلع لها عباية من عبايات مراته تستر بيها نفسها، كل ده علشان يجبرها ترجع لجوزها، ويتجنب التهزئ في الشغل» 

مايسة نازلة والليل كل ماله وبيبقى أوحش وأخطر، وتخويفه أكتر..

ماشية تبكي وتترحم على أمها..

أمها اللي ماتت وسابتها لوحدها تشوف الويل ده كله من صغرها. 

خالها هو اللي رباها، وبسرعة قام مجوزها لسيده وتاج رأسه الحشاش، علشان ينفرد بالشقة..

الشقة اللي هي تورث فيها حق أمها، وكمان حق جدتها اللي كتبت لها نصيبها فيها علشان خالها ميطردهاش منها.. 


ومن يوم ما مايسة اتجوزت الحشاش ده وهي عايشة في عذاب، كل يوم يحشش مع أصحابه في بيتها، ولازم تكون سهرانة، علشان تعمل لهم ساندويتشات الكبدة اللي بيجيبوها، قال ايه الحشيش بيخليهم يجوعوا..

مستنقع من القرف عايشة فيه مع واحد متخلف مش حاسس بقيمة النعمة اللي هي فيها، وكل يوم يضربها بالحذاء ويشتمها بأهلها، وبخالها اللي شغال مرمطون عنده، وبيروح يشرب حشيش عنده ببلاش..

أصوات رياح مرعبة، مختلطة بأصوات كلاب في المنطقة، وهي في قمة الرعب، ماشية تتلفت حواليها، مفيش حتى عريية تعدي تنتشلها من اللي هي فيه..

مجدي متوقع إنها زي كل مرة هتنتظر برة البيت لحد الصبح، يقوم من النوم يفتح لها، لكن المرة دي كرامتها نقحت عليها، ورافضة أي رجوع..


كلب صغير نايم في الطريق جنب أمه، ومايسة مش واخدة بالها منه، وداست على ديله، الكلب الصغير قام يصرخ، والمسكينة من خوفها اتفزعت وراحت تجري قدامه..

الكلبة الأم جريت وراه، مع صوت نباح وكانت في منتهى السرعة، وكل الكلاب اتجمعوا عليها وكله بيجري ورا المسكينة..

صراخ، واستغاثات في قلب الليل، لحد ما شافت راجل متلحف ونازل من عمارة، وقالت إلحقني يا عمووو.

الراجل جري ناحيتها ورفع طوبة رماها ناحية الكلاب وقفهم، وبدأ يبعدهم عنها، وشاف هدومها..

_ أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم .. لو جن ف «سلام قول من رب رحيم» ولو إنس انتي مين؟ وليه عاملة في نفسك كده؟ 

_ إنس يا عمو والله إنس، وحياة ابني إنس

_ وليه عاملة في نفسك كده يا بنتي؟

_ جوزي طلقني يا عمو وطردني من بيتي بالهدوم اللي عليا

_ لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، شباب أرعن عديم المسؤولية .. ومين جوزك ده يا بنتي؟

_ جوزي مجدي كاوتش، صاحب ورشة الأمانة

_ أعوذ بالله .. ربنا يكفينا شره 

«الراجل خلع التلحيفة بتاعته، ومدها لها

_ خدي يا بنتي استري نفسك ب دي، لفي جسمك كله فيها، وقولي لي أهلك فين؟ رايحة فين؟

_ رايحة عند بابا .. بس مش معايا فلوس للمواصلات

_ تمام فهمت

الراجل رجع بيها البيت، وخلاها تاخد عباية من مراته، وأدالها ١٠٠ جنيه في ايدها، ووصلها لحد موقف الميكروباص علشان تركب من هناك، وهو كمان راح شغله..


الميكروباص خد ساعة بالظبط يحمل، لحد ما الضحى بدأ يظهر، والركاب اجتمعوا ومشي بيهم، والمسكينة دمعتها على خدها، ورايحة بيت أبوها تطلب منه يطلقها من جوزها..


أبوها كان يفطر الصبح بدري، علشان نازل شغله، ومرات أبوها «أم صورم» ست عقربة مش بتكره في حياتها أكتر من المسكينة مايسة..


أبوها جبان بيخاف من مراته، ده حتى هو اللي قام فتح لها الباب، ووشه اتغير لما شافها، ومراته كانت نايمة جوة..

مايسة بتقول له صباح الخير يا بابا

رد عليه بكل خوف وجبن، وهو باصص وراه على غرفة مراته يشوفها برة ولا جوة وقال:

_ مش باين إنه صباح الخير يا مايسة خالص..

_ عايزاك تجيب لي ورقة طلاقي منه يا بابا وتجيب لي ابني

_ ورقة طلاقك من مين؟

_ من مجدي جوزي

_ وهو جوزك ده حد يقدر عليه يا بنتي؟ ده راجل بلطجي، ومقتدر..


«مايسة بتحاول تدخل جوة الشقة تكمل كلامها، لكن إيد أبوها كانت في نص الباب بتعترض دخولها..

الراجل نفسه يخليها تدخل بس خايف..


_____________

وهناك في بيت جوزها، كان مجدي صحي من النوم على صوت صراخ الطفل، وفضل يزعق ويشتم، وينادي على مايسة..

لكن مفيش مايسة، وافتكر إنه طردها من البيت في نص الليل، وجري على الشارع يفتح الباب يشوفها تكون نايمة قدام الشقة، لكن المرة دي مفيش مايسة..

اتنرفذ مجدي، ولف ابنه في بطانية صغيرة، ونزل بيه، ركب عربية هيونداي قديمة قدام العمارة، وطلع بيها على العمارة اللي ساكن فيها «أكرم» خال مايسة، وخبط عليه صحاهم من النوم..

أكرم قعد يعظم له

_ صباح الخير يا حاج مجدي، نورت بيتي يا حاج مجدي، اتفضل يا حاج مجدي

_ ادخل صحي الحيوانة اللي جوة قول لها ابنها بيصرخ من الجوع

_ الحيوانة مين لا مؤاخذة يا خاج؟

_ الزفتة مايسة بنت أختك 

_ بس مايسة مش هنا، مايسة راحت لابوها

_ طيب خد الولد ده خليه مع مراتك، وتنزل دلوقتي تروح لابوها تجيبها من شعرها

_ بس انا مش بكلم ابوها

_ مليش فيه .. تروح لابوها وتجيب لي الزفتة دي .. واياك ترجع الورشة من غير ما تكون البنت دي معاك .. ملعون ابوكم على ابو نسبكم


مشى مجدي، ووقف أكرم يسقف على ايديه، ويلطم على خده زي الولايا، وغصب عنه اضطر يلبس وينزل، وهو بيرطن يقول لمراته.

_ يا ريتنا خليناها تنام هنا يا بومة يا بنت البومة


_________


وعند بيت ابو مايسة، كانت المسكينة اتحايلت عليه يدخلها، ودخلت معاه فعلا البيت، وهو بيهرش في دماغه ويقول لها:

_ طبعا انتي مش تحبي تخربي على أبوكي، وتزعلي مراته منه

_ لا يا بابا مش هينفع

_ طيب انتي لو قعدتي هنا ممكن مراتي ترفض، وتاخد عيالي وتسيب لي البيت 


«فجأة طلعت مرات الأب، وعلى وشها مرسوم غضب الحياة كلها، وقالت له:

_  أنا مش من الستات اللي تزعل وتاخد عيالها وتسيب البيت .. ده أنا أطردك وأشردك في الشوارع .. 

«مرات الأب بصت لمايسة من فوق ل تحت وقالت لها:

_ شقتي أوضتين وصالة يا حبيبتي .. متستحملش قرف تاني أكتر م اللي فيه .. وانتي كلك نظر ..

«الاب اتحرج وبص في الساعة يشوف مواعيد شغله اللي كل مالها وتقرب» 

تفاعل كوبس عشان انزل كل يوم ف نفس المعاد تفاعل ب 20 تعليق



الحلقه الثانيه 


تقول مايسة: 

أنا قررت أنتحر! مفيش حل تاني غير إني أتخلص من حياتي..

مليش مكان يضمني غير القبر، بعد ما مرات أبويا طردتني، ومرات خالي قبلها، وقبل الكل جوزي..


خرجت من عند أبويا وانا سايبة نفسي لرجلي تروح بيا زي ما هي عايزة تروح، كده كده العقل شارد، والمخ واقف، ومفيش أي وسيلة ألجأ لها غير الانتحار..


بالصدفة في طريقي لاقيت محل بيبيع فول وعدس وحبوب بالجملة، روحت له، ووقفت شوية، وقلت لنفسي أنه أكيد عنده حبوب غلال، أكيد بيستخدمها علشان  يحفظ بضاعته من البوظان..

ناديت عليه وقال لي أؤمري يا بنتي، كان راجل صعيدي، لابس جلابية وعمة، وعمره حاجة وخمسين سنة.

قلت له:

_ ممكن يا عمو تديني قرص أو قرصين حبوب م اللي بتحفظ بيهم الحبوب اللي بتبيعها..

الراجل قال لي:

_ من عنيا يا بنتي، بس يا ترى عايزاهم لأي نوع حبوب؟

قلت له فول

سألني: نوعه ايه؟ 

قلت له: بلدي

قال لي: الكمية أد ايه؟

_ قلت له: كتير

سألني: إردب ولا اتنين ولا تلات أرادب؟

أنا مش فاهمة يعني ايه يعني إردب، لكن لازم أجاوبه..

قلت له: تلات أرادب..

راح بص لي من فوق لتحت وقال لي: هو الإردب كام كيلو؟

قلت له: خمسة..


الراجل بص لي بنظرة غضب، وقال لي، انتي مش عايزة الحبوب علشان تحفظي بيها فول ولا حتى قمح، انتي عايزاها لغرض وحش والعياذ بالله، صح ولا لا؟

 حسيت إن الراجل كشفني، وانا أصلا منهارة، وشكلي باين عليه الغلب، ومفيش حيلتي غير البكا والدموع، وانفجرت فعلا..

بكيت لدرجة اني حتى مقدرتش أهرب بعيد م الراجل.. 

بس قال لي جملة لا يمكن أنساها أبدا.. 

قال لي: 

سكرات الموت أصعب من كل البلاوي اللي شايفاها في حياتك ... ولو صبرت على مصايبك ورضيتي بنصيبك، هتلاقي سهلة معاكي، ويمكن تسهل لك سكرات الموت..


«أنا خفت من الموت بجد، خفت من الموت جدا، مرعوبة منه، مش عايزاه» 

الراجل فتح درج في ديسك خشب جوة المحل، وطلع ١٠٠ جنيه، وقال لي، ده كل اللي عملته من الصبح، شكلهم كده رزقك ومن نصيبك، وصبري بيهم نفسك لحد ما تتحل مشاكلك..

مش عارفة ازاي مديت إيدي وأخدتهم، مع إني خجولة جدا ومستحيل آخد حاجة من حد، بس انا مش محتاجة الفلوس أوي، والراجل خطفني بذوقه حسيت إنه أبويا ..

«لا مش أبويا، ده احسن من أبويا، لأن أبويا خذلني» 

مشيت على رجلي، وأنا تايهة في البلاد، مش عارفة أروح فين..

دخلت شوارع عمري ما شفتها، وكل ما ألاقي عربيات ماشية في طريق أمشي وراها لحد ما لاقيت نفسي واقفة على الطريق السريع، مصر اسماعيلية الصحراوي..

الشمس غابت، والغروب حضر، والليل بدأ ينزل، والدنيا اسودت في ضهري، ومفيش غير نور الطريق السريع..

شاورت لعربية راجعة المكان اللي انا كنت فيه، لأني خفت أبعد عن المكان اللي اعرفه..

ركبت العربية ورجعت مشي لحد محل الحبوب اللي فيه الراجل الصعيدي..

ولاقيت فيه شاب واقف، لابس جلابية صعيدي، وكان باين عليه إنه مثقف خالص..

لاقيت ع الديسك لاب توب، وشوية كتب..

سألته:

_ هو الحاج الكبير اللي كان هنا الصبح راح فين؟

قال لي إن ده أبوه، وبيوقف في المحل لحد المغرب ويروح البيت يرتاح..

طلبت منه أروح له البيت، عايزة أقصده في خدمة..

شاور لي على مدخل العمارة، وقال لي إنه ساكن في الدور الأول، والمدخل من الناحية التانية..


بصيت على مدخل العمارة لاقيت فيه بوابة حديدية، وسور محاوطها واخد من الشارع مساحة كبيرة زارعها شجر..

فتحت الباب ودخلت، وانا معتقدة أن العمارة فيها سكان كتير زي عندنا، بس عرفت بعدين أنها ملك الراجل ده كلها، وفاتح كل شقق الدور الاول على بعض وعاملهم شقة ليه، وباقي الأدوار مجوز فيها عياله، ومخلي الباقي للي مش متجوز..


ضربت جرس الباب، وفتحت لي بنوتة عشر سنين، عرفت إنه ابوها مش جدها، دي حتى مراته مش كبيرة، عمرها في حدود سبعة واربعين سنة، ومع ذلك عندما حفيد بيبي صغنون خالص..

الراجل عرفني أول ما شافني، واستقبلني هو ومراته استقبال حلو، وأول حاجة قالها لي، إنه من حقه يعرف ايه حكايتي..


قلت له انا جاية طالبة مساعدتك أصلا، وأكيد لازم أحكي لك مشكلتي..

وحكيت له كل حاجة، وكل شوية وانا بحكيله أبص على مراته، لأنها طبيعي هتقول واحنا مالنا، هنشيل همك ليه؟ هو احنا نعرفك..


فجأة الست دي بقت تبكي، وتقول:

_ يا ضنايا يا بنتي، هو انتي مستحملة كل ده لوحدك


جوزها قال لها:

_ دي كانت عايز تنتحر الصبح، لولا ربنا كشفهالي


هنا عرفت إن العمارة بتاعتهم، لما قالت له:

_ بعد إذنك يا حاج، العروسة دي ضيفتي لحد ما مشكلتها تتحل، وتختار أي شقة ترتاح فيها..

الحاج قال لها:

_ لو اعرف ان دي مشكلتها، كنت عزمت عليها تقعد معاكي من الصبح

 

«ايه الفرحة دي؟ هو انا هنام في بيت؟ هيتقفل عليا باب؟ وكمان هتعشى؟ هنام من غير اصوات الحشيش دي؟»


سألته:

_ هتساعدني يا عمو؟ 

_ لما قلت لك في الصبح إن الصبر والرضا بيهونوا المصيبة، كنت عارف إن ربنا هيسخر لك أولاد الحلال .. بس مكنتش أعرف إن ربنا هيسخرني أنا ليكي ... احنا عيلتك يا بنتي لحد ما تتحل كل مشاكلك..


الحاج مسك تليفونه، واتصل بابنه اللي واقف في المحل وقال له:

_ اقفل المحل يا بدر يا ولدي وتعالى لي عايزك 

«فجأة لاقيت راجل كبير يقول لولده اقفل أنا عايزك» 


مفيش عشر دقايق، وجرس الباب ضرب، والباب اتفتح من برة في نفس اللحظة، ودخل الشاب بدر


_ خير يا حاج

_ اقعد الأول خد نفسك..

«قعد بدر، وقعدت كمان روحي اللي واقفة مرعوبة من الصبح»

تلات حاجات خلوني أطمن العيلة دي..

موقف الراجل الصبح

دموع مراته دلوقتي

وطاعة ابنه ليه لما قال له تعال عايزك، ومفكرش يسأل عايزني في ايه، لكن حضر على طول 



الاخير مع أن التفاعل زفت  ومفيش تقدير لينا


تستأنف مايسة حديثها قائلة: 


بدر ده أكبر أولاد الحاج سليم صاحب البيت، وبيدير شركة توريد الحبوب بتاعتهم اللي في السوق، بيتبادل الإدارة مع إخوانه، وبيرجع في الليل يوقف بدل أبوه في المحل الصغير ده علشان يريحه..

الحاج حكى له كل حاجة عني وعن مشكلتي، وبدر ده مش بيسأل ولا يستفسر عن أي حاجة، ولا حتى قاطع أبوه وسأله ايه المطلوب مني..

وفي آخر الكلام أبوه قال له:

المطلوب منك انك تسأل عن مجدي بتاع الكاوتش ده في الحتة اللي ساكن فيها، تشوف لنا نظامه ايه، وكمان تسأل عن خالها أكرم ده 


_  ممكن تسيب لي الحوار ده كله من أوله لآخره يا ابويا

_ لا .. انت تعمل اللي اقولك عليه بس

_ انت مش ناوي تساعدها يا والدي؟

_ وانت عارف نوع المساعدة اللي هقدمها لها ايه؟

_ مش عارف بالظبط، بس أكيد ناوي تجيب لها حقها

_ ما دمت مش عارف هساعدها  ازاي يبقى تنفذ اللي بقول لك عليه وبس

_ اللي تشوفه يا والدي

«نزل بدر ده للمحل بتاعه من تاني، والحاج شاور لمراته تخرج معايا تفتح لي شقة أصغر ولادها اللي متجوزش علشان أعرف مكان نومي وراحتي بعيد من شقة العيلة اللي كله بيروحها» 

____________________


بدر في المحل بيفتح الفون بتاعه، وفتح صفحة الجروب اللي بيجمع كل شباب الحي بالمدن اللي حواليه، ونشر بوست بيسأل فيه عن أحسن ورشة سيارات في منطقتك..

وكل واحد ساكن في منطقة من مناطق الحي فيها ورشة سيارات كان يكتب اسم صاحبها في التعليقات، وبين التعليقات واحد كتب له ورشة مجدي الكاوتش من أحسن الورش اللي شغالة..

وبسرعة عمل له لايك، ودخل يكلمه كأنه بيسأله عن تفاصيلها، بيفتح الساعة كام؟ بيقفل الساعة كام؟ مساحتها كبيرة ولا صغيرة؟ أمان ولا مش أمان لو ركن عربيته قدامها فترة طويلة لحد ما يصلحها..


الشاب كان متعاون جدا، وقال له معلومات خطيرة عن الورشة بدون ما يقصد..

قال له إن مساحة الورشة من جوة كبيرة، بس بسبب ضغط الشغل واخد مساحة من الشارع، وعامل حواليها سور بكاوتشات العربيات وبقت ملكه، ومجلس الحي مش بيكلمه علشان ليه موظفين أصحابه جوة..

ومن ناحية الأمان هي أمان لأن الصنايعية بتوعه بيعملوا فيها سهرات تظبيط الدماغ، ومفيش حد يقدر يدخلها..

طبعا بدر فهم إنها سهرة مخدرات جوة الورشة..


شوية معلومات كفيلة أنها تقفل الورشة، وترمي مجدي في السجن، لكن بدر مش مكتفي بالمعلومات دي، وقام عمل جولة بالعربية هناك، وشاف الورشة على طبيعتها، ووقف بعربيته يسألهم عن النظام لو عايز يظبط عربية قديمة، وكان بيتلفت حواليه لحد ما شاف مجدي وعرف شكله..

مش كده بس، ده كمان سأل عن أكرم خال مايسة على أساس إنه صنايعي بيشتغل في الورشة وسمع عنه. 

الميكانيكي قال له إنه منزلش الشغل النهاردة..

___________________

 مايسة بتقول: 

عم الحاج نزل ساعتين بالظبط ورجع، بعت لي مراته تناديني، ونزلت له، وقال لي أنه راح لأبويا البيت، وخلاه يعرف إني عنده، علشان ده الواجب، و دي الأصول، وإنه راجل صعيدي عارف العادات والتقاليد، واللي يصح يتعمل واللي ميصحش..

أنا اتضايقت من جوايا، مش عارف ابويا ولا خالي ولا حد يعرف إني هنا، أنا ما صدقت هربت من العك والقرف ده كله ولاقيت ناس تؤويني..

طلبت منه ميخليش حد ياخدني من هنا، وانا مستعدة أشتغل أي حاجة وآخد منه شقة إيجار كمان..

الراجل زعل جدا، وبص له بنظرة عتاب شديدة وقال لي:

_ إيجار ايه؟ هو انا طلبت منك تدفعي حاجة؟ ليه يا بنتي كده بس؟ 

_ أنا آسفة، بس كان قصدي يعني اني مش عايزة حد فيهم يعرف مكاني

_ والأصول بتقول اني مينفعش أخلي ست في بيتي أبوها عايش وميعرفش هي فين، وبعد كده أحميكي بالأصول


كنت خايفة جدا، خايفة بابا يقول لمجدي إني هنا وياخدوني بالعافية، وارجع للقرف ده تاني..

خصوصا إن خالي راح لبابا البيت، وسأل عني، وبابا قال له إني مشيت، ودلوقتي خالي ومجدي قالبين عليا الدنيا، ومش بعيد مجدي يطرد خالي من الورشة اللي معرفش يوصل لي.. 

بكيت وانا بقول لعم الحاج:

_ ارجوك تكون انت بابا ووكيلي في الموضوع ده، عايزاك تطلقني منه وترجع لي ابني، وبعد كده ارميني في الشارع حتى.. 

_ لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، متخافيش يا بنتي، انتي من النهاردة واحدة من العيلة، ومش هنتخلى عنك، بس كان لازم أبوكي يعرف انك في بيتي.

_ ربنا يستر  .. ربنا يستر

_______________

اللي كنت خايفة منه حصل، أبويا راح البيت عند خالي وقال له إن مايسة عند جماعة صعايدة هنا في القاهرة، ومفيش عشر دقايق كان خالي طار على الورشة وبلغ مجدي إني عند الناس دول..

وفجأة...

كان ابويا وخالي وزفت الطين اللي اسمه مجدي في بيت الراجل المحترم ده، وكنت حاسة بإحراج شديد وأنا بجيب له مشكلة لحد بيته، هو كان في غنى عنها من الأول..

الصالون واسع جدا، ومفروش كله، ويشيل ١٠٠ راجل في جلسة واحدة، لأنه فاتح شقق الدور الأرضي كلها على بعضها..

كنت خايفة مجدي يزعق للراجل الكبير أو يكون قليل الأدب معاه..

الست أم بدر، شافتني وانا مرعوبة، وجات طبطبت عليا، وقالت لي متخافيش، عمك متعود على كده، وهو راجل قوي وحكيم، ولولا إن المحكمة رجعت لنا الوقف بتاعنا اللي هنا، كان زمانه لسة في الصعيد ماشي في جلسات العرب ولجان الصلح، ثم إنه ليه ست إخوات هنا، وكل أخ معاه خمس رجالة أولاده..

أصواتهم كانت عالية خالص، وانا بصراحة تعمدت أكون قريبة  منهم علشان أسمع اللي اقدر اسمعه..

مجدي بيرفع صوته:

_ انت فاكر نفسك مصلح اجتماعي .. أمشي غور هات مراتي بدل ما أدخل أجيبها من شعرها


_ اخرس يا ولد لاقطع لسانك .. انت فاكر نفسك في زريبة زي اللي عايش فيها

_ أنا عايش في زريبة أنا؟

_ اسمع ياد انت، إذا كنت متسلط على البنت دي علشان أبوها راجل غلبان، وخالها راجل من محاسيبك، يبقى لازم تعرف إنها من النهاردة في بيتي وحمايتي

_ بيتك ايه وحمايتك مين؟ انت فاكر نفسك في الصعيد، اصحى يابا وفوق لنفسك

_ اصبر على رزقك وشوف إن كنا في الصعيد ولا مش في الصعيد، انا مش بتكلم من فراغ


بعد ربع ساعة من الشد والجذب، جرس الباب من ناحية الصالون ضرب، ودخل اخوات الحاج وعيالهم، ومعاهم ولاد الحاج اللي في المحل الكبير..

الصالون كان زحمة جدا، لدرجة اني نسيت نفسي وانا بتفرج عليهم من بعيد..

الحاج زعق لأبويا وبهدله ع اللي عمله فيا، وزعق لجوزي، وطلب من جوزي إنه يطلقني ويبعت لي ابني بالتي هي أحسن..

قام مجدي متضايق، وبيزعق، وبيهدد:

_ أنا هروح القسم، وهبلغ عنكم انكم خاطفين مراتي، وهعمل لكم فضيحة


بدر نادى عليه وقاله أنه لو عمل الحركات دي هيشمع له الورشة وهيشرده..

لكن مجدي مشي على طول، ووراه أبويا وخالي..

ويا فرحة ما تمت..

اخوات الحاج اتخانقوا معاه خناقة كبيرة بسببي..

قالوله ايه اللي بتعمله ده، ازاي تجيب بنت متعرفهاش في بيتك، وتحط نفسك في مشاكل مع عيل بلطجي حشاش زي ده..

ليه تخلينا نقفل محلاتنا ونسيب أشغالنا علشان نحضر قعدة تافهة زي دي..

اها الولد الميكانيكي هيبلغ عنك في القسم، وهتدخل في متاهات ومشاكل انت في غنى عنها..

الحاج زعق فيهم وقال لهم:

_ انا راجل طول عمري بسند الحق، علشان كده ربنا فاتح لي من خيراته وبركاته، وانتوا شفتوا بعينكم الوقف اللي لينا سنين واخدين أحكام باسترداده، ربنا رجعهولنا السنين دي وبملايين كمان..

وبدل ما نحمد ربنا ونساعد غيرنا، نقوم احنا نطنش علشان خايفين على أشغالنا، واحنا ناس معانا القوة والفلوس، هنخاف من مين؟ من عيل بلطجي ملهوش أهل..


راجل منهم بص على بدر بيقول له انت راضي ع اللي بيعمله أبوك ده يا بدر..

بدر رد عليه: 

_ أنا اللي يهمني رضا أبويا عني يا عمي، مش أنا اللي أرضى عنه وعن اي حاجة يعملها


الحاج زعق فيهم:

_ ويا سيدي اعتبروني أنا غلطان، حقكم عليا، آسف إني بعتلكم علشان استقوى بيكم، ومن النهاردة أنا مش هستقوى غير بعيالي..


واحد في اخواته زعق وقال:

_ يا سلام! واحنا هنسيبك انت وعيالك لوحدك اياك؟ انت شكلك كبرت وخرفت

_ والله ما حد خرف غيرك، والفلوس خلتك بقيت جبان

_ أنا جبان يا حاج؟ تحب أروح أربط لك الميكانيكي بتاعك ده في موتور عربيتي واجيبهولك.


واستمرت المشادات الكلامية بين الحاج وأخواته لحد وقت طويل، وكانت النهاية إن الشباب يقسموا بعض، ناس تزل أشغالها، وناس تقعد هنا في مدخل العمارة دايما علشان يحموها من أي حركة غدر يعملها مجدي..


الحاج جاب لي عقدين ايجار بتاريخ قديم، ووقعت انا وهو عليهم، وبقيت رسميا مستأجرة شقة في عمارته..

ولما جات الشرطة تفتش عني في العمارة حسب البلاغ، كان الحاج بكل هدوء بيقول لهم:

_ شقة مدام مايسة فوق، الموضوع مش محتاج تفتيش..


«ظابط ضرب الجرس، خرجت له، سألني إن كنت مخطوفة، طلعت له عقد الإيجار، وسألني ليه مستأجرة شقة، قلت له علشان جوزي بيطردني في مواعيد صعبة بالليل، ومليش أهل اروح لهم، واستأجرت الشقة دي علشان ألجأ لها في الظروف دي» 


الشرطة رجعت، واستدعوا جوزي، واتهموه بالبلاغ الكاذب وازعاج السلطات..


في اللحظة دي كان بدر بلغ رئاسة الحي عن الجزء اللي واخداه الورشة من الشارع، وكان بلغ الشرطة عن سهرات الحشيش اللي في الورشة كل يوم..


وفعلا الحي عمل إزالة للجزء الأكبر من الورشة، ومكافحة المخدرات عملت كبسة ع الورشة بالليل، واتقبضوا في حالة تلبس، والورشة بقت سمعتها في منتهى السوء، لدرجة إن مجدي رجع يشتغل فيها بنفسه من غير ما يجيب صنايعية يساعدوه.. 


واختصارا لكلام كتير ممكن أحكيه: 

الحاج ساعدني ارفع قضية طلاق وكسبتها، ورجعت ابني لحضني من تاني..

وكنت معتقدة إني هفضل دايما في عمارة الحاج، لكن المفاجأة أنه قال لي أنه تحت أمري في أي وقت وأي لحظة لحد ما يموت، وعياله كمان من بعده، بس مش هينفع اعيش في بيت فيه شباب على سن جواز، ده غير عيال اخوانه الشباب اللي دايما بيزوروه..

أنا كنت مصدومة، مش عايز أسيب البيت ده، ومش علشان العز اللي فيه، لا، علشان الأمان..

بس الراجل الحكيم قال لي إني لازم أسكن في شقة جنب أبويا، حتى لو كان ضعيف ومراته وحشة، بس ع الأقل اخواتي من أبويا يكبروا قدامي، ويعرفوا أن ليهم أخت وابن اخت..

واستأجر لي الحاج شقة صغيرة في نفس شارع أبويا، ودفع لي إيجار أربع سنين مقدم، وفتح لي محل بيع حبوب وغلال في نفس المنطقة علشان يساعدني على المعيشة، وقال لي إن عربيتهم هتوفر لي كل السلع اللي تخلص من محلي زي ما بيعملوا مع كل محلاتهم الكبيرة..


والراجل اللي كنت رايحة اشتري منه حبوب تكون سبب في موتي ... فتح لي محل بيع حبوب تكون سبب في حياتي..

ولسة عايشة عليها لحد النهاردة..


وكده كانت الحلقة الأخيرة من ليلة_هروب_البائسة

تمت 


 

تعليقات

التنقل السريع