رواية جبر السلسبيل الجزء الثاني الخاتمه الثانيه والاخيره بقلم نسمه مالك جميع الفصول كامله وحصريه في موسوعة القصص والروايات
الخاتمة الأخيرة..
جبر السلسبيل2..
✍️نسمة مالك✍️..
قبل الحلقة عايزه أعتذر لكم على كل مرة اتأخرت فيها عليكم، عن كل مرة قولت هنزل في السهرة و سهرتكم و أنا اتسحلت و معرفتش أكتب حقكم عليا يا حبايبي متزعلوش مني♥️..
اسيبكم مع الحلقة..
.............................................
..بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
بعد وقت ليس بقليل، وقتٍ كان كافي ليتعافي فيه الجميع من جروح أجسادهم، بينما جروح قلوبهم لم تشفي بعد..
اليوم مّر أربعين يوم على ولادة "سلسبيل"، غادرت المستشفى بعد أسبوع برفقة صغارها، أنتقلت بهم إلى منزلها في الإسكندرية بأمر من زوجها "عبد الجبار" رغم أعتراضها و إصرارها الشديد على البقاء بجانبه، إلا أنها انصاعت لحديثه بالأخير.
بينما هو مكث شهر كاملاً بالمستشفى حتى استعاد صحته من جديد، خرج برفقة والدته التي فقدت قدرتها على الحركة و الحديث تمامًا، أصبحت لا تقوى على فعل أي شيء سوي تحريك أهدابها فقط.
خلال تلك المدة ظلت "عفاف" برفقة بنات "عبد الجبار" بمنزلهم الجديد بالإسكندرية المجاور لمنزل "سلسبيل" ، بينما عادت "خضرا" لأهلها في الصعيد بعد إدراكها أن وجودها غير مرغوب من الجميع .
فور خروج "عبد الجبار" أنتقلت "عفاف" على الفور عائدة إلى "سلسبيل"، و ظل هو برفقة ابنتيه و والدته يقوم بخدمتهم بنفسه يحاول قدر المستطاع إحتواء أبنتيه، و تفهم حالتهما النفسية السيئة للغاية بسبب ما مّروا به،
عشرة أيام منذ خروجه من المستشفى و "سلسبيل" تنتظر مجيئه إليها، يرى صغاره يوميًا و يطمئن عليهما ولكنه لم يخطو لمنزلها حتى الآن، و هي تحلت بالصبر تقديراً لحالة والدته و أبنتيه..
تقف كل ليلة في شرفة غرفتها تطلع على باب المنزل الخارجي تنتظر طلته على أحر من الجمر، على يقين أنه سيأتي إليها و هي ستظل دائمًا فى إنتظاره خاصةً الليلة سيأتي لا محالة فاليوم فرح "جابر" و بالتأكيد لن يتركها تذهب بمفردها ..
"سلسبيل أنتي لسه وقفة مكانك.. ملبستيش؟!"..
أردفت بها "عفاف" التي دخلت للتو حاملة الصغيران على كلتا يدها..
تنهدت "سلسبيل" بحزن و هي تقول..
"مستنية عبد الجبار يا ماما.. هو أكيد هيجي عشان نروح الفرح سوا"..
أشارت بعينيها على الفراش الموضوع عليه بدلة سوداء كاملة و فستان في غاية الجمال و الرقي من اللون الكاشمير بلون رابطة عنق البدلة..
"أنا جهزت له البدلة و مستنياه عشان ألبسه بأيدي"..
ظهر الأسف على وجهه" عفاف" و هي تقول..
" سلسبيل يا حبيبتي ألبسي يله على ما أبلغ السواق يجهز عشان يوصلك لأن عبد الجبار بيه مش هيجي"..
تطلعت لها "سلسبيل" بتساؤل تحثها على استكمال حديثها، فتابعت "عفاف" قائلة..
" لأنه راح الصعيد يجيب خضرا "..
انتفض قلب "سلسبيل" انتفاضة قوية، و تجمعت العبرات بعينيها و هي تقول بهمس متحشرج بالبكاء..
" هو قالك أنه رايح يجيبها يا ماما عفاف؟!"..
"اه يا حبيبتي قالى البنات محتاجين أمهم رغم زعلهم منها.. بالذات فاطمة بنته الكبيرة تعبت إمبارح و بقت تعيط من كتر التعب و هو بقي هيتجنن و يسألها أيه اللي تعبها تعيط و مش راضية ترد على سؤاله و كل اللي عليها تقول عايزة أمي..جبلها دكتورة و كشفت عليها لقيتها تعبانة من البيريوت.. اتريها بلغت و مكسوفة تقول لأبوها و حتي مكسوفة مني أنا كمان.. وقتها قرر أنه هيسافر يجيب أمهم و فعلاً مشي قبل ما الشمس تطلع"..
هبطت دموع" سلسبيل " على وجنتيها ببطء مرددة..
" و تفتكري هي هتوافق ترجع معاه بعد اللي حصلها؟! "..
أطبقت جفنيها وهي تتذكر أخر لقاء جمعها ب" خضرا"..
.. فلاش باااااااااااك..
تجلس على الفراش ضامة صغارها بين ذراعيها بحنان العالم أجمع،غالقة عينيها التي تنهمر منها العبرات بدون أدنى إرادة منها بسبب قوة المشاعر الجياشة التي تعيشها، تستنشق عبيرهما بلهفة و فرحة غامرة لم تشعر بها من قبل تغلف قلبها و روحها ..
بينما تقف "صفا" بجوارها "عفاف" محتضنة "فاطمة، حياة" يتابعونها بابتسامة و أعين دامعة من شدة تأثرهم..
كانت منفصلة عن الدنيا معاهما حتى أستمعت صوت طرقات ضعيفة على باب الغرفة، فتحت عينيها بصدمة حين قالت "فاطمة" بصوتٍ هامس مذعور..
"محدش يفتح دي أكيد أمه خضرا"..
نظرت "عفاف" ل "سلسبيل " نظرة أسف يملؤها الشفقة فتفهمت "سلسبيل" علي الفور ما يدور حولها، و سبب الذعر الظاهر على ملامح الفتاتين..
ربتت "عفاف" على ظهرهما مرددة بنبرتها الحنونة..
"متخفوش يا حبايبي" ..
فتحت "صفا" الباب، فدلفت منه" خضرا " بخطي بطيئة، تدور في المكان بعينيها الزائغة تبحث عن بناتها، لترمقها "عفاف" نظرة عاتبة مكملة بثقة..
"مامتكم عمرها ما هتأذيكم تاني أبدًا "..
ليجهشان بنوبة بكاء حاد و هما يدفنان وجهها داخل حضن "عفاف" و يرتجفان بقوة مما دفعها لسحبهما سريعًا تجاه غرفة أخرى داخل الجناح،تابعتهما "خضرا" بقلب ينفطر على حالتهما التي تشق القلوب،عقابها هذا أقوى و أقسى عقاب يمكن أن تتعرض له أي أم، توجهت بنظرها ل "سلسبيل" التي تبادلها النظرة بأخرى مترقبة..
ساد الصمت للحظات حتى قطعته "صفا" و سارت تجاه الغرفة المتواجدة بها "عفاف"..
"طيب أنا جنبك هنا يا سلسبيل..لو احتاجتي أي حاجة أهمسي بس هتلاقيني قدامك"..
"مبروك ما جالك يا خيتي.. يتربوا بحسك و في عز أبوهم إن شاء الله "..
أردفت بها "خضرا" بابتسامة باهتة، و هي تحاول السيطرة على عبراتها التي أغرقت وجنتيها، و استدارت على الفور تستعد للخروج..
" أستنى يا أبلة خضرا".. قالتها" سلسبيل " بصوتٍ مختنق بالبكاء، نظرت لها "خضرا " مرة ثانية، لتحسها" سلسبيل " على الأقتراب منها، و هي تمد لها الصغيران، تفاجأت من فعلتها هذه لكنها هرولت تجاهها بسعادة بالغة ظهرت على ملامحها الحزينة، و التقطت منها الصغيران معًا لصغر حجمهما تضمهما بلهفة لصدرها، و انفجرت بنوبة بكاء مرير حين قالت لها "سلسبيل" بابتسامة دافئة رغم الدموع العالقة بأهدابها..
"قولتيلي إن عبد الجبار فداكي بروحه و خد الرصاصة مكانك، و أنا واثقة إنك هتفدي ولاده بروحك و هيبقوا ولادك أنتي كمان زي ما فاطمة و حياة بعتبرهم بناتي"..
كانت "خضرا" تضم الصغيران و تقبلهما بحنان بالغ و هي تبكي بكاء يُبكي الحجر لعلمها أن صوتها سيصل لابنتيها، تعبر لهما ببكائها هذا عن مدى ندمها على خطأها في حقهما..
لتتوقف فجأة عن البكاء، و تنقلت بنظرها بين"سلسبيل " و الصغيران بأعين متسعة على آخرها و هي تقول..
" سلسبيل"..
بعدت الصغيران بضعة أنشات عن صدرها و تابعت بذهول..
"صدري حن.. صدري حن لهم يا خيتي"..
كانت تتابعهما "عفاف" بنظرات مشتعلة بالغضب، لكنها بقت صامتة إلى أن تفوهت "خضرا" بجملتها الأخيرة، فهرولت مسرعة تجاههم و قامت بأخذ الصغيران من "خضرا" مغمغمًا بلهجة حادة..
"مش هينفع يا مدام خضرا.. عبد الجبار بيه كان عارف إن ده هيحصل و ده اللي سلسبيل هتعمله و اللي انتي كمان هتعمليه عشان كده أكد عليا محدش ليه علاقة بالولاد غير أمهم و بس.. و قالي أبلغكم كل واحدة تخليها في نفسها و في عيالها و ملهاش دعوة بالتانية نهائي"..
"عيالي!! و هما فين عيالي؟! ".. غمغمت بها" خضرا " بغصة يملؤها الآسي، و هي تطلع نحو بناتها المختبئتان منها داخل حضن" صفا "، شعرت أنها منبوذة من الجميع، و أولهم أبو بناتها الذي لم يطلب رؤيتها حتى الآن..
" أنتي عملتي الواجب و باركتي لسلسبيل تقدري تتفضلي دلوقتي من غير مطرود"..
قالتها" عفاف" و هي تضع الصغيران من يدها داخل حضن والدتهما التي تطلع لها مشدوهة من طريقة حديثها الجديدة مع "خضرا"، لتزفر "عفاف" بضيق مرددة..
"دي أوامر عبد الجبار بيه مش كلامي أنا يا سلسبيل"..
تنقلت" خضرا "بعينيها بين الجميع، و من ثم غادرت بصمت دون التفوه بكلمة واحدة، لم تغادر الغرفة فقط، بل غادرت المستشفى بأكملها عائدة للصعيد مسقط رأسها.
.. نهاية الفلاش باااااااااااك..
فاقت "سلسبيل" من شرودها على صوت" عفاف" تتحدث بحنو قائلة..
" متشغليش بالك بغيرك يا سلسبيل.. اعملى زي ما جوزك قالك فكري في نفسك و في ولادك دول أهم حاجة عندك دلوقتي.. و يله يا بنتي البسي عشان الوقت بيجري و أنتي لسه هتروحي المنصورة و ترجعي"..
تحركت "سلسبيل" من مكانها على مضض، اقتربت من" عفاف" و قبلت صغارها مرات متتالية مدمدمة بحيرة..
" مش هاين عليا أسيبكم هنا.. عايزة اخدكم معايا و نرجع سوا"..
قالت" عفاف" بتعقل..
"المشوار هيبقي طويل على الولاد.. أنا هقعد بيهم هنا أفضل على ما تروحي أنتي و ترجعي"..
بدأت" سلسبيل" تبدل ثيابها خلف الزجاج العاتم لغرفة الملابس الخاصة بها مردفة بغصة مريرة..
" عارفة يا دادة أنا كنت بقول لنفسي لو رجع بيا الزمن مكنتش وافقت أبدًا أكون زوجة تانية.. و رغم أن جوازي من عبد الجبار كان هو الوسيلة الوحيدة اللي هتنجيني من أبويا إلا أني لو كنت استنيت شوية كنت قابلت جابر و ساعتها يمكن مكنتش اتجوزت عبد الجبار ولا كل اللي عشته ده حصل"..
ردت عليها " عفاف " بثقة قائلة.. " حتى لو كنتي قابلتي جابر قبل ما تتجوزي عبد الجبار مكنتيش هتتجوزيه يا سلسبيل "..
خرجت" سلسبيل " مرتدية فستانها الأكثر من رائع،و نظرت لها بابتسامة خجولة مردفة..
" ليه بتقولي كده؟ "..
" عشان أنتي وقعتي في حب عبد الجبار و قلبك اتعلق بيه و اختاره هو و الحب ملوش كبير و لا على القلب سلطان "..
" عندك حق يا ماما.. أنا مش بس حبيت عبد الجبار.. أنا عشقته و أختارته هو يبقي أبو ولادي لأنه في عيني أعظم أب و زوج في الدنيا"..
........................ لا إله إلا الله..........
"عبد الجبار "..
يقف أمام" خضرا " مصدومًا من هيئتها التي تغيرت للنقيض تمامًا، فقدت الكثير من الوزن في وقتٍ قياسي و هذا إن دل على شيء فيدل على شدة حزنها الذي يظهر بوضوح على ملامح وجهها المنطفئة،
تطلع له بأعين جاحظة، نظراتها زائغة وقد ظنت أنها تتوهم وجوده كعادتها، كانت ملامحه في بادئ الأمر جامدة، لكن داهمته ذكريات لن ينكر جمالها له معاها اهمهم بناته فلذات أكباده أجبرته على الإبتسامة وهو يقول..
"كيفك يا خضرا؟!"..
لم ترد عليه، بل قطعت المسافة بينه و بينها بخطوات متثاقلة حتى توقفت أمامه مباشرةً و رفعت يدها وضعت كفها على صدره بمكان تلك الطلقة التي أصابته تتأكد من وجوده..
تتحسس صدره بأصابعها، صعودًا للحيته، و وجهه مرددة بأنفاس متقطعة..
"عبد الچبار .. أنت أهنة صُح يا أخوي.. ولا أني بحلم بيك زي عوايدي"..
وضع راحة يده على يدها و هو يقول بصوته الأجش..
"لا يا خضرا.. مبتحلميش.. أني أهنة.. چاي لاچل ما أخدك و نعاود لدارنا "..
"يعني قلبك صفي من ناحيتي و سامحتني يا عبد الچبار".. قالتها ببكاء و هي تستجديه بعينيها أن يضمها لصدره..
تنهد" عبد الجبار " و هو يجيبها..
"لازم أسامحك يا أم فاطمة.. لأن الغلط طايل الكل و أني أولكم "..
حركت رأسها بالنفي و هي تقول..
" لا لا يا أخوي أنت مغلطش أنت عملت شرع ربنا.. اتچوزت على سنة الله ورسوله.. و كنت شاري خاطري و زعلي و بتعمل المستحيل لاچل ما ترضيني بس أني الغيرة عمتني عن كل ده و سودت قلبي..و بعد كل اللي حُصل مني چتلي لحد عندي اهنه لاچل ما تردني و تطيب خاطري اللي عمرك ما كسرته..
حقك عليا يا راچلي.. متزعلش مني أحب على يدك"..
قالتها و هي ترتمي على صدره و تجهش في نوبة بكاء حاد، ضمها هو له و ربت على ظهرها بكف يده مغمغمًا بفرحة ..
"متبكيش عاد أمُال.. و افرحي وياي ب فاطمة بنتنا اللي بقت عروسة "..
توقفت عن البكاء على الفور، و رفعت رأسها نظرت له بأعين يغرقها الدمع و ابتسامة تزين شفتيها المرتعشة مرددة بدهشة..
"وه.. فاطمة بتي بقت عروسة..قصدك أنها چاتها؟!"..
حرك رأسه لها بالإيجاب و هو يقول..
" و مريداش حد واصل غيرك أنتي.. مافيش على لسانها غير رايده أمي"..
"عشان أكده أنت چيت تاخدني؟!"..
مسح دموعها بأنامله و هو يقول..
"و ده سبب هين يا أم فاطمة.. بناتي أهم حاچة عندي.. أهم حتى من نفسي و من روحي و لخاطر هم و راحتهم أعمل كل حاچة و أي حاچة و لا أيه يا أم فاطمة"..
" عندك حق يا خوي.. قولك دايمًا بيبقي صُح يا عبد الچبار "..
أبتسم لها و هو يقول..
"طيب همي قوام خلينا نلحق معاد الطيارة "..
رفعت حاجبيها بتعجب مرددة بتساؤل..
" أول نوبة نسافر بالطيارة؟! "..
" عندي مشوار مهم مع سلسبيل مَراتي مينفعش اتأخر عنه"..
هكذا اجابها يؤكد لها أن" سلسبيل " مازالت زوجته مثلها و ستظل للأبد..
أبتسمت هي تلك المرة له و قد عادت ملامحها الحنونة لطبيعتها أخيرًا مردفة بتفهم..
"و ماله يا خوي..ربنا ميحرمناش منك واصل"..
.............................. سبحان الله وبحمده........
.. داخل إحدي أفخم قاعات الأفراح بمحافظة المنصورة، يُقام فرح أسطوري ل "صفا" صاحبة القدم الصناعية التي عاشت أصعب شعور ممكن أن تحياها فتاه في عمرها الذي لم يتجاوز العشرون عام،
ليحين وقت الجبر و يرزقها الله برجل بكل ما تحمل الكلمة من معنى يعوضها عن كل ما مرت به في حياتها، يحتويها بين ذراعيه و يرقص بها رقصتهم الأولى على أنغام موسيقى هادئة تعزف على أوتار قلوب جميع الحضور الذين يتابعونهما بأعين هائمة،
"مبروك يا صفا.. مبروك يا أحلى عروسة شافتها عنيا"..
همس بها "جابر" داخل أذنها و هو يميل على وجنتيها و يخطف قبلة عميقة أشعلت حمرة الخجل بوجهها..
"الله يبارك لي فيك يا جابر".. همست بها بستحياء و هي تطلع لعينيه بعينيها الفاتنة التي جعلت نبضات قلبه تتسارع تؤكد له أن ما كان يشعر به قبل سابق ما إلا وهم بأسم الحب، أما تلك الصفا قد علمته معنى الحب الحقيقي..
حملها "جابر" حتى لم تعد قدميها تلمس الأرض و بقي يرقص بها بفرحة غامرة تُشع من اعينهما، بينما "سلسبيل" الجالسة بجوار جدها شاردة الذهن لا تُفكر في أي شيء سوي زوجها،
رباه!!! لقد اشتاقت له حد الجنون، يرتجف قلبها بقوة كلما داهمتها إحدي لحظاتها الحميمية معه،
اغمضت عينيها ببطء محدثة نفسها بقلبٍ ملتاع ..
" واحشتني أوي يا عبد الجبار.. واحشتني يا أبو سند"..
داعبت رائحة عطره انفها، أرغمتها على فتح عينيها، و بدأت تبحث عنه بلهفة بين الحضور..
ظلت تدور بعينيها حتى أخيرًا لمحته يقترب نحوها،
و ها قد أشرقت شمس حياتي من جديد حين رأيته يقف هنا أمامي على قدميه بطوله المُهيب، و هيئته التي تخطف قلبي و أنفاسي، يتطلع إلى بنظراته المُتيمة التي تُذيب عظامي، هامسًا أسمى بنبرة صوته المُدمرة..
"سلسبيل.. أتوحشتك يا بت جلبي"..
الأمر تخطي كَونه حُب، أنا أصبحت أتنفسه لذا أنا على قيد الحياة.
كان يرتدي البدلة و ربطة العنق التي جهزتها له، مد يده لها، فوضعت يدها الصغيرة داخل راحة يده، فأغلق عليها كفه الضخم حينها تزلزل قلبهما معًا، سحبها عليه بمنتهي الرفق فنهضت من مقعدها و وقفت أمامه على قدميها المرتعشة، مال عليها و طبع قبلة مطّولة على جبهتها،و من ثم سحبها خلفه و سار تجاه العروسين..
"ألف مبروك يا اچدع عريس".. قالها "عبد الجبار" و هو يحتضن "جابر"، بينما "سلسبيل" احتضنت "صفا" مردفة بابتسامة دافئة..
"مبروك يا صفا.. ألف مبروك يا حبيبتي.. ربنا يسعدك أنتي وجابر في حياتكم"..
نظرت ل "جابر" و تابعت..
"مبروك يا جابر.. مبروك يا أخويا"..
أبتسم لها" جابر " و تحدث و هو يضم زوجته لحضنه مرة أخرى..
"الله يبارك فيكي يا حبيبة أخوكى"..
غمز ل" عبد الجبار" و همس بإذنه قائلاً..
" ما تشاركنا في الرقص يا أبو جبر و لا أنت متعرفش ترقص إلا بالنبوت"..
رمقه" عبد الجبار" بنظرة مصطنعة الغضب و جذب زوجته عليه حاوط خصرها و بدأ يرقص بها و هو يقول..
"إسمه الضرب بالنبوت، هعلمك أني كيف ضرب النبوت الصُح يا ابن البندر"..
كانت "سلسبيل" مذهولة من فعلته هذه، حقاً هو يرقص معاها تلك الرقصة التي كانت حلم من أحلامها ظنت أنه لن يتحقق!..
حاوطت عنقه بدلال، و عينيها تتأمل مظهره بإعجاب شديد مدمدمة بغنچ..
"مين اللي لبسك البدلة الحلوة بزيادة دي "..
عينيه كانت تتفرس ملامحها، نظرته لها تصرخ بمدى شوقه و عشقه لها، يتنقل بعينيه بين عينيها و شفتيها بمنتهي اللهفة هامسًا داخل أذنها بأنفاسه الحارة التي تُذيبها كليًا ..
"أني اللي لبستها لحالي.. بس أنتي اللي هتقلعهالي"..
قالها و هو يضغط على خصرها بأصابعه بعنف محبب جعل قلبها ينتفض بين ضلوعها بجنون، توهجت وجنتيها بحمرة قانية حين تفهمت مقصده و ما ينوي على فعله الليله معاها..
ليصدح صوت المزمار عاليًا جعله يبتعد عنها على مضض حين رأي "جابر" يقترب منه حامل بيديه نبوتين و ألقى له أحدهما فلتقطه بمهارة..
تراجع الجميع تاركين لهما مساحة كافيه ليتمكنا من الرقص على أنغام المزمار الصعيدي الشهير..
بينما وقفت "سلسبيل" بجوار العروسة "صفا" يصفقان بحرارة و تشجيع و فرحة غامرة تغلف قلوبهم..
وفي ظل كل ما يحدث كانت أعين "عبد الجبار" ترمق زوجته بنظراته العاشقة محدثًا نفسه بجمله استماعتها هي بقلبها..
"الآن أدركت أنني كنت دائمًا جبرًا لقلب خضرا بينما سلسبيل جاءت لتكون جبرًا لقلبي"..
تمت بحمد الله..
#جبر السلسبيل..
بقلمي ✍️نسمة مالك..
حلقة خاصة..
جبر السلسبيل..
✍️نسمة مالك✍️..
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
ليلة من ليالي الشتاء الباردة، على أنغام موسيقى عمر خيرت جلست "سلسبيل" على مقعدها المترنجح أمام نافذة غرفتها المُطلة على مياه بحر الإسكندرية مباشرةً، ملتفة بجلباب زوجها "عبد الجبار" تستمد منه الدفء، غالقة عينيها تتخيل وجودها بين حنايا صدره، حاملة بيدها الكوب الخاص به ترتشف منه قهوتها الساخنة،
صوت نزول قطرات المطر على الزجاج جعلها تفتح عينيها التي تضوي ببريق الإشتياق، غائب عنها منذ أسبوع كامل لانشغاله الشديد بعمله الشاق، تركها تتقلب على جمرات شوقها له، غيابه عنها يؤلم قلبها ألم مبرح كاد أن يكسر عظام صدرها من قوته..
كل ليلة تتهيئ له بأبهي هيئتها و تجلس تنتظر مجيئه حتى يغلبها النعاس فتغرق في نومًا مُتعب..
تثق أنه مهما طال غيابه عنها سيأتي إليها راكضًا، لذا تبقي
عينيها مُعلَّقة بين باب غرفتها المفتوحة تنتظر طلته عليها التى تُعيد لها أنفاسها، و بين هاتفها المحمول في إنتظار طيف المحبوب أو رائحته، أو حتى رسالة منه بـ عبارات عشقه لها تشعر بها أنها على البال رغم مشاغله التي لا تعد و لا تحصى..
تهللت أساريرها و أبتسمت باتساع حين حقق لها ما كانت تتمناه بوصول رسالة منه، فأسرعت بفتحها و قرأتها بلهفة..
"أتوحشتك قوي قوي يا سلسبيل يا حبة جلبي"..
أنهت قرأتها و ضمت الهاتف لحضنها متمتمة بصوتٍ تحشرج بالبكاء..
"أنت اللي واحشتني و هتجنن عليك يا عبد الجبار"..
ليصدح صوت رنين الهاتف بنغمته المخصصة، أخذت نفس عميق قبل أن تُجيب عليه بنبرة صوتها الناعم المبحوح قائلة..
"أيوه حبيبي"..
أطلق تنهيدة حارة وصلت صداها لقلبها أشعل حواسها كلها دفعة واحدة تجاهه..
"أنتي اللي حبيبتي.. أنتي يا سلسبيل الجلب"..
" لسه مخلصتش شغلك؟!"..
همست بها بنبرة تخصه بها وحده لا تحدث أحد في الكون كله بها إلا هو، تخبره من خلالها أنها تريده و تشتهي قربه..
" الليلة عندي حفلة توقيع شراكة چديدة هخلصها بعون المولى و هچي ليك طوالي"..
رفعت إحدي حاجبيها و هي تقول بتسأل.." و هتبقي فين الحفلة دي؟! "..
انبلجت إبتسامة على محياة الوسيمة حين تفهم مخزي سؤالها..
"في الفندق اطمني "..
أردفت بعتاب قائلة..
"ليه مجتش تعملها عندي هنا يا عبد الجبار! "..
ساد الصمت للحظات قبل أن يجيبها بكل ما يملك من لين..
" الشغل عندي هنا ياما من وقت ما رچعت لدرچة أني ببات في الفندق الچديد و مروحتش من ليلتها"..
" العربية جاهزة يا عبد الجبار باشا"..
كان هذا صوت إحدي رجال حراسته الخاصة..
"طيب أنا هقفل و شوف أنت شغلك.. مش هعطلك أكتر من كده"..
رد عليها بنبرة يملؤها الشغف قائلاً ..
" متنميش.. هكلمك تاني "..
" و أنا هستناك"..
قالتها و أغلقت الهاتف، و من ثم نهضت من مقعدها و ركضت مسرعة نحو غرفة ثيابها و قد خطرت لها فكرة مجنونة و قررت تنفيذها مهما كانت عواقبها
بعدما أدركت أن قلبها قد أتعب جسدها والشوق هزم عقلها..
سحبت درج صغير و أخرجت شيئًا كانت تخفيه عن أعين زوجها، شيئًا كانت تعده لمفاجئته به و قد حان الوقت الآن..
نظرت لانعكاس صورتها في المرآة و هي تضع الهاتف على أذنها بعدما طلبت إحدي الأرقام ليأتيها الرد على الفور..
"أؤمري يا ست هانم"..
"جهز العربية يا عم راضي".. صمتت لوهلة و أبتسمت بخبث مكملة.. "هنحضر حفلة في مصر"..
مّر أكثر من ساعتين حتى توقفت سيارة "سلسبيل" أمام مدخل فندق زوجها، هرول إحدي الحرس فور رؤيته لسيارتها و فتح الباب لها لتهبط هي بزيها الشرعي الكامل، إدناء يخفي كامل جسدها، نقاب زادها وقار، و عفة و جمال فاق الحدود..
سارت بخطي هادئة للداخل متجهه نحو مكان الحفل، و عينيها الظاهرة من أسفل نقابها تبحث عن زوجها حتى لمحته يقف بطوله المُهيب حوله مجموعة من أكبر رجال الأعمال و السلطة..
وقفت تتابعه من بعيد بابتسامة حالمة من أسفل نقابها ، كان منهمك في الحديث معاهم لكنه توقف فجأة حين شعر بوجودها حوله، دار بعينيه المتلهفة يبحث عنها بقلب ينتفض بين ضلوعه..
وقعت عينيه على تلك المختلفة عن جميع الحضور، هيئتها لفتت أنظار الجميع بلا استثناء تجاهها، تعرف عليها من الوهلة الأولى، لن و لم يخطأ تلك العيون أبدًا..
خفق قلبه بجنون من شدة فرحته حين تأكد انها هي زوجته "سلسبيل" التي ارتدت النقاب و حققت له أمنيته..
اندفع نحوها بخطي مهرولة و عينيه تتفحصها بنظرات لا تخلو من الإعجاب و الاندهاش معًا..
"سلسبيل!!"..
قالها قبل أن يقبض على يدها بكف يده بعدما حركت رأسها له بالايجاب..
"عرفتني يا أبو سند"..
قالتها بسعادة تُشع من عينيها، لم يرد على جملتها هذه، اكتفي بالنظر لها فقط، في حضور عينيها تتلاشى الوجوه، أصبح لا يبصر سواها، بلغ حُبه لها القمة،
شوقه لها يتألق في سماء عيونه العاشقة، تُعاد الطاقة إلى عروقه والنور إلى وجهه، أصبحت كلمات العشق تفتُر أمام دفئ الأيادي المتشابكة..
يبقي طول فترة غيابها آلة لا شعور له مع غيرها، لا يرى من الإناث إناثًا إلا هي، الصمت بينهما يتحوَّل إلى لغة، تتفاقم الأعين قبل الكلمات، تفصح نفسه عن مكنونات شعوره المُخبى عن جميع الخلق دونها..
شهقت بخفوت حين سحبها و غادر الحفل تاركًا كل شيء خلفه لأجلها، اتجه نحو جناحه الخاص دون التفوه بكلمة واحدة..
"عبد الجبار رايح فين و سايب ضيوفك.. استني بس يا حبيبي"..
دفعها بمنتهي الرفق لداخل الجناح، و أغلق الباب خلفه، فور دخولهما صاح الصغيران "جبر، سند" بفرحة غامرة و ركضا نحو حضنه مهللين بصوتهما الجميل..
"أبوي"..
جثي على ركبتيه و التقطهما داخل أحضانه بحب شديد..
" حبايب جلب أبوكم "..
كان يضمهما و عينيه مثبته على معشوقة قلبه التي رفعت نقابها ليظهر وجهها الذي يفتنه و يفقده صوابه..
"وحشتنا يا أبو سند قولت أجيب الولاد و نيجي نشوفك إحنا"..
غمزت له بعينيها قبل أن تخلع حجابها و تفك عقدة شعرها لينسدل كالشلال على ظهرها بهيئة خطفت أنفاسه..
"حرمنا منك ليه يا عبد الجبار.. بتشوف غلاوتك عندنا؟"..
ترك صغاره للدادة الخاصة بهما، التي سارت بهما نحو غرفتهم الأخرى داخل الجناح، و انتصب واقفًا أمامها مباشرةً، خطفها من خصرها لصقها به، حاصرها بذراعيه و مال برأسه مستند على جبهتها بجبهته و همس لها بأنفاس ساخنة لاهثة و قد فاض شوقه لها حدود صبره..
"جيتي برجلك لحد عندي.. ما ههملكيش واصل لحد ما نتوكد إننا هنخاوي الولد الصغار"..
حاوطت عنقه و جذبته عليها أكثر من ياقة قميصه حتي تلامست انفهما، و همست بخجل و هي تفك أزرار قميصه واحد تلو الأخر بينما هو يخلع ادنائها بمنتهي اللهفة قائلة..
"و أنا ملك إيدك يا أبو جبر.. يا جبر السلسبيل"..
انتهي الفصل..
واستغفروا لعلها ساعة استجابة..
الرواية كامله اضغط هناااااااا
تعليقات
إرسال تعليق