رواية وغابت شمسها الفصل 16-17-18-19-20الاخير بقلم مايسة ريان (جميع الفصول كامله)
رواية وغابت شمسها الفصل 16-17-18-19-20الاخير بقلم مايسة ريان (جميع الفصول كامله)
الفصل السادس عشر
من رواية .. وغابت شمسها
- للأسف .. لم يثبت الحمل وتم الأجهاض .
أقترب منها والدها وعلى وجهه حزن شديد .. طوقها بذراعيه بحنان وهي تنزل عن سرير الكشف
قال الطبيب
- مازلت صغيره وليس لديك موانع تجعل الحمل مستحيلا مستقبلا .. صحتك كانت ضعيفة جدا لذلك ستستمرين على المقويات التى كتبتها لك من قبل حتى اذا ما حدث حمل آخر تكوني مستعدة له جيدا .
أبتسم لها الطبيب مشجعا فعجزت عن رد ابتسامته وهي تفكر بأنه لن يكون هناك مرة أخرى فقد أنتهى كل شئ .. فقدت طفلها .. وهو السبب .. ونظرت بحقد الى صالح الذي وقف بملامح جامده ينظر الى الفراغ .. لقد أصر على المجئ معها ليطمأن أنها لا تخدعه وأنها لا تدعي الحمل والأن أطمأن أنها لم تخدعه وأطمأن أكثر لأنها فقدت جنينها ولم يعد هناك ما يجبره على البقاء معها بعد الأن .
****
ذهبت الى غرفتها مباشرة
لا تريد مواجهة أحد ولا تريد رؤية شماتتهم فى موت طفلها .. الوحيد الذى تثق بحزنه هو والدها .
وجدت صالح فى اثرها .. أرادت أن تصرخ به أن يتركها وحدها .. تجاهلته ودلفت الى غرفة ملابسها وأخرجت ملابس نظيفة ومنها توجهت الى الحمام وهو يقف فى منتصف الغرفة يتابعها بنظراته صامتا حتى أغلقت باب الحمام بحزم فى وجهه ثم أنفجرت بالبكاء الذى كبتته بداخلها طوال الطريق .. وتعالى صوت نشيجها .
فتح باب الحمام ودخل صالح وعلى الفور أحتواها بين ذراعيه برقة ولم تكن تقوى على المقاومة فاستسلمت وظلت تبكي على صدره حتى جفت عيناها من الدموع .. ساعدها صالح على خلع ملابسها وملأ لها حوض الأستحمام وظل معها حتى غاصت به وقبل أن يخرج أنحنى وقبل رأسها وقال بصوت مخنوق
- اذا أحتجتني فأنا بالخارج .
خرجت من الحمام ووجدته ينتظرها .. عاصفة بكاءها كانت قد أنتهت وتركت خواءا عاطفيا بداخلها ومهما فعل ومهما يحدث لن تتأثر بشئ .. فما كان حلما وما كان أملا فكلاهما ضاعا مع ما فقدته .
- هل أنت بخير ؟
غلى صدرها .. كم كرهت هذا السؤال الذى يبدو أنه لا يعرف غيره لكي يبدأ به أي حوار معها
قالت ببرود
- أريد أن أنام .
- طلبت من أم عبيد أن تحضر لك كوب من اليانسون .
استدارت ونظرت اليه ببرود وقالت
- لا أريد شكرا .
سارت الى الفراش وانزلقت تحت الغطاء وأغلقت عيناها بحزم وظلت ترهف السمع وبعد دقائق وجدتها طويلة تحرك صالح أخيرا وترك الغرفة .
وهو يساعدها على خلع ملابسها ومن قبلها وهو يضمها بين ذراعيه لم تشعر بشئ تجاهه .. فيما مضى كان مجرد نظرة أو لمسة منه تشعل رغبتها وحاجتها اليه فتساءلت .. البرود الذى صارت تحس به تجاهه ما معناه ؟
****
راحت تتنقل بين قنوات التلفاز بلا هدف
جاءت نهال للأطمئنان عليها وعاملتها كما عاملت صالح .. ببرود وتجاهل
سألتها برقة
- مرام .. هل ترغبين فى الكلام عما حدث .. أعرف أن فقدان أول طفل لك شئ مؤلم و..
قاطعتها مرام
- وكيف لك أن تعرفي شيئا كهذا ؟
بهت وجه المرأة ولكنها تغاضت
- معك حق .. فأنا لم يسبق لي الحمل وبالطبع لا أستطيع أن أشعر بما تشعرين به ولكن ..
قاطعتها للمرة الثانية
- ولكنى أعرف شعورك جيدا .. أنت سعيدة بما حدث لي .
شهقت نهال
- أنا ؟ كيف أكون سعيدة بفقدان ابن أخي .
كان صوتها وكأنه ميتا لا حياة فيه
- لا تمثلي دور الطيبة معي .. أنت لم تحبيني أبدا ولم ترغبي فى أن يتزوجني صالح من الأساس وكنت تريدين أن يتزوج من رباب وكنت تشجعيه على تطليقي لتزوجيه لها .
أمتقع وجه نهال بشدة فقالت مرام بقسوة
- نعم .. لقد سمعتكما وأنتما تتحدثان واستغرب كيف لم يخبرك صالح بذلك .. أظن أنه كان يخشى على صحتك ومشاعرك المرهفة من التأثر ولكنه لم يخشى علي وتسبب فى فقداني لطفلي .. ولكن اطمئني سوف تتحقق أمنيتك قريبا فلم يعد هناك ما يربطني بصالح بعد اليوم .
ظلت نهال جالسه فى مكانها صامته وبلا حراك وعادت مرام الى برودها وتجاهلها وهي تقلب قنوات التلفاز بملل زائد . وقفت نهال أخيرا ببطئ وخرجت دون قول شئ وبعد أن سمعت الباب يغلق ألقت بجهاز التحكم من يدها .. لقد اتخذت قرارها ستهرب من هذا البيت وتبحث لها عن حياة جديدة حتى ولو كانت بين جدران السجن.
****
لم يجدها ..
جفت عروقه من الدماء .. أنها ليست بالبيت ولم يرها أي من العاملين فيه .. لقد هربت .
بدأ الحصاد وانشغل صالح فى بساتين الزيتون بين العمال .. يساعد بيديه ويحاول أن ينسى مآساته .. كان يرغب بشدة فى هذا الطفل ويأمل فى أن يكون السبب فى ربط مرام به طوال العمر .. خشى فى البداية من أن تكون غير راغبة به مثل أمها ولكنه رآى نظرة حنان فى عينيها عندما سألها عن الحمل ولكنه عاد يشك كالغبي عندما رفضت أخذه معها للطبيب وظن أنها عادت لألعيبها معه من جديد .
لا يستطيع أن ينسى ما شعر به وهو يقف فى عيادة الطبيب وهذا الأخير يعلن بأسف بأن الحمل لم يكتمل .. هزة عنيفة رجرجت كيانه .. كان الطفل نطفة صغيرة ولكنه كان حيا فى لحظة ما وبقلب ينبض وهو يكون ابنه وجاء شخص ليقول له انه لم يعد كذلك .. يعلن خبر وفاته بدم بارد ونظر حينها الى مرام ووجدها كما لو كانت قد فقدت حياتها معه .. رغب فى مواساتها ورغب أكثر فى أن تواسيه ولكنها بدت مبتعدة تلعق جرحها وحدها وعندما أنهارت وبكت بين ذراعيه بكى معها ولكنها لم ترى دموعه وظلت على بعدها .. فكر أن يتعامل معها بروية ويتركها تهدأ وتنصلح نفسيتها أولا ثم يتحدث اليها .. حديث جاد عن حياتهما .. يطلب منها أن تفتح معه صفحة جديدة شرط أن تكون صادقة معه وفى المقابل سيعطيها طفلا غيره .. بل أطفال ان كانت ترغب بأكثر من واحد .. ولكنها ذهبت .. هربت .
صاح فى وجه شقيقته وأم عبيد
- كيف لم يتفقدها أحدكم طوال اليوم ؟
ردت نهال
- منذ ما حدث وهي ترفض أن ترى أحد منا .
صرخ بغضب هادر
- فتتركوها طوال اليوم دون طعام وشراب .
ردت ام عبيد بخوف
- عندما كانت تريد شيئا كانت تذهب الى المطبخ بنفسها .
دلف أحمد الى حجرة الجلوس مزموم الوجه من القلق
- لم تذهب الى بيت خالها .. لقد أتصلت بمروان لتوي وأخبرني بأنه لم يراها ولم تتصل به .
سألت نهال
- وأين يمكن أن تكون قد ذهبت ؟
نظر أحمد الى صالح بنظرة أتهام وقال
- الى شقتها فى الأسكندرية بالطبع .. ليس لديها مكان آخر .
شحب وجه صالح أكثر وقال بصوت مخنوق
- مرام لم تعد تملك شقة الأسكندرية .
- ماذا تعني بأنها لم تعد تملكها .. هل باعتها ؟
ابتلع صالح ريقه بصعوبة
- لقد بعتها أنا وأخذت نقودها .
فعل ذلك بعد عودتهما من شهر العسل الكارثي .. أجبرها على عمل توكيل له لبيع الشقة ووافقت دون جدال .. كان فى ذلك الوقت يرغب فى معاقبتها بشتى الطرق .. نتف ريشها حتى لا تستطيع الطيران بعيدا عنه ويستطيع التحكم فى حياتها ولا يكون لها غيره تعتمد عليه .
حدق به أحمد بدهشة وهو لم يعد يفهم
- لماذا ؟ .. هذا ديني أنا لك .. لا ذنب لها فى أني أخذت المال منك .
تدخلت نهال تسأل
- عما تتحدثان .. أي شقة وأي مال ؟
لم تكن شقيقته تعلم شيئا عن المال الذى أختلسه زوجها ليعطيه لأبنته فنظر اليها
- فيما بعد يا نهال .
ولكن أحمد صاح به
- وعدتني أن تعتني بها .. هل تذكر ؟
نعم يذكر وكان يعني كل كلمه قالها وكان صادقا فى نواياه ولكن لا أحد يعلم شيئا مما حدث بعدها .. وما أكتشفه وما عاشه .
فكر بغضب .. لن يجعلها ترحل بتلك السهولة .. خدعته من جديد وذهبت .. الى أين ومع من ؟ بالتأكيد سوف تلقي بنفسها على رجل آخر ليلبي طلباتها فمن أين ستأتي بالمال لتعيش .. بركان غضب وغيرة نحوا الخوف والقلق عليها بعيدا وصاح بغضب هادر
- سأبحث عنها وأجدها .. وأعيدها الى هنا رغما عنها ثم أجعلها تدفع ثمن فعلتها وفضحها لي أمام الناس .
جذبه أحمد من ذراعه
- أنا من سيبحث عنها ويجدها ولن أعطيها لك مرة أخرى .. كنت أعمى .. كنت أرى حزنك وغفلت عن رؤية عذابها معك .. لا شأن لك بأبنتي بعد الأن .
لم تكن أعصابه تتحمل اللوم فيكفيه لومه لنفسه
- الأن أصبحت أبنتك .. أين كنت طوال حياتها .. لماذا تركتها وأنكرت وجودها .
- معك حق .. وقد كنت مخطئا .. ولكني لن أتركها الأن وسأقوم بتصحيح خطأي ولو كنت متأخرا .
ثم نظر الى نهال التى حدقت فى عيناه للحظات ثم قالت بهدؤ وتفهم
- نعم أذهب .. أبنتك بحاجة اليك أكثر مني .
خرج أحمد بسرعة وهم صالح باللحاق به فمنعته نهال بأن أمسكت ذراعه
فنظر اليها بحدة
- أتركها .. أتركها تذهب الى حال سبيلها يا حبيبي .. أتركها وعد صالحا كما كنت .
غامت عيناه بالعذاب وشعر بصدره يتمزق .. كيف سيعود كما كان .. لقد هربت ومعها روحه وقلبه .. فهل من دونهما يستطيع أن يعيش ؟
****
عاد أحمد الى البيت بعد ثلاثة أيام من البحث يساعده مروان فيه وقد فشلا فى العثور عليها حتى أنه تجرأ وتحدث الى أمها يسألها عنها .
راقبت نهال حزنه وقلقه وتألم قلبها من أجله .. العاطفة التى ظل يحبسها فى قلبه سنوات تجاه أبنته خرجت وشعت فجأة عندما أصبحت جزء من حياته .. حيث أقترب منها وتعرف عليها .. رأى حسناتها وسيئاتها وحاجتها الأكبر الى حضنه وحمايته .
ربتت نهال على كتفه وكانا فى حجرة نومهما .. نظر اليها وفهم نظرتها
- أنا أب سئ .. سئ جدا .. لا أستحقها .. منحني الله نعمة ورفضتها .. لو كنت أخذتها عندما كانت طفلة وربيتها على يدي لأختلفت حياتي وحياتها .
هزت نهال رأسها وابتسمت له بحزن
- كنت ربيتها أنت يا نهال وأصبحت أبنتك كذلك .
عضت على شفتها بقوة ولمعت عيناها بالدموع .. أن يكون لها أبنة جميلة كمرام تهتم بها وتعلمها الصواب والخطأ .. تثقل أخلاقها وتبثها حبها وحنانها كما فعلت مع صالح لكان شيئا رائعا أن تحصل عليه ولكان صالح يعيش معها فى سعادة الأن دون مشاكل .
- نعم .. ليتك أخذتها ولكنت أهتممت بها أنا .
تهدلت كتفاه بحزن
- ولكن أين هي ؟ أشعر بأنها لن تظهر مرة أخرى .
ثم استدار وذهب الى الفراش
- أنا متعب .. لم أنم جيدا خلال الأيام الماضية .
****
من المؤكد عودتها الى الأسكندرية ..
لقد رصدتها احدى كاميرات المراقبة بالقرب من أحد المولات وبعد ذلك لا شئ
حاول صالح تقفي أثر أصدقاءها ولكن أحدهم وأهمهم فى السجن وميمي ليست فى بيتها وقد سافرت لأبويها فى الخليج وآخر يدعى سامح سافر بعثة الى أمريكا وصديقتين أخرتين بعد مراقبة هواتفهم وتحركاتهم خلال أسبوع لم يسفر عن شئ فعاد الى البيت بدوره بخفي حنين .. ولكن جلال ذلك الضابط الذي قابله فى الكمين على الطريق وعده بأنه سيضع أسمها على قاعدة بيانات المطلوبين وبمجرد أن يظهر أسمها سيتتبعها وسيخبره على الفور .
عاد الى غرفة نومه .. لقد تركت كل شئ ولم تأخذ شيئا معها مما أشتراه لها .. بالطبع حتى لا تلفت النظر الى رحيلها ..
نام على الفراش يتقلب بين الشوق والقلق .. يمسك الخوف بخناقه .. ماذا لو لم يجدها أبدا ؟ كان أكثر ما يريده الأن أن يطمأن الى أنها بخير وأي شئ آخر يستطيع أن يتعامل معه فى حينه .
****
الفصل السابع عشر
عاد الشتاء وانتصف ..
وعادت الشمس تغرب مبكرا .. تبخل بنورها ودفئها .. تحتضن مياه البحر بروعة ألوانها .
ظلت مرام جالسة فوق الصخور ساكنة .. تستمتع برؤية غروب الشمس الذى أصبح لها مثل العشق .. عندما تنتهي من عملها تأتي للجلوس هنا ثم تعود الى البيت بعد أن يحل الظلام .
وقفت حاملة حقيبتها على كتفها وخطت فوق الصخور ومنها الى ممشى الكورنيش .. المسافة الى البيت من هنا كانت طويلة ولكنها تفضل أن تتمشى .. فساعة من المشي ترهق عضلات جسدها وتقلل من تركيز عقلها حتى اذا ما جاء موعد نومها تسقط فيه على الفور دون لحظة تفكير فقد عانت لأيام طويلة من الأرق ...
بعد أن هربت من بيت المزرعة ومن حياتها البائسة منذ شهرين والنصف تقريبا وعادت الى الأسكندرية , لم تذهب الى بيت خالها فقد كانت تتوقع أن يبحث عنها صالح هناك نظرا لأنه قريبها الوحيد وأمها بالطبع لم تكن بالحسبان .. في الأول أتصلت بصديقتها ميمي وكان هاتفها مغلق فذهبت الى بيتها وأخبرها الحارس أنها سافرت وشقيقتها مع والديهما .. وشعرت للحظات بالضياع فهي لا تملك مالا ولا مكان تذهب اليه حتى خطرت على بالها .. انسانة تعرفها معرفة سطحيه ولكنها قد تكون الشخص المناسب حتى تجد لنفسها عملا وبيتا .
أستقبلتها مها والدة شرين زوجة خالها بترحاب شديد وقد أخفت دهشتها جيدا لرؤيتها تقف أمام باب شقتها وهي بحالة مزرية وقالت لها بحبور
- مرام .. ما هذه المفاجأة الحلوة .. أدخلي .
دلفت مرام الى الشقة .. كانت تعلم أن والدة شرين أرملة منذ سنوات طويلة وتعيش وحدها بعد زواج أبنتها الوحيدة .. لم تصطدم يوما معها وكانت دائما تعاملها بكياسة وتهذيب وكانت مرام تكن لها شئ من الأحترام من أجل ذلك لهذا عندما كانت تبحث فى ذاكرتها عمن تلجأ اليه قفزت صورة هذه السيدة الى ذهنها وكانت تتذكر موقع منزلها جيدا فذهبت اليها بدون تردد .
لم تسألها مها عن ما بها ودون أن تطلب أخذتها الى غرفة شيرين القديمة وقدمت لها ملابس نظيفة وأعدت لها الطعام وعندما حان موعد النوم طلبت منها مرام قائلة
- هل من الممكن أن لا تخبري أحد بأنني هنا .. حتى خالي وشيرين .
هزت مها رأسها موافقة
- بالطبع حبيبتي كما تشائين .
وطوال أسبوع كامل لم تطرح عليها المرأة أي سؤال .. وكانت تذهب كل يوم الى عملها فى المدرسة الثانوية التى تعمل بها معلمة فلسفة وتعود لتجد مرام قد نظفت البيت وحضرت الطعام لكليهما .. ولكن مرام كانت تعرف أنها لا يمكن أن تبقى على هذا الوضع طويلا .. تتطفل على حياة انسانه غريبة لا ذنب لها كي تتحمل أستضافتها واعالتها فى السكن والمعيشة .
وكانتا تتناولان العشاء بعد أن مر أسبوع عندما قالت مرام
- شكرا لأنك أستضفتني عندك كل هذا الوقت .. سأنزل غدا لأبحث عن عمل وأجد شقة ايجار لأقيم بها .
نظرت اليها مها بهدؤ
- هل مللت مني ؟
نظرت اليها مرام بدهشة وقالت
- بالطبع لا .. ولكن يجب أن تكوني أنت من مل مني .
قالت مبتسمة
- على الأطلاق .. بعد زواج شيرين صرت أشعر بوحدة قاتلة .. عملي جيد ويلهيني ولكن الليالي طويلة وقد أشتقت لصوت آخر معي بالبيت .
- ولكنك تزورين خالي وشرين أحيانا أليس كذلك ؟
- بلى صحيح .. ولكني بطبعي أشعر بالحرج .. لا أحب التطفل على حياة أبنتي وزوجها كثيرا .
سألتها مرام
- ومتى ستلد شيرين ؟
- أقتربت كثيرا .. أنت لم تريها .. أصبحت تشبه جوال البطاطس على رأي مروان .
ثم ضحكت فابتسمت مرام .. كانت ستصبح مثلها يوما ما اذا ما أكتمل حملها
أخرجتها المرأة من تفكيرها وهي تقول
- ما رأيك أن تبقي معي حتى تستقر أمورك ؟ .. أبحثي عن عمل ليشغل وقتك اذا أردت ولكن لا داعي لكي تبحثي عن مكان تعيشين فيه أعتبري أنك قد أجرت تلك الغرفة مني ولكن بدون مقابل مادي يكفي أن تكوني ونس لي فى وحدتي .
ابتسمت لها مرام بأمتنان وسألتها بعد مرور وقت من الصمت
- أنت لم تسأليني عن شئ حتى الأن .. ولا تعرفين سبب وجودي عندك ولا السبب الذى يجعلني أخفي وجودي عندك عن خالي .
قالت المرأة بهدؤ
- أعلم أنك هربت من بيت زوجك ولكني لا أعرف السبب بالطبع .. وأعلم أن زوجك ووالدك يبحثان عنك كالمجانين وقد أثرت قلقهم جميعا بأختفاءك بما فيهم خالك ... فأنا أزور أبنتي كما تعلمين .
أحمر وجه مرام .. بالطبع كانت ستعرف ان لم يكن منها سيكون من أبنتها ولكن فكرة أن يكون أحد قلق عليها كانت مضحكة .. والدها ربما بعد أن بدأ يشعر تجاهها ببعض العاطفة والمسؤولية ولكنها لن تخاطر بالأتصال به حتى لا يعرف صالح بمكانها .. أما خالها مروان لا يقلق عليها فى العادة فهو يراها قوية ومستقلة وقادرة على النجاة وحدها وكانت لتوافقه الرأي لولا ما تعرضت له خلال الشهور القليلة الماضية لتكتشف أنها هشة جدا وضعيفة من الداخل .
- لم أخبرهما أنك عندي .. ليس قبل أن تأذني لى .
- سأخبر خالي بالطبع ولكني لا أريد أن يعلم أبي أو غيره عني شيئا .
لم تلفظ أسمه عن عمد .. تتوقع أن يكون قد طلقها بالفعل ويحضر الأن للزواج من ابنة عمه .. فلماذا يبحث عنها اذن ؟ أمن أجل أن يسلمها ورقة طلاقها ؟ أم لينفذ تهديده ويزج بها فى السجن لأنها تجرأت على الهرب منه .
نظرت مرام الى مها ووجدت نفسها تشعر بالثقة تجاهها فأخبرتها كل شئ .. كل شئ حدث لها منذ وفاة جدتها وما قبلها .. عرت نفسها أمامها وأعترفت بأخطاءها دون تزيينها .. أخبرتها عن فودة والمخدرات وعن والده وكيف ذهبت لتختبئ منه عند والدها عندما أكتشف ما تخطط له .. حدثتها عن زواجها من صالح وأسبابه وكيف تحول مكرها الى عشق وكيف تحول حلم شهر عسلها الى كابوس .. حدثتها عن آلام نفسها عندما فقدت جنينها ومعه فقدان حبها لزوجها الذى جرحها وأذلها .. نعم أنها لم تعد تحبه أبدا .
وبعد عشرة أيام من وجودها ببيت مها أنجبت شيرين طفلتها الصغيرة زينب وفوجئ خالها مروان بوجودها فى المشفى بصحبة حماته .. عانقها بقوة ورأت الراحة فى عينيه وراح يعاتبها على عدم اللجؤ اليه والأتصال به كي يطمئن عليها فدهشت .. لقد تغير بدوره مثل والدها ثم عاتب حماته أيضا ولكن بلطف لأنها أخفت عنه أمرها فدافعت مرام عنها بقولها أن هذه كانت رغبتها هي
حمل ابنته الوليدة بين ذراعيه برقة شديدة وجلس بجوار مرام وقال
- سأهتم بها وأرعاها دائما .. وان أصبح لها أخ سأعلمه أن يكون سندا وحاميا لشقيقته .. سأجعله يفعل معها ما لم أفعله معك .
كان ينظر الى وجه أبنته الصغير بحب وهو يتحدث ثم نظر اليها بندم
- لم أكن لك أخا جيدا ولم أكن خال مسؤول .
ابتسمت له مرام بتسامح
- كلانا لم نكن جيدين لبعضنا .
- هذا صحيح .. تركنا أمرأة عجوز قاسية تشوة عقولنا وتقلبنا على أنفسنا .
أنحنى يقبل جبين ابنته ثم استطرد
- وهذا ما لا يجب ان نفعله نحن بأبنائنا أبدا .
طوقته مرام بذراعيها وهي تنظر الى الصغيرة مبتسمة
وعندما عرف مروان أنها تبحث عن عمل توسط لها للعمل فى شركة المحمول التى يعمل بها فى خدمة العملاء وشعرت بالسعادة لأن أهم مشاكلها قد حلت .
****
المول التجاري بسان ستيفانو
ستقتصد بقدر ما تستطيع .. كانت مرام فى حاجة الى ملابس جديدة فعندما تركت بيت المزرعة لم تأخذ معها شئ وبالقليل الذى كان معها أشترت الضرورى من الأشياء ولكن عملها وخروجها اليومي كان يجعلها تحتاج الى المزيد وخاصة الملابس الشتوية .. فاشترت معطف وسروالين من الجينز وثلاث كنزات صوفية كان عليهم عرض .. لم يكن هذا هو نوع الملابس التى كانت تسعى وتستميت للحصول عليها وكانت تحتال على جدتها وخالها وأحيانا أمها لشراءها ولكنها أصبحت تتعب فى جني ذلك المال لهذا يجب أن تحافظ عليه ولا تنفقه كله على الملابس .. غامت عيناها وهي تتذكر الملابس التى أنفقت عليها الكثير من نقود صالح .. ولم تهتم بتعبه فى جنيها ولم يهتم هو بأسرافها فقد أراد أن يعطيها كل ما تتمنى .
- مرام ؟
وكانت خارجة من متجر الملابس تحمل حقائب مشترياتها عندما جاء صوت غير مصدق من وراءها فاستدارت لترى من يناديها فصرخت
- ميمي .
واندفعت الى صديقتها بسعادة ولهفة وتعانقتا بقوة ولكن مرام كانت قد أبتعدت عنها بسرعة وهى تنظر الى بطن ميمي المنتفخة بدهشة وسألتها بعدم تصديق
- ميمي .. أنت حامل ؟ غير معقول .. متى تزوجتي ؟
بهت وجه ميمي وأطرقت براسها وتهربت من السؤال قائله
- تعالى نجلس فى مكان ما ونتكلم .
استغربت مرام وسارت معها وعشرات من الأسئلة المقلقة تدور فى رأسها
جلستا فى أحد الكافيهات وقالتا فى وقت واحد
- أين كنت ؟
صمتت مرام وتابعت ميمي
- حاولت كثيرا الأتصال بك وهاتفك كان دائما خارج نطاق الخدمة .
- آسفة .. كنت أعاني من ظروف منعتني من التواصل معك .. ولكني ذهبت الى بيتك وسألت عنك .. أخبرني حارس الأمن أنك سافرت الى والديك .
قالت ميمي بحزن
- لا لم أفعل .. شقيقتي هايدي هي من سافرت وستبقى دوما هناك أما أنا ...
أرتعشت شفتها السفلى وترقرقت عيناها بالدموع , فعقدت مرام حاجبيها بشدة وعادت الى سؤالها الأول
- متى تزوجت ؟
قالت ميمي باكية فجأة
- أنا لم أتزوج يا مرام .
تجمدت مرام من الصدمة وبعد لحظات أعتراها الغضب
- سامح ؟
هزت رأسها ايجابا
- وهل يعلم بحملك ؟
أخرجت محرمة ورقية من حقيبتها وجففت بها دموعها
- بالطبع يعلم .
- ولماذا لم يتزوجك ؟
- لقد رفض .
جزت مرام على أسنانها
- الكلب الداعر .. ووالديك هل يعلمان ؟
هزت رأسها ايجابا
- وماذا فعلا ؟
- سافرا وتركاني هنا .. تبرآ مني .. قالا أنني جلبت لهما العار .. أخذا شقيقتي حتى لا تسقط كما سقط أنا .
أختنقت مرام بغصة وهي تنظر الى وجه ميمي الباكي والتى تابعت
- معهما حق .. لقد ضيعت نفسي بنفسي .
وعادت دموعها للأنهمار .. فنظرت مرام حولها ولاحظت أنهما جذبا الكثير من العيون نحوهما وكان النادل يقف مترددا فى الذهاب اليهما فقالت مرام وهي تميل عليها
- هيا بنا نذهب من هنا حبيبتي .
خرجتا من المول واستقلتا سيارة ميمي وقادتها مرام بنفسها لأن حال صديقتها كان مشوشا .. واثناء الطريق راحت ميمي تحكي ..
- أخبرني كثيرا أنه يحبني وأنني المرشحة الوحيدة للزواج منه عندما ينوي على الزواج .. أعلم أنك حذرتني ولكنني كنت أحبه وأثق به .. وعندما استمر بعلاقاته الأخرى كان يجب أن أتركه ولكني أعتدت على علاقتنا ولم أعد أقوى على الأبتعاد وهو كان يعرف نقاط ضعفي وأحيانا كان يبتزني عندما أتمنع .
كان الغضب يتصاعد بداخل مرام أكثر وأكثر
- في زفافك كنت قد اتخذت قرار بتركه نهائيا عندما وجدته بصحبة احدى الفتيات بالشقة التى اعتدنا على اللقاء فيها .. ولكنه عاد يهددني بفيديوهات وصور لي معه وانه سينشرها ويعلم الجميع بها ان تركته .
ثم راحت تنتحب ومرام صامته وانتظرت حتى تمالكت نفسها لتتابع
- عندما اكتشفت أنني حامل أخبرته فطلب مني الأجهاض.
ألتوى قلب مرام ألما وهي تتذكر أجهاضها هي وتابعت ميمي والرعب على وجهها
- ولكنني خفت .. خفت كثيرا يا مرام .. لم استطع فعلها .. فلو مت سأدخل النار .
لم تستطع مرام التحمل وقد بدأت أعصابها تهتز .. فأعطت اشارة وأخذت جانب الطريق وتوقفت
وميمي مستمرة فى الكلام وكأنها لم تلاحظ توقف مرام بالسيارة
- لم أكن أصلي أبدا .. شربت الخمر والمخدرات وزنيت .. وكنت سأقتل نفس .. كيف سأقابل ربي بكل هذه الذنوب لو مت ؟
نظرت نحو مرام بنظرة معذبة .. تخللت مرام شعرها بأصابعها وأرادت أن تصرخ من شدة غضبها
- أين هو الأن ذلك الحقير ؟
- سافر .
سألتها بحدة والشرر يتطاير من عينيها
- سافر الى أين ؟
- أمريكا .. أرسله والده ليقوم بدراسات عليا .
قالتها بمرارة ساخرة , صاحت مرام باستنكار غاضب
- سامح ؟ .. ودراسات عليا ؟ .. في ماذا ؟ .. الدعارة والبلطجة ؟
اعتدلت فى مقعدها بحدة وسألتها
- ولماذا لم تذهبي لوالديه ليعرفا أبنهما على حقيقته ؟
- لقد فعلت .. رفضا تصديقي فى البداية ثم عرضت عليهما القيام بتحليل الدي ان ايه فقال لي والده .. ان الولد للفراش .. لم أفهم يا مرام .. ما معنى ذلك .. فقال ان ابن الزنا ينسب لأمه وليس لأبيه وأن أبنهما لن يعترف أبدا بابن غير شرعي لهذا ارسلوه بعيدا.. الطفل الذى سألده سيكون بلا أب .
- لماذا لم تبلغي الشرطة عنه ؟
- وبماذا أتهمه ؟ .. أنا لست بقاصر ولم يغتصبني .. كل شئ كان بارادتي وموافقتي .
نعم .. هذا صحيح .. ان أكثر من يضع عليه اللوم هي صديقتها .
****
ترددت ميمي فى الدخول ..
وقالت بخجل
- هل حقا لن تمانع ؟
قالت مرام بثقة وهى تدفعها أمامها الى داخل شقة مها
- لن تمانع صدقيني .. أنها سيدة رائعة وتحب استقبال الضيوف وخاصة المشردات أمثالنا .
ابتسمت ميمي وقالت
- مازال مزاحك ثقيلا .
- أنها الحقيقة .. فكلانا مشردا بائسا .. وكلانا نحمل ذنوبا وندوبا مؤلمة .
عبس وجه ميمي وهي تراقبها تغلق باب الشقة
- أصبحت كئيبه ومحبطة أيضا .
أبتسمت لها مرام
- دعينا اذن ننسى الكآبة والأحباط وتعالى معي الى المطبخ .. خالتي مها ستصل بعد قليل ويجب أن أجهز الطعام للعشاء .
أخبرتها مرام بالخطوط العريضة لما حدث معها وأنها تقيم مع حماة خالها لفترة مؤقتة حتى تجد سكن مناسب لها .
ساعدتها ميمي فى تحضير العشاء وبعد أن أنتهتا قالت
- مرام .. ألا يجب أن أذهب قبل أن تأتي فربما لن يعجبها أستضافة فتاة مثلي .
كانت مرام غاضبة من صديقتها لما ألحقته بنفسها ولكنها لم تستطع منع نفسها من الشعور بالشفقة عليها فهي تعلم مدى سذاجتها ومدى نذالة سامح وانعدام ضميره
- لا .. أبقي .. وأعدك أنها لن تتضايق من وجودك .
ثم اشارت الى بطنها وسألت بلطف
- فى كم شهر أنت .
- السادس .
- وكيف يسير الحمل معك ؟
- أعاني من بعض التعب والتشنجات من وقت لآخر ولكن غير ذلك فأنا بخير .
- تتابعين مع طبيب ؟
- نعم .
ترددت قليلا ثم قالت بابتسامة
- كنت عند الطبيب منذ يومين وأخبرني أنه ولد .
ابتسمت لها مرام وشاب ابتسامتها بعض الحزن ولكن ميمي لم تلاحظ وقالت بمرارةوقد أختفت أبتسامتها سريعا
- سيكرهني .. عندما يكبر ويعرف ما فعلته وكيف حملت به سوف يكرهني .
وسيسألني لماذا كتب على أسمي وليس على أسم أبيه .
عادت تبكي فضمتها مرام اليها
- الله أعلم ما الذي يخبئه القدر لنا .. ربما يستيقظ ضمير أبيه ويعود اليكما .
عادت مها وقد كانت كعادتها فى بيت أبنتها فمنذ مجئ حفيدتها وهي يوميا هناك وعندما رأت ميمي رحبت بها ببشاشة وترحاب شديد
- أنت ميمي أليس كذلك ؟
نظرت اليها ميمي بدهشة فتابعت مها ضاحكة
- أنت لا تتذكريني .. لقد تقابلنا فى فرح مرام .
زفرت ميمي بارتياح وابتسمت لها قائلة
- آه نعم هذا صحيح .. تذكرت الأن .
حضر ثلاثتهم مائدة الطعام ولم تكف مها عن التغزل فى حفيدتها وبعد أن أنتهوا من الأكل راحت تعرض صورها على ميمي ومرام
نظرت مها الى ميمي وقالت
- هذا حال الجدات أعذريني .. عندما تلدين بسلامة الله سترين كيف سيتعامل جديه معه .
شحب وجه ميمي ونظرت بقلق الى مرام التي قالت بسرعة لرفع الحرج عن الجميع
- من سيشرب شاي .
****
بعد رحيل ميمي رأت مرام الكثير من الأسئلة فى عين مها ولكنها لم تطرح منها شيئا فتطوعت مرام بأخبارها وكانتا جالستان فى حجرة الجلوس ... واستمعت لها مها بتأثر شديد وقالت بأسف بعد أن أنتهت مرام
- خسارة .. ألف خسارة .. أن تنزلق شابة مثلها الى هذا الدرك .. وأين والديها مما كان يحدث فى حياتها .. كيف تركوها لتصبح هكذا ؟
- قضوا طوال حياتهم تقريبا يعملان بالخارج .. ميمي وشقيقتها هايدي تركا وحدهما هنا فى مصر منذ أن ألتحقتا بالمدرسة الثانوية .. فى البداية كانت أمهما معهما ثم ملت وعادت لعملها وزوجها .
أكملت مها
- وتركت بنتان مراهقتان وحدهما .. بلا راعي أو رقيب .. الكثير من الحرية والكثير من المال .. والناتج .. ضياع وفساد .
ثم هزت رأسها بحزن وأسف
- لا أدري كيف أصنفها .. جانية أم مجني عليها ؟
قالت مرام تدافع عن صديقتها
- مجني عليها بالطبع .. أنظري كيف حال والديها وذلك النذل الذي غشها ثم تركها .
زفرت مها
- مرام .. لا تدعي مشاعرك تجاه صديقتك يعميان بصيرتك .. جزء من حكايتها يجعلها ضحية ولكن فى المجمل هي من جنت على نفسها .. هناك الكثير من الظروف الصعبة التى قد تحيط بالأنسان وتسهل له طريق الضياع ولكنه فى النهاية مسؤول عن أختياره .. لو تأملتي ظروف ميمي لوجدتها أفضل كثيرا من غيرها .. كان لديها كل شئ .. المال والتعليم الجيد .. وفرت لها بيئة وامكانيات لو استغلتها بطريقة صحيحة لأصبحت شخصا مهما نافعا لنفسه ومجتمعه .. الحرية لا تعني الأستهتار والتمادى فى الغلط فقط لأننا نعرف أن العقاب غير موجود .. الحرية تعني المسؤولية .. فى وجود الأبوين تقسم المسؤلية بين الأبناء والأباء وفى عدم وجودهم تصبح المسؤولية كلها على كاهل الأبناء وهذا شئ صعب ففي الغالب يحب الشباب اللهو والأنطلاق والأكتشاف وكما قلت .. فى غياب المحاسبة وعدم الوعي والتأسيس السليم يصبح أبناءنا فى خطر عظيم والحرية التى منحت لهم تصبح كقنبلة منزوعة الفتيل قد تنفجر فى وجوههم فى لحظة سهو وهذا ما حدث مع صديقتك .
أكفهر وجه مرام وقالت بحزن
- وما حدث معي أيضا .
ربتت مها على يدها
- هناك فرق بين خطأ وآخر .. أنت أخطأت بالتأكيد ولكنه خطأ يسهل اصلاحه وأظن أنك تعلمت درسك واتخذت الطريق الصحيح وندمت عن ما فات الا من بعض الأشياء التى أرى أنها أخطاء مشتركة بينك وبين زوجك والتى لن تصلح الا بوجود كلاكما .. أما ميمي فللأسف خطأها أكبر وأعمق وأصعب من أن يداوى .. ان غفر الله لها وهو رحمته واسعة ان تابت وأخلفت .. ولكن هل يغفر لها الناس والمجتمع؟ وهذا الطفل كيف سيكون مصيره عندما يولد ويكبر فى هذا المجتمع الذي يمتاز بضيق الأفق ؟
تمتمت مرام
- نعم معك حق .
ثم قالت بتردد
- ولكن هل تسمحين لها بزيارتنا أحيانا .. فهي وحيدة تماما .. ليس لديها أحد غيري الأن .
- بالطبع حبيبتي .. تأتي فى أى وقت ويجب أن نساعدها حتى تقف على قدميها .
أندفعت مرام وأحتضنتها بقوة
- ليت كان لي أم مثلك .
ربتت مها على ظهرها وقالت بتأثر
- شكرا لك حبيبتي .. ولكن معظم الأمهات هكذا فى العادة .
ضحكت مرام وقالت
- حظي انا كان سيئا وحصلت على أم من النوادر .
قالت مها بعتب
- لا تقولي هكذا فربما لها ظروف جعلتها ..
هبت مرام واقفة وقالت تقاطعها
- لا .. لا أرجوك .. لا تدافعي عنها .. هل تعلمين أنها لم تتصل بي منذ شهور ولم تسال عني حتى بعدما علمت بأختفائي ومن قبلها بزواجي ؟
أحمر وجه مها وقالت رغما عنها بغيظ
- فى الحقيقة .. أنها انسانة فظيعة وكذلك والدي ميمي ووالدي سامح النذل .
وقالت مرام بكآبة
- وكذلك والدي فودة .
بالطبع جاءت ميمي على ذكر فودة .. حكم عليه بالسجن خمسة عشر عاما وقد قضى ثلاثة أشهر فى مركز تأهيل للعلاج من الأدمان .. وقدم محاميه نقضا على الحكم وقد قبل الطعن وهو فى أنتظار أعادة محاكمته .. والديه تطلقا وأمه وحدها من تتابع قضيته وقد أسس والده فرع لشركته بأوروبا وتزوج من فتاة تصغره كثيرا بالعمر وسافر معها .. رثت مرام لحاله بالرغم من أنه كان سببا فى دمار زواجها .. أخبرتها ميمي أنه يسألها عنها بأستمرار عندما تزوره واستغربت مرام من ذلك فعلقت ميمي على الأمر
- أنه الوحيد الذي بقيت على صلة به ولكني لم أزره منذ أن بدأ حملي يظهر علي .
وعرضت عليها أن تقوما بزيارته معا ولكن مرام رفضت الفكره بمجرد طرحها فهي لا تريد أن تتورط فى شئ جديد وراضية تماما بروتين حياتها الهادئ ولكن .. بعد أن أوت لفراشها فكرت .. ولما لا تزوره .. هي السبب فى ألقاءه بهذا السجن أو بمعني أدق تسبب زوجها بهذا .. هذا الزوج الذي بحث عنها لمدة أسبوع واحد ثم توقف .. والدها مازال يتصل بخالها ليطمئنه عليها باستمرار وقد أقنعه بأنها تتحدث اليه ولكنه لا يعلم بمكانها واكتفى والدها بذلك ولكن صالح لم يظهر فى الصورة أبدا ولا تعرف اذا ما كان قد طلقها أم لا .
****
أحمر وجه صالح واحتقن بشدة وكاد أن يحطم الهاتف فى يده بعد أن أنهى لتوه حديثه مع جلال زميله السابق وقد أخبره أن مرام قد حصلت على تصريح لزيارة فودة فى السجن وأنها هناك الأن .
كان قد صرخ فى جلال بغضب لأنه لم يوقف التصريح فأجابه جلال بهدؤ
- وصل التقرير أثناء وجودي فى احدى الحملات ولم أراه الا الأن .
ألقى بالهاتف فوق سطح مكتبه بعنف ولم يهتم اذا ما أنكسر
أربعة أشهر حتى الأن وهو يراقبها من بعيد .. يراقب كل خطواتها ويعد عليها أنفاسها .. عرف بمكانها بعد مرور أسبوعين من أختفاءها .. أسبوعين من العذاب الخالص .. حتى ظهر اسمها فى قاعدة البيانات بعد استخراجها فيزا كارد لحصولها على وظيفة فى شركة المحمول التى يعمل بها خالها ومن بعد ذلك كان العثور على عنوانها سهلا عليه .. وحتى الأن كان يرى أن سلوكها لا غبار عليه .. تعمل عملا شريفا وتعيش مع سيدة محترمة حتى جاءه هذا الأتصال الذي يحذره أن الأمور ستبدأ بالخروج عن سيطرته وهو لن يجلس هنا خلف مكتبه ويدعها تضيع من بين يديه والقرار الذى كان قد أتخذه بأن يعطيها وقتا لتستقر وتتعافى لم يعد يجدي .. أنه يريد زوجته ويريد أستعادتها وقد حان موعد ظهوره مرة أخرى فى حياتها سواء تعافت أم لم تتعافى .
****
الفصل الثامن عشر
من رواية .. وغابت شمسها
أمام باب السجن الخارجي
وقفت مرام بين الحشد المنتظر وهي تشعر بالتوتر .. تنظر الى وجوه أهالي المساجين من حولها وتتساءل عن صواب ما تفعله .. أخبرتها ميمي أنها لن تستطيع الذهاب الى موعد زيارة فودة لأن المسافة ترهقها وأخبرتها كذلك أن أمه مريضة ولن تذهب بدورها وشقيقته لم تذهب اليه أبدا بسبب خطيبها فقررت مرام أن تذهب هي لزيارته متخيله حزنه وأكتئابه عندما لا يجد أحد فى موعد الزيارة .
فتح الباب أخيرا ووقف شرطي يمسك دفترا بيده ينادي على الأسماء حتى جاء على ذكر أسم فودة فرفعت يدها كطالبة مدرسة واسرعت اليه .. رمقها بأكثر من نظرة واحدة وأشار لها بالدخول من خلال باب ضيق وبعد أن عبرته وجدت اثنان من العساكر يقومون بتفتيش الحقائب وجاء الدور عليها فوضعت حقيبتها أمامهم وكان معها علبة من حلواني ديليس بها تشكيلة من المعجنات والحلويات التى يحبها فودة .. تم تفتيش حقيبتها والعلبة ثم سمح لها بالمرور وهي تستمع بضيق للتعليقات السخيفة من كلا المجندين .. اذا كانا يعتبران هذا الأستظراف مغازلة فهما بحاجة الى اعادة نظر .
لمحها فودة من بعيد وهي جالسه وقد كانت تعاني من العيون المركزة عليها من بعض المساجين وزويهم وتصيبها بالمزيد من التوتر , أسرع فودة باتجاهها وقد تهلل وجهه بالفرح .. وقفت مرام ببطئ عندما رأته تحاول أن تستشف ردة فعله على مجيئها فربما يكون غاضبا منها ولكن ميمي أكدت لها أنه ليس غاضبا ويرغب حقا فى رؤيتها .
كان قد نحف كثيرا ولكن حيويته كانت مدهشه ورأت لمعانا من الصحة فى عينيه , أصبح يقف أمامها بزي السجن المميز باللون الأزرق الداكن , غص حلقها بالدموع
- مرام .. أخيرا جأت لزيارتي .
أمسك بيديها بقوة وهو ينظر الى وجهها
- لولا أنني أخشى من أتهامي بفعل فاضح فى مكان عام لأحتضنتك الأن .
أبتسمت ساخرة
- هل تخشى أن يسجنوك ؟
ضحك بمرح
- لن أسعى أبدا لزيادة يوم آخر اضافي أقضيه هنا بل أنني أجاهد لتقليص المدة لا لزيادتها .
ثم أشار لها
- أجلسي .
جلست مرام وهي متعجبه من مرحه وحيويته فقد توقعت أن تجد انسانا هزيلا بائسا يعيش بأكتئاب كارها الدنيا والناس ولكن ما تراه مختلفا بل مذهلا تماما
- كيف حالك يا فودة ؟
- بخير كما ترين .
سألته بشك
- حقا ؟
ضحك مرة أخرى
- أعرف ما تعنين .. كنت تتوقعين مسجونا محطما .. الشاب المدلل كان ليتحطم عندما يصبح فى مكاني .
زفر وقال بجدية
- هذا ما كنت أتوقعه أنا أيضا عندما ألقي القبض علي .. وتلك الأيام الرهيبة التى قضيتها فى مركز التأهيل ولكن بعد أن تخلصت من السموم التى كانت تجري فى دمي صفى ذهني ونظرت الى حياتي نظرة جدية لأول مرة فما أنا فيه ليس مزحة والسنين التى تضيع من عمري أصبحت غالية جدا بعد أن كانت تمر ولا أبالي بها .. عرفت قيمة عمري صدقيني .. وكان لدي معالج نفسي حررني من الكثير من عقدي .
كانت تستمع اليه بتعجب .. التغيير دائما ممكن .. هناك انسان عندما يصبح عند حافة الهاوية ينتبه ويقف ... يرجع خطوة الى الخلف ويبدأ بالتفكير فى حياته بطريقة صحيحة .. وهناك انسان آخر لا ينتبه ويسقط ولا يعد عنده مجال للتراجع أو حتى للندم .
سألها بأهتمام
- وأنت كيف حالك .. ولماذا لم يكن أحد قادر على الوصول اليك ؟
كسى الحزن وجهها فقال
- بسببي أنا ؟ وتلك الفوضى التى أحدثتها بينك وبين زوجك ؟
أشتعل غضبها منه فى لحظة وقالت بحدة
- لا تذكرني بحقارتك والا ذهبت وتركتك .
قال بسرعة
- لا أرجوك أبقي .. لقد أشتقت اليك .. ولكن يجب أن تسامحي شاب غبي كان مدمنا بائسا .
خمد غضبها بسرعة كما بدأ بسرعة وقالت
- هل تعافيت تماما من الأدمان ؟
فتح ذراعية على أتساعهما وقال بأبتسامة مشاغبة
- ماذا ترين أنت ؟ .. أخبريني .
أبتسمت وقالت
- أراك بخير حقا .. وهذا يدهشني ويسعدني .
هز رأسه بسعادة وبدا فخورا بما أنجزه
- المهم ماذا عنك .. ما هي أخبارك ؟
أخبرته ما حدث بطريقة آلية فأكتأبت نظراته وقال
- أنا آسف حقا .. كل ما حدث بسببي .
ابتسمت بحزن
- وأنت هنا بسببي .
هز رأسه بقوة رافضا
- بل بسببي أنا .. كل ما حدث لي ولك كنت أنا السبب فيه .. لو لم آخذ نقودك وأختفي لما لجأت لأبي .. والمخدرات أنا من أقحمتك فيها دون أن تدري .. وأنا من قلبت زوجك عليك بتزييف الوقائع له والأفتراء عليك كذبا .. وألقاءه لي هنا جزاء عادل على أفعالي .
نظرت اليه بحيرة حقيقية وقالت
- أدهشتني ولم أكن أتوقع ذلك حقا .. ماذا حدث لك ؟ .. هل مقولة السجن اصلاح وتهذيب حقيقية ؟
قال ضاحكا
- وأكثر من حقيقية فى الواقع .
ثم مال الى الأمام وقال بصوت منخفض
- أنظري حولك وأنت تعرفي .
تلفتت حولها بسرعة ونظرت أولا الى الحراس ووجوههم الصلبة المتجهمة ثم الى وجوه المساجين التى كان فى معظمها عنيفة حتى وان كانوا سعداء ويبتسمون لزوارهم وهنا طرأ خاطر على بالها وقد عادت تنظر الى فودة عاقدة حاجبيها بشدة وسألته بتجهم
- هل يتحرشون بك ؟
حدق بها بعدم فهم للحظات قبل أن ينفجر ضاحكا
- مازلت وقحة .. أعتقدت أنك تهذبت قليلا .
واستمر فى الضحك فقالت بعبث وشفتاها تلتويان بأغاظة
- أنت شاب جميل .. بشرة بيضاء وشعر ناعم مصفر .. كيف تفلت منهم والكثير منهم سيقضي بقية عمره هنا .
قال وهو يحاول السيطرة على ضحكه
- بنقودي .. المال الذي ترسله أمي يحميني .. بل يجعل البعض يعمل لدي كحراس أمن لو رغبت .
قالت ضاحكة بسخرية
- هنيئا لك بأمك .
ثم سألته بجديه
- بالمناسبة .. كيف حالها بعد الطلاق ؟
- أفضل كثيرا .. كان يجب عليها أن تتطلق منه منذ زمن ولكنها كانت ضعيفة .
وحدثها عن والده وذهلت عندما ذكر لها اسم صديقة شقيقته والتى فى مثل سنها وكانت تعمل موديل اعلانات وتابع
- يبدو أن تأثيرك عليه كان فتاكا فقد أصر أن يحصل على شابة صغيرة ليتزوجها .
قالت بوقاحة
- لا تلصق بي التهم .. والدك ليس فى حاجة لمن يفسده لقد وجدته هكذا .
- هل أحببته ؟
رفعت حاجبيها بدهشة وقالت ضاحكة
- من .. والدك ؟
- زوجك أيتها الغبية ؟
تجهم وجهها على الفور ..
- لقد تركته .. هربت منه .. وهذا يكفي لتعرفه .
توسل اليها
- هيا مرام .. أخبريني .. لن أغضب وأتصرف كصبي مراهق كما فعلت من قبل .. لقد عرفت سبب تعلقي بك .. أنت صديقتي الوحيدة التى تستمع الي دائما وأجدها كلما أحتجتها .. لم أكن فى حاجة الى أخفاء مشاعري عنك ولم أكن أخجل من أحكي لك كل ما يحدث معي .. حتى علاقاتي القذرة .
ضحكت بخفوت فحثها مبتسما
- هيا أخبريني .. ولا تنسي أننا كدنا أن نكون أقارب .. كنت ستصبحين زوجة أبي ألا تذكرين ؟
نظرت الى وجهه بحدة ورأت الهزر والخبث فى عينيه فانفجرت ضاحكة وسرعان ما شاركها الضحك وقد لفتا أنظار السجناء والحراس من حولهم
هكذا كانا دائما يضحكان على مآسيهم .. يسخران من واقعهم المرير , قالت وهي تمسح دموع الضحك من عينيها
- يا ربي .. هذا صحيح .. لا أتخيل الوضع الأن .. كيف كنت سأفعل ذلك ؟
قال باشمئزاز
- أغغغغ .. أبي أيتها البائسة .. لو تقبلين كلبا كان سيكون أرحم .
ضربته على يده
- كلبا أيها المقزز .. أصمت .
- أخبريني اذن عن زوجك والا لن أصمت .
زفرت بقوة .. لا تدري كيف ستخبره بهذا فالى وقت قريب كانت قد أقنعت نفسها بأنها لم تعد تحبه لذلك لا تريد معرفة أي شئ عنه ولكنها وجدت أن خشيتها هذه نابعة من خوفها ومما قد تعرفه .. أنه طلقها وتزوج من غيرها .. وسيدمرها هذا
- أنت مازلت تحبينه .
كان تقريرا وليس سؤالا فهزت رأسها ايجابا وقالت
- ولكنه لم يعد يريدني حقا .. لو كنت أعلم أن لي أمل معه لبقيت قربه .. حاولت كل شئ تقريبا .. تحملت شكوكه وأهاناته .. غفرت له قسوته وذله لي ولكن فى النهاية لم أستطع التحمل فتركته .
أمسك فودة يدها بقوة بيده
- أسمعي .. ستتم محاكمتي مرة أخرى ومحامي طمأنني أن الحكم سيخفف نظرا لظروف أدماني وعدم وجود سوابق لي .. سأقضي بضع سنوات هنا بالتأكيد ولكني سأخرج فى النهاية ولن نكون عجوزين جدا .. سآخذك أنت وأمي ونسافر .. ربما الى تركيا عند خالي لنبدأ حياتنا هناك معا .. سأرعاك جيدا وسأكون رجلا مسؤولا صدقيني .. لا تخشي شيئا .
ابتسمت له ولمعت الدموع فى عينيها وقالت بصدق
- أنت صديق رائع وليت الظروف كانت مختلفة لعاش كلا منا حياة جيدة .
ثم أخبرته عن ميمي وما حدث معها وكان رد فعله مشابها لردة فعلها غير أنه راح يسب سامح بألفاظ بذيئة أضطرت أن تصيح به ليتوقف عن التلفظ بها أمامها
- ألهذا لم تعد تأتي لزيارتي ؟
- أظن أنها خجلة من نفسها .. تشعر بأن الناس كلها تحتقرها وتشمئز منها .
جز على أسنانه بغضب
- آه لو كنت خارج ذلك المكان لذهبت اليه وكسرت له عنقه ذلك ال ..
وسب مرة أخرى فقالت بضيق
- توقف عن السباب والا سجنوك بتهمة السب والقذف .
فى تلك اللحظة وقعت عيناه على علبة الحلويات وقال بتجهم
- ماذا أحضرت لي ؟
أخرجت العلبة من الكيس
- مفاجأة .
تهلل وجهه
- أنت رائعة .. أمي لا تجلب لي سوى المحاشي والمشويات ... ولكن أنت تفهمينني .. حلواي المفضلة .
فتح العلبة بلهفة وأخذ قطعة دنش وراح يأكل منها بتلذذ وبعد القضمة الثانية توقف وكان ينظر لشئ خلفها فاستدارت ورات طفلة تجلس على ركبتي والدها المسجون وعيناها على فودة فأشار لها لتأتي فقفزت وأتت اليه مسرعة فقرب العلبة منها
- خذي واحدة .
شبت الطفلة على أطراف أصابعها وبدت محتارة فى الأختيار حتى أستقر رأيها على قطعة كبيرة من الكرواسون مغطاة بالشكولا ومدت أصابعها الصغيرة وحملتها بحرص .. ابتسمت مرام وكذلك فودة الذي قال
- خذي واحدة أخرى .
وعلى الفور مدت يدها الأخرى وأخذت قطعة دونتس مرشوش بالسكر واسرعت عائدة الى والديها ووجدت والدها يرفع يده بالتحية لفودة الذي رد عليه بمثلها ثم عاد للأكل من جديد ودعاها كي تشاركه ولكنها رفضت .. توقف مرة أخرى عن الأكل وهو ينظر الى ما وراءها بدهشة هذه المرة ولاحظت أن السجناء من حولهم ينظرون الى نفس الأتجاه بفضول وقبل أن تستدير وجدت مأمور السجن بنفسه يتبعه أحد الضباط يقف أمامهما ويسألها
- السيدة مرام أحمد سلام أليس كذلك ؟
نظرت اليه بقلق وقالت
- بلى أنا هي .
قال
- لقد أنتهى وقت الزيارة فهل تتفضلين معي أرجوك .
وقفت ببطئ وهي تنظر حولها وتتساءل .. لماذا هي بالذات من جاء بشأنها وبقية الزوار مازالوا فى أماكنهم وقف فودة بدوره وسأل
- هل حدث شئ ؟
نظر المأمور اليه بلا مبالاة
- تستطيع العودة الى العنبر يا فودة فقد أنتهى وقت الزيارة بالفعل .
وأشار الى الحارس ليأخذه فنظر الى مرام وقال بسرعة والقلق على وجهه
- سأحاول الأتصال بك لأطمئن عليك .
ناولته علبة الحلوى قبل أن يذهب وابتسمت له تطمئنه ومن داخلها كانت مرتعبة
.. هل ستسجن ؟ .. هل كانوا ينتظرون ظهورها لألقاء القبض عليها ؟
لم تخرج من المكان الذي جاءت منه لذلك تعاظم قلقها ووجدت نفسها بعد لحظات تسير خلف مأمور السجن فى أروقة شبه معتمة حتى وصلا الى أحد المكاتب فأشار اليها لتدخل قبله وقال
- تفضلي .. ستنتظرين هنا قليلا .
ولدهشتها أغلق الباب دونه وتركها وحدها .. وقفت لبعض الوقت تنظر الى الباب المغلق بأطراف مرتجفة ثم سارت فى الغرفة وألقت بنفسها على المقعد المواجه للمكتب العتيق تنتظر برعب من سيأتي للتحقيق معها .
مرت نصف ساعة كاملة وأوشكت مرام على البكاء ولم تعد أعصابها تحتمل أكثر وقفت وذهبت الى النافذة الوحيدة بالحجرة المقسمة بقضبان حديدية سميكة وتطل على ساحة خلفية خالية وقد وضع فى زواياها بعض أصص الزرع لكي تعطي للمكان حياة .. دمعت عيناها وارتجفت شفتاها .. ها هي قد دخلت الى السجن بقدميها تحجزها تلك القضبان عن حريتها وكادت أن تبدأ بالصراخ عندما سمعت أخيرا الباب يفتح من خلفها فأستدارت بسرعة وشهقت من المفاجأة ..
وجدت صالح يقف يسد الباب بطوله الفارع .. راح قلبها يخفق بسرعة جنونيه وهي لا تصدق وفجأة أندفعت اليه وألقت بنفسها على صدره تطوق خصره بذراعيها بقوة ولولا هشاشتها لآلمه تمسكها به بهذا الشكل .. أراحت رأسها على صدره وأغلقت عيناها تشعر بأنها قد أصبحت بأمان , قال بلهجة ساخرة
- هذه المواقف المؤثرة لا تليق بمكان كهذا حبيبتي .
بذلت مجهود لكي تجبرنفسها على الأبتعاد عنه ورفعت وجهها بتردد الى وجهه ورأته صارما متجهما فأمتقع لونها من جديد .. ربما لم يأتي لأنقاذها وأنه هو من وشى بها ..وجعلتها هذه الفكرة تتراجع الى الخلف ويعود الخوف ليطبق على أنفاسها وسألته
- ماذا تفعل هنا ؟
تقدم الى الداخل ولاحظت توتره .. وكيف عرف أنها هنا ؟
- هذا سؤال أنا من يجب عليه توجيهه لك .
ثم استدار اليها وقال بغضب
- كيف تجرؤين على المجئ لزيارة ذلك الولد ؟
سألته
- وكيف عرفت ؟
ضحك ساخرا
- كنت أظنك ذكية ولكن أتضح لي العكس الأن .. هل ظننت حقا أنك تستطيعين الهرب مني وأكون عاجزا عن ايجادك .. أعترف أن هناك أيام مرت كنت لا أعرف أي شئ عنك ولكن فى النهاية وجدتك .
شحب وجهها .. صالح كان يعرف بمكانها ورغم هذا تركها ولم يأتي اليها وهذا يؤكد أحساسها أنه لم يعد يريدها .ولكن زيارتها لفودة هي من دفعته للظهور .. كبريائه لا يتحمل أن تعود لغريمه .. حبيبها السابق كما كان يظن .
- قلت ما الذي جاء بك الى هنا لرؤيته .. هل اشتقت اليه ؟
قالت وهي ترتجف
- فودة مجرد صديق ولم يكن بيننا أي شئ آخر أبدا وجئت لرؤيته لأنني ظننت أنني مدينه له بذلك بعد أن كنت السبب فى دخوله للسجن .
صر أسنانه بصوت مسموع وقبض كفيه بقوة وكأنه يمنعها عن الأمساك بها وهزها وتراجعت مرام الى الخلف كرد فعل غريزي فقال لها
- لن تأتي الى هنا مرة أخرى .. مفهوم .
أستجمعت بعض من شجاعتها وقالت تتحداه
- سأفعل ما يحلو لي .
هذه المرة لم يستطع كبح نفسه وأمسك بذراعها بقسوة
- لا لن تفعلي .. لن تجدي من يمنحك تصريحا بالزيارة بعد الأن .. كان سهوا مني أعذريني وقد صححته .
تركها وقال بعصبية
- هيا بنا من هنا .. فكما قلت هذا ليس مكان لعتاب الأحبة .
كان يسخر .. أخذت حقيبتها وخرجت أمامه من حجرة المكتب وقابلهما المأمور بالخارج وتبادل التحية مع صالح الذي شكره بشدة وحيا مرام كذلك فردت عليه دون أن تذكر ما قالته بالفعل .
سار صالح فى الرواق بخطوات واسعة شبه عسكرية ومرام تسرع للحاق به .. قابلا أثناء سيرهم بعض الأشخاص من ضباط وعساكر كانوا ينظرون اليهم بفضول وبدا صالح أنه يعرف طريقه فى المكان جيدا , أخيرا خرجا الى الهواء الطلق وأصبحا فى باحة رصت فيها سيارات الترحيلات وسيارات شرطة وأخرى ملاكي وأستطاعت أن تميز سيارة صالح بسهولة من بينهم ولدهشته كانت قد سبقته اليها وكأنها تتعجل الرحيل من هنا .. وبعد خروجهم من البوابة بعد التفتيش بالطبع والأطلاع على الهويات الشخصية خرجا الى الطريق وهنا اتسعت عيناها من القلق .. وتساءلت الى أين سيذهب بها .. سترفض العودة معه الى المزرعة .. لن يجبرها شئ على ذلك .. أنها تكره ذلك المكان .
لم يخرج من المدينة فعادت لتستريح فى مقعدها ورأته يرمقها بنظرة ساخرة وقد لاحظ معاناتها فجزت على أسنانها بغيظ .. تكره أن يتلاعب بها وكأنها فأر بين براثن قط .. فأنتصبت فى جلستها وقالت والسيارة تشق طريقها فى شارع أبي قير والزحام قبل الظهيرة لم يكن قد أشتد بعد
- أنزلني فى أي مكان هنا .
رفع حاجبيه بدهشة ونظر اليها متسليا
- ولماذا هنا ؟
- هذا ليس من شأنك .
زادت ثقتها فى نفسها من تسليته
- حقا ؟ .. أنه من صميم شؤوني .. فأنت زوجتي اذا كنت قد نسيت .
نظرت اليه بدهشة كانت ستبدو أيضا مضحكة لها لو رأت وجهها فى هذه اللحظة
- وهل مازلت زوجتك ؟
- وهل وصلك خبر يقول عكس ذلك ؟
قالت بتجهم
- ظننت أك طلقتني لكي تتزوج .
- ولماذا يجب أن أطلقك لكي أتزوج ؟
توقف قلبها عن الخفقان .. أنه يستطيع الزواج بالفعل دون أن يطلقها .. كم هي غبية وتلك الحقيرة رباب سترضى بأي وضع يجعلها تحصل عليه فقالت بحدة غاضبة
- وهل تزوجت ؟
ضحك قائلا
- أنا متزوج بالفعل .
فتحت فمها لتعاود هجومها ولكن عبارته أستوقفتها فهي تحمل معنيان فايهما يقصد فاستفسرت منه بحذر
- وماذا يعني هذا ؟
فهم مقصدها وقال
- أنا لست رجل مزواج ولا أحب تعدد الزوجات .. لا أقول أنني لا أؤمن به أستغفر الله ولكني أكتفي بما لدي .
ثم رمقها بنظرة أشعلت النار بجسدها
- وما لدي يعجبني ويكفيني .. وأنا راض به .
أعاد أنتباهه الى الطريق وتابع بعبث
- حرمت منه لوقت طويل ولكن لا بأس .. أستطيع أن أعوض ما فاتني .
أصبحت تحدق به بذهول وفمها مفتوح فقال
- أطبقي فمك حبيبتي .
أطبقت فمها ولكن بغضب وقد بدأت تعي أنه يلهو بها وهي لن تسمح له فقالت بعنف
- ولكني لا أريدك .. وأصر على الطلاق .
رد بهدؤ
- بالطبع هذا من حقك .
فاجأها رده من جديد .. هذا يعني أنه موافق ؟ لم تعد تفهم مسار أفكاره ولكنه تابع بسرعه
- كما من حقي أن أرفض .
صفعات متتاليه من الكلمات لم تعد قادره على ملاحقتها فرفعت رأسها بكبرياء وقالت
- ومن حقي الأصرار وان رفضت سألجأ الى المحكمة .. سأخلعك .
أنفجر صالح ضاحكا بشدة فأغتاظت
- أعني ما أقول يا صالح .
قال محاولا السيطرة على ضحكه
- لن تجدي محام واحد سيقبل أن يتولى قضيتك .
قالت باستنكار
- وكيف ستفعل ذلك .. هل ستهددهم أم ستستغل نفوذك لترهيبهم ؟
قال ببرود ووقد تصلبت ملامحه ولم يعد يمزح
- الأثنين معا .
قالت بمرارة
- تخيلت أنك كنت ضابط شريف لا يستغل نفوذه وعلاقاته فى ترهيب الناس والنيل من خصومه .
- أنا هكذا بالفعل .. لم ألجأ يوما لتلك الأفعال .
سألته بحدة
- ولماذا الأن ؟
رمقها بنظرة سريعة مشتعلة كسابقتها وكان لها نفس التأثير
- أنت الأستثناء الوحيد للقاعدة عندي .. سأفعل أي شئ يجعلني أحتفظ بك حتى لو كان علي التخلي عن كل مبادءي .
شئ ما داعب قلبها وجعلها تشعر بالفرح ولكن حرصها وما عاشته على يديه جعلها تقول بمرارة
- المزيد من الأنتقام ؟
هز كتفيه
- سميه كما تشائين .. ولكن النتيجة لدي ستظل واحدة .. أنت لي حتى نهاية حياتي أو حياتك .. تأقلمي مع هذا الأمر سريعا حتى يرتاح كلانا .
قال ما قاله بهدؤ شديد ولكن ما كان يحدث بداخله هو بركان من عدة مشاعر كانت تنصهر وتذوب وتفور وتحرقه .. لم يدرك كم أشتاق اليها وأفتقدها حتى ألقت بنفسها بين ذراعيه فى مكتب مأمور السجن وكان المكان غير مناسب ليعبر لها عن شوقه فلجم الوحش الذي زأر بداخله وتحكم فى أنفعالاته بيد من حديد ومازال عند قراره .. لن يعيدها اليه الا اذا أصبحت رغبتها به تساوي رغبته بها .. لا يريد أن يكون المانح الوحيد .. ولا يقصد ما يخص العلاقة الجسدية فهي بهذا ترضيه ويرضيها بل يفكر فى المشاعر وقد رأى فى تغيرها بداية جيدة لينطلق منها .. فخلال الشهور الماضية كان قادر على أسترجاع ذكرياتهما القليلة معا خاصة تلك التى سبقت أكتشافه لخداعها وأدرك أن من المستحيل أن كل ما كانت تبديه نحوه تمثيل فهناك بعض الأوقات كانت فيها على طبيعتها ومشاعرها غير مزيفة كغيرتها عليه ولهفتها اليه كلما كانت بين ذراعيه .. ربما استطاع أن يحرك مشاعرها تجاهه وهو مصر على أكتشاف ذلك خلال الأيام القادمة.
فوجأت مرام بالسيارة تتوقف أمام بيت مها
- أنت تعلم أين أعيش ؟
قال بأستياء شديد من سؤالها الذاهل
- لست أنا بالرجل الذي يجلس ببيته وينام قرير العين ولا يعرف أين تنام زوجته .
ترجل من السيارة وبعد لحظات من الذهول تبعته ورأته يغلق السيارة ويتوجه الى داخل البناية قبل أن يقف وينظر اليها بنفاذ صبر
- هل ستقفين مكانك كالتمثال .. هيا .
تحركت بطريقة آلية وتبعته .. كان يعرف أين تسكن وفى أي طابق ووقف بثقة أمام باب الشقة وقال آمرا
- أفتحي الباب .
قبضت على حقيبة يدها بقوة وفكرت بأدعاء نسيانها للمفتاح ولكن لو أخذ الحقيبة وفتحها سيكتشف كذبها فقالت
- خالتى مها لا تحب أن يدخل الغرباء الى منزلها وقد حذرتني من جلب ضيوف الى بيتها وهي غير موجودة .
مط شفتيه
- هذا من حقها بالطبع .. ولهذا أخذت اذنها وهي تعلم بوجودي هنا .
تراجعت بحدة الى الخلف وقالت بشك
- أنت تكذب .
- اتصلي بها لتتأكدي ولكن لا تجعلينا نقف هنا الى الأبد .
أخرج هاتفه من جيبه بنفاذ صبر
- هل أتصل لك بها ؟
- وهل معك رقم هاتفها ؟
هز رأسه بتأفف وأيقنت من غباءها .. بالطبع معه رقم هاتفها .. أستسلمت وأخرجت المفاتيح من حقيبتها وهي تسأل نفسها ما الذي يريده منها حقا والى ما يسعى .. لقد تعبت حقا .. ظهر كالأعصار وعصف بها وجعلها تشعر كما لوكانت معلقة من قدميها فى الهواء .
أغلق باب الشقة من خلفه فأقشعر بدنها خوفا واثارة .. جسدها الغبي وقلبها الأغبى منه أصبحا خارج السيطرة ومهما حاولت أقناع نفسها بأنها قادرة على السيطرة عليهما يثبتا لها مدى فشلها بمجرد أقترابه منها .. خائنان .
- دليني على المطبخ .
سألته بدهشة ساخرة
- غريبة أنك لا تعرف مكانه .
أبتسم رغما عنه أبتسامة أذابتها فأشاحت بوجهها عنه وقالت بتبرم وهي تسير أمامه الى المطبخ
- من هنا .
وقفت فى المطبخ عاقدة ذراعيها أمام صدرها
- ماذا تريد ؟
- أنت .
رفعت رأسها اليه بحدة وقد أتسعت عيناها فقال بسرعه ونظرات عينيه مازالت على عبثهما
- أنت سألت وأنا أجبت .
تسارعت أنفاسها وقالت من بين أسنان مطبقة
- أقصد ماذا تريد أن تشرب ؟
أقترب منها فحلت ذراعيها وتراجعت الى الخلف فحاصرها عند خزانة الأطباق وكان وجهه يضحك منها ونظرة مظلمة تخيم على عينيه
- حقا تريدين أن تعرفي ؟
كادت أن تبكي وقلبها ينبض أسفل حلقها .. أغلقت عيناها .. حسنا فليفعل ما يريد لم تعد تهتم بمقاومته ووقفت تنتظر .. شعرت بسترته تلامس جسدها وأنفاسه صارت دافئة على وجهها فرفعت وجهها تستعد لأستقباله .. همس ضاحكا
- سأشرب قهوة .. هل لديكم منها ؟
ظلت على وضعها للحظات ثم فتحت عينيها لتقابل عينيه المليئة بالمرح والسخرية فما كان منها الا أن دفعته بعيدا عنها بقوة فتراجع الى الخلف
- أصنعها لنفسك اذن .
وتمتمت بغيظ بصوت منخفض استطاع سماعه
- يالك من حقير .
خرجت من المطبخ يلاحقها صوت ضحكته .
****
دلفت الى الحمام وغسلت وجهها ويديها ثم ذهبت الى غرفتها وأغلقت الباب عليها بالمفتاح .. كانت غاضبة من نفسها .. على ضعفها وغباءها سمحت له بالسخرية منها .. خلعت كنزتها واستبدلتها بأخرى .. مشطت شعرها وبطته بقوة خلف رأسها ولم تضع أي زينة على وجهها حتى لا يظن أنها تفعل ذلك لتغريه يكفيه غرورا بنفسه وأحراجه لها منذ قليل فقد ظنت أنه سيقبلها ثم سخر منها .
صنع صالح القهوة لكلاهما وبعد أن أنتهى من شربها وقف وأعلن أنه حان وقت رحيله فدهشت ولكنها حاولت عدم اظهار دهشتها وقبل أن يخرج من باب الشقة قال بجدية
- أتصلي بوالدك .. أنه بحاجة الى سماع صوتك والى رؤيتك .
سألته بهفة
- وهل ستعود الى المزرعة ؟
لمس وجنتها بأصابعه وقال بخبث
- لا .. لا تأملي فى ذلك .. أنا باق هنا .
سألته بعبوس وقد تجهم وجهها
- الى متى ؟
مط شفتيه ورد
- حتى آخر عمري ان أحتاج الأمر .. لا أدري .
مال على وجنتها وقبلها وقد تجمدت
- لن تتخلصي مني بتلك السهولة يا حبيبتي الماكرة .. وكما قلت .. سأستخدم كل ما تطاله يدي وكل ما أقدر عليه لأبقيك متلصقة بي الى الأبد .
أغلق الباب وظلت واقفة فى مكانها ولم تدرك أنها كانت تحبس أنفاسها الا عندما بدأت تشعر بضيق فى صدرها فشهقت بقوة .
ماذا ينتظرها على يديه يا ترى وما نوع الهجوم الذى ينوي أن يشنه على قلبها الذي تعرف جيدا أنه لن يتحمل ولن يقاوم والذي سرعان ما سيرفع راية أستسلامه ويخذلها فى أول معركة .. تأوهت .. حتى أنه استسلم منذ الأن .
****
الفصل التاسع عشر
من رواية .. وغابت شمسها
.
لقد أختفى صالح ..
بعد ذلك اليوم الذى زارت فيه فودة بالسجن .. تهديده جعلها تظن أنها ستراه باستمرار ولكن مرت أربعة أيام ولم يظهر له أثر ..
وقد أصابها هذا بالهوس فعندما تنزل من البيت فى الصباح تتوقع أن تراه أمامها وعندما تخرج من محل عملها تتلفت حولها فقد يكون بأنتظارها .. وفى المساء كانت تظل تنظر الى شاشة هاتفها فربما يرسل لها رسالة أو يتصل .. وبعد مرور تلك الأيام الأربعة كانت قد وصلت الى مرحلة صعبة وأصبحت عصبية المزاج ودائمة القلق والتوتر .
لاحظت مها حالتها وكانتا جالستان فى حجرة الجلوس بعد العشاء وسألتها ان كانت مقابلتها لزوجها من جديد قد أثرت فيها فأنفجرت صائحة
- أنني أكرهه .. من يظن نفسه .. يأتي ويهددني ثم يعود ويختفي .. أنه يتلاعب بي .. يلعب بأعصابي .. يحلو له عذابي وأنشغال بالي .. يظن أنني لا أعرف لعبته ولكنه ينسى دائما أنني لست بفتاة ساذجة .. لقد رأيت كل تلك الألاعيب من قبل ولعبتها أيضا .
أتسعت عينا مها ذهولا من أنفجارها الغاضب ثم أنفجرت ضاحكة عند جملتها الأخيرة
- ألاعيب ولعبتها .. ما هذا يا مرام .. لقد نسيت هذا الجانب منك .
أرتجفت أبتسامة على شفتيها وهي تزفر وتحاول تهدأة أعصابها
- آسفة .. لا أقصد أن أتباهى بوقاحتي .
ثم استطردت بحنق
- ولكنه يغيظني .. لا أعرف ما الذي يريده مني ولماذا عاد الى حياتي .. كان يستطيع أن يطلقني ويعيش حياته .. فلماذا يعود ثم يختفى بهذا الشكل .. يعاقبني من جديد ؟ لن أحتمل هذه المرة .
دمعت عيناها وهي تتذكر قوله .. عندما سألته (( ألن تكتفي أبدا من تعذيبي ؟ وقد أجابها فى حينها بلهجة أثارت الرعب فى قلبها وارتجفت لها أوصالها (( أبدا .. ولا أعتقد أننى سأكتفي حتى آراك تتلاشين )) فهل عاد حقا ليكمل ما بدأه ولكن لماذا تأخر كل تلك الشهور مادام كان يعرف بمكانها
قالت مها برقة
- أنت تحبينه بشدة يا مرام .. ظننت أنك قلت أنك تكرهينه .
أخرجها قولها من شرودها فهزت رأسها بضعف
- لم أستطع .. حاولت وفشلت ويأست من المحاولة .. أحبه وأنتهى الأمر .
- ولماذا عاد فى رأيك وكان المجال أمامه كما قلت ليتخلص منك ويتزوج غيرك .. أبنة عمه أليست هي ؟
أحمر وجه مرام وقالت بحقد
- لتشبع به تلك الغبيه .
أخفت مها أبتسامة وهي تقول
- ولكنه لم يتزوجها وعاد اليك وبرغم كل ما فعلته به وعرفه عنك لم يتركك ... هربت منه وتتبعك .
هذا صحيح وقال أيضا أنها له حتى يفرق الموت بينهما ولكن هناك شئ خاطئ , قالت بأنفعال
- نعم صحيح ولكن ..
ثم توقفت وسألتها بحيرة
- ماذا تقصدين ؟
- أريد أن أعرف تفسيرك أنت أولا .
عقدت مرام حاجبيها وفكرت .. يبدو الأمر من تلك الزاوية التى طرحتها مها وكأن صالح يحبها لدرجة تجعله يتغاضى عن كل أفعالها وعيوبها ويقبل أن يستمر معها برغم كل ما عرفه عنها ولكن من زاويتها هي تراه أميرا للأنتقام .. يثأئر لكرامته منها .. تهديداته وما فعله بها حتى يوم أجهاضها لطفلها خير دليل على ذلك .. صعب أن تنسى أو أنها تخشى أن تنسى فيعود ويؤلمها وهي تعبت من الألم خاصة ألم شوقها الذي لا يرتوى اليه .
- صالح ربما كان يحبني فى مرحلة ما .. ولكنه لم يعد كذلك .. أعترف أنه صدم في .. خدعته وغششته وما سمعه من فودة يجعل لديه كل الحق لكي يغضب ويحتقرني ولكن لو أنه أحبني حبا حقيقيا لأستطاع أن يرى حقيقة مشاعرى نحوه وأستطاع أن يسامحني لو كنت فى مكانه لفعلت .
ثم رفعت وجهها الى مها وسألتها
- وما تفسيرك أنت ؟
قالت بجديه
- أنت وهو لديكما نفس المشكلة .. عدم الثقة .. هو لايثق بأنك تحبينه .. تملأه الريبة والشك من ناحيتك وهذا سببه الصدمة التى مني بها فى بداية علاقته بك وأنت .. تألمت بسببه وجرحت حتى أصبحت تخافين الألم ولا تثقي بقدرته على حبك من جديد قالت مرام بأبتسامة مشاغبة
- تعجبني وجهات نظرك الفلسفية .
عقدت مها ذراعيها وعادت الى الخلف على الأريكة وقالت مبتسمة
- تسخرين من الفلسفة اذن .. أنها أساس الحياة .. الكون نفسه أسس على أساس فلسفى .. كل شئ فى حياتنا مبني عليها .. الدين والعلم والسياسة والفن ... هي البحث عن الحق والخير والجمال فى كل شئ .
ردت مرام مبتسمه
- لم تكن أبدا مادتي المفضلة .. ولكن ما فهمته .. أنها ما يجب أن تكون عليه الأمور وليست ما هو حقا موجود .. لهذا هي منفصلة عن الواقع .. ليس كل شئ حولنا حق وخير وجمال هذا ما رأيته وخبرته فى هذه الدنيا .. لم آخذ حقي .. لم أجد خيرا في شئ أو في أحد .. ولا أرى سوى القبح من حولي .
مطت مها شفتيها بأستياء
- هذا ليس ذنب الفلسفة ... أنها فقط تشير للطريق الصحيح .. ترصد وتحلل وتستنبط وعلى الأنسان أن يتأمل ويختار .
وقفت مرام وهي تتثائب
- اذن لماذا أجد نفسي دائما مجبره على الأختيار ما بين السئ والأسوأ .
وقبل أن تتابع مها نقاشها قالت ضاحكة
- لن أقتنع خاصة وأنا غاضبة جدا .. تصبحين على خير .
أستلقت على الفراش بين الأغطية وهي تفكر .. أين هو ؟ هل عاد الى المزرعة ؟ ولكنه قال بأنه لن يعود وسيظل هنا من أجلها .. ليس من أجلها حقا ولكن من أجل اخضاعها .. برقت عيناها فى الظلام وكأنه أكتشاف .. نعم هذا هو هدفه .. أن يجعلها تخضع له وتصبح منكسره ومذلوله أمامه .. لم يعجبه هروبها منه وربما جعل سيرته بين الناس سيئة فقضى تلك الشهور يضع الخطط التى تقوم على أخطاء تقع فيها .. يراقبها ويتجسس على حياتها .. منتظرا أن تخطئ وعندما فعلت بزيارتها المحرمة لفودة كانت حجة جيده .. تقلبت فى الفراش بضيق .. ولكن أين هو ؟
****
فى أحد فروع شركة المحمول بالأبراهيمية ..
أخذت مرام الشفت الليلي .. تنهدت بضيق وهي تنظرت الى الصف الطويل من العملاء المنتظرين وهى جالسة خلف مكتبها وأمامها شاشة الحاسوب وفى الخارج كان هناك أمطار لا تتوقف عن الهطول .. كان يجب أن يكون هؤلاء الناس فى منازلهم فى مثل هذا الطقس السئ ..
مرت الساعات وشارف يومها الثقيل على الأنتهاء وكان يجلس أمامها أحد العملاء عندما رفعت رأسها بالصدفة ورأته .. أرتبكت وتسارع نبضها .. رأت صالح يجلس على أحد مقاعد الأنتظار وعيناه ثابتتان .. ليس عليها وانما على الشاب الجالس أمامها وهنا أنتبهت لمظهر الشاب لأول مرة .. كان وسيم مفتول العضلات بأبتسامته أنيقة .. لقد أعتادت على ثرثرة الزبائن ومحاولتهم المستمرة لأطالة الجلوس معها لدرجة جعلتها تعتاد على هذا الأمر وكأنه روتين يومي .. عادت بنظراتها الى صالح والذي أنتبه الى نظرتها المسلطة عليه فرفع أحد حاجبيه وزم شفتيه بغضب فعبست وهي تتساءل ما به الأن ولما هو غاضب .. أنها تعمل وليست فى موعد غرامي .. أعاد الشاب أنتباهها اليه بطرح سؤال سخيف آخر ووجدت نفسها دون أن تدري تطيل الحديث والشرح وزادت من توهج أبتساماتها .. شياطينها أخذت منها المبادرة وراحت تعبث بعقلها وتتحكم فى تصرفاتها ولكنها لم تكن تتوقع ما هو آت .. بعد ان أنتهت ووقف الشاب لينصرف على كره منه رأت صالح يقف بدوره وقد أسود وجهه من الغضب وأصبح أمامهما بخطوتين وقال بصوت بارد
- هل أنتهيتم ؟
أبتلعت ريقها بصعوبة وقررت أن تتحداه أكثر وقالت بسرعة وبطريقة عمليه
- أنتهى عملي سيدي .
وأشارت الى زميلها فى المكتب المجاور
- تفضل هنا .
, تجاهلها صالح وجلس على المقعد الذي تركه الشاب لتوه قائلا بحدة
- أفضل أن تساعديني أنت .
شحب وجهها وتلفتت حولها بقلق ورأت المدير وكان قريبا منهم ينظر بأتجاهها متساءلا وهو عابس الوجه فنظرت الى صالح بغضب فهو هكذا سيتسبب لها فى مشكلة
- هذا مكان عمل .
قال ساخرا والغضب مشتعل فى عينيه
- حقا ؟ .. لم يبدو لي كذلك منذ قليل .. هل هكذا تجذبون زبائنكم بالمغازلة والكثير من الضحك والمسخرة ؟
أشتعل غضبها كذلك
- أنا أعمل فى خدمة العملاء .. يعني علاقات عامة والكياسة والتهذيب مع الزبائن ضروري .
أستفزته أكثر فقال
- ولكن ما رأيته كان قلة تهذيب .
شهقت بغضب وهنا جاء صوت المدير يقول بأنزعاج
- هل هناك من مشكلة أنسة مرام ؟
ألتفت اليه صالح بحدة وقد ازدادت ملامحة شراسة
- أنسة مرام ؟
وانكمشت مرام فى مقعدها فهو على وشك أفتعال فضيحة لها فى مقر عملها وبين زملاءها مد يده عبر المكتب وسحب يدها اليسرى ونظر الى أصابعها الخالية من الخواتم وقال بغيظ
- آه فهمت .
قال المدير بتجهم
- ماذا يحدث هنا ؟
وقفت مرام بحدة وقالت ووجها أحمر من شدة الحرج وقد أصبحوا محط أنظار الجميع تقريبا
- لا شئ سيدي .. هل أستطيع الذهاب الأن ؟
رمق المدير صالح بريبة والذي كان قد وقف بدوره
- لو هناك مشكلة أنسة مرام ..
قاطعه صالح بحدة
- هذه هي المشكلة بالضبط .. فأنا زوج الأنسة مرام .
رفع المدير حاجبيه بدهشة ونظر الى مرام بتساؤل ورأى وجهها الممتقع فقال
- تستطيعين الذهاب الأن .
أرتدت معطفها وحملت حقيبتها وكانت تتجنب النظر الى وجوه زملاءها وهى خارجه وتدرك أن صالح يتبعها .
سارت على الرصيف تبتعد بسرعة غير مباليه بالمطر الذى ينهمر على رأسها
ولكن سرعان ما ألتفت أصابعه حول ذراعها وأوقفها صائحا بها
- لا تتجاهلينني .
صاحت بدورها
- وأنت لماذا تلاحقني وكيف تتجرأ على أحراجي فى مكان عملي ؟
- وكيف تريدين مني أن أتصرف وأنا أراك تغازلين الرجال أمام عيني .
عجزت عن الرد للحظات ولكنها سرعان ما قالت
- عقلك متعفن شكاك .. كنت أؤدي عملي ولم أكن أتغزل فى أحد .
- أين خاتم زواجك .
رفعت رأسها تتحداه
- خلعته ولم أعد أرتديه منذ أن تركتك .
أصبح خطيرا وبدأت تندم على أستفزازها له ونظرت الى الشارع الخالي من حولهم بخوف وأنتبهت للمرة الأولى أن كلاهما غارق بالماء تحت رذاذ المطر المنهمر جرها من ذراعها خلفه ووجدت نفسها فى لحظات بجوار سيارته ودفعها بفظاظة فى المقعد الأمامي وأغلق الباب عليها بعنف .. استدار حول السيارة وصعد على مقعد القيادة وأغلق بابه بعنف مماثل .. أصدر اطار السيارة صريرا عاليا وهو ينطلق بها .
هل كانت تتساءل حقا عن مكانه ؟؟ ليته ظل مختفيا للأبد
****
لوران على البحر ..
تساءلت بقلق الى أين يأخذها ؟
أوقف السيارة أمام بناية شاهقة وكان المطر قد هدأ فأمرها بحدة
- أنزلي .
أطاعته ونزلت من السيارة وتبعته الى داخل البناية .. وقف حارس الأمن بتهذيب ونظر اليهما بفضول مستتر
سألته وهما أمام المصعد
- الى أين تأخذني ؟
رمقها بنظرة عنيفة
- الى شقتي يا أنسة مرام .
تراجعت خطوة الى الخلف وقد أعتراها الخوف
- وهل تملك شقة هنا ؟
فتح باب المصعد ودفعها الى داخله ولم يجيبها فقالت تحتج بعجز
- لا أريد أن أصعد معك .
قال ساخرا بغيظ وهو يضغط على زر الدور العاشر
- هل صدقت حقا أنك آنسة .. ونسيت أنني زوجك ؟
كان الطابق يحتوي على أربع شقق أحصتهم مرام سريعا وصالح يفتح باب الشقة ثم دعاها للدخول قبله
كانت شقة جميلة وكل شئ فيها حديث وجديد وتساءلت .. منذ متى يملكها ولما أشتراها وتذكرت وعده لها بأن يشتري لهما شقة على البحر فى الأسكندرية بمجرد أن تنصلح أموره الماليه .. فهل أشتراها من أجلها ؟ تركها صالح واقفة تتأمل ما حولها وأختفى بالداخل وعاد بعد دقائق وكان قد خلع معطفه وكان يحمل منشفة ناولها اياها قائلا
- خذي جففي نفسك ولكن أخلعي معطفك أولا .
ثم توجه الى داخل المطبخ المفتوح على الصالة وهو يشير الى حجرة جانبيه مواجهة للمطبخ ويفصلها عن الصالة باب جرار
- أدخلى الى هناك وسأصنع الشاي لكلانا .
أشعلت الضوء وخلعت معطفها ووضعته على ظهر مقعد .. أعجبتها هذه الحجرة كذلك بل أعجبتها كثيرا كانت دافئة ومريحة .. الأرائك والمقاعد واسعة خليط من اللون الفضي والرصاصي الغامق ووسائد باللون الفيروزي الهادئ .
- ما رأيك ؟
ألتفتت اليه .. كان يقف حاملا صينية الشاي , ردت بصدق
- شقة جميلة .. أنت من فرشها ؟
وضع الصينية على المنضدة ثم انتصب واقفا ونظر اليها
- نعم .. هذا ذوقي بمساعدة من مهندس ديكور رشحه لي أحد أصدقائي .
جلست مرام على طرف الأريكة وهي تقول بتوتر
- سأشرب الشاي ثم أذهب .
لوى شفتيه دون أن يقول شيئا وجلس على الأريكة بجانبها لا يفصله عنها الكثير
وقال بهدؤ
- أصبحت الشقة جاهزة لأستقبالك .
ألتفت رأسها اليه بحدة وسألته بأنفاس مبهورة
- ماذا تقصد ؟
- هذا البيت لك .. لنا .. أخبرتك أنني راغب بأستعادتك .
سألته يحدوها بعض الأمل
- لماذا ؟
قال بحيرة
- لأنك زوجتي ومكانك الطبيعي هو معي .. وأنا أريدك .
- وماذا عما أريده أنا ؟
عاد اليه الغضب من جديد
- وماذا تريدين أكثر من ذلك .. أشتريت لك شقة أحلامك .. أحوالي المالية تحسنت كثيرا .. مضيت عقود تصدير ستجعلني قريبا من الأثرياء .. سأوفر لك حينها كل ما ترغبين به .. ألا يسد هذا جشعك ولو قليلا .
للحظات كانت تأمل .. ولكن كلماته نسفت أملها .. مازال يراها بصورة سيئة .. أنه يرغب بها ولكن لا يحبها حقا .. لا أحد يحب شخص لا يحترمه .
وقفت بحزم وتناولت معطفها وحقيبتها
- يجب أن أذهب .. ستقلق خالتي مها علي .
أمسك يدها وسألها متجهما
- أجيبي أولا .. هل ستعودين الي ؟
نظرت الى عينيه مباشرة وسألته
- ولو رفضت .. هل ستجبرني ؟
تصارعت المشاعر على وجهه ثم قال أخيرا
- لا .. لن أجبرك .. ولكن قبل أن تقررى يجب أن تعرفي أنني مستعد أن أوفر لك كل ما ترغبين به وسأقبل بأي شروط من جهتك وفى المقابل سأطلب منك الأخلاص التام وأن لا تكذبي علي أبدا .
صمت يحدق فى وجهها ينتظر ردها ..
أصبح جرحها عادة لديه .. كل كلمة وكل نظرة تحمل أهانة لها .. أعترفت لنفسها بمرارة بأنها من دمرت ثقته بها وليس له ذنب فى سؤ ظنه فهي وحدها الملومة لما وصل اليه حالها وان وافقت على عرضه المهين الذي يصلح لأن يعرض على عشيقة ستكون بذلك تثبت وجهة نظره فيها .
سارت بهدؤ الى الباب وهو يقف مذهول .. ستذهب وكان يظن أنها ستقفز لتنتهز الفرصة خاصة بعد أن رأت الشقة وأخبرها عن تحسن أعماله فهل فاته شئ ؟
قال بسرعة وقلبه يعصف
- سأشتري لك أي سيارة تعجبك وسأضع لك مبلغ كبير فى حسابك بالبنك .
توقفت .. تجمدت فى الواقع فهدأت أنفاسه ولكن عندما أستدارت صدم وهو يرى الدموع تنساب غزيرة من عينيها بصمت وقالت بصوت متحشرج
- لا أريد شقتك ولا أموالك .. ولا أريد أن أراك أبدا بعد اليوم .
وسارت مرة أخرى بخطوات أسرع الى حيث باب الشقة فلحق بها وفكرة فقده لها نهائيا قد جعلته مجنونا .. دفعها الى الحائط وثبتها هناك بجسده وهو يصرخ بها
- ماذا تريدين .. أخبريني أيا ما كان وسأنفذه لك .
حاولت دفعه عنها وقد سقط معطفها وحقيبتها على الأرض
- أخبرتك أنني لا أريد شيئا منك .. فقط أتركني وشأني .
مر خاطر بباله جعله يسألها بعنف
- هل هناك شخص آخر ؟
آلام قلبها لم تعد تطاق وزادت دموعها فى الأنهمار فتوسلت اليه
- أتركني يا صالح أرجوك .
ولكنه لم يكن يستمع .. يحبها ويريدها وفى هذه اللحظة هو عاجز تماما عن تركها سحقها وراح يعانقها حتى كادت أنفاسها أن تزهق .. عانقها بيأس .. يأمل أن تشعر وتحس به .. يحاول أثارة رغباتها فربما يكون هذا الشئ الذي يجعلها تعيد النظر وتوافق على العيش معه ولو من أجل ذلك فقط .
صوت بكاءها ونحيبها أخرجه من غيبوبته فتركها لتسقط على الأرض وهى ترتجف .. مدت يدها وأخذت حقيبتها ومعطفها وضمتهما اليها وكأنها تحتمي بهما ثم وقفت وساقيها ترتجفان .. توجهت الى الباب ودون أن تنظر اليه أو تهتم بترتيب شكلها المشعث قالت
- لا أريد أن تقع عيناي عليك أبدا بعد اليوم .
****
الفصل العشرون والأخير
من رواية .. وغابت شمسها
راقبتها مها بوجه حزين وهي تجمع ملابسها وتضعها بترتيب فى حقيبة سفر متوسطة الحجم
- لقد أعتدت على وجودك معي .
أبتسمت لها مرام
- سأزورك كثيرا حتى تملي مني .. ميمي فى حاجة الي هذه الفترة تعلمين أنها وحيدة وليس لديها غيري الأن .
أغلقت حقيبتها وحملتها الى الخارج حيث ينتظرها خالها مروان ليأخذها الى بيت ميمي والذي قال بدوره وهو متجهم
- تعالي عندي .. شيرين لن تمانع وجودك .
أبتسمت له كما فعلت مع مها وقالت
- صديقتي فى حاجة الي .. ثم أنني لا أريد أن أكون علقة تتعلق بظهور الناس من بعد اليوم .
ثم ضحكت ومن داخلها تبكي تتذكر مقولته (( فأمثالك كالعلقة تلتصق بظهر الرجل ولا تخرج الا بدمه ))
حمل مروان الحقيبة ونزل بها تاركا مرام تودع مها وتلحق به فى السيارة
- شكرا لك .. المدة التى أقمتها معك تعلمت فيها الكثير وأظن أنني مدينة لك فان أحتجت مني أي شئ أطلبيه على الفور .
أحتضنتها مها بقوة وقالت بصوت يختنق بالدموع
- أنت فتاة رائعة وثقي فى ذلك .. وجودك معي أسعدني فوق ما تتصورين وكنت أتمنى حقا أن تستمري فى الأقامة معي .
ودعتها ولحقت بخالها فى السيارة .
أتخذت قرارها هذا بسهولة فصديقتها تمر بمرحلة صعبة فى الحمل حتى بالكاد تستطيع الحركة ومرام أصبحت غريبة عن نفسها وعن من حولها فبعد آخر لقاء لها بصالح فى شقته أدركت أن حكايتها معه قد أنتهت وأنها لن تراه مرة أخرى , وقد عرفت من والدها أنه عاد نهائيا الى المزرعة بعد أن كان قد رتب أموره أن يبقى بالأسكندرية بشكل دائم وأن يفتح مكتب للتصدير وكان قد كلف والدها بادارة المصنع مع رباب وعين مهندسا زراعيا مديرا للمزرعة وكان سيكتفي بالأشراف من وقت لآخر .. كان والدها حزينا وهو يخبرها بهذه الأنباء وقد كان فى احدى زياراته وقال
- فوجئت بتلك القرارات فى حينها .. فلم أكن أتخيل أبدا أن يتخلى صالح فى يوم من الأيام عن المزرعة والمصنع ويبتعد عن شقيقته ويعيش بعيدا عن بيت والده لذلك ظننت أن الأمور بينكما ستتحسن وتعودا لبعضكما .
فأجابته
- لا يمكن أن تتحسن الأمور بيننا .. أنا وصالح بدأنا بطريقة خاطئة لهذا صعب أن نستمر وسط كل هذه المرارة وسؤ الفهم .
أعطاها مبلغ من المال وقد بدا خجلا وهو يقول
- أنه مبلغ بسيط يساعدك قليلا .
فقبلته منه حتى لا تجرحه ولكي تشعره بأهميته فى حياتها ولكنها قالت
- تعلم أنني أعمل الأن وراتبي يكفيني ويزيد .
وكانت مضطره أن تقول له فى نهاية اللقاء
- عندما يتم صالح أجراءات الطلاق أرجو أن تخبرني .
لم تتفق معه على شئ ولكنها تتوقع تلك الخطوة منه .
سافر والدها ووعدها بأنه لن ينقطع عنها وسيأتي بأستمرار لرؤيتها وجعلها تعده كذلك أن تتصل به ان أحتاجت لشئ أو وقعت فى مشكله فوعدته بذلك ولكنها لم تخبره بعد بأنها ستترك بيت مها وتنتقل للعيش مع صديقتها ولو بشكل مؤقت
****
سجن الحضرة
جاء للقاءه بعد أن استنزف عقله تماما ..
لم يعد يتحمل الشك والغيرة .. كثرة المرارة والغضب تكاد أن تنفجر لها شرايينه .. واضيف اليهم الأن الحرمان وفقدان الأمل .. كل شئ راهن عليه أنقلب فى وجهه فدار وأحتار وأصبح قريب من أن يفقد عقله .
كان يجلس يستند بكوعيه على ركبتيه مطأطئا رأسه عندما فتح الباب ودخل فودة بصحبة حارس السجن .
أطلق فودة صفيرا منخفضا يعبر عن دهشته عندما رآه , رفع صالح رأسه اليه بحدة ورأي نظرة تسليه فى عين الشاب أغاظته .. تركه الحارس وانصرف وهو يعطي تحية أحترام لصالح ويغلق الباب .
تقدم فودة بوقاحة وجلس فى المقعد المواجه له , رفع صالح جذعه وأنتصب فى جلسته وهو يتأمل وجه الشاب بتمعن
- تبدو متعبا .
قالها فودة وابتسم ثم استطرد
- لماذا جئت لزيارتي ؟
تمالك صالح نفسه حتى يخرج صوته هادئا ولكن فودة عاجله بالقول
- جئت لتسألني عن حقيقة ما قلته عن مرام فى تلك الغرفة فى فندق الجونة .
أشتد وجه صالح بصرامة ورغب بشدة فى لكمه ليمحو تلك التسلية عن وجهه ولكنه قال
- نعم .
رفع فودة حاجبيه
- ولماذا لم تسأل مرام .. لقد صدقتني من قبل وستصدقني الأن ؟ ولكنك لم تكن على استعداد لتصديقها أليس كذلك ؟
جز صالح على أسنانه بغيظ .. نعم كلامه صحيح .. لم يستمع اليها عندما حاولت أن تشرح له .. رفض أن يعطيها الفرصة لتفعل وتبرر أفعالها , سأله بحدة
- وهل كنت تكذب ؟
هز فودة كتفيه وقال مراوغا
- ليس فى كل شئ .. ولكني زودتها قليلا .. أكثر من القليل بقليل .
صاح به صالح بعنف
- كف عن عبثك وتحدث بطريقة جيدة والا أقسم أن أحطم لك وجهك .. وأنت لا تعلم كم أود أن أفعل ذلك .
تجهم فودة وقال
- أنت تحبها لذلك أنت هنا وهذا لا يعجبني خاصة وأنا أعلم أنها تحبك كذلك .
ضاقت عينا صالح وسأله وهو لا يستطيع أن يتأكد اذا ما كان صادقا أم أنه يلهو به
- وكيف تعلم شئ كهذا ؟
قال فودة بحنق
- أنها صديقتى ولا نخفي شيئا عن بعضنا .
أحمر وجه صالح وقال بغيظ من بين أسنانه
- لا أعرف ماذا تعني بصديقتك .. لا يوجد ما يسمى صداقة بين شاب وفتاة .
- لا تهمني وجهة نظرك المتخلفة وضيق أفقك .
سأله
- هل تريد أن تقول لي أنك لم ترغب بها أبدا .
قال فودة بصراحة
- بالطبع رغبت بها .. هل أنت مجنون .. أنها رائعة .. ولو أحبتني لتزوجتها .
لا .. لم يعد يحتمل صفاقته .. مال بحدة للأمام وسحبه من ياقة قميصه بعنف والدماء تفور فى رأسه
- كلمة أخرى فى هذا السياق وسأزهق روحك بيدي .
ثم تركه فجأة فكاد أن يقع من فوق مقعده وقال بحنق
- مرام تعني لي الكثير وقد وعدتها أنني عندما أخرج من هنا سوف أعتني بها جيدا .
جز صالح على أسنانة بصرير مسموع فقال فودة بسرعة معترفا
- لم يكن بيننا أي علاقة من هذا النوع المشين ولولا أنني أحتلت عليها وأخذت نقودها لما لجأت الى أبي بسبب يأسها .. والمخدرات لم تكن تعلم عنها شيئا وقد ورطتها فيها من دون علمها ... كنا نشرب ونصيع معا ولكنها لم تكن أبدا على علاقة مخلة بشاب .. من هذه الناحية هي بريئة تماما .
هل يشعر بالراحة لسماعه هذا الأعتراف أم يشعر بالنقمة على نفسه .
- هل ستدعها تزورني ؟
تساءل صالح ان كان هذا الفتى مجنون
- أنت مدين لي بذلك .. لقد ألقيت بي فى السجن وسرقت قلب صديقتي وحطمته وقد أعترفت لك الأن بالحقيقة وكنت صادقا معك .
وقف صالح وقال بمرارة
- ان أرادت زيارتك فهي حرة فى ذلك .. أظن أنني قد فقدت أي حق لي فى منعها .
سأله فودة عابسا وقد أصبح جادا فجأة
- هل ستتركها وتتخلى عنها بعد ما قلته لك عن مشاعرها تجاهك ؟
هز كتفيه قائلا بمرارة
- وما أدراك أن مشاعرها مازالت كما هي فبعد كل ما فعلته لا أظن أنها تكن لي أي مشاعر جيدة .. وحتى وان كانت .. لن أجرؤ على طلب السماح منها .. أظن أنني قد أحرقت كل سفني معها .
****
في شقة ميمي
رصت مرام ملابس الطفل الجديدة ونشرتها واحدا واحدا على الأريكة وفوق المقاعد في حجرة الجلوس ووقفت هي وصديقتها يتأملونهم بعيون تبرق سعادة ورقة وقالت
- كم هم رائعين .. أنظري الى ذلك الطقم الأصفر .. صغير جدا يصلح أن يكون للعبة .
ضحكت ميمي وقالت بحنان
- كلهم يولدون صغار جدا .
هزت مرام رأسها موافقة وقالت
- ولكن سرعان ما يكبرون .. كل بضعة أشهر ستحتاجين الى غيرهم .. هكذا أخبرتني شيرين .
طوقتها ميمي بذراعيها وهي تقول بأمتنان
- شكرا لك يا مرام .. تعبت نفسك بشراءهم .. وشكرا لوجودك معي .. لقد كنت خائفة أن يحدث لي شئ ولا أجد أحد بجواري .
ربتت مرام على ذراعها
- نحن أصدقاء ولا مجال للشكر بيننا .. وسيأتي يوم أحتاجك فيه ومن مصلحتك أن لا تخذليني .
كانت تداعبها فضحكت ميمي وقبلتها على وجنتها , جلستا بعد ذلك تحصران الأشياء الناقصة وتكتبها مرام حتى لا تنسى وفجأة صمتت ميمي وقد تسارعت أنفاسها فنظرت اليها مرام بقلق
- ماذا بك ؟
أغلقت ميمي عينيها بقوة وهي تضع يدا أسفل بطنها وأخرى خلف ظهرها وقالت
- أنها تلك التشنجات وألم ظهري الذى راح يزداد كثيرا مؤخرا .
- هذا طبيعي حبيبتي .. لقد قال الطبيب أن ذلك سيحدث .
شهقت ميمي بقوة وهي تقوس ظهرها فبدأت مرام تشعر بالقلق فما زالت فى الأسبوع الأخير من الشهر الثامن .. ركعت أمامها على الأرض وسألتها
- هل تريدين مني أن أتصل بالطبيب ؟
هزت رأسها نفيا بعنف
- لا .. سأكون بخير و ..
شهقت مرة أخرى بطريقة أقرب للصراخ
- نعم .. نعم أتصلي به .
أسرعت مرام وتناولت هاتف ميمي وأخرجت رقم الطبيب .. كانت الساعة التاسعة مساءا وهو فى عيادته الأن .. أجابها فأخبرته على الفور بحال صديقتها واستمع اليها بهدؤ ثم طرح عليها بعض الأسئلة عن الأعراض وكانت تنقل له ردود ميمي بتوتر فقال
- سأرسل لها سيارة أسعاف على الفور وسوف أكون بأنتظارها فى المشفى .
وقفت مرام تحدق فى ميمي التى تتلوى ألما وهي شبه عاجزة مشلولة التفكير وبعد صرخة حادة أطلقتها صديقتها راحت تتحرك بسرعة وساعدتها على أرتداء ملابسها وحضرت حقيبة الطفل التى سيأخذوها معهم وراحت تدور حول نفسها لتتذكر أي شئ تكون قد نسيته
- مرااااام .
أسرعت عائدة الى حجرة الجلوس عندما سمعت صرخة ميمي الفزعة ووجدتها تقف تنظر الى ملابسها .
- مياه الطفل نزلت .
شهقت مرام برعب .. لقد تأخرت الأسعاف كثيرا ولابد أن تذهب الى المشفى حالا .
رنين جرس الباب أعاد اليها الحياة فأسرعت تفتح الباب للمسعفين ولكنهم لم يكونوا هم .. كان صالح .. للحظة راحت تحدق به مصدومة من رؤيته
- مساء الخير .
كان مرتبكا وفجأة تذكرت ميمي فقالت بسرعة وهى تسحب صالح الى الداخل
- تعال ساعدني .
كان متفاجئا .. كان يظن أنها سوف تطرده من عند الباب عندما تراه لا أن تجذبه الى الداخل بتلك اللهفة .. وقعت عيناه على ميمي التى تقف منحنيه تمسك ببطنها المنتفخ وكأنها تخشى من أن تسقط منها ووقف مرتبكا فصاحت به مرام
- لا تقف هكذا مصدوما هيا ساعدني فى أخذها الى المشفى الطفل سيولد الأن وقد تأخرت سيارة الأسعاف .
حملت الحقيبة على كتفها وأمسكت بذراع ميمي لتساعدها على المشي فقال صالح
- أتركيها لي .
وبسهولة رفع ميمي بين ذراعيه وطلب منها
- أفتحي أنت الباب .
لم يكن هناك وقت لتأمل المشهد ولا لتفنيد مشاعرها ولكنها ممتنه لوجوده فى هذه اللحظة .
وضع صالح ميمي برفق فى المقعد الخلفي للسيارة وتبعتها مرام التى قالت
- بسرعه أرجوك .
أنطلق صالح بالسيارة ومرام تصف له الطريق وفى نفس الوقت تحدثت الى الطبيب لتخبره بأنهما فى الطريق ولكن بدون سيارة الأسعاف .
قالت ميمي باكية وهي تتعلق بذراع مرام
- لو مت أعتني بطفلي يا مرام .. لا تتركيه وحيدا أرجوك .
قالت لها مرام بلطف وهي تجفف لها وجهها المتعرق
- أصمتي أيتها الغبية .. كل النساء يتألمن هكذا أثنا الولادة .. لن تموتي .
وصلوا أخيرا الى المشفى ورأت الطبيب وممرضة يقفان ومعهما كرسي متحرك
حمل صالح ميمي مرة أخرى ووضعها عليه .
أخذوها على الفور الى غرفة العمليات وجلست مرام وبجوارها صالح فى حجرة الأنتظار ساكنين تماما بعد تلك الزوبعة التى حدثت .
ابتسم صالح نصف ابتسامة وهو يتأمل بذلتها الرياضية الخاصة بالمكوث بالمنزل وخفها المصنوع من الفرو ولاحظت مرام نظراته وقالت بحرج
- نسيت أن أبدل ملابسي .. لم يكن هناك وقت لذلك .
تمتم
- لا بأس بك هكذا .
هزت رأسها فقط
قال صالح بعد قليل
- أعذري تطفلي .. ولكن يبدو أن معلوماتي منقوصة .. منذ متى وهي متزوجة ؟
رفعت مرام حاجبيها بدهشة
- حقا تقول ؟ ظننت أنك تعرف كل شئ
تغاضى عن سخريتها وقال
- التحريات التى تم جمعها كانت تقول أنها سافرت وشقيقتها مع والديهما ربما تزوجت وعادت .
قالت بما يشبه التشفي وهي بداخلها تعتذر من صديقتها
- هي حامل من دون زواج .
أرضاها رؤية صدمته فقالت
- وماذا كنت تتوقع أن يكون نوع الأصدقاء المحيط بفتاة مثلي .. واحد بالسجن وواحدة تحمل عن طريق الخطيئة .
ظل صامتا فتابعت بقسوة
- ربما أنت نادم الأن وتشعر بالأشمئزاز لمساعدتك لأمثالنا .
رأت وجهه يحتقن ويقول
- لست نادما على شئ .. ولا أعرف ملابسات الأمر لكي أحكم عليها .. ثم ان مساعدة العاجز حتى وان كان ظالم واجب على كل انسان .
دهشت من رده وجعلها تتخلى عن هجومها لبعض الوقت ثم عادت تسألة
- كيف عرفت بمكاني ؟ .. عن طريق جواسيسك بالطبع .. ألم ..
قاطعها
- لم أعد أتجسس عليك ولم أكن أعرف أنك تركت بيت حماة خالك الا اليوم ومن والدك .. وهو من أعطاني العنوان بنفسه .
ترتب على كلامه سؤالها التالي
- ولماذا اردت عنواني ؟
كتمت شهقة كادت أن تفلت منها .. أنه هنا من أجل الطلاق بالتأكيد .. رمشت بعينيها بضعة مرات متتاليه وهي تنظر أمامها لتمنع الدموع التى راحت توخزها .
مد صالح يده فى جيب سترته الداخلي وأخرج مظروفا ومد يده به اليها
كانت يدها ترتجف وهي لا تريده أن يرى أرتجافتها وهي تأخذ أوراق طلاقها
- أنه عقد الشقة ؟
كادت أن تسقط عن مقعدها أرتياحا .. لا تعرف ماذا يعني بعقد الشقة ولكن المهم أن هذه ليست أوراق طلاقها .
عندما لم تمد يدها لأخذها تابع
- لقد أشتريتها فى الأصل بأسمك مستخدما التوكيل الذي سبق وعملته لي لبيع الشقة القديمة .
أبتلعت ريقها بصعوبة وقالت
- أستخدمه مرة أخرى لنقل ملكية الشقة اليك فأنا لا أريد شيئا منك .
خفض يده وقال
- أنها من حقك وتعويضا لك عن الشقة التى أخذتها منك وكذلك سأخصص مبلغ شهري ك .. كنفقة بعد .. بعد أن يتم الطلاق .
كان قد تلعثم واختنق صوته وهو يختم عبارته .. وضع يده بجيب سترته مرة أخرى وأخرج مفتاحا
- مفتاح الشقة .
ووضع العقد والمفتاح على المقعد الفاصل بينهما .. ثم ساد الصمت بينهما وكلاهما عاجز عن أخراج صوته .. هي لا تملك القدرة على التفوه بحرف وهو لا يعلم سبب بقاءه جالسا معها حتى الأن .. جاء مصمما على أداء دورا معينا .. يعطيها حريتها ويرفع الضغط عنها .. يطلق سراحها بعد أن سجن ارادتها داخل قفص من الخوف والقلق والكثير من الألم .
خرج الطبيب أخيرا وتوجهت مرام اليه بلهفة , طمأنها على صديقتها وعلى طفلها الذي سيوضع فى الحضانة حتى يكتمل نموه لأنه ولد قبل أوانه , سألته
- وميمي .. أقصد ميادة كيف حالها ؟
فالطبيب لم يكن يعرف أسم التدليل لصديقتها
- أنها بخير ..ستخرج من العمليات بعد قليل .. أنها حاليا مازالت تحت تأثير المخدر فقد أضطررنا الى أجراء عملية قيصرية .
هزت رأسها متفهمة , أنصرف الطبيب واستدارت الى صالح ولكنها لم تجده تلفتت حولها كالضائعة ولكنه كان قد ذهب وترك العقد والمفتاح كما هما فوق المقعد .
****
ذهبت مرام وميمي لزيارة فودة فى السجن
حمل فودة الطفل الصغير والذي أعطته ميمي أسم محمد ..
راح يؤرجحه بين ذراعيه وينظر اليه بسعادة
- أنه جميل جدا .. يشبهك كثيرا يا ميمي .
وكان هذا صحيحا فهو نسخة مصغرة عن أمه وفى هذا اليوم أكمل الشهرين
أبتسمت ميمي بسعادة فقد كانت سعيدة حقا أن الصغير لم يأخذ شكل والده والذي لحكمة الخالق توفى فى نفس اليوم الذي ولد فيه أبنه .. وجدوه مطعونا بعدة طعنات فى جسده وملقى بجوار صندوقا للقمامة بالقرب من احد البارات فى أمريكا والتحقيقات أثبتت أنها كانت مشاجرة أدت الى موته .. كانت نهايته بشعة كأفعاله .
قال فودة وهو مازال ينظر الى وجه الصغير مبتسما
- هل تعتقدان أنه سوف يخجل اذا كان لديه أب مسجون وله سابقة مثلي ؟
عقدت ميمي حاجبيها بعدم فهم وهي تنظر اليه بحيرة ولكن مرام فهمت .. دائما كانت تفهمه وقفت وذهبت اليه وأمسكت رأسه بيديها وقبلته على شعره
- أنت رائع .. وستكون أب لا مثيل له .
ثم أختنق صوتها من الدموع والتأثر من موقفه ثم عادت الى مقعدها وهي تنظر الى ميمي التى تملكها الذهول وقد بدأت تستوعب ما قيل , سألها فودة مبتسما
- ما رأيك .. سأتبناه وأتزوجك .. ولكن سيكون زواج مع ايقاف التنفيذ للأسف فأنا محبوس هنا لستة سنوات أخرى .
كانت قد تمت اعادة محاكمته وخفف الحكم لسبع سنوات وقد كانت معجزة , تابع
- سيكون عقدا بيننا ألغيه فى أي وقت تشائين أنه من أجل هذا الطفل الجميل .. حتى يعيش مرفوع الرأس بين الناس ولا يعيش مثلنا يحمل بداخله مرارة مساوئ والديه .
تفجرت الدموع من عين ميمي .. ولكنها كانت دموع فرح وسعادة .. لقد أستجاب الله لدعائها المستمر أثناء صلاتها التى لا تنقطع عنها أبدا .. وداخلها يقين بأن الله قد غفر لها ذلتها وسامحها عليها .
****
نامت ميمي وصغيرها الزنان ..
بعد يوم متعب وطويل وملئ بالأحداث وأجمل حدث فيه هو زيارتهم لفودة وما نتج عن تلك الزيارة .. أولا عرضه الزواج من ميمي وتبنيه لأبنها وثانيا .. أخبرها عن زيارة صالح له بكل تفصيلها .. لقد تنازل صالح عن كبريائه وذهب لزيارة فودة واستمع اليه .. لم تكن لتصدق شيئا كهذا .. وعرف من فودة أنها تحبه وأعلن أمامه صراحة أنه يحبها كذلك ومع ذلك أخبرها أنه مستعد لطلاقها ؟
أخبرتها مها أن مشكلتهما تتلخص فى عدم الثقة .. وقد تخلص صالح كما هو واضح من عدم ثقته بها ومنحها عفوه وأعاد اليها حريتها وترك لها القرار حتى أنه جعل والدها يتصل بها بعد ذلك اليوم فى المشفى لكي تحدد بنفسها موعد ذهابهم للمأذون لأتمام أجراءات الطلاق وسيكون صالح مستعدا فى أي وقت تختاره هي ولكن هي من ماطلت فى الأمر .. أخبرت والدها أنها مشغولة بين عملها ومؤازرة صديقتها ولا تريد تشويشا لعقلها فى الوقت الحالي .. كان تهربا فاضحا من جانبها ولكن أن يترك لها المبادرة كانت حركة خبيثة منه .. فهمتها الأن .. ان راهنت على حبه وصدقت ما قاله فودة وشواهد الأمور فانه يأمل أن ترفض فكرة الطلاق .. ولكن ماذا يريد ؟ أن تذهب هي اليه .. تذهب اليه بارادتها الحره دون ضغط منه أم أن كبرياءه مازال له الغلبة عليه ؟
ووسط حيرتها ولهفة قلبها والأمل الذي عاد يراوده تلقت أتصالا من والدها وبعد التحيات والسلامات والسؤال عن ميمي وأبنها الصغير قال
- كان يوم عمل طويل ومتعب خاصة وأن صالح فى الأسكندرية وسيبيت ليلته هناك .. ولا تغضبي مني فقد أخبرته أنك لم تنتقلي الى شقتك بعد وسمحت له أن يبقى فيها الليلة بدلا من أن يحجز فى فندق .. ألست معي فى ذلك ؟
ابتسمت مرام وجاهدت حتى لا تتحول أبتسامتها لضحكة عالية , لقد فهمت ما يرمي اليه والدها وهو يفهم أنها ستفهمه فقالت
- آه طبعا .. معك تماما .
- الوقت عندكم ليس متأخرا كثيرا .
ازدادت أبتسامتها أتساعا
- لا أبدا .. تعرف ليل الأسكندرية .. ساهرا وطويل .
رد بحماس
- نعم والجو ربيع .
- آه فعلا .
- حسنا .. سأتركك الأن لتفعلي الصواب .. وكلميني عندما تكونين متفرغة .
أطلقت لضحكتها العنان بعد أنتهاء المكالمة .. قال لها .. سأتركك لتفعلي الصواب .. هل يعني أن تذهب اليه ؟ ولما لا .. والدها لن يدفعها لفعل ذلك الا اذا كان متأكدا من أن صالح يحبها ويريدها وهذا ما أكده لها فودة اليوم وأكدت ميمي عليه من بعده بأنها تظن أن صالح يحبها وأنه ربما يكون نادم على سؤ ظنه ومعاملته القاسية لها .
****
كانت الساعة الحادية عشر ليلا وصلت الى باب الشقة
الشقة التى لم تطأها قدماها منذ تلك الزيارة الأولى والتى لم تكن متأكدة أنها ستحتفظ بها حقا , أخرجت المفتاح من حقيبتها وسحبت نفسا عميقا وزفرته .. ها هي تستعد لمعركة حياتها .. لعاشت بعدها بسعادة الى الأبد أو أنتهت حياتها الى الأبد فهي لن تحب رجلا فى حياتها كما أحبت صالح .
كان كل شئ ساكنا وهادئا وكأن لا أحد هنا ولكنها رأت سيارته بالأسفل ورأت أيضا نظرات حارس الأمن الفزعة لرؤيتها .. كان نفس حارس الأمن الذي رآها تصعد مع صالح ورآها تنزل بعدها بدقائق باكية وبملابس مشعثة .. أبتسمت له أبتسامة مشاغبة وحيته ببشاشة .
وجدت صينية على رخامة المطبخ عليها فتات خبز وكوب من الشاي وهذا دليلا آخر على وجوده .. أخذتها قدماها وأحساسها بالمكان الى حيث غرفة النوم .. فهي لم ترى الشقة كلها فى المرة السابقة
كان النور مضاء ولكن لا أحد فيها .. وسمعت صوت مياه الدش جارية فى الحمام الملحق بالغرفة وكان بابه مفتوحا .. ملأتها الأثارة ولكنها تمالكت نفسها ووقفت مكانها .. تريد أن تصنع أولا مشهدا دراميا لترى ردة فعلة وتلعب قليلا بأعصابه .
خرج صالح من الحمام يلف منشفة فقط حول خصره تماما كما رأته ليلة زفافهما أبتلعت ريقها وهي تلعن قلبها الذي راح يقفز ويضرب قفص صدرها .. وسيفسد عليها خطتها .
أنتبه صالح الى وجودها أخيرا ووقف مسمرا فى مكانه ينظر اليها ببلاهه وعدم تصديق .. تصنعت الغضب
- ماذا تفعل هنا ؟
أحمر وجهه وأحتقن
- آسف .. لم أعرف أنك تستخدمين الشقة .
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقد كانت ترتدي ثوب ربيعي رقيق أستعارته من ميمي وتعرف أنها تبدو جميلة ومغرية فيه , قالت بترفع
- حتى ولو لم أكن .. كان يجب أن تستأذن أولا .
ضم قبضتيه وظهر الغضب فى عينيه
- قلت آسف .. سأرتدي ملابسي وأذهب على الفور .
- وقبل أن تذهب أترك المفتاح الأحتياطي الذي معك .. فلم يكن يحق لك الأحتفاظ به.
جلست مرام على حافة الفراش تستمتع بالنظر اليه وهو يدور فى الحجرة متوترا ويبدو عصبيا وهو يلملم ملابسه المبعثرة وعاد الى الحمام وخرج بعد قائق مرتديا ملابسه ووقف حائرا ينظر حوله على الأرض ..
- أين الجوارب والحذاء ؟ كانوا هنا .
عضت مرام على شفتها السفلى لتمنع نفسها من الضحك فقد خبأتهم ,
نظر اليها مضيقا عينيه
- أين هم ؟
هزت رأسها فصاح بها بغضب
- هل تظني أنني سأتحمل سخافتك ؟
رفعت حاجبيها وهي تنظر اليه بخبث
- أنت المعتدي على أملاكي فلا يحق لك أن تصيح بوجهي .
راح يقترب منها ببطئ
- لا تلعبي معي فأنت لا تعرفين ماذا تفعلين بنفسك .
كان يهددها وقد أقترب منها وعيناه هائجتان بمشاعر هي خليط من الغضب والشغف .. ربما ما كان يجب أن تستفزه وتسخر منه .. مال عليها فأضطرت أن تجلس نصف مستلقيه على الفراش ويديه تستند على الفراش وتحاصرها .
عظيم .. لقد أنقلبت لعبتها عليها وها هي ترتجف كورقة شجر وحيدة فوق فرع شجرة نفحة هواء أخرى وستطيرها .
نظرات مكر ذئب مفترس تجلت على وجهه وعيناه تثبتان عينيها وسألها
- ماذا تريدين ؟
سألته وقد أصبحت أسيرته
- هل تحبني ؟
ألتوت شفتاه بأبتسامة
- وهل تهتمين ؟
لعقت شفتيها ترطبهما
- نعم أهتم .
- لماذا ؟
رمشت عينيها بحيرة .. الخبيث قد قلب سؤالها عليها فدفعته من صدره بقوة ولم تبالي بأحتراق أصابعها لملامستها له
- آه .. أنا لن أجيب حتى أسمع ردك أولا .
وقفت بعيدا عنه بمسافة آمنه ورفعت وجهها بتصميم
- هل تحبني .. نعم أم لا ؟
نظر اليها بحنان أشتاقت اليه كثيرا
- قلت لك من قبل .. أحساسي نحوك ليس حبا .. ولا يمكن أن يكون عشقا .. فما أشعر به تجاهك لا أسم له .. أنه شئ لم يخلق لأحد غيري ولم يشعر به أحد من قبلي .
أنها نفس الكلمات .. يعيدها على مسامعها وكأن ما حدث بين المرتين قد أختفى وأزاله من وجودهما .. أرتعشت شفتها وقد أمتلأت عيناها بالدموع فسألها
- هل ستأتين الي أم آتي أنا اليك ؟
ستذهب هي اليه .. يكفي فراق ولوعة وأشتياق .. أنها تعشقة ويعلم الله كيف عاشت من دونه وكيف تحملت ظنونه .. ولكنه حبيبها وزوجها ومالك أمرها .
****
نامت بين ذراعيه .. تشعر بالسلام والامان
- صالح .. هل نمت ؟
قبل جبينها وقال
- وهل استطيع .. استمتع فقط بضمك .
ابتسمت وسالته
- هل حقا كنت ستترك المزرعة والمصنع وتستقر هنا ؟
- نعم .
رفعت راسه تسند ذقنها على صدره
- لماذا ؟
احمر وجهه قليلا ولكنه ابتسم برقة الى وجهها الجميل المرفوع اليه وقال بصوت محمل بالمشاعر
- من اجلك .. اردت ان اقوم بأي شئ يجعلك سعيدة ويدفعك للعودة الي .. فأشتريت هذه الشقة لك وتركت ادارة المصنع والمزرعة .. كنت اعرف انك لن تحبي العودة الى هناك بعد كل الاحداث السيئة التى حدثت بيننا .
دمعت عيناها تأثرا
- برغم انك كنت مازلت تراني سيئة .
اغتم وجهه وقال
- حبيبتي لقد وصلت الى مرحلة فى عشقك لم يعد يهمني فيها ما انت عليه .. كنت احبك واريدك بيأس .. حاجتي اليك كانت تؤلمني وبعدك يوجعني .. وفكرة فقدك تفقدني عقلي .
احتضنته بشدة
- اكثر ما كان يؤلمني هو فكرتك السيئة عني .. اعترف انني فى مرحلة ما كنت سيئة ولكني كنت احاول ان احمي نفسي احاول النجاة لانني اعلم انني وحدي .. احببتك بسهولة لم اكن اتخيلها واردت حقا ان اعيش معك طوال عمري ولكن الظروف حالت دون ذلك .
- ليتني وثقت بك ولا عذر لي الا انني احببتك لدرجة لم أتحمل فكرة خداعك لي .
عاد الصمت يسود بينهما قطعته مرام
- صالح .. لن اخدعك أبدا مرة اخرى .. كما انني اريد أطفال .
- وانا ايضا .
قالت بضيق وعيناها تلمعان بشقاوة
- وكيف سيأتون برايك ونحن ساكنين هكذا .
قال بخبث
- ظننتك قلت انك متعبه .
صاحت بحماس
- لم اعد كذلك .
ضحك صالح بقوة وهو يضمها اليه ولم يكن هناك اسعد منه بعودة روحه اليه
*****
خاتمة ..
من رواية .. وغابت شمسها
فى شقتهم بالأسكندرية
وقفت مرام تنظر الى طفليها .. حسن وفريدة وهما نائمين فى فراشيهما ..
كان حسن فى الرابعة والنصف من عمره وفريدة فى الثالثة.. لو كان الأمر بيدها وحدها لكانت قد حصلت على طفلها الثالث منذ زمن ولكن صالح هو من رفض وأصر على تأجيل مجئ الطفل الثالث وكانت وجهة نظره أنه يريدها أن ترتاح فقد رأى كم تعبت فى العناية بطفلين فى عمرين متقاربين كما لو كانا توأمين ولكنها لم تكن تمانع فقد أحبت كل لحظة تعب قضتها فى العناية بهما .. كانت تظن أنها سوف تكون أما سيئة وأنانية كأمها أو قاسية وجافة معهما كجدتها ولكن التجربة أثبتت عدم صحة ذلك .. أنها أم تحب أمومتها وأم مسؤولة تهتم بأطفالها كما يجب .. وذلك بشهادة الجميع لها .. تنهدت بضيق .. كيف ستتركهما الأن وتذهب .. صعدت الدموع الى عينيها .
- هل مازلت واقفة هنا ؟
جاء صوت صالح من خلفها متذمرا بضيق فتجاهلته وهي تنظر الى طفليها بتأثر , تقدم صالح الى داخل الغرفة بنفاد صبر وسحبها من ذراعها الى الخارج وأغلق الباب بهدؤ ثم أستدار اليها وأمسكها من قمة ذراعيها
- ما أنت فيه أصبح قريبا من الهوس يا مرام .. بالله عليك أنهما نائمان ونحن لن نتأخر بالخارج .
نشجت بأنفها تبتلع دموعها
- وماذا لو حدث شئ لهما ونحن بعيدا عنهما .
جز صالح على أسنانه
- عشر دقائق بالسيارة ونكون هنا .. وأم عبيد ونجاة ستكونان معهما .. ولكي تطمأني سأطلب من أم عبيد أن تنام معهما حتى اذا ما أستيقظا ..
قاطعته بحدة
- لا .. ليس أم عبيد .. نجاة ممكن أن تبقى برفقتهما .
عبس صالح وقال موبخا
- مرام .. أم عبيد تحبهما وهي جديرة برعايتهما .
- أعرف .. وأنا لا أشكك فى مقدرتها ولا الى حبها لهما ولكن ..
أخفضت صوتها وهى تستطرد
- أنها تخلع وشاح رأسها عندما تنام .
رفع صالح حاجبيه بدهشة
- وماذا فى هذا .. لا أفهم .
زفرت فقال بسرعة وهو يزم شفتيه بغضب
- لا تزوديها .. أنها من الأسرة وهي نظيفة تماما و ..
قاطعته مرام بنفاذ صبر
- ليس هذا ما أعنية .. أعني أنها عندما تنام ينطلق شعرها ويشعث كما لو كانت قد تعرضت للصعق بالكهرباء فأخشى أن يفزع الأولاد من شكلها .
حاول صالح أن يرد بغضب ويوبخها ولكنه لم يستطع وأرتجف الضحك على شفتيه
- هذه تفاهه منك .. ومبالغة أيضا .. وهما لن يستيقظا حتى الصباح .
أبتسمت مرام بدورها بمرح وقالت مستسلمة
- معك حق .
نظر صالح الى ثوب سهرتها بأنتقاد ولكنها كانت واثقة أنه لن يجد شيئا لينتقده فقد أصبحت تعرف الحدود والشروط التى يجب أن تتوافر فى ملابسها كي يرضى عنها ولكن نظراته اليها لم تكن راضية فسألته بقلق
- ماذا الأن ؟
قال بضيق
- تبدين جميلة .
رفعت حاجبيها بدهشة ومن ثم قالت ضاحكة
- الأنتقاد لمجرد الأنتقاد .. هل تريد أن أكون قبيحة حتى تكون سعيدا ؟
لوى شفتيه ودفع يديه فى جيب سروال بذلة السهرة
- حتى ولو كنت قبيحة .. كنت سأغار عليك أيضا .
أقتربت منه وقبلت ذقنه بخفة وقد كانت فى مستواها بسبب كعب حذائها العالي , أحاط خصرها بيده عندما حاولت التراجع , قالت بخبث
- سنتأخر ان لم نسرع .
همس وهو يتنشق رائحة شعرها الجميلة
- لا يهم .. حتى وان لم نذهب .
كادت أن توافقه لولا أن جاء صوت والدها من الردهة الخارجية يقول
- أين أنتم .. يا صالح .. مرام .. سوف نتأخر .
قالت ضاحكة
- لسنا وحدنا .
زفر صالح وهو يطلق صراحها كارها
- لن نتأخر فى حفل الزفاف .. نبارك وننصرف مباشرة .
سارت أمامه الى الخارج وهي تقول
- لن يحدث .. أنه حفل زفاف أقرب صديقين لي وأنا لن أخذلهما الليلة .
كان قد حضر والدها ونهال لحضور حفل الزفاف وأحضرا معهما أم عبيد ونجاة ليساعدا مرام فى تنظيف الشقة وتوضيب أغراضهم فغدا سيكونوا فى المزرعة من أجل الحصاد .. قسم صالح وقته بين المزرعة والمصنع وبين مكتب التصدير والأستيراد الذي أسسه هنا .. أخبرته مرام بعد عودتهما الى بعضهما أنها لا تمانع العيش فى بيت المزرعة ولكنه قال أنه كان يفكر فى ذلك المشروع منذ مدة وأن ما حدث بينهما عجل بذلك القرار فقط وكان لقصر المسافة بين الأسكندرية ووادي النطرون عامل جيد فقد أستطاع صالح أن يوازن أهتماماته بين أعماله وكانت مرام ترافقه فى كل مكان وان أضطر للسفر وتركها سواء فى المزرعة أو الأسكندرية كان يعود اليها فى نفس اليوم .
وقف والدها بالبهو فى بذلة سهرته الأنيقة فى حين جلست نهال على أحد المقاعد ترتدي عباءة سهرة جميلة أشترتها بصحبة مرام وكانت تبدو جميلة وأنيقة كذلك .
نظرت مرام اليهما .. كانا وسيمين وسعيدين .. والدها كان وكأنه يعيش حياته من جديد بوجود أبنته وأحفاده فهو شئ لم يتخيل أنه سيحصل عليه يوما .. ونهال كانت مشرقة وكأن قد أصبح لديها قلبا جديدا نحى التعب جانبا وأمتلأ بالفرح والأمل والسبب وجود أولاد صالح كما تحب أن تطلق عليهما .
أحاط صالح بكتفيها وقال
- هيا بنا .
****
خرج فودة من السجن بعد أن قضى ثلاثة أرباع المدة وكان عند وعده لميمي وتزوجها وهو فى السجن وعندما خرج أخبرها أنه يرغب فى الأستمرار معها ليربي طفلها الذي أصبح يعشقه بجنون .. فقد كان طفلا رائعا .. جميلا ومرحا وفودة متعلق به بشدة .. فكرت مرام فى صديقتها والسنوات التى عاشتها .. بعد موت سامح الذي كان صدمة قاسية على والديه بدآ فى البحث عنها .. البحث عن حفيدهما الذي سبق وأنكراه من قبل وكان الطفل فى الثالثة من عمره عندما أستطاعا العثور عليهما وعرضا أن يمنحا الطفل نسب والده .. رفضت ميمي بشدة يدفعها حقدها عليهما وخوفها من أن يطالبا بحضانته فيما بعد وأيدتها مرام فى ذلك ولكن صالح عارضهما وقال
- يجب أن تضع مصلحة الولد أولا .. بعد بضعة سنوات سيفهم ويتساءل لما يحمل لقب أمه وليس أبيه .
قالت مرام
- أنه يعرف أن فودة والده .
- أتحدث عندما يصل الى سن المدرسة ويبدأ يعي الحياة من حوله .. سيعرف أن فودة زوج أمه وليس والده الحقيقي بسبب أسمه .. وتستطيع ميمي ان أرادت أن تحصل على تعهد قانوني منهما بعدم المطالبة بحضانته فى المستقبل .
أقتنعت ميمي برأي صالح فقد كانت مستعده لفعل أي شئ يحمي أبنها من الفضيحة والعار وللعجب أن فودة كان له نفس رأي صالح الذي قال رغما عنه عندما أطلعته مرام على رد فعل فودة
- هذا الفتى ليس سيئا جدا .
ابتسمت مرام بسعادة فاستطرد بحدة وهو يرى سعادتها
- ولكنه يستحق السجن .
قالت تسترضيه فهو لم يتغلب على غيرته من فودة أبدا
- معك حق .. هو نفسه يعترف بذلك .
قال صالح بعدها بتقدير
- ما فعله مع صديقتك لم يكن سهلا .. من النادر أن يقبل رجل على نفسه شيئا كهذا .. ستر عرض فتاة عمل شجاع منه .. لا أعتقد أنني كنت سأفعل مثله لو كنت في مكانه .
هزت رأسها موافقة بهدؤ ولم تظهر حماسها حتى لا تستفزه من جديد ولكن من داخلها كانت تقدر فودة وقد نسيت كل ما فعله معها .. فان كان سيئا فيما مضى فقد كانت مثله وكذلك ميمي وكل منهم تعلم من أخطاءه ودفع ثمنها غاليا .
****
فندق ميديترينيان أزور على البحر
حفل زفاف فودة وميمي ....
رفض فودة دعوة والده لحضور زفافه وقد تأكد صالح من عدم وجوده والا كانت قد واجهت مشكلة حقيقية فى السماح لها بالحضور وكذلك لم يحضر والدي ميمي فقد أنقطعا عنها تماما ما عدا شقيقتها هايدي التى ظلت على أتصال دائم بها ولكنها عجزت عن حضور زفافها لوجودها بالخارج مع والديها ولم يكن هناك أحد من شلة الفساد القديمة من أصدقائهما كذلك .
بدأت الزفة بحضور العروسين ووقفت مرام وبجوارها صالح فى أستقبالهما .. لمحها كل من فودة وميمي وكانت ميمي رائعة فى ثوب الزفاف وحجابها الأبيض الأنيق على رأسها .. أبتسمت مرام ولوحت لهما بسعادة ورأت محمد ابنها الصغير يسير أمامهما فى بذلة سهرة سوداء سعيدا ومنتشيا بحاله مما دفع صالح ومرام للضحك ..
أنتهت الزفة وذهب العروسان الى الكوشة وتبعتهما مرام ومن خلفها صالح الذى كان كظلها وعرفت السبب عندما همس فى أذنها
- ان تجرأ وعانقك ذلك التافه سألكمه على وجهه ولن يهمني أنه عريس .
كتمت مرام ضحكتها .. لم ينسى صالح ما حدث فى اليوم الذي خرج فيه فودة من السجن وكانت مرام قد طلبت منه وهي تتوقع الرفض أن تذهب مع ميمي لأستقباله .. أسود وجهه من الغضب فقد كان قد منعها من زيارته وأنتظرت أن يصيح فيها غاضبا ولكنه فاجأها بأن قال أنه سيذهب معها .. وكانوا فى أنتظاره أمام باب السجن مع ميمي ووالدته وشقيقته .. خرج وهو يكاد يقفز من السعادة وعانق والدته وميمي وشقيقته ومحمد الصغير وعندما جاء الدور على مرام وصالح عانقها وهو يقفز بها سعيدا برؤيتها مما جعل صالح يقف يكاد ينفجر من الغيظ والغضب ولكن فودة عاجلة بعناق قوي هو الآخر وهمس بشئ فى أذنه جعل صالح ينظر اليه بحدة ولكنه لوى شفتيه بأبتسامة رغما عنه وعندما سألته مرام فيما بعد عما قاله فودة وجعله يبتسم فقال بعصبية
- أنه فتى لئيم وخبيث .. طلب أن أسامحه على عناقه لك فى مقابل أن لا يخبر أمه أنني أنا من ألقيت به فى السجن .
ضحكت مرام حينها بقوة زادت من غضب صالح .. فقد كانت تتخيل ردة فعل أم فودة عندما تعرف أن ذلك الرجل الذي عاملته بحفاوة وأحترام هو من تسبب بوجود أبنها فى السجن والمؤكد أن صالح فكر فى نفس الشئ حينها لهذا ضحك من سخرية الموقف .
وقف فودة وميمي لتلقي التهاني وعندما لمح فودة مرام قادمة فتح ذراعيه صائحا بفرح
- مراااام .
لكزته ميمي بطريقة واضحة وهي ترى وجه صالح يصبح شرسا وجسده متحفزا فضحك فودة وأنزل ذراعيه بجانبه وتنهدت مرام بأرتياح وهي تصافحه وتحتضن ميمي ولكن صالح ظل متأهبا فهو لا يثق به .
مر الحفل على أكمل ما يكون وكان الجميع سعداء .. حضر خالها وشيرين ووالدتها مها الزفاف وجلسوا جميعا على مائدة واحدة .
****
فى السيارة ..
وهم عائدون الى المنزل كانت الساعة حوالى الثالثة والنصف صباحا
- كان زفافا رائعا .
قالت مرام وكان صالح صامتا عاقدا حاجبيه وكأنه يفكر فألتفتت اليه مرام وسألته
- ماذا بك ؟
سألها وعيناه تضيقان عليها
- هل ترقصين ؟
قالت بحماس
- أعرف ديسكوتيك رائع مازال ساهرا حتى الأن ..
ثم نظرت الى المقعد الخلفي حيث والدها ونهال قد سقطا فى النوم من التعب والسهر الذي لم يعتادا عليه ثم تابعت بهمس
- نقوم بتوصيلهما الى البيت ثم نذهب ونرقص حتى الصباح .
لوى شفتيه بتسلية
- ليس هذا نوع الرقص الذي أسألك عنه .
لوح بيده وتابع وهو يرى صدمتها
- مثل تلك الراقصة فى حفل الزفاف .
حان دورها لكي تغضب وقالت بصوت حافظت عليه منخفضا
- قلت أنك لن تنظر اليها .
قال يدافع عن نفسه وعيناه تضحكان
- رغما عني .. رأيتها فى تلك الشاشات الكبيرة .
فى الوقت الذي طنت أنه يشيح بوجهه بعيدا كان يشاهد من خلال الشاشات الكبيرة جدا والتى كانت تعرض صورا أقرب وأكثر وضوحا فجزت أسنانها بغيظ .
- كان على رجل يصلي وملتزم مثلك أن ينأى بنفسه عن ذلك .
قال ضاحكا بخفوت
- فضول .. ثم أنت لم ترقصي أمامي أبدا فأظن أنني أعاني نوع من الحرمان .
أحمر وجهها وأبتلعت ريقها وتقول
- على فكرة أنا أجيد الرقص وأفضل من تلك الراقصة التى كانت وكأنها تعاني من آلام فى المعدة ولكني خجولة فقط .. ولكن وحتى لا تشعر بالحرمان من شئ سأرقص لك .
قال يستفزها وعيناه مليئتان بالضحك
- سنرى .
ثم مال عليها وهمس
- الليلة ؟
أحمر وجهها وألقت نظرة خاطفة على نهال ووالدها وكانت قد نسيت وجودهما تقريبا وأرادت أن تطمئن الى أنهما نائمان ولم يستمعا الى حوارهما الهامس المشين .. كان والدها يصدر شخيرا منخفضا وفمه مفتوح قليلا وكانت نهال مغمضة عينيها ولكن كان هناك شبح أبتسامة على شفتيها مما يعني أن حوارهما كان مذاعا على الهواء فرمقت صالح بنظرة غاضبة فيها شئ من المرح بادلها بنظرة بريئة متسلية .
****
هم صالح بأشعال الضؤ فى غرفة النوم عندما أمسكت مرام بمعصمه تمنعه
- هششش .. أتركه .
نظر اليها بتساؤل فأشارت الى الفراش ورأى فوقه جسدين صغيرين .. حسن وفريدة تحت الأغطية وينامان بعمق .. عبس صالح وقال متذمرا
- ماذا يفعل هذين المزعجين هنا ؟
أقتربت مرام من الفراش تتأملهما بعشق
- أتركهما .
أعترض بهمس وهو ينضم اليها
- وأين سأنام أنا .. ثم أننا لدينا خطط لتمضية الليلة .
فتحت مرام فاها لترد عندما فجأة ظهر من خلف الفراش كتلة من الشعر الأسود المشعث وفى الظلام بدأ يرتفع لأعلى تبعه وجه أم عبيد المنتفخ من آثار النوم .. أنتفض جسد صالح ومرام رعبا وكاد صالح أن يقع على ظهره عندما تراجع خطوة الى الوراء من شدة الفزع
- هل جئتم أخيرا ؟
وقفت أم عبيد وهي تتحامل على حافة الفراش ووقفت تحك رأسها وهي تتثائب بقوة وتابعت
- لقد أستيقظا .. وأخبرتهما أنكم خرجتم لشراء بعض الأشياء من أجل السفر ولكنهما أصرا على النوم فى فراشكما فأضطررت أن أنام بجوارهما على الأرض .
ثم دارت حول الفراش وسارت الى الباب تجر اللحاف الذي كانت تنام عليه خلفها .
بعد خروجها سقطت مرام على الأرض مغشيا عليها من كثرة الضحك فيما ظل صالح واقفا واضعا كفه على قلبه الذي مازال يضرب بقوة وقال بنفس متقطع
- كان معك حق .. لم أشعر بمثل هذا الرعب منذ أن كنت فى السادسة من عمرى عندما كنت أرى خيال شجرة التوت من خلف زجاج حجرتي وأتخيلها شبحا .
لم تتوقف مرام عن الضحك وأنضم لها صالح على الأرض مسندا ظهره للفراش وشاركها الضحك بقوة .
****
بساتين الزيتون ..
فور وصولهما .. من الأثارة رفض حسن وفريدة الدخول الى البيت وتعلقا بيدي صالح يريدان الذهاب معه ليشاهدا الحصاد ويشاركا فيه وكانت مرام تتوقع ذلك فألبستهما وهي أيضا جينز وكنزات خفيفة تصلح للعمل .. رضخ صالح لهما وأخذهم معه .
كان مشهد يشبه خلية النحل .. فرشت ملاءات أسفل الأشجار وكان العمال يهزون الأشجار بأشياء تشبه الشوك بعصا طويلة فتنهمر ثمار الزيتون وتقع فوق الملاءات ثم يقوم النساء والصبية بفرزها وتنقية العشب منها ثم وضعهم فى أقفاص حتى تأتي السيارات لتأخذهم الى المصنع وهناك يتم تنقيتها وغسلها حتى تكون جاهزة للعصر وأستخلاص الذهب الأصفر منها وتعبئته .
كانت مرام تراقب صالح وطفليها يعملون بحماس وجلست هي فى مكان ظليل وبعد قليل أنضم اليها صالح وهو يحمل فريدة المتسخة من قمة رأسها وحتى أطرافها , صبت له مرام الشاي من الترمس وناولته له وكان قد أنتهى من تنظيف وجه فريدة ويديها من الأتربة لتهجم بعد ذلك على حقيبة الطعام وتخرج شطيرة لتأكلها
قال صالح وهو يعبث بأصابعه فى شعر أبنته بحب
- كبرت فريدة وأصبحت نسخة صغيرة عن أمها .
وافقته مرام وهي تراقب حسن الذي كان يحاول حمل قفص زيتون ثقيل .
- نعم وكذلك حسن يسير على خطاك .. وآن الأوان لنأتي بأخ أو أخت لهم .
ضحك صالح وقال
- كم طفل تريدين .. حتى يكون عندي علم فقط .
هزت كتفيها
- أنا لا أؤمن بتحديد النسل .. نتركها على الله .
وابتسمت بهدؤ فنظر اليها صالح وعيناه تشعان بحب .. كانت سخية فى حبها له لا تبخل عليه فى شئ .. سخية مع أسرتها وأصدقاءها .. كيف ظن يوما أنها سيئة جدا .. لم يكن سيجد أما أفضل منها لأولاده ولا حبيبة أروع منها فى حنانها .. قد لا تدري أبدا مدى مقدار حبه لها فى قلبه .
****
تمت بحمد الله
تعليقات
إرسال تعليق