القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية وغابت شمسها الفصل 11-12-13-14-15بقلم مايسة ريان (جميع الفصول كامله)

 رواية وغابت شمسها الفصل 11-12-13-14-15بقلم مايسة ريان (جميع الفصول كامله)





رواية وغابت شمسها الفصل 11-12-13-14-15بقلم مايسة ريان (جميع الفصول كامله)



الفصل الحادي عشر

من رواية .. وغابت شمسها

قراءة ممتعة 💖💖🌹🌹


راح يدور حول نفسه كالوحش الكاسر .. يرغب فى التكسير والتدمير وان استطاع .. القتل .. طوال سنوات عمله فى الجهاز الأمني لم يخترق رصاص مسدسه جسد انسان .. كان دائما يتفادى اراقة الدماء ولكن اليوم ود لو كان يحمل سلاحه ليفرغ طلقاته في قلبيهما معا .. رؤيته لهما معا فى غرفة نومه حتى وان كانا لا يفعلان شيئا كان حارقا لعقله وقلبه .. لم تكن ترتدي أسفل ذلك المئزر شيئا يذكر .. فكم من رجل غيره رآها هكذا ؟ حتى وان أنكرت اتهام صديقها .. ويقينه من كونها كانت عذراء عندما تزوجها .. لكن لا شئ يمكن أن يشفع لها .. لم يعد يثق فيها ولا يأمن جانبها .. فهي مخادعة .. كانت تعيش حياة ماجنة .. تتاجر فى المخدرات .. تسعى وراء الرجال من أجل المال .. لقد كذبت عليه وضحكت من وراء ظهره .. مرام لم تحبه أبدا .. كم كان مغفلا أحمق منساق وراء مشاعره لاغيا عقله .

نظر الى باب الغرفة المغلق بمرارة شديدة وغضب وراح يستعيد بداية غزو الشك لعقله .

كانت بدايته فى ذلك اليوم الذي قضياه فى القاهرة ولكنه سرعان ما عاد وأنب نفسه على سؤ ظنه وأرجع الأمر حينها الى أنه طيش فتيات وأنها صغائر لا يجب أن يقف عندها وبعد أن تم الزواج كان مقتنعا بأن مرام تبادله مشاعره وظن نفسه قد وصل الى قمة سعادته .. عند هذا الحد ابتسم ساخرا من نفسه بمرارة فتلك الحية الجميلة الناعمة عرفت كيف تؤدي دور الحبيبة المدلهة بحبه .

وبعد الرحلة البحرية وذلك اليوم الرائع الذي قضياه معا .. عادا الى الفندق وترك مرام قرب المصعد وذهب ليحجز للعشاء وعندما رجع لم يجدها فى أنتظاره , رجح أنها لابد وقد سبقته الى غرفتهما فوقف ينتظر نزول أحد المصعدين .. هبط أحدهما ليخرج منه شاب بشعر بني فاتح .. لم يكن وجهه بغريب عليه فقد رآه فى مكان ما .. لم ينظر الشاب اليه وخرج من المصعد بسرعة وقد بدا عليه التوتر وخطواته متعجلة وغير ثابته , دلف صالح الى المصعد عاقدا حاجبيه يعصر ذاكرته ليتذكر أين رآه من قبل .. وراح يتابعه بنظراته والباب يغلق ببطئ ومن ظهره تعرف عليه .. أنه ذلك الشاب الذي رآه فى الكاميرات عند المطعم وكان يتشاجر مع ليلي صديقة مرام وعلى الفور عاودته ذكرى اليوم الذى تعرضت فيه مرام للأعتداء.. أنه هو نفسه .. تجمد الدم فى عروقه وكان بين خيارين أن يسرع خلفه ويقبض عليه أو يصعد بسرعة الى الغرفة ليطمئن على مرام .. وبالطبع أختار الخيار الثاني وكان يجري كالمجنون بعد خروجه من المصعد يخشى أن يصل قبل فوات الأوان ويكون هذا الشاب قد أذاها ولكنها كانت بخير وفى غرفة الحمام وبعدها راح عقله يعمل بهدؤ وبروية ليفسر ويحلل تلك الأحداث ومن المهم أن لا يتسرع ويظلمها ويشوه السعادة التى يعيشها الأن مع زوجته .

أتصل بأحد أصدقاءه القدامى فى الجهاز الأمنى وسأله عن من يتولى مكتب الجونة من زملاءهم فأعطاه أسم رفيق لهما فاتصل به صالح على الفور وأخبره عن الشاب وأعطاه مواصفاته والساعة التى خرج فيها من الفندق فوعده زميله بأن يتحرى له عنه ويبلغه بالنتائج .. وبقية اليوم حاول صالح أن يتعامل بطريقة عادية مع مرام وأن لا يستبق الأحداث .. وبعدما عادا الى الفندق فى الثانية صباحا كانت مرام متعبه بسبب الرحلة البحرية والسهر لوقت متأخر فأوت الى الفراش على الفور ونامت بعمق , أخذ صالح هاتفه وهو ممدد بجوارها على الفراش وراح يتفقد الرسائل فوجد رسالة من زميله يخبره فيها عن التحريات المبدئية وقد وقعت على رأسه كدلو ماء بارد

( أسم الشاب فودة عصام النجار .. ابن رجل أعمال سكندري .. شاب فاسد ومدمن وهارب من بيت والديه منذ أكثر من شهرين وقد قاموا بعمل محضر بأختفاءه .. تحوم حوله شبهات لعلاقته بتجار مخدرات وهم يبحثون عنه لسبب غير معلوم حتى الأن .. كانت تربطه علاقة عاطفيه بأحدى الفتيات تدعى مرام أحمد سلام كانت زميلته أثناء الدراسة .. وجاري جمع المزيد من المعلومات )

ترك صالح غرفة النوم وألقى بجسده على الأريكة بتعب .. فحتى ذلك الوقت لم يكن الأمر سيئا جدا ربما أحبها الشاب وأحبته فى مرحلة ما .. وراح يضع لها المبررات ويلتمس لها الأعذار وأرجع أخفاءها الأمر عنه لخوفها وعدم ثقتها به ولكن بعد أن غفت فى أحضانه على الأريكة وجد هاتفها بجواره وكان مغلقا كما أعتادت أن تتركه فحملها ووضعها فى الفراش وعاد الى الهاتف ودون لحظة تردد فتحه وقلبه يدق بسرعة بسبب الخوف مما قد يعثر عليه فيه .. ووجد بسهولة كل الرسائل المتبادلة بينها وبين ذلك المدعو فودة .. لم تكن رسائل حب كما توقع ولكنها رسائل تهديد ووعيد ومطالبته الدائمة لها بشئ يخصه وتحمله معها وربط بسرعة بين رسالة زميله بأن للفتى علاقة بتجار مخدرات يبحثون عنه وبين تلك الأمانة التى مع زوجته والتى وعدته فى رسالة أرسلتها له بتاريخ اليوم أنها سوف تسلمها له غدا .

أسرع صالح من فوره الى غرفة النوم يقوده حدثه ، وبعد ن تأكد من أن مرام غارقة فى سبات عميق جذب حقيبة ملابسها والتى كانت تقوم بفتحها كل ليلة دون سبب برغم أنها فارغة .. ووجد لفافة وضعت في جيب الحقيبة الداخلي .. وبنظرة خبيرة لما فى داخلها عرف على ما تحتوي بالضبط ..وهنا تذكر تلك الليلة التى قرر أخذها فيها الى بيته والحالة الغريبة التى أنتابتها عندما صادفهم كمين الشرطة على الطريق .. بالطبع لقد أنهارت لأنها كانت تحمل معها المخدرات فى حقيبتها .

لم يستطع النوم وقرأ بقية الرسائل وكانت من بينها رسائل والد فودة فتوالت الصدمات على رأسه .. لقد هاله أن تكون زوجته قد وعدت ذلك الرجل بالزواج وهو الى جانب ذلك يكون والد حبيبها !!! وهنا رن فى رأسه قول الشاب ( أنها سافلة لا يهمها ان جمعت بين الأب وابنه ) .

بعد ساعة من قراءته للرسائل ورؤيته للمخدرات كان صالح يجتمع بزميله ذاك فى مشرب الفندق وأطلعه على كل شئ ولكنه كذب فى شئ واحد أن زوجته هي صاحبة البلاغ وأن صديقها ورطها فى الأمر دون معرفتها ويقوم بتهديدها وأكد عليه أنه لا يريد أن يزج أسمها فى القضية حتى ولو على سبيل الشهادة ثم راحا معا يتفقان على خطة للايقاع بفودة والتجار الأخرين على أن تبقى مرام خارج القضية .. لم يكن يحاول تبرئة ذمتها لأنه يخشى عليها ففي تلك اللحظات كان يكرهها ويود بشدة أذيتها ولكنه لن يرتاح ان لم يفعل ذلك بيديه .

وبعد ساعات .. فى الصباح أتصل به زميله وأخبره أن فودة يحوم حول الفندق فخرج صالح من الفندق بعد أن خبئ المخدرات وقصد أن يجعل فودة يراه وهو مغادر حتى يدفعه للصعود لجلب المخدرات بنفسه .. وكان قد خبأ المخدرات لحاجة فى نفسه .. فهو يرغب بشدة فى بث الخوف بقلبيهما عندما يجدا أن المخدرات قد أختفت وتدرك مرام بأنها لم تستطع خداعه كما تمنت .. أراد أن يضبطهما معا ويجعلهما يعانيان بشدة . وكما توقع فور أن رآه فودة يغادر صعد الى الغرفة عند زوجته ولحق به صالح بعد قليل ليحدث ما حدث .

رن جرس الهاتف فرد صالح بتثاقل وكان زميله

- لقد تم الأمر .. ألقينا القبض على فودة وأثنين آخرين ومعهما المال والمخدرات .

هز رأسه وقد شعر بجزء من ناره تبرد ولكن ليس معظمها .. مازال غضبه متقدا وانتقامه الحقيقي لم يبدأ بعد .


****


راحت مرام تتأمل وجهها الشاحب والذى أصبح غريبا عليها .. بل هي كلها قد أصبحت غريبة عن نفسها فما تعيشه لا يمكن تصديقه .. ما هذا الذى حدث ؟.. فى أي كارثة قد أوقعت نفسها ؟.. فقط لو كانت تعرف أنها ستحب صالح بتلك الطريقة .. لوكانت تثق وتؤمن بأنها يمكن أن تجد الحب والأمان مع شخص ما لتوخت الحذر ولما تورطت مع فودة أو مع والده

أنها بحاجة لفرصة .. لقد تغيرت .. تشعر بذلك من داخلها فلم لم يمهلها القدر ويعطيها تلك الفرصة .. فبمجرد أن بدأت تسعد وترتاح ينفجر كل شئ فى وجهها وينسف أي أمل لها فى أن ترتاح .. عادت الدموع تنساب من عينيها وتغرق وجهها الذى قد تشبع بالفعل من كثرة البكاء .

نظرت الى الباب المغلق وتساءلت .. ما الذي ينوي أن يفعله بها ؟ قال أنه لن يسلمها للشرطة وقال أيضا أنه لن يتركها تذهب كي يتثنى له الأنتقام منها .. أرتجفت عندما تذكرت نظراته اليها .. ليست نظراته وحدها .. كل شئ فيه كان ينضح بكراهية شديدة لها .. فهل هذا صالح ؟ لا .. أنه لم يعد صالحا .


****


تقدمت منه بخطوات مرتعشة راغبة فى الشرح فربما يتفهمها .

كان يجلس كعادته على الأريكة مواجها للشرفة .. يجلس كتمثال من الرخام لا تصدر عنه حركة أو صوتا سرت فى جسدها قشعريرة باردة فضمت جسدها بذراعيها وقالت بصوت أبح تحاول فتح نقاش معه

- هل .. هل سنعود الى البيت ؟

مرت لحظات لم تتحرك به شعرة وبعد فترة أجابها بسخرية لاذعة

- هل تريدين أنهاء شهر عسلنا بهذه السرعة ؟

أرتجفت شفتاها بمرارة .. لم يعد شهر عسل .. لقد أصبح شهر مر وعلقم

- هل سنبقى اذن ؟

أدار رأسه قليلا ونظر اليها من طرف عينيه وقال بتشفي

- لقد تم القبض على حبيبك وأصدقاءه .

شهقت بصدمة فقد نسيت أمر فودة تماما

- فودة ؟ .. لا .

هب صالح عن الأريكة وفى ثوان كان قد أصبح أمامها فلم يتثنى لها الوقت كي تهرب .. للمرة الثانية تثيره بخوفها الذى لم تستطع مداراته على حبيبها , قبض على أعلى ذراعيها بقسوة وهو يقول بشراسة

- هذا تحذير أخير .. من الأن فصاعدا لن أسمح لك بنطق أسم ذلك الحقير والا سأجعلك تندمين .

كانت شبه واقفة على الأرض تلامسها بأطراف أصابعها وكان جسدها يرتجف بشدة ووجهها صورة حية للرعب ومع ذلك لم تجد الرأفة بها طريقا الى قلبه وتابع ساخرا باشمئزاز

- الى الأن لم يذكر حبيبك أسمك فى التحقيقات رغم معرفته بأنني أنا من وشى به.. يبدو أنك غالية جدا على قلبه ليتحمل العقاب بمفرده .

ثم تركها بغته فهوت بركبتيها على الأرض

واستطرد

- سيكون هذا مكانك دائما .. تحت قدمي .

توجه الى الباب وقبل أن يخرج استدار اليها قائلا

- لا تفكرى فى الهرب .. فمازلت عند وعدي بأن ألقي بك فى السجن دون لحظة تردد واحدة ان فكرت بذلك .. لن أوصد عليك الأبواب ولن أضع حولك الحراس ولكن فقط .. سأتركك تتخيلين حبل المشنقة وهو يلتف حول رقبتك ... أو تفكرين فى ما قد تفعلينه بربع قرن ستقضيه فى زنزانة ضيقة داخل جدران سجن النساء .

ثم خرج وأغلق الباب وظلت مرام كما هي تحدق فى اثره بنظرات زائغة وأى فكرة لديها بأنها قد تجد فيه جانبا من اللين ليستمع لها قد تحطمت .


****


هاجمتها الكوابيس وأمسكت بخناقها .. لليوم الرابع على التوالي وهي على هذه الحال

لا تهنأ فى نومها أبد .. نظرت الى صالح النائم بجوارها بحسرة ومرارة .. لقد أصبحت تخاف منه .. لم يعد آمانها .. أصبح جلادها .. لم تعد لمساته حنونة ..أصبحت خشنة وغير صبورة .. همساته الناعمة تحولت الى زمجرة غاضبة .. أي أعتراض منها يغضبه ويكون حجة له لمعاودة أذلالها .. كان يأخذها معه فى كل مكان يذهب اليه ولكن غير مسموح لها بشئ سوى السير بجواره فقط وغير مسموح لها بالكلام الا لتقول حاضر ونعم حتى الأكل كان يطلبه لها دون سؤالها وفي احدى المرات أخذها الى مطعم لتناول الغداء فطلب حمام مشوي لكلاهما فقالت بعفوية

- أنا لا أحب الحمام المشوي .

فنظر اليها بقسوة وقال

- ومع ذلك ستأكلينه .

عبس النادل الذي كان يقف منتظرا طلباتهما ورمقها بنظرة آسفة فلاحظ صالح نظرته اليها فقال للشاب بحدة وغلظة

- هل بك شئ ؟

أحمر وجه الشاب وقال بتجهم

- لا سيدي .. سأحضر الطلب حالا .

وانصرف النادل ولاحظت مرام أن شاغري المائدة المجاورة نظروا ناحيته بأنزعاج

ثم اليها باشفاق فوددت لو تنشق الأرض وتبتلعها فقال لها صالح ساخرا

- هذا لأنهم لا يعرفون عنك ما أعرفه .. ماذا سيكون ردة فعلهم فى رأيك لو أطلعتهم على سجل حياتك المشين ؟

شحب وجهها وأطرقت برأسها وعندما جاء الطعام أكلت وكل لقمة كانت تعبر حلقها وكأنها تحرقة .

وعلى هذا الحال كانت أيامها أما عن لياليها فكانت المصدر الأساسي لكوابيسها وأرهاق روحها .. فكان بها يلهو .. يجد متعته فى نزع الأستجابة منها ثم يمتنع عن أرضاءها ليستمتع برؤية أحباطها .. وأحتراق الشوق بجسدها .. ودموع الذل وهي تملأ عيونها .

والليلة كانت الأهانة أقوى وأذل ..

خرجت من الحمام بعد عودتهما من الخارج ووجدته كالعادة فى أنتظارها وكانت قد قررت بعزم أن لا تستجيب له هذه الليلة وأن تبقى باردة بين يديه حفاظا على كرامتها فراحت تحث نفسها على التفكير بمعاملته السيئة لها طوال الوقت حتى تظل باردة ولا تعطيه المتعة فى أحباطها .

وقد نجحت فى البداية .. عندما أقترب منها وأخذ يداعبها ويضمها اليه ظل جسدها مسيطيرا على انفعالاته فقد كانت تفكر فى نظراته المهينه .. كلماته الجارحة .

استفز صالح عدم استجابتها له فراح يعبث بجسدها بجرأة أكبر تؤلمها وتمتعها خشونة يديه عليها وهو يهمس لها بكلمات كلها أغواء .. وبرعب وجدت حصونها الهشه تتداعى وكأنها قد صنعت من قش .. واستسلمت .. ضاربة بعرض الحائط كل الخطط التى وضعتها لمحاربة ضعفها وحاجتها اليه .. وفجأة أبتعد عنها تاركا اياها ترتجف شوقا , وقال ببرود ساخر وهو يشيح بنظره بعيدا عنها بلامبالاة

- تبدين متعبة .. سأتركك تنامين وترتاحين هذه الليلة .

قالت بصوت مرتجف وهي تسحب الشرشف على جسدها

- أنا أكرهك .

فضحك بقسوة وسألها

- وهل أحببتني يوما ؟

ثم أولاها ظهره ونام ولم يسأل فى دموعها .

مر وقت طويل حتى غفت مرام ولكنها ها هي تستيقظ مرة أخرى خلال الليل وهي تشعر بالأختناق وكأن أحدا قابضا على عنقها يمنعها عن التنفس .. بحثت بجوار الفراش عن زجاجة ماء فلم تجد .. تحرك صالح فى الفراش منزعجا ولكنه كان مازال نائما فنهضت بخفة وحذر كي لا توقظه وفتحت الثلاجة الصغيرة وأخرجت منها زجاجة ماء وبعد أن شربت لم تجد لديها الرغبة فى العودة الى النوم فخرجت عل أطراف أصابعها وأغلقت الباب بهدؤ شديد من وراءها .

فتحت باب الشرفة وتقدمت الى الداخل غير عابئة للنسمات الباردة التى راحت تخترق مسام ثوب نومها الرقيق وتخز جلدها الساخن .

صفا ذهنها وخلا لبعض الوقت من آلام نفسها فأرادت المزيد من الراحة فتقدمت من سور الشرفة وصعدت بقدميها على الأفريز فأصبح نصف جسدها العلوى فى الخلاء بلا حاجز يحميه وفتحت ذراعيها تستقبل النسمات الباردة لتقتحمها أكثر وأكثر وقد أغمضت عينيها ورفعت وجهها الى السماء وفكرت بمرح ساخر .. ربما تكون هذه احدى حركات اليوجا فما تفعله الأن يعطيها شيئا من السلام الداخلي هي بحاجة اليه ...

أحاطت بها ذراعان قويتان أجفلتاها وجذبتاها الى الخلف بغتة جعلتها تصرخ بفزع ولكن صالح لم يمهلها الوقت حتى لكي تتنفس وأدارها بين ذراعيه صارخا بوجهها

- هل تريدين قتل نفسك ؟ .. تعيشين مستهترة وتموتين كافرة ؟

أرادت أن تنفي تهمته وتؤكد له أن فكرة الأنتحار لم تخطر لها على بال أبدا ولكنه راح يصيح ووجهه شاحبا بشدة وجسده يرتجف بشكل ظاهر

- كيف تجرؤين .. كيف تجرؤين على ..

ولم يستطع اكمال جملته وضمها اليه بقوة وكأنما أراد صهرها على صدره فاستمعت بطرب الى طنين قلبه الصاخب ودون كلمة أخرى حملها الى غرفة نومهما فلم تضيع وقتها بالشرح له أو بتحليل معنى تصرفة ونامت بين ذراعيه نوما عميقا لا تتخله الأحلام ولا تنغص سباته الكوابيس .


****


ما الذي فعله بحق الله .. كيف ضعف بتلك الطريقة وأظهر المشاعر التى أقسم أن يوئدها بداخله الى الأبد .. لكن عندما رآها تقف بتلك الطريقة على الشرفة مقدمة على قتل نفسها شعر بأن روحه تنسحب من داخله واسودت الدنيا أمام عينيه وفكرة واحدة سيطرت على رأسه بأنه سيلقي بنفسه وراءها ان فعلت .. لن يعيش فى هذه الدنيا من دونها ولم يفق من سكرته هذه الا وهو يتأملها وهي تنام بوداعة متوسدة صدره وبسمة هادئة تستريح عند زاوية شفتيها فعادت النار لتشتعل فى رأسه نادما على لحظات ضعفه وأقسم ألا يعيدها ورغم ذلك لم يبعدها عنه واحتفظ بها قرب قلبه.


****


- سنرحل اليوم .

جلست على الفراش تفرك عينيها الناعستين ثم نظرت اليه , كان يرتدي ملابس الخروج ويخرج بقية ملابسه من الخزانة ويضعها فى حقيبة سفره , تبقى يومان على أنتهاء الأجازة وقد كان مصرا على البقاء حتى نهاية الحجز فماذا حدث وجعله يغير رأيه فسألته

- هل حدث شئ سيئ فى البيت ؟

رد باقتضاب

- لا .. ولكنني مللت من البقاء هنا .

ثم انشغل بوضع ملابسه فى الحقيبة وعندما أطالت المكوث فى مكانها صاح بها بحدة

- أسرعي والا سوف نتأخر على الطائرة .

خرجت من الفراش وذهبت الى الحمام وهي تتساءل أين ذهبت رقته معها بالأمس ؟

وعندما خرجت من الحمام باشرت فى تحضير حقاءبها وكان هو قد خرج من الغرفة فغلفها الحزن لقد ظنت للحظات بأنه صفح عنها وعاد يحبها من جديد ولكن ما تراه منه الأن يجعلها تظن بأنها كانت فاقدة الحس لتعتقد شيئا كهذا .

تناولا أفطارهما بسرعة وجاء الحمال لأخذ حقائبهم وقبل أن تخرج مرام من الغرفة للمرة الأخيرة نظرت حولها بمرارة .. لا تصدق كمية الأحداث التى حدثت هنا خلال بضعة أيام فقط وها هي ذاهبه الى مكان آخر لا يريدها فيه أحد ولا تعرف كيف ستعامل فيه بعد أن فقدت حماية ودعم أهم ركائزه .. صالح .


****

الفصل الثاني عشر

من رواية .. وغابت شمسها


مطار الغردقة

كانا فى أنتظار موعد أقلاع الطائرة .. وكانت مرام تجلس بجواره صامتة ونظراتها تختبئ عنه خلف زجاج نظارتها المعتمة .. كانت غير عالمة بحاله فقد هاج قلبه وماج بالمشاعر وهو يتذكر الصورة التى بدت فيها هذا الصباح ... جميلة وبريئة بشكل كاد أن يحطم قلبه أكثر مما هو محطم .. شعرها الأسود كالليل وهو يتناقض ويحيط ببشرتها البيضاء الناعمة .. ضباب النعاس الذي كان يظلل عيناها بنظرة أغواء طبيعية غير متعمدة .. ومفاتنها التى تصفها رقة ثوب نومها .. مشهد كان ليقضي على عزيمة قديس وليس عاشق بائس مثله ... فكان الهرب هو أسلم سبيل له .

ليلة أمس أظهرت نقاط ضعف فيه أرعبته وهو يفضل الموت على أن يجعلها تعرف تأثيرها الساحق عليه .. لذلك قرر أن ينهي الحجز ويرحلا قبل أن تفلت زمام الأمور من يده ففى البيت يستطيع أن يستعيد رشده ويستقوي بمن حوله .. يغرق فى عمله ويجد الأسباب التى تبعده عنها .. ولكن قبل ذلك يجب أن يمحي من فكرها أي شك يكون قد خامرها عن حقيقة ما يضمره فى قلبه لها .

قال بتهكم قاطعا الصمت الذي طال بينهما

- أرجو أن أكون قد نجحت فى تهدأتك بالأمس ؟

أدارت وجهها اليه بحدة فتابع

- لا مانع عندي ان أردت قتل نفسك بعد عودتنا ... لقد خفت فى الواقع على نفسي وعلى سمعتي .. ماذا كان سيقول الناس عندما تقدم عروس على الأنتحار فى شهر عسلها غير أن عريسها هو السبب .

فكرت مرام بمرارة ساخرة .. لهذا السبب قرر العودة بسرعة حتى اذا ما كررت محاولة الأنتحار

قالت بصوت أبح من قلة الأستخدام

- لم يكن هناك من داعي لقلقك هذا .. فأنا لم أكن عازمة على الأنتحار ولا أنوي ذلك مستقبلا .. فقد كنت أستمتع بوقتي .. ألهو لا أكثر .

ضاقت عيناه عليها بغضب وقد استفزه استهتارها بحياتها ونسى حرصه

- وهل هذا هو مفهومك عن اللهو ؟ .. ماذا لو أختل توازنك وسقطت ؟

رفعت حاجبيها ساخرة

- أعدك فى المرة القادمة التى أخاطر فيها بحياتي أن أترك رسالة أولا أوضح فيها الأمر حتى لا يمسك ضرر ويتهمك أحد بالتسبب فى قتلي .

مد يده عبر المقعد وقبض على يدها يعصرها بقوة آلمتها

- لا تتحدثي معي بتلك اللهجة والا جعلتك ترين ما لن يسرك .

شحب وجهها من الغضب فهو يتفنن بأذلالها .. يفسد كل شئ جميل ظنت أنها تعيشه ... تمنت لو تصرخ فى وجهه حتى يكف عما يفعله ولكنها أطبقت شفتيها باذعان وحاولت جذب يدها من تحت يده فتركها بعد أن رأى علامات الألم على وجهها وقال برضا

- هكذا أفضل .. تعلمي ضبط أعصابك حتى لا تتأذي .

أطبق الحزن على قلبها فلأول مرة يستخدم صالح معها العنف الجسدي .. فهل هذا ما سيكون عليه سلوكه معها مستقبلا ؟ حمدت الله لأنها ترتدي نظارتها الشمسية والتى أخفت الدموع التى أمتلأت بها عينيها .


****


منزل المزرعة

كان الأستقبال حافلا .. بكت نهال وهي تحتضن أخيها وتقول

- منذ الصباح وقلبي يحدثني بأنني سأراك اليوم .

قالت أم عبيد بعد أن أنهت زغرودتها

- أي والله .. لقد طلبت منا أن نعد كل الأطعمة التى تحبها .

تخلص صالح من عناق شقيقته بصعوبة وهو يقول ضاحكا

- اذن أين هذا الطعام الذي أعدتوه من أجلي فأنا جائع جدا .

تفحصت نهال وجهه بتمعن ولاحظت على الفور أن به خطب ما وعندما نظرت الى مرام لترحب بها لم تجدها أفضل منه حالا .

- حبيبتي .. حمدا لله على سلامتك .

لم تعرف مرام السبب ولكنها وجدت نفسها تندس بين أحضان المرأة وتحتضنها بقوة وغصة تنعقد فى حلقها , ربتت نهال على ظهرها بحنان شعرت بأن الفتاة بحاجة اليه .


****


لم يبقى صالح فى المنزل بعد الغداء وأصر على الذهاب الى المصنع ولم يستمع الى أحتجاجات نهال التى أرادت منه البقاء معها اليوم

- هناك عمل كثير ينتظرني .. لقد توقفت الماكينة الجديدة أكثر من مرة أثناء غيابي وهذا ما دفعني للعودة مبكرا .

ثم نظر الى مرام وابتسم

- وقد تفهمت مرام الأمر ولم تعترض .. أليس كذلك حبيبتي ؟

لم يستطع التخلص تماما من نبرة التهكم فى صوته فأحتقن وجه مرام وهى ترد بابتسامة مرتجفة

- بلى صحيح .

رات مرام الكثير من الأسئلة فى عين نهال ولكنها لم تسألها عن شئ وبعد رحيل صالح أستئذنت مرام فى الذهاب الى غرفتها لأنها متعبة

- تفضلي يا حبيبتي .. خذى راحتك .


****


في جناح نومها ..

وقفت تنظر حولها وهي على شفير البكاء ..

كانت تراه لأول مرة بعد الأنتهاء من توضيبه وكان مكون من غرفة جلوس وغرفة نوم وغرفة ملابس صغيرة وحمام .. كان كل شئ جميل ومفروش ببذخ وبشكل راقي .. لقد تكبد صالح كل هذه التكاليف من أجلها .. من أجل اسعادها وتساءلت ..

كيف ستكون أيامها هنا يا ترى ؟ .. ابتسمت بحزن .. لو كانت الظروف مختلفة لكان صالح معها الأن يتفرجان على عشهما معا .. ينعمان بأحضان بعضهما ويتمتعان بحبهما .. سارت بتثاقل ونفضت حذائها من قدميها كيفما كان ثم ألقت بنفسها على الفراش .


كان الظلام حالكا

خطا صالح الى الداخل ووقف للحظات ينصت السمع ولكن السكون كان تاما .. مد يده الى زر الأضاءة وسرعان ما توضحت معالم غرفة الجلوس له .. لم يتثنى له الوقت حتى يرى الجناح من قبل فقد خرج مباشرة بعد الغداء ولم يبدل حتى ملابسه.

لوى شفتيه بمرارة وهو يتأمل ما حوله .. لم يخطط أن يمر الأمر هكذا .. لقد أراد أن يفاجأ مرام بما فعله من أجلها ويرى ردة فعلها على ما استطاع انجازة فى وقت قصير لأسعادها .. لقد أختار أفضل شئ من كل شئ .. الفرش والأثاث والأجهزة .. النجف والسجاد والستائر .. أراد أن يهديها قصرا ولو كان صغيرا وكان يخطط لتوضيب البيت كله مستقبلا ليليق بطموحها .. ولكن هل كان طموحها على قدر امكانياته المتواضعة ؟ .. ألم يعترف صديقها أمامه بأنها وعدته بأن تتركه وتعود اليه ؟ بالطبع .. فهو ابن مليونير ثري .. كانت مبيتة النية على تركه ولذلك أصرت على أخذ موانع للحمل .. لم تكن تريد أطفاله كما لم تكن تريده هو نفسه ..

سحب نفسا وأطلقه ثم تقدم للداخل وهو يتساءل أين هي ؟ .. رجفة أصابت قلبه .. فربما تكون هربت دون أن يلاحظها أحد .

قطع المسافة الصغيرة التى بين غرفة الجلوس وغرفة النوم والذى يفصل بينهما باب جرار ورآها نائمة على الفراش بملابسها التى سافرت بها .. تضع كفيها تحت وجنتها وتضم ركبتيها الى صدرها فبدت كطفل صغير وقبل أن يرق قلبه زجره بغضب ليذكر نفسه بأن تلك الفتاة ليس بها أي شئ من براءة الأطفال وأنها حية مخادعة .. مصاصة دماء الرجال .

- أنت .. أستيقظي .

كانت نبرته حادة وعالية ففتحت مرام عينيها مجفلة ونظرت الى صالح مشوشة العقل قليلا فتابع مزمجرا

- لا تعتادي على تلك الرفاهية وهذا التكاسل .. موعد العشاء حان ولدينا ضيوف وأم عبيد فى المطبخ بحاجة للمساعدة .

جلست مرام وهي تفرك عينيها وكانت تشعر ببعض البرد فقد نامت بدون غطاء وقالت

- وماذا عن نجاة ؟

رد بنفاذ صبر

- نجاة تعود كل يوم بعد صلاة العصر الى بيتها وأم عبيد كبيرة فى السن ولن تقدر على الخدمة بمفرها .

ثم نظر اليها باشمئزاز

- يا لك من بليدة معدومة الأحساس .. كيف لم ألاحظ هذا فيك من قبل .. كنت أعمى على ما أظن .. لم أراك مرة تمدين يد المساعدة لأحد .. هل كنت مثلا تقومين بترتيب فراشك بعد استيقاظك من النوم أم كنت تنتظرين من الخدم أن يقوموا بذلك بدلا عنك .

أحمر وجه مرام وعجزت عن الرد عليه .. فقد كان محقا .

هز رأسه بسخط وقال

- شيئا آخر سيضاف الى قوانيننا الجديدة .. من الأن فصاعدا لن يقوم أحد بخدمتك .. أم عبيد هنا من أجل شقيقتي نهال ونجاة تأتي من أجل التنظيف والخبيز وهذا كثير عليها لذلك ستساعدين أيضا بالتنظيف .

ثم ضحك بسخرية وتابع

- لن أطلب منك حلب الأبقار وجمع الروث من تحتهم فعمال المزرعة من يقومون بذلك رغم أنني سأستمتع برؤيتك تفعلين وربما أقوم بتصويرك وأرسال صورك لأصدقاءك التافهين والفاسدين على الفيس بوك .

ظلت مرام تستمع اليه بصمت وشحوب وجهها هو الدليل الوحيد على تأثرها , هز رأسه للمرة الثانية برضى لما أنجزه معها وبدأ بخلع ملابسه وهو يتابع

- قلت ان لدينا ضيوف .. أغسلي وجهك وبدلي ملابسك لتحيتهم فلو تأخرنا عليهم أكثر من ذلك سيظنون أننا ..

ونظر اليها نظرة ذات مغزى جعل شحوب وجهها يختفي وقد أشتعل أحمرارا فلمعت عيناه بخبث وراح يقترب منها ببطئ فانكمشت وتراجعت على الفراش الى الخلف فهي تعرف ماسيفعله بها .

قال وهو يجلس بجوارها ويمسك بذراعها يمنهعا عن الأبتعاد

- الشئ الوحيد الذى أثق فيه منك .. هو ردة فعل جسدك لي .. ربما لا أملك قلبك وروحك تهيم بعيدا عن عالمي .. ولكن جسدك .. أعرف كيف أجعله عبدا لي .

يا لقسوته .. جذبها بين ذراعيه .. ارتجفت وبكت بصمت فهمس فى أذنها

- لن تفيدك الدموع .

ثم جذب شعرها الى الخلف بقسوة فصرخت من الألم وقد أصبح وجهها الباكي مرفوع اليه

- أحب أن أراك تتألمين .

سألته بمرارة

- وهل هذا يجعلك ترتاح

أجاب بحقد

- لا .. لا للأسف .. لا يوجد شئ قد أفعله بك يستطيع أن يمحو أثر ذنوبك فى نفسي .

جذبها اليه أكثر وكانت يداه غير رحيمتان بها فقالت برجاء وهي تأن

- ألن تكتفي أبدا من تعذيبي ؟

رد عليها بشراسة وأنفاسه تتسارع

- أبدا .. ولا أعتقد أننى سأكتفي حتى آراك تتلاشين .

وفجأة دفعها عنه فسقطت على الفراش

- ولكن ليس وقته الأن .. كما قلت لدينا ضيوف .

كان قميصه مازال عالقا بكتفيه فخلعه وتركه ليسقط على الأرض ودخل الى الحمام , وقفت مرام عن الفراش وركبتيها ترتعشان ضعفا .. خطت من فوق قميصه ثم توقفت وبعد لحظة تردد أنحنت ورفعته عن الأرض .. دفنت وجهها به بطريقة مثيرة للشفقة تشم رائحة عطره ومن ثم ضمته الى صدرها .


****


حجرة الجلوس

لم تسأله عن هوية ضيوفهم لذلك دهشت عندما وجدت رباب جالسة بصحبة والدها وزوجته وكانا يضحكان بشدة على شئ تقوله .. حدقت مرام بوجه والدها لبعض الوقت باستغراب فهذه هي المرة الأولى التى تراه فيها يضحك بهذا الشكل وقد بدا مختلفا .

قال صالح وهو يدفع مرام لتتقدم الى الداخل

- ما الذي يضحككم .. شاركونا .

نظرت اليه نهال وقالت ضاحكة

- تعالوا .. هذه البنت مجرمة .. لم أضحك هكذا منذ زمن .

كانت تشير الى رباب التى وقفت وتقدمت من مرام وهى تقول بابتسامة مجاملة

- حمد لله على السلامة يا مرام .

شعرت مرام بالنفور منها وكادت أن ترد على تحيتها ويبدو أن صالح قد شعر بنيتها هذه بسبب تيبس جسدها تحت راحة يده .. لكزها فسيطرت على ردة فعلها الغريزية وبادلت رباب التحية وقبلت وجنتيها .

قالت نهال لزوجها من بين أسنانها وهي تشير برأسها لمرام

- أحمد .

ولكن مرام وفرت عليه وعلى نفسها الأحراج وذهبت بسرعة وجلست على مقعد بعيد عنه فلم يعيرها أنتباها الا بنظره عابرة عند دخولها , نظرت الى رباب مبتسمة وسألتها عن أحوالها وأحوال عائلتها فأجابتها رباب على أسئلتها وهي تنقل نظراتها بينها وبين والدها بحيرة وفضول ولكنها عادت لتكمل حديثها السابق وقد استطاعت أن تخفي فضولها ببراعة بحديثها الفكاهي .

كانت خفيفة الظل .. أعترفت لها مرام بذلك ولكنها لم تضحك على أي شئ كانت تقوله من قلبها واكتفت برسم ابتسامة باهته على شفتيها وبداخلها يحترق غيرة فقد كان صالح يضحك .. يضحك بطريقة لم تراه يفعلها معها منذ ذلك اليوم المشؤوم فلم تتحمل البقاء بينهم كالغريب المنبوذ أكثر من ذلك ووقفت وهي تقول

- سأذهب لأساعد أم عبيد فى تجهيز العشاء .

نظر اليها والدها ونهال بدهشة فى حين ألتوت شفتا صالح بسخرية , قالت نهال

- لا تتعبي نفسك .. فقد جئت من سفر اليوم وتبدين متعبه .

ردت وهي تتوجه الى الباب

- لا .. لست متعبة .. أنا بخير .


****

فى المطبخ

راحت أم عبيد تراقب مرام بنظرات متبرمة وتظهر بجلاء عدم ثقتها بها وهي تقلب الخليط على النار .. لقد أصرت مرام على أن تقوم بعمل الحساء بنفسها وقالت ببرود

- لا تخافي .. أعرف كيف أطبخ .

فجدتها أدخلتها المطبخ وهى فى العاشرة من عمرها وتذكر جيدا ما قالته لها حينها

- يجب أن تتعلمي اطعام نفسك فلن تجدي من تعتمدين عليه طوال عمرك لكي يطعمك .

قالت أم عبيد بجفاء وهي تناولها خلاط الحساء

- لا تكثري من الملح والفلفل من أجل الست نهال .

استدارت اليها مرام بنفاذ صبر

- لا تقلقي أعرف أيضا كيف أطهو طعام صحي لمريض .. كنت أطبخ لسنوات من أجل جدتي .

علت الدهشة وجه المرأة المسنه واستدارت مرام الى البوتاجاز مرة أخرى وهى تتابع ساخرة

- ليس لأنها كانت مريضة .. ولكن لأنها كانت تخشى على صحتها من التدهور .

أنها لا تصدق أن خمسة أشهر فقط قد مرت على وفاة جدتها فما حدث لها من بعدها كثير جدا, بعد أن أنتهت من هرس الحساء ووضع الكريمة عليه أخفضت النار على الوعاء وأخذت خضار السلطة الذى كانت تغسله أم عبيد وجلست على المائدة وتناولت السكين ولوح التقطيع فاعترضت أم عبيد

- دعيهم لي .

- أفعلى أنت شئ آخر .

- لم يعد هناك شئ ليفعل .

- اذن أجلسي وأصمتى .

وراحت تقطع الخضار وهى شبه شاردة وأم عبيد تراقبها بتعجب .. تجاهلتها مرام فالجلوس هنا تحت نظرات تلك المرأة وتضييع الوقت فى العمل أفضل من الجلوس بالخارج وتحمل الضغط النفسي الذى لا يحتمل .. وراح سؤال واحد يصرخ فى رأسها .. ما الذي تفعله رباب هنا فى هذا الوقت من الليل ؟ ومن الذي طلب منها المجئ ؟


****


كانت نظرات صالح تتجه كل بضعة ثوان تجاه الباب .. لقد تأخرت مرام .. ما الذي تفعله فى المطبخ كل هذا الوقت ؟

لاحظت نهال توتره ونظراته التى لا تفارق الباب كما أنها لاحظت أنه لم يعد يتظاهر بالمرح منذ أن غادرت مرام الحجرة فقالت له

- أذهب يا صالح وأنظر لماذا تأخرت مرام وأم عبيد فقد أصبحت جائعة جدا وضيفتنا كذلك .

فقالت رباب بأدب

- أتركيهم على راحتهم .

ولكن صالح كان قد وقف وخرج وكأنه كان ينتظر سببا ليذهب خلفها وبمجرد خروجه من حجرة الجلوس رآها تخرج بدورها من الردهة الؤدية الى المطبخ وكانت تحمل طبق سلطة كبير وتتجه به الى مائدة الطعام شاردة تماما حتى أنها لم تلاحظ وجوده فلحق بها وهو يلعن ضعفه فقد أشتاق اليها

- تأخرتى .

قالها بحدة وكأنه يتهمها , رفعت مرام وجهها اليه مجفلة فتابع

- فيما كل هذا التأخير .

ردت بهدؤ مثير أقرب الى الملل

- كنت أساعد أم عبيد كما أمرت .

أغاظه هدؤها الذي قصدت به السخرية من أوامره فقال بلهجة مهدده

- لا تهزئي بي .

ألتفتت اليه بحدة وقالت بانفعال

- ومن قال أنني كنت أهزأ بك .. سألت سؤالا وأجبت عليه .

حدق فى عينيها والشرر يتطاير منهما وفكرت مرام للحظات أن تقوم بتحديه واستفزازه أكثر ولكنها تراجعت فقد أدركت بأنها ستكون الخاسرة ولن تقوى على أنتقامة لو هي عاندته فأطرقت برأسها وقائلة بخنوع

- آسفة لم أقصد .

تراجعها وخنوعها ذاك لم ينجحا فى تهدئة أعصابه بل زاد من أشتعال نيرانه فرؤيتها بهذا الشكل صنع جرحا داخل صدره وكالعادة كلما رق لها قلبه كلما أزداد حنقه وغضبه عليها وعلى نفسه فأشار بسبابته فى وجهها قائلا بعنف ولكن بصوت منخفض

- راقبي ما يخرج من فمك قبل النطق به والا ..

جاء صوت والدها من خلفه يقاطعه

- صالح .

استدار اليه صالح بحده وكان الغضب مازال جليا على وجهه

- هاتفك كان يرن .. قد يكون المهندس من المصنع .

أبتلع ريقه وارتخت ملامحه وهو يقول

- بالفعل كنت أنتظر أتصال منه .

أبتعد عن مرام عائدا الى حجرة الجلوس .

لم يلحق به والدها وظل واقفا يراقبها بصمت وهي تشغل نفسها بأخراج الأطباق والملاعق من الأدراج وتقوم بتوزيعها على حسب عددهم , سألته بملل عندما طال بقاءه هناك

- لماذا لا تقول ما يدور فى رأسك وننتهي ؟

سألها على الفور

- ماذا فعلت به ؟

قبضت على ظهر أحد المقاعد بشدة وأغلقت عيناها لتهدئ من فوران أعصابها وهو يتابع بحنق

- دمرته فى بضعة أيام .. لقد غلبت أمك فى ذلك .. فأنا أعترف أنها جعلتني أقضي بضعة أشهر فى نعيم معها .

صمت للحظات ثم استطرد ساخرا بمرارة

- بضعة أشهر هي كل ما استغرقه الوقت لكي تنفق ثمن أرض أبي التى بعتها من أجلها .

نظرت اليه بغضب وقالت

- أرجو منك أن تحتفظ بمرارتك وذكرياتك العفنة لنفسك من بعد الأن ولا تطربنى بها كلما تحدثت الي .. فما بي يكفيني ويفيض .

ثم أزاحته من طريقها واندفعت عائدة الى المطبخ .

وبعد العشاء كان من المفروض أن يقوم والدها بأخذ رباب الى بيتها ولكن صالح هو من تطوع لايصالها بنفسه ولم تقف مرام لثانية واحدة بعد خروجهما وذهبت الى غرفتها وهي تشعر بأرهاق شديد وهم يثقل قلبها فأستحمت بسرعة ثم اندست فى الفراش وقد قررت أن تنام ولا تنتظر مجيئة .


****


- تعال يا صالح .

تفاجئ صالح بشقيقته مستيقظه حتى هذه الساعة المتأخرة وتجلس بأنتظاره فى غرفة الجلوس .

سألها بقلق

- نهال .. هل أنت مريضة ؟

أسرع بالجلوس الى جوارها ممسكا بيدها فقالت

- أنا بخير لا تقلق علي .

رفع حاجبيه متساءلا فقالت

- ولكن أنا هي من قلقة عليك .

عبس وقال بحذر

- وفيما قلقك ؟

- كلنا لاحظنا تبدل حالك وحال زوجتك .. لقد ودعناكما فى حال وأسقبلناكما فى حال آخر ..


فتح فمه ليعترض فقالت بسرعه لتمنعه

- لا أريد أن أتدخل بينكما بالطبع ولكني أريد الأطمئنان عليك .

ربت على يدها

- أنا بخير .. لا أنكر أن بيننا بعض الخلاف ولكنه سيمر باذن الله .

ليس لديه ما يقوله لها فان صارحها بالحقيقة ستتأثر صحتها ولكنه أيضا لا يستطيع أن يتظاهر بالسعادة طوال الوقت وهو على عكس ذلك تماما .

- لماذا تأخرت ؟

- جلست مع عمي نتحدث وسرقنا الوقت .

هزت رأسها بأستسلام فقد كانت تعلم بأنه يتهرب من استجوابها له وبخبرتها معه تعرف بأنها لن تنال مأربها منه فقالت

- كما تشاء ولكني سأقول لك شيئا قلته لعمك أحمد من قبل .. مرام لم تجد فى حياتها شخص يوجهها بطريقة صحيحة .. كان لدي بعض الملاحظات عليها ولكني كنت أثق فى أنك ستتكفل بها ومادامت تحبك ستتغير من أجلك .

كتم مرارته بداخله .. فهي من غيرته لا هو .

وقف لينهي هذا النقاش وجذبها معه

- هيا .. أذهبي الى فراشك ونامي جيدا حتى لا تصبحي متعبة غدا .


****



الفصل الثالث عشر

من رواية .. وغابت شمسها

قراءة ممتعة


ترددت مرام فى أخذها .. قربت الحبة من شفتيها ثم أبعدتها وهي تضغط على كوب الماء بيدها .. فى ماذا تفكر بحق الله ؟ أسبوع حتى الأن وهي لا تأخذ تلك الحبوب وفى كل يوم تؤنب نفسها بنفس الطريقة .. ثم تعود وتقنعها بأنها لو أمتنعت عن أخذها وأصبحت حامل سوف تثبت لصالح بتلك الطريقة أنها تغيرت وأنها باقية عليه وترغب فى أن تقضي كل حياتها معه .. ربما سيسامحها حينها ويكون الطفل الذي سيولد سببا فى عودة حبه لها .. ألقت الحبة فى سلة المهملات اسفل الحوض وهي تتساءل ان كان ما تفعله صح أم خطأ ؟

لقد مرت ثلاثة أشهر على زواجهما وكل يوم يمر تزداد حياتها سؤا .. كانت تطيعه فى كل شئ آملة أن يغير فكرته عنها ويستمع الى تبريرها الذى يرفض حتى الأن الأستماع اليه فقد حاولت مرة وكان رد فعله مهينا ...

تأملت نفسها في المرآة .. لقد تغير شكلها أيضا .. برزت عظام وجهها وتحلقت عيناها من التعب وهزل جسدها ونحف وباتت نظراتها مظلمة بنظرة خاوية .. لا شئ يحدث فى أيامها جديدا .. أصبحت منقطعة عن العالم الخارجى تماما .. فقد سحب صالح منها هاتفها وهما فى الجونة فلم تعد تعرف شيئا عن أصدقاءها .. وتحدثت مرة واحدة فقط مع خالها وكان هو من طلبها على هاتف صالح عندما فشل بالتواصل معها على هاتفها وظل صالح طوال المكالمة واقفا أمامها ينظر اليها بحدة .. يخشى أن يمرر لها خالها شيئا عن فودة أو تتجرأ هي على السؤال عنه ولكنها لم تكن تريد أن تعرف عنه شيئا فيكفيها ما تعانيه ولا تريد أن تزيد من همها بأن تضيف عليه هم فودة أيضا .. والده ثري جدا وقادر على الأستعانة بمحاميين كبار للدفاع عنه وربما يجد له معارف مهمين يخرجوه من القضية بسهولة .

لم تكن تخرج من البيت الا لماما وبصحبته هو فقط ولكنه سمح لها مرة بالسفر الى القاهرة بصحبة شقيقته نهال ووالدها وكان بناء على ألحاح نهال التى أشفقت عليها لأنها تراها حبيسة البيت فأرادت أن تروح عنها وكان السفر من أجل أجراء بعض التحاليل والأشعة وبعدها كان من المقرر أن يأخذهما والدها لزيارة بعض الأماكن ومن بينها المساجد والأضرحة التى تصر نهال على زيارتها كلما ذهبت الى القاهرة ولم تعترض مرام على برنامج الزيارة فقد كانت ترغب فى الخروج لتغيير الجو ليس الا .. وأثناء وجودهم بالمشفى تركتهم مرام وذهبت لبعض الوقت الى الكافتريا لشرب القهوة وأكل شئ ما وعندما عادت وجدت حالتهما غريبة وفهمت أن صالح قد أتصل وعرف بأنها ليست معهما فثارت ثائرته فقال لها والدها متجهما وهو يناولها هاتفه

- من الأفضل أن تتصلي به .. فقد كان يهدد بالمجئ .

طلبت مرام رقم صالح وأجاب مع أول رنة وعندما سمع صوتها صرخ بها بغضب هادر

- أين كنت ؟ .. من قابلتي ؟ .. مع من تحدثتي ؟

قالت بصوت يكاد يختنق

- كنت فى كافيتريا المشفى .

ردد ساخرا

- كافيتريا ؟ .. أم عدت تتسللين من الأبواب الخلفية كما فعلت فى المطعم من قبل ؟

شحب وجهها .. كيف عرف ؟

- أنها آخر مرة أسمح لك فيها بالذهاب لأي مكان من دوني .

وأغلق الهاتف فى وجهها ومن بعد تلك المكالمة ظلت ملازمة لوالدها وزوجته ولم تتمتع بشئ طوال تلك الرحلة وعندما عادوا نفذ صالح تهديده فلم تعد تخرج مع أحد وكان يأخذها أحيانا للغداء بالخارج وفى نفس المطعم المعتاد ولم تسأله مرة كيف عرف بما فعلت هي وليلي فى ذاك المطعم عندما قابلتا فودة .

خرجت مرام من الحمام وأعادت شريط الحبوب الى الدرج وأغلقته

كانت الساعة تشير الى الحادية عشر ليلا .. دقائق وسيأتى صالح بعد أن ينتهي من شرب شايه مع والدها وكالعادة ستكون بأنتظاره فى الفراش .. ان أرادها سيقترب منها بصمت بعد أن يغرق الغرفة فى الظلام فقد أصبحت هذه احدى طقوسه وكأنه بذلك ينسى من تكون وبعد أن ينتهي منها يوليها ظهره بصمت وينام .

جلست مستقيمة فى الفراش وهى تنصت لخطواته تتقدم داخل الغرفة , ترك مصباح الطرقة الخارجية مضاءا وهذا يعنى أنه لا يرغبها الليلة فأنزلقت تحت الغطاء ببطئ واستلقت على ظهرها مغلقة عيناها .. شعرت به يندس تحت الغطاء بجانبها وبعد عدة حركات هدأ جسده وسكن .. بعد عدة دقائق أنقلبت على جانبها وفتحت عينيها تنظر الى الظلال التى تتراقص على وجهه .. رفرفت رموش عينيه ولكن عيناه ظلت مغلقة فابتسمت .. لو يعلم كم تعشقه .. يظن أنها باقية معه لأنها خائفة من تهديده لها بالسجن .. ربما كانت كذلك فى البداية ولكن فيما بعد أكتشفت أن أي مكان ستذهب اليه وهوغير موجود به سيكون أسوأ من أي سجن توضع به .. سيكون فراقها عنه كحكم بالأعدام ينفذ بها كل يوم .. فهل يمكن أن يحب الأنسان أحدا هكذا .. هل أحبها صالح فيما مضى الى هذه الدرجة التى تشعر بها تجاهه الأن ؟ .. أنها تذكر جيدا ما همس به لها فى ليلة زفافهما (( هذا ليس حبا .. ولا يمكن أن يكون عشقا .. فما أشعر به تجاهك لا أسم له .. أنه شئ لم يخلق لأحد غيري ولم يشعر به أحد من قبلي )) .

مدت يدا مرتجفة الى وجهه يدفعها فيضان الحنان بداخلها ومست بشرة وجهه برقة .. تجعدت الخطوط حول عيناه واشتدت شفتاه .. كان مستيقظا ومع ذلك لم تتراجع فماذا يمكن أن يحدث .. يرفضها ويسخر منها ؟ وما الجديد ؟ .. فقد فعل ذلك من قبل دون أن تكون هى البادئة , مررت أناملها على وجنته وعينيه ورسمت بهما على شفتيه .. تسارعت أنفاسه فشعرت بمزيد من الجرأة والثقة فاقتربت منه بجسدها تعيش نشوة انتصارها وهمست له بالكلمة التى لم تلفظها أبدا من قبل

- أحبك .

وفجأة وجدت نفسها مستلقية على ظهرها مثبتا اياها فى الفراش وهو يطل عليها من أعلى ينظر اليها بنظرات قاتلة

تسارعت أنفاسها وضربات قلبها وهى تحدق فى وجهه تنتظر أنفجاره الذى يحضر له ولكنه بدا كما لو كان يصارع شيئا بداخله وجاء صوته محملا بمشاعر غير مفهومة

- لا تدعي ما لا تشعرين به حتى تنالي ما تريدين

لا تعرف لماذا فعلت ما فعلته ولكن عندما تراخت يداه عن كتفيها أقتربت منه وعانقته .. تجمد للحظة متفاجئا من هجومها ولم تبالي هي بآلام عظام ظهرها التى تكاد تتحطم تحت ضغط أصابعه .

فقد السيطرة على نفسه .. نسى كيف يقاوم ضعفه .. تعرت مشاعره وتجاهل جراح قلبه .. عرف بأنه سيندم فيما بعد ولكن لا حيلة له فقد تعب من المقاومة كمن يجدف طوال الوقت عكس تيار نهر جارف .. سيحبها الليلة كما يشتهي وغدا سيكون لعقله قولا آخر .


****


- صباح الخير .

قالتها مرام ببشاشة وهي تنضم الى والدها ونهال على مائدة الأفطار .

فنظرا الى بعضهما البعض باستغراب يراقبانها وهي تقرب طبق الفول أمامها وتبدأ الأكل بشهية وسألت بعد أن أبتلعت لقمتها الأولى

- هل خرج صالح منذ مدة ؟

لقد أستيقظت ولم تجده وقد توقعت شيئا كهذا .. ابتسمت وهي تتذكر ليلة امس .. لقد تأكدت ، هناك شئ من حبها مازال موجودا داخل قلبه حتى وان أنكر ذلك عنها .

ردت نهال بجفاء

- نعم خرج .. ولم يكن فى حال جيد كما أنت هذا الصباح ما شاء الله .

أبتسمت لها مرام وقد قررت أن لا تجعل أي شئ يفسد عليها سعادتها هذا اليوم

- مشاكل فى العمل ؟

ونظرت الى والدها متساءلة وكادت أن تضحك على النظرة المتفاجأة التى علت وجهه فهي لا توجه له أي كلام تقريبا وكانت نهال من أجابتها بشئ من الحدة

- مشاكل العمل ليست هى من تجعله حزينا وكئيبا طوال الوقت وتدفعه لأول مرة فى حياته للعصبية وهو يتحدث معي .

جاء دور مرام لكي تندهش .. هل فقد صالح أعصابه على شقيقته حقا ؟ وهذا هو السبب الذي يجعلها تتحدث اليها بمثل هذا الجفاء لأنها تعتقد بأنها السبب ؟ حسنا أنها السبب فعلا ولكن ليس كما تعتقد فصالح وان كان غاضبا فهو غاضبا على نفسه وليس منها

تركت مرام الخبز من يدها ونظرت الى نهال

- لم أفهم .. ماذا تقصدين ؟

كانت تشعر بأن بعض من قوتها قد عادت اليها , قالت نهال بأنفعال

- لا أعرف ماذا فعلت له .. منذ أن تزوجك وهو تعيس ولا تنكري ذلك .. ولا تنكرى أيضا انك السبب .. فقبل أن يعرفك كان شابا مرحا خلوقا والأن أصبح كئيبا ونزقا .

أختنق صوتها فابتلعت ريقها وتابعت

- لطالما دافعت عنك وتغاضيت عن مساؤك لأننى رأيت صالح يريدك وسعيدا بك ولكن هذا لم يعد يجدي نفعا بعد الأن وبعد ما أصبح عليه بسببك .

كانت يدها ترتجف وهي تتكلم وقد أزرقت شفتاها فشعرت مرام بالقلق وشاركها والدها قلقها عندما نهض بسرعة وأحاط كتف نهال بذراعه وهو يقول

- أهدأي من فضلك .

ثم نادى على أم عبيد والتى جاءت مسرعة من المطبخ

- أحضري دواء القلب .

أسرعت أم عبيد لتنفيذ أوامره وظلت مرام تنظر الى وجه نهال الأصفر الشاحب وقد فقدت شهيتها للطعام .


****


في المصنع

عانى العمال والموظفين من سؤ طباعه هذا الصباح .. رئيسهم الهادئ طويل البال عادة لم يعد كذلك وكان الجميع يتهامسون منذ فترة أنه من بعد زواجه وقد تغيرت أحواله فى البداية كان عابسا ولم يعد يضحك مع أحد وبعد ذلك أصبح فاتر الهمة وغير مقبل على العمل بحماس كما كان مما دفع بعض العاملين الى التراخي والتسيب فى العمل والأن جاءهم فى الصباح كبركان غضب كان خاملا وفجأة ثارت ثائرته ليحرقهم جميعا بحممه .

دلف الى مكتبه ورباب من بعده وكانت ترمقه بنظرات حذرة وسألته

- هل حقا ما سمعت .. طردت أثنين من العمال ؟

نظر اليها بغضب وصاح

- أليس هذا من حقي ؟ .. هذا مصنعي أعين من أشاء وأطرد من أراه لا يقوم بعمله ويتسبب بخسارتي .. وهذين الأثنين هما من تسببا فى تعطل الماكينة لأكثر من مرة بسبب أهمالهما .

أحمر وجه رباب بسبب تعنيفه ولكنها قالت بشجاعة

- ولكنهما يعملان فى المصنع من أكثر من خمسة عشر عاما والمصنع مصدر رزقهما الوحيد و ..

قاطعها

- اذا كانا يدركان حقا أنه مصدر رزقهما الوحيد فكان يجب أن يراعيا ذلك ويعملا بضمير .

- ما رأيك لو نكتفي بالخصم ولفت النظر و ..

قاطعها رنين جرس هاتف المصنع فأشار لها صالح بأن تجيب , رفعت رباب السماعة وفجأة أكفهر وجهها ونظرت الى صالح بقلق وهي تجيب

- نعم سأخبره .

وقبل أن يسألها قالت

- ابنة عمي مريضة وقد قام عمي أحمد بالأتصال بالطبيب .

شحب وجه صالح بقلق ودون لحظة تردد خرج من الباب تتبعه رباب وهي تسرع بخطواتها خلفه كي تلحق به .

أنه السبب فيما حدث بالتأكيد .. لقد ثار فى وجهها هذا الصباح بطريقة لم يفعلها أبدا من قبل .. أستيقظ فى مزاج سيئ وهي كعادتها تلح لكي تعرف ما به فكان فيما سبق يحايلها ويتهرب من الأجابة عليها ولكن اليوم لم يكن يتحمل شيئا على الأطلاق .. ان حدث لها مكروه لن يلوم الا نفسه .. وهي .. تلك الحية التى تسللت تحت جلده وأغرقته بسمها ستنال نصيبها من اللوم وقد أقسم على ذلك .

أصرت رباب على الذهاب معه واستحسن الأمر فوجودها سيخفف من الوضع قليلا وقد تحتاج نهال اليها فى شئ قد لا تقدر عليه أم عبيد وحدها وكان قد أستثنى مرام من فكره فهو لن يعتمد عليها فى شئ يخص شقيقته أبدا برغم أنها تحاول ارضاءه بشتى الطرق وهو يعلم لماذا تفعل ذلك .. لتتقي شره وتخدعه للمرة الثانية ولكنه لم يعد ساذجا كما فى السابق بأستثناء ليلة أمس بالطبع .


****


الفصل الرابع عشر

من رواية .. وغابت شمسها

قراءة ممتعة

جلست مرام على أحد مقاعد مائدة الطعام تعض على شفتها السفلى بقلق .. لم يأتي الطبيب بعد ووالدها جالسا بالداخل مع نهال وأم عبيد تروح وتجئ أمامها ترمقها بنظرات غاضبة .. ليس ذنبها ما حدث .. لقد أنفعلت ثم سقطت مغشيا عليها قبل أن تصل أم عبيد بدواءها .. هي لم تقل شيئا ولا ردت عليها عندما راحت تعنفها بلا سبب أرتكبته.

وصل الطبيب فى نفس الوقت الذى وصل فيه صالح , وقفت مرام بتوتر وهي تنظر اليه يدخل بصحبة الطبيب ورباب فى اثره , تضايقت من وجودها الذى راح يزيد عن حده هذه الأيام , لم يعيرها صالح انتباهه ورافق الطبيب على الفور الى غرفة نهال تتبعه أم عبيد كحراس الأمن ومنحت مرام نظرة غاضبة أخرى من نظراتها قبل أن تذهب .

سألتها رباب

- ما الذي حدث ؟

ردت مرام بهدؤ قدر ما استطاعت

- أنفعلت قليلا ولم تكن قد تناولت دواءها بعد .

- وما السبب فى أنفعالها ؟

نظرت اليها مرام بحدة ووجدت رباب تنظر اليها بما يشبه الأتهام فقالت

- ماذا تقصدين ؟

هزت كتفيها وقالت

- الغبي وحده من لا يلاحظ التوتر فى هذا البيت منذ ظهورك فيه .

شحب وجه مرام وقد صدمها تجرأ رباب عليها بهذا الشكل والتى تابعت

- لقد تغير عمي أحمد وأصبح كرجل عجوز متجهم حزين .. وصالح .. ماذا فعلت بصالح ؟ .. هل تعرفين أنه قام اليوم بطرد أثنين من العمال القدامى لديه دون سبب مقنع الا لأنه جاء الى العمل وهو فى مزاج سئ .

كانت تتحدث بنفس لهجة نهال وان كانت امتنعت عن الرد على زوجة أبيها فهذا لن يمنعها عن الرد على تلك الفتاة الوقحة التى تتدخل فيما لا يعنيها فقالت بغضب

- كيف تتحدثين معي بتلك الطريقة ومن تظنين نفسك لكي تناقشيني فيما يحدث بيني وبين زوجي .

ردت رباب بأنفعال

- صالح ابن عمي .

قالت ساخرة بخبث

- وتحبينه .. وكنت ترغبين فى الزواج منه وهذا ما يقهرك مني .

أحمر وجه رباب وقالت بجرأة

- ومازلت أحبه .. ولم أفقد الأمل فيه .. أنت لا تليقين به ولم تكوني كذلك يوما وكما أرى فهو ليس سعيدا معك ولا يوجد أحد فى هذا البيت يريدك هنا فتأثيرك سئ على الجميع .

أبتلعت مرام ريقها بصعوبة ولكنها لم تشأ أن تظهر تأثرها أمام غريمتها لذلك رفعت رأسها باستهزاء

- هذا ما يحدث فى خيالك فقط .. صالح يريدني والا ما أجبره شئ على الأستمرار معي .. غيرتك وحقدك علي هما ما يصوران لك ذلك .. وبما أنك كشفت عن حقيقتك أمامي أرجو منك أن تتحلي ببعض الكرامة ولا تقتربي من رجل متزوج .. وأرجو كذلك أن تخففي من زياراتك لنا .

أشتعلت عينا رباب من الغضب بسبب الأهانه وقالت بحقد

- لماذا لم تعودي الى خطيبك السابق ؟ كنت أظن أنني عندما أعلمه بمكانك سيأتي ويأخذك .

عن أي خطيب تتحدث

- عمن تتحدثين ؟

- أسمه فايد ..

- تقصدين فودة ؟

- لا يهم أسمه .. جاء للسؤال عن أبيك فى المصنع وسأل ان كنت تقيمين معه وقال أنه خطيبك فأخبرته أنك تقيمين هنا .

اذن عرف مكانها من رباب التى أملت أن تعود معه وتترك البيت

ردت ببرود

- لم يكن خطيبي .. كانت أحلام فى رأسه وحده ليس الا .

قالت رباب بمرارة وندم

- ليتني أخبرت صالح عنه ربما ..

قاطعتها مرام بضحكة ساخرة

- صالح يعرف عنه كل شئ وأكثر بكثير ورغم ذلك أحبني وتزوجني ... كما أنه يعلم بمشاعرك المثيرة للشفقة تجاهه ولكن ليس بيده حيلة الا أن يتظاهر بالعكس .

أمتقع وجه رباب بشدة حتى ظنت مرام أنه سيغشى عليها .

خرج صالح ووالدها بصحبة الطبيب .. لقد طمأنهما الى أنها ستصبح بخير وأن الوعكة التى أصابتها لم تقترب من الأزمة القلبيه وكالعاده راح ينصحهم ويحذرهم من أثر الأنفعالات على قلبها وبعد رحيله عاد أحمد الى غرفة نهال ووقف صالح ينظر الى رباب الممتقعة الوجه وقد ظن فى البداية أنها هكذا بسبب قلقها على شقيقته فقال

- أنها بخير لقد طمأننا الطبيب عليها .

هزت رأسها وتجنبت النظر الى وجهه فعبس للحظات ثم تذكر النقاش الذى كان بينهما قبل خروجهما من المصنع وغضبه عليها فارتخت ملامحه وابتسم لها قائلا

- أتصلي بالمصنع وألغي قرار الطرد الذي أصدرته هذا الصباح .

هزت رأسها للمرة الثانية وقالت باقتضاب وهي مازالت تتحاشى النظر اليه

- حاضر .

وهنا نظر الى مرام لأول مرة منذ وصوله ووجدها تقف بتحفز وعيناها مسلطتان بحقد على رأس رباب المحني وتساءل فى نفسه عما حدث بينهما , ألتفت رأس مرام اليه وقد شعرت بنظراته عليها فاحمر وجهها وكأنها مذنبة فى شئ وتأكد من ذلك عندما ضمت شفتيها ورفعت رأسها بعناد .. أصبح يعرفها جيدا وما همست به أم عبيد فى أذنه منذ قليل جعل رصيدها من الأخطاء يتعاظم عنده .

قال لرباب برقة

- لماذا لا تذهبين لرؤية نهال فقد أخبرتها أنك هنا .

ذهبت رباب على الفور تاركة مرام وحدها فى مرمى النيران .


****


فى غرفتهما

سألها صالح بغضب

- لماذا تشاجرت مع نهال ؟

شهقت مرام باستنكار وهي تخلص ذراعها من يده

- لم أفعل .

- أم عبيد لا تكذب .

أحتقن وجهها

- شقيقتك هي من تشاجرت معي وليس العكس .

صرخ بوجهها

- لا فرق .

قالت تدافع عن نفسها

- أسأل أبي .. كان جالسا وشاهدا على ما حدث وسيؤكد لك أنني لم أرد عليها بكلمة وأم عبيد كانت فى المطبخ ولم ترى شيئا فقد كانت تعاتبني بسببك .

- ورباب ؟

سألته

- وماذا عنها أيضا ؟

صاح بنفاذ صبر

- ما الذي قلته لها وجعلها متكدرة بهذا الشكل .

أغتاظت مرام لأهتمامه بمشاعر ابنة عمه

- هذه الفتاة وقحة .. ولا أريدها فى بيتي بعد اليوم .

حدق بها للحظات مذهولا

- ماذا قلت ؟

قالت بقوة

- قلت أنني لا أريدها في بيتي .. لن أسمح لها أن تأتي لتضع عينيها على زوجي والمطلوب مني أن أصمت .

جذبها من ذراعها بقسوة وقال بصوت كالفحيح

- لا حق لك في .. كما لا حق لك فى هذا البيت لتقولي من يأتي ومن لا يأتى .. وتلك الفتاة التى تتحدثين عنها تكون أبنة عمي وهي أحسن وأشرف من أمثالك مئة مرة .. هل تفهمين ؟

صدمتها كلماته بعنف وظلت متجمدة فى مكانها والدموع تلمع فى عينيها لا تصدق ما تفوه به لتوه .. كانت تعرف بالطبع رأيه بها وأنه يراها فتاة مستهتره وتصرفاته معها تخبرها بذلك دائما ولكن هذه هي المرة الأولى التى يقولها هكذا .


****


هجر فراشها ..

سعادتها لم تستمر سوى لليلة واحدة

طلب صالح من أم عبيد ونجاة تجهيز حجرة الحديقة له .. صدمها ما فعله وأحزنها وأدركت أنها لن تستطيع اثناءه عن عزمه فى حالة لو ذهبت اليه تترجاه كي يعود آملة أن يعود من نفسه اليها .

ولكن مرت الأيام وظل على حاله وعانت هي من نظرات الجميع المهينة لها فزوجة يهجرها زوجها بتلك الطريقة شئ لم يعتادا على رؤيته أبدا وقد أنتشر الخبر فى العائلة وكان بعضهم يقوم بزيارتهم ليتفرجوا عليها فكانت تحبس نفسها فى غرفتها لحين رحيلهم .

داست على كرامتها مرة وذهبت اليه فى احدى الأمسيات لتتحدث معه.. فقد أشتاقت اليه وربما تنجح فى استمالته ويعود اليها .

وجدته يصلي .. جلست على الأريكة الصغيرة الملاصقة لأحد جدان الحجرة بانتظار أن ينتهي من صلاته وعندما فعل نظر اليها ببرود وسألها عما جاء بها

- أردت التكلم معك .

طوى سجادة الصلاة ووضعها على ظهر المقعد المجاور للنافذة

- هل هناك شئ مهم تريدين التكلم بشأنه ؟

هزت كتفيها وتململت فى جلستها بقلق

- لا .. فقط مللت من البقاء وحدي .

قال ساخرا

- وجئت الي كي أقوم بتسليتك .

قالت بحزن

- لماذا لا تتحدث معي بطريقة طبيعية يا صالح وتكف قليلا عن السخرية مني ورمي الأهانات في وجهي ؟

أعطاها ظهره وهو يتثائب عن عمد واتجه الى فراشه الصغير

- آسف ولكن هذه هي الطريقة الوحيدة التى تصلح للتعامل معك .. أنا متعب وأريد أن أنام ... هيا أذهبي من هنا .

وقفت بحدة وقالت بعصبية

- متى ستعود الى غرفتنا أم أنك تنوي البقاء هنا الى الأبد .. أنت لا ترى نظرات الجميع لي وكأنني ..

قاطعها بحدة

- سأبقى ما يحلو لي من وقت .. ولا أهتم كيف ينظر اليك الجميع وما الذي يظنوه بشأنك .

وضعت يديها على خصرها وقالت منفعلة

- طلقني اذا كنت لم تعد تريدني .

لم تكن تقصد ذلك حقا وقد خشيت للحظات أن ينفذ لها طلبها ويكون قد مل من وجودها فى حياته ويرغب بالتخلص منها فكتمت أنفاسها وقلبها يخفق بعنف , أستدار اليها ببطئ وضاقت عيناه عليها بحدة

- لمن أشتقت .. له .. أم لوالده ؟ .. أم للمال الذي تسعين للحصول عليه .

شحب وجهها وقالت بصدق

- هل ستصدقني لو قلت لك أنني لم أعد أريد من هذه الدنيا غيرك ؟

صمت للحظات ثم قال بهدؤ شديد

- لا .. لن أصدقك .. فأنت مخادعة وكاذبة .. بلا أخلاق وبلا ضمير .

أحنت رأسها وخرجت على الفور وكل خلية فى جسدها تأن ألما .. الى متى ستظل تتحمل أهاناته ؟ وهل لديها بديل لما هي فيه ؟!!!!!!!!!!!!


****


حامل ..

نظرت الى تحليل الحمل المنزلي الذى جعلت نجاة تشتريه لها بعد أن كتبت لها أسمه فى ورقة ولأنها تعرف أنها لا تستطيع القراءة والكتابة أطمأنت الى أنها لن تعرف ما ستشتريه لها .

حملته بيد ترتعش ودموع الأثارة تلمع في عينيها .. لم تصدق .. عندما تأخرت دورتها الشهرية شكت بالأمر والأن تأكدت .. جلست على مقعد الحمام تعيد النظر الى الجهاز فى يدها ثم ابتسمت برقة .. هذا يكون طفلها .

وضعت يدها عند أسفل بطنها بحب ووجدت نفسها تتمتم مترنمة

- طفلي الصغير .

وقفت بحماس .. أنها فى حاجة للذهاب الى الطبيب لتتأكد قبل أن تعلن الخبر لصالح .. وضعت كفها على وجنتها ونظرت الى وجهها المثار فى المرآة وتساءلت .. هل سيفرح أم سيغضب .. ردة فعله غير متوقعة .. فهو مازال بعيدا ويتجاهلها وتساءلت أيضا من الذي ستطلب منه أن يذهب بها الى الطبيب ؟؟ ليس صالح بالتأكيد .


****


وقفت أمامه متردده

نظر اليها والدها بتساؤل وكان جالسا على الأريكة فى حجرة الجلوس وكان وحده فقالت بسرعة قبل أن تغير رأيها

- هل أنت متفرغ غدا .

رفع حاجبيه بدهشة

- لماذا ؟

قالت بتوتر وهي تفرك يديها ببعضهما

- أحتاج للذهاب الى الطبيب وكما تعرف صالح لا يسمح لي بالذهاب بمفردي الى أي مكان .

- ولماذا لا تطلبين منه أن يذهب معك ؟

قالت بخفوت

- لأنه لم يعد يهتم بي .

أحمر وجهها بشدة وتابعت بغصة

- أريد أن أتأكد أولا .

تمعن والدها فى وجهها بأمعان وسألها

- وأي طبيب تريدين الذهاب اليه .

- طبيب نساء .

رفع حاجبيه بذهول

- هل أنت .. حامل ؟

- نعم .. لست واثقه.. حتى أتأكد من الطبيب .

سألها بحدة

- وماذا ستفعلين بالطفل ؟

ردت بحدة وقد أغضبها الأتهام الذى رأته فى عينيه

- سأفعل معه ما لم تفعله أنت وأمي معي .

حدق بها لبرهة ثم قال برقة أدهشتها

- سوف أذهب معك .

شكرته ثم قالت

- لا أريد أن يعرف أحد أي شئ حتى أتأكد من الأمر .

هز رأسه موافقا فابتسمت له ابتسامة صغيرة ممتنه

وفى الصباح وجدته مرتديا ملابسه وينتظرها وعندما رأتها نهال مرتدية ملابس الخروج سألت زوجها بدهشة

- هل ستخرجان معا ؟

قال باقتضاب

- تشعر مرام ببعض التوعك وأرادت مني أخذها الى المشفى وأنا فى طريقى للعمل .

خفق قلب مرام .. لأول مرة تسمعه ينطق بأسمها .. أبتلعت ريقها ورمشت بعينيها تبعد حرقة الدموع التى وخزت عيناها وعندما أصبحت فى السيارة بجواره رمقته بطرف عينيها وشعر بشئ من الحنان تجاهه .. نظر اليها ورآها وهي تحدق به بتلك النظرة فابتسم لها بتردد وقال

- سأقود ببطئ .. وسأحاول أن أتجنب النقر والمطبات حتى لا تتأذي .

هزت رأسها وعجزت عن قول شئ .


****


فى حجرة الكشف

كاد وجه والدها أن يلتصق بشاشة السونار وهو يستمع بفرح الى صوت دقات قلب الجنين , نظر الطبيب الى مرام ضاحكا

- والدك متعجل لكي يصبح جدا .

استقام والدها فى وقفته وقال بخجل ولكن لم يستطع مداراة فرحته

- عذرا .. فقد نسيت نظارتى فى السيارة والطفل صغير جدا .

قال الطبيب وهو يناول مرام مناشف ورقية كي تمسح الجل عن بطنها

- شهر وأسبوع .

عاد الطبيب الى مكتبه وقال لمرام بعد أن أنضمت اليهما

- الكشف الأولى لا بأس به ولكن تبدو صحتك ضعيفة والضغط مرتفع وهذا ليس جيدا فمازلت فى أول الحمل .. سأطلب منك تحاليل وسنتفق على نظام غذائي وبالطبع سأكتب لك بعض الفيتامينات والمقويات .

وبعد أن خرجا من عند الطبيب من يراهما من الخارج يرى سعادتهما وكل منهما سارح فى ملكوته , سأل والدها بلهفة

- متى سنعرف اذا كان ولد أم بنت ؟

نظرت اليه بدهشة ثم أبتسمت وقالت

- لا أعرف .. كان يجب أن نسأل الطبيب .

وبعد أن ركبا السيارة سألته

- سنعود الى البيت .

- سنذهب أولا الى معمل التحاليل .

أتسعت أبتسامتها وقد تعاظم تعجبها لما يبديه من حماس وفرحة بالطفل القادم وفكرت .. ربما سيكون هذا الطفل سببا فى سعادة الجميع وراحت تتخيل ردة فعل صالح وفرحته التى لن توصف عندما يعرف بالخبر .


****


بيت الممزرعة

أنزلها والدها أمام البوابة الخارجية لأنه كان مضطر الى الذهاب الى المصنع .

وجدت سيارة صالح متوقفة أمام الباب الداخلي فتملكها الحماس .

لم تجد أحد بغرفة الجلوس فتوجهت الى غرفة نهال فربما تجده هناك فهي تشك بأنه توجه الى حجرة الحديقة ولكن قبل أن تطرق الباب الذى كان مواربا سمعت ما جعلها تتجمد فى مكانها

- سوف أطلقها .. قلت لا داعي لقلقك بعد الأن .. سأتركها .. لقد أتخذت قراري بالفعل وفكرت به جيدا .

كان صوت صالح .. بارد وحاد

قالت نهال ردا عليه

- سيكون هذا أفضل لكليكما .. أفضل للجميع .. وابنة عمك أولى بك .

رد عليها

- نعم معك حق .

قالت

- أحمد لن يغضب من قرارك هذا فأنت تعرف شعوره بسبب وجودها هنا .. ومنذ البداية وهو كان رافضا لتلك الزيجة .

قال متأففا وكأنه لا يرغب فى مزيد من الكلام فى هذا الأمر

- نعم نعم .. أعرف .

استدارت مرام عن الباب وسارت متصلبة حتى وصلت الى غرفتها وأغلقت الباب

واستندت اليه للحظات .. تستجمع أنفاسها .. ثم خطت بأطراف مرتجفة الى الداخل .. قرر أن يتركها .. لم يعد يريدها وبالتالي هو لن يريد طفلها .. ولكن لا .. صالح ليس من النوع الذى يرفض طفله أنه ليس مثل والدها يكره طفلا لأنه يكره أمه .. فهل سيغير رأيه ويبقيها معه اذا عرف بأنها حامل ؟

ولكن أين كرامتها ؟ تقف هنا تبحث عن سبب يجعله يبقيها معه حتى ولو كان لا يريدها ..


****


الفصل الخامس عشر

من رواية .. وغابت شمسها


وجدها تجلس بجوار النافذة ترتدي قميص نوم قطني طويل وبلا أكمام وبدا واسعا عليها قليلا بسبب فقدانها لبعض الوزن وكانت ترفع شعرها بمشابك الشعر بأهمال فبرزت خطوت عنقها الرقيق .. بدت هادئة وساكنه تحدق فى الفراغ

اقترب منها وسألها بهدؤ بعد أن أجلى حنجرته بعد الغصة التى أصابته لرؤيته ضعفها

- متى عدت ؟

لم تلتفت اليه وهي تجيبه بفتور

- منذ قليل .

- ماذا بك ؟

- أنا بخير .

- أخبرتني نهال على الهاتف أنك كنت مريضة وقد أخذك والدك للطبيب .

ابتسمت بسخرية لم تستطع كبتها

- وهل قلقت علي ؟ .. لا داعي لقلقك فأنا بخير .

أصر عليها قائلا

- ماذا قال الطبيب اذن ؟

قالت ببعض الصدق

- طلب مني أجراء بعض التحاليل .. أجريتها وعندما يراها سيصف لي العلاج .

قال بنفاذ صبر

- ومما تشتكين .

ألتفتت اليه بحدة قابضة على ذراعي مقعدها بقوة وأحشاءها تتلوى بعصبيه

- لماذا لا تخبرني أنت ؟

عبس بحيرة

- أخبرك بماذا ؟

- بما أتفقت عليه مع شقيقتك بشأني .

شحب وجهه بغضب

- هل كنت تتجسسين علينا ؟

رفعت حاجبيها بتحدي

- نعم .

أحتقن وجهه وصاح بغضب

- ليس لديك الحق لتفعلي شيئا مشينا كهذا .

وقفت عن مقعدها وصاحت به بغضب مماثل

- بل من حقي .. عندما تتكلمان عني .. فهو من حقي .. عندما تجلسان تخططان للغدر بي .. فهو من حقي .. عندما تتفقان على زواجك من أخرى فى نفس الوقت الذي تتفقان فيه على طلاقي .. فهو من حقي .. وبدلا من الذهاب للبكاء فى حجر شقيقتك كنت تعال الي وقل فى وجهي انك لم تعد تريدنى وانك أنتهيت مني .. كان يجب أن تكون رجلا بدل من نذل لا قلب له .

فقد السيطرة على نفسه تماما وصفعها بقوة وجسده ينتفض من شدة الغضب

- صالح .

صيحة غاضبة جاءت من عند الباب .. تقدم والدها الى الداخل بخطوات سريعة وغاضبة .. دفع صالح بعيدا عنها

- هل جننت .. كيف تسمح لنفسك أن تضربها وهي فى تلك الحالة ؟

كان والدها غاضبا بشدة كما لم يراه أحدهما من قبل .. أخذها بين ذراعيه وضمها اليه بحنان وهو يسألها بقلق

- هل أنت بخير .. هل تأذيت ؟

ألقت مرام بذراعيها حول عنقه وأجهشت بالبكاء بحرقة .. راح يمسح على ظهرها برقة

- هشششش .. أهدأي .. ستأذين نفسك هكذا .. قال الطبيب أن المجهود والأنفعال سيضرون بك وبالطفل .

- أي طفل ؟

وقف صالح مصدوما ومذهولا مما سمع وعندما لم يجب عليه أحدهما عاد يقول بحدة

- قلت أي طفل هذا الذي تتحدثان عنه ؟

نظر اليه والدها موبخا

- طفلكما .. ألم تخبرك مرام بأنها حامل .

تجمد صالح فى مكانه وهو شاحب الوجه فى حين أحاط والدها بكتفيها وسحبها تجاه الفراش

- تعالي .. تمددي على السرير .. أحضرت لك الفيتامينات .. لقد نسيتها فى السيارة فعدت من أجلها .

لم تكن تشعر بأطرافها ووالدها يساعدها على الأستلقاء فى الفراش ثم أستدار الى صالح الذي مازال واقفا كالحجر فى مكانه وقال بعدوانية

- أتركها تستريح .

كان يقف فى وجهه بتحفز .. انسابت دموع مرام من جديد مع ابتسامة حزينه وهي تقول فى نفسها .. أين كنت من زمان ؟

خرج صالح بلا جدال وأثار الصدمة مازالت على وجهه .

عاد والدها اليها ودثرها جيدا رغم حرارة الجو ولكنه أصر ولم تعترض فقد كان هناك قشعريرة برد تنتابها من حين لآخر

- هل تحتاجين لشئ تشربيه أو تأكليه .

هزت رأسها نفيا وقالت بأعياء

- أريد فقط أن أنام .

ناولها كوب ماء وأصر عليها أن تشرب القليل منه ثم قال

- نامي واستريحي .. وسأطلب من أم عبيد أن تتفقدك وتحضر لك الغداء الى هنا .

وأستدار ليخرج فنادته

- بابا .

ألتفت اليها بسرعة وسألها بلهفة

- نعم ؟

قالت بضعف

- أنا لست مثل أمي كما كنت تعتقد .. ولست مثل جدتي أيضا كما كان خالي يقول ... أنا فى الحقيقة .. مثلك أنت .. قادرة على منح قلبي لمن لا يريده .


****


عندما خرج أحمد من غرفة مرام كانت مشاعره مشحونة .. لم يجد صالح فى أي مكان فتوجه الى غرفة نومه ليتكلم مع نهال ويشكو لها ما فعله صالح بأبنته الحامل

أستقبلت نهال الخبر بصدمة وقالت

- لا اله الا الله .. حامل ؟

- نعم .. ودخلت ووجدته يصفعها .

نظرت اليه بحيرة

- ولماذا يفعل صالح هذا ؟

قال بعصبيه وهو يلوح بيده

- لا أعرف ولكنني لن أسمح له بأن يمد يده عليها مرة أخرى .. أنها أبنتي وكرامتها من كرامتي .. وهي كذلك حامل .

قال الجزء الأخير من جملته بفخر وظلت نهال تشعر بالذهول من تدابير القدر ففى الوقت الذي كانت تشعر فيه بالقناعة والرضى لقرب أنتهاء ذلك الزواج الذي يتآكل شقيقها من الداخل ويحزنه .. تصبح مرام حامل .. وتساءلت أين صالح وما موقفه مما يحدث ؟


****


هرب الى حجرة الحديقة

الى صومعته التى قضى فيها أسوأ لياليه .. ليعود نفسه على بعادها ويسحب سمها من شرايينه بالتدريج وظن أنه كاد ينجح الى درجة جعلته يصارح شقيقته برغبته فى تطليق مرام وليرى ردة فعلها على قراره .. ومن داخله كان صوت ضعيف يدعو لأن تعارضه ولكنه وجدها مرحبه فاعتراه الفزع والخوف .. ولكن لم يعد هناك مجال للتراجع .. فقد وجد أنه أسلم طريق لكي تستقيم حياته مرة أخرى ويبدأ حياة جديدة مع انسانه واضحه لا تعقد حياته وليس لها تأثير مهلك على قلبه وعقله .

ولكن .. كيف سيتركها الأن ؟ أنها حامل بطفله .. ولكن كيف وهي تأخذ تلك الحبوب التى تمنع الحمل الا اذا كانت قد أمتنعت عن أخذها عن عمد وهذا معناه أنها تريد البقاء معه ... هز رأسه رافضا أن يصدق أو يعشم نفسه بوهم آخر .. ربما حملت رغما عنها فمعظم هذه الوسائل ليست مضمونه مئة بالمئة .. رفع يده التي صفعها بها ونظر اليها بكره .. لقد غضب فى الأساس لأنها أستمعت الى شئ لم يكن يود أن تستمع اليه بتلك الطريقة .. جرحته نظرة الألم فى عينيها .. كانت هشة وبدت بالفعل ضعيفة ومريضة فأستقوى عليها بدلا من تطيب خاطرها .

جلس بجسد منهك ودفن وجهه بين راحتيه .. لا يعرف اذا ما كان عليه أن يفرح لأنه وجد حجة كي يبقها معه أو يلعن حظه ففى الوقت الذى استجمع فيه شجاعته أخيرا وقرر محاربة ضعفه وذل نفسه عاد ليبدأ دوامة الألم من جديد .


****


كرهت أم عبيد ..

تستطيع أن تتحمل نظراتها المحتقره والغاضبة ولكنها عاجزة كلياعن تحمل أهتمامها

.. كانت تحوم حولها ليس كحارس الأمن كما كانت تلقبها فى سرها ولكن كالدجاجة الأم .. تذهب وتجئ محملة بالطعام والشراب .. وكل شئ تراه مفيد لأمرأة حامل بحاجة الى تغذية جيدة تجلبه لها ...

وكان آخر شئ ترغب به مرام هو الطعام .. وها هي تكره الأهتمام أيضا بعد أن كانت تتمناه .

أعتادت على تغير معاملة والدها لها .. وفوجأت بأنه هو من يمنع صالح من زيارتها حتى تهدأ أعصابها التى أنهارت بسببه فشعرت تجاهه بالأمتنان ..

وكان يعود من العمل كل يوم مبكرا ويتصل على هاتف البيت ليطمأن عليها أثناء وجوده هناك وقد خفف ذلك من بؤسها قليلا ..

باركت لها نهال على الحمل ولكنها لم ترى فرحة حقيقية فى عينيها رغم أنها أجتهدت فى ذلك ولو لم تكن مرام قد أستمعت الى حديثها مع صالح لظنت أنها سعيدة حقا .

ولكي تتجنب رؤية صالح .. كل ليلة عندما تأتي الساعة السابعة تذهب الى غرفتها فهذا هو موعد عودته الى البيت .. لا ترغب فى مواجهته وقد واظبت على فعل ذلك خلال الأيام الماضية .. تخشى من رؤية رفضه لها ومرارته لأنها أفسدت عليه ما كان يخطط له ولكنه هذه الليلة سعى خلفها ووجدته أمامها فى غرفة نومهما وكانت ممدده على الأريكة المواجهة للتلفاز الذي كان مغلقا فى هذه اللحظة.

سألها وقد بدا متوترا ومرهقا

- كيف حالك ؟

ها قد بدأنا من جديد .. هكذا فكرت بحنق

- بخير .. أنا بخير .

وضع يديه فى جيب سرواله

- والحمل .. كيف هو ؟

وجدت عيناه تستقر على بطنها فتتبعت نظرته ثم قالت بحنان رغما عنها فهكذا تشعر كلما فكرت بطفلها

- جيد .

رفعت وجهها فألتقت نظراتهما .. خفق قلبها أستجابة لنظرة الشوق فى عينيه حاولت ابعاد عيناها عن عينيه وفشلت وقد عكست عيناها شوقا يائسا لشوقه .. وفكرت ببؤس ألا نهاية لغباءها هو لا يهتم سوى برغباته ولا يهتم بها حقا ولم تكن تدري أن صالح يوجه لنفسه نفس اللوم فما أن يراها حتى ينفجر شوقه اليها بطريقة يائسه وهو يكره أن ترى ضعفه تجاهها .

مالت الى الأمام وتناولت جهاز التحكم عن بعد من فوق المنضدة لتجد شيئا تلهي به نفسها ومع ارتباكها سقط على الأرض .. انحنت لتأتي به ولكنه سبقها اليه قائلا بصوت أجش

- لا .. لا تنحني أنت .

رفعت حاجبيها بدهشة وتراجعت الى الخلف , أعتدل وهو يناولها اياه فأخذته منه وهي مازالت على دهشتها .. تراجع الى الخلف وجلس على المقعد المجاور لها

- آسف لأنني صفعتك .

صفعته لم تؤذها كما فعلت صفعته لقلبها وكرامتها .. الشعور بالغدر شيئا قاسيا حقا .. فهل هكذا شعر عندما ظن أنها كانت تتآمرعليه مع فودة وأنها كانت تنوى تركه بعد أن تنتهي من حاجتها اليه ؟ .. هل أحترق قلبه وتألم عندما ظن أن فى حياتها رجال آخرين وأنها لم تحبه أبدا ؟ .. هل حطمت بذلك كبرياءه وأهينت كرامته ولهذا كرهها ؟

- ممارسة العنف ضد النساء لم يكن من شيمي يوما .

كان صوته متكدرا حقا فنظرت اليه بتمعن ورأت الندم على وجهه وتابع بمرارة ساخرة

- لكنك قادرة على أخراج أسوأ ما في طباعي .

وعندما ظلت صامته سألها

- متى سوف تذهبين الى الطبيب ؟

سألته بحذر

- لماذا تسأل ؟

أحمر وجهه قليلا وقال

- حتى أذهب معك .

قالت بعنف

- لا .. لا أريدك أن تذهب معي .

ضاقت عيناه عليها بحده وسألها بجمود

- ولماذا لا تريديننى أن أذهب معك ؟

حتى هي لم تعرف سبب رفضها .. ربما لنفس السبب الذي يجعلها تتجنب رؤيته .. لأنها مازالت غاضبة مما سمعته يقوله ولا تريده أن يفرح برؤية طفلها , فقالت بارتباك

- هكذا فقط .. لا أريد .

قال بأنفعال وقد عاد غضبه للأشتعال

- ربما كنت كاذبة ولست حامل بالمرة وتخططين لخداعي من جديد .. وقد أخترعت هذه الكذبه عندما علمت بأنني سأتركك .

حدقت فى وجهه بذهول فتابع بأحتقار ومرارة فى عينيه

- بالطبع .. فحبيبك فى السجن ووالده قد أكتشف حقيقتك من ابنه فلم يتبقى لك غيرى .. فأمثالك كالعلقة تلتصق بظهر الرجل ولا تخرج الا بدمه .

وقفت عن الأريكة بجسد يرتجف من شدة الغضب وأعصاب معدتها تتشنج وتلتوي

- أخرج من هنا .

وقف بدوره وقال بحدة

- لا تأمريني بالخروج من غرفتي ولا من أي مكان أملكه .. أريد أن أعرف الحقيقة والأن .

صاحت به ودوع الغضب تترقرق فى مقلتيها

- الحقيقة أنني أصبحت أكرهك .. ولا أريد البقاء معك .

أشار الى بطنها

- ليس قبل أن أتأكد من أنك تحملين طفلي حقا .

- فى كلتا الحالتين .. لا أريد الأستمرار معك .

صرخ بشراسه

- أرحلي كما تشائين ولكن من دونه .

سقطت جالسة مرة أخرى على الأريكة وهي تحتضن نفسها فقد ضعفت ركبتاها وهو يتابع بلا رحمة

- لن أسمح أن يربى طفلي على يد شخص مثلك .

مع ذهولها لم تستطع استيعاب كلماته الا ببطئ شديد فعاد يسأل بهدؤ أكثر وبنظرة تهديد

- متى موعدك مع الطبيب ؟

فأجابته بصوت بالكاد سمعه .


****


تكملة الرواية من هنا ااااااااااا


تعليقات

التنقل السريع