القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية دمعات قلب الدمعة الثالثة والرابعه والثلاثين بقلم رباب فؤاد( حصريه وجديده وكامله على مدونة قصر الروايات)

 


رواية دمعات قلب الدمعة الثالثة والرابعه والثلاثين بقلم رباب فؤاد( حصريه وجديده وكامله على مدونة قصر الروايات)



رواية دمعات قلب الدمعة الثالثة والرابعه والثلاثين بقلم رباب فؤاد( حصريه وجديده وكامله على مدونة قصر الروايات)




33 -


أنا ليه وازاي أآمنك...على نفسي كل دا


وما خدتش بالي انك...حد بوشين كدا


أنا لما مشيت وراك


كنت مغمض عنيا


سبت مشاعري لهواك


ومشاعري ضلوا بيا


إيه خدته من حبك ليا غير جرح بيموت فيا


جيتلك أنا خدت بإيديك جيت انت بخسارة عليا


دلفت (هالة) في سرعة إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها في قوة وهي تقاوم دموعها التي تخنقها وتحرق حلقها

وأخيراً أفرجت عن دموعها وهي تنهار على فراشها باكية وكأنها تخلص صدرها من كل الضغوط بداخله

ورغم أن البكاء غالباً ما يريح القلب، لم تكن تشعر بذلك

بل كانت تشعر بمزيد من الاختناق كلما تذكرت الموقف الأخير


فحينما أمسك (طارق) ساعدها بقوة وسمعته يستنكر عليها حقها في أن تنهي علاقتها به لم تشعر بنفسها


كل ما شعرت به هو غليان الدماء في رأسها

كيف يتعامل بهذا البرود؟

كيف يتخيل أنها ستسامحه بعد هذا الجرح الغائر؟

بل كيف يعيش الوهم بأنها قد تعود إليه

أعماها غضبها عن كل شيء حتى ودت لو تقطع حديثه بأي وسيلة

تقطع!!!!


حينها وقع نظرها على السكين التي كانت تحملها قبل دقائق وتقطع بها الكعكة معه

لم تدر بعدها ما حدث


كل ما تتذكره هو نظرة الألم والصدمة في عيني (طارق)

بل قل نظرات الذهول


وفي سرعة التفتت إلى حيث كان كفها الأيمن لتجده لا يزال ممسكاً بالسكين بقوة

السكين المغروس في.....صورتهم الجماعية


ربما لم تشعر بما فعلته تحديداً، لكن السكين كان حاسماً

فقد فصل الجزء الذي يقف فيه (طارق) من الصورة والكعكة بالتبعية


كانت رسالة مبطنة قذفها عقلها الباطن في وجه (طارق)

رسالة صامتة تحمل معنى واحد


لم يعد لك مكاناً في قلبي


وفهمها (طارق)


رغم ذهوله من حركتها السريعة وعيناه تراقبانها

فقد فهم الرسالة

وشعر بالسكين يخترق قلبه


ربما إذا أصابته جسدياً لكان أهون عليه

ولكن هكذا...


لا يدري لم شعر بأن قطع صورته بهذه الكيفية قد يكون فالاً سيئاً

وللحظة لام نفسه لأنه اختار أن يضع صورتهم

فيم كان يفكر

كانت الصورة ستُقطع عاجلاً أو آجلاً


ولكن ليس بهذه الطريقة


ظل يطالعها للحظات انتبهت فيها لنفسها وما فعلته

فهرعت إلى غرفتها لتهرب منه إلى دموعها

وصوت خافت في زوايا قلبها يلومها على ما فعلت


أما هو..فظل متجمداً في موقعه لبرهة حتى بعد أن غادرته

ظل يحدق في الفراغ الذي خلفته وشيطانه يهتف به "امنحها ما تريد وطلقها..لقد أهانتك ولا يمكن أن تصبر على تلك الإهانة".


ليدافع قلبه عنها قائلاً ـ"لا تقلل من حجم جرحها. فهي لم تكن لتتأثر من عودة (سمر) لولا حبها لك"


عاد ببصره إلى الكعكة وصورته المنفصلة عنها وكاد يدخل في جدل جديد أنقذه منه صوت والده الواثق ـ"(طارق)...هل ستقف عندك طويلاً"؟


حينها انتبه لوالده فالتفت إليه قائلاً بابتسامة شاردة ـ"آسف يا والدي...سأحضر طبقي وأجلس معك لنتحدث".


نهض والده بوقار وهو يقول له ـ"سنتحدث بالتأكيد ولكن ليس الآن. اجلس انت مع أبناء أخيك وراجع دروسهم كما اتفقت معهم. وغداً أنتظرك في مسجد القرية لنصلي الجمعة سوياً إن شاء الله، وبعدها بيننا حديث طويل".


عقد (طارق) حاجبيه وهو يقترب من والده مستفهماً ـ"القرية؟! خيراً إن شاء الله. ولماذا لا تبيت معنا الليلة و...".


قاطعه والده بإشارة حازمة من كفه قائلاً ـ"لقد أنهى السائق المشتريات وينتظرني أسفل المنزل، وأنت تعلم أنني لا أستطيع المبيت بعيداً عن بيتي ومزرعتي. فلابد أن يحضر العمدة صلاة الجمعة في المسجد الكبير كالعادة، وإلا ظن الرجال أني مريض".


التقط (طارق) كف والده يقبل ظهره باحترام وهو يقول بحب ـ"أدام الله عليك صحتك وأطال عمرك في طاعته. سأكون عندك مبكراً بإذن الله لنذهب سوياً إلى المسجد".


ربت والده على كتفه في حنان قلما يظهره وهو يقول بهدوءـ"بارك الله فيك يا بني. سأذهب الآن واعتن انت بأسرتك".


رافقه (طارق) حتى سيارته ولم يتحرك من موقعه إلا حينما غابت السيارة عن ناظره


حينها عاد ثانية إلى الشقة وعلامة استفهام كبيرة فوق رأسه


ترى لماذا يريدني أبي في القرية؟!!!!


****************************************


الدمعة الرابعة والثلاثون


34 - 


انطلق (طارق) يقود سيارته بشرود في طريق العودة من قرية والده إلى القاهرة وصدى حديثهما الأخير يتردد في ذهنه ويطبق على أنفاسه حتى يكاد يخنقه


فبعد أن أديا صلاة الجمعة في المسجد الكبير كما اتفقا، عاد معه إلى منزله، أو بالأحرى الفيلا الأنيقة التي أقامها من طابقين وسط حديقة كبيرة

وهناك أصر والده على أن يتناولا الغذاء أولاً من يدي زوجة السائق

وكأنه كان متأكداً أن الحديث قبل الغذاء سيقضي على ما تبقى من شهية ولده

وبعد أن وصل ترقب (طارق) إلى مداه، تحدث العمدة أخيراً

فابتدره قائلاً بهدوء ـ"ماذا ستفعل مع (هالة)"؟


حينها أدرك (طارق) أن الهدف من هذه الزيارة هو مناقشة حياته الخاصة، وقفز إلى ذهنه تساؤل مفاجئ عما إذا كان والده رأى ما فعلته (هالة) بالأمس أم لا.

لكنه أجاب والده بكل الهدوء الذي توافر لديه في تلك اللحظة قائلاً ـ"لا شيء. لقد تركت لها المنزل منذ عودة والدتها لأمنحها فرصة تهدأ فيها قبل أن..".


قاطعه والده قائلاً بحزن غامض ـ"أتدري ماذا قال (هاني) لأمه وأنت تحادث صديقك هاتفياً؟ لقد احتضنها وقال ’لولا أن القادم أخي لقتلته لأنه يضايقك وأنا لا اسمح لأحد بأن يضايقك‘. هل تتخيل ذلك؟ طفل في السابعة يتحدث بهذا الغيظ عمن يضايق أمه، فما بالك إذا اكتشف أن عمه الوحيد الذي يعشقه هو سبب هذا الضيق؟"


اتسعت عينا (طارق) بصدمة، وحار للحظات في الرد على والده قبل أن تعود إليه الكلمات باهتة وهو يقول بشرود ـ"ألهذا قلت لي إنني أضعت أهم مشهد؟"


ربت والده على كتفه قائلاً بتعاطف ـ"اتق الله في أخيك الراحل وزوجته وأبنائه و..".


قاطعه (طارق) بحدة تختلف عن طبعه الهادئ واحترامه لوالده وهو يهب من مقعده هاتفاً ـ"(هالة) لم تعد زوجة (حازم). إنها زوجتي أنا وتحمل طفلي أنا. علاقتها ب(حازم) كزوج انتهت منذ وفاته".


غامت عينا والده بسحابة حزن قاتمة انعكست على صوته الذي تهدج لمجرد ذكر ولده الراحل وهو يقول بخفوت ـ"رحمه الله".


وكأن صوت والده الحزين أعاده إلى هدوءه فعاد يجلس بالقرب منه ويقبل ظاهر كفه في احترام قائلاً ـ"آسف لانفعالي يا والدي. لم أقصد أن يرتفع صوتي عليك. سامحني".


ربت والده على كفه قائلاً بتفهم ـ"أدرك يا ولدي صعوبة الموقف. لكنني لا أستطيع الوقوف صامتاً أمام ما يحدث. ألم تلحظ كيف اختلفت (هالة) عن ذي قبل؟ ألم تلحظ اختفاء ابتسامتها وتزايد نظرة الحزن في عينيها. لقد منحها الهم عمراً يفوق عمرها بعشر سنوات على الأقل بعد أن كانت تبدو كفتاة لم يسبق لها الزواج. (هالة) في تدهور جسدي ونفسي مستمرين، ولن أسمح بالمزيد من ذلك. وإذا حدث لها مكروه فلن تخسر زوجة وطفل فحسب، بل ستخسر أبناء أخيك أيضاً لأنهم سيلقون عليك باللوم في ذلك بشكل أو بآخر."


التقت عينا (طارق) بعيني والده وهو يقول بصوت يخنقه الضيق ـ" ألم تلحظ أنت كل ذلك في وجهي؟ أنا أشعر بالضياع يا والدي منذ تركت (هالة) والأولاد. لقد أصبحوا حياتي كلها، ولم أعد أستطيع الحياة دونهم".


قال والده بنفس الضيق ـ"لكنك ستضطر إلى ذلك بشكل أو بآخر".


عقد (طارق) حاجبيه بتساؤل وهو يراقب شفتي والده التي ألقت قنبلة شديدة التفجير في وجهه


فقد أضاف والده بحزم ـ" امنح (هالة) ما تريد يا ولدي. طلقها واتركها لأبنائها، فهم أولى بها".


للحظات ظل (طارق) يحدق في والده بذهول قبل أن يقول باستنكارـ"للمرة الثانية تطلب مني نفس الطلب، وكأنني لست ولدك. دفعتني إلى تطليق (سمر) في البداية لأنها لا تنجب. وهاهي (هالة) تحمل طفلي، ومع ذلك تطلب مني أن أطلقها؟ لماذا؟"


أجابه والده بهدوء حازم ـ"لأنني لا أستطيع المخاطرة بفقد أحفادي وأمهم. يكفيني فقدان ابني البكر، ولابد أن أعتني بأمانته. لقد سلمتك هذه الأمانة بثقة، لكنك لم تُجد رعايتها".


حينها فقد (طارق) سيطرته على أعصابه تماماً وهو يهب ثانية من مقعده ويحرك ذراعيه في الهواء قائلاً بحنق ـ"لا تستطيع المخاطرة بأمانة ابنك الراحل لكنك تستطيع المخاطرة بابنك الباقي، أليس كذلك؟ تتحدث عن أمانته وكأنها صندوق ثمين وضعته أنا في ركن مهمل حتى كسته الأتربة، وليس كأنها مسؤولية أرغمتني عليها آنذاك. أرغمتني على الزواج من أرملة شقيقي وأطعتك كيلا ابتعد عن أبنائه. أطعتك وأجلت حلمي في أن تكون لي زوجتي الخاصة. وجدتني أهتم بزميلة على النقيض تماماً من (هالة) لأعيش معها حياتي باختياري. ربما كنت معجباً ب(سمر) قبل وفاة (حازم) وأردت أن أخطبها بالفعل، لكنني ازددت تعلقاً بها منذ فاتحتني في أمر زواجي من أرملة أخي بمجرد انتهاء عدتها. لم استسغ تحول علاقتي ب(هالة) من خانة زوجة الأخ إلى خانة الزوجة، وظلمتها كثيراً رغماً عني. أتدري لماذا؟ لأنه من الصعب أن يُجبر رجل بالغ مسؤول على شيء ما، حتى وإن أراده في زوايا قلبه. لكنني أقنعت نفسي بهذه الحياة، وتعايشت معها بشكل أفضل بعدما صارحت (هالة) بحقيقة علاقتي ب(سمر)."


صمت قليلاً ليزدرد لعابه الذي جف من التوتر قبل أن يضيف في ألم ـ"كنت مستعداً للبقاء مع (سمر) حتى بعد معرفتي بعقمها. كنت ألهي نفسي عن عقمها بوهم الحب. لكنها كانت تتوقع موقفك، لذا أصرت على الطلاق. أصرت عليه بطريقة جعلتني أوصد قلبي في وجهها. كلاكما أصر على الطلاق دون أن يهتم بما يعنيه ذلك لي. ذبحتني أنصالكم الباردة بلا رحمة وأنا ممزق بينكما حتى كدت أفقد مستقبلي. واليوم، بعد أن وجدت طريقي مع (هالة) وتعافيت من صدمتي السابقة تكرر طلبك لأطلقها؟ على جثتي".


ذُهل الحاج (حفني) من لهجة ولده العصبية التي لم يشهدها من قبل، لكنه هتف به في حزم ـ"ماذا تعني؟"


خلل (طارق) شعره بأصابعه كعادته وقت التوتر قائلاًـ" أعني أنه يؤسفني أن ارفض طلبك، ولكنني لن أتنازل عن (هالة) إلا في حالة موتي".


عقد والده حاجبيه قائلاً بحيرة ـ"ماذا دهاك يا (طارق)؟ إنك لم تعص لي أمراً قط".


لاح شبح ابتسامة ساخرة على طرف شفتي (طارق) وهو يجيبه بمرارة ـ"من الطبيعي أن أتمرد. دخلت كلية الطب بناء على رغبتك بعدما أصر (حازم) رحمه الله على دخول كلية الهندسة. تخصصت في الجراحة بناء على رغبتك رغم موافقتك على إصرار (حازم) على دراسة هندسة النفط. رفضت بعثة إتمام دراستي في الخارج بناء على رغبتك رغم موافقتك على سفر (حازم) للعمل بالخارج. تزوجت (هالة) بناء على رغبتك وطلقت (سمر) أيضاً بناء على رغبتك. دائماً كنت تسمح ل(حازم) بما يريد، وتجبرني أنا على ما تريد. بالله عليك ما الذي فعلته في حياتي بناء على رغبتي أنا باستثناء زواجي من (سمر)؟ لماذا تحرمني الآن من حقي في الاعتراض وأن أعيش حياتي كما أريدها؟ كيف يُعقل أن أقترب من منتصف الثلاثينات دون أن افخر باختياراتي وحريتي وأنا رجل، بينما تتمتع فتيات بحرية أكبر من ذلك؟ أتريد مبررات أخرى لتمردي أم تكفيك هذه؟"


شعر الحاج (حفني) بمرارة كلمات ابنه الأصغر وملامح الألم المرتسمة على وجهه،

ولأول مرة يلحظ الإرهاق الجسماني والنفسي اللذان ارتسما على ملامح ابنه الشاب وتحت عينيه، وجعلته بالفعل يبدو وكأنه في الأربعين

حينها نهض بكل وقار مقترباً من ابنه وربت على كتفه بتعاطف قائلاً ـ"منذ صغرك وأنت تميل إلى الهدوء والطرق السلمية، بينما كان شقيقك رحمه الله مثابراً طيلة حياته. كنت أعلم بقدراتكما العقلية المتفوقة، ولهذا أردت أن أدفعكما إلى الأمام دوماً. (حازم) رحمه الله كان يعرف ماذا يريد دائماً ومستعد للقتال من أجل تحقيق أهدافه. أما أنت فكنت تتقبل دوماً ارشادتي وتنفذها دون جدال. لذا كان من الطبيعي أن أرسم لك مسار حياتك طوال الوقت كيلا تتوقف في المنتصف أو تفقد حماسك".


أدار (طارق) عينيه لتلتقي بعيني والده قائلاً بسخرية مريرة ـ"إذاً كنت تراني عديم الأهلية وغير جدير بالثقة، ولهذا حركتني كقطع الشطرنج كما يحلو لك. وأنا أطعتك بكل سذاجة كيلا أكون الابن ا

لعاق".

هتف به والده مدافعاً ـ"أنا لم أقل ذلك. لقد ربيت رجالاً يُعتمد عليهم يدركون قيمة العمل والنجاح والمسؤولية. كل ما هنالك أنك لم تحدد حلمك منذ البداية، ولهذا تطوعت أنا لأرسمه لك. ولو كان اختياراتي لك مخطئة لما نجحت كجراح، ولما سعدت مع (هالة)."


ضيق (طارق) حدقتاه وهو يتأمل والده بتمعن ويعترف في قرارة نفسه بذكاء والده ومكره

فهاهو يربط تحريك حياة ولده بنجاحه في العمل وحتى في زواجه الذي لم يكن متحمساً له

ورغم ذلك، خرجت كلمات (طارق) الباردة وهو يقول ببرود ـ"ومن قال إنني لم أحدد حلمي؟ ربما كانت دراسة الطب حلماً لأغلب الشباب، لكنها لم تكن حلمي...لم تكن حلمي الأول على الأقل. هل لاحظت يوماً شغفي بكتب الفضاء؟ هل لاحظت صورة عالم الفضاء المصري الدكتور فاروق الباز على مكتبي؟ هل سألتني يوماً لماذا أضعها؟ كنت أضعها لأنه كان مثلي الأعلى، ولأنني أردت أن أكون مثله. لكنني كما تقول كنت مسالماً، ولم أحارب من أجل هذا الحلم الذي ضاع كأحلام كثيرة غيره".


قالها وهو يبتعد عن والده الذي وقف ذاهلاً للحظات قبل أن يهمس بصوت متحشرج ـ"عالم فضاء؟ ابني عالم فضاء؟! لماذا لم تصارحني بأحلامك يا ولدي؟ لماذا لم تصر عليها؟"


تنهد (طارق) في عمق وهو يولي والده ظهره، ثم ما لبث أن استدار يواجهه قائلاً ـ"لم أصارحك لعلمي بأنني لست (حازم). منذ طفولتنا و(حازم) هو ابنك المفضل لأنه يشبهك، وأنا ابن والدتي المفضل لأنني أشبهها. ربما استطعت تحقيق أحلامي إذا طال عمر والدتي قليلاً لأنها كانت ستدعمني، لكنها إرادة الله. صدقني يا أبي أنا لا ألومك على ماضي انقضى. فأنا سعيد بحياتي الآن حتى وإن لم أخترها. لكن أرجوك لا تنه حياتي بطلب جديد. بالله عليك لا تقتلني بطلب الطلاق".


التقط والده شهيقاً عميقاً حبسه في صدره للحظات قبل أن يطلقه قائلاً في ضيق ـ"لماذا أعدت (سمر) إلى عصمتك؟"


شد (طارق) قامته باعتداد وهو يجيبه بهدوء ـ"لدي أسبابي".


سأله والده بلمحة من العصبية ـ" وماهي أسبابك؟ كيف أدافع عنك أمام زوجتك وأنا لا أعرف مبرراتك؟"


هز (طارق) رأسه بإصرار قائلاً ـ"لن أصرح بأسبابي ولن أجرح (سمر) بالحديث عنها خلف ظهرها. أشكرك لمحاولتك الدفاع عني، لكني لن أتحدث. وأعتقد أنه لم يعد هناك حاجة إلى المزيد من الحديث و...".


خرج من ذكرياته على صوت أبواق السيارات المحيطة به وهي تستحثه على التحرك بعد تحول الإشارة إلى اللون الأخضر، وانتبه وهو يحرك سيارته إلى أنه اقترب كثيراً من منزله

وبالفعل لم تكد تنتهي خمس دقائق حتى كان يوقف سيارته أمام المبنى الذي توجد به شقته الخاصة مع (سمر).

وفي تكاسل ارتقى درجات السلم وأنامله تعبث بسلسلة مفاتيحه بشرود حتى اقترب من باب الشقة وفتحه ليجد أمامه مفاجأة


فأمامه، وجد (طارق) حقيبة ملابس كبيرة وبضعة صناديق كرتونية فوق بعضها تسد_تقريباً_ طريق الدخول والخروج.

وفي دهشة_ وبعد محاولات عدة لشق طريقه_ هتف ب(سمر) قائلاً ـ"ما كل هذا؟ هل سنترك هذه الشقة إلى مكان آخر دون علمي؟"


خرجت(سمر) من غرفة النوم وهي تحمل في صعوبة حقيبة ملابس أخرى وضعتها أرضاً وهي تلهث قائلة ـ"حمداً لله على سلامتك. كنت أنتظرك منذ الصباح".


اقترب منها عاقداً حاجبيه وهو يسألها بقلق ـ"خيراً؟ ماذا حدث؟"


أزاحت خصلات شعرها المبعثرة عن وجهها وهي تحاول التغلب على لهاثها قائلة ـ"لا شيء. أعتقد أنه حان وقت حديثنا المؤجل".


تجاوزها (طارق) إلى الردهة وجلس في إرهاق على أول مقعد صادفه وعيناه تجوبان أرجاء الشقة وتلاحظان اختفاء ما يخص زوجته من مقتنيات، ثم رفع عيناه إليها قائلاً ـ"ماذا تفعلين؟"


جلست على مقعد مواجه له وحاولت أن تبدو طبيعية وهي تقول ـ"طلبت منك أن نتحدث سوياً منذ فترة ولكنك لم تكن مهيئاً للحوار، وأنا لا يمكنني الانتظار أكثر من ذلك. لذا أرجوك دعنا نتحدث الآن".


تراجع في مقعده محاولاً الاسترخاء وأشار بيده قائلاً ـ"تحدثي، أنا لا أمنعك. رغم أنك اخترت توقيتاً سيئاً".


تنهدت في عمق وهي تقول بخفوت ـ"ومنذ متى لم يكن التوقيت سيئاً؟"


عقد حاجبيه مستفهماً دون أن ينطق فعادت تقول بضيق ـ"(طارق)..لقد انتهى السبب الذي أعدتني لأجله".


لم يجد بداً من الاعتدال في جلسته وهو يسألها باهتمام ـ"ماذا تقصدين؟"


تنهدت ثانية وهي تقول بحزن وانكسار ـ"لا داعي للتظاهر بعكس الحقيقة. فأنا أدرك جيداً أن عودتي إلى بيتك موقوتة، وأن الهدف منها أن يتم الطلاق بشكل صحيح وبلا رجعة".


هم (طارق) بالاحتجاج لكنها أشارت إليه بالصمت وهي تضيف بألم ـ"لا داعي للإنكار يا (طارق). لقد رأيت ذلك جلياً في عينيك منذ كنا معاً في دار الإفتاء. كنت مرغماً على إعادتي، بل وظللت تنام على الأريكة أو غرفة الضيوف ولم تدخل غرفتنا ولو مرة واحدة. لم يخف علي تجاهلك لي ورفضك الاقتراب مني وتعاملك الجاف معي. في البداية ظننت أنك لا تزال غاضباً مني بسبب غبائي السابق، ولكن بعدما رأيت (هالة) وعرفت بأمر حملها أيقنت أنه لم يعد لي مكان في حياتك بعدما أضعت اتفاقنا".


تأملها للحظات قبل أن يتنهد في عمق ويقول بضيق ـ"أنت التي أضعت مكانك في حياتي. كنت تعلمين جيداً أنك وحدك زوجتي وأنني مستعد للتضحية بكل شيء من أجلك ورغم ذلك تركتني...بل وأهنتني أمام الجميع. أتنكرين أنني كنت نعم الزوج لك حتى يوم طلاقنا؟"


اختنق صوتها بألم وهي تقول بمرارة ـ"كنت نعم نصف الزوج. كنت معي بجسدك فقط, لكن عقلك و روحك كانت هناك مع(هالة) وأبنائها."


لوح بإصبعه محذراً وهو يقول بحزم ـ"لا تنس أنهم أبناء أخي الراحل أيضاً وأقسم لك أنني لم أفكر في(هالة) كزوجة إلا بعد انفصالنا."


هتفت بمرارة ـ"لماذا إذاً كنت تقارنني بها دوماً؟ مجرد محاولة لإغاظتي؟"


أشاح بذراعه قائلاً ـ"لقد كنت أحاول أن أجعلك..."


قطع عبارته فجأة حينما لم يدر كيف يكملها وأكملتها هي بسخرية تقطر مرارة قائلة ـ"أن تجعلني مثلها. قد رأيت فيها الزوجة المثالية, وكي لا تفعل ما يعاقبك ضميرك عليه حاولت أن تجعلني مثلها كي أروق لك, لكن في أعماقك كنت معجباً بكل ما تفعله(هالة). لقد أحببتها أكثر مما أحببتني_ لو أنك أحببتني من الأساس. أنا بالنسبة إليك كنت محاولة للتمرد, محاولة لتحقيق شيء تريده أنت وليس والدك."


عقد حاجبيه هاتفاً باستنكار ـ"ماذا تقولين؟ أنا لم أحبك؟ كيف واجهت والدي والجميع بحبنا إذاً؟ كيف..."


قاطعته قائلة بصوت مختنق ـ"أنت لم تفعل ذلك حباً فيّ؛ لقد فعلته رغبة في التمرد فحسب, ولو أن والدك كان ضد زواجك من(هالة) لتزوجتها كي تتمرد على أوامره. هذه هي الحقيقة يا(طارق), للأسف. حبنا لم يكن من القوة التي حسبناها."


هم بالهتاف معترضاً فتابعت هي في سرعة قائلة, ودموعها تنهمر على وجهها في غزارة ـ"لو كان حبنا قوياً لما انفصلنا, لما انتظرنا اكتشاف خطأ الطلاق حتى نعود ثانية, ولما أصبحت(هالة) أماً لطفلك القادم. لقد أعدتني إلى عصمتك مجبراً بما قاله الشيخ وليس بدافع الحب، وهذا ما تأكدت منه طيلة الفترة السابقة. لقد رضيت بأن أكون نصف زوجة في البداية لعلمي بأنك تلعب دور الزوج معي أنا فقط, ودور الأب مع أبناء أخيك. أما الآن فستلعب هناك دور الأب والزوج معاً, وحينها سأحمل لقب زوجة دون زوج؛ دون زوج خاص بي وحدي."


وبأصابع مرتجفة حاولت مسح دموعها المنهمرة وهي تواصل قائلة ـ"وجودي معك الآن سيعذبك و يعذبني, إذاً لا طائل منه لأنني أعلم جيداً أن قلبك وروحك هناك معهم. لقد اتفقنا عند زواجك من(هالة) أن يكون زواجكما صورياً من أجل تربية الأطفال, وحيث أنك خالفت الاتفاق فمن حقي أن أطلب فسخ العقد بيننا للأبد. عد إلى زوجتك يا دكتور واتركني لو سمحت. طلقني يا(طارق)."


هاله مرأى دموعها الغزيرة لأول مرة، وشعر بانكسار عجيب بداخلها يختلف عن انكسارها يوم اكتشفت عقمها

شعوره هذا دفعه إلى تغيير مقعده ليجلس إلى جوارها ويمد يده في تعاطف ليمسح دموعها، إلا أنها نهضت مبتعدة عنه ومسحت دموعها بأصابعها بعصبية, فسألها بخفوت ـ"هل أنت واثقة هذه المرة؟"


أجابته بثبات ـ"نعم. لقد تهورت وهدمت ما بيننا يوم طلبت الطلاق لأول مرة. وعودتنا لم ينتج عنها سوى الآلام لي ولك ولـ(هالة). ما دمت تحبها وهي تحبك فلماذا تعذب نفسك وتعذبها وتعذبني معكما؟ طلقني يا(طارق) وعد إليها. أنا لا أقبل أن تكون لي ضُرة أو شريكة في زوجي وحبيبي, ولا أعتقد أن(هالة) قد تقبل بذلك."


تنهد في عمق وهو يعود برأسه إلى الخلف قائلاً بإرهاق وأسى ـ"(هالة) طلبت الطلاق هي الأخرى. تقول إنك أولى بي منها وإننا متحابان منذ البداية, وعلى هذا فلا مكان لها في حياتي."


اقتربت منه في هدوء قائلة ـ" هذا ما أوهمنا به أنفسنا ومن حولنا, أكذوبة حبنا الكبير؛ لكن هناك خطأ ما, قد يكون في حبنا أو في زواجنا أو حتى في أسلوب تربية والدك لك ولأخيك, خطأ لا بد من تصحيحه الآن. عُد إليها يا(طارق)."


رفع رأسه ليواجهها وهو يسألها بضيق ـ"هل تعلمين لماذا طلبت (هالة) الطلاق؟ لأنني لم أخبرها بالسبب الحقيقي لعودتنا. لم أرد أن أجرحك ثانية. وللأسف هي تعتقد أنني مثلت عليها أكذوبة الطلاق حتى تنجب هي لي بينما أظل معك ننعم بحبنا. برأيك من المخطئ فينا؟ أنا أم هي أم أنت؟"


لمست كفه بتعاطف قائلة ـ"(طارق) كفى...إلى متى ستحمل نفسك فوق طاقتها؟ لقد كانت عودتنا دليلاً على نبل أخلاقك الذي أعرفه جيداً، واليوم تؤكد ذلك بعدم حديثك عني في غيابي. ولكن كفى. لن اسمح لك بالمزيد من الضغوط على أعصابك. أنت بحاجة إلى لحظة صدق مع نفسك تتأكد فيها من أولوياتك، وأثق أن (هالة) ستكون على رأس هذه الأولويات. ليس فقط لأنها تحمل طفلك القادم، ولكن لأنك تحبها حقاً. هي أيضاً تحبك، ولولا غيرتها عليك ما تركتك لي".


تأمل ملامحها الهادئة بتمعن قبل أن يسألها بغتة قائلاً ـ"لماذا لا تصرخين؟ لماذا لا تطلبين مني الطلاق بصوت مرتفع وانفعال شديد كما فعلت في المرة السابقة؟"


سمحت لشبح ابتسامة بالتسلل إلى طرف فمها وهي تبتعد مجيبة ـ"لأنني أرى الأشياء بوضوح أكبر الآن. في المرة السابقة كان حزني هو سبب انفعالي, حزني لأني عاجزة عن تحقيق حلمك وحلمي في أن يربطنا طفل. كنت منفعلة لأني أفقد إنساناً أحبه. ولكن بعد انفصالنا عرفت حقيقة مشاعري تجاهك، كما لا بد وأنك فعلت. حتى عودتنا لم تكن برغبة متبادلة منا، وإنما بدافع شرعي، وبالتالي خلت من أي حرارة متوقعة. لهذا طلبي الطلاق هذه المرة بمثابة...لا أدري كيف أصفها لكن...على أي حال يعتبر إنهاء لتعاسة ثلاث أزواج."


قالتها وهي تهم بالهروب إلى غرفتها لتتم ترتيب حقائبها حينما سألها بصوت خفيض ـ"ماذا تنوين بعد الطلاق؟"


التفتت إليه للحظات قبل أن تعود ببصرها إلى اتجاه الغرفة قائلة بصوت حاولت أن تجعله واثقاً ـ"سأرتب لتعاقدي الجديد. لقد أخبرتهم بأن لدي أسباب تمنعني من السفر الآن وهم يقدرون ذلك. وبعد انتهاء العدة سأسافر إن شاء الله إلى المستشفى الذي تعاقدت معه في الخليج".


هز رأسه متفهماً ثم مط شفتيه للحظات قبل أن يهمس ـ"بالتوفيق إن شاء الله. يمكنك أخذ ما تريدينه من المنزل حسب قائمة المنقولات، 

وسيصلك مؤخر الصداق على حسابك بالبنك".


تمتمت بكلمة شكر موجزة وهمت باستئناف طريقها إلى الغرفة لكنها عادت فتوقفت واستدارت إليه وهي تلعب بأصابعها في توتر قائلة ـ"(طارق)...أريد أن أخبرك شيئاً أرجو ألا يجعلك تغير رأيك فيّ. كانت لدي شكوك في احتمال عقمي من قبل زواجنا ولذا شجعتك على الزواج من(هالة). وبعد الزواج ماطلت في إعادة الفحوصات كيلا أُحرم من سعادتنا. ظننت أنك ستنسى الإنجاب طالما رأيت أبناء أخيك ينمون أمام عينيك. أعلم أنني كنت أنانية لكن هذا ما حدث. لقد أردت أن أخبرك كي أوقف تأنيب ضميري المستمر, وأرجو بعد أن عرفت الحقيقة أن نظل زملاء عمل وأصدقاء...فقط."


تأملها والدهشة تعقد لسانه للحظات شرد فيها بعيداً قبل أن يعود بانتباهه إليها قائلاً بهدوء ـ"أنت طالق...طالق يا(سمر)."


*************************

تكملة الرواية من هناااااااا

تعليقات

التنقل السريع