القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية نعيمي وجحيمها الفصل 16-17-18-19-20 بقلم امل نصر بنت الجنوب كامله

رواية نعيمي وجحيمها الفصل 16-17-18-19-20 بقلم امل نصر بنت الجنوب كامله






رواية نعيمي وجحيمها الفصل 16-17-18-19-20 بقلم امل نصر بنت الجنوب كامله






الفصل السادس عشر 


ممسكًا بقنينة العطر التي جلبها معه بغرض إفاقتها؛ وأنفاسه الهادرة مازالت لم تهدأ بعد ، يجاهد للسيطرة على شيطان نفسه التي لم يشفي غليلها حتى الاَن بما احدثه لهذا الرجل ، مغيبة عن الواقع ولا تشعر بالنار المشتعلة بصدره، هي لا تعلم بحجم الخوف الذي انتابه وقت أن ولج بأقدامه الى مكتب هذا البدين البغيض وسمع صرخة استغاثتها من داخل الغرف ، كم ود في هذا اللحظة أن يقتلع اعين هذا الرجل أو أن يطبق بكفيه على عنقه فلا يرفعهم سوى بإزهاق روحه، كم ود أن يذيقه بأس قبضته التي لو نفذ وفعلها لكانت أطاحت بفك وجه هذا الرجل دون تردد ، لقد كلفه ضبط النفس لحفظ سمعتها وسمعته الكثير ، الكثير جدًا ، 

قرب الزجاجة من أنفها وصبر لعدة لحظات حتى شعر بحركة لعضلات وجهها تثبت بداية إفاقتها ، رمشت بعيناها قليلًا حتى انفتح جفناها ليكشف عن عيناها الجميلتان وهي تتحقق من الكون حولها ، تطوف بأرجاء المنزل الغريب عنها بعدم إدراك حتى انتبهت لوجهه وجلسته على الإريكة بجوارها ، كادت أن تفلت منه ابتسامة متسلية رغم غضبه الشديد منها وهو يرى توسع عيناها بذعر والمرافق لانسحاب الدماء من وجهها قبل أن تنتفض جالسة بجذعها واقدامها تضمها اليها في اَخر الاَريكة تصيح بجزع :

- انا فين ؟ وانت ازاي جمبي كدة؟

- أمال عايزاني أبقى بقى فين وانا بفوقك ؟

قال بنبرة متهكمة ، مما جعلها تصمت قليلًا لتستعيد ذهنها فتذكرت ماحدث لتصرخ عليه :

- انت خليت إمام يكسر إيد الراجل ، وانا سمعت صوت العضم لما اتكسر ودا اللي خلاني اسورق صح ؟

قالت الاَخيرة بعدم تحمل وصوت صراخ الراجل مازال يتردد بأذنها ، مال بوجهه أمامها قائلًا وهو يجز على أسنانه:

- إحمدي ربنا اني خليت إمام هو اللي يكسرها عشان لو كنت اتدخلت انا بنفسي وإيدي طالته مكنتش هاكتفي بكسر واحد أبدًا، ولا حتى روحه كانت هاتكفيني.

انزوت على نفسها أكثر لتضم اقدامها بيدها تلتصق باَخر الاَريكة، مرتعبة من هيئته المخيفة ، تود الهرب ولا تقوى على الحركة أمام حصارها لها ، واستطرد هو سائلًا :

- ايه اللي خلاكي تدخلي مع الراجل ده مكتبه لوحدك ؟

صمتت لا تريد الإجابة كما تود الصراخ بوجهه معترضة على السؤال والتدخل في شؤنها ، فهدر عليها ضاربًا بقبضته على ذراع الاَريكة من خلف ظهره:

- ماتردي عالسؤال ساكتة ليه؟

أجابته سريعًا بخوف

- روحت اسد قسط شقة خالي واترجاه يستنى عالباقي عشان الفلوس اتسرقت مني ، مكنتش اعرف انه هايستغل الموقف ويقفل باب الاؤضة عليا معاه.

قالت الاَخيرة مترافقة مع سيل دماعاتها التي انطلقت مع تذكرها للموقف وما كان يود فعله هذا الرجل البغيض معها ، تنفس بعمق يكبت غيظه وصوت بكاءها الحارق يكاد أن يمزق نياط قلبه ، خاطبها بلهجة رقيقة نسبيًا :

- هو دا السبب اللي خلاكي عايزة تسحبي السلفة؟

اومأت برأسها دون صوت فتابع لها :

- طب خلاص اهدي وبلاش عياط، أنا عصبيتي معاكي سببها بس الخوف عليكِ .

رفعت عيناها وتوقفت عن البكاء وقد انتبهت على الجملة فسألته وهي تمسح بأطراف أصابعها الدموع العالقة على وجنتيها :

- هو انت إيه اللي عرفك صحيح ؟ وإيه اللي خلاك تيجي مع إمام بالظبط في الوقت ده ؟

مط بشفتيه يجيبها بغموض :

- عرفت وخلاص ، هو انتِ لازم تعرفي يعني؟

كبتت غيظها من طريقته وإجابته المبهمة لها فانتقلت بعيناها عنه لتجوب المكان مرة أخرى والذي كان عبارة عن صالة كبيرة تشبه برفاهيتها الأماكن التي تراها في التلفاز، فسألته بدهشة :

- هو انا فين بالظبط ؟ وازاي جيت هنا أصلًا ؟

- أنا اللي جبتك .

اردف بها وتابع أمام نظراتها المذهولة :

- بعد ما أغمى عليكِ شيلتك وجيبتك معايا في العربية وبعدها جيت بيكِ على هنا عشان افوقك .

صاحت مرددة بأعين متوسعة 

- شيلتني بإيديك وحطتني في عربيتك؟

كبت ابتسامته بصعوبة وهو يردد على أسماعها بتسلية :

- وشيلتك برضوا من العربية وجيت بيكِ على هنا في بيتي.

- بيتك !

صرخت بها وهي تنهض منتفضة عن الاَريكة بذعر حقيقي لتهتف:

- انت ازاي تعمل كدة ؟ وازاي تجيبني على بيتك من الأساس.......يامصيبتي .

رددت الاَخيرة بإدراك وهي تتفحص حجابها وتنظر إلى الملابس التي ترتديها جيدًا ، مما جعله يفقد السيطرة ويضحك مقهقًها ، أثار انتباهها فتوقفت عما تفعله لتنظر اليه بغضب، وبعد أن هدأت ضحكاته الرجولية الصاخبة خاطبها ملطفًا:

- خلاص يازهرة اهدي كدة وفكري كويس، انتِ بعد ما أغمي عليك كنت عايزاني افوقك فين بالظبط ؟ اروحك على بيتكم مثلًا عشان أهلك يتخضوا عليكِ ؟ واديكِ ياستي اتأكدتي بنفسك ، انا حتى حجابك مقربلتوش .

اومأت برأسها مقتنعة نسببيًا قبل ان ترد:

- طب أنا عايزة اروح بيتنا، الباب من فين بقى؟

نهض ليقابلها ويرد بهدوء:

- اصبري شوية يازهرة على ماتشربي حاجة كدة تهديكِ هاكون انا كلمت السواق ياخدك يوصلك لحد باب بيتكم .

- انا مش عايزة سواق يوصلني، انا هاخرج وادورلي على أي مواصلة، هي فين شنطتي ؟ ولا انت نسيت ماتجيب شنطتي معايا؟

سألت وهي تبحث بعيناها على الاَريكة وما حولها من مقاعد ، أجابها واضعًا كفهِ في جيب بنطاله بكلماتِ هادئة وحازمة :

- قولتلك اصبري يازهرة ، ان كان على شطنتك ، هاجيبهالك من العربية وان كان على التوصيل ماهينفعش تروحي لوحدك، عشان مكان الفيلا هنا بعيد عن المواصلات العامة والأوبر بياخد وقت على مايجي .

سقطت على الاَريكة خلفها قائلة بإحباط :

- يعني إيه بقى ؟ انا كدة ستي هاتقلق عليا .

- مش هاتقلق ان شاء الله عشان مش هاتتأخري كتير ، انا هاغيب دقيقتين بس وراجعلك تاني .

قال كلماته وذهب على الفور دون أن يعطي لها مجالًا للنقاش، تنهدت وهي تريح وجنتها على قبضة يدها التي استندت بها على ذراع الاَريكة، مستسلمة للحيرة التي تأكل رأسها بالتفكير فيما حدث وما يفعله هذا الرجل معها، أجفلت ترفع رأسها نحو الفتاة الخادمة ذات الرداء المحكم والقصير ، وهي تتقدم اليها بابتسامة رقيقة تضع أمامها على الطاولة الزجاجية وهي تقربها منها بكل زوق، طبقين من الجاتوه ومعهم فنجانين لم تتبين مابداخلهم بعد.

- انتِ جايبة طبقين الجاتوه دول لمين ؟

سألت زهرة الفتاة التي لم تجيبها بل اومأت برأسها بابتسامة مستفزة تردد بلكنة أجنبية:

- تهبي هاجة تاني هانم ؟

- هاااانم !

تفوهت بها بدهشة قبل ان تومئ لها بيدها مرددة:

- روحي الله يسترك روحي، بلاهانم بلا نيلة

...........................


- يعني هي قالتلك كدة بالمفتشر، خلي ابوكِ يسلفني يابت؟

سالت إحسان ابنتها وهي جالسة معها على طاولة السفرة يتناولون طعامهم، فاأجابت غادة وهي تتناول ملعقة أرز من الطبق الذي أمامها :

- ايوة يامًا ماهي بتقولي قال إيه، انها هاتعمل جمعية وهاتسدهم كاملين ؟

- والنبي إيه؟

اردفت بها إحسان تتابع وهي تمصمص بشفتيها بامتعاض:

- اهو انا مايكدنيش في الدنيا دي كلها غير القنعرة الفاضية ، الراجل قال لها هاديكي الفلوس وعليها ٥٠ الف زيادة بس انت توافقي عالجواز ، ايه هو ده ؟ ماتوافق وخلاص، هي هتلاقي فين أساسًا راجل زيه يكايلها كدة بالفلوس، ولا هي مفكرة يعني ان لو جالها افندي ولا شاب عادي من بتوع اليومين دول هتلاقي اللي يجهزها؟ ان كان محروس اللي كل فلوسه رايحة عالكيف ولا خالها اللي متغرب دا عشان يتجوز المحروسة بتاعته بلا خيبة .

ردت غادة على كلمات والدتها:

- هدي اعصابك انتِ بس يامًا ليجرالك حاجة. بنت اخوكي مش هاتنفعك ساعتها .

تنهدت إحسان بعدم رضا تردد:

- اعمل ايه بس يابنتي ما انا شايلة همها؟ ابوها جاني امبارح وحكالي عشان اروح اقنعها بدال وجع القلب دا كله، فهمي شاطر وبيعرف يجيب القرش من بوق الأسد ومش كبير يعني عليها بكتير ، دا يدوبك ٣٧ سنة ، ماترضى بقى وتشيل هم من على ضهر ابوها .

- هي مين اللي تشيل هم من على ضهر ابوها؟

تفوه بها زوجها والد غادة وهو يجلس ليتناول الطعام معهم ، أجابته زوجته من تحت درسها :

- اتنيل وكل ساكت ، مالك انت بالأمور العائلية؟

اومأ الرجل بعدم اكتراث ، يتناول طعامه وكأنه لم يسمع شيئًا فقالت غادة لوالدتها:

- طب وانت هاتعملي ايه بقى ؟ هاتكلميها ياما؟

هتفت إحسان:

- ياختي وانا مالي، ناقصة بقى اكلمها عشان تهب فيا زي ماعملت مع ابوها، وافقت ما وافقتش هي حرة، دي مفكرة اللي يكلمها على مصلحتها يبقى عدوها ، خليها لحد ماتروح منها كل الفرص وساعتها بقى يبقى خالها ينفعها؛ لما يتجوز بكرة الغندورة بنت المستشار ويشغلها هي خدامة عنده وعند مراته.

اومأت غادة برأسها موافقة :

- عندك حق ياما كلامك حكم، بنت اخوكي مش باصة لحالها ولا عارفة مصلحتها فين، ربنا يستر بقى وماتعسنش وهي عايشة كدة في الوهم كدة !

...................................


تزفر بضيق وهي تهزهز أقدامها بعصبية في انتظاره وانتظار السائق الذي سوف ياتي ليقلها إلى منزلها كما قال، ولكنه قال دقيقتين وسوف يعود وهي تشعر بمرور الوقت عليها الاَن وكأنه دهرًا ، لا تعلم مر من الزمن، ولا تعلم سر افعاله العجيبة معاها ، لقد أعطته رفضها صراحةً على موضوع زواجه في السر معها، إذن لما هذا الاهتمام وقد أخبرها باحترام رغبتها وعدم الضغط عليها ، رفعت رأسها فجأة حينما لمحته وهو خارج من إحدى الغرف بقميصه الأبيض وبنطاله الأسود، يتقدم بخطواته السريعة حتى وصل ليجلس على المقعد المقابل لها تمامًا .

- مابتكليش ليه ؟ الجاتوه مش عاجبك؟

سألها وهو يتناول إحدى الأطباق ، ردت زهرة بزوق:

- متشكرة يافندم ماليش نفس ، انا عايزة بس أروح .

قدم لها الطابق يردف بحزم:

- ماهو مافيش مرواح غير لما تاكلي يازهرة، انتِ اغمى عليكِ وانا قولت اجيبلك حاجة مسكرة تفوقك شوية .

تناولت الطبق على مضض وهي تردد بمجاملة :

- الله يحفظك يافندم انا كويسة، معلش بس والنبي انده للسواق ياخدني عايزة امشي .

- وانا قولت مافيش مشيان يازهرة غير لما تاكلي ، هاتكلي الحاجة الخفيفة دي ولا انده لكرستين تحضرلك عشا، اختاري .

اردف بلهجة مهددة جعلتها تتناول الطبق وتغرز بالشوكة قطعتها لتأكل منه مجبرة، ابتسم يتناول الطبق الاَخر مرددًا :

- وانا كمان هاكل زيك .

تناول من طبقه قطعة كبيرة وضعها داخل فمه بلهفة شديدة وكأنه اول مرة يتذوق شئ جميل مع فرحته بحضورها المنزل ومشاركتها له ، تناولت هي قطعة صغيرة حتى لم تتبين منها الطعم فهمت لتضع الطبق على الطاولة ولكنه اوقفها بنظرة محذرة :

- وبعدين بقى في شغل العيال ده ، اخلصي يازهرة خلصي طبقك عشان تروحي.

عضت على باطن وجنتها من الغيظ فعاودت تتناول منه على مضص ولكنها أجفلت على الطعم الجميل حينما تناولت قطعة جيدة جعلتها تتلذذ بالطعم داخل فمها للحظات ، راقبها وهو يتناول من طبقه بشغف يكاد أن يفضح ما بداخله نحوها، لولا خجلها الذي يمنعها دائمًا من النظر اليه، خرج من شروده فجأة على صوت هاتفه فنهض وتركها فور أن رأى اسم المتصل يردد لها :

- المرة دي ثواني بس وراجعلك يازهرة ، كملي طبقك واشربي فنجان القهوة باللبن اللي قدامك اهو.

همت لتهتف بإسمه ولكنها توقف تعيد الطبق لمكانه بإحباط وهي تتمتم مع نفسها:

- اللهم طولك ياروح، هو انا مش هاخلص النهاردة بقى؟

لكن هذه المرة صدق بوعده وأتى على الفور بخطواته السريعة ليضع حقيبتها اليدوية أمامها وتناول كفها فجأة يضع بها السلسال ، شهقت بفرحة حينما رأته بيدها تردد:

- دي سلسلة أمي.....

قطعت جملتها بعد أن استدركت امرها فخرج سؤالها بدهشة:

- بس إنت جبتها ازاي ؟

لم يجيبها عن السؤال ولكنه أخرج من تحت الحقيبة ملف يعطيها له وهو يخاطبها:

- عايزك تبصي في الملف ده يازهرة .

أذعنت رغم دهشتها تتناول الملف تلبيةً لطلبه وتنظر به ، ولكنها صُعقت وتوسعت عيناها حينما قرأت المضمون:

- إيه ده ؟ دا عقد مخالصة بكل الشهور المتبقية لشقة خالي .

رددت بعدم فهم قبل أن ترفع عيناها إليه بتساؤل 

- بس ازاي ؟ 

صمتت قليلًا والصورة تتضح أمامها فسألته بريبة :

- جاسر بيه ، هو ايه اللي بيحصل بالظبط؟

أجابها هذه المرة :

- تفتكري ايه اللي بيحصل يعني يازهرة ؟ ما انتِ لو اتكلمتِ من الصبح ، كنتِ وفرتي على نفسك وعليا التعب دا كله .

أسقطت الملف والسلسال أمامها على الطاولة وظلت صامتة للحظات قبل أن تسأله بتوجس:

- طب الصبح كان عرض سلفة استثتائي؟ دا بقى أسميه عرض إيه؟

أجابها ببساطة:

- دا مش عرض لأي حاجة يازهرة ، اعتبريه هدية مني ليكِ

هتفت منفعلة:

- هدية ايه بالظبط اللي بالمبلغ ده كله عشان افهم ، حضرتك انا كنت شايلة هم السلفة اللي كانت ٥٠ الف ، دلوقتِ مع المبلغ الكبير دا بقى هاتنيل اسدده امتى ؟

- ما انا قولتلك مش عايز حاجة يازهرة .

قال بهدوء فهتفت هي بتأكيد:

- لا حضرتك الكلام دا مايخشش عقل عيلة صغيرة ، وانا مش عيلة صغيرة ، جاسر بيه انت عايز إيه بالظبط؟

- عايز اتجوزك.

قالها على الفور واستطرد وهو يتقرب بمقعده منها :

- اقبلي واتجوزيني يازهرة باختيارك ومن غير ضغط ، انا لا بهددك ولا بستغلك، انا بحاول بس اخفف عنك .

اغمضت عيناها وهي تشيح بوجهها عنه وقد أربكها مطلبه الملح قبل أن تعود أليه قائلة :

- طب ازاي هايبقى باختياري وانت بتقول في السر ، انا ماينفعش اعمل أي حاجة في السر ، لا يمكن هاعرف اعيش معاك وانا حاسة طول الوقت اني بعمل حاجة غلط وخايفة الناس تكشفني، خالي دا اللي مربيني تفتكر هايبقى تصرفوا ايه لما يعرف ان شقته كانت تمن جوازي في السر، دا مش بعيد يتبري مني ويقاطعني العمر كله.

- يعني انتِ المشكلة عندك هي في خالك دلوقت؟

سألها وهو يتنفس بعمق، أجابته وهي تنهض وتتناول الحقيبة فقط ، تاركة السلسال وملف العقد أيضًا:

- مش خالي بس، دا خالي وابويا وستي وقرايبي كمان، الكل لازم يعرف، على العموم الف شكر ياجاسر باشا على معروفك النهاردة معايا ، بس انا مش هاقدر اقبل الشقة ولا حتى السلسلة، وخالي بقى ربنا يعوض عليه .

همت لتتحرك ولكنه أوقفها قائلًا:

- الكلام لسة مخلصش يازهرة .

التفتت اليه مرددة:

- انا مش هاقدر اغير موقفي ياجاسر باشا عشان يبقى في كلام تاني .

- تمام .

اردف بها وهو يومئ برأسه واستطرد :

- أنا سمعت منك دلوقت وفهمت وجهة نظرك ، فاضل بقى انك تسمعيني مني كمان وتفهمي وجهة نظري بس خليها بقى بعدين ، عشان الوقت اتأخر، إتفضلي معايا عشان اعرفك السكة ، إمام والسواق مستنينك برا.

تخطى يتقدمها بالخطوات ثم التفت فجأة قائلًا بحزم يذكرها :

- ماتنسيش ميعاد الشغل بكرة ، مش عايز تأخير

... ..........................


- ها في أخبار جديدة ولا برضوا لسة؟

سألت كاميليا بلهفة لاهثة بعد أن أتت اليهم مسرعة ، اومأت لها صفية برأسها صامتة وهي متكتفة الذراعين لتدخل ، خطت كاميليا للداخل ، لتجد رقية التي انتبهت عليها وهي تتحدث في الهاتف :

- ايوة يابني زي مابقولك كدة ، هي قافلة التليفون بس عشان نامت مصدعة وانا مش عايزة اصحيها واقلقها ياحبيبي ........... يابني بقولك كل حاجة تمام ، انت قلقان ليه بس عليها ؟ عشان حصلت مرة يعني ومردتش على تليفونك ؟

اغمضت رقية عيناها وهي تسمع صراخ ابنها عبر الاثير القلق على ابن شقيقته ، بعد ان هاتفها عدة مرات على هاتفها المغلق منذ ساعات ، ردت رقية تكذب مرة أخرى لتهدئته :

- طيب ياخالد ، انا هاخليها تكلمك بنفسها وتطمنك بس شوية كدة يابني بعد ماتقوم من نومتها بقى............ فلوس اه اه الفلوس وصلت ياحبيبي وسددت زهرة بيهم الأقساط .

وقفت كاميليا عدة لحظات تراقب رقية التي تكذب على ابنها حتى تطمئنه ، رغم قلقها وجزعها على حفيدتها التي غابت منذ العصر ولم تعد ، فور ان انهت رقية المكالمة التفتت لها :

- شوفتِ ياكاميليا الغلب اللي انا فيه ، البت لساها غايبة وقافلة تليفونها من ساعة ماخرجت، وخالها بيتصل وهايتجنن عشان يسمع صوتها ، ياترى راحت فين بس ياربي؟ ياترى راحت فين؟

ازدرت كاميليا ريقها وهي تجلس بجوارها تردد:

- اطمني ياستي ان شاء الله خير ، هي أكيد في حاجة عطلتها يعني والغايب حجته معاه .

رددت خلفها رقية

- يارب ياحبيتي يسمع منك وما يجبش حاجة وحشة ، بس انت يابنتي مروحتيش بقى على عنوان الراجل السمسار دا وسألتي ليكون هي راحت عنده ؟

- هاااا ؟ لا ياستي انا جيت على هنا على طول بعد اتصالك، وملحقتش اعدي عليه بصراحة؟

أجابت كاميليا كاذبة هي الأخرى ، حتى لا تقلق رقية بالأخبار التي سمعتها من حارس البناية الذي أخبرها بتعدي بعض الرجال على الرجل السمسار وخطفهم لفتاة تشبه بمواصفاتها لزهرة التي خرج بها رجل منهم يحملها على ذراعيه مغيبة عن الواقع .

- يارب استر يارب .

تمتمت بها بداخلها قبل أن ترفع رأسها متفاجئة بدلوف زهرة اليهم :

- مساء الخير ياجماعة؟

- مساء الخير ! توك ما واصلة يازهرة ؟ عايزة تموتيني ناقصة عمر يابت ؟

صرخت بها رقية فور أن رأتها أمامها ، أما كاميليا فاأغمضت عيناها بتعب تتنفس براحة اخيرًا بعد ساعة من القلق كادت أن توقف قلبها ، هتفت صفية من الجهة الاخرى :

- كدة برضوا ياابلة زهرة تقلقينا عليكي بالشكل ده ؟

اومات بكفها صامتة وهي تقترب بخطواتها حتى وصلت الى رقية ترتمي بأحضانها وتلقفتها الأخرى بجزع :

- مالك يابت فيكِ إيه ؟ جرالك إيه يامنيلة ؟

...............................


بداخل غرفتها وبعد ان تحايلت على رقية كي تصفح عنها وادعت اغلاق الهاتف بسبب نفاذ شحن البطارية، وخلقت لها قصة من وحي عقلها، جلست تحكي الحقيقة وماحدث باستفاضة مع كاميليا التي تسمرت لعدة دقائق تستوعب جيدًا قبل أن تسألها ببلاهة وعدم تصديق :

- كسر إيد الراجل وطلبك للجواز من تاني ؟

اومأت لها برأسها صامتة وهي تحتضن وسادتها ورأسها مستندة على قائم السرير ،وتابعت زهرة :

- شوفتِ بقى صاحبتك واللي بيجرا معاها؟

هزت كاميليا رأسها بحركة غير مفهومة قبل ان تردف :

- انا كدة بقيت اقلق على فكرة يازهرة ، كون انه يدفع الأقساط اللي باقية من شقة خالك دي كلها ، لا وكمان يرجعلك سلسلتك بعد ما بعتيها ، لا دا بقى متابعك وحاطك في دماغه بجد يعني ؟

- عرفت والله ياكاميليا من قبل ماتقولي، ودا اللي تاعبني ومخلي دماغي هاتتفرتك .

قالت زهرة بتعب فتنهدت لها كاميليا تردد بحيرة :

- انا بصراحة مش عارفة اقولك ايه؟ الراجل بعد اللي عمله اكيد يستاهل الشكر رغم انها حاجة غريبة طبعًا ، لكن كمان انه يجدد طلبه في الوقت ده ، دا معناه انه صياد ماهر وبيعرف يرمى صنارته كويس قوي وامتى بالظبط عشان يحقق هدفه ودي طبيعة جاسر ريان على فكرة ، انا اشتغلت معاه وعرفاه ، بس اصراره عليكِ بقى دا اللي مجنني ؟ مش قادرة احدد ان كان حب حقيقي ولا دا تحدي من راجل عجبته واحدة ومُصر انها توافق عليه بعد هي مارفضته .

رددت زهرة وكأنها تحدث نفسها:

- تمام انا معاكي في كل ده ؟ انا كدة بقى اتبسط ولا اضايق ؟ عشان بصراحة الصورة غلوشت قدامي ومعدتش شايفة كويس ، ولا عارفة الصح من الغلط ، ارفضه بقى واخسر شغلي وشقة خالي وريحة أمي في السلسة بتاعتها ، ولا اوافق بالجواز منه وساعتها بقى أخسر نفسي .

تلجمت كاميليا تفرك بأطراف أصابعها على جبهتها وتعيد في شعرها للخلف مع تفكيرها في المعضلة الشائكة قبل ان تحسم أمرها اَخيرُا بردها :

- شوفي يازهرة؛ انا مش عايزاكي تقطعي كدة فجأة ، هو مش قالك استني واسمعيني ، يبقى خلاص يابنت الناس ، اسمعيه وشوفي إيه أخرتها معاه .

اومأت زهرة برأسها موافقة قبل ان تغير مجرى الحديث بسؤالها :

- تفتكري رقية صدقت اللي اتحججت بيه قدامها عشان التأخير ؟

ردت كاميليا بابتسامة ساخرة :

- تصدق ايه ياعبيطة انتِ ؟ اذا كانت مخالتش عليا انا نفسي ؟ قال ايه ، قابلت واحدة صاحبتي من ايام المعهد وعزمتني في بيتها على العشا ، واتعشيت وانا ناسية ان التليفون مقفول عشان اطمن عليكِ، هو انتِ كنتِ بتزوري صحباتك في الدراسة من الأساس عشان تزوريهم بعد مااتجوزا ؟

استجابت لها زهرة مبتسمة تردد :

- هو انا مكشوفة قوي لدرجادي ياجدعان قدامكم ؟.

- جدًا ياروح قلبي، دي رقية اساسًا بتهاودك دلوقتِ عشان انت تعبانة ، لكن وغلاوتك عندي مش هاتسبيك غير لما تقررك وتعرف اللي حصل ، ولا انتِ تايهة عن ستك ؟

- لا طبعًا هاتوه عنها ازاي بس ؟ ربنا يستر بقى والاقي حجة مناسبة تقنعها .

قالت زهرة بقلق حقيقي، رددت خلفها كاميليا :

- ان شاء الله ياقلبي ، أسيبك انا بقى عشان يدوب أروح قبل ما اهلي يقلقوا عليا انا كمان 

جذبتها زهرة فجأة من كفها توقفها :

- كاميليا، انا محتجاكي اليومين دول، ماتسبنيش في الحيرة دي لوحدي والنبي .

- عمري ما هاسيبك يازهرة ، عشان انت مش صاحبتي وبس انتِ اخوتي الصغيرة .

اردفت بها كاميليا بثقة قبل تحتضن صديقتها بمحبة صادقة

..................................


مستلقي بجسده على الاَريكة التي ضمت جسدها هي سابقًا، يلقي بالكرة المطاطية على الحائط أمامه فترتد بمهارة اليه ليعيد الكرة مرات أخرى، من وقت أن تركته وعقله يعمل دون هوادة ، يعيد بذهنه كل كلمة قالتها بالتأني جيدًا في معناها ، مازال يستشعر دفء جسدها وهو يحملها بين يديه ، رقتها ونعومتها رغم سذاجتها احيانًا وعنادها الدائم معه، رائحتها الطبيعية الخلابة والممتزجة ببرائتها ، لقد اتخذ القرار ولن يتراجع أو يتنازل عنه ، زهرة ستصبح زوجته ولن تكون لغيره ابدًا، بحياته لم يخض حربًا وخسرها ، لقد حسم القرار وانتهى.

توقف فجاة يتناول سلسال والدتها الذهبي كما علم منها اليوم ، رفعه أمامه ينظر بالقلب المتدلي بأوسطه ، دقق النظر جيدًا في النقوش القديمة به ، ليجد اسمها في الوسط ، إعتلى ثغره بابتسامة مرحة وهو يردده باستمتاع :

- زهرة 

................................


في اليوم التالي صباحًا .

ذهبت زهرة لعملها بالشركة رغم ترددها وتخوفها من القادم ، كانت تعمل على حاسوبها وملفات العمل بجدية ونشاط ، رغم تعجبها من تأخره والساعة تقترب من العاشرة ، حتى تفاجأت بحضور كارم لها فجأة ، يردف بدماثة وابتسامته المعهودة :

- صباح الخير يااَنسة زهرة ؟ عاملة ايه النهاردة ؟

بادلته ابتسامته بتردد وهي ترد على تحيته:

- صباح الخير ياكارم ، متشكرة جدًا على سؤالك ، بس على فكرة جاسر بيه لسة ماوصلش لحد دلوقتِ .

- ما انا عارف .

اردف بها واستطرد أمام دهشتها :

- وهو اللي باعتني على فكرة عشان اخدك واوصلك عنده.

- توصلني فين ؟

تسائلت مستنكرة ، اجاب هو بكل هدوء :

- انا مش هاخرجك برا الشركة ، جاسر بيه موجود هنا على فكرة ، بس هو في اَخر دور، دا اللي بيقابل فيه الناس المهمين والوفود الأجنبية .

قطبت تسأله بدهشة:

- وهو بيعمل ايه بقى في الدور اللي فوق ؟ عنده مقابلة جديدة يعني ولا إيه ؟

اجابها كارم بسؤال:

- احنا هانفضل نسأل كدة كتير ؟ ماتتفضلي يازهرة وتعالي معايا وشوفي بنفسك؟

زفرت بضيق قبل أن تنهض عن مقعدها وتتبعه في الذهاب للطابق الاَخير ، والذي تفاجأت برفاهيته العالية والتي تليق بالاستقبالات الخاصة مع خلوه من زحمة الموظفين والعاملين في باقي طوابق الشركة، فتح أمامها إحدى الغرف ، ولكنه توقف يومئ لها لتتقدم للداخل وحدها ، تنهدت بداخلها قبل أن تخطوا لتلج بداخل الغرفة الضخمة ، وقعت عيناها عليه على الفور ، جالسًا بأريحية على اَريكة عصرية ضخمة يبتسم لها بثقة ، وبجواره من الناحية الأخرى رجل.......

تجمدت محلها بصدمة وهي تنظر بأعين جاحظة نحو صاحب الجسد الهزيل وهو ينهض بسعادة نحوها يردد باسمها :

- زهرة ، ياحبيبة قلب ابوكِ انتِ.


......يتبع 

وكالعادة ياحبابيي بطلب منكم تشرفوني بتعلقاتكم الجميلة وتحليلكم للي هايحصل 

#امل_نصر

#بنت_الجنوب


الفصل السابع عشر


كتمثال من الشمع تجمدت محلها لا تتحرك ولا حتى  ترمش بعيناها، لا تصدق أو تستوعب أن ماتراه إن كان حقًا أم أنه محض وهمٌ في خيالها وقد تشوشت الرؤية امامها، حتى عندما وصل إليها أباها ليقبلها من وجنتيها أمامه في عرض رخيص، اثار حنقها منه أضعاف ، قبل أن يسحبها من ذراعها لتجلس بجواره قريبًا من جاسر الذي كان يجلس مقابلهم بمسافة قريبة جدًا على الاَريكة البيضاء الضخمة بالغرفة الواسعة والتي تليق بجلوس جاسر مع كبار الزوار؛ وليس أباها الذي كان يهتف بسعادة:

- تعالي ياقلب ابوكِ تعالي، تعالي ياوش السعد انتِ، يكون في علمك ياجاسر بيه، زهرة دي جوهرة نادرة ومايعرفش قيمتها غير جواهرجي، واخد بالك ياباشا ؟

اومأ له بابتسامة عريضة جاسر:

- واخد بالي طبعًا يا عم محروس ، أمال انا اختارتها دونًا عن كل اللي اعرفهم ليه؟

خرج صوتها اَخيرًا بتساؤل لكليهم :

- هو في إيه بالظبط ؟ انا مش فاهمة حاجة.

- فيه الهنا وتحقيق الأماني ياحبيبة قلب أبوكِ، ياريت أمك الغالية كانت عايشة دلوقتِ، دي كانت هاتطير من الفرحة إهئ......

أردف محروس وقطع جملته يمسح بمنديله الدموع  التي لم تراها زهرة ، ليكمل لجاسر الذي ظهر على وجهه التأثر:

- والله ياجاسر يابني ....

غمغمت الكلمة مع نفسها بعدم تصديق، تحدجه بنظرة نارية وهو يستطرد أمام جاسر الريان:

- مش انا بعز مراتي اللي هي على زمتي دلوقت ، لكن وربنا ماحبيت ولا هانسى أبدًا حبي لوالدة زهرة ربنا يرحمها يارب اهئ.....

قال جاسر أمام نظرات الذهول التي اكتنفت زهرة من الأفعال الغريبة لهذا الرجل المدعو أباها:

- ربنا يرحمها يارب ويصبرك ياعم محروس ، بس خلينا دلوقتِ بقى في المهم

- إيه هو المهم؟

سألت زهرة بنفاذ صبر ، فجاء الرد من جاسر:

- المهم يازهرة هو اني خطبتك من والدك ووافق .

ردت زهرة بتهكم وهي تنقل عيناها بين الاثنان:

- وافق على إيه بقى ؟ على جوازي منك في ألسر؟

- سر إيه يابنتِ ؟ هو احنا بتوع سر برضوا ؟ ايه اللي انتِ بتقوليه دا يازهرة؟

قال محروس بتشنج لم تصدقه زهرة والتي مالت اليه برقبتها ترمقه بنظره ساخرة قبل أن تلتفت على قول جاسر:

- أنا فهمت والدك يازهرة ظروفي ، احنا هانتجوز بمعرفة والدك وخالك واهلك اللي بتثقي فيهم ، بس  هايتم في دايرة محدودة عشان الخبر مايوصلش  للإعلام ، ودا طبعًا هايكون شئ مؤقت على ما اخلص أنا من مشاكلي مع بنت خالتي، اللي هي مراتي حاليًا .

- وأهلك ؟

خرج سؤالها بحدة ، فجاء الرد من جاسر بثقة:

- هاقول لوالدي ، أما والدتي فدي هاتتأجل شوية عشان بنت اختها ، لكن طبعًا هاعرفها بعدين على ما تهدى الدنيا  والأمر يبقى واقع ، ها في حاجة تاني ؟

تدخل محروس بقوله:

- هايكون في إيه تاني بس ياباشا ؟ ماانت ظبطت الدنيا وكل حاجة تمام أهو .

بنظرة حانقة رمقت والدها قبل أن تلتفت الى جاسر تسأله:

- أيوة بس انت بتقول دايرة محدودة عشان مايوصلش الخبر للإعلام ، يبقى هاعرف ازاي انا بقى أهل حتتي وكل اللي اعرفهم ؟

أجاب بنظرة مسيطرة وهو يلوح امامها بسبابته :

- أنا قولت الناس الثقة من أهلك ، يعني مش اي حد وخلاص، وان كان على أهل حتتك؛ هما لازم يعني يشفوني ويعرفوا انا مين يعني ؟ ما كفاية عليهم يعرفوا انك اتجوزتي راجل مهم وخلاص .

- عندك حق ياباشا، دا انا ممكن حتى اقول إن اللي اتجوزها شيخ ولا أمير من الخليج، حد له عندنا حاجة؟

قال محروس وهو يدخل في الحديث مرة أخرى وأكمل على قوله جاسر بنظرة متحدية:

- انا كدة يبقى عملت كل انتِ طلبتيه يازهرة ، ولا عندك سبب تاني للرفض؟

أجفلها بسؤاله فانعقد لسانها عن الرد بكلمة مفيدة، فكيف ترد على شئ هي لم تفكر فيه من الأساس؟ فرفضها من البداية كان بناءًا على أمر يستحيل حدوثه مع عدم قبولها لدور الزوجة السرية ، أما الاَن فهو قرب المسافة بأسلوبٍ غريب جعله يرضى الطرفين، ولكن هي لم تحسب نفسها أبدًا طرفًا في قضيته !!

- هاا يازهرة ساكتة ليه ماتردي ؟

أجفلها جاسر بسؤاله الملح ، فجاء الرد من أباها :

- ودي عايزة مفهومية ياجاسر باشا ، دا حتى بيقولوا في الأمثال ان السكوت علامة الرضا ، ولا انت عايزني أفهمك ؟

أنشق ثغره بابتسامة فرحة ليقول بلهفة:

- خلاص يبقى نقرا الفاتحة ياعم محروس وخير البر عاجله .

- طبعًا ياباشا.

أردف بها سريعًا محروس قبل أن يرفع كفيه يقرأ بينهم سورة الفاتحة مع جاسر الذي انهاها سريعًا ليرمق زهرة بنظرة ظفر وانتصار لقرب حصوله عليها ، أما هي فكانت كالتائهة أو مخطوفة مما يحدث معها الاَن وهي لا تدري ان كان خطأ أو صواب.

...................................


بعد قليل 

كانت جالسة على مكتبها تخطو بالقلم خطوطٍ كالدوائر على الورقة البيضاء أمامها ، مستندة بمرفق يدها الأخرى على سطح المكتب والتي استراحت عليها وجنتها وقد لف برأسها الشرود، بعد أن تركت جلستهم هاربة من شئ لازالت لا تصدقه ، تسأل نفسها عما حدث ، وعقلها لا يستوعب السرعة أو الطريقة التي تم بها خطبتها ؛ ياإلهي هى فعلًا أصبحت الاَن خطيبته ؟ 

- سرحانة في إيه؟

انتفضت عائدة برأسها للخلف وقد فاجئها بظهوره ، مقربًا وجهه منها وقد دنى برأسه نحوها ، تلعثمت في ردها مع هذا الوضع الغريب:

- ااا عادي يعني .

ردد خلفها بابتسامة بعرض وجهه:

- عااادي ؟ طب قومي يالا وحصليني على المكتب .

قال وذهب من أمامها على الفور ، بربرشت بعيناها خلفه تنظر في اثره باستغراب مرددة :

- هو إيه اللي بيحصل؟

..................................


في طرقة الطابق الأول للشركة كانت خارجة من إحدى الغرف التي سملت بها إحدى المهام الموكلة بها ، تتغنج بخطواتها كالعادة لتجذب أنظار الجميع اليها ، انتبهت على أحد الرجال من العملاء الذي التفت رأسه اليها وتركزت أنظاره عليها يشملها بنظرة إعجاب نثرت السعادة بداخلها، قبل أن يعود ليكمل طريقه دون الإلتفاف مرة أخرى أو التوقف وكأنه استكفى بالنظرة، زفرت داخلها بإحباط لعدم تحقيقها هدف حتى الاَن بهذه الشركة ، قبل أن تنتبه فجأة على رؤية خالها محروس وهو خارج من المصعد مع كارم مدير مكتب جاسر ريان في كل مجموعته وفي طريق خروجهم من الباب الرئيسي ، هرولت بخطواتها كي تلحقه ولكن المسافة كانت شاسعة ، ودت لو تخلع حذائها ذو الكعب العالي ولكنها تذكرت شكلها أمام عمال وموظفين الشركة ، فتحرك فمها بالهتاف بإسمه مع الحذر في نبرة صوتها :

- ياخالي استنى ياخالي ، ياخالي .

وصلت الى مخرج الشركة لتصعق برؤية خالها وهو يعتلي لداخل السيارة بجوار كارم؛ الذي انطلق على الفور ، دبت بقدمها على الأرض وقد اصابها الإحباط لعدم إشباع فضولها في معرفة مايحدث ، قبل أن تلتقي أنظارها بهذا الغليظ الذي كان متابعها وهو ينظر لها بابتسامته السمجة المعهودة ، همت لتتجاهله أو ترمقه بنظرة حانقة كالعادة ولكن عقلها أبى هذه المرة إلا أن يعلم بالذي يحدث من خلف ظهرها ، فردت وجهها تتصنع الإبتسام وهي تخرج من المخرج الرئيسي لتهبط الدرجات الرخامية القليلة حتى تذهب إليه ، انتبه هو فخطا مقربًا المسافة إليها :

- صباحنا نادي النهاردة، إيه ياقمر؟

اردف فور أن اقترب منها ، ردت هي تتصنع اللطف :

- صباح الخير ياا ، مرسي أوي على زوقك .

أطلق ضحكة ساخرة مرددًا :

- مرسي !! أخرابي ياما ههخخخ.

عضت شفتها غيظًا من هذا الرجل، والذي دائمًا مايشعرها بأنه يكشف ما بداخل عقلها ، تماسكت لتسأله :

- معلش يعني لو هاقطع عليك وصلة الضحك بتاعتك ، بس انا كنت عايزة أسألك عن الراجل اللي ركب العربية مع كارم دلوقتِ .

رد إمام على الفور:

- قصدك على عم محروس ابو الاَنسة زهرة ؟

برقت عيناها باللهفة بعد سماع كلماته فتشجعت تسأله :

- أيوة هو ، كنت عايزة اعرف منك بقى، إيه اللي جابه هنا ؟ وراكب مع كارم في عربيته كدا ازاي ؟

صمت قليلًا يدعي التفكير ثم انفغر فاهه بابتسامة مرحة يجيبها:

- ااا بصراحة معرفش .

ردت وهي تجز على أسنانها :

- يعني عرفت ان اسمه محروس وابو زهرة ، ومعرفتش السبب اللي جابه هنا ؟

- اَه .

قالها مقتضبة مع تساع ابتسامته ، مما أثار ازدياد حنقها منه ، وبدون كلمة استدارت وهي تتفتت من الغيظ منه، تطرق بكعبها العالي على الأرض الرخامية عائدة بعد أن فقدت الأمل باستدراجه في الحديث .

...............................

فتحت باب مكتبه لتفاجأ بجلسته على طرف المكتب بابتسامة تنبؤها أنه كان في انتظارها ، استدرات لتغلق الباب خلفها وهي تتمتم داخلها :

- دا انا بايني هاشوف العجب في الأيام اللي الجابة.

عادت لتخطو نحوه بتردد ، وهي تموت خجلًا من نظراته المتفحصة لها ، حتى اقتربت منه تمُد يدها ببعض المستندات :

- اا دول عايزين إمضة.

تناولهم سريعًا ليُلقيهم بإهمال خلفه على سطح المكتب مرددًا :

- ودا وقت شغل دلوقتِ ، تعالي الأول اقعدي هنا قصادي عشان اكلمك .

برقت عيناها وهي تراه يمسك بكفها كأنه أمر عادي ليسحبها كي تجلس على الكرسي المقابل له أمام المكتب .

- إيه بقى وشك مخطوف كدة ليه؟

صمتت قليلًا قبل أن تُجاوب على سؤاله :

- لا يعني، بس انا مستغربة قوي اللي بيحصل ، لأنه بصراحة مكنتش اتوقعه .

اعتلى شفتيه ابتسامة رأئعة وهو يرد :

- لا صدقي وصدقي أوي كمان، انا طيارتي كمان ساعة أو اقل ، هاسافر أطمن على بابا واقوله بالمرة ، وبعد ما ارجع بقى كل حاجة هاتبقى رسمي.

إن كان يظن أن بكلماته طمأنها فهو واهم ، بربشت بعيناها وقد عاد دوار رأسها من جديد وهي تردد داخالها :

- رسمي!

انتبهت عليه ينهض فجأة يتناول حقيبته يلملم بها أشياءه ويهتف عليها :

- قومي يالا عشان أوصلك معايا في طريقي .

- توصلني فين ؟

سألت بعدم تركيز ، جعلته يضحك مرددًا لها :

- هاوصلك على بيتكم يازهرة ، أو بمعنى أصح السواق هو اللي هايوصلك بعد ما يوصلني انا على المطار ، قومي عشان تريحي في بيتكم ، انتِ شكلك تعبان .

لم تجادل معه ونهضت على الفور تنفذ أمره ، فاأقصى ما تتمناه الاَن ، هو الإستلقاء على سريرها او ان ترتمي  داخل حضن رقية ملجأ أمانها .

.......................................


كانت غادة تسرع بخطواتها كي تصل إلى زهرة بعد أن وصلت إلى طابقها ، لتسألها عن حضور أباها للشركة ، ربما وجدت عندها المعلومة التي ترضي فضولها ، التصقت بالحائط فجأة حينما رأتها تسير بجانب جاسر ، والذي تراه لأول مرة لا يسرع بخطوته كالعادة، بل ويتحدث بإريحية مع زهرة ، واضعًا كفهِ بجيب بنطاله ، تسمرت محلها تراقبهم حتى دلفوا لداخل المصعد فاشتعل رأسها .

- لااا انا قلبي كدة مش مطمن وحاسة أن في حاجة مش مظبوطة وبتحصل من ورا ضهري .

غمغمت بها قبل أن ترفع هاتفها لتتصل بوالدتها والتي أجابت على الفور:

- الوو ... أيو ياغادة بتتصلي ليه؟

ردت على الفور :

- ايوة ياما ، في حاجات حصلت النهاردة في الشركة مجنناني وهاتخلي برج من نفوخي يطير.

- حاجات إيه يابت ؟

........................................


ترجل محروس من سيارة كارم أمام بناية منزله يردد بصوت عالي :

- اتفضل ياباشا اشرب شاي ولا خد واجبك .

اومأ له كارم بكفه وهو يتحرك بسيارته والاَخر يكرر بصوت عالي :

- طب ياباشا مع ألف سلامة ، مع السلامة .

ظل متابع السيارة حتى خرجت من الحارة ثم التفت على الجيران والبشر التي انتابها الفضول نحوه ، تنهد بصوت عالي وهو يسير بقلب الحارة منتفخ الصدر بزهو حتى وصل إلى القهوة مرددًا بصوت عالي أمام نظرات فهمي الذي كان يدخن الشيشة بجوار رجاله :

- واد ياحمامة فرق شربات على الحارة كلها ، حلاوة خطوبة بنتي ست البنات كلهم ، زهرة محروس .

صدرت الهمهمات مع ألأصوات المباركة وبعض الأسئلة الفضولية :

- الف مبروك يامحروس ، عريسها يبقى مين ؟ ياترى العريس من الحارة ، اومأ يرد بتفاخر :

- عريسها يبقى باشا كبير أوي من دولة عربية شقيقة .

القى جملته الغريبة فازدادت الأسئلة مع المباركات والتهنئة، وهو يجيب بزهو ويختلق قصص من وحي خياله ، حتى أجفله فهمي الغاضب ينكزه بكفه :

- هي مين اللي اتخطبت من الدول العربية ، انت بتتكلم بجد ياراجل انت ولا جاي تصيع علينا ؟

نفض كفه محروس يقول بشراسة :

- وانت مالك ان كنت بألف ولا اخترع حتى من دماغي ؟ فلوسك وخدتها عالجزمة القديمة ، لك إيه تاني بقى عندنا؟

توقف فهمي مزهولًا ، من فعل محروس الذي تجرأ عليه أمام البشر ، بوقاحة تأتي من ثقة بداخله .

تجاهله محروس وهو يبتعد عنه يردد بصوت عالي مرة أخرى:

- فرق يابني فرق وماتسبش حد من الحارة نهائي ، خلي الكل يعرف بالنسب اللي يشرف مش يعر؟

قال الاَخيرة وهو يرمق فهمي بنظرة معبرة ، زادت من غضب الاَخر ، والذي كان صدره يعلو ويهبط بتنفسه حاد

وفي الأعلى صفية كانت متابعة مايحدث من الشرفة ، التي تركتها لتذهب لرقية بالداخل هاتفة:

- اللحقي ياستي ، دا ابويا بيفرق شربات في الحارة ويقول ان زهرة اتخطب لراجل مهم من دولة عربية .

رددت خلفها رقية بعدم فهم :

- دولة عربية إيه يابت؟ وكلام فارغ إيه اللي بتهلفطي فيه؟ هو ابوكي اتجنن ولا اتلحس في عقله ؟ 

ردت صفية:

- والله ما اعرف ياستي ، انا بقولك على اللي شوفته وانا باصة من البلكونة حالًا دلوقتِ عالشارع تحت .

صاحت عليها رقية بغضب

- شارع! لهو كمان نشرها في الشارع، انزلي يابت روحي اندهيلوا بسرعة ، ولا هي حصلت كمان يخطبها من غير مانعرف، ناقص بقى يجوزها من غير علمي عشان اطين عيشته ان شاء الله بالمرة.

.................................


بجوار مطار القاهرة الدولي ، توقفت السيارة التي تقلها معه ، وهي مازالت على حالتها من الصمت والشرود ، تومئ برأسها وهي تستمع إلى حديثه وحكاياته القديمة في السفر ، وسرده بعض العادات والطقوس الغريبة لبعض الشعوب ، حتى إذا سألها عن شئ ليسمع صوتها تجيبه باقتضاب ، وعدم تركيز ، فعقلها لا يستوعب حتى الاَن الشخصية الجديدة له، مازالت تبحث عن الرجل المخيف به  

- إيه بقى ؟ احنا خلاص وصلنا كدة،  يعني انا حالًا هانزل واسافر .

اومأت برأسها تقول له :

- تسافر وترجع بالسلامة ان شاء الله.

ردد بفرح :

- الله يازهرة حلوة الدعوة دي منك، كدة هاتخلي الواحد يسافر وهو مبسوط مرتين ، مرة عشان الدعوة اللي تجنن دي ، ومرة تانية عشان مجيتك معايا قبل ما اسافر ، ثواني كدة .

اردف الاَخيرة وهو يخرج من جيب سترته هاتفه ليفاجأها بالتقاط عدة صور لها ، ثم قال متغزلًا وهو ينظر للصورة:

- قمر ، رغم ان الأصل أحلى برضوا.

ردت بشبه ابتسامة صامتة وقد توقف عقلها من كثرة الصدمات ، حتى أجفلها بالقاضية حينما التقط كفها وقبلها مودعًا قبل أن يترجل من السيارة ليلحق بطائرته. 

ظلت لعدة دقائق تنظر لكفها التي قبلها منذ قليل بذهول ، لا تصدق أن هذا هو بنفسه جاسر الريان .

..................................


حينما وصلت اَخيرًا وتوقفت ألسيارة أمام بنايتها ، ترجلت بصعوبة من هذا الدوار الذي أصاب رأسها بفضل الصدمات التي تلقتها اليوم ، شكرت السائق من قلبها أنه توقف أمام مدخل البناية تمامًا ، فقدرتها على السير أصبحت بالكاد تكفيها لتصعد الدرج وتصل إلى سريرها الحبيب ، 

انتبهت على بعض الهتافات من خلفها فالتفت برأسها وهي تلج لداخل العمارة :

- الف مبروك يازهرة ، الف مبروك ياست العرايس ، 

اومأت برأسها الى الجيران دون صوت رغم دهشتها ، لتعود بضعفها تكمل الطريق وهي تغمغم داخلها :

- هو لحق أبويا ينشر الخبر والناس تصدقه ؟ دا انا نفسي مش مصدقة .

حينما وصلت اَخيرًا للمنزل وجدت رقية في انتظارها متخصرة بتحفز وتقول :

- أهلًا بالسنيورة ، اللي بتتخطب من برا برا ولا اكن ليها بيت ولا أهل ربوها ؟

.........................


- قرا فاتحتك وبقيتي خطيبته بجد؟

هتفت بالسؤال كاميليا بعدم تصديق، أكملت على قولها زهرة :

- وأخدني في عربيته إللي وصلتوا للمطار وباس على إيدي دي كمان وهو بيودعني .

قالت الاَخيرة وهي تلوح بكفها أمامها ، سألتها كاميليا بدهشة :

- طب ومالك طيب بتهرشي فيها كدة ليه ؟

- مش عارفة، بس هي بتاكلني من ساعتها .

سمعت الجملة كاميليا وانفجرت في الضحك على صديقتها التي مازالت تهرش بأظافر يدها الأخرى على كفها، تردد مابين ضحكاتها :

- على النعمة انتِ التوتر بتاعك دة هايجننك ويخلص عليكِ .

زفرت زهرة غير مستجيبة للضحك مع كاميليا وهي تشعر بصواب جملتها رغم مزاحها ، فقالت :

- ما انا حاسة فعلًا إني هاتجنن في الاَخر على فكرة .

توقفت كاميليا فجأة عن الضحك تسألها بتخوف:

- اعوذ بالله، ليه بس يابنتِ بتقولي الكلام ده ؟ 

تنهدت زهرة واضعة كفها على جبهتها وهي ترفع راسها للأعلى قبل أن تعود بأنظارها لكامليليا قائلة بتعب :

- طيب اعمل إيه ما انا تعبت ، دماغي متشوشة؛ كل ما افتكر الكروتة اللي تم بيها الموضوع، بحس ان اتعمل عليا كماشة ، خصوصًا كمان لما نبهتني رقية انه كان لازم يجي هنا البيت ويطلبني منها ، بس دا هايجي ازاي بس في بيتنا ده ، دا ممكن يخاف ما يدخله ليقع عليه ، انا كان مالي انا بالجواز أساسًا ووجع القلب دا كله، لا وكمان لما يحصل ، اتجوز واحد زي جاسر الريان ، الفرق بيني وبينه ، فرق السما من الأرص مابيني وبينه ! 

اقتربت كاميليا تهدهدها بلطف كي تخفف عنها:

- طب خلاص إهدي طيب، مش مستاهلة النكد دا كله ، اعوذ بالله انتِ اتحسدتي ولا إيه ؟ دا الحارة كلها هنا قايمة على سيرتك ، من ساعة ماوصلت ودخلت عندكم بعربيتي .

أردفت زهرة :

- مش موضوع حسد ياكاميليا ، انا الشعور دا حسيته من ساعت ماشوفت ابويا وهو قاعد قصاد جاسر في المكان دا اللي مخصصه لكبار الزوار عنده في الشركة ، حاجة كدة في منتهى الروعة ، وابويا زي ماانتِ عارفه لا شكله ولا لبسه يناسب القعدة وو.....

- يابنتِ مش كدة هاتعقدي نفسك.

قاطعتها كاميليا بحزم تُوقفها وتابعت :

- اتعلمي تفرحي بقى كدة شوية وزيحي الفكر الوحش دا من دماغك ، اللي انتِ فيه ده حاجة كبيرة أوي ، غيرك هايموت على نصها، طب انتِ مش عاجبك جاسر؟ او حاسة ناحيته بأي إحساس؟

صمتت قليلًا تفكر قبل أن تجيبها :

- هو بغض النظر عن إني دايمًا بخاف منه ومن هيبته  كدة وشخصيته القوية أوي دي، بس انا أبقى عامية ومعنديش نظر لو قولت عليه وحش، دا عامل زي نجوم  السيما ، دا غير كمان نبرة صوته التخينة دي تحسي كدة كلها رجولة و....

قاطعتها كاميليا تهتف بمرح:

- وإيه تاني يابنتِ ؟ ما انتِ حلوة اهو وعندك نظر كمان وبتفهمي ، أمال أيه لزوم بقى التعب ووجع القلب دا كله؟

ابتسمت لها زهرة بخفة قبل أن تتذكر :

- طب انا هاعمل إيه بقى مع رقية ؟ دي قالبة وشها مني ومش راضية تكلمني، ولا خالي دا كمان هاقنعه ازاي بقى بالموضوع ده ، وانا أساسًا مقلقة .

هتفت كاميليا وهي تنهض عن التخت وتجذبها من يداها لتنهض معها:

- بس بقى بلا مقلقة بلا زفت ، تعالي معايا وانا هاقنع رقية ان شاء الله وبعدها نشوف صرفة لخالك اخلصي يالا .

.............................


وعند إحسان التي عادت من زيارة شقيقها لتعلم بالحقيقة الكاملة منه ، بعد سماعها للأخبار التي تواترت في الحارة بالإضافة إلى ما سمعته من غادة صباحًا والتي استقبلتها بلهفة سائلة:

- ها يامُا إيه الأخبار ؟

رمقتها إحسان بنظرة غامضة قبل أن تكمل طريقها حتى تجلس على اقرب المقاعد الذي وجدته أمامها ، تخلع شالها لتجفف به عرقها .

- في إيه ياما ؟ هاقعد ساعة مستنياكي ،  ماتجاوبيني بقى وتريحيني .

هتفت بها غادة بنفاذ صبر ، ردت والدتها من تحت أسنانها :

- عايزاني اقولك إيه يابت الهبلة ؟ اقولك بقى ان العريس اللي بيقول عليه خالك من دولة عربية ، طلع هو نفسه البيه بتاعكم وإن زهرة اللي كنتِ بتتريقي عليها عرفت توقعه وتجيبه على بوزوا .

وكأنها صعقت بماسٍ كهربائي ، نهضت بجسد مهتز ، جاحظة العينان، فاغرة فاهاها بقوة ، لعدة لحظات قبل أن تتمكن من الهمس اَخيرًا:

- جاسر ياما ؟ انتِ تقصدي جاسر ولا حد غيره ؟

ردت إحسان بامتعاض وهي واضعة سبابتها على وجنتها :

- وانتوا عندكوا كام بيه بقى يابت الهبلة ؟

صرخت تندب وتضرب بكفيها على قدميها وقد اخرجتها الصدمة عن شعورها

- اهو دا اللي انا قلبه حس بيه من الصبح وكدبت نفسي ، اهو دا اللي كنت خايفة منه واهو حصل ياما.

هتفت إحسان بخوف عليها :

- براحة شوية لا تتلبسي ولا تأذي نفسك ، ساعتها هاتخسري وتخيبي أكتر ماانتِ خايبة .

توقفت تبكي بحرقة مرددة :

- طب اعمل ياما في حظي المايل ؟ دا انا مخلتش  حاجة ، مكياج ، لبس ، شياكة ، حلاوة زي ما انتِ شايفة كدة ، ناقصني ايه بقى عشان هي تسبقني؟ دي مابتتعبش في حاجة خالص ، يعني ممكن تطلع كدة غاسلة وشها بس على الحجاب الكبير ده ، حتى من غير ما تظبطه على الموضة ، هي بتسحر يعني للرجالة ولا أيه بس؟ ثم انه هو دا كمان ازاي يرضى بيها؟ وهو بيشوف الستات اشكال وألوان ولا مراته ، اه صحيح مراته ، مراته ياما عارفة ولا لأ؟

صرخت بالاَخيرة بإدراك ، فكان رد والدتها بهدوء:

- لا يااختي مش عارفة ، عشان المحروس مش ناوي يقولها ولا يقول لامه كمان ، يعني هايخلي الجوازة عالضيق ، حتى أهل الحارة ماهيعرفوش بيه ، امال خالك النهاردة شاع في الحارة ان العريس باشا من دولة عربية ليه ؟

ردت غادة بغل:

- حلو قوي، يبقى انا بقى هاقول لمراته واوقف الجوزاة من أولها .

- عشان اكتم نفسك بإيدي واخلص عليكِ بالمرة.

تفوهت بها إحسان بقوة أجفلت غادة التي توقفت على قولها مندهشة وتابعت إحسان :

- ياخيبة ياهبلة ، سوا قولتِ لمراته او ماقولتيش الجوازة هاتمشي ، عشان شكل البيه بتاعك ده واقع في البت او عايز يطولها مش فارقة ، المهم احنا فايدتنا فين ؟ ولا انتِ فاكرة يعني لما تقولي لمراته انها هاتديكِ جايزة مثلًا ولا تجوزهولك انتِ ؟

- قصدك إيه ياما مش فاهمة؟

سألتها غادة بتشتت ، أجابت إحسان بمكر:

- هاقولك ياختي ، ماهو المثل بيقول إيه؟ من جاور السعيد يسعد ، ومين عارف ؟ مش يمكن اللي خلاه يبص لزهرة، يخليه برضوا يبصلك انتِ ؟

انطلقت غادة مهللة بلهفة:

- بجد يامُا ، طب ماتفهميني والنبي ، ينوبك فيا ثواب ياشيخة.

اومأت لها إحساس بخبرة وحنكة تقول:

- هاقولك !

................................


في القرب من منتصف الليل كانت في سُبات نومها العميق حينما صدح الهاتف بجوارها بدوي صوت ورود مكالمة، ظلت للحظات تقاوم الإستيقاظ ، ولكن مع استمرار الصوت رفعت رأسها عن الوسادة بنصف وعي تتناول الهاتف من اعلى الكمود بجوارها لترد بصوت ناعس دون أن تنظر لرقم المتصل :

- الوو... ايوة مين ؟

- انتِ لحقتِ تنامي ؟

على الفور انفتح جفناها بإدراك بعد سماعها لنبرة صوته الأجش، ابتلعت ريقها لتسأل بريبة رغم علمها الأكيد بصوته وقد ذهب النوم بلارجعة :

- مين معايا ؟ جاسر بيه؟

وصلها صوت ضحكة مسترخية منه قبل ان يرد :

- يعني عرفتيني اهو ، طب ايه لزوم السؤال بقى؟

صمتت تعض على شفتها السفلى من الحرج، واستطرد هو :

- عاملة ايه ؟

قطبت مندهشة من سؤاله الغريب في هذه الساعة المتأخرة من الليل ، ثم أجابت برسمية :

- الحمد لله كويسة حضرتك .

- إيه حضرتك دي ؟

أردف بالسؤال وتابع لها :

- هو احنا في لسة مابينا رسميات ولا إيه؟ إيه يازهرة ؟.

- ايوة ياجاسر بيه .

اجابت بسجيتها لتفاجأ برده :

- إسمي جاسر بس يازهرة ، تعرفي تقولي جاسر بس ؟ عايز اسمعه منك دلوقتِ.

- هو إيه؟

- إسمي يازهرة، هو انتِ سرحتي مني ولا إيه؟

عضت على شفتها تكاد أن تدميها مع شعورها بالنبرة المتسلية في صوته، ليصلها هتافه باسمها مرة أخرى:

- زهرة !

- أيييوة.

خرجت من فرط توترها بنفاذ صبر ، رد هو بهدوء يغيظ:

- ياللا بقى اندهيني بإسمي من غير حضرتك ولا بيه.

جزت على أسنانه وهي ترفض قول شئ تشعر بثقله على لسانها .

- زهرررة .

- اممم

هذه المرة وصلها صوت ضحكته قبل أن يردف بتصميم :

- ماليش دعوة انا عايز اسمع اسمي حالًا منك دلوقت .

قالت بمرواغة :

- طب ماتخليها بكرة بقى عشان انا تعبانة قوي ونفسي أكمل نومي ؟

- تكملي إيه يابنتي ؟ انت لحقتي امتى تنامي أصلًا ؟ دي الساعة بتوقيت مصر يدوبك تجيب ١١ الليل .

- عادي طبعًا، انا أصلًا دايمًا بنام بدري .

قالت بعفوية التقطها هو يرد بمكر :

- والله ، طب جهزي نفسك بقى عشان انا من دلوقتِ ورايح هاعلمك السهر .

وصله صوت شهقتها فجلجل بضحكة مقهقًا ، جعلها تضرب برأسها على الوسادة مرددة مع نفسها بغيظ :

- دا إيه الوقعة اللي انا وقعت نفسي فيها دي بس ياربي ؟!


....يتبع

اتمنى اكون بعوضكم بالفصول الطويلة 

رأيكم إيه بقى في الحلقة ؟

#امل_نصر

#بنت_الجنوب


الفصل الثامن عشر


بإحدى الدول الأوربية وبداخل جناحه الذي يتعالج به في المشفى العريق ، كان متكتفًا بذراعيه يحدق بابنه الذي شاركه الجلسة على الأريكة الجلدية التي أخذت معظم مساحة الحائط في إحدى جوانب الجناح .

- نعم ياحبيبي ، سمعني تاني كدة عشان انا بايني ماسمعتش كويس.

تبسم جاسر يخفض أبصاره قبل أن يرفعهم الى ابيه قائلًا :

- لا انت سمعتني كويس قوي ياعامر باشا فبلاش تعملهم عليا .

رد عامر بانفعال:

- أعملهم ايه يا ودا انت ؟ هو انت مش واخد بالك من اللي انت بتقوله؟ انت جاي تقولي بالفم المليان انك هاتتجوز ، طب امتى؟ وفين ؟ ومراتك اللي على زمتك دي ياباشا، ولا انت ناسيها ؟

- لا طبعًا مش ناسيها ، بس هي ليها عندي إيه؟ ما احنا جوازنا مع وقف التنفيذ بقالوا سنتين، إيه فرفت بقى لما اتجوز ، دا حتى الشرع محلل أربعة.

قال جاسر ببساطة قابلها عامر بتهكم يرد:

- جاسر ! بلاش ياحبيبي تلف وتدور عليا ، انت عارف كويس قوي ان الموضوع مش سهل ، لا ميرهان هاتقبل ولا والدها ولا حتى أُمك انت نفسها هاتقبل، ولا انت تايه عنها؟

رد جاسر:

- لا طبعًا مش تايه عنها عشان كدة مش ناوي اقولها دلوقتِ خالص ، ومتكل عليك انت كمان ياباشا برضوا ماتقولهاش ولا اكنك سمعت مني خالص .

- ياسلاام .

اردف بها عامر يضرب كفيه ببعضهم وهو يشيح بوجهه عنه قبل أن يعود إليه متابعًا :

- طب خليني معاك للاَخر ونمشي الجوازة زي ما انت عايز ، بعد كدة بقى إيه اللي هايحصل؟ هاتصالح مراتك وتعدل مابينهم بقى ولا إيه بالظبط ؟

رد جاسر بقوة :

- لا طبعًا مافيش صلح والكلام الفارغ ده، الطريق الوحيد اللي فاضل مابيني وبين مريهان ، هو طريق المأذون اللي هايطلقنا، مهما مر الوقت وعدت السنين ، برضوا مافيش رجوع، وهاطلقها يعني هاطلقها.

قال عامر بيأس:

- ياجاسر يابني افتكر المصايب اللي هاتنزل على راس المجموعة لو حماك عرف أو شم خبر ، النسبة اللي مشارك بيها معانا مش هينة دا غير باقي الشركا اللي أكيد هايختاروا صفه وينحازوا ليه عشان مصالحهم معاه ، دا وزير وإيده طايلة في الحكومة.

قال جاسر بعدم أكتراث :

- كل اللي انت بتقوله دا انا عارفه كويس وبرضوا مش فارق ، انا خلاص قررت، يعني مهما حصل انا قابل النتايج مهما كانت صعوبتها، وعلى فكرة انا اقدر من بكرة افك الشراكة واعجل بالمحتوم ، لكن انا بقى بحاول أشغل عقلي واَخد احتياطاتي .

رد عامر بعدم رضا :

- احتياطاتك! بتتكلم كدة بكل ثقة، طب ناسي كمان نسبتها هي ولا المُأخر الفلكي اللي هاتدفعوا لو حصل الطلاق؟

ردد جاسر من تحت أسنانه :

- اهو دا بقى اللي غايظني بجد؟ ولجمني عن طلاقها من أول مانزلت مصر بعد رحلة علاجي في ألمانيا ، بس ماشي خلينا في سياسة النفس الطويل واما اشوف إيه أخرتها .

أومأ عامر برأسه متفهمًا لما مر به ابنه من أوقات صعبة جعلته ينقلب على زوجته التي لم تدعمه أو تقف بجواره وقتها، ثم سأله ملطفًا :

- طب إيه بقى؟ مش ناوي تقولي على اسم عروستك دي ولا تعرفني هي مين؟

انفغر فاهاها بابتسامة رائعة انارت وجهه وهو يتناول الهاتف من جيب سترته ويردد:

- انا مش هاقولك على اسمها وبس ؟ لا دا انا هاخليك تشوف صورتها كمان .

دقق عامر في الصورة جيدًا بعد أن تناول الهاتف من جاسر ، ثم قطب حاجبيه قليلًا قبل أن يلتفت اليه بأستدراك :

- الله، مش دي تبقى السكرتيرة بتاعة مرتضى مدير الحسابات عندنا في الشركة، ودي عرفتها ازاي ؟

رد جاسر بابتسامة شقية :

- لا ماهي مابقتش سكرتيرة مرتضى وبقالها فترة سكرتيرتي انا .

- ياحلاوة، وكاميليا بقى ياحبيبي ؟ سكرتيرة معاها في نفس المكتب ولا خرطتها لل وز .

اطلق جاسر ضحكة رجولية مجلجلة على مزحة أبيه قبل أن يجيبه :

- لا اطمن ياباشا ، موصلتش لل وز ، انا بس رقتها وخليتها تمسك المصنع مع طارق ، جامد ابنك مش كدة برضوا .

اومأ له عامر بابتسامة مستترة وهو ينظر للصورة مرة أخرى:

- هي لدرجادي عجباك ؟ بس دي مش Type بتاعك خالص ياجاسر .

رد على كلمات والده متفكهًا :

- طب وانت اش اعرفك ب Type بتاعيى بس ياباشا ؟ لكن إيه رأيك بقى في زوقي؟

القى نظرة اَخيرة الرجل قبل أن يعطيه الهاتف ويجيبه :

- طبعًا جميلة رغم انها مختلفة عننا ، لكن مدام عجباك بقى ، ربنا يهنيك بيها ياسيدي .

- يارب ياوالدي يارب

ردد بها خلفه جاسر من قلبه، قبل أن يردف والده بقلق :

- ماتزعلش مني، بس انا كنت عايزك تأجل شوية لما تتحسن الظروف او حتى لبعد مااكمل انا رحلة علاجي، عشان لو دخلت الحرب اكون في ظهرك .

رد جاسر بثقة:

- انا عارف ان الحرب جاية جاية، بس بقى المهم، ان لو حصل اللي انت خايف منه ؛ ساعتها زهرة هاتكون في حضني وتحت عيني ، هو دا اللي يهمني وبس .

أجفل الرجل على اللهجة الجديدة لابنه فاعتدل بجلسته يتفحصه جيدًا وقبل ان ينبت فاهها بالسؤال ، انتبه على صوت أقدام أتية نحوهم ، أشار بكفه لجاسر لقفل الموضوع ، وقد علم بمن الزائرة .

- جاسر حبيبي هو انت لحقت تخرج امتى؟ وتيجي على هنا كمان من غيري؟

قالت والدته بلوم وهي تخطي أمامهم برشاقة، شعرها الأصفر القصير أظهرها اصغر من عمرها، ترتدي بنطال أبيض من القماش وفوقه بلوزة باللون التركواز ، زادتها بهاءًا ورقي، لتجلس بجوار زوجها ، رد جاسر بابتسامة مراوغة:

- اعمل ايه ياست الكل؟ ماانا كان معايا مشوار مهم وجيت على هنا بعد ما قاضتيه.

ابتسم والده بارتياح قبل ان يخاطب زوجته :

- جرا أيه يا لمياء ماانتِ كل يوم بتيجي لوحدك ، ولا هو عشان جاسر موجود في البلد ، يبقى لازم رجلك تبقى على رجله. 

برقت بعيناها الخضراء تردف له بغضب:

- وانت مالك انت ياعامر ، ابني وبدلع عليه، فيها حاجة دي؟

تبسم لها جاسر بإشراق يرد:

- طبعًا حقك ياست ماما ، ادلعي واعملي كل اللي انتِ عايزاه كمان.

- ياقلب ماما انت، خُد دي.

اردفت قبل ان تلوح له بقبلة في الهواء تلقفها جاسر بضحكة مجلجلة اثارت انتباه والدته ، التي سهمت بها قليلًا قبل أن تتشجع قائلة:

- وحشتني قوي ضحكتك دي اللي تجنن ياحبيبي ، بس ايه الحكاية بقى؟ هو انتوا اتصالحتوا ؟

قطب قليلًا قبل ان يفهم مقصدها ثم نفى لها برأسه مرددًا بلا ، تابعت والدته بلهفة:

- طب إيه رأيك ، لو اتصلك بميري تيجي هنا تزور والدك وتاخدها انت فرصة عشان ترجع الميا لمجاربها وتعملوا شهر عسل من جديد ، دا البلد هنا تجنن .

تبسم جاسر يتبادلا النظر بيأس مع والده،  من إصرار والدته العجيب على عودته لميريهان ، رغم كل ماتعلمه عنها.

.................................


رقية وهي جالسة بوسط الصالة على كنبتها المعروفة ، تشاهد التلفاز باندماج في أحداث المسلسل ، تفاجأت بمن تلف ذراعيها حول رقبتها لتُقبلها وتعانقها بقوة .

- أوعي يابت بطلي كدة هاتكتمي نفسي .

هتفت عليها متصنعة الغضب وهي تقاومها بذراعيها ، زادت زهرة من التشديد عليها وهي تردد . 

- وحشتيني يارورو ووحشني ضربك ده كمان.

لكزتها رقية بقوة على ذراعها قائلة :

- يابت ابعدي بقى وبطلي تناحة ، دا ايه يااخواتي قلة الكرامة وعدم الدم ده .

قهقهت زهرة قبل ان تقبلها مرة أخرى ترد :

- مدام ضربتيني وهزقتيني يبقى قبلتِ الصلح ، صح يا رورو؟

هدأت عن المقاومة رقية والتفت رأسها إليها بوجهٍ عابس قبل أن تجيبها :

- خلاص يااختي قبلنا الزفت، اتبطي بقى وفكي درعاتك عن رقبتي .

قبلتها قبلة اَخيرة بصوت عالي اثارت تأفف رقية، قبل أن تلتف لتجلس بجوارها بفرحة ، تأملتها قليلًا قبل أن تسألها :

- هو الواد دة عاجبك صح يابت ؟

أجابتها زهرة بسؤال :

- بتسأليني ليه ياستي ؟ هي مش كامليا خلتك تشوفي صورته في التليفون بتاعها .

- شوفته ياختي، طول وعرض وجمال ، زي العيال اللي  شغالين يمثلوا في المسلسل دا اللي في التليفزيون دلوقتِ ، المهم بقى عاجبك إنتِ؟ ارتبكت في البداية قبل أن تجيبها :

- طبعًا أكيد ياستي، امال انا رضيت بيه ليه يعني؟

صمتت مرة أخرى رقية تتفحصها بنظرات كاشفة قبل أن تقول:

- المرة دي سماح عشان بس اقتنعت بكلام كاميليا امبارح لما قالتلي انك اتلبختي ومعرفتيش تتصرفي مابينهم ، ودي حاجة انا صدقتها منها عشان عارفاكِ كويس وعارفة كسوفك 

تبسمت زهرة بارتياح قبل أن تسألها رقية مغيرة مجرى الحديث مابينهم :

- عملتي إيه امبارح لما النور قطع ، مخرجتيش يعني تجري من الأؤضة تستخبي فيا زي كل مرة.

تبسمت بسعادة زهرة وهي تلمح النبرة المعاتبة في لهجة رقية، فمالت عليها تقول :

- قلقتي عليا يارورو ؟ حبيبة قلبي انتِ، على العموم ياستي انا ملحقتش اجري عشان النور وصل بسرعة دا غير اني كنت ساعتها قاعدة جمب الشباك المفتوج ووجاسر كان بيكلمني في الفون .

ردت رقية ساخرة:

- اهاا ياحلاوة ، على كدة بقى جاسر ياحلوة، كان بيكلمك الساعة ١٢ الليل دا انتِ اَخرك تنامي ٩ او ١٠ لحق يعلمك السهر يابت ؟ لا وكمان لسانك خد على اسمه كدة من غير بيه ولا باشا، زي ما كنتِ بتقولي دايمًا؟

ارتبكت زهرة وهي لا تعلم كيف ترد على رقية ، بعد أن أزعجها هذا الجاسر ليلة أمس باتصاله في وقت نومها ثم إصراره على ذكر اسمه في مكالمة استمرت لأكثر من ساعة ونصف حتى كادت ان تنام منه لولا أنه أشفق عليها خاتمًا بجملة مستفزة:

- كفاية عليكِ كدة النهاردة، على العموم الأيام اللي جاية كتير.

تنهدت بغيظ تملكها ومنه ومن مشاكساته الدائمة لها حتى أجفلت من شرودها على نكزة من رقية وهي تهتف:

- بلمتي وروحتي فين انا بكلمك يابت ؟

تعلثمت قليلًا قبل أن تجيبها :

- ممروحتش في أي حتة ياستي ، انا بس افتكرت خالي ، اللي برن عليه من امبارح ومش راضي يرد .

- انتِ بتتكلمي جد يابت؟

سألتها رقية باستفسار ، وردت زهرة :

- والله زي مابقولك كدة ياستي ، طب لو قولنا انه كان مشغول امبارح ، مرنش ليه الصبح زي عادته معانا لما يشوف الرنة؟

لوت ثغرها رقية ترد :

- يبقى أكيد عرف من حد من صحابه الكتير اللي في الحارة، خالد مايتقلكش كدة غير لما يكون زعلان .

- يانهار اسود معقول ؟ 

اردفت بها زهرة بقلق قبل أن تتناول هاتفها باصرار على سماع صوته 

........................... 


وإلى طارق الذي ترجل من سيارته وهو يرد على اتصال هاتفه :

- الوو ... ايوة بقى ياكبير ، اخيرًا افتكرتنا ياعم .

وصله الصوت الأجس :

- يعني انت اللي افتكرت بقى تتصل، اتنيل على عينك .

اطلق طارق ضحكة جهورية وهو يلج لداخل مصنعه قبل أن يرد:

- إيه الالفاظ البيئة دي ، هي طنط لميا مش قاعدة جمبك ولا ايه ؟

ردد الاَخر :

- لا ياخويا مش قاعدة جمبي .

صمتت قليلًا طارق يرهف السمع قبل أن يرد :

- أمال إيه بقى صوت النسوان اللي جمبك دة ، هو انت سافرت عشان تلعب بديلك ولا إيه ياكبير؟

قهقه جاسر ليرد مابين ضحكاته :

- مافيش فايدة فيك، دايمًا كدة ضميرك مش تمام ، 

دي مش واحدة من اياهم ، دي مديرة المحل، اصل بشتري منها شوية فساتين وحاجات كدة .

هلل طارق بصوته :

- أوبااا، دا احنا اتطورنا قوي وبقينا نشتري هدوم ستات كمان ، فين جاسر صاحبي اللي اعرفه ياناس؟

رد جاسر بحزم رغم ابتسامته :

- بس يازفت هاتفضحنا ، المهم انا كنت بتصل بيك عشان اسألك، خلصت صفقتك مع الجماعة الصينين ؟

أجابه طارق :

- خلصت ياكبير ومضينا العقود كمان، المهم بقى ، هاترجع امتى انت من سفريتك؟

رد جاسر:

- لا ما انا خلاص اطمنت على والدي ، يعني بكرة أو بعده بالكتير ان شاء الله وارجع.

.................................


- يا خالي رد عليا، بلاش سكوتك ده والنبي 

هتفت زهرة نحو محدثها من الجانب الاَخر بعد عدة محاولات من الأتصال الملح، حتى استجاب اَخير لفتح المكالمته، وصلها صوت تمتمة:

- عليه أفصل الصلاة والسلام .

ثم تنهد بثقل قبل أن يجيبها بلهجة جليدية 

- ايوة يازهرة سامعك .

- لا انت مش سامعني ولا راضي تفهمني حتى ، بقولك والله اتلبخت وعقلي اتشتت ساعتها ، انا حتى مش فاكرة دا حصل ازاي ؟

هتفت زهرة بلهجة باكية وانتظرت قليلًا حتى جاءها الرد :

- كبرتي يازهرة واتخطبتي كمان ؟ لا وخالك بقى يسمع بالخبر زيه زي أي حد غريب عنك، دا انا كأن سكينة اتغرزت في في صدري وشقت قلبي من جوا، بقى تتخطبي وابوكٍ هو اللي يقرا فاتحتك ؟! طب وانا ؟! 

سمع صوت شهقاتها وأكمل غير مبالي :

- هو انتِ بنت مين أساسًا ؟ دوكها أبوكي عالورق ، لكن انا ابوكي الحقيقي، لما اسمع اني بنتي اتخطبت واتقرت فاتحتها من ورايا عايزاني احس بإيه ؟

ازداد صوت شهقاتها حتى اختطفت منها رقية الهاتف ترد عليه :

- ماخلاص ياخالد بقى براحة شوية ، يابني انت عارفها كويس، دا تلاقيها اتكسفت ماترد أساسًا .

جاء صوت خالد الحازم :

- ارجوكي ياأمي، اقفلي دلوقتِ انا مش قادر اتكلم .

تفوه بجملته ثم أغلق الهاتف على الفور رغم هتاف رقية :

- ياخالد ، انت ياواد ، ياواد رد عليا .

لم تحتمل زهرة فارتمت لداخل أحضان جدتها تطلق بكاءها الذي أصبح بنشيج عالي 

.....................................


- مساء الخير .

اردف بها طارق بعد أن دلف لغرفة كاميليا واستأذنها للدخول ، رحبت به بابتسامة جميلة:

- مساء الفل ، إيه الأخبار؟

القى أمامها عدد من الملفات قبل أن يجلس مرددًا بزهو :

- شوفي بنفسك وانتِ تعرفي .

شهقت كاميليا بمرح وهي تقرا ما بداخل المستندات مرددة :

- دا انت خلتهم يوافقوا على شروطنا كمان .

مط شفتيه مرددًا بفخر :

- دي أقل حاجة عندي، مواهب بقى .

ابتسمت بفرحة حتى ظهرت أسنانها البيضاء لتقول :

- طبعًا ياعم حقك تقول أكتر من كدة كمان ، دا جاسر باشا هايفرح قوي لما يعرف.

انطلقت ضحكة مجلجلة من طارق قبل أن يرد عليها:

- لا ماهو سمع قبل ماتعرفي انتِ كمان ، لكن مافرحش قوي زي مابتقولي كدة .

صمتت قاطبة بعدم فهم ، فاستطرد هو :

- أصل دماغه مش فاضية هو للشغل والصفقات والكلام الفارغ ده ، عقبال عندك بقى هايتجوز.

اخفصت عيناها عنه بحرج فتابع هو :

- ماتخافيش ياستي انا مش هافتن ولا ابلغ حد ، ماانا عارف اللي فيها مش صاحبه بقى ، يعني مُطلع على الموضوع من أوله، بس اقسم بالله ماكنت اتوقع .

ردت هي اَخيرًا :

- وانا كمان مكنتش اتوقع برضوا ، ولا كنت اتوقع كمان الحركة اللي عملها عشان يقنع زهرة، دا تقريبًا بمفاجأته دي اللي عملها كان قاصد يشل تفكير البنت.

بابتسامة متوسعة رد طارق :

- قصدك يعني عشان فاجئها بوالدها ، طب كنتِ عايزاه يعمل إيه طيب ؟ ما البنت كمان راسها ناشفة ومترددة ، وجاسر شاطر بيخلق فرصة من تحت الأرض ولا انت تابهة عنه؟

- لا طبعًا مش تابهة عنه ، بس الكلام دا في الشغل مش الحياة نفسها .

قالت كاميليا وجاء رد من طارق :

-  طب والشغل ولا الحياة نفسها إيه ؟ ماهو كله واحد ، بس بصراحة بقى عاجبني عشان بيعرف يوصل للي هو عايزه ، واللي انا شايفه بقى، هو عايز صاحبتك أوي ، ياريت هي تحس بيه.

وكأن بكلماته كان يتحدث عن نفسه ، جاء الرد الحاسم من كاميليا :

- لو كان إحساسه صادق بالفعل هاتحس بيه، اما بقى لو كانت نزوة وخلاص، فالست قلبها دليلها أكيد .

أومأ برأسه وقد ألجمه منطقها ، يستوعب بعقله كل حرف من كلماتها .

.............................


بعد عودته من الخارج وبداخل غرفته بالمنزل الذي استأجره سابقًا لوالديه حتى ينتهوا من رحلة علاج الوالد ، كان يتفحص في أكياس المشتريات التي ملئت التخت أمامه ، ليتأكد إن كان غفل شئ ما ، الأحذية وملابس الخروج وأدوات التجميل والعطور ، والملابس ال.....

توقف بابتسامة عبثية حينما وقعت يداه على الاَخير ، يتفحص ما بداخله بدقة ويخرج كل منامة منهم على حدة ، ليرفعهم أمامه ويتخيل رد فعل زهرة حينما تتفاجأ بهم، شعر بتسلية غريبة عند تذكره لمشاكسته لها أمس حينما ضغط عليها بإلحاح لترديد أسمه بدون ألقاب رغم خجلها الذي كان ينعش قلبه من الداخل وهي ترواغ بسذاجة للتهرب ولكنه كان لها بالمرصاد حتى نطقت اسمه اَخيرًا ، والذي كان وقعه على أذنه أجمل من أجمل اغنية سمعها بحياته ، تدفق الحماس بداخله وهو يتناول الهاتف يتصل بها ليعيد الكرة، وجاء ردها بعد وقت ، بصوت خفيض كالهمس :

- الوو .. .

- الوو..... ايوة يازهرة عاملة ايه ياقلبي؟

جاءه الرد منها بضعف فاقدًا للذة الأمس :

- الحمد لله .

قطب يسألها بقلق :

- مالك يازهرة ؟ هو انتِ تعبانة ؟

وصله صوت شهقة مكتومة قبل أن تجاوب بالكذب:

- لا كويسة مافيش حاجة .

اثارت غضبه فهدر بصوته :

- ماتبطلي بقى تنكري وانتِ عارفة انك مفقوسة ومابتعرفيش تكدبي أصلًا، ايه اللي مزعلك ولا تاعبك ؟

على صيحته انطلق صوت بكاءها بحرقة ، تنفس بعمق يهدأ من غضبه، ثم حاول مهادنتها :

- خلاص يازهرة اهدي وماتزعليش مني ، بس معلش بقى خدي نفس طويل كدة عشان انا مش هاسيبك غير لما تتكلمي .

حاولت من جهتها تنظيم أنفاسها والتوقف عن البكاء قليلًا ، جعلته يردف :

- حلو قوي ده ، ممكن بقى تقوليلي عن السبب اللي مخليكِ منهارة بالشكل ده .

صمتت قليلًا قبل أن تخرج إجابتها :

- خالي زعلان مني.

- خالك زعلان منك ليه ؟

سأل باستفسار ، فانطلقت هي عائدة لوصلة بكاءها مرة أخرى ، مما جعله يمسح بكفه على صفحة وجهه مرددًا :

- تاني برضوا يازهرة ، يابنتي فهمي وبعدها ارجعي للعياط من تاني

..................................


في اليوم التالي .

وفي مكان اَخر داخل أحد المخازن الضخمة بصحراء إحدى الدول العربية ، كان واقفُا بقلمه ودفتره يدون البضائع الصادرة بالسيارات الضخمة ، والواردة منها أيضًا ، يمسح بمنديله الورقي العرق الذي أغرق جبهته وجميع وجهه حتى رقبته وأعلى قميصه الذي ارتداه منذ قليل فقط ، ولكن بفضل الحرارة الحالية كالعادة لم يتحمل ، تنهد بثقل وهو يردد لنفسه :

- احنا بس اللي مكتوب علينا نتحمل! 

أجفل فجأة على هتاف أحد العاملين بأسمه بصوت أجنبي عن أهل البلدة يردف بالعربية الركيكة :

- ياخالد ياخالد ، هناك من يسأل عنك .

- مين يا بني اللي عايزني ؟ الكفيل ولا صاحب المصنع ؟

سأله خالد باستفسار ، ولكن الرجل اومأ بكفه يراقص رقبته بحركة حفظها خالد وهو يردد له :

- الله أعلم ياأخي ، احد الرجال أخبرني لأبلغك أن هناك من ينتظرك بصحبة المدير بداخل مكتبه ؟

قطب قليلًا يتسائل بحيرة :

- وكمان مع المدير ! ربنا يستر

زفر بضيق قبل أن يتحرك  وهو يناول العامل الأجنبي الدفتر ليأمره بحزم :

- طب خُد وسجل انت الصادر والوارد على ما ارجع انا مش ناقص عوق ووقف حال.

وانسحب على الفور يغمغم مع نفسه:

- يعني اللي عاوزني ده ، مكنش قادر ينتظر على ما تخلص الوردية؟ جيبها جمايل يارب.

..............................


وصل بحيرته إلى غرفة المدير الذي أمره بالدخول فور أن سمع بطرقته على الباب ، دلف طارق لداخل الغرفة المكيفة ، يلقى التحية على المدير والرجل الاَخر الجالس أمام المكتب :

- مساء الخير .

ردد الاثنان التحية ثم وقف مديره يتقدم نحوه قائلًا بترحيب :

- ادخل ياخالد وسلم على الضيف الذي أتى إليك مخصوص .

قطب خالد باستغراب وهو يصافح الشاب الثلاثيني ذو الهيئة المهندمة بارتداءه ملابس فاخرة تنضح بالرقي .

- أهلًا بيك يافندم .

شدد الاَخر بمصافحته مرددًا :

- أهلًا بيك ياخالد .

تعجب خالد وقبل يسأل عن الهوية وجد مديره يستأذن للخروج :

- طب انا هاسيببكم بقى تاخدوا راحتكم ، منور ياباشا.

القى الرجل جملته الاَخيرة وهو يخطو مغادرًا ، فارتفع حاجب خالد مرددًا الكلمة باستغراب .

- باشا ! 

انتقل بعيناه نحوه بتساؤل فوجده يبتسم لها .

- هو انت مين ياباشا كدة بالظبط ، وعايزني في إيه؟

سأله خالد مباشرة ، واجابه الاخر على الفور:

- انا جاسر الريان .

ضيق خالد عيناه قليلًا بتفكير ، قبل أن يستدرك مرددًا:

- اااه .

اردف بها وهو يعتدل بجلسته واضعًا قدمًا فوق الأخرى ، بلفته انتبه لها جاسر قبل أن يقول :

- اهلًا وسهلًا بيك ياجاسر باشا، لكن ياترى بقى إيه سر الزيارة الكريمة؟

أجابه جاسر بهدوء:

- انت عارف انا جاي ليه ياخالد ، بدليل القعدة اللي قصدت تقعدها أول ما سمعت إسمي ، انا جايلك عشان نصفي النفوس، انا لو قابلتك في البلد ، أكيد يعني مكنتش هالجأ لابوها ، ثم ان والدها هو الولي الشرعي على فكرة .

عاد لجلسته الأولى خالد يردد بغضب :

- انا اللي ابوها مش محروس ، انا اللي أول واحد شيلتها وكبرت في ودنها لما اتولدت ، انا اللي ضميتها في حضني على عمر سبع سنين ، لما اختي افتكرها ربنا في حادثة خلت زهرة تفقد النطق لمدة شهرين ، شهرين وانا الف بيها عالدكاترة لحد مااستجابت ونطقت، انا اللي ربيت زهرة لحد اما بقيت كدة وردة مفتحة وعروسة يتمناها اي راجل، انت لو كلفت نفسك وسألت أي عيل صغير في الحارة ، كان هايقولك مين كبيرها زهرة عشان تروحلوا وتطلبها منه، مش تبعت لابوها يجيلك الشركة عشان تطلبه منه .

اردف الأخيرة بصيحة غاضبة نحو جاسر الذي فضل التريث قليلًا في الرد حتى يمتص غضبه ثم قال :

- ماشي ياسيدي انا بعتذرلك ، بس عايزك بس تقدر ان انا وضعي حساس ومش عايز أبان في الصورة دلوقتِ لحد اما انظم أموري واحل مشاكلي ، انا عارف انك ابن بلد وبتعمل حساب للضيف ، اشحال بقى لما يكون ابن بلدك اللي جايلك بطيارة مخصوص عشان يراضيك .

تبسم خالد بسخرية يرد :

- حلو الشغل ده ، بتعرف تلعب على مشاعر الخلق صح ، على العموم تمام وهانعديها ، رغم ان الزيارة دي لو جات من البداية كانت الأمور اختلفت بكتير ، المهم بقى واللي عايز اعرفه منك، اشمعنا زهرة ؟

اجفله بالسؤال بعد وصلة من التقريع ، اللتزم جاسر بضبط النفس حتى يجيبه :

- هاجاوبك ياخالد رغم غرابة السؤال وهاقولك ، القبول دا من عندك ربنا ، وانا من أول ماشوفتها عجبتني .

- امممم .

تفوه بها خالد قبل أن يرد باستعلاء :

- والله كون انها تعجبك فدا شئ عادي، انا بنت اختي تعجب الباشا ، ياااا باشا، لكن بقى مش شايف حاضرتك ان الفرق ما بينك وبينها في العمر كبير ، يعني مثلًا زهرة في يونيو الجاي هاتكمل ٢٥ سنة ، لكن حضرتك اللي يشوفك مايديلكش اقل من ٤٠ .

ابتسم جاسر يعض على شفتيه قبل أن يرد :

- حركة حلوة منك ياعم خالد عشان تعرف سني، بس على فكرة بقى ، انت لو سألتني مكنتش هاتردد واقولك، انا عمري ٣٤ يعني الفرق يدوب تسع سنين واظن يعني ان دا مش فرق كبير ، ولا انت إيه رأيك ؟

ارتد للخلف مرددًا :

- رأيي ! يعني لو قولتلك مثلًا ان الجوازة مش داخلة دماغي ، هتاخد برأيي وتبعد من نفسك ؟

مازال يحاول ضبط النفس مع هذا المتعجرف، ويتحرى الطريق الاَمن معه ، ولكن يبدوا وكأنه سيصبح عقبة قوية أمامه ، حتى بعد زواجه بزهرة، صمت قليلًا بتفكير ثم رد بزوق :

- أرجو انك توافق ياخالد ، انا عايز زهرة وافتكر انها هي كمان عايزاني ، وكدة ابقى عملت اللي عليا ، وجيتلك مطرحك، ارجوك تبقى رؤوف بزهرة وتنزل قريب وتصالحها قبل جوازنا ، انت أدرى الناس بيها ، زهرة هشة جدًا ورقيقة، أكيد يعني مش هاتستحمل جفاك معاها .

ارتبك خالد وقد أصاب هذا الغريب في تحليل زهرة رغم قصر معرفتها بها ، توقف جاسر ليلتفت اليه قبل ان يفتح باب الخروج :

- ارجوك لو قررت الرجوع بلغني ، وماتشلش هم تذاكر ولا أي شئ ، يكفي بس تأشر .


.... يتبع 


#امل_نصر

#بنت_الجنوب


الفصل التاسع عشر


بطرقة خفيفة دفعت الباب لتلج لداخل المنزل وخلفها ابنتها وهي تردد بصوت تدعي بيه الفرح :

- انتوا فين ياأهل البيت؟ انا جاية أبارك واهني.

انتبهت زهرة عليهم بداخل المنزل وهي تعطي الدواء لجدتها التي التوى ثغرها بامتعاض وهي تشيح بوجهها عنهم .

- اهلًا ياعمتي ، اتفضلي هو انتِ محتاجة عزومة؟

قالت زهرة بعد أن انتصبت بظهرها وخطت لترحب بهم ، التقطها إحسان من نصف المسافة تطبق عليها بجسدها البدين داخل أحضانها وهي تقبلها بوجنتيها بقوة :

- ياختي ياقمر انتِ، كبرتي يازهورة وبقيتِ عروسة تشرح القلب وتملي العين ، هاتي بوسة تاني يابت خليني أشبع منك قبل ما يخطفك العريس مننا.

هتفت من خلفهم رقية من تحت أسنانها :

- براحة على البت ياإحسان، دي مش حملك .

أطلقت ضحكة رنانة تدعي تقبل الهزار وهي تترك زهرة ، لتندفع نحوها مرددة:

- الله ما انا فرحانة يامرات عمي بيها ، مش غلاوتها من غلاوة بنتِ برضوا ، عاملة انتِ إيه بس ياغالية؟

صافحتها رقية على مضض بابتسامة متكلفة ، وفي الناحية الأخرى اقتربت غادة هي الأخرى من زهرة تبارك لها بالأحضان والقبلات وتردد:

- عندك حق والنبي ياما ، الف مبروك ياحبيبتي ، ربنا نصفك اَخيرًا بعد سنين الغلب والشقا.

أومأت لها زهرة بشبه ابتسامة ترد عليها :

- الله يبارك فيكِ ياغادة ويسعدك ، تعالي اتفضلي تعالي 

استجابت لها غادة وهي تسحبها كي يجلسن على المقاعد المواجهة لرقية والتي جلست بجوارها إحسان تقول :

- والنبي يامرات عمي وماليكِ عليا حلفان دا انا من ساعة ماسمعت بالخبر وانا قلبي كدة بيرفرف من الفرحة ، بقى يا اخواتي الباشا ابن البشوات عايز يتجوز زهرة؟ حقا دا ولا في الأحلام، بس إيه بقى ، احنا بنتنا قمر وتستاهل ، اه امال ايه ، ولا انتِ إيه رأيك يازهورة ؟

اومأت لها زهرة بابتسامة باهتة كسابقتها :

- تشكري ياعمتي ربنا يخليكِ 

نكزت رقية إحسان بقبضتها كي تلهيها عن حفيدها :

- منورة ياإحسان بعد غيبة ، ياختي بقالك ست اشهر ماحدش شافك ولا عتبتي البيت .

ضرب إحسان بكفها المنفرجة الأصابع على صدرها :

- يوه يقطعني هما كملوا ست اشهر ، يالهوي عليا وعلى الوقت اللي بيجري بسرعة ، بس يكون في علمك يامرات عمي ، والنبي انا ما ليا ذنب ، المدعوق جوزي هو السبب ، من ساعة ما خرج عالمعاش وهو قاعدلي في البيت كدة زي قرد قطع ، شيلي ، حطي ، اعملي شاي ، حضريلي غدا، ياختي لما طفشني في عيشتي الله يجازيه.

ضحكت ساخرة رقية تقول :

- حتى دي بتشيليها لجوزك يا إحسان ، هو المنيل ده ، لساتوا برضوا على حاله ؟

أخفت إحسان غيظها من رقية ولسانها السليط واتجهت لزهرة تسألها :

- ها بقى ياروح عمتك ، حددتوا امتى ميعاد الفرح ؟

- لا لسة طبعًا محددناش حاجة 

ردت زهرة فجذبتها غادة من الناحية الأخرى تسألها:

- طب مقالكيش هايجيبلك إيه؟

سألتها زهرة بعدم فهم :

- بجيبلي إيه بالظبط مش فاهمة ؟

شهقت غادة مرددة :

- ياهبلة يعني مقالكيش ان كان هايسكنك في فيلا ولا شقة عادية؟ والشبكة بقى هاتكون دهب عادي كدة ولا حاجة تانية من اللي بنسمع عنهم ؟ وشغلك صحيح هاتكملي ولا تسيبيه؟ اقولك احسن سبيه ، بلاشغل بلاقرف ، واسكني يا حبيبتي كدة في حتة كويسة وعيشيليك هانم بومين .

- يومين !

تفوهت بها زهرة بعدم فهم قبل أن تُفاجأ بهتاف جدتها الحازم :

- زهرة ، قومي يابت اعملي عصير ولا اي حاجة لعمتك ولا بنتها .

نهضت زهرة مذعنة لأمر جدتها التي اللتفت للأثنتان بوجه محتقن تقول :

- منورين .

رددن خلفها بارتباك من هيئتها :

- دا نورك انتِ ربنا يخليكِ

.....................................


على كرسي قهوته كان يدخن بشيشته وعيناه على مدخل البناية التي تقطنعها ، ينفث دخان من أنفه خارجًا من أعماق نيرانه في الداخل ، لايصدق ماحدث ، بعد أن شعر باقتراب حلمه بالوصول اليها بعد سنين طوال كانت بالنسبة اليها كالمحرمات بفضل هذا المتعجرف خالد الذي كان يطوقها بحمائية مبالغ فيها ، عقله لا يزال لا يستوعب، بداخله يساوره الشك ان تكون لعبة من محروس؛ و الذي خرج منذ قليل متبخترًا بزهو ، يرمقه بنظرة مستعلية ، هذا التافه الذي كان ينتفض من مجرد النظر اليه ، حتى مزاجه الذي كان يتحكم به ، أصبح الاَن يتصرف من جهة أخرى غير رجاله، تمتم بسبة وقحة عليه قبل أن يلتفت لهذه السيارة السوداء التي توقفت بجوار بنايتها وترجل منها رجل ضخم بحلة سوداء محملًا بالعديد من الأكياس والعلب المغلفة والتي تبدوا كهدايا، غمغم بحنق مرددًا :

- هي الحكاية جد حقيقي ولا إيه 

...................................


وفي الأعلى كانت زهرة مازالت في المطبخ تجهز لهن العصير ، حينما صدح صوت الجرس القديم المزعج فانتفضت غادة متحججة بفتح الباب كي تهرب من نظرات رقية التي توجهها بحدة نحوها هي ووالدتها التي تعرقت مرتبكة من ردود رقية الجافة معها في الحديث بالإضافة لتعليقاتها اللاذعة على الدوام.

- ايوة أيوة ياللي بترن الجرس .

تفوهت بها قبل أن تصل الى الباب لتفتحه فتفاجأت بهذا الغليظ وابتسامة عريضة بوجهه أظهرت أسنانه البيضاء مرددًا لها :

- دا إيه الصدف اللي زي العسل دي ، تصدقي بالله انا كدبت وداني لما سمعت صوتك .

تأففت تضرب بكفها على إطار الباب :

- قال ياقاعدين يكفيكم شر الجاين ، هو انا اخلص من خلقتك في الشركة ، عشان اَجي الاقيك هنا في وشي ؟

رد ببرود :

- بس إيه رأيك بجد؟ انتِ مش شايفة ان الطرق بتاعتنا دايمًا موصلة لبعض؟

زفرت مرة أخرى تهتف بحدة:

- في إيه ياجدع انت؟ ماتظبط كدة واوزن كلامك ، لاحسن وديني لاكون لامة عليك أهل الحارة كلهم.

- في إيه يابت عندك ؟ وبتتخانقي مع مين ؟

أتى الصوت من الداخل ، استدرك نفسه إمام منعًا للمشاكل ، فانحنى بسرعة يتناول الهديا مرددًا بجدية وصوت عالي غاب عنه الهزل :

- انا كنت عايز الاَنسة زهرة ، ممكن تروحي تندهيها؟

زاغت عيناها نحو العلب المغلفة والأكياس المدون عليها اسماء الماركات الفاخرة.

مدت ذراعيها لتتناولهم بلهقة مرددة :

- هاتهم وانا هادخلهم لها .

أرتد بأقدامه للخلف مبتعدُا عنها يقول بلهجة رسمية :

- اَسف يااَنسة ، لازم أوصلهم لزهرة هانم بنفسها.

- زهررة هاانم !

رددت بها جازة على أسنانها قبل أن تهتف للداخل  بصوت عالي :

- يازهرة ، تعالي شوفي اللي جايلك يازهرة .

أتت على النداء مجفلة ، لتجد إمام الذي تقدم نحوها يعطيعا الأكياس والعلب المغلفة بالتناوب وهو يقول لها :

- اتفضلي ياهانم ، جاسر بيه باعتهم ووصاني اسلمهوملك في إيدك .

تناولتهم زهرة مرتبكة ولكنها لم تغفل عن شكره ودعوته للضيافة :

- متشكرة قوي ياإمام ، تعالي طب اتفضل معانا.

أومأ لها إمام يرد بلطف :

- الف شكر لزوقك ياهانم ، معلش بقى انا يدوب اللحق أروح مع عبده ، سلاام بقى يابنت الأصول .

قال الاَخيرة بمغزى نحو غادة التي بمجرد انصرافه اغلقت الباب على الفور ، تختطف الأشياء من زهرة دون استئذان وهي تهرول للداخل :

- تعالي جوا نشوف فيهم إيه؟

دلفت خلفها زهرة بيأس من أسلوبها ، والأخرى بمجرد وصولها الى وسط صالة، أمام والدتها ورقية التي سألتها :

- إيه اللي جايباه وداخلة بيه دا يابت؟

بحركة سريعة التفت برأسها اليها دون الرد ، وهي تتناول أول شئ خرج بيدها من أحد الأكياس لتشهق منبهرة:

- يالهوي ياما عالجمال ، دا نفس الدريس اللي شوفته امبارح عالفاشينستا اللي متبعاها على الفيس وهي لابساه.

- فيشة إيه يابت ؟

هتفت بها رقية نحوها ، فتجاهلتها كالمرة السابقة ، تفتش في باقي الأشياء وقد انضمت اليها والدتها وهي تصرخ بعدم سيطرة:

- يالهوي ياما عالجزمة ولا المكياج دول كلهم ماركة أجنبي .

هتفت بالاَخيرة نحو زهرة التي تسمرت محلها تشاهد صامتة ، فصاحت رقية غاضبة :

- في أيه يامنيلة انتِ وهي ماتفهموني ؟

أجابتها زهرة بخجل :

- دول الحاجات اللي بعتها جاسر ياستي ؟

ارتفعت اليها انظار غادة بنظرة نارية قبل أن تتدارك نفسها و قد انتبهت للنظرة المحذرة من والدتها ، لتفرد وجهها.

- ولما هو كدة ، مش ما تجيبي خليني اشوفهم .

صاحت بها رقية بصوت غاضب جعل إحسان تنهض بالأكياس التي اختطفتها من غادة التي على وشك الإنفجار:

- اهم يامرات عمي ، هو احنا يعني هانسرقهم، دي البت بس بتتفرج عليهم .

تناولتهم منها رقية سريعًا وهي تهتف على زهرة :

- قاعدة بتتفرجي على حاجتك زي الغريب ، مش تقربي انتِ كمان وتشوفي اللي جايبه عريسك ياخايبة .

ردت زهرة بصوت خفيض، محرجة من الهيئة الغريبة لغادة التي ظلت محلها جالسة على الأرض

- ماشي ياستي هاشوفهم، بس هي طارت يعني ؟ 

قالت رقية غير مبالية :

- كدة طب خدي ياختي حطيهم في اؤضتك ، وبعدين اتفرجي عليهم براحتك .

همت لتعترض زهرة ولكن رقية لم تعطيها فرصة :

- خدي يابت اخلصي .

أذعنت زهرة تتناولهم رغم حرجها حتى أجفلت على هتاف غادة :

- ايه ده ؟ دا في علبة صغيرة نسينا مانشوفها .

نهضت سريغًا لتخطفها من زهرة وفتحت غلافها سريعًا ، لتجد ورقة كبيرة ملتصقة فوقها .

- دي باينها علبة شيكولاته و باعت معاها جواب .

اختفطفت منها رقية الورقة قائلة بلؤم :

- بصي على العلبة وشوفيها بتاعة ايه ياغادة ، لكن الورقة ياحبيبتي ملناش دعوة بيها، عيب ؛ دا كلام خطاب يابنتي ، خدي يابت .

وجهت الاَخيرة بحزم نحو زهرة التي كانت تموت من الحرج من فعل جدتها ، أما غادة فكان جسدها يهتز حرفيًا رغم ادعائها التماسك مع النظرات المحذرة من والدتها، خرج صوتها اَخيرًا تخاطب زهرة :

- دي علبة شيكولاتة سويسري زي اللي بيعلنوا عنها في التليفزيون.

لم ترد فقد اندمجت في قراءة السطور الأنيقة بالورقة ذات الرائحة العطرة

" يارب يكون عجبتك الهدايا، انا بعتلك جزء بسيط ، عشان الأهم خليته في انتظارك لما توصلي بيتك ، دوقي بقى الشيكولاتة دي هاتعجبك قوي على فكرة "

غادة والتي لم ترفع عيناها عن زهرة بكل ماتحمله من مشاعر الحقد نحوها؛ وضعت غيظها في سحب القطع الصغيرة من العلبة تتناولها بنهم يساعدها الطعم الخرافي لهذا الصنف الجديد والذي لم يسبق أن تذوقته في حياتها ،  رمقتها رقية بذهول فانتبهت والدتها تجرها مستئذنة للخروج ، قبل أن تفضحها وتفسد كل مخططاتها .

.................   


في اليوم التالي 

كانت زهرة منكفئة على عملها في المكتب ، حتى سقط منها القلم ، فدنت برأسها للأسفل تتناوله حتى شعرت بظل أحدهم ، رفعت رأسها فتفاجأت به أمامها وأظهرت تعابير وجهها الأندهاش كالعادة ، ولكنها هذه المرة لم تلحق أن تشهق، فضحكته المجلجة جعلتها تتماسك، حتى قال لها بصوته الأجش:

- هو انتِ كل ماتشوفيني هاتتخضي؟ 

تبسمت له قائلة بحرج وهي تنهض عن مقعدها :

- حمد الله عالسلامة.

صمت عن الضحك وقد أطربته الجملة التي كانت تقطر كالشهد من فمها ، وجهها الصبوح جعله يندم على مرور الأيام السابقة بسفره دون أن يراها فيهم، كانت تجول عيناه على ملامح وجهها المحببه اليه؛ وهو يطبق على كفيه داخل جيبي بنطاله ، يكبح الرغبة الملحة بداخله والتي تدعوه لاحتضانها كي يبث إليها أشواقه التي لم يسبق في حياته أن شعر بها نحو أيًا كان من البشر وأيًا كانت معزتهم في قلبه، بعد فترة من الصمت رد اَخيرًا :

- الله يسلمك ، عاملة انت إيه بقى؟

أومأت برأسها قائلة بصوت كالهمس :

- الحمد لله كويسة .

تنهد مطولًا وقلبه يضرب داخل صدره بقوة فرحًا برؤيتها، قبل أن يقول:

- طيب جهزي بقى الملفات وأي حاجة متأخرة وهاتيهم ورايا المكتب.

أومأت برأسها وتحرك هو يجر أقدامه مجبرًا نفسه لتركها والذهاب إلى مكتبه.

................................... 


أثناء مرورها للذهاب الى كافتيريا الشركة تقابلت عيناها بعماد الذي كان اَتيًا منها ، فابتسم لها كالعادة وهو يلقي نحوها التحية ، اومأت له بابتسامة متكلفة حتى ومض عقلها الشيطاني بتذكرها لما يكنه عماد نحو زهرة ، على الفور توسعت أبتسامتها تدعي المودة نحوه حتى اقتربت منه توقفه :

- صباح الخير ياعماد، عامل إيه النهاردة؟

رد عماد بابتسامة مشرقة رغم دهشته من سؤالها وهو يلوح لها بفنجانه:

- صباح الفل ياست الكل ، عامل قهوة ياستِ تشربي؟

ردت غادة :

- لا ياخويا انا محباهاش قوي يعني، هي اللي بتحبها صحيح زهرة بنت خالي ، دي بتعشقها.

أكمل على قولها:

- فعلًا ، بس زهرة بقى مزاجها في القهوة المخلوطة باللبن، دي بتحبها قوي .

- اه صحيح عندك حق، دا انت حافظ مزاجها كمان ياعماد ؟

قالت بمكر ، فاستجاب هو بابتسامة مخفضًا عيناه عنها يرد:

- زي مابتقولي كدة يعني بتعجبني شخصيتها رقيقة كدة وواضحة قوي .

أخفت امتعاضها من تغزلها بزهرة ثم قالت بتأثر :

- هي على كدة بقى عجباك، دا انا كمان كنت ملاحظة ان الشعور متبادل مابينكم .

لاحظت اشراق وجهه بعد سماعه لكلماتها ثم استطردت بخبث:

- بس ياخسارة .

قطب يسألها باستغراب :

- خسارة ليه بقى ؟

مصمصت بشفتيها ترد بتنهيدة كبيرة:

- كان نفسي قصتكم دي تكمل ياعماد، بس بقى زهرة اتقدملها واحد غني أوي وهي وافقت بس عشان والدها اللي أصر عليه.

- انت بتقولي إيه؟

هتف عماد بوجه مظلم نحوها فقالت هي:

- والله زي مابقولك كدة، اصل زهرة شخصيتها ضعيفة وما بتعرفش كدة تتمسك بالحاجة اللي بتحبها أو عايزاها، بصراحة الصفة دي مضياقني أوي فيها ......

اشتعلت عيناه وتسابقت انفاسه قبل أن يعطيها فنجان القهوة باستئذان :

- معلش يا غادة ممكن تاخدي ده، وشوفي بقى ان كنتِ هاتشربيه ولا ترميه في الزبالة .

تناولته منه وذهب هو مغادرًا من أمامها بسرعة، تسبقه شياطينه، نظرت في أثره بابتسامة متوسعة ، ترتشف من الفنجان الذي أصبح بيدها بتلذذ 

...................................


دلفت لداخل مكتبه ولكنها تفاجأت بخلو مقعده ، وقبل ان تبحث بعيناها سبق هو بهتافه عليها: 

- انا هنا يازهرة .

التفتت على الصوت وجدته جالسًا بأريحية على الإريكة الجلدية في الجانب،الاَخر من الغرفة، فتقدمت نحوه مرددة :

- طب انا كنت جايبالك الملفات عشان تمضيهم .

تناولهم منها وسحبها لتجلس بجواره قائلًا :

- هاتي الملفات ياستي وخليهم جمبي ، بس خلينا بقى في المهم .

- إيه هو المهم ؟

سألته باستفسار قبل أن تفاجأ بالعلبة المخملية التي تناولها من سترته ، يخرج لها خاتمًا مزين بفص كبير من الألماس ، سألته مذهولة :

- إيه ده ؟

- دا خاتم شبكتك يازهرة .

أردف بها وهو يتناول كفها التي نزعتها على الفور معترضة:

- لا ماينفعش البسه .

سألها باستغراب يشوبه الريبة :

- ليه لأ يازهرة ؟

صمتت قليلًا ثم خرج صوتها بحرج :

- معلش متزعلش مني ، بس انا بصراحة مش عايزة أي حاجة تتم غير لما اَخد موافقة خالي، انا مقدرش اعمل أي حاجة وانا حاسة كدة انه زعلان مني .

تنهد بيأس وهو يعود بظهره للخلف ثم رد :

- طب اعمل ايه انا أكتر من كدة ؟ دا انا روحتلوا البلد اللي بيشتغل فيها مخصوص واترجيته ، اعمل ايه تاني عشان يقبل؟

أطرقت زهرة رأسها بحزن مردفة:

- دا حتى بطل مايرن زي عوايده ، انا خايفة ليكون غضبان عليا ، ودي حاجة لو حصلت انا لا يمكن اسامح نفسي عليها.

اومأ لها متفهمًا :

- لا اطمني طبعُا هو أكيد مش غضبان عليكِ ، هو بس بيقرص عشان يعرف معزته عندك .

رفعت رأسها إليه قائلة بتمني :

- يارب ياجاسر يكون كلامك صح .

قالت بعفوية التقطها هو يميل برأسه إليها قائلًا بمكر :

- حلو أوي وطالع كدة من بقك زي العسل .

حركت رأسها تسأله بتفسير:

- هو إيه اللي زي العسل ؟

- جاسر ، ياقلب جاسر انتِ .

قال بمرح غامزًا بعيناه ، جعلها تخفض أنظارها بخجل منه، فقال يزوم بحماس :

- اممم انا لو فضلت اكتر من كدة ، هاخطف خالد من البلد اللي موجود فيها واعملها قضية دولية .

اعتلي ثغرها ابتسامة رائعة كادت أن تطيح بعقله ، قبل أن يستدرك نفسه مخرجًا من جيب سترته شيئًا اَخر يعطيه لها :

- دا بقى مالكيش حجة انك ترفضيه .

تناولت منه الهاتف ذا اللون الذهبي باستغراب مردد :

- ايه ده كمان ؟

- دا تليفون يازهرة ، بدل اللي انتِ ماسكاه في إيدك .

اردف جاسر وعيناه نحو الهاتف الصغير الذي خبئته زهرة من أنظاره على الفور لتعترض :

- ايوة بس انا ماينفعش ......

قطعت جملتها على أثر نظرة محذرة وهو يومئ لها بسبابته قائلًا بسيطرة :

- في دا بالذات بقى مااسمعش صوتك ، انا حطيت الخط وسجلت اسمي ، عشان لما ارن عليكي منه تردي على طول فاهمة.

أومأت برأسها بخوف من هيئته التي تذكرها بجاسر القديم، اما هو فالتوى فمه بابتسامة قبل أن يرد :

- حلو ، تعالي بقى عشان اعلمك بيتفتح ازاي ؟ واعرفك بالتطبيقات اللي عليه واعرفك كمان بتشتغل ازاي ؟

.........................................


خرجت من مكتبه تحمل بيدها عدد من الملفات التي طلب مراجعتها والأيد الأخرى كانت تُمسك بالهاتف الذي أعطاه لها، وقد تولى مهمة تعليمها على استخدامه وفتح التطبيقات به، حتى أنه أنشأ حسابًا لها على موقع التواصل بالفيس بوك، تبسمت بارتياح وقد فاجأها بالجانب الجديد من شخصيته في الصبر على تعلمها هذه الأشياء الجديدة عليها، وقعت عيناها بتعجب على من يقف أمامها بوسط الغرفة متخصرًا ، متجهم الوجه ، بهيئة لم تعهدها منه سابقًا طوال المدة التي عرفته بها .

- في حاجة ياعماد ؟ 

سألت وهي تقترب من المكتب واضعة عدد الملفات على سطح المكتب وفوقهم وضعت الهاتف الذي لفت نظر الاَخر فاقترب يمسكه مشيرًا به:

- دا الكلام طلع بجد بقى .

تناولت الهاتف من يده سائلة بدهشة:

- هو إيه اللي بجد ؟

مال برأسه نحوها قائلًا بحدة:

- انك قبلتي تبيعي نفسك وتتجوزي الراجل الغني عشان ترضي والدك.

ارتدت للخلف بأقدامها وقد صدمتها كلماته تردد :

- إيه اللي انت بتقوله ده ؟ ومين قالك الكلام ده أصلًا؟

تقدم منها أكثر وهو يهتف بغضب :

- هو دا اللي هامك؟ عرفت منين؟ ومش هامك انك

تتنازلي عن نفسك وكرامتك لما تتجوزي بس ارضاءًا لأهلك ، حتى لو كان شوال فلوس.

- اومأت بسبابتها نحوها ترد بعدم استيعاب:

- إنت تقصدني انا بالكلام دا ياعماد؟

واصل تقدمه نحوها يهدر وهي ترتد للخلف:

- أيوة اقصدك انتِ طبعًا ، امال اقصد الحيطة اللي وراكي مثلًا؟ انتِ ازاي كدة اصلًا ؟ ازاي تبقي جميلة ورقيقة وبنفس الوقت تكوني شخصية مهزوزة وضعيفة؟ ليه ما تعترضيش وتصري على اختيارك ..

صمت قليلًا قبل ان يتابع تقدمه نحوها وهي ترتد حتى التصقت بالحائط ، فاقترب منها مائلًا برأسه يقول بلهجة مترجية :

- ليه ماقولتليش ولا حتى لمحتي يازهرة عشان اقف جمبك او اقف في وش البني اَدم ده اللي عايز يشتريكي بفلوسه؟ ليه لما شوفتك في الكافتيريا وسألتلك على اللي مزعلك انكرتي وماتكلمتيش ليييه؟

قال الاَخيرة بصرخة نحوها وهو يضرب بقبضته على الحائط بجوار رأسها ، جعلها انتفضت محلها برعب ، قبل ان يختفي من أمامها فجأة بقبضة قوية على فكه أطاحته أرضًا بعيدًا عنها ، ضربت بكفها على فمها بصدمة حينما رأت صاحب القبضة والذي واصل هجومه برفع عماد عن الأرض من تلابيب ملابسه ، يباغته بعدة ضربات عنيفة على وجهه وجسده والاَخر يصرخ بأسمه :

- استنى ياجاسر بيه ، اسمع مني الأول وافهم .

دفعه نحو الحائط بعنف جعل الاَخر يصرخ من ألم ظهره ، فقال جازًا على أسنانه :

- بتتعرضلها ليه ؟ مالك ومالها ؟

صرخ عماد :

- والله ما بتعرضلها ولا كنت عايز أذيها ، انا بس كنت بسألها عن حاجة تخصني وتخصها.

هدر جاسر وهو يرجه بقوة ، رغم تماسكه واصراره على عدم قتله :

- إيه هو اللي يخصك ويخصها عشان يخليك تتجرأ عليها بالشكل ده؟

هتف عماد :

- لو سمحت ياجاسر بيه، دي حاجة ما بيني وبين زهرة ، يعني ماينفعش اقولك عليها.

كمطرقة من الحديد الساخن ضربت رأسه بقوة فجعلته يلتف برأسهِ اليها ، وعيناهُ تطلق شررًا من جحيم استعر بداخله ، فسألها :

- انت صح في مابينك ومابين الواد دا حاجة ماينفعش يقولي عليها .

نفت برأسها ووجها المغرق بالدموع :

- والله مافي مابيني وبينه أي حاجة ، غير المودة اللي بتبقى مابين الزملا وبس في مكان العمل. 

- ولا أي حاجة يازهرة!

هتف بها عماد بعدم تصديق قبل أن يدفعه جاسر بقوة نحو على الأرض صائحًا  :

- تخرج من هنا وعلى باب الشركة حالًا ، ماشوفش وشك تاني .

نهض عماد ينفض ملابسه ، وعيناه تنظر نحو زهرة بألم وخيبة أمل، لا يصدق فعلتها وانكار ماتحمله بداخلها نحوه .

- اخلص بقولك ياللا .

صرخ بها جاسر وهو يتابعه بنفاذ صبر، متحديًا جمع الموظفين الذين أتوا على أصوات الشجار فوقفوا يتابعون خلف الغرفة ، منهم غادة التي كانت تراقب مايحدث كباقي الموظفات و مرفت صديقة ميرهان والتي كانت تقف بجانب وحدها، خرج اَخيرًا عماد ، فهتف جاسر نحو موظفيه بصوت هادئ يحمل في طياته الوعيد :

- دقيقة واحدة بس ، ولو لمحت أي موظف ولا موظفة بعيد عن مكتبه دلوقتِ ، ها يحصل اللي خرج دلوقتِ حالاً.

سريعًا هرول الموظفين من أمامه، ليعودا لأماكنهم ، وقبل أن تتم الدقيقة كانت الساحة خالية الا منه ومنها فقالت مخاطبة له بخوف :

- كداب في كل كلامه ياجاسر و.....

شهقت قاطعة جملتها حينما رأته مندفعًا نحوها بصمت، ليسحبها من كفه يدخلها معه داخل المكتب الذي أغلق بابه جيدًا.

................................. 


تذرف الدمعات على وجنتيها كالسيول دون توقف ، وهو واقفًا كالجبل أمامها لا تهتز له شعرة ولا حتى يظهر وجهه التأثر ، يحدجها فقط بالنظرات النارية التي تزيد بداخلها الخوف، حتى خرج صوتها بارتعاش :

- صدقني ياجاسر والله مافي أي حاجة مابيني ومابينه .

- امال هو جايب الثقة اللي بيتكلم بيها دي منين ؟

سألها بحدة ، أجابت بانهيار:

- والله مااعرف، هو كاان بس......اا

اقترب منها يسأل مضيقًا عيناه بريبة:

- كان بس إيه؟

- كان مجرد تلميحات منه، وانا مافيش مرة رديت بكلمة أو نظرة حتى .

قالت بسجيتها فهدر صارخًا :

- بس عشمتيه، ودي ألعن ، لو كنتِ وقفتيه عند حده من أول مرة مكانش ساق فيها .

هتفت بدفاعٍ عن نفسها:

- ساق في إيه ؟ دا كان كل كلامه مرسل ، يعني ممكن يعدي عادي مع أي واحدة.

- لا مش أي واحدة يازهرة، الواد ده كان كل تصرفاته واضحة معاكي ، بس انتِ اللي بتنكري .

صرخته جعلتها تتوقف عن البكاء ناظرة الى وجهه الذي تغيرت ملامحه وانفاس صدره الحادة تصعد وتهبط بسرعة ، قبل أن يرد اَخيرًا بلهجة هادئة مريبة :

- عايزك تروحي وتجهزي نفسك، تشوفي ايه اللي ناقصك وتدونيه في ورقة عشان مافيش وقت.

- مافيش وقت لإيه ؟

سألت ولم يجيبها بل استطرد متابعًا :

- النهاردة بالظبط هابعت لوالدك نحدد ميعاد الفرح في خلال يومين أو تلاتة بالكتير.

- ازاي يعني ؟ طب وخالي؟

صاحت بها ، رد هو غير مبالي :

- هو حر ، انتِ عندك ولي شرعي؛ اللي هو أبوكي ودا اللي يهمني انا وخلاص .

قال والتف يوليها ظهره فهتفت خلفه :

- يبقى هارفض ياجاسر ، عشان انا قولتك مش هاكمل حاجة من غير خالي .

استدار اليها سريعًا بوجهه الغاضب يهدر :

- كلام الدلع ده كان في الأول، كان عندك فرصة تقولي اَه او لأ، لكن دلوقتِ لا يازهرة ، عشان مش جاسر الريان اللي هايقبل بعيلة صغيرة تلعب بيه فاهمة ولا لأ.

صمتت بقهر وقد ألجمتها حدته عن الرد أو المجادلة في الدفاع عن حقها ، وكيف يصح لها الكلام معه الاَن؟ وقد عاد الى هيئته القديمة أو حقيقته التي غفلت عنها هي مؤخرًا ، جاسر الريان مديرها المخيف.

..................................


فتح باب استراحته التي سكن بها منذ أن أتى الى هنا واستلم وظيفته في هذا المكان الغريب عنه، عائدًا من ورديته المسائية يجر أقدامه المتثاقلة بصعوبة من التعب ، ليرتمي بحذائه على سريره الحبيب، وقد أهلكه الاجهاد حتى عن خلعه،

أغمض عيناه يبتغي الراحة للحظات قبل أن ينهض ليتحمم ويجهز عشاءه ، لقد ضغط على نفسه كثيرًا هذه الايام بمضاعفة العمل بزيادة وردياته؛ حتى يرحم عن رأسه بالتفكير ، بداخله رغبة لو استسلم لها لطار على الفور عائدًا لبلده كي يتقبل الصلح معها ويقف بجانبها ، ولكن أين يذهب بوجع كرامته وقد اَلمه ان تتناساه وتختار والدها في شئ مهم كهذا ، أنست تاريخ أباها المظلم لما حدث معها قديمًا وأدى لوفاة والدتها ؟ أم أنها اختارت حياتها غافلة عن من ضحى بسنوات شبابه من أجلها .

تنهد بثقل قبل أن يتناول هاتفه وينظر به لسجل المكالمات كعادته منذ الأزمة التي حلت بينهم ، ليرى ان كانت تتذكره بالإتصال أم أنها يأست ونسته لتعيش حياتها.

قطب مندهشًا تسجيلها لرسالة صوتية ، فهذه ليست من عادتها ، مط بشفتيه مستغربًا قبل أن يفتح التسجيل ليسمع منها .

" كدة برضوا ياخالي هونت عليك ؟ هانت عليك زهرة بنت عمرك زي ما كنت بتقول دايمًا؟ طب انت عارف اني عمري ما اتحمل جفاك عني ، يبقى تتقل عليا كدة ليه؟ اعمل ايه عشان تصالحني واشوفك او اسمع صوتك من تاني؟ اعمل ايه عشان اترجاك توقف جمبي وتبقى سندي؟ ياخالي ابويا اتفق مع جاسر على ميعاد الفرح في خلال يومين ، يرضيك ياخالي اتجوز من غير ما اشوفك ، طب يرضيك ان ابويا اللي كان سبب اصلي في موت امي ، يبقى هو وكيلي ؟"


..... يتبع 

#امل_نصر

#بنت_الجنوب

الفصل العشرون 


مستلقية بجانبها على فراش تختها ، كفها تحت رأسها على الوسادة ، تتابع بأعين يقظة خيوط الضوء المتسللة عبر النافذة المغلقة، والمنذرة ببداية الصباح ، 

لا تصدق أن هذا هو يومها كما يقال، لا تصدق أن أمرًا كهذا يتم بهذه السرعة ودون إرادتها ورغبتها، لا تصدق انها ستغادر غرفتها ومنزلها وجدتها وتسكن وحدها مع رجل غريب عنها بمنزله ، رجل أذاقها من الدلال وكلمات الغزل يومين قبل أن ينقلب لصورته الأول ويعود لتجبره وتسلطه معها ، كيف لها أن تعترض الاَن بالوقوف أمامه ومجابهته وقد غاب عنها سندها ومصدر أمانها دائمًا بسببه ؟!

مسحت بكفها الدمعة التي سقطت على وجنتها سريعًا قبل أن تنهض بجزعها تلملم شعرها الذي تنحل عقدته دائمًا مع نومها ، ثم نهضت بعدها عن التخت وقد أجمعت أمرها بالمضي قدمًا فيما قُدر إليها ، تاركة أمرها على المدبر الذي لا يغفل عنه شئ

ذهبت للمطبخ لتحضر وجبة الفطور قبل أن تذهب لغرفة جدتها التي وجدتها هي الأخرى مستيقظة، جالسة بجذعها تنظر في الفراغ بشرود ، ويبدوا على وجهها علامات الهم ، وهي تعلم بداخلها جيدًا السبب وراء ذلك.

اقتربت تتصنع الأبتسام وهي تهتف باسمها:

- إيه يارقية ؟ دا انتِ صاحية اهو، قال وانا اللي كنت شاغلة بالي بصحيانك .

ختمت جملتها بقبلة على رأسها ، قابلتها رقية بنظرة غامضة قبل تلوي فمها المطبق وتشيح بوجهها عنها. 

- انتِ لسة برضوا لاوية بوزك مني ياستي ؟

سألتها زهرة بعتب وهي تجلس بجوارها ، تنهدت رقية قبل أن ترد عليها :

- أمال عايزاني يعني اعملك إيه؟ اقوم اترقصلك مثلًا ، حمد لله مشلولة .

كلماتها البسيطة كانت تلسعها كالسياط ، وهي المجبرة قليلة الحليلة ، لا تجرؤ على التفوه بالحقيقة حتى لاتزيد على أحزان جدتها ، فيكفي عجزها ومرضها أيضًا ، ضغطت على شفتها وهي تدعي عدم الفهم قائلة:

- يعني هو انتِ لازم ترقصي ؟ ياستي كفاية تفرحيلي ، ماينفعش بقى تفرحيلي .

ردت رقية وقد احتدت عيناها في النظر اليها:

- بت انتِ، ما تعملهومش عليا ، انتِ عارفة كويس قوي انا قصدي إيه ؟ 

اومأت برأسها تقول لها:

- عارفة ياستي ومقدرة كمان ، بس هاعمل ايه انا بقى؟ جاسر مضطر يتم الجواز بسرعة عشان عنده ظروف قوية لكدة .

ردت رقية باستنكار رافعة شفتها العليا :

- ظروف إيه دي يااختي اللي تخليه يلم جوازتك منه في ظرف ايام قليلة من غير حتى ما ربنا يقدره يستنى خالك ، خالك يازهرة اللي رباكي وكأنك حتة منه ولا انتِ نستيه يابت؟.....

هنا لم تقوى زهرة على الإنكار أكثر من ذلك ، فخرجت شهقتها المكتومة بعنف ، جعلت رقية تلتف برأسها إليها مجفلة ، فوجدتها تبكي بصوتٍ مكتوم ووجها مغرق بالدموع ، انفطر قلبها لرؤيتها فجذبتها سريعًا لداخل أحضانها ، تشدد عليها بذراعيها وهي تردف :

- بس لو تفهميني ايه اللي صايبك، بدال ما انا حاسة نفسي كدة زي الأطرش في الزفة.

كانت تبكي وفقط ، تفرغ مع دماعاتها الحزن والقهر من داخلها ، ورقية تربت على ظهرها بحيرة ، حتى سألتها اَخيرًا :

- هو بيهددك بحاجة يابت ولا ماسك عليكِ ذلة؟

انتفضت زهرة تخرج من أحضانها تنفي وهي تمسح بكفيها لتزيح اثر الدمعات :

- لأ طبعًا انتِ ليه بتقولي كدة ياستي؟

تنهدت رقية قانطة وهي تضرب بكفيها ترد عليها :

- طب عايزاني اقول ايه بس ؟ وانا شايفة الوضع كدة مش مريحني، دا غير كمان خلقتك انتِ اللي متغيرة ، حتى لو كنتِ بتمثلي الضحك والفرحة قدامي انا كشفاكي يابت .

ابتسمت زهرة رغم ماتشعر به على فراسة جدتها قبل أن ترد :

- طب لما انتِ كشفاني كدة وحاسة بيا، ليه بقى زعلانة مني؟ مش تقدري كدة خوفي ممن دنيا جديدة داخلة عليها .

ردت رقية وهي رافعة حاجبها بتشكك :

- يعني انتِ كل المشكلة عندك ، هو خوفك من الدنيا الجديدة اللي داخلة عليها ؟ وخالك بقى نستيه؟

- انسى مين بس ياستي ؟

هتفت بها تبتلع الغصة المؤلمة بحلقها قبل أن تُكمل :

- انا عارفة إن خالي عمره ما هايتخلى عني حتى لو غلطت ، وعلى العموم انا عملت اللي عليا معاه في الإتصال والمحايلة ، والباقي عليه هو بقى !

غمغت الاَخيرة بصوتٍ خفيض لم يصل الى رقية التي انتبهت على صوت جرس المنزل :

- طب قومي ياختي شوفي مين اللي جايلنا على اول الصبح كدة ومش صابر حتى لما الشمس تطلع كويس 

نهضت زهرة تعدل من هيئتها وشال رأسها .

فتحت لتجد والدها يقتحم المنزل مهللًا وخلفه زوجته وبناته الثلاثة :

- صباح الخير ياست العرايس ياقلب أبوكي، عاملة إيه النهاردة؟

لم تجيبه زهرة فقد انشغلت عنه بتلقي المباركة والتهاني من زوجة أبيها سمية وهي تحتضنها بمودة حقيقة:

- ياحبيبة قلبي ربنا يتمم بخير يارب ويفرحك يازهرة .

ردت زهرة بابتسامة ممتنة قبل أن تعيد الكرة مع صفية وشقيقاتها الصغار ، الحسنة الوحيدة لأباها كما كانت تقول دائمًا .

فرك خلفهم بكفيه محروس قائلًا بحماس:

- ها يازهورة ، جهزتي نفسك بقى؟

هتفت رقية نحوه من الداخل :

- جهزت نفسها لإيه بس ياراجل انت؟ هو احنا لسة اصطبحنا ولا فطرنا حتى .

اندفع اليها متبخترًا يقول :

- الله بقى ، مش لازم اسأل انا واطمن على كل حاجة ، بحيث بقى لما تيجي عربية العريس اللي هاتخدنا عالفيلا بتاعة الباشا ، يلاقينا جاهزين ومش ناقصنا حاجة ولا إيه ياحماتي ؟

- يييييه، دا رجع يقولها من تاني ، وانا اللي قولت اني استريحت منها ، الله يسامحك على الورطة السودة دي ياحاج ويرحمك .

غمغمت بها بقرف رقية وهي تشيح عنه بوجهها ، قبل أن تلتفت على كلمات سمية :

- زهرة ياحبيبتي ، خلصتي كل حاجتك ولا عايزة مني مساعدة؟

- حاجة ايه ؟

تسائل بها محروس ببلاهة قبل أن تنهره رقية :

- وانت مالك انت؟ مش جيت ونبهت على ميعاد الباشا بتاعك ، جر عجلك بقى وانزل تحت استنى عربيته، احنا مش فاضين .

غمغم محروس بكلمات غير مفهومة بحرج وهو يخرج من الشقة ويتركهم ، فور مغادرته اللتفتت سمية لزهرة تسألها :

- ها ياحبيبتي مردتيش يعني ؟

ردت زهرة متبسمة:

- حاجة ايه بس ياخالتي ؟ هو انتِ شوفتيني يعني جايبة الجهاز اللي مالي البيت ، دي كلها شوية هدوم عبيت بيها الشنطة ، والباقي يعني، حاجات بسيطة مش مستاهلة 

- خلاص ياقمر ، ادخلي انتِ الحمام خدليك شور زي مابيقولوا البنات كدة ، على ماانا روقتلك الحاجات دول ، وصفية بقى تحضر الفطار

- تسلمي ياغالية يابنت الأصول ، نردلك تعبك يارب في بناتك ياحبيبتي .

هتفت بها رقية لسمية التي ردت :

- تعب ايه بس ياخالتي ؟ وانا يعني عملت حاجة؟

شهقت رقية قائلة بشقاوة :

- اهاا دا كفاية تعبك معاها امبارح ياختي وهي دي شوية ؟

تغير وجه زهرة وهي تنهض مغادرة بحرج ، ضحكت لها سمية وهي تقول لرقية :

- كسفتيها ياخالتي ، وبنت بنتك دي مشكلة لوحدها .

لوحت رقية بكفيها الاثنتان امامها في الهواء تردف وهي تلوك فمها على الجانبين:

- إنتِ هاتقوليلي ياختي ، ما انا عارفاها خيبة .

٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠


خرجت كاميليا من بنايتهم ، متوجهة إلى سيارتها كي تلحق بصديقتها التي نبهت عليها من الأمس بالذهاب اليها صباحًا اليوم، متخلية عن يوم عمل لها بالشركة، وصلت إلى سيارتها وقبل أن تهم بفتحها فوجئت بمن يهتف عليها بإسمها ، التفتت فوجدته أمامها يقترب بخطواته إليها، رفعت نظارتها الى مقدمة شعرها وهى تقول باستغراب :

- عماد .

رد وهو قد وصل إليها :

- أيوة عماد ياكاميليا ، انتِ عاملة إيه؟

ردت وهي تمط بشفتيها :

- كويسة ياسيدي ، بس انت اخبارك إيه بقى ؟

اومأ برأسه بابتسامة خفيفة يرد عليها :

- كويس انا ياستي والحمد لله ، لقيت شغل جديد بعيد عن عزبة الريان وابنه .

اومأت برأسها تبتسم بحرج وتردد

- حلو قوي يا عماد ، انت شاطر أساسًا وشغلك مطلوب في كل الأماكن .

اجفلها مباغتًا بسؤاله:

- هي عاملة ايه دلوقت؟

- هي مين ؟

سألته باستفسار ، أجابها هو :

- اقصد زهرة ياكاميليا ، رغم انها اتخلت عني وقت الخناقة ، بس انا عاذرها ، ما انا برضوا غلطان في اندفاعي عليها بدون تفكير ، وهي أكيد خافت من الفضايح ، يعني كان لازم اقدر .

تبسمت بخفة تجيبه :

- خلاص ياعماد ولا يهمك ، انا هاكلمها واقولها اطمن و ما تقلقش .

همت لتتحرك ولكنه اوقفها قائلًا :

- مقلقش ازاي بس يا كاميليا؟ وانا قلبي بياكلني وخايف عليها لتتجوز الراجل ده اللي بتقول عليه غادة ، انا مش....

- بتقول مين ؟

هتفت كاميليا مقاطعة واستطردت سائلة :

- هي غادة اللي قالتلك على موضوع العريس ، وقالتلك بقى اسمه ايه كمان؟

- لا مقالتش ياكاميليا.

تنهدت بارتياح قبل أن تستمع لباقي كلماته .

- بس انا عايز اعرفه وعايز اشوف زهرة عشان اوقفها عن جوازها منه .

جحظت عيناها فردت بذهول:

- توقف مين يابني ؟ ماخلاص يا عماد كل واحد يشوف نصيبه ، ثم انت وهي مكانش في مابينكم حاجة يعني عشان تديك الحق توقف جوازها زي مابتقول .

قال بإصرار :

- لا كان في مابينا اعجاب متبادل ياكاميليا ، بدليل ان بنت عمتها بنفسها لاحظت وقالتلي .

جزت على أسنانها تتمتم بالكلمات الغاضبة نحو هذه الغادة، واستطرد هو برجاء :

- كلميها والنبي يا كاميليا ، قوليلها ان عماد مستعد يتقدم ، وعندي بدل الشغلانة اتنين ، اينعم انا مش هابقى غني زي اللي اتخطبتلوا ، بس على الاقل مش هاخليها محتاجة حاجة، خليها تقنع ابوها بكدة .

تعرقت وارتبكت أمام الحاحه وهي لا تجد من الكلمات المهونة له ، ولا تريد خداعه أيضًا فزهرة زواجها اليوم ولو أخبرته ، لربما قام بحركة مجنونة كما فعل سابقًا وكان سببًا في حدث اليوم، ردت اَخيرًا بتهرب :

- طب انا هابقى اشوف الموضوع دا ياعماد واقولك، عن اذنك بقى عشان متأخرة ماشي .

قالت الاَخيرة واستدارت لتفتح باب سيارتها سريعًا ، ردد هو من خلفها هو :

- طب ما تنسيش ياكاميليا اللي قولتلك عليه .

دلفت لسيارتها لتدير المحرك كي تهرب سريعًا من أمامه، وظل هو على وضعه واقفًا حتى تحركت بسيارتها واختفت من أمامه تمامًا.

.................................... 


وفي الحارة انتشر خبر زواج زهرة اليوم من عريسها العربي كما أشاع والدها ، كانت تدلف النساء الجارات على المنزل كي يلحقن بابنة حارتهم لتهنئتها والمباركة، قبل ذهابها بصحبة أهلها ، كانت غادة ومعها والدتها وصلن مع اول إشراق الصباح ، يدعين الفرح والوقوف بجانب زهرة مع مواصلة فضولهن في معرفة كل صغيرة وكبيرة حدثت أو سوف تحدث ، وصلت كاميليا لتنضم الى صحبة المنزل الممتلئ على اَخره من النساء الجالسات بجوار رقية في الصالة ، وصفية وأشقائها يضايفن الجميع بالعصائر والمشروبات ، ألقت كاميليا نظرة نارية نحو غادة قبل أن تتجه لسمية تسألها عن زهرة، أجابت سمية وهي تشير بسبابتها :

- زهرة قاعدة في أؤضتها ياحبيبتي بتلبس لها هدمة للخروج ، حكم العريس اتصل وقال انه خلال نص ساعة والسواق هايوصل وياخدها .

- طب كويس .

أومأت برأسها كاميليا كي تذهب إليها ولكن قبل أن تتحرك القت نظرة اَخيرة نحو غادة .

وحينما وصلت الى غرفة زهرة وطرقت على بابها بخفة ، وصلها الصوت من الداخل :

- أيوة مين اللي على الباب ؟

أجابتها بصوتٍ مرح:

- أنا كاميليا صاحبتك ياعروسة .

فتحت زهرة فور سماعها بالأسم ، لتدخلها وتصفق الباب على الفور خلفها.

خبئت ابتسامة كاميليا وهي تجد النظرة الغريبة من زهرة بوجهها العابس :

- إيه مالك ؟ شكلك متغير كدة ليه ؟ 

تنهدت مطولًا صامتة قبل أن تتركها وتجلس على تختها بشرود ووجهٍ يكسوه الهم ، جلست خلفها كاميليا على الكرسي المقابل لها تسألها بقلق :

- ايه يابنتي جرا إيه ؟ بقى دا شكل واحدة جوازها النهاردة؟

- خايفة.

تفوهت بها زهرة وسألتها كاميليا:

- خايفة ليه ياحبيبتي؟ 

ردت زهرة وهي تزدرد ريقها الجاف:

- مش عارفة صراحة ، ازاي هاتلم مع راجل غريب عني في بيت واحد ، راجل كنت بخاف ما ابصله حتى ودلوقتِ هابقى مراته وو......

قطعت جملتها وصدرها يصعد ويهبط دون توقف بتوتر حقيقي وصل الى كاميليا التي نهضت لتجلس بجوارها ، تطمئنها بابتسامة متسعة :

- يابنتي ليه القلق دا كله بس ؟ هو غول وهايكلك يعني ؟ الخوف والقلق دا شئ عادي عند كل عروسة ، لكن معاكِ انتِ كدة بزيادة ممكن يجيبلك أزمة قلبية .

خاطبتها زهرة بنظرة مترجية :

- بجد ، يعني دا فعلًا شئ عادي؟

ردت بابتسامة مطمئنة قبل أن تقبلها على وجنتيها :

- والله ياشيخة شئ عادي ، لكن انتِ يعني لو مش حاسة بناحيته بأي شعور ، كنتِ قبلتي تتجوزيه أساسًا؟

لعقت شفتيها تجيبها بتفكير:

- مش عارفة صراحة، بس انا لما بسمع كلامه أما يكون رايق بحس كدة براحة غريبة واحيانًا كتير بيبقى فرح، بس بقى لما بيقلب ، بكش في جلدي على طول منه!

ردت كاميليا بابتسامة بشوشة:

- يابنتِ مدام في إحساس؛ يبقى خير والله ، وكل اللي في عقلك دي مجرد خوف مالوش داعي ، قومي بقى جهزي نفسك كدة وفرفشي ، دي نسوان الحارة عامليلك مهرجان ولا اكنك حتى هاتتجوزي أمير خليجي .

استجابت لها زهرة ترد :

- البركة في ابويا وفشره بقى ، دا يعمل من البحر طحينة .

قالت كاميليا بمرح :

- حلو يازهرة ، الصيت ولا الغنى بقى ، وعلى العموم يعني هو مبعدتش كتير ، ماهو جاسر برضو.......

قطعت جملتها على أثر النداء الذي وصل اليهم من خارج الغرفة:

- يازهرة عربية العريس وصلت .

فتحت كاميليا باب الغرفة ، فدلفت غادة قائلة بلهفة لزهرة:

- إمام وصل يازهرة ومعاه كرسي بعجل لستك عشان ياخدها معاكي في العربية ، يالا بقى عشان اركب معاكم انا كمان .

- تركبي فين ياغادة ؟ العربية يدوبك للعروسة وستها .

قالت لها كاميليا بحدة أجفلتها ، وردت غادة :

- طب وايه يعني ؟ ما انا كمان بنت عمتها وزي اختها .

ردت كاميليا مشددة على حروفها :

- مش اختها ياغادة ، ثم ان اخواتها اللي بجد بقى قاعدين مكانهم وهايستنوا العربية التانية ، جاسر باعت العربية دي لزهرة وجدتها بس ، خليكِ انتِ واركبي معايا في عربيتي .

صكت غادة على فكها وهي تلتفت لزهرة تنتظر منها رد فعل ولكن الأخرى تجاهلتها كي تظبط حجابها أمام المراَة ، مما جعلها تغادر وهي تدب بأقدامها على الارض بغيظ

...............................


بداخل السيارة كانت تتابع من النافذة الطرق الغريبة عنها في هذه المنطقة الراقية والتي تظن أنها دخلتها سابقًا ، حينما خرجت من منزله ليلًا ، بعد حادثة السمسار،لكن هذه المرة الرؤية تختلف تمامًا في وضح النهار عما سبق، ترى المنازل المصطفة بتباعد، يجعل كل أسرة تسكن وكأنها في مدينة وحدها ، المجتمع المخملي والتي لم تطمح بحياتها باقتحامه أو حتى الأقتراب منه ، سوف تصبح الاَن جزءًا منه ، أم أنها ستكون فقرة في حياتها وتنتهي حينما ينتهي منها الباشا الكبير كما قالت لها غادة.


قبل يومين


" كانت زهرة جالسة بشرفتها تتأمل المغيب ، وقد جفت دمعاتها بعد انهيارها في الهاتف برسالة سجلتها لخالها ، علً قلبه يرق ويسمعها ، ويرحمها من جفاءه معها ، تريده سندها وسدها المنيع في ألايام القادمة ، وقد أصابها الخوف من عودة جاسر لهيئته القديمة ، واصراره على إتمام الزواج بهذه السرعة في الوقت القليل متحديًا رغبتها في الإنتظار ، تفاجأت بمن تقتحم عليها الشرفة هاتفة :

- ها يازهرة ، دا انا سمعت ان جاسر باشا حدد ميعاد كتب كتابه عليكِ خلال يومين ؟.

ردت زهرة بسأم :

- مش سمعتي من ابويا يبقى صح .

- امممم

زامت قليلًا بتفكير قبل أن تسألها :

- طب وعلى كدة بقى حددتي هاتعملي معاه ايه بعد الجواز؟

هزت رأسها تسألها باستفسار :

- قصدك ايه يعني مش فاهمة ؟

شهقت غادة مستنكرة تردد :

- ياعبيطة٠، بقى مش تحددي انتِ عايزة منه ايه ؟ دا فرصة ولازم تعرفي تستفيدي منها كويس، أو تهبشي منه على قد ما تقدري بعد ماتتجوزيه ، انت ماتضمنيش ياحبيبتي، امتى يزهق منك أو فجأة يطلقك ويرميكي بعد ماتعرف مراته ، دي جوازة على كف عفريت يا ماما .

ردت بصدمة وعدم تصديق وكأن هذا ينقصها:

- معقول دا ممكن يحصل صح ؟

تنهدت غادة قائلة بسأم :

- ومايحصلش ليه بس يابنت الناس ؟ انا بوعيكِ يازهرة ، عشان ماتجيش بكرة تتصدمي لما تطلعي من المولد بلا حمص ، طب استني كدة ثواني .

قالت الاًخيرة قبل أن تبحث في الهاتف قليلًا ، ثم تضعها أمامها لتتناوله قائلة :

- طب بصي كدة وشوفي بنفسك وانتِ تتأكدي .

ردت زهرة وهي تنظر في صور امرأة جميلة بعدة اوضاع في اماكن مختلفة وترتدي ملابس متحررة تشبه النجمات :

- مين دي ؟

اجابتها وهي تراقب تغير ملامحها :

- دي مراته ياحبيبتي بنت الوزير ودي صفحتها ياختي عالفيس، كل يومين تنزل صور من الفسح والسفريات بتاعتها ، شوفتي بقى هي عايشة حياتها وحلوة ازاي ؟ مش بقولك يابنتِ ، لازم تاخدي بالك وتعملي حساب اللي جاي"


- احنا وصلنا خلاص .

فاقت من شرودها على الصوت الغليظ لإمام وهو ينبهها، اخرجت رأسها من النافذة لتجده أمامها ، واقفًا أعلى الدرج الرخامي أمام الباب الداخلي للمنزل في انتظارهم ، وبمجرد توقف السيارة بالقرب منه ، هبط درجاته حتى فتح لها باب سيارتها يستقبلها بابتسامة رائعة وهو يتناول كفها ويساعدها في الترجل من السيارة ، يهمس بجوار إذنها :

- نورت بيتك يازهرة .

التقت عيناها بخاصتيه لتفاجأ بهذا البريق الوامض بقوة داخل مقلتيه ، يعتلي فمه ابتسامة جانبية، قبل ان يتركها ملتفًا حول السيارة ليستقبل رقية التي ساعدها إمام في الترجل على الكرسي المتحرك .

- عاملة ايه حاجة ؟ انا جاسر .

اشتدت ملامحها قليلًا رقية قبل ان تلين اليه قائلة :

- اهلًا ياباشا، مش انت العريس برضوا .

دنى اليها بجذعه يرد بابتسامة :

- ايوة يا انا ياحاجة ، نورتيني .

تنهدت رقية قائلة بلطف :

- دا نورك يابني ، ربنا يتمم بخير .

- ان شاء الله ياحاجة ، تعالي بقى معايا .

قال الاَخيرة ليمسك بالكرسي ويصعد به الدرج أمام أنظار زهرة التي تسمرت محلها وهتف هو ينبهها :

- ياللا يازهرة ، انتِ هاتفضلي واقفة مكانك ولا إيه؟


بداخل المنزل الكبير كان في استقبالهم امرأة خمسنية جميلة الهيئة بابتسامة أنيقة اقتربت منهم ، فقال جاسر يقدمها لهم :

- دي عمتي علية يازهرة، دي اعتبريها صاحبتي مش عمتي .

اومأت لها زهرة بابتسامة رقيقة فاقتربت المرأة ترحب بها وبجدتها .

- أهلًا ياحاجة نورتينا .

- دا نورك ياحبيبتي .

كان رد رقية والتفتت المرأة تخاطب زهرة .

- وانتِ يا قمر ، دا جاسر كان عنده حق بقى .

شعرت زهرة بدفء ومودة نحو هذه المرأة مليحة الملامح مع صوتها الذي ينبض بالحنان فردت بابتسامة متسعة اليها وصوتٍ خفيض :

- تسلمي انتِ ربنا يخليكِ .

قال جاسر :

- طب ياجماعة اسيبكم تتعرفوا أكتر على بعض وانا هاخد زهرة اعرفها على المكان على بال ما توصل الميكب ارتست. 

سألته زهرة بعدم تركيز :

- والميكب ارتست ليه بقى ؟

تناول كفها يسحبها معه وهو يجيبها بابتسامة متلاعبة:

- عشان كتب الكتاب يازهرة ، هو انتِ نسيتي ولا إيه؟

...................................


كأنها في دوامة ، مستسلمة لسحبه لها ؛ تسير بألية وهو يُعرفها بغرف المنزل الشاسع الفسيح ، مع رفاهية لم ترى مثلها حتى في أقصى خيالاتها ، لا تصدق ولا تعترض ولا تشعر بشئ من هذه الفرحة التي تشعر بها العروس في يومٍ كهذا ، وصل بها الى غرفة أخرى كباقي الغرف، ولكن يبدوا أن هذه كانت مميزة ، سحبها لتلج معه داخلها :

- دي بقى هاتبقى أؤضتنا يازهرة .

- أؤضة إيه ؟

للمرة الثانية تجاوبه ببلاهة وعدم تركيز ، اثارت ابتسامة عبثية على وجهه وهو يرد:

- في إيه يابنتي ؟ انتِ النهاردة فاقدة التركيز تمامًا ، بس انا عاذرك برضوا ، تعالي بقى شوف الهدوم اللي انا جبتها ونقيتها بنفسي.

قال الاَخيرة وهو يفتح الضلفة الوسطى في خرانة الملابس الضخمة، أشار لها بيده قائلًا :

- دي بقى هدومك للخروج ، دريسات وهدوم واسعة كلها على نفس النظام اللي انتِ ماشية عليه، حتى شوفي كدة .

قال وهو يناولها إحدى القطع المعلقة بشماعتها ، اومأت له قائلة بزوق :

- حلو وجميل .

- حلو وجميل !

ردد خلفها باستغراب وهو يفتح ضلفة أخرى للبيجامات والملابس البيتية المريحة وهي تهز برأسها التي ذهب منها التركيز الى غير رجعة وحل مكانه صداع غير عادي ، حتى فاجئها بقطعة...... غريبة جعلتها تفوق من غفوتها ، فشدتها منه سريعًا تعيدها مكانها وتقفل عليها باب الضلفة بغضب، ردد هو بعبث :

- ايه يابنتي ، بتشديه كدة ليه ؟ هو حاجة غريبة يعني؟ 

هتفت غاضبة :

- لأ مش غريبة ، بس انت ماينفعش تخليني اشوف حاجة زي دي ؟

- ليه بقى ؟ دا اللي منقيهم ومشتريهم بنفسي ؟

قال بتسلية واستمتاع مما أثار غيظها اكثر ، فهتفت وهي تدب باقدامها مغادرة :

- انا أساسًا اللي غلطانة عشان جيت معاك، وانت جررني كدة من إيدي زي البهيمة.....

أوقفها مقاطعًا قبل أن تخرج من الغرفة :

- ماتقوليش على نفسك كدة يازهرة ، انا مش عيل مراهق عشان اعمل معاكي الحركات القرعة دي .

توقفت محلها متكتفة الذراعين، تستمع اليه على مضض ، واستطرد هو :

- انا عارف انك زعلانة وجواكي احساس اني غصبتك على جوازك مني من غير رضا خالك ، بس انا مكانش ينفع اتأخر أكتر من كدة بعد اللي حصل من الأستاد عماد في الشركة .

- ماينفعش ليه ؟

سألته باقتضاب وكان جوابه :

- مش لازم تعرفي دلوقتِ يازهرة ، خلي كل حاجة في وقتها، المهم بقى تعالي شوفي انا جايبك هنا ليه أساسُا .

تحرك باقدامه حتى اقترب من التخت، فتناول من فوق الفراش ، فستان سهرة باللون العسلي، التمست نعومته من مكانها بدون أن تلمسه ، بقصة بسيطة صممت بيدِ خبيرة، تُظهر جمال الفستان دون تكلف .

- إيه رأيك بقى ؟

- ماهنش عليك تخليه أبيض.

غمغمت بها بداخلها قبل أن تجيبه مطبقة على شفتيها:

- كويس وجميل ، جميل جدًا .

رد جاسر وهو يلقي نظرة أخرى على الفستان وعليها:

- حاسس انه هايطلع يجنن عليكِ ، رغم اني معرفش مقاساتك بالظبط ، بس انا نقيته بإحساسي .

احتدت عيناها قبل تلتف مغادرة من أمامه تعض على شفتها بغيظ منه، أطلق ضحكة مجلجة وهو يعيد الفستان لمكانه كي يلحق بها :

- طب استني طيب ، بلاش الظن السوء دا ، انا بتكلم بنية صافية 

.............................


في المساء وقد حضر العدد المحدود من المدعوين من عائلتها ، ترحب بهم عمته الوحيدة ومعها طارق صديقه ومدير أعماله كارم بالإضافة الى الخدم الموثوق بهم ، حضر المأذون يتنظر بالبهو ، وهي مازالت في غرفتها مع الميكب أرتست ، ومعهم كاميليا التي جهزت نفسها معها بالداخل، أما غادة فاختارت أن تذهب الى أقرب بيوتي سنتر في المنطقة ، مضحية بمبلغ هائل من مال أبيها كي تبهر الجميع بإطلالتها ، وهذ ماحدث حينما اقتحمت المنزل بفستان عاري من الكتفين، وضعت عليه شال خفيف، يخفي ولا يخفي؟ لفتت انظار الجميع إليها وأولهم كان إمام ، الذي شاكسها بنظراته المتفحصة لها كعادته ، تجاهلته هي وارتكزت انظارها على جاسر الذي لم يلتفت أساسًا فقد كانت عيناها مرتكزة نحو الردهة المؤدية لغرفة عروسه، القى نحوها طارق نظرة جريئة كعادته أسعدتها قبل أن تنضم لوالدتها في جلستها مع الجميع في انتظار العروس التي خرجت اَخيرًا بفستانها العسلي بصحبة كاميليا التي ارتدت فستان من اللون النبيتي طويل حتى الكاحل ، أظهر رشاقتها واناقتها الدائمة وشعرها المصفف بعناية ، يتراقص مع خطواتها، بجوار زهرة التي فاجئت الجميع بجمالها ، فستانها الذي انسدل عليها بنعومة أظهر لأول مرة جمال جسدها الملفوف، وجهها الذي لم تطئه فرشاة التجميل سابقًا ، كان اليوم يصرخ بجمالها ، أمام الجميع الذين فغروا أفواههم بذهول نحوها ، كاد قلبه هو أن يتوقف ، ظل متسمرًا محله وعيناه تلتهم تفاصيلها حتى أجفله طارق بنكزة بمرفقه، يهمس اليه:

- فوق يابني مش كدة فضحتنا ، روح هات عروستك مش كفاية ابوها الراجل المبلم ده .

اومأ برأسه بعدم تركيز ، فتحرك بخطواته السريعة نحوها ، حتى إذا اقترب، القى التحية لكاميليا التي بادلته بابتسامة ثم همس بجوار أذنها بصوتٍ متحشرج من فرط مايشعر به:

- قمر يازهرة ، مهما أوصف مش هاقدر اوفي جمالك حقه.

أومأت بخجل وعيناها الجميلة التي رسمت بحرفية تخفضها عن عيناه المتصيدة ، تنفس بعمق وهو يتناول كفها التي اندهش من برودتها قائلًا وهو يسحبها معه:

- إيه يابنتِ ؟ إيديكِ ساقعة أوي كدة ليه؟

لم ترد واستسلمت للسير معه رغم العواصف الدائرة برأسها دون توقف، حتى أجلسها بجوار جدتها التي قبلتها بحنان على رأسها بفرحة حتى كادت توشك على البكاء ، كاميليا والتي وقفت تراقب من محلها وهاتفها بيدها ، تفاجأت بطارق الذي أتي إليها يلقي التحية :

- مساء الخير ، اللي يشوفك يقول عليكِ انتِ كمان عروسة .

ردت بابتسامة رائعة :

- مرسي ، وانت كمان اللي يشوفك يقول عليك عريس .

رد بمغزى :

- يااارب ، يسمع منك قريب ، وتحن اللي قلبي هايموت عليها.

رفعت انظارها اليه بتساؤل قبل أن تلتفت الى الهاتف الذي صدح بيدها ، فاستئذنت منه قائلة:

- طب معلش عن إذنك ياطارق ، عشان عندي حاجة مهمة .

- حاجة ايه ؟

تفوه بها باستغراب وهي تغادر من أمامه نحو باب الخروج ، هم ان يلحقها ولكنه تذكر المأذون وشهادته على عقد زواج صديقه، فعاد للجلوس أمام كارم الذي كان ينظر إليه بملامح مغلفة ، بعد أن تابع حديثه مع كاميليا .

وعند جاسر الذي كان يستعد لعقد قرانه تفاجأ بزهرة وهي تشير اليه بتردد، نهض من مقعده ليجلس بجوارها سائلًا :

- نعم ياقلبي ، عايزة إيه ؟

قالت مستجمعة شجاعتها :

- كنت عايزة اطلب منك قبل مانتجوز ياجاسر .

رد بابتسامة مشجعة :

- قصدك شروط يعني، قولي ياحبيبتي .

اراحها أسلوبها فقالت :

- اوعى تحرمني من زيارة ستي أبدًا ولا في أي وقت ياجاسر.

- عيوني .

اردف بها مشيرًا بسبابته نحوهم ، فتابعت هي :

- والشغل ، أرجوك يعني مهما حصل مابينا ، ماتبعدنيش عنه ، انا مصدقت لقيت نفسي فيه .

نظر اليها بحنان صادق قائلًا :

- مش هاحرمك من الشغل يازهرة .

أكملت بعفويتها :

- وعلى العموم يعني انا ممكن اشتغل مع الأستاذ مرتضى لو حصل أي حاحة مابينا و .....

- مافيش شغل مع حد تاني غيري يازهرة .

اردف بها مقاطعًا قبل أن يعود لمجلسه وقد انقلب وجهه في أقل من ثانية .

عم الهدوء المكان ورجل الدين يبدأ في أول مراسم العقد ، قبل أن ينتبه الجميع فجأة على صيحة رجولية خشنة من المدخل :

- استنى ياعم ، مافيش كتب كتاب من غيري .

ارتفعت انظار الجميع نحوه ثم انتبهوا على صرخة من زهرة التي تناست كل شئ ونهضت مهرولة الى الرجل، غير عابئة بشكلها كعروس مرددة :

- خالي..

تلقفها هو من وسط المسافة يحتضنها بشوق رافعًا أقدامها على الأرض بمسافة مرددًا بمرح مع ضحكاته المجلجلة بقلب البهو الفسيح:

- كبرتي يابنت فهمية وبقيتي عروسة .


.....يتبع 

توقعاتكم للي جاي مع تفاعل حلو كدة وتعليقاتكم الجميلة وانتظروا حلقة لذيذة ان شاء الله .

#امل_نصر

#بنت_الجنوب


تكملة الرواية من هناااااااا


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا







تعليقات

التنقل السريع