القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم امل نصر بنت الجنوب كامله


رواية نعيمي وجحيمها الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم امل نصر بنت الجنوب كامله 







رواية نعيمي وجحيمها الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم امل نصر بنت الجنوب كامله 






بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

نعيمي وجحيمها 

الفصل الأول 


بداخل الصالة الضيقة في البيت القديم المتهالك وعلى الأرض المتشققة بفعل الرطوبة وعامل الزمن، كانت جالسة على وسادة قطنية ومستندة بظهرها على الكنبة الخشبية الصغيرة، نسمات الصباح الباردة والاَتية من النافذة المفتوحة على مصراعيها بوسط الصالة أمامهم؛ تداعب وجهها برقة، جدتها في الأعلى خلفها كالعادة تصفف لها الأطراف التي تعجر بالوصول اليها من شعرها الطويل؛ والذي تعدى خصرها بمراحل، مستمتعة بدفء المرأة العجوز ومزاحها الذي لاينتهي، رغم صعوبة عيشها كامرأة قعيدة منذ سنوات، ملازمة لفراشها دائمًا لعدم وجود المقدرة المادية لشراء كرسي متحرك يساعدها في التنقل والحركة، ورغم ذلك؛ هي دائمًا ماتنشر السعادة حولها بمزاحها وروحها المرحة على الدوام.

- ياستي خلاص كفاية انتِ لسة مخلصتيش؟ دا انت بقيتي بطيئة أوي.

قالت زهرة لتشاكس جدتها التي نكزتها بخفة خلف كتفها بالمشط الخشبي ترد:

- انا برضوا اللي بطيئة يامقصوفة الرقبة ولا انتي اللي شعرك دا مابيخلصش من طوله.

- كبري في قلبك ياستي، هو انتِ هاتحسديني ولا إيه؟ دا انا حتى غلبانة وماملكش غيره والنبي.

شهقت رقية بصوت اثار ضحك حفيدتها بهسترية وهي تردف بانفعال:

- احسدك دا ايه يابت؟ لهو انتِ فاكرة ان شعرك احسن من شعري، اشحال ان ماكنتِ ورثاه عن امك، اللي هي في الأصل بنتي وورثاه عني انا ياقليلة الأصل انتِ .

قهقهت زهرة صامتة مستمتعة بمناكفة جدتها والتي تابعت بغيظ:

- دا بدل ماتحمدي ربنا انك ورثتي حاجة مني، احسن ما كنتِ ورثتي شعر المنيل ابوكي.

- شعر ابويا مين ياستي بس؟ دا طار من زمان ومافضلش فيهم غير شوية على الجانبين فوق ودانه، دا اتبهدل خالص والنعمة.

وصل اليها صوت جدتها وهي تردف باستمتاع :

- ايوة ياختي ماانا واخدة بالي، دا فرق راسه بقى وسع رصيف العربيات ومع ذلك برضوا مش نضيفة ولا بتلمع، فاضلين فيهم ياعيني كام شعرة متنتورين كدة في النص، واكنهم زرع شيطاني في صحرا فاضية هههههه.

توقفت زهرة عن الكلام بعد ان افحمتها جدتها بخفة ظلها فجعلتها تضحك حتى أدمعت عيناها، حتى أجفلها صوت رنين هاتفها الخلوي الصغير من داخل غرفتها، فانتفضت واقفة :

- يالهوي ياستي، دا انا بايني اتأخرت ودي كامليا اللي بتتصل عشان تستعجلني.

- ولا اتأخرتي ولا حاجة، الوقت لسة في اوله بدليل ان المنيلة غادة بت احسان لساها مرزوعة مكانها ، ومطبتش زي القدر المستعجل فوق راسنا.

انهت جملتها رقية، لتفاجأ بصوت الجرس المزعج وصوتٍ نسائي تعلمه جيدًا يهتف من الخارج بميوعة :

- ياللا يازهرة بقى بدال ما نتأخر عن الشغل .

لوحت بكفها زهرة في أتجاه مدخل المنزل لجدتها قائلة:

- شوفتي؟ اهي جات عالسيرة أهيه، ياريتنا افتكرنا مليون جنيه ولا أي حاجة عدلة.

خطت لتتحرك نحو الباب ولكن رقية فاجأتها بجذبها من طرف عبائتها متمتمة بهمس وتحذير:

- لمي شعرك الأول قبل ماتفتحي الباب .

فتحت فاهها لتعترض ولكن أمام اصرار جدتها فعلت مضطرة تلملم شعرها خلف رأسها كدائرة على عجالة، قبل ان تهرول لباب المنزل وتفتحه لغادة التي كانت مائلة على إطار الباب، رمقت زهرة وماتريديه قائلة بحنق :

- لساكي بعبابة البيت؟ هو انتِ عايزاهم يدونا خصم على التأخير في الشركة يازهرة؟

- ربنا مايجيب خصم ياستي ولا حاجة، ادخلي انتِ بس وانا حالًا هاكون مخلصة .

قالت زهرة وهي تخطوا عائدة نحو غرفتها، دلفت خلفها غادة لداخل المنزل تلقي التحية على رقية وهي تنظر بالمراَة الصغيرة التي أخرجتها من حقيبتها لتتأكد من زينتها:

- صباح الخير ياستي، عاملة إيه النهاردة؟

تفحصتها رقية قليلًا قبل أن ترد على تمهل:

- اهلًا ياغادة، ازيك انت وازاي امك إحسان اللي بطلت ماتسأل عني؟

- كويسين والحمد لله، هي بس تلاقيها مشغولة حبتين، لكن اول ماتفضى، أكيد هاتجيلك.

اجابت غادة بعدم انتباه لتفاجأ برد رقية المنتقد وعيناها مرتكزة على ماترتديه:

- طب ولما انتِ حلوة ومطولة الجيبة على ناحية كدة، مش تكملي جميلك وتكملي الناحية التانية، بدال الحيرة دي والواحد مش عارف يشوفها ان كانت طويلة ولا قصيرة !

عوجت غادة فمها بزاوية وهي تردف من تحت اسنانها :

- دي الموضة ياستي ولا انتِ ماسمعتيش عنها؟

تبسمت رقية بسخرية اثارت غيظ غادة قائلة:

- موضة برضوا يابت؟ ودي جابوها في الجرايد بقى ولا في التليفزيون؟

صكت غادة على فكها وهي تشيح بوجهها عن هذه العجوز الماكرة، تعلم انها الخاسرة لو استمرت في الجدال معها، فهي لن تسلم أبدًا من لسانها السليط، ولكن حينما خرجت اليها زهرة من غرفتها وجدت فرصتها في الرد:

- ومكلفة نفسك ليه بس؟ ما كنتِ لبستي شوال أسهل .

- شوال في عينك .

هتفت بها رقية بحدة على الفور، اما زهرة التي أجفلتها السخرية على ملابسها، ففضلت التجاهل وإكمال لف حجابها الطويل، قبل ان تتناول حقيبتها وتخرج معها .


خارج الشقة القديمة في البناية بررت غادة لزهرة اثناء نزولهم الدرج:

- ماتزعليش مني يازهرة بس انا بصراحة بضايق لما اشوفك لابسة الدريسات الواسعة اوي دي، حاجة كدة ملهاش أي منظر وبتبينك تخينة.

ردت زهرة بعتب:

- تخينة ولا رفيعة، مية مرة اقولك إن دا نظامي في اللبس ياغادة، زي انتِ ما بتحبي لبسك يكون محدد جسمك ومبين رشاقته وجماله زي ما بتقولي، انا على العكس؛ بحب لبسي يكون حشمة ودا اللي برتاح فيه.

عوجت غادة شفتها قائلة باستخفاف:

- طب عرفنا انك بتحبي الحشمة وعدم الزواق بالمكياج، طب الحجاب بقى ما ينفعش يبقى حلو كدة وعالموضة بدال الكبير ده واللي مخليكِ زي ستي الحجة .

كتمت زهرة ضيقها وردت بحرج :

- حتى دي كمان نبهتك عليها وقولتلك قبل كدة، انا ماتحملش اي راجل عينه تيجي عليا، يقولوا تخينة يقولوا حجة المهم اكون مستورة وخلاص.

اوقفتها غادة فجاة على إحدى الدرجات حينما صدرت ذراعها على درابزين الدرج؛ تردف بنظرة ذات مغزى اثارت القشعريرة لدى زهرة :

- اقسم بالله انا اكتر واحدة فاهماكي، بقى ياخايبة لما تبقى الواحدة عندها امكانيات جامدة كدة وجبارة بدال ما تظهرهم للناس وتفرح بيهم، تخبيهم وتدفنهم؟ دا انت هبلة اوي .

خرج صوت زهرة الغاضب بنفاذ صبر:

- ابعدي ياغادة خلينا نمشي، وبلاش تلميحاتك المستفزة دي.

ابتعدت عنها تبتسم بسخرية واستخفاف اثار حنق زهرة التي أجفلت على سماع صوت الصرخات الاَتية من شقة ابيها الساكن أسفلهم بزوجته الثانية واولاده منها .

- يانهار اسود، دا باين ابويا بيضرب واحدة من خواتي وخالتي سمية بتحجز منه، تعالي نخش..

قاطعتها غادة تجذبها من يدها :

- لاهانروح ولا نيجي، اخلصي احنا متأخرين على الشغل .

- ياغادة بس خواتي .

- انجري يابت مش ناقصين نترفد.

......................................


بعد ساعة 

وأمام المبني الشاهق الإرتفاع توقفت سيارة الأجرة خاصتهم بالقرب منه، كانت تهرول غادة وهي متقدمة بخطواتها عن زهرة المنشغلة بالحديث مع شقيقتها الصغرى في سردها عن الشجار الذي حدث بينها وبين أبيها.

التفت اليها تخاطبها بحدة:

- يابت مدي رجلك شوية خلينا نعدي الرصيف ونوصل الشركة، دي الساعة خلاص قربت على ٨ وبيننا هانتجازى صح .

أنهت زهرة المكالمة سريعًا وقالت بحدة :

- ماتهمدي بقى ياغادة شوية ، مش كفاية جرتيني معاكي زي البهيمة من غير ماادخل واحجز عن اختي صفية.

- ومالها ياختي اختك صفية بقى؟ ماتت ان شاء الله ولا خدتها الاسعاف .

قالت غادة وهي متخصرة بوسط الشارع، هتفت زهرة عليها بغضب:

- فال الله ولا فالك ياشيخة، مش تخلي بالك من كلامك، دا اللفظ سعد ، والبت أساسًا كانت بتكلمني وهي مفلوقة من العياط، بعد ابويا ماعدمها العافية هي وخالتي سمية معاها عشان بس طلبت منه فلوس الدرس.

مصمصت تلوك فاهها بسخرية:

- وطبعًا طالبة منك انتِ الفلوس، وانتِ وعدتيها ان بعد ماتقبضي النهاردة هاتديها وتأجلي شرا تليفون كويس، بدل عدة النحس اللي ماسكاها من سنين دي، ماهو دا العادي بتاع كل قبض.

صمتت زهرة وملامح وجهها اظهرت صدق توقع غادة التي هتفت حانقة:

- انا اتفقعت منك يابت انتِ، هامشي قدامك وانتِ حصليني، جاتك خيبة فيكِ وفي هبلك .

- الله يسامحك ياشيخة .

تمتمت بها زهرة وهي تفتح حقيبتها الجلدية كي تضع بها الهاتف ولكنها تفاجأت بصدمة بجسم معدني كبير اوقعها وسط الطريق واوقع هاتفها أيضًا، صرخت بجزع، حينما فرق بينها وبين مقدمة السيارة التي كبحت فراملها بحدة أصدرت صريرًا حادًا كي لا تتدهسها والمسافة بينهم لاتتعدى الشبر .

- مش تخلي بالك ياجدع انت .

- انا برضوا اللي اخلي بالي؟ ولا انتِ اللي سرحانة وكنتِ هاتوديني في مصيبة دلوقتي .

هتف بها بحدة سائق السيارة الذي خرج على الفور لزهرة؛ والتي دنت تتناول القطعة الأخرى من الهاتف، كي لا تدهسها السيارة، ثم رفعت رأسها اليه دون رد فتابع السائق بوقاحة؟

- امشي غوري اتعتعي بقى من وش العربية، مش ناقص بلاوي انا على اول الصبح.

- الله يسامحك انا مش هارد عليك .

هتفت بها زهرة وهي تحتجز سيل دموعها بصعوبة جراء الإهانة التي تلقتها، انتقلت عيناها لداخل السيارة الفارهة، فوجدت بها رجلين احدهما كان في الأمام بجوار السائق رجلُ ضخم يبدوا كأبطال المصارعة يحتل المقعد الأمامي، والاَخر كان جالسًا في الخلف، يبدوا بهيئته المهندمة والبراقة بشدة وكأنه إحدى المسؤلين أو احد ابطال السينما المشهورين بوسامته الشديدة، أجفلها هذا الرجل حينما ترك مكالمته التليفونية فجأة، وهتف على السائق:

- في إيه ياعبده؟ خلصنا وفض المهرجان دا بقى؟

رد السأئق ببجاحة وهي يعود لمكانه خلف عجلة القيادة

- اهي بلاوي وبتتحدف علينا ياباشا.

ابتلعت زهرة الإهانة بصمت وهي تتحرك لتبتعد من أمام السيارة الفارهة، لتفاجأ بعودة غادة التي ظهرت من العدم، تجذبها بغير استئذان نحو السيارة قبل أن تتحرك والرجل الجالس في الخلف.

- معلش ياجاسر بيه على اللي حصل، بس بنت خالي عندها ظرف وحش، واكيد ماخدتش بالها وهي معدية قدام عربيتك.

اومأ لها الرجل بكف يده بعنجهية قبل ان يشير للسائق بالتحرك، دون أن يلتفت نحوهم؛ مما جعل احساس الذل يجتاح زهرة التي فلتت ذراعها تصرخ بانهيار

- انت إيه اللي عملتيه ده؟ وايه اللي رجعك اساسًا؟ كنت ناقصاكي وناقصة جنانك مع واحد زي ده، مش كفاية اللي صابني منهم.

وكأنها لم تسمع ظلت غادة على وضعها مراقبة سير السيارة أمامها، حتى اختفت بمكان موضع السيارات داخل مبنى الشركة، ثم التفتت اليها بابتسامة متسعة.

- انا مش مصدقة نفسي وربنا، اخيرًا شوفته عن قرب وكلمته، يالهوي ياما دا حلو قوي من قريب.

لكزتها بقبضتها غاضبة:

- هو مين اللي حلو يازفتة انتِ؟ ماتفوقي بقى احنا لسانا في نص الطريق، ولا انتِ عايزة عربية تانية تدوسنا؟

غادة وهي ترد بهيام :

- دا جاسر بيه ابن صاحب الشركة ياهبلة، لهو انتِ معرفتهوش؟

- ومش عايزة ياستي أعرفه ولا اعرفك انتِ كمان.

اردفت بها زهرة وهي تعدو مبتعدة عنها والأخرى تبعتها من خلفها تردد:

- إستني يازهرة، يابت استني انا مش قادرة اللحق خطوتك من الكعب العالي.

....................................


وبداخل الشركة وأمام المصعد الكهربائي، بعد أن لحقتها بصعوبة هتهفت عليها بلهاث:

- ماخلاص بقى يابت افردي بوزك ده، مش كفاية انك قطعتي نفَسي بالجري وراكي.

تكتفت زهرة دون أن ترد عليها، تكبح غضبها حتى لا تلفت اليها أنظار العمال وموظفين الشركة، ولكن مع إصرار غادة الإحتكاك بها ومداعبتها للتصالح، هتفت بعدم سيطرة:

- بس بقى، مش كفاية خليتي منظرنا زي الشحاتين قدام الراجل ده والسواق بتاعه قليل الأدب.

انتبهوا على صوت طرطرقة من الفم أتت من خلفهم وصاحبته تخاطبهم:

- ايه دا ايه دا؟ انتوا بتتخانقوا ولا إيه؟ طب مش تستانوني طيب عشان اتفرج ولا اقوم بالواجب معاكم 

- قوليلها ياكاميليا، حكم دي عايزة تعملها فضيحة وتلم علينا الموظفين

اردفت بها غادة لصاحبة الصوت فرمقتها زهرة بحدة قائلة:

- أنا برضوا اللي عايزة اعمل فضايح؟ ولا انتِ اللي بتنقصينا قدام اللي يسوى واللي مايسواش.

شهقت غادة ضاربة على صدرها:

- يخرب بيتك!

تبعتها كاميليا مستفسرة:

- هي تقصد مين باللي مايسواش؟

انفتح أمامهم باب المصعد فجأة ليدلفن الثلاثة به، وردت غادة :

- انا هاقولك هي تقصد مين واحكيلك على اللي حصل، عشان بس المجنونة دي لما تقطع عيشك تبقي على علم!

قطبت كاميليا حاجبيها سائلة بدهشة:

- تقطع عيشي انا ليه بقى؟ هو انتوا هببتوا إيه بالظبط؟

...................................


بوقتٍ لاحق 

وسط اليوم واثناء فترة استراحة الموظفين، كانت زهرة جالسة امام مكتب كاميليا، يتحدثن وبيد كل واحدة منهن شطيرتها،

كاميليا وهي تقضم من شطيرتها ويدها الأخرى تعمل على الحاسب الاَلي امامها:

- ماتزعليش منها يازهرة، بنت عمتك خفيفة وماصدقت تلاقي فرصة عشان تكلم جاسر بيه.

- فرصة!

اردفت بها زهرة باستنكار وتابعت:

- دا الراجل مكلفش نفسه حتى يهزلها راسه أو حتى يبصلها، دا يدوبك شاور بإيده كدة واكننا دبان قدامه، انا مش عارفة هي ليه كدة؟ تتكبر على أي حد اقل منها او زيها، انما قدام واحد زي ده، تقلب كدة واكنها شافت ملك قدامها.

تبسمت كاميليا وهي تلتفت اليها:

- مكدبش عليكِ، بس هو فعلًا بالشركات والأموال اللي تخص عيلته واللي بيدرها بنفسه، يعتبر ملك. هو انتِ بجد ماتعرفهوش؟

مطت شفتيها بعدم اهتمام:

- وهاستفيد ايه من معرفته يعني؟ اهو واحد غني زي اللي بنشوفهم في التليفزيون وخلاص، بس هو ازاي ابن صاحب الشركة ودي اول مرة اشوفه فيها؟

ردت كاميليا بتحليل كعادتها:

- ماهو مابيجيش غير في الشهر غير مرة او مرتين تقريبًا، لما يكون في اجتماع مع الباشا الكبير والده، او لما يكون في حاجة مهمة، وانتِ متعينة يدوب من تلت اشهر، دا غير انك مش متابعة السوشيال ميديا، فشئ طبيعي انك متعرفهوش.

زهرة بردٍ قاطع:

- ولا عايزة اعرفه، انا كفاية عليا اوي، ان اشتغل في الشركة دي اللي لحقت فرصتها اَخيرًا بمساعدتك، عشان افضل شايلة جميلك فوق راسي طول العمر

قالت كاميليا باستياء:

- لا ماتقوليش كدة يازهرة، الفضل بإيد ربنا وحده، واحنا يدوب اسباب.

- طبعًا اكيد، بس بجد انتِ تستاهلي كل خير، عمرك ماتكبرتي على حد مننا، رغم المكانة اللي وصلتيلها، لا وكمان فضلتي ورانا لحد ما وظفتينا معاكي في الشركة، بجد انا مش عارفة اقولك إيه؟

اردفت بها زهرة بامتنان نحو ابنة حارتهم، التي كافحت بمجهودها واخلاصها في هذه الشركة العملاقة، حتى وصلت لصفة مدير مكتب رئيس الشركة، ثم مساعدتها هي وغادة في العمل بها، ردت كاميليا متصنعة الحزم:

- بس يابت لا تشكريني ولا زفت، وغوري ياللا على شغلك، البريك قرب يخلص، ولا اقولك استني انا عايزاكي في حاجة.

- عايزاني في إيه؟

سألت زهرة قبل أن يفتح أمامهم باب المكتب الكبير، ليخرج منه احد الموظفين الرجال، والذي اقترب يلقي التحية بابتسامة مشرقة نحو زهرة بمجرد ان وقعت عيناه عليها.

- صباح الخير يااَنسة زهرة، عاملة ايه النهاردة؟

اومأت له برأسها تهمس بخجل اثار التسلية لدى كاميليا التي تركت مابيدها من عمل كي تستمتع بمتابعتهم:

- كويسة والحمد لله، تسلم يااستاذ عماد.

اردف هو بتساؤل:

- اخبار الكمبيوتر بتاعك إيه؟ شغال كويس ولا فيه اي عطل؟

حركت رأسها نافية بصوتها الخفيض:

- لا الحمد لله، من ساعة ما صلحته حضرتك، وهو بقى تمام معايا في الشغل.

رد باهتمام:

- طب لو هنج او قصر معاكي في أي حاجة قوليلي على طول، وانا تحت امرك في أي وقت.

- الأمر لله وحده، تسلم.

اومأت بها هامسة، وهو ظل للحظات متسمرًا مكانه لايريد التحرك، حتى تمكن من جر أقدامه للمغادرة بصعوبة أمام كاميليا التي كانت تتايع بابتسامة على وجهها، حتى اذا ذهب سألتها:

- إيه ده بقى؟ هو عماد عينه منك؟

- وانا ايش عرفني .

قالت زهرة تهز بأكتفاها ووجها تورد بالخجل، جزت كاميليا على أسنانها يضاحكة:

- اموت انا في الحب البرئ وشغل الكسوف ده.

- حب إيه وكلام فارغ إيه بس؟ ايه اللي بتقوليه ده يا كاميليا؟

غمغمت بها زهرة بخجل فنهضت كاميليا قائلة بمرح:

- بت انتِ، انا هاقوم أدخل الكام ملف دول لعامر باشا، استني انتِ هنا حلي المسألة دي على ما اوصلك.

- مسألة إيه؟ 

سألت زهرة وهي تتناول الورقة الكبيرة التي وضعتها أمامها كاميليا والتي أجابتها وهي تعدل من ثيابها قبل التحرك :

- دي مسألة قسمة مطولة، ميدو طالب مني أحلها واساعده فيها، وانت عارفة بقى صاحبتك خيبة في الحساب.

لاحقتها قبل أن تدلف لرئيسها:

- طب والبريك اللي قرب يخلص؟

- البريك فاضل عليه تلت ساعة يازهرة وانا ثواني وخارجالك.

اردفت بها كاميليا وهي تنظر لساعة يدها قبل ان تترك زهرة التي انكفت على الورقة تركز في مسألة القسمة التي امامها باهتمام حتى أجفلت على صيحة من خلفها:

- بتعملي إيه عندك ؟

انتفضت واقفة تلتفت لمصدر الصوت، فجحظت عيناها برعب وسقط قلبها من الخوف وهي تفاجأ بهذا الرجل الذي رأته في الصباح داخل السيارة التي كادت ان تدهسها وهو يتقدم نحوها بوجه متجهم وعنجيهية رأتها منه سابقًا؛ مرددًا بحدة :

- انتِ مين انتِ؟ وايه اللي مقعدك هنا ؟


......يتبع 


الفصل الثاني 


واقفة باعتدال وأناقة، فاردة ظهرها بعزة، من يراها لايصدق أنها مولودة في حارة، فملابسها المهندمة وأسلوبها الراقي في التعامل يعطي صورة مثالية لكل فتاة طموحة مثلها، جاهدت وثابرت لكي تصل لهذه المكانة، في شركة عريقة مثل هذه ومع رجل كعامر الريان، لا يرحم ولا يتساهل بعمله، رغم طيبته ومودته الدائمة لها؛ كانت ممسكة بإحدى الملفات، تنتظر انتهاء رئيسها ورئيس الشركة كلها من مراجعة إحدى العقود قبل أن يمضي بقلمه عليه، رفع رأسه إليها سأئلًا بملل:

- هو انت عايزة الإمضة ضروري النهاردة؟

تبسمت بدهشة قائلة :

- مش انا اللي عايزة ياعامر بيه، دا الشغل هو اللي عايز !

عوج فمه بفكاهة وهو ينظر لورق العقود أمامه على المكتب قبل أن يعود اليها قائلًا:

- بس النصوص اللي في العقد ده كتير قوى، وحاطين شروط كمان ورغي كتير، لا بقولك إيه؛ انا زهقت .

ختم جملته وهو يدفع بملف العقد امامه على المكتب ناحيتها، ضحكت هي بعدم تصديق :

- الله، امال مين بس اللي هايمضي ياعامر بيه؟ اجيب حد من الشارع يعني يمضي مثلًا؟

- وتجيبي من الشارع ليه ياستي؟ هو انا ماعنديش ولاد بقى عشان يمضوا ويشيلوا عني؟

قطبت سائلة بدهشة:

- ولاد! انت قصدك إيه ياباشا؟

أجابها وهو يخلع نظارته ويجيبها منتهدًا بتفكير:

- قصدي اني كبرت يا كاميليا ومعدتش عندي صحة 

للضغط زي زمان.

حركت رأسها بعدم فهم فتابع :

- انا قررت استسلم لزن مراتي ياكاميليا واسافر اوروبا اخدلي أجازة طويلة شوية وبالمرة أكمل علاجي في المانيا.

- طب والشغل ياعامر بيه، مين اللي هايقوم بيه؟

سألت بحيرة ، أجابها :

- ماهو دا اللي كنت عايز افاتحك فيه من الاول يا ست كاميليا ، بصراحة كدة انا عايزك تشدي حيلك شوية في الشغل الفترة اللي جاية، لأن الشركة هاتبقى من ضمن المجموعة اللي بيديرها جاسر ابني، وانتِ عارفة ابني بقى وقته قليل ومسؤلياته كتير.

تمتمت كاميليا بذهول أمام الرجل:

- جاسر بيه! بس دا عصبي جدًا والشغل معاه صعب أوي كمان.

ضحك الرجل مخاطبها:

- وافرضي بس انه عصبي والشغل معاه صعب كمان؛ انتِ قدها ياكاميليا ولا انت معندكيش ثقة في نفسك.

اومات له تتصنع الأبتسام وهي تغمغم بداخلها:

- وأنه ثقة دي اللي تنفع مع ابنك؟!

................................


تلعثمت الكلمات بفمها بعد أن ضاع تركيزها ونست ما كانت تفعله منذ ثوانيٍ قليلة، قبل أن يجفلها هو بدلوفه إليها وسؤالها بتشكك، قلبها يضرب بقوة داخل أضلعها، تشعر ببرودة تجتاح أطرافها خوفًا من هذا الرجل الواقف أمامها بصمت وملامح وجهه المغلفة بغموض وتجهم، تشعرها وكأنها متهمة ويجب عليها اثبات براءتها:

- بتمأمأي ليه ماتردي؟ انتِ مين وبتعملي هنا إيه ؟

أجابت سريعًا:

- انا زهرة سكرتيرة الأستاذ مرتضى حسنين مدير الحسابات، كنت جاية اشوف صاحبتي وماشية على طول اهو والله.

سألها بتجهم رافعًا حاحبه الإيسر بشر :

- ولما انتِ سكرتيرة مرتضى، بتعملي ايه في الملفات هنا في الشركة وكاميليا مش موجودة؟

- أقسم بالله ماهو ملف ولا مستند حتى؟

صرخت بها تدافع عن نفسها وتابعت وهي تناوله الورقة التي تذكرتها اَخيرًا بعد أن رأت نفسها في موضع اتهام بالفعل .

نظر هو للورقة سريعًا ثم عاد اليها يردف باستنكار:

- قسمة مطولة! ليه بقى؟ هو احنا في حصة حساب هنا ولا في شركة محترمة؟ ايه لعب العيال ده؟

صرخته بالاَخيرة جعلت قلبها يكاد أن يتوقف من الخوف فخرج صوتها بقوة رغم اهتزازه :

- مش انا اللي بلعب على فكرة، دي مسألة ادتهاني كاميليا تخص اخوها ميدوا في تالتة ابتدائي، قالتلي اساعدها في حلها عشان تراجعها هي لاخوها بعد كدة...

قاطعها بحزم سائلًا:

- وانت بقى سايبة شغلك في الحسابات عشان تيجي تساعدي كاميليا واخوها هنا؟

هتفت بعدم سيطرة:

- انا مش سايبة شغلي ولا حاجة، انا جيت وشوفت صاحبتي في البريك عادي يعني، واديني ماشية اهو قبل ماينتهي كمان.

- أستني عندك

اوقفها هادرًا بمجرد ان تحركت أقدامها وأكمل

- تخرج كاميليا الأول واتأكد من صدق كلامك، وبعدها بقى ممكن اسمحلك تنصرفي.

تماسكت تقف محلها كما أمرها هذا الرجل المرعب، تمنع قدميها بصعوبةمن السقوط وبداخلها تناجي ربها لخروج كاميليا اليها بسرعة.

سألها فجأة مضيقًا عيناه :

- انتِ البنت اللي اتصدرتِ قدام العربية الصبح واتخانقتي مع عبده السواق؟

رغم دهشتها من تذكره لها ليضيف اليها اتهام اَخر وهي تجزم بداخلها انه لم يكلف نفسه عناء الإلتفاف نحوها،  تمكنت من الإجابة نافية تدافع عن نفسها:

- مش انا اللي اتصدرت على فكرة، سواقك هو اللي كان هايدوسني وهو اللي شتمني كمان من غير مااعمله حاجة.

هز برأسه قائلًا بابتسامة مستخفة:

- يعني انتِ كمان بتجيبي اللوم على السواق مش على نفسك، على العموم كاميليا خارجة دلوقتي، واما شوف حكايتك ايه،

تكتفت بذراعيها ورفعت ذقنها للأمام تنتظر خروج كاميليا بثقة، رغم النيران المشتعلة داخلها، فرد نفسه هو يضع يديه بجيبي بنطاله وسترته عائدة للخلف،  يحدق بها ويتفحصها جيدًا، من حجابها الطويل على غير عادة الفتيات في شركاته، ملابسها الفضفاضة بشدة، وجهها البيضاوي، ملامح عادية لفتاة جميلة لاتختلف كثيرًا عن معظم الفتيات، سوى انها لا تضع شئ من مساحيق الجمال، حتى كحل عينيها التي لم ترفعهم اليه جيدًا ليتحقق من لونهم، رموشها السوداء الطويلة تبدوا طبيعية كباقي ملامح وجهها، انفاسها تعلو وتهبط بأضطراب أو غضب لا يعلم، 

وهي واقفة بتململ من نظراته المتفحصة وعيناها التي لا ترفعهم كالعادة بوجه أي رجل غريب، كانت تتنقل مابين النظر الى باب المكتب الكبير، او الإلتفاف نحو أي شئ في الغرفة، إلا هو.

التفت الإثنان فجأة على فتح باب المكتب الكبير وخروج كاميليا التي سألتهم بإجفال من هيئتهم المتخفزة:

- في إيه؟ هو إيه اللي حصل؟

...............................


بعد قليل 

- ما خلاص يابنتي كفاية بقى، هي حنفية وفتحت؟ كدة الموظفات هاياخدوا بالهم .

همست بها كامليا لزهرة كي تحُثها على التوقف عن البكاء وهي واقفة معها بداخل الغرفة الكبيرة الخاصة بحمام السيدات

زهر وهي تمسح بالمحرمة الورقية وصوتها خارج ما بين بكاءها:

- مش قادرة ياكاميليا، الراجل ده خوفني قوي، دا كان بيقرر فيا وكأني حرامية او بنت حرام.

ردت كاميليا بأسف :

- سامحيني يازهرة عشان كنت السبب في الموقف الزبالة اللي حصل معاكي ده، بس انا كنت هاعرف منين بس ان جاسر الريان هايطب فجأة كدة، بصراحة عامر بيه بكل شدته، مايجيش نقطة في جاسر ده.

- انتِ بتقولي فيها، دا انا حاسة برجلي شايلني بالعافية وجسمي لسة بيتنفص من ساعة ما قابلته وشوفته.

- طب ثواني .

اقتربت منها كاميليا تمسك يدها فهتفت مذهولة:

- يانهار ابيض، دا انتِ إيدك متلجة يابنتي، هو لدرجادي اترعبتي منه؟

اومأت برأسها زهرة وازدادت في البكاء فاأكملت كاميليا:

- يابنتِ اهدي بقى، دا مكانتش مقابلة دي؟ امال انا بقى اللي هايبقى رئيسي في الشغل وتقريبًا ممكن اشوفه يوميًا اعمل ايه؟ انتحر يعني؟

شهقت زهرة قائلة:

- انا مش هاعتب مكتبك دا تاني أبدًا ياكاميليا، وانتِ لو عوزتيتي تبقي تتصلي بيا او تجيني لكن طول ما الراجل ده رئيسك في الشغل انسي ان اروحلك نهائي.

رتبت كاميليا على ذراعها بحنان :

- خلاص ياحبيبتي ولا يهمك، اجيلك انا ياستي ولا تزعلي، بس اهدي كدة انتِ بقى وانسي، دا النهاردة يوم القبض، يعني هاندلع نفسنا بقى ونروش زي الشهر اللي فات ولا انتِ نسيتِ؟ 

اشرق وجهها بابتسامة فهتفت كاميليا :

- ايوة بقى لما جبنا سيرة القبض وشك نور اهو، حبيبتي يازوز اغسلي وشك بقى وفوقي .

....................................

- في مقر شركته الأصلية، كان منكفئ على مراجعة مجموعة من الأوراق والعقود التي الموضوعة أمامها على سطح المكتب، متناسي كالعادة الوقت رغم حجم الإجهاد الذي يشعر به، رفع رأسه فجأة نحو باب المكتب الذي اندفع فجأة بعد طرقة خفيفة من صاحب عمره والذي هتف بملل:

- انتِ لساك برضوا بتراجع في العقود؟ ارحم نفسك يابني شوية بقى.

تبسم له ناهضًا يتقبل عناقه وترحيبه قبل ان يومئ لها للجلوس على الإريكة الجلدية في إحدى زوايا المكتب وجلس هو بجواره فاردًا ذراعيه على اطرافها براحة، وقال :

- اعمل ايه بس ياعم طارق؟ عمك عامر الفترة اللي فاتت وقع على عقود واتفاقيات كتير، وانا مش عايز اغفل عن حاجة منهم، دا غير اني عايز افهم كل صغيرة وكبيرة في الشركة مدام خلاص، هاتبقى تحت مسؤليتي .

- طب إيه؟ انت هاتدير المجموعة من هنا بقى، ولا هاتستمر بنفس الوضع القديم.

سأل عمر باستفسار أجاب عليه جاسر:

- لأ طبعًا دا هايبقى وضع مؤقت على مافهم الجو هنا في الشركة الأول واعرف النظام اللي هاتعامل بيه مع الموظفين.

ربت على ركبة صديقه بدعم :

- ربنا يديك الصحة ياحبيبي ويقويك على المسؤلية الكبيرة دي، بس برضوا؛ انت لازم تراعي لنفسك شوية مش كل حاجة شغل شغل، ان لبدنك عليك حق ياعم ياجاسر ولا إيه؟

مط شفتيه بعدم اكتراث فتابع طارق سائلًا :

- هو انت لسة برضوا على وضعط انت ميرا؟ مافيش أي تقدم في علاقتكم نهائي؟

غمز بوجنته باستخفاف قبل أن ينهض فجأة قائلًا :

- كبر مخك ياعم طارق وخليني اضايفك في مكتب السيد الوالد، تحب إيه بقى، انه حاجة ساقعة من دول ولا اجيبلك عصير أحسن؟

قال الاَخيرة مشيرًا بيده على مجموعة كبيرة من المشروبات الغازية والعصائر، المثطفة بداخل الثلاثة الصغيرة التي فتحها بجوار المكتب.

أجابه طارق :

- لادي ولا دي، هاتلي إزازة ميا اشرب منها وخلاص.

.................................

في نهاية اليوم 

وبعد أن تسوقوا قليلًا بزيارة بعض محلات الملابس والأحذية والهدايا، فرحين بصرف المرتب الشهري، ابتاعت كاميليا طقمين للخروج وحذاء وبعض البيجامات البيتية المريحة، قلدتها غادة في الشراء وزادت بشراء أنواعٍ عدة مساحيق التجميل والكريمات الخاصة بالبشرة، أما زهرة والتي كانت مقررة شراء هاتف جديد تنازلت تؤجل شراءه للشهر القادم حتى توفر ثمن حصص الدرس لشقيقتها وعلاج جدتها، ولكن مع اصرار كاميليا وغادة، اذعنت لإصرارهم وابتاعت لها فستان واسع بألوان مبهجة مع حجاب من الون الوردي انعكس على بشرتها الخمرية والمختلطة بحمرة فزادها بهاءًا وجمالًا، وفي نهاية الجولة لم تسمح لهم ميرانيتهم بتناول وجبة الغداء في مطعم، فاضطروا لشراء شطيراتهم من إحدى العربات المصطفة في الشارع، يكملوا التسكع بالسير ومشاهدة المحلات وكل واحدة بيدها شطيرتها وعلبة مياه غازية .

قالت كاميليا بسعادة:

الله يابنات، دا الخروجة معاكم تطول العمر بجد .

- عشان تندمي انك مشاغلتناش معاكِ من زمان .

قالت غادة متصنعة المزاح، ردت كاميليا بحرج:

- ويعني هو كان بإيدي بس ياغادة، انا كنت في كل مرة يطلبوا فيها موظفين ببعتلكم، وانا موظفة صغيرة، لكن بقى لما وصلت ان ابقى مديرة لمكتب عامر بيه، قدرت وقتها بس اني اتوسط لكم .

رمقتها زهرة بنظرة محذرة قبل ان تخاطب كاميليا بامتنان:

- سيبك منها ياكاميليا هي بتهزر وانتِ عارفة بقى هزارها تقيل، دا انت تشكري ياحبيبتي انك افتكرتينا أصلًا، هو في حد في الزمن ده بيفتكر اصحابه ولا أهله حتى؟

صمتت غادة بخزي قبل أن تغير مجرى الحديث:

- ايوه صح عندك حق يازهرة، طب بقولك إيه ياكاميليا؛ هو انتِ مفكرتيش كدة تشترى عربية أقله عشان ترحمي نفسك من المواصلات وبرضوا عشان الوجاهة وصفتك في الشركة.

تبسمت كاميليا مستجيبة لحديثها وقالت:

- لا ياستي أكيد فكرت طبعًا وبحاول، بس شرا العربية عايز فلوس كتيرة الأيام دي، خصوصًا مع واحدة زيي لساها بتساعد عيلتها، لكن أن شاء الله اقدر اشتري واحدة محندقة على قدنا قريب، عشان أخدكم في المرواح والمجي معايا يابنات .

صفقت غادة مهلله بمرح

- أيوة بقى خلينا نبان هوانم، زي المضاريب الموظفات اللي في الشركة معانا، حبيبتي والله ياكاميليا.

تبسمت الفتاتين لمزاح غادة قبل أن تنتبه زهرة للوقت :

- طب مش يدوبك بقى نروح، انا اتأخرت أوي على ستي وقلبي اتوهوهش عليها.

قالت زهرة بقلق ، استنكرته غادة قائلة:

- قلبك اوتهوهوش ازاي بس يازهرة؟ إشحال إن ماكنتِ بتتصلي بيها كل شوية، دا غير ان اختك صفية مراعيها حسب ما سمعت منك، ولا انتِ صعبان عليكِ تشمي هوا نضيف برة الجحر اللي حابسة نفسك فيه بقالك سنين.

احتقن وجه زهرة بالغضب فسبقتها كاميليا في الرد:

- هي عندها حق على فكرة احنا فعلًا اتأخرنا ويدوبك نمشي .

همت غادة تعترض فلم تُعطيعها كاميليا الفرصة فتابعت:

- السندوتش اللي في إيدي ده ماينفعش اروح ابيه، أنا هاديه للراجل اللي هناك ده، شكله غلبان وعلى البركة .

تأففت غادة وهي تتبع الاثنتان حتى توقفوا أمام رجل رث الثياب، جالس على كرتونة من الورق في ركن اَمن نسبيًا من السيارات والمارة، يهز برأسه ويضحك للفتاتين ببلاهة، تبسمت قائلة:

- يامشاء الله، دا انتوا اديتولوا سندوتشات الكبدة والسجق بتوعكم، وعلبة العصير بتاعتك كمان يازهرة عشان يبلع بيها، يعني ياكل ويحلي براحته كمان.

حذرتها زهرة قائلة:

- خلي بالك من كلامك معاه ياغادة، دا راجل على البركة اَه؛ بس بيفهم .

- اممم على كدة انت صح على البركة ياعم؟

سألت الرجل باستخفاف، فكان رده ان تلاعب لها بحاجبيه يهز رأسه بابتسامة غير مفهومة، جعلت الفتيات يضحكن على فعلته بمرح، شاكسته كاميليا:

- ايه ياعم انت هاتعاكس ولا إيه؟ وانا اللي قولت عليك طيب وجميل .

ردد بأسلوبٍ أثار ابتسامة مختلطة بالأندهاش على وجه الفتيات :

- ماانا جميل واسمي جميل وحتى ابني كمان هاسميه جميل .

- طب قولنا بقى ياجميل لو تعرف، مين فينا اللي هاتتجوز الأول، انا ولا دي ولادي؟

سألته غادة وهي تشير نحوها ونحو زهرة وكاميليا أيضًا، كور هو شفتيه المنغلقة بشكلٍ فكاهي، يهز راسهِ بمرواغة و ينظر اليهم بتفحص اثار ضحكات الثلاثة.. فقال أخيرًا باقتضاب:

- هاتتجوزوا انتوا التلاتة.

شهقت غادة مستنكرة باعتراض:

- بس كدة هو دا اللي ربنا قدرك عليه، طب حتى اعمل بسندوتش الكبدة وعلبة العصير اللي في إيدك وقول حاجة مفيدة تريح قلبنا، مش انت مبروك برضوا؟

لكزتها زهرة لتنبهها بعدم أحراجه ولكنها لم تبالي فوجدته فجأة يجيب والطعام في فمه:

- واحدة فيكم هاتتجوز غفير والتانية هاتتجوز وزير والتالتة هاتتجوز أمير.

انطلقت ضحكات الثلاثة مرة أخرى فخاطبته كاميليا بسخرية 

- غفير ووزير وأمير، ايه الجو القديم ده، هو احنا في الف ليلة وليلة ياعم؟

اومأ لها بتأكيد :

- انا مابقولش قديم انا بتكلم صح.

رفعت غادة كفيها امامه قائلة بمرح:

- حلو ياعم، يبقى انا اللي هاتجوز الأمير.

هز رأسه بنفي وهو يشير بسبابته :

- لا انتِ هاتتجوزي الغفير، دي اللي هاتتجوز الأمير.

شهقت ساخرة وهي ترى وجهة سبابته نحو زهرة:

- يخيبك، طب كنت قول كاميليا يمكن كنت اصدق، انما زهرة....!

قطعت جملتها وهي تشير الى الفتيات كي يذهبوا:

- امشي يابنتِ امشي، دا باينه راجل خرفان واحنا هبل اللي نصدقه.

تبسمت زهرة كي تخفي حرجها من تلميح غادة الجارح لها:

- قلبك ابيض ياغادة، هو كان جد يعني!

ردت كاميليا بفكاهة وهي تتحرك معهم:

- بس انا بصراحة بسطتني لما قال وزير، اهو قدرني وخلاص ياجدعان.

غمغمت غادة بكلام حانق وهي تسير مع الفتيات عائدات لمنزلهم، فنظر الرجل لأثرهم بعد ان ابتعدن وهو يهتف:

- برضوا هي اللي هاتتجوز الأمير وانتِ هاتتجوزي الغفير!

.....................................


حينما عادت زهرة لبنايتهم، دلفت لشقة أبيها اولًا لتطمئن على شقيقاتها وزوجة أبيها سمية المرأة الطبية، البائسة، متعوسة الحظ، كما تسمي نفسها دائمًا، كانت تشتكي وتصف عن ضرب زوجها لها بسبب دفاعها عن ابنتها، والتي تركت اثاره على جسدها كالعادة.

- شوفتِ يازهرة، اهي العلامات اللي في إيدي دي ماتجيش شكة في اللي مزهرين في ضهري من ورا وعلى كتفي، انا مش عارفة ابوكي دا امتى بس ربنا يهديه ويفهم اني كبرت عالبهدلة وقلة القيمة دي؟ لما اخلص في إيده ولا لما اموت وحدي من القهرة والظلم اللي انا عايشة فيه؟

ختمت جملتها بشهقة كبيرة وبكاءٍ حارق، اوجع قلب زهرة التي ربتت على كتفها تهون :

- معلش ياخالتي سمية، ربنا يفك كربك، بصراحة انا مش عارفة اقول إيه؟ ادعي عليه وهو أبويا! ولا ادعيلوا بالهداية عسى انه يحصل .

يحصل فين بس يابنتي؟ دا انا بقالي سنين بدعيها الدعوة دي لحد ماتعبت وقرفت، ولساني تقل عليها، ومابقتش اخرج غير على الدعوة عليه وربنا يسامحني .

صمتت زهرة لا تقوى على مجادلتها فمن وضعت مكانها تملك الحق في قول كل شئ ، تابعت سمية:

- عارفة يازهرة، معلش يعني لو هاقولها في وشك، بس حقيقي بجد؛ أنا بحسد الست والدتك ان ربنا لطف بيها ورحمها من عشرة ابوكي.

ابتلعت زهرة الغصة بحلقها تتجرع الألم، تُعطي العذر للمرأة في طيبتها وحسن نيتها، لنبشها عن الجرح القديم بداخلها، وتذكيرها بعقدة حياتها! خرج صوتها بصعوبة وهي تناول المرأة بعض الأوراق المالية :

- خدي ياخالتي، ادي لصفية حق الدرس وتبتي انت على الباقي بعيد عن ابويا.

اعترضت سمية:

- لا والنبي يابنتي ماانا واخدة حاجة منك، دا حتى يبقى حرام .

قاطعتها زهرة بإصرار:

- حلفان على حلفانك هاتاخديهم يعني هاتاخديهم .


بعد خروجها من شقة والدها واعطاء سمية ماتحتاجه من نقود هي وابنتها صعدت زهرة لشقة جدتها في الطابق الأعلى والذي ما أن وطئت اقدامها اقرب درجاته، تفاجأت بأبيها أمامها مستندًا على إطار الباب بجسده النحيف وبيده سيجارته التي يدخن بها:

- أهلًا بالبرنسيسة، اخيرًا افتكرت ان ليكي بيت عشان ترجعيلوا؟

تفوه بها، قبل أن يصمت قليلًا وعيناه أتت على الكيس البلاستيكي الذي يضم فستانها الجديد وبعض الأشياء التي ابتاعتها بصحبة الفتيات، رفع رأسه اليها سائلًا بحدة :

- فضلتي حاجة بقى من مرتبك بعد اللي بعزقتيه وصرفتيه النهاردة يابت فهمية؟


... يتبع

رأيكم في الحلقة وتوقعاتكم للي هايحصل في الحلقات اللي جاية، تفاعل  يشجع بقى


#امل_نصر

#بنت_الجنوب


الفصل الثالث 


يسألها عن راتبها وما أنفقته، وبكل صفاقة يذكرها بوالدتها، وكأن له حق عليها؛ بعد تركها لخالها وجدتها كل هذه السنوات رغم قرب المسافة التي لا تتعدي الطابق بينهم، لا نفقة لطعام او ملبس، ولا حتى مصروف مدرسة أو تعليم، يتذكرها فقط في كسوة العيد، كحفظٍ لماء الوجه، او ليتفاخر امام اهل الحارة بكسوته لها؛ رغم عدم عيشها معه، تحمد الله انها لم تحتاج اليه ولو مرة واحدة، فقد أغناها الله برعاية جدتها الحنون وخالها الذي تكفل بتربيتها منذ ان توفت شقيقته، ورفض تركها مع أبيها الذي لم يصبر على وفاة زوجته أكثر من شهرين ليتزوج، فبقى مكانه الفارغ في حياتها طوال سنوات عمرها او بالأصح كخيال ليس له وجود، ثم يعود اليها الاَن وبقوة بعد أن امتلكت الوظيفة التي تدر عليها الراتب الجيد، وسافر خالها للعمل بإحدى الدول العربية، كي يستطيع جمع المال الذي يمكنه من الزواج وقد تعدى عمره الخامسة والثلاوثون من دونه بسبب فقر الحال ورعايته لوالدته وابنة شقيقته الميتة.

- متنحة ليه يابت؟ ماتردي.

استفاقت من شرودها بعد أن نبهها بأسلوبه المتهكم، ولكنها لم تعد تخاف؛ فردت ظهرها بثقة، تتقدم نحوه تردف ببرود وهي تتخطاه لتدلف داخل الشقة :

- مساء الخير.

- مساء الخير!

ردد خلفها بدهشة قبل أن يتبعها صائحًا :

- بتزوقيني وتدخلي من غير ما تعبريني يازهرة! إيه يابت فهمية؟ هي الفلوس قوة قلبك وماعدوتيش شايفة حد قدامك حتى ابوكِ؟.

التفتِ اليها تردد يهدوء من تحت أسنانها:

- فلوس ايه بس اللي قوة قلبي؟ هو انت شايفني بقيت مديرة بنك؟ دا انا اَخري حتة سكرتيرة لمدير حسابات، لسة ماثبتش رجلي كويس معاه وممكن يغيرني في أي وقت.

- وبتكلميني بقرف كمان؟ دا انتِ على كدة مابقتيش شايفاني خالص يابت.

سحبت من الهواء شهيق بقوة كي تتحلى ببعض التماسك ولا تنفجر بوجهه :

- مابقتش شايفاك ليه بقى؟ عشان بكلمك بهدوء افهمك وضعي، بدال ما صوتنا يطلع انا وانت للجيران، ونجيب لنفسنا الفضايح من غير داعي دا غير انك بتتبلى عليا وتقول اني زقيتك عشان بس عديت من جمبك ودخلت الشقة

صمت ينظر اليها قليلًا بملامح مبهمة قبل أن يقطع صمته:

- انا عارف انك شايلة ومعبية مني من صغرك، بس ماتنسيش اني كنت سايبك على راحتك مع جدتك وخالك، وافتكري اني ماغصبتش عليكي تعيشي مع مرات أب.

اومأت برأسها تجاريه ثم سالته مباشرةً:

- عايز إيه ياوالدي من الاَخر، بدل اللف والدوران؟

رد بمسكنة، مصطنع الحرج:

- انتِ عارفة المعايش بقت صعبة ازاي؟ دا غير ان حال الدكان اتدحدر ومابقاش زي الأول، وانا معدتش قادر اكفي خواتك ومصاريفهم و......

- معايش فلوس.

قطعت استرساله هامسة، جعلته يرفع رأسه ويتقدم نحوها غاضبًا:

- يعني إيه معاكيش فلوس وانتِ قابضة النهاردة.

ارتدت عنه للخلف قائلة بخوف:

- ماانت عارف ان خالي مسافر ومعاش ستي يدوب مقضي علاجها، لما اديك أنا بقى من مرتبي القليل من الأساس، هانقضي الشهر انا وستي اكل وشرب منين بقى؟

انقض عليها فجأة يلوي ذراعها خلف ظهرها قائلًا بعنف:

- يابت الكل....... ما اديكي شارية هدوم وصارفة،  يعني هي جات على قرشين تساعدي بيهم ابوكي الغلبان؟ ولا عايزاني اترجاكي عشان تحسي على دمك، أنا ماتخلقش اللي يذلني يازهرة.

حاولت زهرة كاتمة ألمها تقاوم قبضته القاسية والتي ارتخت على اثر صرخة من جدتها؛ والتي تفاجأ الاثنان بظهروها أمامهم اَتية من غرفتها زاحفة:

- سيب البنت يامحروس، والنعمة لو ما سيبتها حالًا دلوقتي لاكون صارخة بعلو عليك صوتي عشان الم عليك اهل الحارة كلهم.

جز على أسنانه، مخرجًا سُبة وقحة قبل أن يدفع زهرة بخشونة أوقعتها على الأرض بجوار جدتها التي جذبتها من ذراعها داخل أحضانها، وخرج هو بعد ان رمقهم بنظرة مشتعلة بالغضب.

......................................


أمام المراَة كانت تلتف بفستانها يمينا ويسارًا، حتى للخلف كي ترى جمال قصته على قدها الرشيق ومنحنياتها البارزة، سألت بلهفة والدتها الجالسة خلفها على التخت وهي تتفحص باقي المشتريات:

- شايفة ياما الفستان على جسمي حلو ازاي؟ دا مخليني زي البرنسيسة.

رمقتها إحسان بملامح ممتعضة قبل أن تجيبها بتردد:

- هو حلو وكل حاجة يعني، بس مش غالي حبيتين ياغادة؟ دا تمنه يساوي مرتب موظف في الحكومة يابنتي.

استدارت اليها بابتسامة تعلو وجهها، قائلة بحماس:

- وماله ياما لما يبقى غالي؟ الغالي تمنه فيه، ولا انتِ ناسية كلمتك الشهيرة، الغالي بيجيب الغالي.

- أيوة يابت، بس مش بالشكل ده، دا انتٍ بعزقتي تقريبًا المرتب كله على فستاين وجزم ومكياجات.

قالت إحسان وهي تلوح بالمشتريات المنتشرة أمامها على التخت بإهمال، ضحكت غادة وهي تجلس بجوارها تتأملهم بسعادة وأردفت:

- انا فعلًا بعزقت معظمه، بس مايضرش، أهم حاجة ان ابقى زيها، البس واتشيك وابقى احلى منها كمان.

سألتها إحسان بانتباه:

- هي مين يابت اللي عايزة تبقي زيها وأحسن كمان منها؟

اجابتها غادة بأعين يملؤها الإنبهار:

- كاميليا ياما، لو تشوفيها وهي ماشية في الشركة كدة واكنها هانم مش موظفة عاديه؛ شياكة إيه؟ ولا إسلوبها في الكلام، عاملة كدة زي البنات اللي بنشوفهم في التليفزيون بالظبط يامًا

- بس عانس !

أردفت إحسان وهي تمصمص بشفتيها، ردت غادة بابتسامة ساخرة :

- بمزاجها ياماما، مش قلة حظ ولا نقص حلاوة

قطبت إحسان تسألها باستفسار :

- يعني ايه ياغادة؟ مش فاهماكي!

برقت غادة عيناها وهي تجيب عن السؤال : 

- يعني كاميليا رفضت كل اللي اتقدمولها عشان كانوا أقل منها ياما، وهي عارفة ومتأكدة انها حتى لو كبرت مش هاتقبل غير بواحد في مستواها أو اعلى.

صمتت إحسان قليلًا تستوعب كلمات ابنتها ثم سألت:

- وانتِ بقى عايزة تبقي زيها؟

- أبقى أحسن منها .

تفوهت بها غادة بتصميم وتابعت:

- انا اصغر واحلى منها، يعني ناقصني بس البس وابقى بنفس شياكتها عشان اقدر اصطاد اللي يرفع من مستوايا ده وابقى هانم انا كمان، اصلك مابتشوفيش الرجالة و الستات اللي بتيجي عندنا الشركة ياماما، ولا حتى الموظفات والموظفين، كلهم بيبروقوا كدة ويلمعوا من النضافة، مش زي الأشكال الضالة اللي في الحارة النحس دي، الواحدة تتجوزلها واحد مصدي ويبقى فاكر نفسه جايبلها الديب من ديله لو دخل عليها بكيس فاكة او ربع عكاوي.

قالت الاَخيرة بقرف، أومأت لها إحسان بإعجاب:

- شاطرة ياغادة وبنت امك على حق، تعجبني دماغك المتكلفة دي، ايوة كدة، تكتكي وخططي على كبير ، عشان ماتخبيش خيبة امك اللي يوم ما اتجوزت ابوكي، كانت فاكراه ياما هنا وياما هناك.

قالت الاَخيرة وهي تلوك بشفتيها، دافعت غادة عن ابيها باستحياء:

- ايوة ياماما، بس ابويا مابيتأخرش عن طلباتك لما ييقبض ولا يبقى معاه فلوس.

قاطعتها بأشمئزاز ملوحة بكفها:

- ياختي افتكريلنا حاجة عدلة .

صمتت غادة فسألتها والدتها بتفكير

- الا قوليلي صح يابت؛ هي المنيلة زهرة بنت خالك دماغها بتفكر زيك كدة رضوا؟

انشق ثغر غادة بضحكة ساخرة ترد:

- هههه انتِ عايزة زهرة الهبلة تفكر زي ياما؟ دي لو لقت شوال بطاطس قدامها، هاتلبسه عادي، بنت اخوكي خيبة ياما هههه

..................................


على الأرض الباردة كانت ماتزال داخل أحضان جدتها رغم توقفها عن البكاء منذ فترة، مستمتعة بدفء حنانها، مغمورة بإحساس الأمان الذي تستمده منها؛ رغم ضعفها، ورقية مشدد عليها بذراع والأخرى تلمس على شعرها وظهرها حتى شعرت بارتخائها فقال متصنعة الحزم:

- ايه يابت انتِ هاتنامي ولا إيه؟ لا اصحي كدة يااختي انا مش حملك.

اهتز جسد زهرة، تردف ضاحكة:

- مش حملي ازاي بس؟ دا انتِ خوفتي ابويا ذات نفسه، جيبتي الشدة دا منين يارقية؟ 

انتفشت رقية قائلة باعتزاز:

- ايوة امال ايه، عشان يتأكد ان وراكي ناس في ضهرك، وما يظنش ان بسفر خالد ابني هيلاقي فرصته بقى عليكي، انا مكسحة اه، لكن عندي حنجرة صوت توصل لمدينة العلمين، هو فاكريني هاينه ولا إيه؟

اهتز جسد زهرة بالضحك مرة اخرى مرددة

- للعلمين! دا انتِ جامدة أوي بقى يارقية.

- اوي اوي.

تمتمت بها رقية وهي تقبل رأس حفيدتها التي انتفضت فجأة منتزعة نفسها منها وسألت :

- صحيح هو ابويا عرف منين اني قبضت النهاردة؟

لوت رقية شفتها بزاوية قائلة بحنق:

- تفتكري هايكون مين يعني ياام العريف، أكيد من إحسان اللي بنتها شغالة معاكي .

استوعبت قليلًا قبل أن تتنهد قائلة بإحباط:

- عندك حق، بس انا هالوم على غادة ليه؟ ماهو اكيد طلب فلوس من عمتي وهي قالتله بحسن نية

رددت خلفها رقية باستهجان:

- بحسن نية! والنبي دا انتٍ اللي طيبة وعلى نيانك .

اومأت زهرة ترمي رأسها لتسلتقي بحجر جدتها:

- طيبة ولا وحشة، هو اصلًا كان يوم غريب من أوله النهاردة، كله عياط وحرقة دم ، رغم الخروجة الحلوة مع البنات.

- ليه يابت؟ هو ايه اللي حصل؟

سألت رقية بفضول فجاوبتها زهرة:

- هاحكيلك ياستي، بس احنا مش المفروض نقوم بقى؟

الأرض باردة عليكِ .

ردت رقية بلهفة أثارت ابتسامة بوجه زهرة:

- ياختي ولا برد ولا حاجة، احكي الأول وبعد كدة نقوم.

....................................

وفي مكانٍ اَخر 

بداخل منزل كبير تحاوطه الأشجار الكبيرة بكثافة، تدلت اغصانها على السور الخارجي، الذي انتشر جمع من الحراس الأشداء على أطرافه، فلا يجرؤ أحد غير معلوم للقرب منه إلا بإذن مسبق.

كان بصالة الألعاب الرياضية الكبيرة أسفل المنزل، يتساقط العرق على جبهته وصدره بكثافة وهو يركض بسرعة على جهاز الممشى وكأنه في حلبة سباق ويريد الفوز، صوت انفاسه الهادرة كانت مسموعة، توشك أن تنقطع من فرط اصراره في افراغ طاقة الغضب المستعرة كحمم البركان بداخله، لا يدري متى تنطفئ؟  وقد تعقدت فرص الحل؛ حتى اصبح الخلاص هو المعجزة بحد ذاتها!

أجفل فجأة على صرخة نسائيه دوت بمحيط صالة الألعاب هاتفة بإسمه:

- كفاية بقى باجاسر، هاتموت نفسك.

وكأنه لم يستمع، مستمر بركضه وعيناه نحوها لم تحيد حتى صرخت بصوتٍ أعلى .

- بقولك كفاية بقى، انت مابتسمعش؟

اذعن اخيرًا يبطء من سرعة الجهاز حتى اوقفه، ثم حرك جسده يبتعد بصعوبة وصوت لهاث انفاسه يصدر بحدة .

رفع رأسه اخيرًا ليواجه بأعّين خضراء قاتمة بلونها، تبرق بالغضب وهي تتقدم نحوه حتى لكزته بقبضتها على كتفه العاري :

- انت مجنون، مش خايف لا قلبك يقف وتموت فيها؟ ايه يابني؟ هي دي برضوا عمايل ناس عاقلين ؟

استقام بجسده يتناول المنشفة يجفف بها العرق المتساقط منه، تجاهلها بصمت، وما ان تحرك ليذهب ، استوقفته تجذبه من ذراعه هاتفة بغضب:

- سايبني وماشي على طول من غير كلام، هو انا مش بكلمك يابني انتِ؟

تبسم قائلًا بهدوء، عكس العاصفة الهوجاء الدائرة بداخله 

- نعم ياماما، عايزة إيه؟

- عايزة اعرف الغضب اللي جواك دا من إيه؟ اتكلم وقول خليني اسمع منك، بدل الحيرة اللي تاعب قلبي فيها دي.

سألت والدته، فتصنع هو التفكير مضيقًا عيناها بتركيز :

- عايزة تعرفي إيه سبب الغضب اللي جوايا؟ أممم يكونش يعني عشان بنت اخوكي بتسافر وتخرج مع اصحابها رجالة وستات من غير ماتقولي، ولا يمكن عشان دايرة على حل شعرها في السهر مع ناس تعرفها وناس ماتعرفهاش من غير ماتراعي هي بنت مين ولا مرات مين؟

شدد على كلماته الاَخيرة، سألته هي:

- طب ولما انت مضايق اوي من عمايلها كدة، ماتوقفها وتواجها، بدال ماانت وهي كدة كل واحد في عالم لوحده ولا اكنكم متجوزين.

ضيق عيناه سائلًت هو الاَخر:

- اقولها إيه؟

- قولها عاللي مضايقك، حلو مشاكلكم دي مع بعض، بلاش حالة الجمود اللي مسيطرة على علاقتكم دي 

اهتزت كتفاه ومط شفتيه مردفًا بعدم اكتراث:

- بس انا مش مهتم اتكلم معاها ولا هاممني حتى حالة الجمود اللي بتقولي عليها دي.

تسمرت تنظر اليه بعدم فهم فتحرك هو مغادرًا ولكنه توقف على ندائها فجأة:

- طب ولما انت مش هامك التفاهم ولا الصلح معاها، شحنة الغضب اللي جواك دي بقى، سببها إيه؟

استدار اليها بملامح قاتمة، ضاغطًا بقبضة يده، يجز على أسنانه ليجيبها بعنف:

- انها على زمتي؟!١

...............................


في اليوم التالي

على مكتبها الصغير كانت مُنكفأة على الحاسوب أمامها تعمل عليه بتركيز داخل الحجرة الكبيرة الخالية الا منها، بعد ان صعد مديرها وكل طاقم المكتب إلى الطابق الرابع، للمشاركة في الإحتفال الصغير بتولي جاسر الريان مسؤلية قيادة الشركة الأم لمجموعة الريان خلفًا لأبيه، الذي صرف لجميع موظفي الشركة مكافأة وأعطى لهم أجازة نصف يوم. احتفاءًا، ولكي يتعرفوا على القائد الجديد للشركة.

انتبهت على صوت هاتفها الذي كان يصدح بورود مكالمة من غادة التي فتحت ترد عليها بتأفف:

- ايوة ياغادة عايزة ايه تاني؟ ماقولتلك يابنتي مش طالعة .

وصلها صوت غادة المتحمس:

- ليه بس يامنيلة؟ دي الدنيا هنا بتشغي بالموظفين، وبيوزعوا جاتوه وحاجات حلوة كدة وغريبة، في حياتك ماشوفتيها ولا هاتشوفيها يافقر.

- ماانتِ قولتي فقر، 

همست بها وتابعت بحزن:

- والنبي بس حاولي ماتتاخريش عشان نمشي بدري.

- ونمشي بدري ليه من الأساس دا انت....

وصلت الى أسماعها من غادة هاتفة بحنق، قبل ان تنقطع كلماتها وتتولى كاميليا الباقي .

- ايوة يازهرة، اطلعي يابنتي وبلاش اللي في دماغك ده، هو انت مزهقتيش من الشغل ولا نفسك تفكي شوية .

جاوبت،وعيناها تدور في أركان المكتب الخالي:

- هو مش زهق قد ماهو خوف، اصل المكتب فاضي خالص من الموظفين، كلهم سابوني ياكاميليا وطلعوا عندك.

- يخرب عقلك ياشيخة، اخلصي وتعالي ياللا زهرة، وبلاش شغل العيال بتاعك ده، هو عفريت يابنتي هاياكلك.


بعد قليل 

صعدت زهرة مضطرة تحت إصرار الفتيات، لتنضم الى جمع العمال والموظفين المحتمعين للإحتفاء بالرئيس الجديد لشركتهم، ارتخت أعصابها المشتدة قليلًا، حينما اختلطت في الزحام، في الردهة الواسعة للشركة والتي تضم العدد الأكبر لمكاتب الموظفين، كانت ممتلئة عن اَخرها بالمهنئين، بعد ان قدٌم الرجل الكبير خليفته في الرئاسة ووزعت الحلوة والمشروبات الغازية.

شعرت زهرة بالخوف حينما راته بجوار ابيه ومجموعة من رؤساء الاقسام ومعهم مديرها، يتحدثون ببعض التباسط لظرف المناسبة.سرعت بخطواتها حتى وجدت كاميليا مع إحدى الزميلات تضحك وتتسامر معها، رأتها هي الأخرى فاستاذنت من الفتاة وتقدمت اليها بابتسامة واسعة وانيقة مثلها:

- اَخيرًا جيتي يابنتي دا انا خوفت لا ترجعي في رأيك وبرضوا ماتجيش .

قالت زهرة بتردد:

- انتِ بتقولي فيها؟ والنبي دا انا على اَخر لحظة قبل مااطلع الاَنساسير كنت هاغير رأيي وامشي عالشارع .

- ياجبانة!! طب والله تعمليها .

شاكستها كاميليا ضاحكة، اومأت زهرة برأسها موافقة بابتسامة قبل أن تسألها :

- هي البت غادة فين صح؟ مش شايفاها يعني.

أشارت لها بعيناها نحو زاوية قريبة من جاسر الريان ومجموعته، كانت تقف بها غادة هناك، وقد عدلت من هيئتها وزادت من مساحيق وجهها كي تلفت اليها الأنظار وتشارك مع الفتيات في توزيع الحلوي والمشروبات، فغرت زهرة فاهاها وعادت لكاميليا هامسة بدهشة :

- هي عاملة كدة ليه؟

اجابتها كاميليا بابتسامة ماكرة:

- باينها فاكراه فرح بلدي وعايزة تظهر في الكاميرا لما تقرب من الكوشة والعرسان

استجابت زهرة لمزحة كاميليا ضاحكة، وهي تغطي بكفها على فمها باستحياء.

لتندمج بعد ذلك في الحديث المرح معها وتنسى ماكان يخيفها، وما كان يقلقها في الصعود .

وفي الناحية الأخرى كان يتحدث ويتلقى التحية على مضض بداخله، بعد أن فاجأه ابيه بهذه الفعلة، بحجة زرع المودة بينه وبين الموظفين، يبتسم بتكلف  ومجاملة، مراعاةً لشعور ابيه، فكم هي ثقيلة عليه المناسبات الإجتماعية وتملق الناس اليه ، كان يحتسب الثواني والدقائق حتى يصرفهم وينتهي من هذه المهزلة، حتى وقعت عيناه عليها بالصدفة، واقفة في اَخر الردهة تتحدث وتتسامر مع كاميليا، بفستان واسع كالأمس، ولكن هذه المرة بالوانِ مفرحة وجميلة وليس باهت كالأمس، حجابها الطويل بلونه الوردي انعكس على صفاء بشرتها الرباني مع ابتسامتها الساحرة التى فاجأته بروعتها، أسرت عيناه نحوها، حتى اصبح يومئ برأسه لمن يتحدث اليه دون انتباه، لا يعلم سر هذه الهالة الغريبة التي تحاوط هذه الفتاة وتجذبه اليها، وبلفتة نادرًا ماتصدر عنه، وجده نفسه دون أن يدري يشملها بنظرة رجولية خالصة؛ أنبأته بما قد يخفى عن الجميع إلا عنه؛ كرجلٍ اختبر ورأى من اصناف النساء الكثير، طالت نظرته حتى شرد بها، وتذكر لقاءه بالأمس معها، حياءها الشديد وحشمتها النادر ما يجدها في فتيات هذا العصر، نسي الزمان والظرف وكل ما حوله، فاحتلت جميع تفكيره في هذه اللحظة، فخرج اسمها من بين شفتيه وكأنه يخاطب نفسه:

- زهرة!!  


..... يتبع 

تفتكروا ايه اللي هايحصل ؟ وجاسر ده دماغه هاتوديه لفين ناحية زهرة، 

ماتنسوش اللايك والتعليقات الجميلة 

# امل_نصر

#بنت_الجنوب

الفصل الرابع 


ممسكة بطبق الحلوى الذي أعطته لها كاميليا؛ تتناول منه نادرًا، مع اندماجها في الحديث المرح مع ابنة حارتها والتي كانت جارتها سابقًا، قبل ان تنتقل مع عائلتها الي شقة أجمل وبمنطقة أهدى عن منطقتهم الشعبية العتيقة، بحديث مسلي انساها ماأخافها سابقًا وتسبب في توترها، انتفضت فجأة تكتم شهقة كادت أن تخرج منها حينما أجفلتها غادة بوضع يدها على خصرها من الخلف، هامسة بميوعة اثارت الحنق لدى زهرة:

- اَخيرًا جيتي يازوزو؟

طافت زهرة بعيناها على باقي الموظفين حولها بقلق قبل أن تعود إلى غادة قائلة من تحت أسنانها:

- دي عملة تعمليها؟ عايزاني اصرخ من الخضة واتفضح وسط الناس اللي ماليها اول ولا اَخر دي؟

ردت غادة بسماجة أذهلتها:

- وماله ياقلبي، على الأقل بكدة هانبقى نجوم الحفلة بدال ما احنا تايهين كدة في الزحمة وماحدش شايفنا، ولا إيه ياكاميليا؟

كاميليا وهي تنظر اليها بدهشة وابتسامة اعتلت وجهها:

- يخرب عقلك، دا انتِ مجنونة بجد، بقى هي دي فكرتك عن لفت الإنتباه ؟

- اعمل إيه بس يابنات ماانا غُلبت.

هتفت بها قبل ان تتدراك نفسها وتخفض صوتها وكأنها تخبرهم سرًا:

- بقى مش صعبان عليكم بالذمة؟ الصالة اللي بتشغي بالبهوات والناس النضيفة دي، نطلع منها كدة من غير مانستلقط واحد منهم .

كتمت زهرة بكف يدها شهقة أخرى كادت ان تخرج منها، مصعوقة من جرأة ابنة عمتها، أما كاميليا فالتي ارتفع حاجبيها واهتزت رأسها رددت بعدم استيعاب:

- انا قولت مجنونة وربنا، انتِ فعلًا مجنونة يابنتي.

لوت فمها مرددة هي الأخرى:

- مجنونة مجنونة، بس انول اللي في بالي .

استسلمن الفتاتين لعدم الجدال معها وفضلن الرد عليها بالصمت؛ يبتسمن لها بيأس، حتى أنتبهن على من أتى بالقرب يلقي التحية عليهن .

- مساء الخير يابنات .

ردت زهرة و رددت كاميليا خلفها التحية لعماد، الذي رمقته غادة من منبت شعره حتى أخمص أقدامه وهو يتحدث الى زهرة بلطف كعادته مع بعض التلجلج :

- ااا أنا قولت اشوفكم يعني، لو محتاجين أي حاجة في الدنيا الزحمة دي؟

قالت زهرة بخجل.

- لا متشكرين ياأستاذ عماد، ربنا يخليك.

- يعني بجد مش محتاجين أي حاجة؟ أنا تحت الخدمة؟

كرر عماد متمعنًا النظر الى خجلها باستمتاع، فقطعت غادة عليه اللحظة قائلة بحدة .

- ماقالتلك مش محتاجين حاجة ياأستاذ، متشكرين ياسيدي، ولما نحتاجك هانبقى نقولك .

انسحب مرددًا بإحراج:

- طيب تمام، اَسف ياجماعة لو ازعجتكم .

نظرت الفتاتين في أثره وهو يبتعد عنهم بأسف، فخاطبتها كاميليا بلوم:

- حرام عليكِ ياغادة، ليه أحرجتي الراجل، كان يكفي أنك تردي عليه ببعض الزوق .

- هي كدة غادة، اي حد طيب او غلبان بتعتبره مايستهلش التعبير حتى.

قالتها زهرة بحزن، لم يؤثر في غادة التي مصمصت بشفتيها مستنكرة.

- قال غلبان وطيب! هي ناقصة تلزيق وتناحة يااختي انتِ وهي، اقولكم؛ أنا ماشية وسايبهالكم، اروح لزميلات الفرفشة احسن، البنات الحلوة اللي بتقدم الحلويات والساقع هناك دي، بلا وكسة.

راقبنها وهي تبتعد عنهم وتذهب لتنضم لفريق البنات المضيفات، كي تقترب وتحتك بالموظفين الكبار ، فقالت كاميليا :

- ماتزعليش منها يازهرة، بنت عمتك طاقه وانتِ عارفاها.

- عارفة والله انها طاقة، بس انا بيصعب عليا الناس اللي بتحرجهم؛ خصوصًا لما يكون راجل محترم زي استاذ عماد و.......

قطعت جملتها وهي ترتد بعيناها نحو كاميليا مرددة:

- ياساتر يارب الراجل ده بيبصلي كدة ليه؟

- راجل مين؟

سألت كاميليا وهي تشرئب بأنظارها نحو الجهة التي اشارت اليها زهرة، فوجدت رئيسها الجديد ينظر نحوهم بتجهم ووجه عابس، قطبت مندهشة فقالت:

- تلاقيه بس عايز مني انا حاجة، مش لازم تكوني انتِ المقصودة يعني؛ انا هاروح اشوفه.

اوقفتها متشبثة بذراعها تردف بخوف؛

- لا والنبي ياكاميليا ماتسيبنيش لوحدي، ثم ان هو لو عايزك هايبعتلك، عشان خاطري ماتمشيش، دا انا حاسة بنظراته بتخترق ضهري من ورا، انا مش فاهمة هو بيعمل معايا كدة ليه؟ 

ربتت كاميليا على كف يدها المطبقة على ذراعها بغرض تهدئتها:

- طب خلاص اهدي كدة وماتكبريش الموضوع، جاسر بيه هو دا طبعه من الأساس على فكرة؛ دايمًا مكشر وحواجبه كدة مقلوبة تمانية، على العموم هو بِعد بنظره وجاتله مكالمة تلهيه عننا.

- والنبي بجد؟

قالت زهرة وهي تلتفت مرة أخرى نحوه، تنفست الصعداء فور أن رأته أعطى ظهره لها، أردفت مخاطبة كاميليا :

- طب خلينا نمشي بقى! 

....................................

وفي الجهة الأخرى 

ابتعد عن باقي الموظفين ودلف لمكتبه حتى يستطيع أن يتابع المكالمة التي أتته بغتةً من والدته، صفق باب الغرفة بقوة وخرج صوته بحرية:

- كنتِ بتقولي إيه بقى ياماما؟ سمعيني تاني كدة.

- بقولك ياحبيبي ميرا رجعت النهاردة الصبح من رحلتها.

اومأ برأسه وكأنها أمامه قائلًا بسخرية؛

- ااه ، طب وانا مالي بقى ان كانت رجعت ولا مرجعتش حتى، بتتصلي بيا ليه؟

وصله صوت والدته المصدومة:

- ازاي بس انت مالك يابني؟ دي مش مراتك دي؟ طب حتى عشان تتفاهموا.....

قاطعها بحدة سائلًا :

- ممكن اعرف انتِ بتتصلي تبلغيني ليه ياماما؟

- ياحبيبي انا باتصل عشان بس تعمل حسابك وماترجعش متأخر زي كل يوم.

ضغط على شفتيه يهز برأسه يائسًا قبل أن يرد منهيًا الجدال:

- تمام انا فهمت ياماما، اقفلي بقى دلوقتي انتِ عشان انا معايا شغل.

- يعني هاتتصالحوا ياجاسر ؟

ضغط على أسنانه كابحًا غضبه:

- طب معلش ياماما قفلي بقى وانا هابقى أكلمك من تاني ماشي، سلام بقا.

نهى المكالمة وخرج سريعًا من غرفة مكتبه لينضم الى والده ومن يعملون معه بالشركة في تجمعهم للإحتفاء به، بمناسبة تقلده لمنصب ادارتها، ذهبت انظاره تلاقئيًا لمكانها على الفور فلم يجدها ثم طاف بعيناه على جميع الوجوه فلم يجدها أيضًا، اقترب من والده يهمس سائلًا:

- هي كاميليا راحت فين ياوالدي؟ أنا مش شايفها يعني.

اجابه عامر:

- كاميليا استأذنت ومشيت، هو انت كنت عايز منها حاجة؟

لوح بكفه نافيًا بصمت وهو يتراجع للخلف، وقد أصابه الإحباط بعد أن فقد اللون الوردي بزهرته التي بعثت على يومه بعض البهجة التي افتقد الشعور بها منذ سنوات.

.................................


وفي مكانٍ اَخر 

تحت اليافطة المدون بها بخطوطٍ باهتة قديمة( المعلم محروس الشربتلي للتنجيد) والتي اعتلت الدكان المتواضع في الحارة الضيقة، كان جالسًا على كنبته الصغيرة يرتشف من كوب الشاي الذي بيده والسيجارة في فمه، قطع القطن واكياس الوسادات القديمة البالية تحت اقدامه، وعدته التي يعمل بها مرمية على الارض بإهمال، انتبه على صوت الصبي الذي يعمل بركن وحده في الداخل وهو يهتف عليه:

- انا خلصت الحتة اللي في آيدي ياعم محروس هاتيجي تشوفها بقى وتقولي رايك.

- اترزع ياد مكانك وشوفلك حاجة تانية اشتغل فيها عبال ما اجيلك اطل عليك.

ردد الفتى بتردد:

- اشتغل ازاي بس يامعلمي ؟ وشوية القطن اللي في الشوال الجديد مايكفوش مخدة حتى.

- طب نجدلك في حتة قديمة ياخويا وماسمعش نفسك تاني، فاهم .

غمغم الفتى من الداخل بحنق على اهمال معلمه وعدم مراعاته لصنعة قد ياكل منها الشهد كما يتصور الفتى، لو انتبه لها محروس وحرص على الأنتهاء من الأعمال المتراكمة بداخل الدكان من وسادات ومراتب جديدة أو بالية وبحاجة لتجديد، ولكن كيف؟ وقد سيطرت المكفيات على عقله، وألهته عن صنعته وعن العالم اجمع، دوى الصوت القبيح في الخارج:

- محروس باشا، قاعد عالكنبة ومسلطن ياعم؛ طب مش تندهلي عشان اَخد مكاني جمبك.

تمتم الفتى بغيظ:

- وادي كمان صاحب السوء وأوس البلاوي كلها وصل، كملت!

وعند محروس الذي رد بتأفف:

- عايز ايه يافهمي؟ ومالك بقى ان كنت اقعد متسلطن ولا اقعد على دماغي حتى، مش خلاص فاضيناها احنا وخلصنا.

اقترب فهمي يجلس بجواره على الكنبة قائلًا بسماجة:

- ومين بس اللي قال ان احنا خلصنا ياعم محروس؟ دا انت حبيبي والنعمة.

نفض محروس كف فهمي التي استندت على ركبته يبعده عنه بتأفف:

- انت اللي قولت يافهمي، لما مشتني امبارح من عندك وقفايا يقمر عيش، من غير ماتبل ريقي بحتة صغيرة حتى ولا انت نسيت .

بضحكة متوسعة اظهرت أسنانه الصفراء، اخرج فهمي من جيبه قطعة ملفوفة صغيرة يضعها بكف محروس الذي تلاقاها بلهفة:

- طب كدة بقى احنا بقينا متصالحين ياعم.

قبض على القطعة محروس داخل كفه يردف بعدم تصديق:

- بس انت مرديتش تديني أمبارح عشان الفلوس اللي معايا مكنتش مقضية، وخلتني ابات ليلتي اخبط في الحيطان من الصداع اللي مسك راسي يافهمي، هونت عليك وانت عارفني، دا انا مش بقصر معاك غير في الشديد القوي.

اتعوج فهمي بجلستة يضع قدمًا فوق قدم بميل وهو يردف بسيطرة:

- عارف ياعم محروس عارف، بس انا عايزك تنسي الليلة دي خالص، عشان من هنا ورايح، انا مش هاخليك تحتاج لأي حاجة ولا تتعب، كل طلباتك من الصنف هاتوصلك من قبل ماتشاور .

- بتتكلم جد يافهمي ولا انت جاي تتضحك عليا؟

سأل محروس بتشكك وارتياب، اخرج فهمي من جيبه علبة السجائر وقداحته ، يتحدث بتمهل:

- لا صدق ياعم محروس، انا مش بضحك عليك ولا بثبتك، مانت عارفني بعزك قد ايه، هي بس حاجة صغيرة اوي اللي طالبها منك .

حرك رأسه محروس يسأله بتفسير:

- هي إيه الحاجة دي؟ قول.

وضع فهمي السيجارة بفمه وهم لإشعالها ولكنها سقطت من فمه بعد أن تدلى فكه فور رؤيتها وهي تقطع الشارع امامهم، دون ان توجه نظرة نحوه او حتى تلقي السلام لوالدها، تنهد قائلًا لمحروس:

- هاقولك على طلبي وعلى الله بقى ماتنفذهوش

..................................


فتحت زهرة باب الشقة بالمفتاح ثم دلفت تهرول بسعادة للداخل نحو جدتها الجالسة بمحلها على ارض الشرفة من وقت أن تركتها زهرة وذهبت للعمل

- ستي ياستي، قومي ياستي ، شوفي انا جيبالك ايه؟

اعتلت السعادة ملامح وجه المرأة المجعدة بدلوف زهرة اليها بهذا الحماس، فسألتها بلهفة:

- جايبة إيه بقى ياعين ستك انتِ؟

افترشت بجوارها على الارض غير مبالية بفستانها الجديد، تخرج من حقيبتها لفة أصناف الحلويات الجميلة والغريبة عنهم، تقطع بيدها قطعة صغيرة تضعها في فمها:

- شوفي كدة ياستي ودوقي الحاجات اللي تهبل دي

لوكت رقية داخل فمها تستطعم الطعم الجديد عنها:

- اممم دي حلوة اوي يابت، جبتيها من فين دي؟ ولا اشترتيها بكام يامقصوفة الرقبة؟

ضحكت زهرة وهي تناولها قطعة اخرى بفمها:

- هههههه اطمني يارقية مقربتش على حق الدوا والعلاج بتوعك، انا مشترتهمش اساسًا .

لوكت رقية بفمها مضيقة عيناها بمكرها المحبب على قلب زهرة:

- امال انتِ جيباهم منين يابت؟ قولي على طول وقري بدل ما لف شعرك بإيدي، قولي يابت .


قهقهت زهرة وهي تجد كف جدتها التي حطت على رأسها تحاول الأمساك بها فقالت من بين ضحكاتها:

- خلاص ياستي هاقول، هاقول يارقية خلاص والنبي .

- طب ياللا قولي وسمعيني 

قالت رقية متصنعة الحزم ، ردت زهرة بعد ان هدأت ضحكاتها:

- ياستي النهاردة كانوا في الشركة عاملين احتفال بتولي المدير الجديد اللي هو يبقى ابن رئيس الشركة، إدو الموظفين اجازة نص يوم، وفرقوا علينا بقى ساقع والحلويات الغريبة اللي انتِ شايفاها دي، دا غير كمان المكافأت .

اومأت رقية بتفهم، وتابعت زهرة:

- وعارفة مين اللي مسك ياستي، الراجل الكشر اللي نشف ريقي امبارح في مكتب زهرة اعوذ بالله .

- هو شكله وحش اوي لدرجادي يابت ؟

سألتها رقية بتوجس، اجابتها زهرة بابتسامتها المعهودة:

- شكل ايه بس ياستي اللي بتتكلمي عنه؟ الناس النضيفة دي برضوا فيها حد وحش، دا بالعكس كمان، الراجل دا لما تشوفيه من بعيد تفتكريه كدة زي نجوم السيما. لكن في الحقيقة بقى هو يخوف بجد

- مايخوف اللي يخوفه يابت واحنا مالنا، مش هو ماسك قي حتة وانتِ بتشغلي في حتة تانية.

رفعت زهرة حاجبيها تردف بابتسامة واندهاش:

- اه والله صح يارقية، اينعم هو رئيس الشركة، بس انا والحمد لله شغلي بعيد عنه، حبيبتي انتِ ياروكا.

....................... ........


بعد انتهاء اليوم وانصراف الجميع من عملهم، سارت غادة تطرقع بكعبها العالي على ارض الرواق المؤدي الى الباب الرئيسي، في طريقها للمغادرة وحدها، بعد ان تركتها الفتيات كاميليا وزهرة وغادروا مبكرًا دونها، كانت تغمغم بداخلها حانقة ومحبطة، بعد أن فشلت كل محاولاتها في جذب انتباه جاسر الريان؛ الذي تصدرت أمامه بجوار فتيات التقديم، ولم يرمقها حتى بنظرة عادية، حتى الرجال الأفاضل رؤساء الأقسام او موظفين الشركة الكبار، لم ترى من أحدهم فعل واحد يريح قلبها ويبعث في نفسها ماتستحقه من تدليل، كل مانالته هو نظرات الاعجاب التي تبعث في نفسها بعض الثقة الوقتية، ثم تعود لإحباطها فور انتهاء اللحظة، خرجت متأففة تنزل الدرج الرخامي بخطواتٍ مسرعة خففتها فور ان رأت سيارة جاسر الريان المصطفة امام الشركة بسائقها الذي تشاجر مع زهرة، يبدوا انها في انتظار خروجه، تباطئت خطواتها أكثر وهي تلتفت خلفها كل دقيقة، علٌه يخرج وتراه حتى وقفت بزواية قريبة تراقب؛ عقلها يدور بدون هوادة تريد التقاط ولو فكرة صغيرة، تجعله يلتفت اليها أو يراها.

- أخ بس عايزاه يشوفني، يمكن يحصل.

هو ايه اللي هايحصل؟

شهقت مرتدة للخلف واضعة يدها على قلبها حينما دوت هذه الجملة المفاجئة بجوار أذنها بخفوت وحينما التفت نحو صاحب الصوت ارتعبت بحق، من هيئة الرجل الأسمر، ضخم الجسد بلحية حول فكيه ورأسه الكبيرة صلعاء تمامًا من الشعر، غمز لها بعيناه قائلًا :

- ايه ياحلوة اتخضيتي؟ سلامة قلبك.

رفعت شفتها قائلًا بازدراء:

- وماتخضش ليه بقى وانا شايفة عفريت قدامي .

فتح فمه بضحكة مجلجلة فقال:

- عفريت عفريت بس اعيش، بس لعلمك بقى، انا عفريت في كله.

ختم جملته المبهمة بغمزة بعيناه قبل ان يتركها راكضًا نحو سيارة جاسر الريان بمجرد رؤيته وهو يقترب منها، راقبته وهو ينضم اليه بداخلها ثم تحركت السيارة وغادرت، تمتمت بسبة بذيئة نحوه قائلة:

- ابو شكلك يا بعيد، وقفت قلبي وقطعتلي الخلف، بشكلك اللي يخوف ده، ياساتر.

................................


حينما عاد جاسر الى منزله مع والديه، بمجرد دلوفه لداخل المنزل الكبير، هتفت عليه والدته غاضبة توقفه قبل ان يصعد الدرج :

- استنى عندك ياجاسر.

استدار اليها مرددًا بهدوء:

- نعم يا أمي، في حاجة؟

اقتربت منه بوجه مكفهر تتحدث جازة على أسنانها:

- ممكن اعرف انت أتأخرت ليه في الشركة، وانا حسب ما سمعت من والدك ان الموظفين انصرفوا من نص اليوم.

مط شفتيه قائلًا ببساطة:

- عادي يعني، الموظفين انصرفوا بس انا كملت شغل مع نفسي في مراجعة ملفات الشركة وعقود الصفقات اللي مضاها والدي .

ردت بأنفاسٍ لاهثة تكتم غيظها :

- النهاردة ياجاسر، وبعد مانبهت عليك برجوع ميرا، في ايه يابني؟ 

- وماترجع ميرا ولا تزفت حتى، اسيب الشغل وارجعلها بدري ليه انا؟ هاعملها استقبال مثلًا؟

قال بعدم اكتراث اثار استياء والدته التي هتفت بصوتٍ خفيض :

- انت هاتجنني ياولد انت؟ هو احنا مش اتفقنا انك تتكلم معاها وتحاول عشان تقدر تصفي اللي ما بينك معاها .

لوح بكفيه أمامها نافيًا:

- انتِ اللي قولتي، انا ماقولتش حاجة، عن اذنك بقى ياست الكل عشان عايز اطلع اغير هدومي واَخد شاور.

نهى جملته والتف ليصعد الدرج أمامها غير مبالي بصدمة المرأة التي ظلت متسمرة دقائق تستوعب مواقف ابنها الغير مفهومة.

................................


وفي الأعلى وبعد أن دلف لغرفته، وجدها مستلقية على فراشه بملابس شبه عارية، تفحصها قليلًا والتوت شفته بابتسامة ساخرة وهو يتناول المقعد يقربه من رأسها حتى جلس واضعًا قدمًا فوق الأخرى، فرك بيده على فكه الأسفل قائلًا :

- ممكن تفهميني ايه اللي منيمك على سريري وانا مش موجود؟ وجاوبي على طول عشان انا معنديش خلق للأستهبال والتمثيل.

فتحت عيناها على الفور تعتدل بفراشها زافرة بقوة تنظر اليه حانقة:

- اعوذ بالله منك ياأخي، هو انت على طول كدة قطر، مافيش وقت للتفاهم .

اعتدل بظهره لخلف المقعد قائلًا :

- وليه ماتقوليش اني مليت من تمثلياتك الخايبة، وانت مفكرة ان ممكن انطس في عقلي واتأثر بكتف ولا رجل عريانة منك، ايه ياميرا هو انت لسه عايشة في الوهم.؟

شحب وجهها للحظات من مفعول كلماته القاسية لها، لكن سرعان مااستعادت توزانها فتبسمت وهي تعبث بشعرها تعيده للخلف:

- جلف وبترمي دبش من بوقك على أساس اني هاتأثر يعني ولا هاتهز ثقتي في نفسي، لكن لا ياحبيبي، انا عارفة كويس اني مرغوبة، مش محتاجة شهادتك

سأل رافعًا حاجبه:

- اااه ومين بقى اللي عرفك انك مرغوبة؟ يكونش الرجالة الأغراب اللي كنتِ بتسهري معاهم يوميًا في رحلة المسخرة اللي عمليتها انتِ وصحباتك الفاشلين، ولا في حاجات تانية أنا معرفهاش؟

مالت اليه برأسها مرددة :

- إيه ياجاسر؟ أسميها غيرة دي بقى ولا إيه بالظبط؟

برقت عيناه هاتفًا بغضب:

- فوقي لنفسك يامريهان، غيرة ايه دي اللي اغيرها انا على واحدة زيك؟ أنا كل اللي هاممني هو اسمي واسم العيلة، اسم حضرة الوزير والدك، اللي ممرطاه مع اللي يسوي واللي مايسواش بعمد؛ عشان تستفزيني وتخرجي مني رد فعل يرضي جنونك، لكن لا يا مريهان ، انا برضوا هاسيبك كدة مع نفسك، لعل بغباءك ده تشيلي والدك من كرسي الوزارة يمكن ساعتها يحس على دمه ويشوف عمايلك.

بصق كلماته ثم خرج مغادرًا دون حتى الإلتفاف نحوها، ورؤية أثرهم عليها وعلى جسدها الذي كان ينتفض من الغيظ والغضب.

..........................

في اليوم التالي

وفور أن دلف لداخل الشركة بهيبته المعتادة والخاطفة للإنفاس، حزمه وصرامته رغم مظهره البراق، لمحها واقفة أمام المصعد الخاص بالموظفين ، ممسكة ببعض الملفات دون أن انتباه لم تترد اقدامه في السير نحوها مفاجًأ كارم ذراعه الأيمن في جميع اعماله والذي تسمر محله مزبهلاً وهو يرى رئيسه يتجاهل مصعده الخاص كرئيس الشركة ليلحق بمصعد الموظفين على اخر لحظة قبل تحركه.

وفي الناحية الأخرى كانت زهرة منكفئة، تراجع الأوراق التي بيدها حينمأ أجفلت على دخول أحد الأشخاص، شهقت مرتدة للهخلف حينما تبينت هويته، يقف أمامها واضعًا كفيه  داخل جيبي بنطاله، ونظرة عيناه التي وجهها على الفور نحوها، تثير بقلبها الشك والإرتياب.


.....يتبع

#امل_نصر

#بنت_الجنوب


الفصل الخامس 


برقت عيناها التي اشاحتها عنه بارتباك فور أن دلف لداخل المصعد معها، تود الدخول في المراَة المتصلقة في الجدار، كي تبتعد بقدر الإمكان عنه في هذه المساحة الضيقة التى جمعتها به، تشعر بانسحاب الهواء من حولها وقد شلت المفاجأة تفكيرها.


تذكر جيدًا انها كانت تقف وحدها في انتظار المصعد، اذن متى اتى لينحشر معها في هذا الخاص الموظفين ويترك المصعد الخاص به كرئيس الشركة ، قلبها يضرب بصدرها كالطبول بين أضلعلها، تنظر للوحة الإلكترونية وكأن حياتها تعلقت بالأرقام الحمراء.

- طالعة الدور الكام .

- هااا

تفوهت بها اليه بعدم تركيز، اعتلت ابتسامة ساخرة بزواية فمه وهو يردد:

- بسألك انتِ طالعة الدور الكام، إيه مافيش تركيز؟

ازدردت ريقها وهي تحاول ان تبلتع توترها في وجود هذا الرجل المخيف، رغم تعجبها من السؤال؛ جاهدت حتى يخرج صوتها ببعض الثبات:

- اا الملفات اللي في إيدى دي هاطلعها للإدارة فوق في الدور السادس .

- طب وخايفة وانتِ بتكلميني ليه؟ حد قالك اني هاخطفك مثلًا؟

يسألها بتسلية وعيناه المتفحصة تلاحق كل تفصيلة بوجهها دون حياء، تقسم بداخلها أن هذا الرجل سيقتلها رعبًا بأفعاله معها، وبكذبة مفضوحة؛ نفت برأسها تنكر :

- لااا حضرتك انا مش خايفة

- بجد!

تفوه بها وانفرج ثغره بابتسامة شيطانية حينما تحركت اقدامه نحوها بخطوة واحدة جعلتها ترتد للخلف شاهقة برعب، دوت ضحكة رجولية صاخبة منه في قلب المساحة الضيقة، مستمتعًا برد فعلها والرعب الذي ارتسم على ملامح وجهها، ثم من دون كلمة أخرى التف ليخرج مغادرًا المصعد، حينما انفتح الباب الإليكتروني على الطابق الذي يقصده، تسمرت زهرة محلها فاغرة فاهها بأعين متوسعة بجزع ، تراقب خروجه بهيبته المعتادة وكأن شيئًا لم يكن، حتى انغلق الباب اتوماتيكيًا حاجبًا رؤيته أمامها، مصدومة مذهولة لاتجد تفسيرًا لفعل هذا الرجل معها؟ هل هذه كانت مشاكسة لموظفة عادية تعمل بشركته؟ كرئيس  يتمتع بروح الفكاهة وليس انه رجل كشري ومقلوب الحاجبين دائمًا كما تصفه كاميليا، ام يكون متعاطيًا لإحدى المكيفات ولا يعي ما يفعل؛ كأباها الذي يصبح يوميًا متقلب الأحوال حسب الصنف الذي يتجرعه؟!

رفعت هاتفها الذي بيدها لتضغط على الرقم الذي تعرفه جيدًا وتتصل، أتتها الإجابة على الفور.

- الوو........ ايو يازهرة عايزة ايه ياقلبي ؟

.............................

- نعم بتقولي ايه؟

تفوهت بها كاميليا وهي تحدث زهرة في الهاتف والتي اردفت.

- زي مابقولك كدة والله ياكاميليا، لاقدمت حرف ولا اَخرت حرف، دا فكرني بالعيال الصيع في حارتنا لما يحبوا يغلسوا على بنت معدية في الشارع.

شهقت كاميليا التي انتزعت النظارة من فوق عيناها وهي تضحك بدهشة اثارت استياء زهرة التي صاحت عليها في الهاتف غاضبة :

- انتِ بتضحكي على كلامي ياكاميليا، هو انتِ سمعاني بقولك نكتة مثلًا؟

حاولت كاميليا كبت ضحكها وهي ترد بأسف:

- انا أسفة يازهرة، بس التشبيه بتاعك ضحكني من قلبي فعلًا وانا بتخيل جاسر الريان بجلالة قدره يعمل زي ماقولتي كدة، دي حاجة كدة ولا الخيال، بس هو بيعمل معاكي كدة ليه؟

وصلها الصوت الساخط:

- هو انتِ بتسأليني ياكاميليا؟ اشحال ان ما كنت انا بنفسي سألاكي السؤال ده امبارح، دا راجل غريب والله .

مطت كاميليا بشفتيها واهتزت كتفيها لا تستوعب فعل ماتذكره زهرة عن جاسر الريان وهي بنفس الوقت لا تكذبها، انتفضت في جلستها بعد سماعها تردد اسمه من قريب لتنهي المكالمة على عجالة:

- زهرة اقفلي دلوقتي وهابقى أكلمك بعدين انا، ماشي.

انتصبت واقفة حينما رأته على الفور امامها اَتيًا وخلفه كارم مدير أعماله ويده اليمنى في مجموعة شركاته

اردفت اليه بصوت مسموع :

- صباخ الخير ياجاسر بيه.

أومأ برأسه لها كتحية بوجهه المتجهم كالعادة راقبته حتى دلف لداخل المكتب واغلق كارم الباب، فتمتمت بصوت خيفض تتسائل مع لنفسها:

- ايوة كدة صح، هو دا جاسر الريان؛ امال اللي بتتكلم عليه زهرة دا يبقى مين ؟

.... ........................


عاد محروس لمنزله ليلًا، يتبختر بخطواته منتشيًا أمام زوجته التي كانت تشاهد باهتمام إحدى حلقات المسلسل الهندي، فسرق انتباهاها عنه؛ حينما التفت على الغناء بصوته لمطرب شعبي مشهور، وضع اللفة التي بيده على الطاولة التي توسطت المنزل ثم تقدم حتى يجلس بجوارها على الكنبة المنجدة بيده سابقًا، خاطبها وهو ينحني ليخلع عنه حذائه.

- مساء الخير ياام البنات.

رددت خلفه بدهشة:

- مساء الخير يامحروس، مش بعادة يعني ترجع بدري كدة والغزالة تبقى رايقة؟

انفرج فاهه بابتسامة متوسعة اظهرت خلوه من بعض الأسنان:

- لا ما انا روقت بدري على نفسي النهاردة، يعني مش محتاج اروح لغرزة الواد يماني وخمرته المضروبة.

صمت قليلًا يجوب بعيناه في ارجاء المنزل، وتابع سائلًا:

- هما البنات راحوا فين؟ مش شايفهم يعني.

اجابته بريبة :

- سلمى ومنى ناموا بدري عشان ميعاد المدرسة، وصفية بقى بتذاكر فوق عند اختها وجدتها، ما انت عارفها بتقضي معظم الوقت معاهم دلوقتي، من ساعة ما خالد خال زهرة سافر الخليج.

أومأ بابتسامة غير مفهومة:

- طب كويس اوي، عشان الجو يخلالانا ياسمسمتي، وناكل كيلو الكباب اللي هناك ده لو حدنا انا وانتِ.

قطبت تنظر نحو اللفلة الموضوعة على الطاولة ذات الرائحة النفاذة وعادت مرددة خلفه بدهشة:

- سمسمتي! وكمان جايب كباب! هو ايه اللي حصل؟ وجبت تمن الكباب منين يامحروس؟

ارتفع طرف شفته وذهب عن وجهه العبث، ينكزها بقبضة يده:

- وانتِ مالك جبته ولا زفته منين؟ دا بدل ماتفرحي اني بدلعك يابوز الفقر انتِ.

- طب خلاص خف إيدك دي شوية يامحروس، انا جسمي لسه موجوع من العلقة اللي فاتت .

قالت سمية وهي ترتد بجذعها تبتعد عنه، توقف يأمرها بصوتٍ حازم :

- طب اخلصي قومي يالا حضريهم والبسي انتِ هدمة كويسة بدال المقرحة التي انتِ لبساها.

نهضت تنفذ أمره على مضض وهي تمتم بقهر:

- ربني ياخدني ياشيخ، عشان اخلص منك ومن خلقتك العكرة دي.

..............................


في اليوم التالي 

وكالعادة بكل يوم جمعة استيقظت زهرة مبكرًا بكل نشاط، لتنهي كل اعمال المنزل سريعًا؛ حتى تجد الوقت الكافي كي تحمم جدتها قبل صلاة الجمعة، حتى لا تحرم رقية من عادة لم تقصر فيها طوال السنوات التي كانت فيها بصحتها.

بعد ان ساعدتها شقيقتها صفية وأجلسن رقية بوسط الصالة متلفحة ببشكير صغير فوق رأسها بعد الإستحمام، كانت صفية تقلم لها اظافرها في انتظار زهرة التي كانت تنشف الأرضية بعد ان قامت بغسل الملابس التي خلعتها عن جدتها .

- براحة يابت، القصاقة هاتاكل صباعي.

صاحت بها رقية على صفية التي ردت لها مبتسمة:

- بطلي انت دلع وتحريك في إيديكي طيب عشان القصافة ماتفوتش عن الضفر.

- انا برضوا اللي بتدلع يامقصوفة الرقبة، انا برضوا.

قهقهت صفية تبتعد عن مرمى كف رقية الحرة وهي تمتمد لتضربها على كتفها، ثم جذبتها من تلباب بلوزتها تسألها رافعة حاحبها:

- خدي هنا يابت، وديتي فين المنوكير اللي كنتِ حطاه على ضوافرك امبارح؟.

ردت صفية بتوجس :

- شيلته ياستي عشان اعرف اصلي، بس انتِ بتسألي ليه؟

ضيقت رقية عينيها تسالها بتركيز:

- لا انتِ بتوحطي المنوكير وتطلعيه وقت الصلاة كدة عادي.

اومأت لها برأسها:

- ايوة ياستي دا بينشال على طول عشان اسلامي، انا بحطه بس وانا خارجة كدة تفاريح يعني.

تركتها وهي تأمرها :

- طب قومي هاتي وحطيلي على ضوافري.

- احطلك على ايدك بس ازاي ياستي ؟

هتفت بها صفية قبل أن تضربها رقية على كتفها :

- هو انا ها علمك يامقصوفة الرقبة، زي مابتحطي  لنفسك ياختي حطيلي، قومي يالا.

نهضت عنها صفية مبتعدة تردد بعدم تصديق :

- ياستي ماينفعش، دا لونه احمر فاقع.

قالت رقية وهي تعبر بيدها بما جعل صفية تطلق ضحكتها بصوتٍ عالي:

- وماله يابت لما يبقى احمر فاقع، لهو انا هارقص بيه. ولا يكونش هارقص بيه؟

- حطيلها ياصفية وانا ابقى اشيلهولها وقت الصلاة .

تفوهت بها زهرة وهي تقطع الصالة أمامهم وتحمل على يدها، كوم الملابس المغسولة على طبق بلاستيكي صغير، كي تنشرها على منشر الشرفة، انتبهت عليها صفية وهي تتابع سيرها، حاسبي ياصفية، شعرك كله خارج من الحجاب ، ارتدت زهرة فور سماعها الملحوظة كي تلملم شعرها جيدًا قبل ان تضع الحجاب الطويل لتخفيه، تكلمت شقيقتها صفية بأعين يملأها الأنبهار:

- الله يازهرة، شعرك طويل وحلو اوي، كان نفسي شعري يبقى زيه، هو انتِ ليه دايمًا مخبياه؟

تبسمت لها زهرة تجيب سؤالها:

- اتعودت بقى ياصفية، من ساعة ما كبرت وخالي خالد قالي ان البنت مدام بلغت يبقى تلتزم بالحجاب، وانا بقيت البسه حتى في البيت .

استفاقت صفية من تركيزها مع كلام شقيقتها وانبهارها لرؤية شعرها على نغزة بالعصا على اسفل قدمها وصوت رقية يصدح بجوارها، كبري في قلبك يابت سمية.

صرخت صفية متألمة :

- براحة ياستي، هو انا هاحسدها يعني؟

تجاهلتها رقية وهي تردف لزهرة بجدية:

- اتصلي على خالد النهاردة يازهرة مدام جييتي سيرته، خليني اطمن عليه.

................................

وفي مكان اَخر .

تقدم عامر بخطواته البطيئة حتى اقترب من حوض السباحة الكبير، يهتف على ابنه الذي استغل يوم أجازته لممارسة هوايته المفضلة في السباحة:

- جاسر باشا، ممكن والنبي دقيقتين من وقتك يعني لو تسمح وتخرج من باب الحمام.

ظل على وضعه بداخل الماء، صامتًا للحظات قبل ان يردف باقتضاب:

- لازم يعني، ماينفعش تكلمني على كدة؟

صاح عليه عامر بحزم:

- ماتخرج بقى ياولد وتعبرني، هي الميا هاتطير.

اومأ بعيناه ثم سبح نحو الخروج على مضض، حتى خرج الى والده يجفف بمنشفة قطنية بيضاء جسده المبتل، قبل ان يجلس امام والده، الذي اشعل سيجارًا كوبيًا من التبغ الفاخر، تفحصه قليلًا ثم اردف:

- ماشاء الله، انا شايف ان عضلاتك زادوا واتنحتوا اكتر من الأول، شكلك مهتم اوي بمشوار الجيم ولعب الرياضة بانتظام.

نزل بعيناه نحو مايقصده والده ورد :

- الحمد لله، انا فعلًا بقيت منتظم .

اومأ برأسه عامر يغمغم بعدم رضا:

- طبعًا امال ايه، مش بتوفر الوقت اللي بتفضاه من شغلك للرياضة وبس، شئ طبيعي ان دي تبقى النتيجة.

ضيق عيناه سائلًا بتفسير:

- تقصد ايه مش فاهم .

تنهد عامر يجيبه وهو يقرب رأسه منه:

- قصدي انت فاهمه كويس ياجاسر، بلاش تلف وتدور معايا.

اشاح بوجهه عنه يخفي امتعاضه وقد وصل اليه ما يرمي اليه والده ، تابع عامر.

- بتبعد بوشك عني ليه؟ يابني اتكلم معايا، انا مش حد غريب، هو انت لدرجادي السكك بقت مسدودة بينك وبين ميرهان؟

عاد بوجهه اليه رافعًا احدي حاجبيه سائلًا :

- حضرتك بتسألني على أساس انك متعرفش يعني؟

قلب عيناه الرجل الكبير وقال متأفافاً:

- لا ياسيدي عارف، اتجوزتها عشان ترضي والدتك، وترضيني انا بمشاركة والدها بسلطته ونفوذه عشان نكبر المجموعة، بس كمان احنا كنا فاكرين انكم هاتتفاهموا زي اي اتنين متجوزين، خصوصًا وانت يعني حسب ما اعرف، شوفت قبلها ومشيت مع كتير فشئ طبيعي انك تهدى وتعقل بالجواز وهي......

- هي ايه؟

سأل والده من تحت أسنانه، جاوبه عامر وكلماته خرجت بتعلثم وتفكير:

- هي.... مش وحشة على فكرة، اينعم هي متحررة في لبسها وطريقة حياتها، بس دا بقى شئ منتشر كتير في طبقتنا، ولو عايز ممكن اذكرلك اسماء لناس كتير في عائلات اعرفهم ...

- مش عايز اعرف.

قاطعه بحدة وأكمل :

- انا لا عايز اعرف عنها ولا منها، انا مبقتش طايقها من الأساس، هي بتتجاهلني وتعمل اللي هي عايزاه وانا مش مبعبرها اساسًا، تتفلق.

رجع عامر بظهره للمقعد وارتفع حاجبيه يستوعب البساطة التي يتكلم بها ابنه عن شئ كهذا، وقال اَخيرًا:

- هو انت ليه محسسني انك بتتكلم عن واحدة غريبة، يابني دي مراتك، يعني لازم يبقى في مودة مابينكم، أمال بقى لو حصل وخلفتوا عيل هايعيش مابينكم ازاي بس؟

- عايزني انا اخلف من ميرا؟!

قال واطلق ضحكة ساخرة اثارت استهجان والده الذي هتف بحزم ليوقفه:

- بطل ضحكك المستفز ده وماتحرقش دمي، هو فيه ايه بالظبط؟

رد جاسر بحدة :

- في ان جوازي الفعلي من ميرا منتهي من فترة طويلة ، انا عن نفسي مش متذكرها، يعني مابقربلهاش نهائي يبقى هاخلف منها ازاي بقى؟

تعقد لسان عامر عن الرد بعدما اصابته الصدمة من كلمات ابنه الذي تابع:

- ايه ياباشا؟ اسف لو كنت صدمتك بكلامي، بس بصراحة انا كان عندي ظن انك فاهم لوحدك.

- افهم ايه؟ وهي الحاجات اللي مابين الراجل ومراته الناس هاتعرف ولا تفهمها ازاي بس، طب بالنسبالها هي ساكتة ازاي عن حاجة زي دي؟ وانت نفسك عايز تفهمني انك قاعد كدة راهب من غير ست ؟ولا يكونش في حد في حياتك ياولد؟

تسائل عامر بهذه المجموعة من الأسئلة والتي تلاقها جاسر يجيب عنهم بالترتيب :

- اولاً انها ساكتة ازي دي حاجة تخصها هي، لأني كذا مرة عرضت عليها الطلاق لكن هي بقى متبتة زي اللزقة، وحكاية اني قاعد من غير ست، فدي انا كنت بتصرف فيها الأول مع اي واحدة تعجبني، قبل مانفسي تقفل من الصنف خالص واتفرغ لشغلي وبس، اما بخصوص وجود ست في حياتي، فاديك فهمت لوحدك.

نهى جملته الاَخيرة لوالده الذي شحب وجهه وتسمر كالتمثال او كأن اصابه الشلل المؤقت يحدق صامتًا  نحو جاسر الذي التهى عن حالته وقد طاف بعقله اللون الوردي ورائحة الزهور

..................................

كالطفل الصغير الفرح بلعبته الجديدة، كانت رقية تنظر على اللون الأحمر القاني على اظافر يدها الصغيرة، 

- هههي ياحلاوة ياولاد، والله وحطيتي منكير يابت رقية، فاضل بقى اروح الكوافير واعمل شعري كمان هههيييي.

قبلتها زهرة على رأسها كاتمة ضحكتها وهاتفها على اذنها في انتظار الرد من الجهة الأخرى، فاأتى الجواب بعد قليل:

- الوو.. ايوة يازهرة.

- الوو... ايوة ياخالي، عامل ايه ياحبيبي؟

- ياقلب خالك انتِ، الحمد لله يابنت الغالية، اديني بقاوح مع المعايش وربنا المعين،

- امين يارب، يعينك ويقدرك، طب والعيشة عندك ياخالي ، دا انا بشوف شكل البلد اللي انت قاعد فيها في التليفزيون، دي تهبل ياخالي.

- انا في الصحرا ياحبيبة خالك، البلد اللي بتتكلمي عليها دي انا مابشوفهاش نهائي، الصحرا هنا صعبة والشغل اللي فيها يحد الحيل.

صمتت زهرة متأثرة بالمرارة التي تقطر من صوت خالها العابر عبر الاثير، اردف يسألها:

- عامل ايه ابوكي معاكي؟ بيجي يطل عليكم زي انا ماوصيته ولا لسه على وضعه؟

صمتت رافعه حاجبيها تلوي ثغرها دون رد ، فقال خالد :

- مدام سكتي يبقى لسة على وضعه، كان قلبي حاسس والله.

ردت زهرة مغيرة مجرى الحديث:

- سيبك منه ياخالي وخلينا فيك، المهم بقى ، امتى كدة هتنزل اجازة عشان تحدد ميعاد مع الأستاذة نوال حبيبة القلب.

وصلها صوت خالها الذي تالق بالفرح رغم انكاره:

- بس يابت انا مافيش في قلبي غيرك، والأستاذة نوال دي مجرد واحدة انا خطبتها ويعالم الجواز هايكمل بقى ولا لأ.

هتفت عليه بجزع:

- ماتفولش ياخالي وقول ان شاء الله لا حسن وربنا هازعل بجد.

ردد يراضيها بابتسامة:

- حاضر ياستي هاقول ان شاء الله، المهم بقى اديني رقية دي وحشتني اوي.

- مش اكتر مني ياخالد يابن قلبي.

هتفت بها رقية وهي تتناول الهاتف، فاتاها صوته الضاحك:

- ايه يارقية لحقتي تمسكي الفون وتردي بالسرعة دي؟

- ياواد سمعتك عشان زهرة معلية السماعة، وحشتني يامضروب،

- وانت كمان ياامي، وحشتيني قوي ووحشني كلامك وضربك على راسي لما احطها على رجلك.

- يخربيتك هو ده اللي وحشك مني، ينيلك يابعيد براسك الكبيرة دي.

- هههههههه .

انطلقت منه مجلجلة في الهاتف جعل الاثنتان تضحكان على ضحكته، قبل أن تتذكر زهرة لشئ ما فتناولت الهاتف تردف سريعًا:

- أسفة ياخالي سامحني لو ها قطع ضحكتك، بس انا بصراحة خايفة لانسى ، وماهر بركات مشدد عليا اقولك 

- عايز ايه سمسار الزفت.؟

سأل بغضب واجابت زهرة:

- بيقولك اننا بالشهر اللي احنا فيه ده، يبقى هانكمل ٥ شهور على قسط الشقة المتأخر، وانه يعني مش هايقدر يصبر اكتر من كدة.

- يعني ممكن ياخد الشقة؟

تمتم حانقًا يستغفر ربه قبل ان يردف لزهرة:

- كلها شهر بالكتير واكون باعتلك عالبنك كام قسط كدة، انا الشهور اللي فاتت دي كلها كنت بسد ديني عند الراجل اللي طلعني السفرية،بس هانت

- معلش ياخالي ربنا يقدرك ويقويك، بقولك ايه خد بقى رقية خليها تروقك!

بعد أن أنتهاء المكالمة مع خالد نهضت زهرة كي ترتب فراش جدتها بالغرفة وتغير الملائة القماشية لها، ولكنها توقفت على طرقة على باب منزلهم مصاحبًا لصيحة رجولية معروفة لديها.

- افتحي يازهرة الباب.

- مين يابت؟

سألت رقية وهي توقفها قبل الخروج من الغرفة، وردت  زهرة:

- دا ابويا ياستي، ثواني هاروح افتحه ورجعالك تاني هنا. 

تمتمت رقية بقلق وهي تنظر في أثر حفيدتها التي خرجت لتفتح باب المنزل لوالدها:

- ياترى ايه اللي جايبك في الوقت ده يامحروس؟ حكم انا عارفاك متطلعش عندي الا في المصلحة.

................................


- أبوكي! ودا ايه اللي جابوا عندك؟

- معرفش والله ياماما، اديلوا شوية وهو قاعد جوا في اؤضة ستي رقية بيتكلم معاها ومع زهرة بصوت واطي، انا مش سامعة منه كلمة

كانت اجابة صفية على سؤال والدتها في الهاتف وهي واقفة به على اطار غرفة زهرة تشرئب بأنظارها وتراقب مايحدث بغرفة رقية في الناحية الأخرى، وتابعت:

- تفتكري ياماما ها يكون عايز منهم ايه؟ اصلي بصراحة يعني انا عمري ماشوفته جاي يطمن وخلاص.

- والله يابنتي ماعارفة، بس ابوكي من امبارح وانا حاسة دماغه فيها حاجة، ربنا يستر بقى، اتصلي بيا بعد مايمشي وطمنيني.

.................................

شاحبة الوجه مزبهلة تنظر نحو والدها بعدم تصديق وهو يردف بكلماته امامها وهي لا تستوعب جديته، انتبهت تستفيق من صدمتها على سؤال رقية.

- فهمي دا يبقى ابن مين ؟

- فهمي دا يبقى صاحبه ياستي.

رددت زهرة تجيب جدتها بحدة اثارت غضب والدها الذي تشدق قائلًا :

- مش قد سني يابت، دا يدوبك مقفل ال ٣٦ في يونيه اللي فات، يعني في عز شبابه.

سألته رقية متخصرة :

- وابو ٣٦ تلاتين دا بقى ياعنيا، اسمه ايه بالكامل عشان اعرفه؟

اجاب محروس:

- اسمه بالكامل فهمي متولي الشبراوي.

شهقت رقية ضاربة بكفها على صدرها:

- ابن متولي الشبراوي يعني امه شوقية، نهار اسود يامحروس، بقى عايز تجوز بنتك للواد الاهبل دا اللي كان بيمشي في الحارة بالبربور على وشه والعيال تحطله التلج في قفاه!!


...... يتبع 

نختم بقى بخفة دم رقية، توقعاتكم بقى للجاي وأرأكم في الحلقة.


تكملة الرواية من هنااااااا


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا




تعليقات

التنقل السريع