القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية نعيمي وجحيمها الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم امل نصر بنت الجنوب كامله

رواية نعيمي وجحيمها الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر  بقلم امل نصر بنت الجنوب كامله






رواية نعيمي وجحيمها الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر  بقلم امل نصر بنت الجنوب كامله






الفصل السادس 


مع ارتفاع الاصوات وازدياد وتيرة حدتها، اقتربت صفية اكثر من الغرفة الصاخبة بشجارهم، حتى أصبحت تقف ملتصقة بإطار باب الغرفة، تشاهد مايحدث صامتة، في ظل انشغال الجميع عنها.

- هي دي بقى تربيتك يارقية اللي فرحانة بيها، البت بتهب في وش أبوها من غير خيشا ولا حيا.

هتف بها محروس غاضبًا بأعين حمراء لم تهابها زهرة التي كانت تقف مقابله بالند، بشراسة نادرًا ماتصدر منها، حينما يصل غضبها لأشده وهي الاَن تشعر بأنه قد فاض بها من هذا الرجل المدعو أباها ومن أفعاله، هتفت جدتها ترد عليه:

- ومالها بقى ياخويا تربية رقية؟ عشان البت ماهي رافضة الواد ابو بربور بتاعك؛ تبقى مش متربية وبتهب فيك؟

- ابو بربور ابو بربور في ايه ياولية ؟ هو انت مخك وقف على شكل الواد وهو صغير، ماتعرفيش انه كبر وبقى راجل وملو هدوموا دلوقتي.

صاح بها محروس على رقية، فجاء الرد من زهرة بتكملة :

- وبياع برشام واخلاقه زفت ومتجوز قبلي تلاتة كمان .

- وماله لما يبقى متجوز ومطلق ، نقص منه حتة يعني ولا نقص منه حتة، ثم حكاية بيع البرشام دي اشاعات والناس بتطلعها عليه عشان ماهو راجل كسيب وجيبه دايمًا عمران .

رد محروس بتشدق ، فقربت منه زهرة رأسها تنظر داخل عيناه بحدة غير مبالية بالحمم المشتعلة بها

- بزمتك ياشيخ انت مصدق كلامك ده؟ ولا انت فاكرني هبلة ونايمة على وداني عشان معرفش فهمي واللي بيعمله، سمعة فهمي مسمعة زي الطبل في الحارة ياوالدي، بالظبط زي سمعتك انت ما مسمعة في الدنيا كلها..ااه

صرخت بها مجفلة حينما حطت كفه على وجنتها بلطمة قوية دوى صوتها في محيط الغرفة تتبعه صرختها وصرخة صفية من الناحية الأخرى، فخرج صوت رقية بخشونة بعيدة تمامًا من رقتها وحديثها اللطيف دائمًا :

- اطلع برة يامحروس بكرامتك احسن، بدل ماافرج عليك الحارة كلها، وان كنت فاكر ان بسفر خالد ابني زهرة هاتبقى لقمة سهلة في ايدك ، يبقى انت لسة معرفتناش وعايز تعيد معانا القديم من تاني .

هتف جازًا على أسنانه:

- زهرة بنتي يارقية وان كنت سيبتهالكوا زمان فدا مش هايلغي انها بنتي وليا حق عليها .

- حق مين ياابو حق؟ حاول بس تقرب منها وانت تشوف مين يقفلك، ابني قبل مايمشي كان عامل حسابه، حاول بس تلمس شعرة من زهرة ولا تقرب لها ، وانا اكون فاتحة القديم والجديد ومودياك في ستين داهية .

- انا خارج دلوقتي وراجع لكوا تاني، ماهو انا مش كروديا ها مش كروديا، اوعي يابت .

صاح بها يدفع صفية بعيدًا عنه ليتخطاها ويخرج مغادرُا ، مغمغًا بالكلمات النابية، اقتربت صفية من شقيقتها التي مازالت واضعة كفها على مكان اللطمة، متسمرة محلها، يبدوا انها مازالت لم تستفيق بعد من الصدمة، فقالت مهونة عليها تربت على يداها:

- معلش يازهرة، ما انتِ عارفة بابا.

اومأت لها بمرارة وأعين غائمة تأبى البكاء :

- عارفاه، وعارفاه قوي لما يحط حاجة في دماغه .

رددت خلفها رقية بتحدي:

- يحط ولا مايحطش بابت، انت هايهمك في إيه؟ اعلى مافخيله يركبه!

...............................


بفستان اسود التصق بجلدها كجلد ثانى، طوله لم يصل حتى الى الركبة، ليظهر طول سيقانها ونحافتها ، كانت عائدة من حفلة حضرتها مع اصدقائها، تتلاعب بمفاتيحها وتدندن بالغناء غير مبالية لأي شئ، غافلة عن اربع عيون كانت تراقبها من وقت ان دلفت للمنزل، وقبل أن تصل للدرج كي تصعد للطابق الذي غرفتها به؛ أجفلت على صيحة قوية من الخلف

- ميرهان .

استدارت ترد على صاحب الصوت وقد علمت هويته:

- نعم ياانكل عايز حاجة؟

ظل صامتًا على هيئته المتحفزة ولم يرد، نزلت عيناها نحو الجالسة بجواره وجدت خالتها تنظر لها بجمود هي الأخرى فقالت مرتبكة :

- اا مساء الخير اولًا هو في حاجة؟

............................


واضعة رأسها على اقدام جدتها مستكينة هادئة؛ تتلقى حنان المرأة العجوز وهي تلمس بكفها على شعرها، تلقي على أسماعها الكلمات اللطيفة والمشجعة:

- عجبتيني أوي النهاردة لما وقفتي وفي وشه ترفضي الجوازة الزفت دي يازهرة، أيوة كدة ياعين ستك، خليكي قوية زي مابيقولك خالك دايمًا.

- بس ابويا مش هايسكت ياستي .

قالت زهرة بنبرة هادئة، سألتها رقية باستفهام:

- يعني هايعمل ايه يعني؟ خليه يوريني شطارته ويشوف بقى ساعتها رد فعلي هايبقى إيه؟

- انا عارفاه ياستي، مش هايعدي الرفض كدة بالساهل، اكيد فهمي اغراه بالكيف بتاعه، ماهو الحماس ده مايجيش من شوية.

صمتت زهرة قليلًا تننهد بثقل، ثم تابعت:

- يعني مش كفاية عليه أنه منع عني بسمعته المهببة كل الفرص الكويسة، مش كفاية عليه انه حرم عليا الحلم الطبيعي لأي بنت في الجواز والفرحة؛ وانا عارفة ومتاكدة اني مش هلاقي اللي هايجهزني ولا يرفع راسي قدام اي راجل يتقدملي.

- وخالك بقى راح فين يامقصوفة الرقبة؟

قالت رقية منفعلة وهي تلكزها بقبضتها على كتفها، تأوهت زهرة قليلًا ثم تابعت بجدية:

- اه، خالي خالد ربنا يخليهولي ياستي، ضهري وسندي دايمًا، لكن بقى اللي مايشوفش من الغربال يبقى اعمى، هو ضيع جزء كبير اوي من شبابه في تربيتي والصرف عليا، اَن الأوان بقى انه يشوف مصلحتوا ويحوش قرشين يتجوز بيهم الست اللي بيحبها، هو انا يعني هافضل كاتمة على نفسه كدة على طول، دا حتى يبقى حرام.

- قومي يابت من على حجري قوي .

قالت وهي تدفعها بكف يدها بعنف، مما جعل زهرة ترفع عنها رأسها وتعتدل بجذعها لتقابل الغضب العاصف على ملامح جدتها ، والتي وجهت اليها كلماتها بحدة:

- إياكي اسمعك تاني بتقولي الكلام ده فاهمة، اوعي تفتكري يابت ان خالك سافر عشان يحوش لجوازتوا هو وبس، لا ياحبيبتي؛ خالك حلفلي انه مش راجع من سفره، الا ومعاه تمن جهازك من الألف للياء.

- كمان ياستي، يعني يعول همي حتى في دي؛ 

مش كفاية عليه الهم اللي هو فيه.

هتفت رقية عليه بحدة:

- وانت مالك ياستي، هو على قلبه زي العسل.

صمتت قليلة تخفف حدة حديثها:

- ياحبيبتي دا خالك كان بيتقطع من جوا لما كان بيأجل في جوازك مع كل عريس بيتقدملك؛ لو كان بإيده لكان جوزك لأول واحد اتقدملك من وقت ماخلصتي المعهد، لكن بقى كل حاجة نصيب وان شاء الجاي احسن من اللي فات، ولا ايه؟ مش برضك بيقولوا كدة يابت في التليفزيون؟

اومأت لها بابتسامة :

- بيقولوا ياستي.

- طب اتخمدي بقى خليني اللعبلك في شعرك مدام فكرتيني بالواد خالد وحركاته معايا.

استسلمت زهرة لمزاح جدتها وهي تجذبها من شعرها لتعود برأسها مرة أخرى بحجر رقية التي هتفت بعد ذلك .

- يالا يابت محروس اللي اقرع انتِ.

...........................


- انت بتقولي انا الكلام دا ياانكل ؟

سألت بأعين متسعة اظهرت جمال عدساتتها اللاصقة ذات اللون الرمادي على أعيُنها.

صاح عليها عامر بقوة:

- ايوة انتِ يا مريهان، انا بنصحك انتِ عشان عليكي الدور الأكبر في الموضوع، يابنتي ماينفعش النظام اللي انتوا عايشين بيه ده، دا ماسموش جواز دا حاجة تانية خالص ملهاش اي تفسير.

- طيب وانا ذنبي ايه؟

هتفت بها تخاطب الاثنان وتابعت:

- ابنك هو بِعد عني ياخالتوا، ابنك هو اللي كان بينتقدني ليل ونهار في لبسي وطريقة حياتي من غير تفاهم ياأنكل، وانا كرد فعل عادي بردولوا، امال يعني افضل ساكتالوا لحد مايلغي شخصيته وابقى تابعة ليه.

تدخلت خالتها وتدعى لمياء

- يابنتي ماحدش قالك ابقى تابعة ليه، احنا بس بنقولك بطلي تتحديه وخففي نبرة التعالي عليه، جاسر الريان مش قليل عشان يتقبل معاملتك دي، ابني مابيجيش بالعند يامريهان.

مطت شفتيها قائلة باستعلاء:

- وانا كمان مش أي حد عشان اتقبل وارضى بأسلوبه ده معايا، وكفاية اوي اني جاية على نفسي وقابلة بعيشتي مع واحد مش معتبرني مراته اساسًا .

- ااه، جينا بقى في المفيد واللي عايز افهمه انا بالظبط.

اردف بها عامر وتابع :

- هو انتوا من امتى بالظبط عايشين مع بعض بالنظام ده؟ وانتِ ازاي متقبلة كدة ومابتحاوليش معاه.

فغرت فاهها بملامح ممتعضة تستنكر:

- نعم ، انت عايزني انا احاول؟ وهو بقى دوروا ايه عشان افهم؟ ابنك ياانكل بقالوا سنتين مقربليش، سنتين من تلت سنين جواز، عايشين في بيت واحد، مابنشوفش بعض غير بالصدفة، انا كان ممكن اوافقه في اول مرة طلب مني اننا نتطلق، بس انا بقى عملت بأصلي وموافقتش على طلبه، عشان مقدرة كويس حجم الكوارث اللي هاتترتب في انفاصلنا على المجموعة واندماج العيلتين، وفضلت ساكتة ومابتكلمش.

تنهد عامر بتعب قائلًا:

- طب وبعدين ياميري ؟ يابنتي احنا جاين مخصوص نقضي اليومين الفاضلين معاكم قبل ما نسافر، نقوم نكتشف الكوارث دي كلها.

اكملت على قوله لمياء:

- لا واحنا اللي كنا عاملين حسابنا قبل مانيجي عشان نعرف ايه السبب في تأخير الخلفة؟ هه.

اعتدلت في جلستها لتضع قدمًا فوق الأخرى، وتتكلم بعنجهية:

- على العموم ياأنكل ، ابنكوا عندكم، كلموه وشوفوا هايقولكم ايه، وانا عن نفسي كبادرة طيبة مني مستعدة اخف الخروجات واتساهل شوية في اللبس عشانه، المهم بقى انه يفهم اني مراته.

تبادل الرجل وزوجته النظراتٍ بينهم والتي تحمل في طياتها الأمل، غافلين عنها وقد التمعت عيناها بالشوق والرغبة لمجرد الفكرة 

............................

في اليوم التالي 


في الشركة، وعلى طاولة مستديرة امتلأ سطحها بالملفات والمستندات كان يبحث ويعمل مع مدير اعماله كارم على مجموع الأعمال التي تم انشاؤها والتي مازالت في طور التنفيذ، ومعدل الجدول الزمني المحدد للإنتهاء من لكل واحدة منهم، عاد جاسر بظهره لخلف المقعد، يفرد ذراعيه عاليا وقد تمكن منه الإرهاق:

- انا تعبت ياكارم هو احنا لسة قدامنا كتير؟

قال جاسر، واجابه الشاب الثلاثيني بجدية كعادته وهو يبحث في الملفات:

- للأسف ياباشا لسة فيه كتير، تحب نأجل شوية ولا نكمل عادي .

- لا نكمل ايه ؟ انا فصلت .

هتف بها ونهض على الفور ليخطوا نحو الإريكة الجلدية الكبيرة الموجودة في ركن المكتب ليفرد عليها جسده ويستريح قليلًا، تبعه كارم وهو يلملم في الملفات قائلًا:

- تمام ياباشا، تحب اطلبلك حاجة تشربها ولا تأمر بأي حاجة تاني؟

لوح بكفه اليه بعد ان استلقى يغمض عيناه، 

- لا انصرف انت دلوقتي، بس نص ساعة كدة وتخلي كاميليا تدخلي بأوراق المناقصة الجديدة، ماتنساس

- أمرك ياباشا.

اردف بها كارم وانصرف يغلق باب المكتب بهدوء.

خرج الى كاميليا التي انتبهت اليه بفطنتها وتجاهلت حديث غادة الجالسة أمامها على المكتب في الناحية الأخرى، اقترب من مكتبها بعملية يضع الملف على سطحه:

- نص ساعة ياكاميليا وتدخلي الاوراق للباشا جوا.

اومأت برأسها وهي تتفحصهم جيدًا :

- تمام 

تحرك قليلًا ثم استدار ممازحًا بابتسامة :

- بس اوعي تنسي الله يخليكي، احنا مش قد عواصف غضبه.

نفت تهز برأسها ضاحكة :

- لا اطمن ياسيدي، مش هانسى أكيد .

تدخلت غادة التي كانت مزبهلة نحو الرجل بانبهار قائلة بمزاح هي الأخرى:

- ايوة صح دا ممكن يعلق الكل هنا ههههه

لم يستجيب كارم لمزاحها وتحرك مغادرًا وكأنه لم يسمع شئ، اما كاميليا فاتجهت لحاسوبها تعمل عليه هي الأخرى.

- يالهوي ياما عالرجالة اللي تهبل ياكاميليا، بتعرفي تجاري الناس دي ازاي ؟

التفتت اليه تسألها بانتباه:

- اجاريهم في ايه بالظبط مش فاهمة؟

ردت غادة بلهفة:

- قصدي يعني بتعرفي تتكلمي وتهزري معاهم، من غير ماتتلبخي ولا تتلغبطي معاهم.

- واتلبخ ولا اتلغبط ليه؟

هتفت بها كاميليا وهي تلتلفت لها بجذعها تخاطبها بجدية

- انا مابهزرش مع حد منهم يا غادة عشان دا يحصل، انا كل معاملاتي معاهم في حدود العمل وبس، لو زودت معاهم ولا لغيت بيني ومابينهم الحدود، يبقى استاهل بقى اللي يطولني منهم!

نظراتها الحادة وكلماتها القوية لم يخفى مضمونها عن غادة التي تظاهرت بعدم الفهم وغيرت دفة حديثهم:

- الا صحيح شوفتي البت زهرة، الكمبيوتر بتاعها باظ تاني وبتقول عليه شغل مهم اوي الخايبة دي.

ردت كاميليا وهي تلتف عائدة للحاسوب مرة اخرى لتعمل عليه:

- اه ما انا قولتلها تشوف حد يصلحه بسرعة، اكيد عماد هايعرف دي شغلته اساسًا.

- عماااد! هه

تفوهت بها غادة عاوجة زاوية فمها بسخرية واكملت :

- دا ماهيصدق يلاقيها فرصة، عيل لازقة صحيح

زفرت كاميليا بيأس من طريقتها وفضلت عدم التجادل معها.

............................


وبالداخل وهو مستلقي على أريكته، بتعب كان مغمض العينان علٌه يحظى ببعض الراحة قبل أن يعود لأعماله التي لا تنتهي أبدًا، يريد السكينة ولو قليلًا لهذه الماكينات الدائرة بعقله في التفكير المستمر، لاشئ جديد يحدث عن اليوم الذي يسبقه، لا شئ اصبح يفرحه او يعطيه الطاقة في الاستمرار، وما أشبه اليوم بالبارحة، روتين يومي ومعدل من النتائج لابد من الركض والسعي الدائم للوصول اليها، كالثور المعصوبة عيناه يدور في ساقية ولا يشعر بلذة النتائج، يفتقد الفرحة من القلب،، يفتقد السعادة التي لا يشعر بها ابدًا، يفتقد الشغف لشئ جميل يخطف لب قلبه فيعيد اليه الحياة بلمسه او القرب منه يفتقد الشعور بمعنى الالوان المفرحة يفتقد الرائحة.... رائحة الزهور 

انتفض فجاة يعتدل بجذعه وعقله يتذكرها الاَن بإلحاح ، يومان مروا عليه من وقت ان شاكسها بالمصعد وضحك من قلبه على خجلها والرعب الذي اجتاح قلبها منه، مر يومان ودائمًا ماتداعب خياله باللون الوردي و الرائحة الطيبة، مر يومان....ولم يرها!

نهض فجأة بدون تفكير وقدماه تقوده لخارج المكتب، 

انتفضت كاميليا برؤيته خارجًا امامها ومعها غادة التي تفاجأت برؤيته ايضًا .

- عايز حاجة ياجاسر بيه؟

هتفت عليه كاميليا تسأله، أومأ لها بكفه دون رد وأكمل سيره للخارج،

- ايه ده؟ هو ماشي ولا ايه؟

سألتها غادة بفضول ، فجاوبتها كاميليا بحيرة وعيناها تتبع اثره:

- لا طبعًا هايمشي ازاي انتِ كمان كدة بالقميص الأبيض والبنطلون من غير الجاكت؟ بس ده هايكون رايح فين بس؟

غمغمت كاميليا بصوت خفيض لنفسها .

......... ..................


وفي الناحية الأخرى 

بجوار مكتبها الصغير كانت تقف في انتظار اصلاح الحاسوب الذي كاد يفقدها ان عقلها حينما توقف وقت عملها لإحدى الملفات المهمة التي امرها مديرها بسرعة تجهيزها ، سألت بقلق:

- ها في أمل انه يتصلح دلوقتي ولا هايعك في الوقت؟

رفع راسه اليها عماد بابتسامة واسعة :

- انت عايزاه يخلص امتى؟ لو عايزاه دلوقتي، فاانا شغال عليه، ولو عندك صبر ، ممكن اخدوا معايا واجيبه بكرة زي الفل.

ردت سريعًا بلهفة:

- لا طبعًا دلوقتي ياعماد، انت عايز الأستاذ مرتضى يبهدلني ولا ايه؟

بابتسامة ازدادت اتساعًا قال:

- بعد الشر عليكي من البهدلة يازهرة، تصدقي اول مرة اعرف ان اسمي حلو كدة .

كالعادة ازدادت خجلًا وتورت وجنتيها تخفض عيناها عنه دون رد ، جعلته يردف بقلبٍ يرفرف بالسعادة :

- اقسم بالله نفسي اشكر الكمبيوتر ياشيخة .

- وعايز تشكر ايه تاني كمان؟

أجفل الاثنان على الصوت الخشن الذي دوى بالقرب، على باب الغرفة الواسعة، انتفضت زهرة حينما رأته بهيئته المتجهمة دائمًا يتقدم نحوهم وحاجبيه المقلوبان ازداد تعقدهم بشر.

- ايه اللي بيحصل هنا ده ؟

سأل بجمود ، أجابه عماد الواقف امامه باحترام :

- أبدًا يافندم ، دي الاَنسة زهرة الكمبيوتر بتاعها حصل فيه عطل وانا جيت اصلحه.

- اَنسة زهرة!

غمغم بها بحنق وتابع يسأله:

- وانت شغلتك إيه بقى عشان تصلح الكمبيوتر للاَنسة؟

أجابه عماد :

- يافندم دي شغلتي هنا في الشركة .

- امممم

اردف بها ينتقل بعيناه نحو زهرة التي جف حلقها من افعال هذا الرجل الغريبة معها ، وعماد الذي كان يقف بعدم فهم لما يحدث ، 

- والكمبيوتر اتصلح ولا لأ؟

سأله جاسر من تحت أسنانه:

نفى عماد يهز برأسه :

- لا يافندم انا لسة بحاول فيه .

- طلب اخلص اخرج بيه على مكتبك صلحه عندك .

لوح له بإبهامه للخلف اَمرًا ، تسمر عماد محله قليلًا بعدم استيعاب فعاد اليه بنبرة اقوى :

- بقولك اخلص ياللا خد الكمبيوتر وصلحه عندك.

اذعن مضطرًا عماد يتناول الحاسب وحقيبته ليخرج ، خرج صوت زهرة الضعيف بصعوبة من فرط ارتباكها:

- ططب انا عايزة الكمبيوتر بسرعة يااعماد عشان الملف اللي قولتلك عليه .

- هايخلصه تصليح ويجيبه .

هدر به بحدة جعلتها تبتلع الباقي من كلماتها :

- مش هاتأخر عليكي يازهرة، هاصلحه واجيبه 

هتف بها عماد قبل ان يخرج من الغرفة مغادرًا، فالتفت رأس جاسر بسرعة نحوه ينظر في اثره بملامح متوحشة، حتى عاد اليها بنفس الملامح المخيفة وتقدم بخطواته البطيئة والمريبة نحوها، فجعلها ترتد للخلف حتى التصقت بالحائط خلفها ، تتمنى لو يعود اليها عماد او ان تخرج مغادرة هي الأخري، قبل ان يتوقف قلبها من الخوف ، سئلها فجأة:

- صفته ايه دا عندك؟

قطبت جبهتها ترد باستفسار :

- نعم .

هدر بصوت أعلى مائلًا بوجهه نحوها :

- بسألك تجاوبي، صفته ايه اللي اسمه عماد دا عندك ؟


..... يتبع 

تفتكروا مع كل التعقيدات اللي في الرواية دي هايحصل ايه في اللي جاي، شرفوني بأرائكم وتحليلاتكم 


#امل_نصر

#بنت_الجنوب

الفصل السابع 


اهتز جسدها بصيحته دون ارادتها، كما ازداد جزعها وهي تنظر اليه بعدم فهم، تردد وكأنها تتحدث إلى رجل فاقدًا لعقله .

- مممالهوش صفة والله، دا دا زميلي وبس ، يعني مش خطيبي ولا جوزي عشان يبقالوا صفة

ضيق عيناه متحدثًا بنبرة منخفضة مثيرة للشك:

- ولما هو مش جوزك ولا خطيبك ولا ليه أي صفة غير انه زميلك وبس، بيتكلم ويهزر معاكي ليه؟ وانتِ تتقبلي هزاره وتتجاوبي معاه ليه؟

توسعت عيناها تنظر اليه بصدمة لما وصل الى ذهنها من فحوى كلماته اليها فردت بأعين غائمة تأبى السكوت عن اتهامه :

- حضرتك انا كنت واقفة باحترامي مستنية الكمبيوتر بتاعي يصلحه زميلي في العمل ، وان كان على ابتسامة ولا حتى ضحكة صدرت مني فدا شئ عادئ بيحصل بين الزملة ، وعماد شخص في منتهى الاحترام .......

قاطعها بحدة هادرًا :

- وايه كمان ياأستاذة؟ ماتقولي فيه شعر احسن.

انعقد لسانها عن الرد تمامًا، وهي تجزم بداخلها ان هذا الرجل فاقدًا لعقله حقًا وليس تخمين ، فما فائدة الجدال مع رجلٍ كهذا؛ لا تجد لأفعاله معها تفسير، حل الصمت بينهم وهو ينظر اليها بأعين مشتعلة وملامح وجهه المعقدة بغموض، تونبئُها بحجم تطرفه وهي تبادله النظر بخوف على أمل ان يتزحزح من أمامها ويتركها تُدخل نفسًا طبيعيًا داخل صدرها وقد شعرت بانسحاب الهواء من حولها في قلب الغرفة بحضوره، ولم يضل سوى الرائحة الطاغية لعطره فيها.

- في حاجة ياجاسر بيه؟

دوت قريبًا من ناحية باب الغرفة الخاصة بمديرها الذي استمعت لسؤاله وكأنه النجدة التي أتت اليها من السماء، التف جاسر يبعد انظاره عنها ويستدير ببطء نحو الرجل ليجيبه وكأن شيئًا لم يحدث منذ قليل واضعًا يديه بجيبي بنطاله بهدوء:

- كنت عايز حسابات الشركة عن السنة اللي فاتت كلها يامرتضى.

قطب الرجل قليلًا بدهشة قبل ان يرد مرحبًا به رغم غرابة الموقف يشير اليه بيديه:

- انت تؤمر يافندم، تعالى جوا شرف مكتبي المتواضع وانا اجهزهم حالًا قدامك.

- لا انا مش داخل، انا جاي ابلغك وبس .

اردف بها وانسحب مغادرًا على الفور دون استئذان جعل الرجل ينظر في اثره لفترة مندهشًا قبل ان يعود بنظره الى زهرة التي تسمرت محلها بوجهٍ مخطوف وأعين جاحظة، وهي مازالت لا تستوعب ماحدث 

...............................


- بيضطهدني وحياة النعمة الشريفة بيضطهدني،.

تمتمت بها زهرة وقد تمالكت نفسها اَخيرًا وهي واقفة بجوارر كاميليا في الطرقة المؤدية الى حمام النساء، في انتظار غادة التي كالعادة تعيد الإهتمام بزينتها قبل ان تغادر معهن الشركة ، رددت كاميليا مستنكرة رغم تعجبها هي الأخرى :

- اضطهاد وكلام فارغ ايه بس اللي بتقوليه ده يازهرة ؟ هو احنا في عهد العبودية يابنتي؟

رفعت اليها عيناها قائلة بغضب:

- لا ماهو جاسر الريان هايرجعه تاني ياكاميليا ماتقلقيش، الراجل مش طايقلي كلمة، وكل مايشوفني يطلعلي بتهمة شكل، طب تقدري تفسريلي كدة اللي قولتهولك انا من شوية دا معناه ايه؟

كاميليا وقد انتابها الشك هي الأخرى ولكنها حاولت ان تصرف هذه الأفكار عن رأسها والعودة لتحليل الأحداث بمنطقية كعادتها 

- بصراحة انا معرفش تفسيره ايه؟ بس هو اكيد اتعصب يعني من عماد وافتكره بيهزر في شغله، ودا واحد دايمًا وقته زي السيف وما يقتنعش بهزار ولا ضحك اثناء العمل .

- طب وانا ايه دخلي يابنتي ؟ بيشخط فيا ويوقف قلبي ليه؟ دا بني غريب، كتر خير اهله عليه في البيت ويكون في عون الست اللي هاتتجوزا دا هايطلع عليها عقده ويكرهها في نفسها 

تبسمت كاميليا قائلة:

- لا من النحيادي اطمني، اصله متجوز بنت خالته اللي ابوها يبقى الوزير ، وعلى فكرة هي عايشة حياتها بالطول والعرض.

- حقها تعيش وتضربها بالجزمة كمان، ودا راجل يتعاشر ده، بقولك ايه ياكاميليا البت غادة جاية علينا اهي، اوعي تبلغيها والنبي بالكلام اللي بقولهولك ده ، دي بت خفيفة وانا مضمنش أي رد فعل منها.

قالت زهرة وهي تومئ بعيناها بذكاء نحو غادة التي خرجت اليهم تتمختر بخطواتها، تمتمت كاميليا بصوتٍ خفيض قبل ان تصل اليهم.

- مش محتاحة وصاية يازهرة، انا اكتر واحدة عارفة غادة والظن اللي هاتظنه في الكلام ده.

- هاي اتأخرت عليكم .

قالت غادة بزهو فور ان وصلت اليهم ، ردت زهرة ترمقها بدهشة:

- انتٍ عيدتي على وشك بالمكياج من تاني وغرقتي نفسك بالريحة على مشوار المواصلات؟

مطت غادة بشفتيها قائلة :

- ولو خارجة من باب البيت عالشارع بس، لازم برضوا اتمكيج والبس نضيف، دا اسمه اهتمام بالنفس ياماما؛ انت أكيد متعرفهوش.

أومأت لها زهرة تتجاهل سخريتها بعدم الرد ، اما كاميليا فقالت لها بيأس :

- ماشي ياست البرنسيسة انتِ ، ممكن بقى نمشي في يومنا ده ولا لساكي هاتعيدي تاني على ميكاجك ولبسك .

- لا ياقلبي انا كدة فل خالص، بينا يابنات .

قالت غادة وتقدمت تسبقهم في الخطوات، تبادلت زهرة وكاميليا النظر فيما بينهم بيأس كالعادة ثم لحقنها بالسير.

............................


وفي مكانٍ اخر 

بداخل دكان محروس الذي عاد العمل فيه مرة اخرى بشكل جدي، بعد ان توفرت المتطلبات الأساسية لإنجاز الأعمال المتراكمة من مواد خام وغيرها من الأشياء.

- نننعم! سمعني تاني كدة يامحروس بتقول ايه؟

تفوه بها فهمي بحدة اربكت محروس فجعلته يردف بتلعثم :

- اايه دا مش كلامي انا يافهمي، دا كلام البت وستها، إنما لو عليا انا اجوزهالك من الليلة، ما انت عارف معزتك عندي.

رد فهمي رافعًا حاجبه المقطوع بنصفه:

- وانا مالي بمعزتي عندك ولا حتى موافقتك، مدام انت راجل ملكش كلمة على بنتك .

هتف محروس غاضبًا وقد اصابته الكلمات السامة في كرامته،

- ماتقولش الكلام دا يافهمي انا مش راجل هفية عشان اقبل بيه .

أكمل فهمي في بخ سمه:

- لا هفية، مدام جاي بالفم المليان كدة تقولي ان البنت هي اللي رافضة وانت ملكش حكم عليها.

استشاط محروس غاضبًا فقال بأعين تقدح شررًا :

- انا مش عايز اغلط فيك يافهمي عشان انت هنا في منطقتي وفي دكاني، انما والنعمة الشريفة لو كررتها تاني لاكون شاقق بطنك نصين وملكش عندي دية، طب ماهي البت مكدبتش لما قالت عليك بتاع نسوان وبتبيع برشام، دا غير انك اكبر منها ب١١ سنة على الاقل، في ايه يابا انت هتعيش عليا.

ضغط فهمي بأسنانه على شفته يكبح خروج الكلمات النابية من فمه، بعد ان شعر فقد سيطرته على محروس .

صمت يخرج سيجارة من جيبه ويشعلها لينفخ منها قليلًا امام محروس الذي ينتظر رده بتحفز ، اجفله فهمي بعطيه السيجاره التي في يده، واخرج هو واحدة اخرى لنفسه، ثم قال بهدوء :

- انا مقدر ان كلامي وجعك يامحروس بس انا مش عايز اخسرك .

ساله باستفسار :

- يعني ايه مش فاهم؟

اومأ له فهمي بصوت خبيث :

- قصدي ان هابلع تهديدك ولخبطتك في الكلام كأني ماسمعتش الحوار كله من بدايته، يعني عشان ماتتعبش نفسك في التفكير، تعمل قرد وتجوزني البت يامحروس ، يااما من غير حلفان هاتشوف مني الوش الوحش اللي انت اكيد عارفه، عشان انا ماهسكتش عن حقي في الفلوس اللي شغلت بيها الدكان ولا الكيف اللي بتبلبع فيه بقالك سبوع ببلاش .

....................................


بعد قليل وحينما عادت زهرة وهي تحمل اكياس الخضروات والفاكهة التي ابتاعتها في طريق عودتها للمنزل ، تسمرت واقفة فور دلوفها لمدخل البناية التي تقطنها حينما وجدت من يقف أمامها في وسطه، تبسم بسماجة يلقي اليها التحية:

- حمد الله السلامة، اَخيرًا وصلتي ياعروسة.

تنهدت قانطة تستغفر ربها قبل ان تهم لتجهله وتخطيه ولكنه تصدر امامها يمنع تقدمها :

- طب حتى ردي السلام، ولا انتِ مكسوفة مني.

دفعته بيدها الحرة على صدره قائلة بعنف:

- ابعد عن طريقي ياجدع انت، لاحسن وديني الم عليك اهل الحارة وافضحك هنا في العمارة .

رد بتشدق:

- تفضحيني ليه بقى؟ واحد وجاي يقابل عروسته فيها حاجة دي ؟

رفعت شفتها قائلة بازدراء :

- عروسة مين يا برشامجي ياخرفان انت؟ في ايه يافهمي ؟ هو انت فاكرني بقيت لقمة سهلة بعد خالي ماسافر، لأ فوق لنفسك يابابا، خالي اللي سففك التراب زمان لما حاولت تتعرضلي، اقدر في دقيقة اخليه يرجعلك من تاني .

انشق ثغره بابتسامة مردفًا بمكر:

- طبعًا فاكر العلقة يازهرة، بس فاكر اللي قبلها اكتر ، انتِ بقى فاكرة؟

ارتدت اقدامها للخلف بفزع وهو يتقدم نحوها يلوح لها بأبشع ذكرياتها ، فتابع يشير بأبهامه :

- فاكرة يازهرة هنا تحت بير السلم ، لما كنتي جاية من الدرس بلبس المدرسة اللي كان هاياكل منك حتة وانت لسة خراط البنات خارطك جديد ، بشعرك اللي كان مغطي ضهرك وجسم....

- انت راجل مش محترم

قاطعته صارخة تتخطاه صاعدة الدرج بسرعة، غير قادرة على تحمل سماع الباقي ولكنه لم ييأس ، جذبها من مرفقها لتلتف بجذعها اليه ، فاردف متابعًا بفحيح:

- بتجري ليه مش انتِ اللي فكرتيني بالعلقة؟ شكلك انت كمان لسة مانستيش. الحضن ولا الب........

- اوعي سيبني ياحيوان

صرخت تنتزع ذراعها منه وتصعد بسرعة من أمامه وكأنها تهرب من الموت، حتى اذا وصلت اخيرًا لشقتهم، فتحت الباب بخفة ثم وضعت أكياس الخضروات والفاكهة على الأرض بحذر حتى لا تشعر بها جدتها الجالسة في الصالة تشاهد التلفاز ومعها صفية، تحركت زهرة على أطراف أصابعها حتى دلفت لغرفتها، تغلق الباب عليها جيدًا قبل أن ترتمي على التخت وتشهق اخيرًا باكية، ترتجف وقد أعاد اليها هذا الرجل الكريه الذكرة التي خلفت بداخلها ندبة مازالت تؤلمها حتى اليوم، حينما كان عمرها لا يتعدى الخامسة عشر وكان هذا الرجل صديقًا جديدًا لأباها، في كل مرة رأته فيها لم تريحها أبدًا نظراته المريبة لها، ولكن صغر سنها لم يمكنها من تفهمها، حتى جاء هذا اليوم حينما كانت عائدة من دراستها التي استمرت لبعد صلاة العشاء بفضل مجموعات التقوية التي حضرتها أيضًا، رأته بالصدفة على الدرج أمامها كان هو نازلًا وهي صاعدة :

""- ازيك يازهرة عاملة ايه؟

خاطبها وهو متصدر بجسده أمامها ، اضطرت لرد التحية له على مضض، حتى تتخطاه وتصعد لجدتها وخالها.

- اهلًا ياعمي، انا كويسة والحمد لله

قال مداعبًا :

- ايه يازهرة؟ هو انتِ شايفاني قد ابوكي عشان تندهيلي بعمي، بصيلي كويس كدا انا لسة في بداية شبابي دا انا مجيش قد خالك حتى.

رفعت عيناها اليه مندهشة من كلماته، فتقابلت بعيناه وهذا الوميض الغريب بها ، أومأت له برأسها دون اقتناع .

- حاضر تمام، عن اذنك بقى.

تخطته لتصعد ولكنها تفاجاءت بصرخته فور ان أعطته ظهرها، استدارت اليه فوجدته ملقى على الأرض ممسكًا بقدمه:

- اااه ، اللحقيني يازهرة، انا رجلي باينها اتكسرت من سلمكم المكسور

رددت بخوف :

- طب انا هاعملك ايه؟ هاروح اندهلك خالي .

صرخ بصوت أعلى :

- قبل ماتندهي خالك تعالي بس ساعديني اقوم بجسمي من عليها الأول، بدل الكسر مايتضاعف معايا، اااه، بسرعة يازهرة .

همت لتتجاهله وتصعد ولكن مع ازداياد انينه وتألمه اضطرت لتنزل اليه وقبل ان تقترب هتفت :

- طب اروح لندهلك حد من الشارع 

صرخ ضاربًا بقبضته على عتبة الدرج:

- انت لسة هاتدوري وتندهي، يازهرة بقولك عايز ازيح تقل جسمي بس ، مش طالب منك حاجة تاني 

أذعنت تقترب منه على حذر وهو يقبض على ذراعها بقوة حتى نهض متصنعًا الألم يتأوه:

- ااه يارجلي ااه.

تململت لتنزع قبضته من ذراعها :

- طب ثواني كدة وانا هاروح اندهلك خالي .

رفع رأسه اليها بنظرة لن تنساها ابدًا، وفاجأها بوقوفه على القدم السليمة والتي ظنت انها مصابة أيضًا ، وقبل ان يخرج السؤال من فمها وجدته يحط بذراعها على خصرها والأخرى كممت فاهها فسحبها بسرعة البرق في الزواية المظلمة اسفل الدرج ، صرخت بصوت مكتوم وقاومت بكل قوتها الجسد الضخم ، فما كان منه الا ان زاد بضغطه يمرر شفتيه على وجنتيها ويتلمسها بوقاحة،

حينها ظهر خالها من العدم ، وفلته عنها بلكمة اطارت سن من مقدمة فمه، ممطره بوابل من الشتائم والالفاظ النابية وهو يسحبه كالبهيمة في وسط الشارع يوسعه ضربًا حتى كاد ان يزهق روحه 

لن تنسى ابدًا رائحته الكريهة ، انفاسه الساخنة التى كانت تحرق بشرتها، قوة كفه التي كانت تقبض على فمها حتى كادت ان تشعر بانسحاب روحها، في بضع لحظات لا تتعدى الدقائق القليلة، لكنها كانت كافية لتضع الخوف بقلب زهرة مهما مر من السنوات ومهما تطورت بحياتها .

....................................


في المساء 

وبعد أن استرخي قليًلا في حمام من الماء الدافئ ليصفي ذهنه ويزيح عن جسده قليلًا من ارهاق اليوم ، خرج من حمامه بالسروال التحتي فقط يجفف شعر رأسه بالمنشفة الصغيرة، ولكنه انتبه يرفع رأسه على صوتِ صفير من الخلف، فتفاجأ بانعكاس صورتها أمامه في المراَة، جالسة بميل على طرف تخته مرددة بإعجاب :

- واوو جسم رياضي فعلًا زي ماقال الكتاب .

التف اليها برأسه ورمقها من تحت اجفانه قبل ان يعود ليصفف شعره قائلًا من تحت أسنانه :

- هي بقت عادة ولا ايه ؟ انا مش منبه عليكي، الأوضة دي ماتعتبيهاش تاني .

استقامت تنهض عن جلستها فوق التخت لتُظهر طول منامتها القصيرة وفتحاتها التي كشفت عن معظم جسدها، تتمايل بخطواتها امام نظراته الثاقبة في المراَة، حتى اقتربت لتجفله بوضع كفيها على عضلات ظهره من الخلف تتلمسها ببطء وهي تردف بصوتٍ ناعم:

- ممكن تسيبني اللمسهم؟ اصلي بصراحة عندي رغبة غير طبيعية اني اشوف قوتهم .

تركها تفعل دون ان يرفض، فاعتبرته استجابة لتكمل بكفيها حتى ذراعه ثم استقرت على العضلات الأمامية بتركيز ، خرج عن سكوته يسألها باقتضاب وعيناه نحو انعكاسها في المراَة:

- عجبوكي؟

همست بأعين تملؤها الرغبة:

- أوي، اصل اَخر مرة لمستهم فيها مكانوش بالقوة دي.

ضيق عيناه ليلتف نحوها يسألها بتفكير:

- هي إمتى كانت اَخر مرة بالظبط ؟

اجابته بصوت يحمل في طياته العتاب:

- من كتير، كتير أوي يا جاسر، تقريبًا يجي أكتر من سنة.

- اممم

زام بفمه الذي اطبقه واخفض عيناه عنها بتأثر شجعها لتردف سائلة:

- طول الفترة اللي عدت دي كلها ياجاسر ، ماوحشتكش فيها ولا يوم ؟

ارتفعت عيناه اليها ، تتحرك شفتاه وكأنه يبحث عن اجابته ثم مالبث ان يجيبها بكل بساطة:

- لأ

وكأن دلوًا من الماء البارد سقط فوق رأسها وافاقها من غفوتها، رددت بعدم تصديق :

- انت بتقول ايه؟

- بقولك لأ

اردف بها مرة أخرى واستدار ليكمل تصفيف شعره بكل برود ليجعل نيران الغضب تشتعل داخلها ، فقالت بشراسة:

- هو انت فاكر نفسك ايه؟ لتكون فاكرني دايبة في دلال حضرتك وهاتعيش الدور عليا ، لأ فوق ياجاسر ، انا ميرا .

قالت وهي تلوح له بسبابتها جعلته يعود اليها مردفًا بابتسامة اعتلت فمه:

- ايوة بقى يابرنسيس ميرا، طب انا برفض كل محاولاتك معايا من يجي أكتر من سنة ، باقية ليه انتِ عليا ورافضة الطلاق ؟

قالت جازة على أسنانها :

- عشان انا عاقلة كويس قوي، ومقدرة حجم الكوارث اللي هاتوقع فوق راسك وراس والدك لو انفصلت المجموعة.

رد غامزًا بعيناه:

- انا متقبل وراضي بالكوارث، بس انتِ وافقي ومايهمكيش .

زفرت تخرج من أنفها انفاسًا حارة كالدخان وهي تنظر اليه تود لو إحراقه حيًا، ثم مالبثت أن تذهب ضاربة الأرض بقدميها من الغيظ، التف هو ينظر للمرأة يكمل مايفعله بلا اكتراث .

....................................


في اليوم التالي 

بداخل الشركة وفي وقت استراحة الموظفين التقت زهرة في طريق ذهابها الى الكافتيريا الخاصة بالشركة ، بعماد الذي كان عائدًا منها ممسكًا بيده فنجانان من القهوة الساخنة، قال بابتسامته المعهودة:

- صباح الورد ورائحة الزهورة، رايحة فين؟

بادلته ابتسامته قائلة:

- صباح الفل ياسيدي، انا رايحة الكافتيريا اشربلي حاجة سخنة.

- والحاجة السخنة دي بقى، تبقى قهوة باللبن .

قال وهو يناولها احدى الفناجين التي بيده، تناولته منه ضاحكة :

- ايوة بس كدة اللي كان طالبه منك هايزعل لما يلاقيك 

راجع من غير طلبه.

- وانتِ مين قالك اني جايبه لحد غيرك؟ انا جايبهولك انتِ أساسًا .

رد ببساطة اثارت دهشتها، فسألته غير مصدقة:

- ايوة ازاي يعني ؟

ارتشف من فنجانه قليلًا ثم أجابها بابتسامة:

- اصل انا بقى عارف كويس اوي ان دا طلبك في كل مرة بتدخلي فيها الكافتيريا، فقولت في نفسي بقى اوفر عليكي المشوار وبالمرة ابقى خدت الثواب.

بابتسامة واسعة انارت وجهها بادلته مزاحه:

- لا بصراحة كتر خيرك يااستاذ عماد، حضرتك وفرت عليا مشوار كنت هاتعب فيه قوي.

اكمل بمزاحه :

- لا داعي للشكر يازهرة، الحاجات البسيطة احنا بنعملها عشان ربنا يبارك في صحتنا.

- كمان !

اردفت بها وضحكت من قلبها معه .

........................

وعند كاميليا التي كانت مندمجة في عملها بتركيز كالعادة، شعرت بظل طويل بالقرب منها، رفعت رأسها فوجدت امامها رجل وسيم بابتسامة

الأنيقة خاطبها :

- صباح الخير، جاسر موجود جوا .

خلعت نظارتها تعتدل في جلستها وردت بعملية 

- صباح الفل يافندم ، جاسر باشا موجود فعلًا بس حضرتك يعني بتسأل في ميعاد مسبق ؟

نفى بتحريك رأسه قائلًا بابتسامة:

- لا بصراحة مافيش، بس انا هاقابله برضوا 

خبتئت ابتسامتها من رده الغريب فتابع قائلًا :

- ايه يا اَنسة اتخضيتي كدة ليه؟ اتصلي وبلغيه باسمي وريحي نفسك .

ردت بغيظ وهي تتناول هاتف المكتب تسأله :

- تمام يافندم، اسم حضرتك ايه بقى عشان ابلغه بحضورك .

رد متسليًا لرد فعلها:

- قوليلوا طارق ، طارق وبس.

اردفت من تحت أسنانها

- وبس !

ردد خلفها بابتسامة مرحة

- وبس!

.......................

وفي الداخل 

وامام الشاشة الكبيرة التي تأتي بصور الكاميرات لمعظم أنحاء الشركة، تركزت انظاره نحو الصورة التي اتت بصورتها وهي تبتسم بمرح مع الشخص الواقف امامها، وقد علمه هو من وقفته، كان مستندًا بوجنته على اطراف أصابعه متابعًا بتركيز ، والكف الأخرة تطرق بالقلم الذهبي على سطح المكتب، حينها اتاه اتصال كاميليا بحضور صديقه ، امرها بإدخاله على الفور.

- جاسر باشا.

اردف بها صديقه وهو يفتح باب المكتب على مصراعيه، نهض جاسر يستقبله بحفاوة:

- طارق الوكيل، اتفضل ياعم انت محتاج عزومة.

دلف صديقه مهللًا :

- مش حكاية عزومة ياكبير، بس انت راجل مهم والواحد لازم يستأذن قبل مايدخل عندك .

تصافح الاثنان بحرارة قبل ان يُجلسه امامه.

واردف طارق مازحًا :

- دي مديرة مكتبك كان هاين عليها تاكلني أكل عشان بس نطقت جاسر حاف من غير باشا.

رد جاسر بدعابة :

- تاكلك ايه بس ياعم بحجمك ده ؟ هو انت مش شايف نفسك 

اطلق طارق ضحكة مجلجلة بمرح :

- هههههه يخرب عقلك ياجاسر ، لما تفك شوية كدة بيطلع منك درر .

حينما هدأت ضحكات طارق سأله جاسر بجدية:

- وايه اخبار المشروع الجديد بقى معاك؟ كويس كدة ولا لسة فيه عقبات بتواجهك.

- لا ياسيدي الحمد لله المشروع تمام، بس بقى مهلك جدًا، دا انا بالعافية فضيت نفسي النهاردة عشان بس ازورك بعد مازهقت.

رد جاسر وهو مستند بمرفقيه على سطح المكتب يفرك بالقلم بين كفية بتفكير وعيناه تتنقل كل ثانية نحو الشاشة :

- الله يكون في عونك وانت فعلًا مش متعود على الشغل الكتير والمسؤلية، تحب اجيبلك حد يساعدك ؟

.............................


- انا يافندم معقول الكلام ده ؟

تفوهت بها كاميليا بفرحة لا تصدق ماسمعته ، اردف لها بتأكيد وهو يمضي على بعض الأوراق

- ايوة انتِ ياكاميليا، مش مصدقة ليه؟ انتِ مجتهدة وتستاهلي كل خير.

- ايوة يافندم بس انت بتمسكني مسؤلية كبيرة قوي.

رفع رأسه اليها مردفًا بعملية 

- يابنتي صدقي بقى انت قدها، انا خلاص مضيت القرار .

- بالسرعة دى كمان مضيت القرار ؟ طب احنا هنلاقي امتى حد ياخد مكاني في الشغل هنا دلوقتي؟

اعتدل في كرسيه يجيبها بهدوء:

- لا ماانا مش هاجيب مديرة للمكتب، انا عندي كارم المدير بتاع المجموعة بيسد معايا في كل حاجة، انا بس هحتاج لسكرتيرة .

ردت كاميليا بلهفة:

- كويس اوي يافندم ، انا مستعدة اعمل مسابقة وحضرتك تختار بقى السكرتيرة اللي تعجبك وتريحك قبل انا ما اسيب مكاني .

أجفلها برده الهادئ وهو يهتز بكرسيه :

- لا ماانا مش هاعمل مسابقة لسة واوجع دماغي، انا سألت رؤساء الاقسام هنا ورسيت على اسم سكرتيرة لواحد فيهم، وخلاص بقى اصدرت قراري الاداري .

لوح بالورقة الكبيرة امامها على سطح المكتب فتناولتها بسرعة ولهفة قائلة:

- يارب اكون اعرفها.........

قطعت جملتها حينما صعقت من رؤية الأسم، زاغت عيناها في النظر نحو الورقة ونحوه بصدمة بعدم تصديق، شفتيها تتحرك باضطراب، وهو ينظر اليها بتحدي ، حتى غمغمت مع نفسها :

- يانهار اسود ، دي كان عندها حق بقى


...يتبع

__________________________________

فصل طويل اهو ، اظن كدة ابقى صالحتكوا وزيادة 

تفاعل يستحق بقى ورأيكم عايزة اعرف رأيكم 😍


#امل_نصر

#بنت_الجنوب

الفصل الثامن

على الكرسي الخشبي القديم الخاص بجدتها كانت جالسة بالشرفة الإسمنتية ومرفقها مستند على السور، تتأمل بزوغ اشراق الصباح، وزحف الأشعة الذهبية للشمس نحو الأرض والأبنية، ثم سرب الحمام الخاص بجارهم العم سعيد مصطف بخط مستقيم على طول سور المبني المجاور أمامها، تتنهد بسأم وقد عادت مرة أخرى لروتينها اليومي الممل من وقت أن تركت الدراسة، وكأن الثلاثة أشهر التي قضتهم في العمل الجديد بمرح ونشاط هو حلم وكان لابد من انتهائه، طموحها الذي بنته في خيالها للتقدم والتدرج الوظيفي، سعادتها بقبض الراتب في أول الشهر والتسكع مع الفتيات لتبتاع ماتحتاجه وتمنته .كله حلم وانتهى بفضل هذا الرجل الكريه، زفرت من انفها بغيظ تعيد بذهنها هذه اللحظة التي اخبرها فيها رئيسها بالخبر المشئوم


" - نعم ! حضرتك يافندم بتقول ايه معلش؟

اردفت بها بوجه شاحب اللون انسحبت منه الدماء على الفور، تحدق بالرجل الذي تبسم لها ظنًا منه ان ذلك من فرط فرحها.

حركت رأسها بعدم الإستيعاب او الفهم ، مازالت حتى الاَن لا تصدق ماسمعته من الرجل أو على الأصح هي تكذب أذنها.

- مرتضى بيه، ممكن والنبي تقول من تاني ، اصل انا  بايني سمعت غلط.

ازداد اتساع ابتسامة الرجل قائلًا بتفكه:

- وانتِ من امتى بس كانت ودانك تقيلة يازهرة ؟ يابنتي بقولك اترقيتي وبقيتي سكرتيرة جاسر بيه، يعني اكبر راس في الشركة ، دا انتِ حظك من السما.

اومأت بسبابتها نحوها بصدمة وهي شاعرة بأن الأرض بدأت تميد بها وقد تأكدت من الخبر المشئوم :

- انا حظي من السما؟!

- طبعًا يابنتي حظك من السما ، انتِ يدوبك متعينة هنا من كام شهر قليلين وحتى كمان ملحقتيش تثبتي رجلك كويس، قوم كدة الحظ يضرب معاكي وتبقي سكرتيرة جاسر بيه مرة واحدة، ماشاء الله يعني عشان ماحسدكيش، بس انتِ أكيد امك دعيالك صح؟

تبسمت بزواية فمها ابتسامة ساخرة، تومئ برأسها دون رد فتابع هو :

- شوفي رغم زعلي انك هاتسبيني بعد ماعرفتي نظامي وريحتيني في الشغل، لكن انا برضوا اتمنالك الخير.

ابتعلت الغصة بحلقها وخرج صوتها برجاء:

- لكن انا عايزة افضل هنا، بصراحة لقيت راحتي في المكان ده .

تبسم الرجل لها بمودة قائلًا :

- يابنتي ماانا بقولك فراقك على عيني ، بس اعمل ايه بقى، دا ألأمر الإداري صدر خلاص ،لكن الصراحة بقى، انت لازم تشكري اللي دلوا عليكي

فاقت من صدمتها تسأله بحدة:

- ومين اللي دله عليا بقى ؟

اجاب رئيسها يحرك كتفاه :

- بصراحة معرفش، بس هو لما طلبك مني ، قالي ان في ناس شكرتلوا فيكي وفي شطارتك، ياللا شدي حيلك بقى عشان تبقي زي كاميليا ، ماهي اترقت هي كمان، امال انتِ هاتبقي مكانها ازاي ؟


عادت زهرة لواقعها تعض على شفتيها بغيظ، نحو من تسبب في قطع عيشها واثار الفتنة بينها وبين صديقتها التي تشاجرت معها ، تصب عليها جام غضبها وكأنها المتسببة فيما حدث، تمتمت زهرة تستغفر ربها، ثم عادت برأسها للخلف تتسائل مع نفسها:

- هلاقي فين شغل تاني بس ياربي؟ دا انا مصدقت!

صدح صوت جرس المنزل وبعده اتى صوت رقية التي هتفت عليها من داخل غرفتها :

- شوفي مين اللي عالباب يازهرة .

نهضت زهرة على مضض لتتحرك نحو باب المنزل ، فتفاجأت بها أمامها :

- صباح الخير يازهرة، ممكن ادخل .

تفوهت كاميليا بابتسامة جميلة مثلها ، بادلتها زهرة بابتسامة شاحبة.

- صباح النور ياكاميليا، طبعًا تدخلي ، دا البيت بيتك .

دلفت كاميليا خلفها لداخل المنزل تغلق الباب وهي تخاطبها :

- افردي وشك شوية، وقدري اني قاطعة المسافة البعيدة دي كلها وصاحية بدري كمان عن ميعادي رغم خناقتك الهبلة وهلفتك بالكلام معايا يامجنونة.

اشارت اليها زهرة لتجلس على احد المقاعد قائلة بحرج :

- ماانا كان لازم احط غلبي في حد بقى وقتها ولقيتك في وشي، معلش سمحيني .

جلست كاميليا على مضص مردفة لها :

- يابنتي والله مسمحاكي، وعارفة ان حالتك وقتها مكنتش طبيعية، بس دلوقتي بقا خلينا في المهم، واللي حصل ده نستغله لمصلحتنا مش نخاف ونقعد في البيت .

اتسعت عيناها وانفغر فاهاها تستوعب الكلمات فهتفت حانقة :

- نهار اسود؛ لتكوني جاية تكلمني في موضوع الشغل تاني ياكاميليا ؟

اومأت لها برأسها بتأكيد:

- ايوة يازهرة جاية اكلمك في الشغل تاني، عشان ارجعك لعقلك ياماما، لهو انتِ فعلًا ناوية تسبيه؟

- وماسيبهوش ليه بقى؟ اشحال ان ما كنت حكايالك قبل كدة وقايلالك على عمايل الراجل ده معايا، وانا متأكدة انه عايزني سكرتيرته عشان يكرهني في عيشتي ويخليني اطفش بخاطري من الشغل ، وعلى ايه بقى؟ اخدها انا من قاصرها احسن .

ردت كاميليا تحادثها بالمنطق:

- زهرة ياحبيبتي، خدي الأمور كدة بعقل وبلاش العصبية دي، انت حكيالي وانا مبكدبكيش على فكرة، بس احنا ليه نسبق الأحداث، انتِ لما تمسكي هاتتحسبي سكرتيرة لرئيس الشركة ودي في حد ذاتها حلوة اوي في ال cv بتاعك، يعني لو حط عليكي وطفشك زي مابتقولي، يبقى ليكي فرصة ان شاء الله في شركة غيرها ، لكن قطع رزقك كدة من الباب للطاق ماينفعش ياماما.

صمتت زهرة وعلى وجهها ارتسمت الحيرة فتابعت كاميليا :

- قومي يازهرة البسي هدومك واستهدي بالله تعالي معايا بلاش دلع .

- ياكاميليا والله مادلع، الراجل ده بخاف منه فعلًا؛ يبقى ازاي بقى اشتغل معاه واتحمل اوامره ليا وزعيقه فيا لو حصل وغلطت مثلًا ، دي حاجة صعبة اوي والنعمة.

تفوهت بها زهرة من خوف حقيقي نبع بقلبها، تبسمت لها كاميليا قائلة بتحفيز :

- وايه في الدنيا مش صعب، كل حاجة في حياتنا دي صعبة وخصوصًا في لقمة العيش، انتِ مجربتيش المرمطة ولا البهدلة يازهرة عشان خالك ربنا يحفظه كان دايمًا محاوط عليكِ من النسمة الطايرة، ودي تعتبر اول فرصة تثبتي فيها نفسك لوحدك ، زيحي من دماغك حكاية الخوف دي وجربي ولو مارتحتيش يبقى خلاص بقى .

- مش هاقدر 

همست بها وهي تحرك رأسها تردد 

- حقيقي بجد مش هاقدر ياكاميليا 

همت لتتكلم كاميليا ولكنها توقفت على نداء رقية من الداخل وصوت جرس المنزل من الناحية الأخرى .

- قاعدة مع مين يابت بقالك ساعة وسيباني لوحدي؟ مخبية على ستك ايه يا مقصوفة الرقبة ؟

انشق ثغر كاميليا بضحكة مرحة تردف لزهرة:

- روحي انتِ شوفي مين، وانا هادخل لرقية جوا اسلم عليها .

فعلت زهرة وفتحت الباب لغادة التي هتفت حانقة :

- وبعدين بقى، تاني برضوا بلبس البيت واحنا متأخرين اساسًا، في ايه ياما؟ ليكونش ناوية تغيبي النهاردة كمان ؟

ردت زهرة وهي تدلف معها للداخل :

- عادي يعني لما اغيب تاني كمان، اصلي لسة حاسة بتعب .

- والنبي! لتكونيش فاكرة انها شركة ابونا ياست زهرة ؟

- من غير قلة ادب، انا بقولك تعبانة يبقى تقدري بقى، على العموم اهي كاميليا قاعدة جوا عشان تلاقي حد تمشي معاه .

اردفت بها زهرة وهي تسبق للداخل، غمغمت غادة خلفها:

- ودي ايه اللي جابها عالصبح عندك ؟

................................

في الداخل 

عند رقية والتي كانت تغازل في كاميليا الجالسة بجوارها على كنبتها تتلمس شعرها وثيابها :

- ياختي عليكِ وعلى حلاوتك يابت ياكاميليا، دا انت بقيتي ولا الهوانم يامضروبة الدم، ايشي اللبس الحلو  ولا الشعر الملولو، لحقتي امتي تلولويه كدة يابت ؟

ضحكت كاميليا تردد لرقية :

- عجبك ياستي اعملك انتِ شعرك ؟

برقت عيناها رقية والتمعت بالحماس وقبل ان ترد سبقتها غادة وهي تدلف اليهم :

- طب اعمليلنا احنا شعرنا الأول وبعدها فكري في الست الكبيرة .

- كبيرة في عينك قطع لسانك قليلة الحياة 

هتفت بها رقية مسرعة وتابعت مخاطبة كاميليا التي لم تتوقف عن الضحك.

- عايزاكي يابت تفضي في يوم كدة وتيجي تعمليلي شعري

- حاضر ياستي.

أومأت لها كاميليا مقهقهة وهمت لتقف مغادرة ولكن رقية جذبتها من ملابسها تسألها :

- الاقوليلي يابت، ماتجوزتيش ليه لحد دلوقتي؟ هي الرجالة عميت؟

اجابتها كاميليا بمسكنة :

- النصيب ياستي، اعمل ايه بقى وانا ملقتش نصيبي ؟

لوحت لها رقية بكفها امام نظرات غادة المحتقنة :

- هتلاقيه ياختي وهايبقى لازقلك كدة ليل نهار زي ضلك، هو في حد برضوا يبقى معاه الحلاوة دي ويسيبها، دا يبقى مفغل !

............................

في وقتٍ لاحق 

خرجت زهرة لتبتاع بعض الخضر والبقالة من السوق لسد احتياجات المنزل، وعلى إحدى درجات السلم في الطابق أسفلهم توقفت ، حينما اصطدمت عيناها برؤية أبيها وهو خارج من باب شقتهم، في ميعاد ذهابه الى عمله الى ورشته، ترددت قليلًا قبل أن تحسم أمرها لتلقي التحية عليه ثم تكمل طريقها في المغادرة:

- صباح الخير .

انتبه محروس يرفع انظاره اليها ثم انطلقت ضحكة مستخفة منه نحوها يردد:

- ياصباح الهنا والسرور على الحلوة اللي سابت شغلها ورجعت تبلط من تاني في البيت..

رمقته زهرة مصدومة من شماتته وهمت لتخطيه وتجاهله ولكنه تصدر يقف أمامها متابعًا :

- ايه يادلوعة خالك، كدة بسرعة صرفوكي واستغنوا عنك لدرجادي انتِ خايبة، طب كنتِ قلدي غادة بنت اختى، اهي بت زي الوحش وتسد في أي موضوع؛ مش خايبة وهبلة زيك .

خرجت عن صمتها هاتفة بوجهه:

- وانت مين قالك اني سيبت الشغل أساسًا؟ عشان توقفني وتضحك من قلبك كدة على خيبتي زي مابتقول، دا بدل ما توقف جمبي وتقويني لو كان حصل فعلًا :

رفع شفته قائلًا لها:

- واقف جمبك ليه بقى؟ عشان تتنقعري وتشوفي نفسك عليا بزيادة، ما انتِ لو كان قلبك على ابوكي وبتسمعي كلامي مكانش ربنا جزاكي بعملك .

هبت صارخة متناسية وقفتها على الدرج بعد ان فقدت السيطرة على غضبها :

- انا عملتلك ايه ياعم عشان ربنا يجازيني؟ أذيتك في أيه انا عشان تطلع السواد اللي قلبك دا كله من ناحيتي.

- زهرة ياحبيبتي، هدي اعصابك شوية كدة الجيران هاتتلم على خناقكم واحنا مش ناقصين فضايح .

صدرت من سمية زوجة ابيها برجاء بعد أن أتت من داخل المنزل على أصوات شجارهم .

سمعت قولها زهرة وهمت للذهاب وترك اباها والشجار معه ولكنه اوقفها يقبض على رسغ يدها يقول:

- اسمعي يازهرة، انا بقالي يومين سايبك تفكري براحتك، واهي جات من عند ربنا اهي عشان تعرفي بقى مصلحتك، فهمي راجل كسيب ومشتريكي ، دا بيقولي لو طلبت نجوم السما هاجيبهالها، واديكي شوفتي بنفسك، دلع خالك ليكي خلاكي خبتي في كله، بلاش كمان تخيبي وتضيعي منك فرصة هاتخليكي هانم على حق.

- هانم مين ياعم اوعى سيب .

هدرت بها وهي تنزع رسغها من قبضته بعنف، ثم ركضت للعودة للمنزل وتركه .

وفي الأعلى وبعد أن صعدت زهرة لمنزلها مرة أخرى، تلقي حقيبة الخضروات الفارغة بعنف وغضب مما حدث .

- ايه اللي رجعك من تاني يازهرة ؟ وشك مقلوب كدة ليه يابت .

هتفت بها رقية بجزع وهي تنظر لحفيدتها التي اصطبغ وجهها باللون الأحمر القاني من الغضب وانفاسها تتلاحق بصدرها الذي يصعد ويهبط بسرعة وكأنها على وشك الإنفجار، لم ترد زهرة على جدتها بل بادلتها النظر فقط حتى التفتت رأسها بحدة على فتح باب المنزل ودلوف سمية وخلفها شقيقتها صفية؛ التي هتفت صارخة عليها زهرة بحدة :

- انت برضوا اللي تعمليها ياصفية؛ وتروحي تبلغيه اني سيبت الشغل عشان يفرح فيا.

دافعت صفية تنفي بقوة:

- والله ماانا،  والله ما قولتله حاجة، انا معرفش هو عرف منين أساسًا .

- ياسلااام ، يعني انتِ اللي بتسألي كمان؟ على اساس اني مسمعة حد تاني غيرك انتِ وستي، اللي مابتخرجش من البيت ولا بتشوفه أساسًا .

جاء الرد من سمية على اتهام زهرة وشكها :

- والله ما صفية يابنتي، دا البت منى اختها الصغيرة، كانت جاية تاخد من عندكم شوية بهارات للأكل وسمعتك بالصدفة وانتِ بتقولي لستك، فنزلت بلغتنا واكنه خبر الموسم واحنا بناكل ، ما انتِ عارفاها لسانها فالت ومابتبلش في بقها فولة .

سمعت منها زهرة وانتقلت عيناها التي اغشتها الدموع نحو شقيقتها التي اطرقت رأسها بحزن، ثم خطت لتسقط على الكنبة الخشبية بجوار جدتها تبكي بحرقة ، جذبتها جدتها من قماش بلوزتها لتضمها اليها داخل أحضانها تسألهم :

- هو في ايه بالظبط؟ وماله محروس دا كمان بزهرة ؟

جلست سمية هي الأخرى بجوارهم تربت بكفها على ظهر زهرة:

- معلش يابنتي سامحينا ، بس دا ابوكِ بقى وانتِ عارفاه.

هتفت رقية بنفاذ صبر ونشيج بكاء حفيدتها يصل بحرقة لأسمعاها :

- ماله الزفت ابوها ماتقلولي عمل ايه معاها بالظبط؟ عشان يجبلي البت مقطعة نفسها كدة من البكا

أجابتها صفية بتأثر هي الأخرى:

- عايرها بقعدتها من الشغل وزن عليها تاني في موضوع جوازها من فهمي .

- عايرها بإيه؟

صرخت بها رقية وتابعت بلهجة قوية :

- هو ليه عين دا كمان يعاير ويستعبط عالبت؟ ليه هو مش حاسس بنفسه ولا بالخيبة اللي هو فيها؟ ونعمة ربنا يا سمية جوزك لو ما لم نفسه عن البت ليشوف مني الوش التاني هو عارفه كويس وجربه ، إلا زهرة ياسمية، فاهمة، إلا زهرة .

ردت سمية بقلة حيلة :

- وانا ايه اللي في إيدي بس ياخالتي ؟ ما انت عارفاه البرشام لحس عقله، والزفت فهمي اليومين دول بقى مغرقه بيه، دا غير الفلوس الكتير اللي بقيت اشوفها معاه ، وانا متأكدة انها برضوا منه...

هدرت رقية مقاطعة :

- ماليش فيه الكلام دا انا ياسمية، انتِ تنبهي عليه وخلاص .

- حاضر ياخالتي، حاضر هاقول.

اومأت لها سمية بطاعة، وظلت بجوارها هي وصفية  ثم استأذنوا للمغادرة، وحينما هدأ بكاء زهرة قليلًا نزعتها جدتها من أحضانها تنهرها بقوة:

- فوقي يابت كدة واصحي، انتِ مش ضعيفة ولا قليلة عشان تنهاري من كلمة خايبة قالها ابوكي، ابوكي دا بالذات لازم تبقي قوية قصاده عشان مايحطش ولا يجي عليكِ ويستغلك فاهمة ولا لأ.

رفعت اليها زهرة انظارها تسألها برجاء :

- ستي، هو ابويا ممكن يعملها ويغصبني على جوازي من فهمي، والنعمة دا كنت اموت نفسي لو حصل .

- وتموتي نفسك ليه يابت ال.........

ردت رقية بسبة بذيئة اخجلت زهرة وهي تتابع خطابها لها بغضب:

- لا ابوكي ولا أي حد في الدنيا يقدر يغصبك على حاجة، خليكي قوية وماتخافيش من حد، الدنيا دي ياما هاتشوفي منها، ان ماكنتيش تواجهي وتدافعي عن حقك، هاتتفعصي بالرجلين ومش هاتحققي اي حاجة نفسك فيها، فاهماني .

اومأت لها زهرة برأسها وكلمات المرأة مازالت تترد بداخل عقلها بصخب، تستوعب معانيها وتعيها جيدًا .

أجفلت من شرودها على صوت هاتفها بمكالمة برقم دولي، امسكت به سريعًا ترد بلهفة ولهجة باكية

- الوو ايوة ياخالي... ازيك ياحبيبي وحشتني اوي

رد خالها من جهته بصوت رجلِ انتابه القلق .

- الوو يازهرة.....مالك ياحبيبتي؟ انتِ تعبانة ولا إيه؟

تدراكت نفسها فقالت نافية بالكذب:

- لا ياخالي مافيش حاجة، دا بس عشان انت وحشتني .

وصلها لهجته الحازمة :

- بلاش تكدبي عليا يابت، انت عارفاني، قوليلي ايه اللي مزعلك وخلاكي مفلوقة كدة من العياط؟

تلعثمت تنفي مرة أخرى وخالد من جهته يهتف بحزم وصوت جهوري يصل لجدتها التي جذبت الهاتف من يدها تختطفه منها قائلة بملل :

- اقولك انا ياخالد، بنت اختك معيطة عشان ابوها بيزن وعايز يجوزها من فهمي البرشامجي، عرفت بقى هي معيطة ليه؟

- فهمي تاني برضوا ، طب وحياة امي لاربيه

قالها بصرخة عبر الاَثير افزعت زهرة التي اختطفت الهاتف من جدتها تسأله بخوف:

- هاتعمل ايه ياخالي وانت في الغربة دلوقتي؟ انا مش عايزاك تأذي نفسك.

رد بلهجة هادئة نسبيًا مطمئنة :

- لا مش هأذي نفسي ياعين خالك، انا هاوقفه عند حده هنا من مكاني، دا ديته سهلة أساسًا!

........................ 


في صباح اليوم التالي .

حسمت امرها زهرة بعد ليلة طويلة من السهر والتفكير فيما حدث ومافعله اباها معها مما جعل نوعًا جديدًا من التحدي لمواجهة الخوف ينبت بداخلها لخوض التجربة، وذهبت لتستلم مكانها الجديد في شركة الريان، بعد أن حفظته لها كاميليا مدعية غياب زهرة لسبب قهري ، خلف المكتب وأمام الحاسب الاَلي ، وقفت بجوارها كاميليا تشرح طريقة العمل وملفات العمل المطلوبة والمؤجلة، وهي مندمجة معها بكل تركيز؛ حتى شعرت بخطوات سريعة تقتحم الغرفة الواسعة؛ توقفت فجأة أمامها .

هتفت كاميليا لتقف على الفور وجذبتها هي من مرفقها معها تردد بتحيته:

- صباح الخير يافندم .

وصل لأسماعها صوته برد التحية على كاميليا وهي ترفع عيناها الخجلة اليه بتردد، فاصطدمت بعيناه المتصيدة ، بابتسامة جانبية يردف لها بصوته الأجش:

- ياهلًا بالسكرتيرة الجديدة .

همست مرددة :

- ياأهلًا يافندم، حضرتك تؤمر بحاجة؟

- علي صوتك .

اردف بها فرفعت عيناها اليه باستفسار على جملته المقتضبة ، أكمل هو :

- اتعلمي ترفعي صوتك شوية وانتِ بتكلميني .

اومأت برأسها فتابع وهو يخطو نحو مكتبه :

- شوية كدة وخليها تدخلي بالملفات ياكاميليا بعد ماتفهميها النظام .

فور أن اختفى داخل مكتبه شهقت تدخل بعض الأكسجين لصدرها:

- ياساتر يارب، هكمل ازاي انا معه ده؟

قالت مخاطبة كاميليا التي تسمرت محلها في التفكير لحظات قبل ان تردد لزهرة:

- طب ماهو كويس يابنتي أهو، مش وحش معاكي يعني للدرجة اللي انتِ بتوصفيها.

- والنبي ايه؟ ماخدتيش بالك انتِ بقى لما قرص على كلامه وهو بيقولي علي صوتك وانتِ بتكلميني 

- بس ابتسم ، ودي حاجة نادرة اوي لجاسر الريان على فكرة.

انتبهت زهرة على جملة صديقتها ببعض الحيرة قبل أن تنتفض على صيحة انثوية بالقرب منهم .

- هي دي بقى الترقية الجديدة ياأبلوات ؟

- يخرب بيتك وبيت صوتك ياشيخة.

اردفت بها كاميليا وهي تقترب سريعًا من غادة التي كان جسدها يهتز من فرط غضبها وعيناها وكأنها بداخلها براكينِ مشتعلة.

- بقى بتخبوا عليا، ياخاينة انتِ وهي ياقلالاة الأصل .

صمتت زهرة عن الرد، فهي ليست بحاجة لزيادة التوتر والخوف بداخلها ، أومأت لها كاميليا نحو عدد الملفات الموجودة بركنٍ وحدهم على سطح المكتب  وهي تضع كفها على فم غادة :

-  خودي انتِ الملفات ودخليهم لجاسر بيه وانا هاتفاهم مع البت دي .

اذعنت زهرة لطلب كاميليا متجاهلة غضب غادة وهي تزوم نحوها ببعض الكلمات القاسية، وتحركت ببطء تمارس تمارين التنفس في إخراج الشهيق والزفير، قبل أن تطرق بخفة على باب مكتبه ، فوصلها صوته الأجش:

- ادخل.

فتحت لتدلف متحاشية النظر نحوه رغم شعورها بنظراته التي تخترقها وهو يهتز بكرسيه بغير عمل، اقتربت لتضع الملفات امامه :

- اتفضل يافندم، دي مستندات مطلوب فيها امضتك .

- قولتلك علي صوتك .

اردف بها وهو بنفس جلسته على كرسيه، تنهدت بداخلها تناجي من ربها الصبر وهي تكرر ماقالته سابقُا بنبرة أعلى، رد هو متجاهلًا ما قالته :

- غيبتي وماجتيش ليه من اول يوم ؟

اجفلها بسؤاله فرددت الحجة التي ذكرتها لها كاميليا سابقًا :

- ستي كانت تعبانة اوي، وانا ماقدرتش اسيبها لوحدها.

- اممم 

زام متنهدًا يتناول قلمه الذهبي من فوق سطح المكتب، فخاطبته هي تستأذن :

- طب اخرج انا يافندم ولو عوزت حاجة تندهلي .

استدارت تنوي المغادرة سريعاً، ولكنه اوقفها هاتفًا من خلفها.

- زهرة 

ضغطت تعض شفتيها بغيظ قبل ان تستدير عائدة اليه قائلة بأدب ولطف .

- نعم يافندم تؤمر بإيه ؟

عاد بظهره للخلف مستندًا بأريحيه على كرسيه قائلًا بتسلي :

- عايز اشرب ..

احتدت عيناها سريعًا قبل ان تتدارك نفسها ، تتمنى داخلها لو اطلقت نحوه السباب وافراغ غضبها المكبوت منه، فقالت بزوق عكس مايدور بعقلها :

- تحب اجيبلك حاجة معينة تشربها يافندم ؟

هز رأسه قليلًا قبل أن يشير اليها بسبابته على احدى اركان المكتب .

- التلاجة اللي هناك دي، جبيلي منها علبة عصير.

تحركت على مضض نحو المذكورة، وقبل ان تخرج له واحدة من المجموعة المكدسة أمامها سمعته يهتف:

- عصير مانجة..يازهرة .

هذه المرة استغلت بعد المسافة وغمغمت بسبة عليه قبل ان تلتف اليه عائدة متصنعة الإبتسام .

- اتفضل يافندم .

قبض الزجاجة بكفه التي ما ان لمست كفها نزعتها بسرعة انتبه لها ، فوجدته يتكلم بحزم ارعبها :

- تاني مرة مافيش غياب غير بإذن مني انا شخصيًا ولا أي حد يجي وبهزر معاكي طول مدة العمل ، حتى لو في البريك

اردفت بعدم تصديق .

- نعم !


.....يتبع 

فصل طويل ومرهق جدًا تفاعل كويس بقى واتحفوني بأرأكم الحلوة

#امل_نصر

#بنت_الجنوب


الفصل التاسع 


- نعم!

غمغمت بها بعدم تصديق وهي واقفة أمامه، أردف هو بتأكيد وتشديد على كل حرف يخرج من فمه، وملامح وجهه الصارمة؛ تخبرها بكل وضوح عن مدى جديته :

- خوديها قاعدة من دلوقتي يازهرة، انا مبعدتش كلامي مرتين، وانتِ سمعتِ كويس أوي انا قولت إيه؟ فاستوعبي بقى براحتك .

هتفت متوخية الحذر في نبرة صوتها رغم الغضب الذي الذي عصف برأسها وجعل الدماء على الفور تغلي بداخلها :

- يافندم انا مش فاهمة يعني، حضرتك لو تقصد عن غيابي اليومين اللي فاتوا فاانا قولتك السبب هو مرض جدتي، أما عن حكاية الهزار ولا الضحك، فاظن حضرتك يعني قبل ماترقيني عندك ، بالتأكيد طبعًا عرفت نبذة عن أخلاقي وشطارتي في الشغل، ولا انا هنا على أساس إيه بالظبط؟

اعتلت شفته ابتسامة غير مفهومة وهو يلتفت مائلًا بجذعه نحوها مرددًا :

- طبعًا عشان شطارتك يازهرة؛ امال هايكون عشان إيه تاني كمان !

توقفت قليلًا تنظر اليه بعدم فهم، وهو يبادلها النظرة بغموض؛ تود الجدال معه ولكن لا تملك الحيلة أو الطريقة أمام تحكمه وسيطرته، ثم مالبثت ان تتحرك لتجر أحباطها معها، وتستأذنه مغادرة :

- طب عن أذنك يافندم .

ذهبت من أمامه وهي تجزم بداخلها ان نظراته القوية نحوها تخترق ظهرها من الخلف ، حينما خرجت ولم تجد الفتيات سقطت على كرسيها الجديد تنفخ بعنف مرددة:

- أووووف ياساتر، دا إيه ابني أدم ده؟

استغفرت قليلًا قبل أن تستدرك عدم وجود الفتيات فالتفت برأسها تبحث في أنحاء المكتب مغمغة :

- ودول راحوا فين كمان ؟

................................


- خاينة، ونعمة ربنا طلعتي خاينة .

هتفت بها غادة نحو كاميليا بالغرفة الكبيرة الخاصة بحمام النساء، بعد أن اغلقنه عليهن، زفرت كاميليا ترد على اتهامها متحلية بضبط النفس:

- بلاش كلامك المستفز ده ياغادة، يابنت الناس انا مش عايزة اخسرك ، ساعة دلوقتي بحايل فيكي عشان افهمك وانت البعيدة دماغك فيها جزمة قديمة، بتهلفطي في الكلام، ومش مدياني فرصة اَخد نفسي حتى.

هتفت غادة ببكاء تنتحب أمامها:

- يعني حتى الكلام اللي طالع من قهري مش متحملاه مني ياكاميليا ، لدرجادي انا تقيلة عليكم ، تطبخوها مع بعض، انت تترقي وتسحبيها هي مكانك وانا زي الأطرش في الزفة تخبوا عليا عشان اعرف زيي زي الغريب، وبعد دا كله اطلع انا برضوا الوحشة.

هزت برأسها كاميليا تستوعب رد فعل غادة الغريب فقالت بدهشة :

- أطرش إيه وزفة ايه اللي بتتكلمي عنهم؟ وليه البكا من الأساس؟ بنت خالك صدر قرار ترقيتها مع قرار ترقيتي، في وقت واحد، يعني محدش فينا اتدخل مع رئيس الشركة وهو بيمضي على القرار.

اقتربت برأسها منها تردف بتشكك 

- ياسلااام ، وانتِ بقى عايزاني اصدق الكلام ده ؟ طيب ترقيتك انتِ ومعروفة ، عادي يعني وبتحصل ، لكن ترقية زهرة في انها تتحط مكانك، تيجي ازاي دي بقى؟ يعرفها منين هو؟ حتة موظفة صغيرة مكملتش اربع شهور في الشركة.

- معرفش!

اردفت بها كاميليا وتابعت بقوة نحو غادة:

- صغيرة ولا كبيرة حتة، دي كلها حاجات تخص رئيس الشركة، وانتِ مش من حقك على فكرة انك تزعلي في حاجة زي دي، لأنها ماخدتش مكانك ولا جارت حقك....

- لا حقي ياكاميليا.

صاحت بها غادة مقاطعة بحدة وأكملت:

- حقي عشان انا اللي استحق ، انا شغالة في العلاقات العامة يعني انفع واجهة، انا زكية ولبقة مع الكل ، مش خيبة وبتكسف من خيالي زي صاحبتنا دي اللي بتتكعبل في هدومها لو حد كلمها.

اجفلت كاميليا وهي تعود برأسها للخلف تنظر اليها جيدًا بتمعن، مصدومة من ملامح وجهها التي أظلمت أمامها وتغيرت، وكأنها واحدة أخرى، سألتها غادة بنفس الحدة:

- إيه ؟ بتبصيلي كدة ليه واكني واحدة مجنونة قدامك؟

صمتت كاميليا قليلًا ثم ردت بهدوء مع ابتسامة مستخفة:

- بصراحة مستغربة ، انتِ معصبة نفسك وقالبة الدنيا، على وظيفة زهرة كانت رافضاها بكل قوتها، وقبلت بيها بالعافية في الاَخر بعد ضغط 

- ننننعم !

صدرت من غادة رافعة طرف شفتها بازدراء اثار التسلية لدى كاميليا .

- والله زي مابقولك كدة ياقلبي، انا عن نفسي بقالي يومين بحايل فيها عشان تقبل واقدر انا بعدها ان امشي بقى واستلم وظيفتي الجديدة !

اردفت بها كاميليا مستمتعة بمشهد غادة التي توسعت عيناها بشدة وهي تنظر اليها بذهول مع تجمد ملامح وجهها بشكل يثير الضحك.

اجفلن الاثنتان على طرقة خفيفة قبل ان يندفع الباب وتدلف زهرة اليهم ، قالت مخاطبة إياهم رغم اندهاشها من هيئتهم :

- إيه الأخبار ؟ كل دا قافلين عليكم الباب وبتتخانقوا ؟

أومأت لها كاميليا بتعب وقبل أن ترد سبقتها غادة وهي تسأل زهرة رافعة حاجبها المرسوم بدقة:

- انت فعلًا يابت كنتِ رافضة الشغل مع جاسر الريان ؟

أجابتها زهرة غير مبالية:

- أه ياختي، وكان عندي استعداد كمان اسيب الشغل، بس اعمل ايه بقى؟ قبلت عشان مايتقطعش عيشي في المخروبة دي.

صرخت غادة بحريق اشتعل بداخلها نحوهم :

- ولما هو كدة والبرنسيسة بتدلع عالشغل ، محدش قال اسمي انا ليه؟ خبيتوا انتوا الاتنين عليا لييييه؟

انتفضت زهرة تلتصق بالباب خلفها واقتربت كاميليا منها تهتف بنفاذ صبر:

- وطي صوتك الله يخرب بيتك هاتفضحينا، انتٍ أيه يابنت انتِ مجنونة؟ ارسي على حيلك بقى وليكي عليا في اقرب فرصة ححاول انا بنفسي اتوسطلك على ترقية كويسة، حلو كدة؟

صمتت غادة تكتم غيظها مع استمرار تلاحق انفاسها الغاضبة وهي تحدق بهم، أجفلن فجأة على دوي صوت هاتف زهرة والتي فتحت بسرعة هروبًا من غادة على الرغم من عدم معرفتها بصاحب الرقم .

- الوو... مين معايا ؟

- الوو .. يازهرة انتِ فين ؟

فغرت فاهاها بصمت وهي تشير بسبابتها لكاميليا بدهشة نحو الرقم ، وقد علمت صاحبه من صوته الأجش .

اجفلها مرة أخرى بصيحته :

- بقولك انتِ فين يازهرة ما تردي؟

انتفضت ترد سريعًا بتعلثم :

- أنا في حمام السيدات يافندم، انت عايز حاجة؟

- لا تمام ، بس حاولي متتأخريش .

انهى المكالمة بعد أن ختمها بجملته الهادئة، فالتفتت زهرة قائلة بحدة :

- ودي عرف رقمي منين ده؟ هو انا لحقت اغيب دقيقتين عشان يتصل بيا يندهلي؟ 

لوحت لها كاميليا بكفها قائلة :

- دا شئ عادي يازهرة ، رقمك بيبقى عنده في الملف بتاعك ولا انتِ ناسية ، واحنا كدة كدة لازم نخرج بقى ونمشي، انا اساسًا متأخرة على الوظيفة الجديدة.

تحركن للخروج ثلاثتهم فغمغمت من خلفهم غادة بحنق :

- اتحركي ياختي انتِ وهي على وظايفكم الجديدة ، الله يسهل لعبيده .

التفت اليها كاميليا برأسها ناظرة بيأس من طريقتها ، اما زهرة فهتفت مرددة لها:

- خديها يااختي الوظيفة الجديدة مش عايزاها، قال اللي خدتوا القرعة تاخدوا ام الشعور بلا هم .

........................


في طريق عودة الفتيات نحو المقر الجديد لعمل زهرة ، بعد تفرق غادة عنهن وعودتها لمحلها في العمل ، توقفن على هتاف عماد الذي هلل أمامهن بمرح :

- ياهلا ياهلا بالناس اللي اترقت وهاتتكبر علينا ياهلا 

تبسمت زهرة تكتم ضحكها أمامه ، وصدر الرد من كاميليا التي قالت بمزاح :

- اه نتكبر عليكم ونشوف نفسنا كمان ، حقنا ياأخي مش اترقينا .

رد هو الاَخر على مزاحها يلوح بسبابته لزهرة نحو الأخرى :

- شوفتي بقى يازهرة، انا كان قلبي حاسس من الأول ان البت دي مستنية بس فرصة، واخدة بالك؛ فرصة بس عشان تنزع بقى الوش الناعم ويظهر وشها الحقيقي .

قالتها كاميليا ردًا على مزاحه

- انا برضوا ياعماد ، ولا انت اللي السواد بقى مالي قلبك ياجدع .

- انا برضوا اللي السواد مالي قلبي ؟ ولا انتِ اللي طلعتي صفرا واحنا مكناش واخدين بالنا ولا إيه بس.

اصبح هو وهي يتبادلن المزاح ، وزهرة تضحك بينهم بخجل كالعادة، غير قادرة بحياءها الدائم على مجاراتهم في الحديث المرح، حتى انتفضت على دوي هاتفها برقمه مرة أخرى، فهتفت على كاميليا قبل ان تهرول اليه :

- دا بيتصل بيا يستعجلني من تاني ، انا ماشية بقى وانتِ ابقي حصليني .

نظر عماد في اثر زهرة يغمغم سائلًا لكاميليا:

- مين ده اللي بيتصل يتسعجلها من تاني؟

- قصدها على رئيسها الجديد جاسر بيه طبعًا، امال هايكون مين يعني ؟

قالت كاميليا قبل أن تستأذن هي الأخرى لتلحق بها قبل أن تغادر الشركة ، وتذهب لمحل عملها الجديد.

..............................


- اتأخرتي ليه؟

هتف بها بأعين حمراء من الغضب ، فور أن دلفت اليه، خرج هي صوتها بارتعاش من هيئته :

- انا كنت في الحمام ، يعني شئ عادي لو حصل واتأخرت يافندم .

ضرب بكفه على سطح المكتب هادرًا بقوة جعلها تنتفض مجفلة:

- متأكدة يا زهرة ان تأخيرك كان في الحمام وبس ؟ يعني ماوقفتيش تضحكي ولا تهزري مع حد مثلًا :

قطبت جبينها تسأله بدهشة:

- قصدك ايه يافندم؟ انا مش فاهمة.

ضغط يجز على اسنانه وهو يتناول في الملفات يرميها نحوها على سطح المكتب بغيظ.

- اقصد ولا مقصدتش، اتفضلي الملفات دي كلها تراجعيها وتعملي تقارير مفصلة عنها فاهمة.

اومأت برأسها بقهر وهي تتناولهم بفزع من حجمهم وعلمها الأكيد بالساعات المرهقة التي ستقضيها في العمل حتى الإنتهاء منهم .

فور ان استدارت سمعته يهتف من خلفها :

- ومافيش بريك النهاردة يازهرة .

اومأت برأسها مرة ثانية ، تحتجز الدموع بعيناها.

تابع خروجها الحزين دون أسف، فور تذكره رؤيته لها بالشاشة وضحكاتها مع كاميليا وهذا الفتى ثقيل الظل وهو يتباسط في حديثه معهم ، لدرجة جعلته يتمنى التخلي عن وقاره ، ليذهب اليهم فارضًا الخصومات والجزءات عليهم، حتى لا يلتقوا مرة أخرى، تمتم فور خروجها بغيظ:

- ماشي يازهرة، ماشي ياعماد ال......

..........................


في الخارج كانت كاميليا تلملم في متعلقاتها واشياءها الخاصة من فوق سطح المكتب والادراج، قبل مغادرتها الشركة نهائيًا ، لاستلام وظيفتها الجديدة، أجفلت على خروج زهرة بوجهها العابس وهذا الكم الهائل من الملفات التي اسقطتهم على سطح المكتب بعنف .

- إيه ده؟

سألتها كاميليا قاطبة وهي تشير بعيناها نحوهم ، أجابتها زهرة بابتسامة صفراء :

- دا الهم التقيل اللي أمرني الباشا اشتغل فيهم بعيد عنك، انا قولتلك الراجل ده مشغلني عنده عشان يطفشني ويطلع عليا عقده مصدقتنيش .

مطت شفتاها واهتزت كتفاها كاميليا بعدم معرفة تجيبها:

- مش حكاية مصدقتكيش، بس هو اساسًا نظام الشغل هنا بالشكل ده، دول عددهم كبير ، امتى بس هاتلحقي تخلصيهم ؟

سقطت زهرة على مكتبها تردد بغيظ:

- لما هو بيعمل معايا كدة من أول يوم ، امال بقية الايام هايعمل ايه بس؟ انا مش عارفة ايه طبيعة الراجل ده بصراحة؟ دا كل اللي عليه، بتضحكي وتهزري، بتضحكي وتهزري، فيه إيه هو هايكتم نفسي ولا إيه؟

تسمرت كاميليا وتوقفت عما تفعل وهي تنظر اليها مضيقة عيناها بتفكير مرددة :

- تضحكي ولا تهزري ! وهو ماله أساسًا ؟

رفعت زهرة اليها أنظارها تهتف حانقة:

- انا الدنيا اسودت في عنيا يا كاميليا وبقيت حاسة نفسي هاطرد قريب بسببه، تصدقي بالله دا منع عني حتى البريك العادي بتاع الموظفين هنا في الشركة.

هتفت كاميليا مرددة خلفها :

- كماااان !

...............................

وفي الناحية الأخرى ، على مكتبها كانت تتلاعب بقلمها ، مطبقة شفتاها ، وعيناها تنظر في الفراغ بشرود، من وقت أن تركت الفتايات، ونيران صدرها مازالت مشتعلة ولم تهدأ بعد، عقلها يدور بلا هوادة نحو خيانتهم لها، وخططهم التي يدبرونها من خلف ظهرها، وهي التي كانت تظن انها اذكي من الاثنتان في التدبير والتخطيط؛ تستفيق الاَن على هذه الحقيقة المرة، انها كانت مغيبة في اللعب مع نفسها دون مساعدة ، في مقابل اتفاق كاميليا مع زهرة من خلف ظهرها، ليصبحن اعلى منها في التدرج ، بالإضافة الى راتبهم و الذي سوف يزداد لضغف راتبها هي، بالإضافة لازياد فرصهم في العثور على العريس الذي تحلم أو" اللقطة" كما تتخيل ، جزت على اسنانها وهي تردف لنفسها بصوت مسموع :

- لا وبيشقوطني لبعض ويقلولي ان البرنسيسة كانت رافضة كمان! ماشي، بقى انا افضل موظفة كحاينة في مكاني هنا ، وهما يسبقوني بمراحل في كله، ماشي ياكاميليا ، ماشي يازهرة. .

- غادة 

التفت رأسها بحدة نحو زميلتها في الغرفة التي هتفت باسمها تنظر لها بصمت فتابعت الفتاة :

- انتِ بتكلمي نفسك ياغادة؟

- أكلم نفسي ولا اتجنن حتى، انتِ مالك انتِ؟

بها في وجه الفتاة جعلتها تتركها بخوف قائلة:

- خلاص يااختي ، اعملي انتِ عايزاه وانا مالي .

عادت غادة لنفسها وخططها تتوعد داخلها بالتقدم عليهم وسبقهم ، مهما حدث ومهما كان الثمن.

...............................


في مكتب الرئيس الجديد كانت واقفة مكانها برهبة في انتظاره ، تنظر من النافذة الزجاجية الكبيرة نحو المناطق الصناعية حولها، وحركة المارة من العمال والموظفين؛ وهم يبدون كالنمل اسفل المبني الشاهق الإرتفاع، التفت رأسها فجأة على صوت الباب الجانبي الذي فُتح على اَخره ليدلف اليها هذا الرجل الذي رأته قريبًا يطول جسده الغريب، بالإضافة الى وسامة وجهه الغربية 

- مساء الفل ، اتأخرت عليكي صح .

اردفت خلفه ترد التحية:

- مساء الخير يافندم، عادي ولا. ويهمك .

جلس بحماس على كرسيه يردد وهو يشير لها لتجلس امامه :

- اعملك ايه بقى ؟ ما انت لو جيتي من أول يوم، كان زمانك حاصرة معانا الإجتماع دلوقتي.

أومأت بابتسامة مجاملة:

- تتعوض يافندم ، الجيات أكتر من الريحات، المهم انا كنت عايزة اعرف فين مكتبي عشان احاول افهم النظام من دلوقتي.

اطلق ضحكة مدوية أجفلت من غرابتها قبل أن يردف لها :

- كدة عالحامي على طول ، دا صدق بقى جاسر لما قال انك زي القطر في الشغل .

لم تستجب لدعابته وقد ارتسمت الحيرة على ملامحها وجهها وهي لا تدري ان كان هذا مدح او سخرية ، انتبه هو فقال مصححًا :

- على فكرة انا مش بتريق ، انا قصدي انك بيرفكت يعني ودي حاجة ممتازة طبعًا ولا إيه ؟

اومأ غامزًا بعيناه الجريئة بنظرتها، وابتسامة ماكرة جعلتها تتوتر في حضوره ، حركت هي رأسها بموافقة مدعية الجدية كعادتها وقالت :

- تمام يافندم ممكن بقى اعرف مكتبي فين ؟

- تاني برضوا

اردف بها مطقًا ضحكة اخرى يردد معها:

- طب خدي نفسك حتى وقدريني شوية؛ تشربي معايا حاجة ساقعة أو سخنة ، مش احنا هايبقى معظم الشغل مابينا الأيام اللي جاية برضوا.

اومأت بالموافقة وقد أربكها بكلماته للمرة الثانية.

...................................


وعودة الى زهرة التي كانت منكفئة على الملفات المكدسة أمامها بتركيزٍ قد اوشك على النفاذ منها؛ بعد قضاءها عدة ساعات في العمل بها ، وهي لم تنهي نصفها بعد حتى ، رفعت رأسها عنهم بتأفف وقد اشتد اللألم في رقبتها وظهرها، 

- روح ياجاسر ياريان الهي ما توعى تبربش بعنيك ياشيخ .

تمتمت بها بغيظ وهي تتناول هاتفها تتصل على جدتها :

- الوو... ايوة ياستي عاملة ايه دلوقت؟............. البت صفية مرعياكي ولا سابتك ؟............... طب كويس أوي ، اتغدتيتي بقى ولا لسة ............ ليه بس ياستي ماانا قايلالك من الأول اني هاتأخر............ والنبي ياشيخة ماتتعبي قلبي ، انا قولتلك اني هاتأخر يبقى خلاص بقى ........ لا مااضمنش هارجع الساعة كام؟ ..............تمام ياقلبي ولا يهمك بس ماتنسيش تدعيلي والنبي ........ ياروح قلبي، حاضر من عيوني هاجيبلك بسبوسة تحلي بقك بيها ، انت تؤمر ياقمر .

أنهت المكالمة بابتسامة كالعادة، تدخلها عليها رقية بخقة ظلها الدائمة ، ولكنها اختفت فور ان اصطدمت عيناها به، واقفًا بجوار باب مكتبه المفتوح ، واضعًا كفيه بجيبي بنطاله، وكأنه يراقبها!

قطبت تنهض عن كرسيها بامتعاض وقالت على مضض:

- حضرتك عايز حاجة يافندم ؟

تقدم بخطواته ليصل اليها قبل ان يرد بسؤال .

- كنتِ بتكلمي مين ؟

- نعم !

قالتها باستنكار ، فقال مبررًا :

- انا اقصد طبعًا، عشان الشغل اللي سيباه وراكي متكوم ده.

قال وهو يومئ بعيناه نحو الملفات ، ردت هي تجاهد للتحكم في غضبها :

- يافندم ما انا شغالة اهو ومابطلتش دقيقة ، جات يعني على اتصال صغير اطمن بيه على ستي؟ دا انا حتى ماخدتش البريك بتاعي ، ولا ريحت نهائي .

- صمت يحدق بها قليلًا بملامحه الصارمة ثم أومأ بعيناه نحو المكتب قائلًا :

- ماهي السندوتشات قدامك اهي ، ما اكلتيش ليه انتِ بقى؟

رمقت زهرة الشطائر التي وضعها عامل الكافتيريا أمامها على سطح المكتب منذ ساعات في خطوة غريبة، جعلتها تسأل العامل عنها فاأجابها ، بأنه أتى بأمر مباشر من رئيسها؛ رئيس الشركة.

- ما بتروديش ليه ؟ انا بكلمك .

سألها بصوته الأجش ، ردت زهرة كاذبة:

- متشكرة يافندم ، انا مش باكل حاجة برة البيت .

مال برأسه ساخرًا يقول:.

- غرببة يعني، مع ان اول مرة شوفتك فيها هنا في المكتب؛ وكان السندوتش في إيدك ساعتها!

احتدت عيناها وازداد توترها، لتذكيرها بها اللقاء الكارثي مع تذكره لتفصيلة صغيرة كهذه ، فقالت باعتزاز 

- بتحصل يافندم، بس لما ابقى جعانة بقى ؛ لكن انا دلوقتِ مش جعانة ولا ليا نفس نهائي .

صمت مرة أخرى يعاود التحديق بها وهي واقفة بتملل، من سهام نظراته المصوبة نحوها ، ثم مالبث ان يرد بلهجة غامضة :

- تمام يازهرة ، روحي انتِ دلوقتِ وكملي بقى بكرة .

رفعت عيناها اليه تسأله بعدم تصديق :

- صح يافندم، يعني انا ممكن اروح دلوقتِ ؟

انتظرته قليلًا قبل أن يجيبها بتمهل وهو يضغط على كلماته :

- كام مرة هاقولك اني مبكررش كلامي يازهرة.

- تمااام .

اردفت بها مقتضبة وهي تومي برأسها بتفهم وعيناها تخفضها عن النظر نحوه، أجفلها بسؤاله :

- هاتروحي مع مين دلوقتِ وكاميليا مش موجودة؟

- هاتروح معايا انا ياجاسر باشا .

صدرت بغتة من الخلف جعلتهم ينتبهون على دلوفها اليهم ، وتابعت:

- انا غادة بنت عمتها ياجاسر ياباشا ، هو انت مش فاكرني؟

اكتفى بأن يلوح لها بكفه وهو يرتد عائدًا الى مكتبه دون ان يرد عليها ، تسمرت غادة قليلًا تتابعه حتى اختفى داخل مكتبه ، تغمغم بانبهار :

- القميص الابيض هاياكل منه حته وهو متقسم مظبوط على العضلات والجسم المفرود ، يخرررب بيت حلاوتك .

بعد انتهائها التفت لزهرة وجدتها جالسة ووجنتها مستريحة على قبضتها المستندة بها على سطح المكتب، تحدق بها مضيقة عيناها .

- ننعم !! بتبصيلي كدة ليه بقى؟

تجاهلت زهرة السؤال وردت بسؤال من عندها :

- انتِ برضوا لحقتي تظبطي مكياجك ؟ لا وتغيريه بالكامل كمان، لهو انتِ بتقضي يومك كله في الحمام يابنتي ؟

تبسمت غادة باستخفاف وهي تجلس أمامها :

- مافيش داعي اني اشرحلك واتعب نفسي ، عشان دي حاجات صعب عليكِ تتعلميها ياروحي ، ياللا بقى خلصينا عشان نعرف نروح ، عشان كمان تعرفي اني بعمل بأصلي رغم خستك وندالتك معايا، انت والمحروسة كاميليا ، لكني جيتلك اهو عشان اخدك تروحي معايا.

ردت زهرة بابتسامة ساخرة:

- كتر خيرك ياست غادة، اخجلتيني بتواضعك حقيقي يعني ، على العموم انا خمس دقايق كدة وهاخلص الملف اللي في إيدي، مش هاخليكي تتأخري أكتر كتير يعني.

- مطت شفتيها وهي تومئ لها بعيناها بعدم اكتراث، ومن داخلها تمتم :

- اصبر نفسي معلش وماله، مش يمكن يطلع من وراها المصلحة ولا الشبكة تلقط بسببها! ويجي الخير اللي بحلم بيه !


..... يتبع 

قبل اي شئ حابة اشكر كل اللي بتفاعلوا ويشجعوا برأيهم ، حقيقي الحاجات دي بتفرق جدًا مع الكاتب غشان يقدر يبدع ومايتصابش بالاحباط . 


#امل_نصر

#بنت_الجنوب

الفصل العاشر 


أمام مراَتها كانت تمرر الفرشاة على وجهها وهي تضع في مساحيق التجميل المتعددة ببطء وتمهل، متجاهلة عن قصد دوي هاتفها بمجموعة هائلة من الإتصالات التي كانت تنظر لها باستخفاف ثم تعود لما تفعله بعدم اكتراث للوقت أو مايتبعه من عواقب في التأخير، ركزت بدقة على كل تفصيلة بوجهها غطتها وجملتها بحرفية عن خبرة سنوات؛ لما تفعله منذ أن تخرجت من المعهد مع زهرة ، ثم انتقلت للعمل بالمحلات كبائعة او المطاعم كنادلة، فاكتسبت خبرة في الإحتكاك والتعامل مع جميع اصناف البشر ، عكس ابنة خالها التي ظلت محتبسة البيت بعد تخرجها، معتمدة اعتمادًا كليًا على خالها الذي كان يُحاوطها برعاية وحمائية مثيرة للإستفزاز قبل أن تأتيهم الفرصة معاً في الإلتحاق بالعمل مع كاميليا بشركتها، وتساوت الرؤوس بينها صاحبة الخبرة والممارسة العملية وبين ابنة خالها المحظوظة والتي خرجت من منزلهم على مقعد السكرتارية مباشرةً؛ فلم ينل منها تعب المناهدة مع الزبائن في المحلات أو تتوجع اقدامها من الوقوف طوال اليوم كنادلة في المطاعم الرخيصة، انتبهت هذه المرة على صوت اَخر لجرس المنزل، توقفت قليلًا تستمع لبعض الأصوات التي تداخلت مع صوت والدتها التي فتحت الباب، ثم تفاجأت بها بانعكاس صورتها في المراَة وهي تقف خلفها بوجه متجهم وعابس:

- انتِ لسة واقفة قصاد المراية وبتتمكيجي ياغادة ؟ مش واخدة بالك ياهانم من الساعة ولا بالتأخير اللي اتأخرناه ، دا انا بقالي ساعة برن عليكي وانتِ حتى مكلفتيش نفسك تردي عليا؟ يعجبك كدة عمايلها البت دي ياعمتي؟

- يرضيني بقا ولا مايرضنيش، هاعملها ايه انا بقى ؟ اهي قدامك اهي؛ اتصافوا مع بعض .

قالت إحسان وكأن الأمر لا يعنيها، ثم تحركت تخطو للخارج بهدوءٍ غريب اندهشت له زهرة، ثم انتبهت على قول غادة التي تحدثت هي الأخرى ترد عليها :

- ياستي مرة في التاريخ تتحسب فيها مجيتك ليا عشان تستعجليني عالشغل زي ما بعمل انا كل يوم ، وبتحمل كلام رقية وتريقتها من غير ما اشتكي .

- مجية ايه وهباب ايه ؟ في ايه يابنتي احنا متأخرين بجد والله، اخلصي الله يخليكي مش عايزة اخدلي كلمتين من جاسر الريان لو اتأخرت .

لوت ثغرها وهي تغمغم أمامها :

- ايوة بقى عايريني بالشغل الجديد والترقية ، ماانا عارفه وفاهمة لوحدي مش محتاجة تفكريني يعني .

- أفكرك بإيه يابني أدمه انت بقولك متأخرين، دا وقته كلامك ده؟

هتفت بها زهرة حانقة نحوها، ردت غادة وهي تدنوا نحو على الأرض :

- ثواني طيب هالبس الجزمة بتاعتي 

صرخت زهرة بعدم سيطرة :

- كمااان، لسة هاستناكي على ما تلبسي الجزمة؟ دا شكلي انا اللي هالبس النهاردة وانول غضب هولاكو!

..............................

بعد مايقارب الساعة كانت زهرة تقف على أعصابها بجوار غادة في مصعد الشركة وهي تنظر للساعة كل دقيقة ، تتمتم بقلق :

- يا نهار اسود المواصلات عكت معانا وزودت التأخير، مصيبة بقى لو كان وصل هو قبلي ، دا مش بعيد يطرني اصل انا عارفاه دا بيتلككلي .

مصمصت غادة بشفتيها تردف لها بصوت مسموع :

- ياسلااام ، على أساس بقى ان الراجل حاطك في دماغه ؟ هو فاضي يفتكرك اساسًا ؟

لم ترد زهرة وتجاهلت تهكمها للتندمج في النظر نحو العداد الإلكتروني في انتظار الوصول لطابقها، حتى اذا توقف المصعد خرجت سريعًا وخلفها غادة التي تقابلت عيناها فور خروجها بهذا الرجل ثقيل الظل الأسمر ، يغمز لها بعيناه قبل ان يدلف لداخل المصعد في الجهة الأخرى تقبلتها بتكشيرة بوجهها أمامه، ولكن عقلها تيقظ فور ان تذكرت انه حارس جاسر الريان الشخصي ، نظرت نحو زهرة التي كانت تهرول مسرعة بالرواق الطويل ، فومضت برأسها فكرة خبيثة، لتنفذها بدون تأخير؛ وبحركة مفاجئة صرخت على زهرة توقفها :

- اَه ، الحقيتي يازهرة .

استدارت اليها زهرة مجفلة على صوتها فوجدتها متكورة على نفسها بجانب الحائط ، واضعة كفها على رأسها ، تأن بألم :

- اللحقيني يازهرة، حاسة نفسي مش قادرة اكمل .

ارتدت عائدة اليها تسألها بخوف مختلط بالأندهاش وهي تقترب منها :

- مالك يابنتي ؟ ايه اللي حصل ماكنتي كويسة.

ردت غادة متصنعة الألم :

- مش عارفة يازهرة، فجأة كدة حسيت بدوخة جامدة اوي ، ااه ، دا بابنه ضغط دا ولا إيه ؟ انا حاسة نفسي هاقع اسنديني يازهرة .

- طب يعني اروحك دلوقتِ ولا اعمل معاكي ايه بس ؟

قالت زهرة بتوتر وهي تسندها بيديها الاثنتان، تشبثت بها غادة أكثر تجيبها ، لا يازهرة انتِ بس وصليني مكتبي ، ولا اقولك وصليني على مكتبك اقرب ، اخد نفسي بس الاول وبعدين نشوف .

- طب تعالي بقى وربنا يستر .

أذعنت زهرة توافق على طلبها على مضض وهي تعود لساعة يدها كل دقيقة تحتسب الدقائق التي تمر على تأخيرها عن ميعادها وهي تسير بخطواتِ بطيئة مع غادة التي تتحامل بثقل جسدها عليها .

حينما وصلت للغرفة الواسعة توقفت على مدخلها بأعين جاحظة من الخوف ، وهي تراه أمامه متكئ بجسده على طرف مكتبها وكأنه في انتظارها ، بوجه متجهم عاقد حاجبيه المقلوبان وهو ينظر نحوها بتحفز ، ابتلعت ريقها الذي جف على الفور من الخوف فقالت لغادة وهي تتركها :

- استني هنا ماينفعش تدخلي دلوقتِ .

حاولت غادة التفوه بكلمة ولكن زهرة لم تعطيها فرصة وهي تخطو بتردد وخوف نحوه ، حتى اذا وصلت قالت بأدب :

- صباح الخير يافندم .

رفع حاجبه الشرير يجيبها بنبرة مريبة باعثة للخوف أكثر بقلبها:

- صباح الخير!! دا على أساس انك واصلة في ميعادك مش قريب على ادان الضهر .

- أدان الضهر ازاي بس يافندم الساعة لسة ماتمتش تسع......

قالت ببرائة لتنتفض فجأة على مقاطعتهِ لها بصحية قوية جعلت جميع جسدها يهتز مرتدُا لخلف .

- وليكِ عين تقوليها كمان قدامي ، بعد ماسبتيني انتظرك بالنص ساعة .

ارتعشت شفتها وتلعثمت وهي لا تقوى على تجميع كلمة مفيدة أمامه :

- ممم ماهي بنت عمتي...

دوى صوت غادة من ناحية الباب تردف له متصنعة اللهاث:

- هي ملهاش ذنب يا جاسر باشا، انا اللي أخرتها لما تعبت ودوخت فجأة وهي كانت بتسندني .

انتبه لها فرمقها بنظرة مخيفة قبل أن يصيح بصوتِ جهوري اهتزت له أركان المكتب :

- ارجعي على مكتبك يا اَنسة ولو تعبانة روحي على ببتكم، معنديش انا وقت للكلام وللتفسير .

فغرت غادة فاهاها ببلاهة وعدم استيعاب فهدر عليها بقو اكبر:

- بسرعة يالا.

انتفضت تهرول بجزع أمامهم، متناسية ادعاءها المرض، فعاد جاسر يومئ بسبابته لزهرة نحو اثرها :

- هي دي اللي كانت تعبانة وبتسنديها ؟

صمتت زهرة لا تقوى على جداله ، فخاطبها يجز غلى أسنانه :

- موضوع التأخير ده ما يتكررش تاني، اوصل انا المكتب الاقيكي في انتظاري، فاهمة .

اومأت برأسها بألية وتابع هو :

- انا داخل مكتبي، عشر دقائق والاقيكي داخلة بملفات مصنع الأسمنت.

اومأت مرة أخرى وهي لم ترفع عيناها اليه فذهب لغرفة مكتبه لتسقُط هي على مقعدها مطلقة السراح لدماعاتها التي كانت تهطل بغزارة ، وهي تكتم شهقاتها وتفعل ما أمرها به بقهر .

..................................


في وسط الحارة التي تقطنها زهرة علقت اعقاد الزينه والمكبرات الصوتية وانتصب الخشب في التحضير لحفل زفاف احدى فتيات الحارة ، كان محروس جالسًا مع احد اقارب العروس بتابع الاستعدادت حينما اتى فجأة فهمي ليلجلس بجواره يحيه :

- عم محروس ازيك ياحبيب قلبي وحشني .

- اهلًا يافهمي ماتشوفش وحش.

قال محروس على مضض امام الرجل الذي انسحب بزوق من جوارهم :

- طب عن اذنكم ياجماعة انا رايح اشوف البنات حضروا الغدا ولا لسة .

قالها الرجل وهو يذهب متهربًا من الجلسة معهم ، نظر في اثره فهمي يردد من خلفه بسماجة :

- اذنك معاك ياعم عادل ، ربنا يتمم جواز بنتكم بخير يارب.

نكزه محروس بكف يده ليسأله:

- عايز ايه يافهمي ؟ بعد ما قطعت قعدتي مع الراجل واحنا بنتفق على الفلوس اللي بقيالي عنده من جهاز بنته؟

اصدر صفيرًا بصوته فهمي يردد :

- أوعى أوعى بقى ، ورجعنا اهو لجهاز العرايس كمان، دا انت بشبشت معاك ياعم بقى وزهزهزت 

- بشبشت وزهزهت ايه انت كمان ؟ دا انا عاملهم بالتقسيط ، يعني هايطلع عين امي على ما اخلص حسابي معاهم، انت جاي تقر بقى ولا ايه ،

رد فهمي ضاحكًا : 

- اَقر دا بس ياعم ، دا انت الخير اللي بتحط في عبك كانه اتحط في عبي على طول ، انا وانت واحد ياابو نسب ولا انت نسيت ان انا السبب في دا كله ؟

شدد على كلماته الأخيرة فرد محروس بتوتر :

- ياعم منستش والله فلوسك ، بس اديك شايف بنفسك اللي خدتهم منك باليمين راحوا في تسديد الديون القديمة وشرا قطن وقماش اشتغل بيه ، هي الورشة اتحركت شوية ، بس بقى فايدتها عايزة صبر .

- ههههه

صدرت منه بسخرية فااكمل :

- انا مالي بالهليلة دي كلها يابرنس ، انا اديتك الفلوس على اساس انها مهر البت ، يبقى ليه التعب بقي في شرح مأساتك ؟

تعرق محروس وانعقد لسانه عن الرد بعد أن ذكره هذا الملعون باتفاقهم.

- سكت ليه يا قلبي ماترد ؟

سأله فهمي بخبث فرد محروس بتلجلج :

- يااافهمي ..مماانا قولتلك.. ان البت هي اللي رافصة 

- وانا قولتلك ماليش فيه.

هتف بها بقوة اجفلت محروس وتابع رافعًا حاحبه المقطوع بنصفه:

- انا ساكت يامحروس وصابر عشان انت تميل دماغها ، مش عايز أذيك عشان عيلة عقلها طاقق ، ماتعرفش مصلحتها ولا مصلحة والدها فين ؟ دا انا قاطعت صنف النسوان ياجدع يجي من ٣ اشهر دلوقتي في انتظار البطل....

- عيب يافهمي كلامك البارد ده ، انت بتتكلم عن بنتي.

قالها محروس بمقاطعة حادة لم تؤثر في فهمي الذي اردف بسماجته :

- خلاص ياعم ماتبقاش حنبلي ، انا بس عايزك تحس بيا وتفهم؛ ان البت فارقة قوي معايا ، واخد بالك انت ، فارقة ومعششة في نفوخي .

اومأ له محروس برأسه وقد عصفت بعقله الأفكار ، بعد تورطه مع رجل كفهمي هذا.

...........................


- ادخل .

اردف بها مقتضبة وهو منكفئ بتركيز على مجموعة من العقود أمامه ، دلفت اليه لتضع الملفات التي أمرها بها على سطح المكتب أمامه قائلة بعملية :

- الملفات يافندم اللي انت أمرت بيها .

تناولها وقبل ان ينظر بهم، رفع رأسه اليها فقطب يسألها :

- انت معيطة ؟

نفت تهز برأسها بقوة وكذب مفضوح:

- لا حضرتك انا مكنتش بعيط .

اعتلت وجهه ابتسامة وقد ترك من يده كل الاوراق وفرغ اليها قائلًا بتسلية :

- ولما انت مش معيطة، شكل وشك بقى كدة ليه ؟

- مالي وشي يافندم ؟

ردت بدفاعية جعلته ينهض ليقف مقابلها ، مقربًا المسافة بينهم ليشرح :

- عنيكِ دبلانة اوي عكس ما شوفتها من شوية، الحمار اللي انتشر في بعض مناطق وشك بزيادة ، دا غير كمان مناخيرك اللي بقى شكلها يضحك .

- انا شكلي يضحك ؟

سألته تومئ بسبابتها نحوها فردد هو :

- انا بقول مناخيرك .

اخفضت عيناها صامتة بتوتر من وقوفه بهذا القرب أمامها، وهو يدقق بوجهها وكأنه يحفظها، فقالت بجدية:

- طب انا أمشي دلوقتي يافندم ولا استنى حضرتك على ما تمضي على الأوراق ؟

تحمحم يعود لرشده بعد اندماجه في تفاصيلها ، وعاد لمقعده يتصنع الجمود :

- على العموم تمام يعني لو مش عايزة تعترفي ، بس المهم دلوقتِ بقى انا عايز انبه عليكِ ان في تأخير النهاردة عشان في اجتماع لرؤساء المجموعة ومديري الأقسام ، يعني تعملي حسابك .

- اعمل حسابي ازاي يافندم ؟ هو انتوا هاتتأخروا لإمتى بالظبط؟

سالته فمط شفتيه قائلًا بهدوء :

- مقدرش احدد بالظبط امتى، بس احنا اجتماعتنا بتبقى بالساعات يعني ممكن نجر لبعد تسعة كمان.

- نهار اسود ازاي بقى؟ دا كدة ستي ممكن تطين عيشتي .

دلفت بكلماتها بعفوية اثارت بداخله ابتسامة مستترة، جاهد لعدم إظهارها، فقال متصنعًا الحزم:

- الأمور العائلية دي مش في الشغل يازهرة، خلي بالك من كلامك، واتفضلي بقى عشان انا هاراجع في الملفات قبل ما امضي .

اتم جملته ودنى برأسه ليعود لعمله وينشغل عنها، تحركت هي بتردد ثم استدارت عائدة اليه تهتف بتصميم :

- يافندم معلش بقى حتى لو هاتقولي امور عائلية ، بس انا ماينفعش اتأخر النهاردة بالذات .

التفت اليها يسألها بحدة واهتمام :

- ليه بقى ياست زهرة ماينفعش النهاردة بالذات ؟

فركت أمامه بكفيها وأجابت بتوتر :

- بصراحة بقى النهاردة عندنا فرح في الحارة، ودا بيبقى فيه شرب وحاجات كدة ، وانا اخاف اعدي عالشباب هناك وهما بحالتهم دي، انا مضمنش الظروف.

- وانتِ عرفتي منين انهم بيشربوا؟

سألها مضيقًا عيناه ، اجابته على الفور دون تفكير:

- خالي خالد هو اللي كان بيقولي كدة ، وكان بيمنعني اروح اي فرح غير وانا معاه ، وهو دلوقتِ مش موجود يبقى انا اخلي بالي من نفسي بقى.

ظل صامتًا يحدق بها بغموض ، فسألته هي بنفاذ صبر :

- قولت ايه يافندم بقى ؟ اروح على ميعادي ؟

نفى برأسه قائلًا بإصرار :

- لا يازهرة مش هاتروحي على ميعادك .

اصابها الإحباط فهمت تجادل ولكنه أوقفهًا مردفًا:

- بس انا هاتصرف واخلي السواق والحارس بتاعي يوصلوكي لحد باب البيت، مبسوطة كدة؟

اومأت برأسها صامتة بجمود قبل أن تنصرف من أمامه ، بداخلها تود الصراخ بوجهه والرفض بشكل قاطع ، ولكنه لا يترك لها فرصة بجبروته، ومن الناحية الأخرى وصله اعتراضها مرتسمًا على ملامح وجهها المتجهمة ، التي تفضح مابداخلها حتى لو هي اظهرت العكس ، كم ود لو يطيل حديثه معها فتفصح أكثر عن عائلتها وعن حياتها، تنهد بثقل وهو يهز برأسه ليتسفيق الى عمله ، والذي ما ان اتجه اليه تذكرها ، فرفع رأسه يتمتم بداخله:

- عايزالك دارسة لوحدك يازهرة .

...............................


طرق بخفة على باب غرفتها وحينما لم ترد ، دلف للداخل يتطلع بأرجاء المكان وهي غير موجودة فيه؛ ابتسم بداخله وهو يرى الديكورات الحديثة وقد اتخذت الطابع الانثوي بها ، اصدر صفيرًا إعجاب على زوقها الرفيع في انتقاء المقاعد العصرية والتفاصيل الصغيرة التي زينت بها الاركان، مكتبها الجديد الذي تراصت عليه إطارات الصور والاقلام الملونة؛ كان مرتب بعناية ، تقدم بفضول ليجلس محلها فتناول الصور ليتأملها ، الصورة الأولى كانت بزي التخرج من الجامعة ، يبدوا ان التفوق كان حليفها دائمًا وليس الاَن فقط ، الثانية لرجل عجوز من رسمة عيناه ولونها البني خمن انه أباها ، أما الأخرى فهى لشاب وسيم يضمها بذراعه بحميمية مع فتاة أصغر في الجهة الأخرى .

انتبه فجأة على فتح الباب ودلوفها اليه قاطبة الحاجبين بدهشة ، سبقها في الحديث سائلًا ببرود :

- حلوة اوي الصورة دي ، دا خطيبك؟

فغرت فاهاها تسأله بعدم استيعاب 

- استاذ طارق ، حضرتك قاعد على مكتبي وانا مش موجودة!

- اه صحيح ، معلش بقى مخدتش بالي .

قال بتصنع وهو ينهض من أمامها ويترك المكتب ، حتى وقف أمامها واردف :

- بصراحة انا كنت جاي اشوفك لو محتاجة حاجة او في أي شئ ناقصك ، بس انشديت بقى للديكور الجديدة ونسيت نفسي وانا بتفرج عالصور .

اومأت برأسها بتفهم حتى تنهي الجدال :

- تمام حضرتك ، والف شكر طبعًا انك كلفت نفسك وجيت تسألني من غير ما اتكلم.

- مافيش داعي للشكر ياكاميليا ، احنا خلاص بقينا زملة ، هو انتِ كنتِ فين صح ؟

أجفلها بسؤاله الفضولي فتماسكت تجيبه بضبط نفس

- حضرتك انا كنت بعمل جولة في المكان عشان استكشف حركة العمل وشغل العمال .

قال بإعجاب :

- ماشاء الله مابتضيعيش وقت انتِ ، تعجبني الروح العملية، عالعموم انا تحت أمرك في أي سؤال لو حبيتي .

اومأت بموافقة دون ان تعزم ولو بالمجاملة عليه بالجلوس ، تحمحم هو ليستأذن ولكنه توقف فجأة :

- صحيح انتِ مجاوبتيش على سؤالي .

هزت رأسها اليه باستفسار:

- سؤال ايه يافندم معلش ؟

- الشاب الوسيم اللي سالتك عنه في الصورة ؟

قال بابتسامة غريبة اثارت استفزازها ، أجابته بابتسامة صفراء :

- دا اخويا حضرتك ، والبنت اللي معانا تبقى اختي الصغيرة .

- امممم .

تفوه يردف بابتسامة متوسعة وهو يهم بالخروج :

- حلوين ماشاء ربنا يحفظهم ، بس انتِ أحلى .

اومأ غامزًا بوجنته كالمرة السابقة ثم خرج بأناقة من امامها، جعلها تنظر في اثره بمزبهله لحظات و مشدوهة من جرأته .

...................................


والى زهرة التي كانت تتحدث برجاء مع جدتها التي كانت تمطرها بالسباب في الهاتف .

- شغل ايه دا يابت اللي بيأخر لتسعة؟ ماتباتي برة أحسن .

- ياستي افهميني بقى ، انا قاعدة اساسًا غصب عني، يعني ارحميني والنبي .

- وايه اللي غاصبك ياختي ؟

اجابتها على الفور بصوتِ خفيض:

- الراجل المفتري صاحب الشغل، قال ايه عامل اجتماع ، طب وربنا انا اترجيته ان امشي واتحايلت بيكي لكن برضوا مرديش.

زامت رقية قليلًا ثم سألتها باعتراض :

- طب وهاترجعي ازاي ياناصحة وتعدي عالرجالة اللي هاتترشق في الشارع تسكر وتشرب في الفرح ؟

ردت زهرة :

- ما انا قولتله عليها دي كمان وقالي انه هايخلي السواق والحارس بتاعه يوصلوني لحد البيت يعني ما تقلقيش ان شاء الله.

صمتت قليلًا رقية قبل ان تردف لها على مضض

- ماشي يازهرة اما نشوف اخرتها ايه الشغلانة المهببة دي 

فور انهائها المكالمة وقبل ان تعود لعملها جيدًا وجدت عامل البوفيه يدلف اليه ملقيًا التحية قبل ان يضع أمامها علبة عصير ومعها شطائر لحم على سطح المكتب .

- ايه دا يابلال ؟ ساندوتشات بورجر !

سألت وهي ترمق الشطائر بذهول ، اجابها الفتى بابتسامة :

- جاسر بيه هو اللي أمر بالطلب زي امبارح . 

القت نظرة ممتعضة على باب غرفته قبل ان تعود للفتى قائلة:

- خدهم يابلال ، بدل ما يترموا زي اللي فاتوا .

اتسعت ابتسامة الفتي وهو يتحرك بأقدامه للخلف قائلًا :

- اسف يازهرة ، انا اللي عليا اني اجيب وبس، وانتِ بقى حرة في انك تاكليه أو ترميه.

عبست بوجهها وهي تعود لعملها وتتمتم بغيظ :

- جايبلي ساندوتشات لحمة فاكرني مفجوعة وما هاصدق، والنعمة ما مقربة منهم ، ان شالله اموت حتى من الجوع .

- زهرة حبيبتي .

تأففت بسأم وهي ترفع رأسها لصاحبة الصوت التي أتت فجأة :

- عايزة ايه ؟ مش خفيتي بقى وجريتي زي الحصان اول اما زعق فيكِ البيه ، ولا اكنك كنتِ عيانة اساسًا.

ردت غادة بصوت ملهوف وهي تجلس أمامها:

- والنعمة كنت عيانة صدق مش تمثيل ، بس اعمل ايه بقى؟ جاسر الريان لما شخط فيا واكنه وحش وهاياكلني ، القوة هبت فيا ان اجري منه هربانة بجلدي لحد اما وصلت مكتبي واترميت عليه زي الجثة ، لولا البنت زميلتي ما قامت بالشغل بدالي وجابتلي برشام يرفع الضغط ، ماكنت ابدًا هارفع راسي ولا اقدر اخطي برجلي واجيلك هنا واكلمك .

استمعت لها زهرة ثم لوت ثغرها تتجاهلها دون رد وهي تعود لعملها ، خرج صوت غادة بأسف :

- لا تكوني زعلانة مني يازهرة عشان أخرتك النهاردة ، بس والنعمة ياشيخة ماكنت اعرف ان كل دا هايحصل ويطلع رئيسك شديد قوي كدة .

- واديكِ عرفتي .

تفوهت بها مقتضبة زهرة ، فسألتها غادة بتردد :

- هو عمل معاكي ايه ؟ اداكي جزا ولا خصم منك ؟

رفعت اليها رأسها ترد بحدة :

- عمل اللي عمله ياستي ، اديني خدت اللي فيه النصيب وخلاص .

عضت غادة على باطن وجنتها بغيظ بعد ان الجمتها بكلماتها، وهي التي كانت تتحرق شوقًا لتعلم العقاب الذي نالته زهرة.

- ماشي يابنت خالي زي ما تحبي، الا صحيح هي سندوتشات البرجر دي بتاعة مين .

سألت الاَخيرة وهي تلعق شفتيها في النظر نحوهم ، اجفلتها زهرة قائلة :

- بتاعة اللي بتاعته بقى ، كُليهم يا غادة وعلى مسؤليتي .

- بجد ، انا فعلًا تعبانة وعايزة حاجة تقوتني.

اردفت بلهفة بها وهي تتناولهم بنهم وشهية مفتوحة .

رمقتها زهرة غير مبالية قبل ان تعود لعملها ولكنه أجفلها باتصاله، يباغتها بقوله الغريب :

- مابتكليش ليه ؟

اردف بحزم جعلها تنتبه تلقائيًا نحو الكاميرا الملتصقة أمامها في أعلى الحائط ، ردت بتحفظ أمام غادة :

- عادي يعني يافندم ، مش مشكلة .

- مش مشكلة ازاي وانت هاتقعدي اليوم كله في الشغل ، دا غير اني مش هاسمحلك بالبريك النهاردة يازهرة عشان الشغل المتكوم قصادك .

قال بنبرة حادة تلقتها هي بعند وهي تنظر نحو الكاميرا وترد بهدوء عكس ما بداخلها:

- تمام يافندم برضوا مش مشكلة .

اتاها الرد وهو يجز على اسنانه غاضبًا:

- ماشي يازهرة انتِ حرة .

.................... ..............


وعودة الى الحارة 

كان فهمي يستمع الى اصوات الغناء العالية الصادرة من السماعات الكبيرة وهو مندمج ، يلوح بيداه ويميل بجسده على ألحان الموسيقى الشعبية، يراقب بعيناه افراد من صبيانه الذي يعملون معه بالقرب منه منتشرين بين الشباب ، يوزعون المواد المخدرة بأثمانها المرتفعة، اجفل فجأة على دوي هاتفه برقم غريب، نظر الى الشاشة مرددًا بدهشة :

- رقم دولي ! ودا من مين دا كمان ؟

- الوو مين معايا ؟

اتاه الصوت الغاضب :

- دا انا يافهمي ، اوعى تكون نستني ياراجل.

قطب قليلًا ثم اصدر ضحكة ساخرة يردد:

- خالد باشا! لا انساك ازاي ياغاي دا انت حبيبي ، مكلف نفسك وبتتصل بيا دولي ، لدرجادي انا وحشتك؟

هدر خالد بصوت قوي :

- اسمع ياض انت ، انا معنديش وقت للوع بتاعك ، ولا عندي طاقة عشان اهددك انك تبعد عن زهرة اللي افتكرت انها بقت لقمة سهلة بعد خالها ماسافر، انا بس ببلغك بردي اللي هاتشوفه دلوقتي حالاً ، عشان تتاكد ان بنت اختي تحت عنيا وتحت رعايتي حتى لو فرقت مابينا بلاد ، ونجوم السما اقربلك منها .

- يعني ايه مش فاهم ؟

اردف فهمي فجاءه الرد من خالد :

- اقفل دلوقتِ وانت تفهم .

قالها وانهى خالد على الفور المكالمة ، جعل فهمي ينظر دقائق للهاتف بعدم استيعاب حتى انتبه على اصوات الصراخ العالية وربكة في قلب الحارة مع سيارات باللون الكحلي تدخل بكثافة تطارد صبيانه، حتى توقفت واحدة أمامه وخرج منها الرجال الأشداء يردف أحدهم بسخرية على وجهه المتجهم :

- فهمي باشا ممكن تنورنا بحضورك .

غمغم فهمي بغضب: 

- ياولاد ال........ طب وديني ما انا سايب حقي .

......................................


على الطاولة الكبيرة والمستطيلة ، كانت توزع نسخ من ملف الاجتماع على اعداد الحاضرين والمفترض حضورهم ، تتحرك بألية وقد انهكها التعب ، وضعف تركيزها مع الصداع واحساسها الشديد بالجوع .

- ايه مالك ؟ تعبانة ولا جعانة بقى؟

رفعت رأسها وجدته أمامها يهندم في سترته التي يرتديها ، فتابع وهو ينظر لها بغيظ:٠

- ابعتي جيبالك حاجة تاكليها بدل ماتوقعي في نص الأجتماع ، انا مش ناقص عطلة.

- لا شكرًا . 

اردفت بها فجعلته يستشيط غضبًا ، نفث من انفه 

دخان وهو يشير للنادل الذي كان يوزع هو الاَخر زجاجات المياه على الطاولة بعدد الحضور .

- انت يابني روح جيبلها حاجة تاكلها.

- يافندم مش جعانة، انا بس اللي عندي شوية صداع .

كذبت بإصرار وحرج فسبقه الفتي في الرد بعفوية :

- انا عارف طلبك يازهرة ، انت اكيد مصدعة عشان ماخدتيش طلب القهوة باللبن بتاعتك زي كل يوم ، تحبي انزل اروح اجيبلك؟

انشق ثغرها بابتسامة جميلة نحو الفتي اثارت غضب الاَخر :

- متشكرة يابلال ربنا يخليك ، مش عايزة اتعبك .

- لاتعب دا ايه؟ دا انت تؤم...........

- ماتخلص تشوف شغلك ولا تجيبلها اللي هي عايزاه ، انت لسة هاترغي .

قال بحدة مقاطعًا الفتي الذي انتفض من صيحته وهرول من أمامه على الفور ، فرمقها بنظرة مخيفة وهو يجلس محله على رأس الطاولة ، زفرت بداخلها بيأس من هذا الرجل الغريب وأفعاله الأغرب.

- مساء الخير يازهرة ، 

قال مديرها السابق وهو يخطو نحو الطاولة ، بابتسامة ودودة، استجابت تبادله ابتسامته وهي تردد خلفه التحية وتضع امامه ملف الاحتماع :

- مساء الخير يااستاذ مرتضى ، ربنا يخليك .

- عاملة ايه بقى في شغلك الجديد ، دا المكتب ضلم من غيرك .

- لدرجادي ! لا طبعًا المكتب دايمًا منور باصحابه.

- زهرة .

هتف بها بحزم ، فتحركت على مضض تقترب منه :

- نعم يافندم عايز حاجة ؟

اشار لها بكف يده فدنت تقترب برأسها منه ، لتجده يردف لها من تحت أسنانه :

- بطلي توزعي في ابتساماتك كدة في الرايحة والجاية ، احنا في اجتماع مهم ، مش حفل تعارف .

اومأت له بابتسامة صفراء وهي تعتدل مستقيمة، غمغمت بغيظ وهي تبتعد عنه :

- اعوذ بالله منك يااخي ، دا انت مش بني أدم طبيعي ، ياسااااتر .


.....يتبع 



تكملة الرواية من هناااااااا


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا




تعليقات

التنقل السريع