رواية الشرف الجزء الثالث الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم قسمة الشبينى
رواية الشرف الجزء الثالث الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم قسمة الشبينى
الأول
حين يعيش الإنسان في سعادة لا يحصى أيامه فكل لحظة تمثل متعة خاصة طال الشوق إليها .
سبعة أعوام منذ تزوجا لم يعرف الفتور طريقه لحياتهما مطلقا . ظنت فى بعض الأحيان أنه ينسحب من بين ذراعيها لتجده يعود مشعلا نيران شوقه فتذيب برودة الحياة ويعودا للذوبان في دفء عشقهما الذي يحيى كل منهما .
يفتح طايع الباب لتدخل منه صامتة ، ليس من عادتها هذا الصمت ، طالما كان طريق الذهاب أو العودة من وإلى العمل حوارا مرحا لا يمله مطلقا .
ترى لم تصمت هكذا !!!
نظرات الاستياء بعينيها تؤلم قلبه ويراها تضع الصمت حاحزا بينهما .
إنها حتى لم تسأل الفتاتين عن يومهما .اتجهت للغرفة بصمت بينما وقف شاردا يتذكر إحدى هذه المرات التي كادت تفقده عقله ...
يقود طايع السيارة وهى تجلس متكئة على ركبتيها على المقعد الأمامي ووجهها لابنتيها : ورينى يا بسمة .. وانت يا نسمة طلعى كراستك بطلى دلع .
يتأفف طايع : يا لى لى يا حبيبتي اصبرى على ما نوصل مش كل يوم الوش ده .كفاية الدوشة والزحمة عليا .
تجيبه دون أن تنظر له : طايع ركز في السواقة وماتدخلش بينى وبين بناتى .
ينهرها طايع : يعنى ايه مااتدخلش ما هم مش بناتك لوحدك . اديهم فرصة ياخدوا نفسهم حتى .
تشهق ليليان كأنه لم يقل شيئا : إيه ده يا بسمة ؟؟
لتجيب الصغيرة بهدوء : ماما ده درس جديد والمس بتقول بسرعة مالحقتش اكتب وراها .
تجذب ليليان كراسة نسمة : وانت ؟؟
تنظر للكراسة ببعض الراحة : ما اختك كاتبة يا بسمة صح اهو !! ولا هى حجج وخلاص .
توقفت السيارة بإشارة المرور ودون أن تهتم ليليان ظلت تتفقد كراسات الفتاتين ولم تهتم لتأفف طايع يذكر أنهما تشاجرا ذلك اليوم واتهمهما بالتفرقة بين الصغيرتين لتتهمه هى بعدم حبها أو فهم مشاعرها تجاه طفلتيها .
أفاق من شروده على يد صغيرته تربت على كفه : بابا هى ماما زعلانة مننا ؟
هبط لمستواها ليتساءل : ليه يا نسمة بتجولى أكده ؟
نسمة : أصلها مااتكلمتش معانا خالص ولا سألتنا اخدنا ايه فى المدرسة .
انضمت بسمة تؤيد تؤمتها : ولا حتى باستنا زى كل يوم .
قربهما من صدره : لا ياحبايبى ماما مش زعلانة منكم ولا حاچة بس هى تعبانة من الشغل شوية . لازم نعذرها بردك
اعترضت بسمة : ما انت كمان كنت في الشغل !!
لتجيب نسمة بفخر اعتاده منها والدها : بس بابا راجل وبيستحمل اكتر من ماما واكتر من كل الناس محدش زى بابا خالص .
ابتسم طايع وهو يقبل وجنتها : يا جلب ابوكى انت .
ثم قبل بسمة أيضا : صح يا بسمة حياتى الراجل بيتحمل اكتر وبعدين من يوم واحد ماما تتعب نلومها إكده ؟؟
لتقول بسمة فورا : لا طبعا إحنا هنغير هدومنا لوحدنا ومش هنتعب ماما النهاردة فى الهوم وورك وهنكتب لوحدنا .صح يا نسمة !!
نسمة وهى تمسك كف شقيقتها : صح .
واتجهتا لغرفتهما بهدوء ليتجه هو إليها .دخل للغرفة وكانت تتسطح بالفراش وقد نزعت ملابسها وألقتها بإهمال ليس من عاداتها فوق المقعد . نظر طايع للملابس ثم لها ليقترب متسائلا : مالك يا لى لى ؟؟بجى لك كام يوم بتتغيرى كل يوم اكتر من اليوم اللى جبله !!
تنهدت ولم ترد ليجلس بالقرب منها مداعبا وجهها بأنامله : فيكى ايه ؟؟
رفعت ذراعها تخفى عينيها عنه ، وكأنه لن يشعر ببكاءها إن أخفت دموعها !!
مد ذراعه أسفل رأسها ليرفعها نحوه ممسدا ظهرها بحنان متسائلا: بتبكى ليه بس ؟؟
لم تجب ليليان فقط تعلقت به وهى تشهق بصمت ليعتدل فيحتويها بين ذراعيه ويغرق فى حيرته من تبدل أحوالها الغير مبرر .
__________
شقة ريان التى انتقل لها منذ عامين ...
يدخل ريان للمنزل بهدوءه المعتاد ذلك الهدوء المحيط به يقلقه ، ترى اين صغيره تاج ؟؟
لكان مرتميا بين ذراعيه منذ لحظات ، تلفت حوله ..لا أثر للصغير ، توجه لغرفته ليجد ليال متكومة على نفسها كما إعتاد رؤيتها مؤخرا .
لا ينكر حزنه الشديد لوفاة والدها . الحاج صالح كان شخص حبه يفرض على القلوب بلا كراهة .
لكن من يملك الإعتراض على قضاء الله .
لم تشعر بدخوله وهذا متوقع ، اقترب بهدوء ليجدها غافية ، ربت على رأسها برقة لتنتفض فزعا أصاب قلبه مباشرة : مالك يا ليال ؟اتخضيتى كدة ليه ؟
اعتدلت جالسة تحاول تهدئة أنفاسها: مادريتش بيك وانت داخل .
جلس أمامها : معلش راحة عليكى نومة . هو تاج فين ؟
مسحت وجهها بكفيها : عند عمتى الغالية .جت تطل علينا وشبط فيها .هقوم اجهز لك الغدا .
تحركت بالفعل ليعيدها بهدوء . جلست تنظر له بينما تفحصها لدقائق قبل أن يقول : وبعدين يا ليال ؟؟ هتفضلى حزينة ومكسورة لحد أمته ؟
ابتسمت تلك الابتسامة الباهتة لتقول : انى زينة يا ريان .
ليبادلها بنفس الابتسامة : والمفروض اصدق كلامك واكدب وجعك !! ليال انت مش شايفة وشك بقا شكله ايه ؟؟ علطول سرحانة ومهمومة . والله كلنا وفاة عمى مأثرة علينا .
ترقرقت عينيها بالدموع : غصب عني يا ريان .
قربها منه بهدوء : عارف يا حبيبتي عارف . ربنا يربط على قلبك ..بس لازم تحاولى مش هقولك انسى لأنه مايتنسيش . بس تعايشى علشان خاطره هو قبل اى حد . تفتكرى حالك ده يسعد عمى الله يرحمه ؟؟
هزت رأسها نفيا لطالما أخبرها ابيها الراحل أن الحزن لا يلائم ملامحها البريئة . لطالما كانت قوية ..لكنها كسرت بوفاته . الدنيا بدونه شديدة الوحشة .
ضمها ريان بدفء ، لحظات .. دقائق .. لم يشعر بمرور الوقت . إكتفى بقربها والراحة التى ينشى قلبه لدفء ضمتها .
أفاق حين بدأ شعوره يختلف . إنها تتقرب منه!!!
لم تفعل منذ توفى والدها ، أياما طويلة لا يريد أن يحصيها حتى لا يصيبه الإحباط لطول بعدها عنه .
ترى هل تدفن اوجاعها بين ذراعيه!!!
ام شعرت اخيرا بمدى افتقاده لها !!
ام أخطأت فهم كلماته وظنته يطالب بحقه فيها !!!
الظنون مؤلمة حين تتعلق بالأحبة ، لكنه رغم كل الظنون يشتاقها بشدة ويحتاجها بشدة .
شعرت بتردده ؛ لم يكن مترددا فى قربها مطلقا .. حقا اطالت بعدها عنه !! بل وأهملته بشكل يحزنها . لكنها كانت عاجزة .. كانت تشعر بشوقه وتشتاقه لكن لم تتمكن من الإقتراب ولم تسمح له أن يفعل وقد احترم رغبتها كعادته دائما . شعرت لفترة طويلة بتوقف الحياة عن السريان فى أوردتها .رفعت رأسها لتهمس قرب أذنه : ريان
همهم مجيبا وإن لم تخرج كلماته بشكل كامل لتهمس برجاء : محتاجة لك .
أيا كانت الظنون ..ومهما كبرت المخاوف تنمحى جميعا أمام اعترافها بحاجتها إليه . حتى وإن كان مهدئا لأوجاع قلبها فسيمنحها هذا بلا تردد .
يمكنه أمام اعترافها ذا التغاضي عن كل وساوسه ومخاوفه .
يشتعل قلبه تبعا لأشواقه المتأججة ،يتحول لهيبه المؤلم مصدرا للحياة يسعده الاحتراق فيه بكل كيانه وقد أصبح الشوق هو المسيطر على كليهما .
بدأ يشعر بها تستكين ، جفت مجارى الدموع التى كففها بشفتيه ، زالت البرودة عن أطرافها ؛ لطالما كانت دافئة بين ذراعيه يمكنه ضخ الدفء لأوردتها للأبد .
لم يحص الوقت الذي استغرقه لإخماد نيرانهما لكنها فى النهاية هادئة مسترخية وقد انجلت الكآبة عن ملامحها .
ليته تمكن من تهدئة أوجاعها وطى صفحة الألم من حياتها لما تردد أيضا .
__________
بمنزل مهران .
يدخل خالد لغرفة والديه بعد أن اذن له أبيه ، كان أبيه ينهى استعداده للمغادرة بينما روان تتابع هاتفها بصمت .
نظرا له ليبتسم مهران : جرب يا خالد
لقد تحول خالد لشخصية هادئة رزينة ما كان مهران يتخيل وصوله لها ، كما أنه متفوق دراسيا بشكل مشرف .
اقترب خالد مقدما ورقة لوالده . إلتقطها مهران لينظر لمحتواها ..
ابتسم رغم شعوره بالصدمة فهو يلاحظ مراقبة الصغير لتعبيرات وجهه ، جلس بطرف الفراش ونظر ل خالد : اجعد يا ولدى .
جلس خالد منكس الرأس ليرفع أبيه رأسه قائلا بحزم : خلى راسك مرفوعة جدامى وجدام الكل .
أشار لنتيجة مادة الرياضيات : الدرچة دى مش زى عوايدك .
انتبهت روان للحديث لتقترب فتنظر لنتيجة ابنها ، ربتت على رأسه : حبيبى لسه المدرسة بتضايقك ؟
تحدث خالد اخيرا : ضربتنى يا ماما النهاردة
نظر مهران ل روان بحدة : يعنى تعرفى الحكاية ؟
اشاحت روان بوجهها : ايوه وروحت وكلمتها اكتر من مرة بس مفيش فايدة واخر مرة اشتكيتها للمدير وماكنتش الوحيدة اللى اشتكت منها .
نظر مهران لولده : خالد روح اوضتك وانا هأچى المدرسة بنفسى اشوف الموضوع ده .
غادر الصغير مغلقا الباب بهدوء لينظر لها : وبعدهالك يا روان !! كنت ناوية تخبرينى إن فى واحدة بتضايج ولدى ميته ؟
نظرت له بحدة : ماكنتش ناوية . عاوز تروح المدرسة اتفضل روح محدش هيمنعك .
مسح رأسه مستدعيا بعض الصبر : وبعدين يا بت عمى !! ميته هتصدجى أنى مارايدش غيرك !!
نظرت له بلوم : بس كمان عاوز تخلف وتخاوى ابنك .
عاد يستدعى صبره ، منذ سنوات تحاول زوجته الحمل مرة أخرى بلا فائدة واخيرا تحول شغفها للحمل بشكل كامل إلى شغف نحوه هو .
أصبحت تغار بجنون ؛ يحمد الله أن عمله لا يفرض الاختلاط بالنساء وإلا لكانت جنت بلا شك .
اقترب ليجلس بالقرب منها : روان انت بت عمى . وحلم عمرى . اول واخر حب في حياتى .
رفعت له عينين دامعتين : بس انت قلت لى كتير نفسك في اخ ل خالد .
قربها من صدره : روان افهمى ، كل راچل فى الدنيا بيبجى نفسه ربنا يرزجه الخلف الصالح ، واحنا الحمدلله ربنا رزجنا ب خالد صوح كنت رايد اخاويه بس منيكى انت . يعنى إذا ربنا رايد يبجى نحمده ونشكر فضله مارايدش يبجى بردو نحمده على نعمته . لكن عمرى ما افكر يكون لى ولاد من غيرك .يا منيكى يامارايدش .
هدأت قليلا ، تعلم أنه يحبها ..بل يعشقها وهى كذلك . لكن الغيرة تنهش قلبها رغما عنها ، كلما شعرت بعجزها عن الإنجاب مرة أخرى وكلما زادت غيرتها عليه حاربت لابعاده عن نساء الدنيا اجمع .
رفعت رأسها بعد دقائق: طب بلاش تروح المدرسة .
قطب جبينه ثم تساءل بخبث : تبجى مدرسة الحساب حلوة جوى على إكده !!
لتصرخ بجنون وهى تضربه بصدره : شوفتها فين يا خاين!! كدة يامهران !!
ضحك مهران مقيدا كفيها : يا مچنونة بضحك وياكى .
هبطت دموعها وهي تقول ببكاء : أصلها حلوة اوى يا مهران وعنيها ملونة .
مرر ابهماميه فوق وجنتيها ملتقطا عبراتها الغالية : انت فى عينى اچمل واحدة في الدنيا . والله لو حورية ونازلة من السما ماتساوى دمعة من عينك .
زاد قربا فأهلك المسافات بينهما ، مرت شفتيه فوق ملامحها فى عجالة متلهفة ليعيدها بجولة أخرى متمهلة دافئة ورقيقة .لحظات وهدأت مخاوفها وسكنت ارتعاشة قلبها الغيور ، فها هو لها وحدها كما كان وكما سيظل دائما ..ليتها تصدق تلك الحقيقة .
__________
بدل ملابسه وغادر الغرفة بعد أن غفت بين ذراعيه متجها لغرفته غاليتيه ، طرق الباب ودخل ليجد الفتاتان ونسمة تشرح ل بسمة مسألة حسابية بسيطة لكنها معقدة بالنسبة لهما .
ابتسم واقترب منهما : بتعملوا ايه يا حلوين ؟
مدت بسمة كراستها : أنا مش فاهمة المسألة دى يا بابا ونسمة بتفهمنى .
ابتسم وهو يجلس أمامهما : طيب ماجوعتوش ؟؟
تبادلتا النظرات الصامتة ليضحك : خلاص فهمت .
نسمة : بس ماما تعبانة !!
طايع : نطلب من برة او نعمل اى حاچة خفيفة .
اسرعت بسمة : نطلب بيتزا .
ابتسم طايع : حاضر يا حبيبتي .عاوزين اشرح لكم حاچة ؟
غادر بعد أن تأكد من إلمامهما بما تدرسان ، بحث عن هاتفه ليطلب الطعام الذي استغرق وصوله للمنزل نصف ساعة .
وضع الطعام جانبا ليقرر أن يوقظها أولا . اتجه للغرفة ليجدها كما تركها غارقة في النوم . جلس بطرف الفراش مناديا اسمها بهدوء : لى لى .حبيبتى كفاية نوم .
تاوهت وهى تعتدل لتنظر له : طايع سبنى شوية .
مد ذراعه يجذبها نحوه : لاه بزياداكى طلبنا بيتزا والبنات چعانين .
دفعته عنها بتأفف : يوووه مش عاوزة يا طايع سبنى انام .
عادت تستلقى لينظر له متعجبا .. لقد دفعته عنها !!! للمرة الأولى تفعلها بجدية دون دلال رغبة في قربه !! ترى ما الذي حدث معها !!!
غادر الغرفة غاضبا وعازما على عدم العودة قريبا ، أعد الطاولة وطلب من الفتاتين الاستعداد لتناول الطعام .
ما إن جلس حتى نظرتا له بتعجب وتساءلت نسمة : هناكل من غير ماما ؟
وخزة آلمت قلبه ليستجيب لها قائلا : أصلها نايمة .
فتسرع الصغيرة نحو الغرفة : هصحيها .
غابت الصغيرة لدقائق بينما تجلس بسمة أمامه تراقبه بلا ملل ، بقدر ما تمنى أن تشاركه الطعام بقدر ما تألم حين وجدها مقبلة وصغيرتها تمسك كفها بسعادة . لقد رفضته منذ دقائق !!!
نظر للطعام فورا ولم يبد أي رد فعل حتى جلست بمقعدها وبدأوا جميعا يأكلون فى صمت .
تشعر الفتاتان أن ثمة ما يحدث لا تفهمانه لذا إلتزمتا الصمت أيضا .
أنهى طعامه الذى يبتلعه مكرها بقلب متألم وكاد أن يغادر لتقول مسرعة : طايع عاوزة اروح عند بابا .
عاد لمقعده يتفحص ملامحها متسائلا : ليه ؟؟
نظرت له باضطراب : ابدا وحشونى .
اذا هناك ما ستشاركه ابيها وترفض مشاركته فيه . مزيدا من الحدود تضعها بينهما بلا مبرر . لا يحتاج ذكاء ليعلم أنها ترفض صحبته أيضا .
طال صمته وتطلعه لها ليقول اخيرا : انت حرة يا ليليان .
تعلم أنه غاضب منها ، وتعلم أنها تتمادى لكن لا تعلم ما الذى يحدث معها ، لم تعد قادرة على التحكم في انفعالاتها مؤخرا .ستحاول أن تراضيه فقط حين تقطع الشك باليقين .
_________
بعد ساعتين من حوارهما البارد الذى زاده حزنا تدخل من الباب لتجده يجلس مشاركا فتاتيه ألعابهما .
ليست الصورة غريبة لها . لكن هيئتها غريبة له ، خرجت منذ ساعتين بنفس الوجه الكئيب لتعود مبتسمة بشكل مبالغ فيه .
رفع حاجبيه بدهشة وقال فورا : مالحجتيش تروحى لعمتى وترچعى . كنتى فين ؟
تساءل بحدة لتقول ببساطة : مشوار مهم اوى .
لم تختلف ملامحه الجادة : ايوه فين يعنى ؟؟
وللعجب لم يؤثر انفعاله فيها . بل ابتسمت وهى تقول: هقولك بعد شوية .
نظرت للفتاتين فورا : بنات تعالوا عاوزاكم .
اسرعت نسمة نحوها بينما نظرت بسمة لوالدها بتردد قبل أن تلحق بها ، أمسكت كفيهما واتجهت لغرفتهما فورا .
دقائق نهشت الظنون فيها قلبه قبل أن تخرج الفتاتان عدوا نحوه تجذبانه لغرفتهما فورا نسمة تريده أن يشرح لها مسائل رياضية وبسمة تريد مساعدته لعمل نشاط تعليمى .
زاد تعجبه وألمه . هل أصبحت تستعمل فتاتيه لتبعده عنها !!!
تبع الفتاتين بعد أن نظر لها بحيرة لكنها مازالت تبتسم ، تلك الابتسامة التى طالما عشقها لا يعرف لم يتوجس منها اليوم .
اسرعت فور إغلاق باب الغرفة إلى الباب حيث تركت البواب فى انتظارها ،شكرته وتناولت منه ما يحمله لتتجه للمطبخ .
مر نصف ساعة وهى تعد الحلويات التى اشترتها للاحتفال بيوم ميلاد طايع ، حقا مر فى غفلة منها منذ يومين لكن اليوم مناسب تماما للاحتفال .
اسرعت تبدل ملابسها ، هى تعلم أن الفتاتين لن يتركا له فرصة لتفقدها . وقد كانتا عند حسن ظنها .
دخلت لغرفتهما بعد أن انتهت لينظر لها بتشوش .. ما الذى يراه !!
بل ما الذى لا يراه !!!
ما الذى تخفيه عنه !!!
أصبح قلبه مرتعا للظنون .. اسرعت نحوه بلهفة ، انحنت تقبل جبينه : كل عام وانت بخير .
لتقفز الفتاتان نحوه فيضمهما دون أن يجيبها أو يحيد بنظراته الحادة عنها . جذبنه للخارج ليجد الكعكة تتوسط الطاولة وثلاثتهن يجذبنه نحوها .
وقف و وقفت أمامه مباشرة . إنها هى نفسها .. حبيبته قبل تغيراتها التى طرأت عليها مؤخرا . ما الذى جد لتعود فى لحظات لسابق عهدها بهذه الروعة !!
كم يتمنى أن يقترب فيذوب بكل كيانه فى روعتها هذه !!
لكنه لن يفعل قبل أن يفهم ما سبب كل هذه التغيرات .
يجلس بجوارها صامتا عاقدا ساعديه ينظر لفتاتيه تلتهمان الكعك بسعادة.. تعلو وجهه ابتسامة شاحبة .
وضعت كفها فوق ذراعه : مش هتاكل التورتة ؟؟
نظر لها بطرف عينه ليقاوم روعتها التى تزيده رغبة فيها فتساءلت برقة : انت زعلان مني علشان اخرت حفلة عيد ميلادك ؟
ابتسم بإستخفاف لتقول هامسة : معلش غصب عني كنت ..
نظر لها بحدة وتكلم هامسا : ايوه كنتى ايه ؟؟ كنتى متغيرة ومش طيجانى اجرب منيكى وكدبتى عليا وخرچتى رچعتى بحال غير الحال تسمحى تفهمينى ولا ماليش عازة ؟
اخفضت عينيها : والله يا طايع ماكنتش اعرف أنا متغيرة ليه !!
رفع وجهها لتنظر له وتتابع بشئ من المرح : ماكنتش طايقة ريحتك جمبى كنت بتخنق منك.
نظر لها بحدة رافضا تلك المزحة لتتنهد وتقول :
النهاردة قولت هو احتمال بعيد بس جايز . حبيت اروح لوحدى أتأكد .
تنهد بضيق وقال بنفس الحدة : ليليان أنا مافاهمش حاچة .
رفعت الفتاتان نظرهما نحوه ليبتسم لهما : كفاية تورتة بجا جوموا اغسلوا سنانكم .
اسرعتا تنفذا ليعود بنظراته الحادة نحوها فتتسع ابتسامتها : طايع أنا حامل .
حرارة شديدة شعر بها تستعر بجسده بينما ذابت بسمتها أمام الجحيم المطل من عينيه ، ما هذا الفزع الذى تراه بوجهه !!!
لم ير ذوبان بسمتها فعليا، كان غارقا فى ذكريات مولد فتاتيه ..ذلك اليوم الذى حولته بجنونها ليوم من اسوأ أيام حياته فكاد يفقد ثلاثتهن فيه ..
حديث الطبيبة بعد ولادتها بساعات : مش مستحيل بس صعب وإذا حصل هيبقى فى خطورة على حياتها .
خطورة على حياتها !!!
يتردد صدى الكلمات فى فراغه الداخلى للحظات.
ثم مزيد من الفزع يعتلى ملامحه قبل أن ينتفض صارخا بلا تفكير : اللى فى بطنك ده لازم ينزل
#الشرف_الجزءالثالث_قسمةالشبينى
الثاني
عاد تاج للمنزل بعد صلاة العشاء فهو منذ تقاعد عن عمله خصص الوقت بين صلاتى المغرب والعشاء لتحفيظ الأطفال القرآن الكريم .وكم شجعته حبيبته على هذه الخطوة رغم تخوفه منها في البداية .
فتح الباب ليقابله شهقات البكاء فيجفل لها قلبه ، توجه من فورة متبعا الصوت إلى غرفة صغيرته المفترض خواؤها .
زاد هلعه حين وجدها بين ذراعى والدتها تبكى بحرقة بينما تربت غاليته عليها بحنان :خلاص يا حبيبتي ماتعمليش فى نفسك كدة.كدة غلط عليكى .
تقدم منهما فورا : السلام عليكم .
رفعت رأسها فور استقرار ابيها جالسا لترتمى فوق صدره : الحقنى يا بابا
نظر تاج ل غالية بدهشة : فى ايه ؟ هى متخانقة مع طايع ؟
ضربت غالية كفيها ببعضهما : طايع اكيد اتجنن .
تاج بشئ من الحدة : فى ايه فهمونى ؟
شهقت ليليان وهى تقول : أنا . انا حامل يا بابا وطايع عاوز ينزله .
اكفهر وجه تاج وقطب جبينه : لا مش معقول !! يابنتى قالك كده صريحة ؟
ليليان : اول حاجة قالها لما عرف ..اللى فى بطنك ده لازم ينزل.
شد ذراعيه حولها : طب أهدى يا حبيبتي.اهدى كدة هتتعبى .
نظر لزوجته التى هبت واقفة : أنا هعمل لها لمون خليك معاها يا تاج .
وغادرت لتتركه برفقة صغيرته الباكية . ظل يحاول التحكم في بكاءها حتى عادت زوجتة بعصير الليمون الذى شربته كرها . ثم تركها فى رعاية والدتها لتساعدها على تبديل ملابسها .
دخلت غالية لغرفتهما بعد ساعة تقريبا لتجده جالسا فوق الفراش بشرود . اقتربت لتجلس بالقرب منه : هتعمل ايه يا تاج ؟
تنهد مرددا الاستغفار ثم قال : اكيد هسمعه الأول . بس غريبة إنه مجاش وراها . دى أول مرة تسيب بيتها من يوم ما اتجوزت . ده لما كانت بتدلع وتعمل زعلانة على حاجة هايفة كان بيبقى وراها بثانية .
نهضت متجهة لخزينة الملابس لتخرج ملابس أكثر راحة وتبدأ في تبديل ملابسها : اكيد في حاجة غلط احنا مش فاهمينها .
__________
وصل طايع لمنزل والده بصحبة ابنتيه .طرق الباب وانتظر قليلا حتى فتح عن والدته التى ابتسمت فور رؤيته : طايع ! تعالى يا ولدى اتوحشتك جوى .
دخل طايع صامتا مطرق الرأس لتتوجس زينب من هيئته وصمته وتتساءل وهى تتلفت خارج الباب : مرتك فين يا ولدى ؟
لتجيب الصغيرة نسمة بحزن طفولى : ماما عيطت يا تيتة وراحت عند تيتة وجدو تاج .
اضطربت ملامح زينب بينما علا صوت رفاعى المتساءل : مين يا زينب ؟
ليجيبه طايع : انى يا بوى .
اقتربت خطوات رفاعى يصاحبها طرق عكازه الخشبى ليسرع طايع نحوه ، ضمه بود ثم نظر له وللفتاتين ليدرك أن ثمة خطب ما .
جلس وأشار للفتاتين لتسرعا نحوه ، قبلته نسمة بينما اعترضت بسمة : مش هبوسك يا جدو دقنك بتشوكنى .
قطب رفاعى جبينه : يا مفعوصة انتى ما بوكى بدجن اهه !!
نظرت بسمة ل طايع : لا بابا مش بيشوكنى انت بس .
تنهد طايع لينظر رفاعى لزوجته : خدى البنات اوضة ابوهم الجديمة ينعسوا شكلهم تعبان .هم اتعشوا ؟
تساءل ليهز طايع رأسه نفيا فينظر له والده بغضب ويشير لزوجته التى صحبت الفتاتان للداخل بهدوء رغم عدم قناعتهما الظاهرة .
ظل صامتا لدقائق قبل أن يقول : عارف انى غلطان بس ماجادرش يا بوى . مجادرش
دفن وجهه بين كفيه ليتساءل رفاعى عن ليليان وما حدث بينهما ، تحدث طايع بألم وأخبر والده ما أخبرته به الطبيبة يوم ميلاد طفلتيه وخطورة هذا الحمل على كليهما . هى والجنين . هو لن يتحمل المخاطرة . لا يمكنه الحياة مع إحتمال فقدها .
ظل رفاعى يستمع له ثم قال : كان المفروض تجول لها وتعمل حسابك . ماجولتش وماعملتش وحصل الحمل .ماعندكش عجل واصل ! البنية بتجولك انى حبلة تجولها نزليه !! كنت استنيت يوم ولا تنين وخدتها وروحتوا للدكتورة . مش يمكن حالتها اتحسنت وبجت زينة ؟؟
صمت لحظة ليتابع : الغلط راكبك من ساسك لراسك .
عاد الصمت ليرفع هاتفه ويطلب رقمها للمرة المائة وكما حدث في كل مرة لم تجب . نظر له رفاعى بإستخفاف : ريح روحك ماتتحدتش وياها دلوك.
رفع عينيه ينظر له ليتساءل : هانت عليك بت عمتك تهملها ترچع بيت ابوها دمعتها على خدها ؟؟
عاد ينكس رأسه ..لن يشعر أحد بالنيران المستعرة بقلبه . حتى هى لم تشفق لحاله تذكر نظرتها له حين انتفض فزعا .
لقد ذبحته عينيها بلا أنصال !!!
لكنه لم يكن يقصد ما فهمته .. ولم تمنحه فرصة للحديث بعدها ، انتابتها نوبة هستيرية وفى دقائق غادرت المنزل .
تذكر لحاقه بها فور افاقته من صدمته على صراخها إلى غرفتهما
عودة للوراء ...
ركض نحو الباب الذى صفعته ليقتحمه بلهفة: لى لى اسمعينى .
صرخت ليليان وهى ترتدى أحد فساتينها : مش عاوزة اسمع صوتك ولا اشوف وشك .. عاوزنى اموت ابنى !! انت اتجننت !!! انا لا يمكن اعيش معاك دقيقة واحدة.
امسك ذراعيها لتدفعه صارخة : ماتلمسنيش ..
وضعت حجابا بعشوائية فوق شعرها الذى عكصته بفوضوية وهى تركض خارجا : لى لى لأچل خاطرى بلاش تعملى إكدة !! طب اجعدى وهنتكلم وافهمك .
وصلت لباب المنزل لتلتف ناظرة له بأعين باكية : خلص الكلام..انت خلصته خلاص ..انا عند أبويا ومستنية ورقتى .
وصفعت الباب مغادرة ، بهت لونه واختنق صدره أفاق على بكاء طفلتيه بعد سقوطه على ركبته .
رفع رأسه ناظرا لهما لتركض نسمة نحوه بينما ظلت بسمة تبكى بصمت حتى أشار لها لتقترب منه .
عاد من ذكرى خسارته الكبرى على كف والده رابتا فوق ظهره : جوم ياولدى والصبح ربنا يحلها .
نظر لوالده بألم . كيف يخبره أنه لا يتدثر إلا بدفئها .
سبعة أعوام لم تنم ليلة بعيدا عن صدره .
زلة لسانه الناتجة عن صدمته دمرت كل شئ . كيف سمح لغضبه بالتحكم في لسانه هكذا ؟؟
هو طايع المتعقل يسقط بهذا الشكل !!
تنهد ونهض هاربا من والده إلى إحدى الغرف ، اغلق الباب ليرفع الهاتف ويطلب رقمها مرة أخرى دون جدوى .
حسنا يجب أن يخمد تلك النيران التى ترعى بقلبه ، عاد للهاتف ليطلب رقم والدها مهما كانت النتائج يجب أن يربت على قلبه ببعض الطمأنينة فلن تشرق له شمسا إن ظل على هذا الحال .
______
تظاهرت بالنوم حتى غادرت والدتها ، نهضت وهى تشعر بالدوار لطول بكائها لتحضر حقيبتها وتخرج هاتفها . وجدت عشرات الاتصالات منه . دقيقة واحدة وكان يتصل مرة أخرى.
ظلت تنظر للهاتف ودموعها لا تتوقف . لا تصدق أن طايع طلب منها أن تجهض جنينها !!!
لكنه قالها صريحة وواضحة لا تحتمل الشك .عادت تتذكر نظراته الراجية وتكراره الرجاء بأن تستمع إليه .
إلام تستمع !!!
أكان لديه المزيد من الألم يزرعه صدرها !!
إنه حتى لم يلحق بها!!
تركها تغادر ولم يلحق بها !!!
كان هذا كافيا لتبكى دموع عينيها حتى تجف .
استلقت بالفراش البارد لكنها لم تغلق الهاتف بل عدلت وضعه للصامت وظلت تراقب شاشته .
كلما أضاء شعرت بالأمل فهو لم يستسلم لبعدها .
لحظات وهبت جالسة تضع كفها فوق قلبها بفزع ، لقد طلبت منه الطلاق !! وهو لم يلحق بها !!
هل هذا سبب اتصاله !!
سيطلقها !!!
مجرد الفكرة زادت شعورها بالدوار والغثيان لتسقط بعد لحظات فوق الفراش فاقدة الوعي.
_________
كاد أن يغفو ليأبى رنين هاتفه عليك ذلك ، اعتدل ممسكا الهاتف لينظر لشاشته وقرر إجابة الاتصال ، لابد أن يفهم ما يحدث بين ابنته وزوجها .
أتاه فورا صوت طايع الذى لا تخفى لهفته : هى عاملة ايه يا عمى ؟
تمتم تاج : لا حول ولاقوة إلا بالله . هتكون عاملة ايه يعنى موتت نفسها من العياط لحد ما نامت .
صمت لحظة وتساءل : ممكن افهم اللى حصل ؟ وازاى تطلب من مراتك طلب زى ده ؟
صمت تام ساد لحظات قبل أن يقول طايع : عمى ليليان يستحيل تكون نايمة بالله عليك جوم طل عليها وطمنى . انى هاچى وافهمها كل حاچة بس طمن جلبى الله يرضى عليك .
نظر تاج لزوجته التى تراقبه بصمت فى انتظار تفسير مقنع من ابن أخيها الذى تعدى كل الحدود وتساءل : غالية اتأكدتى إن لى لى نامت ؟
توجست غالية ونهضت عن الفراش : أنا سبتها لما قالت هتنام .
لم ينه الاتصال ولحق بزوجته التى وصلت بالفعل لغرفة ابنتها ، طرقة خفيفة وفتحت الباب ، كانت ليليان مستلقية بعرض الفراش بشكل مقلق .
اقتربت غالية تنادى اسمها ليأتيها صمت تام .
وقف تاج بباب الغرفة : نامت يا غالية ؟؟
تعلم غالية أن ابنتها لا تنام نوما عميقا لعدم شعورها بدخولها للغرفة ، كما أن وضعية نومها زادتها ريبة .
اقتربت تنادى اسمها مرة أخرى فلم تستجب أيضا ، ربتت على كفها برقة ليبدأ الفزع يتسلل لقلبها .
عادت تربت فوق وجنتها وهى تقول : تاج ليليان اغمى عليها .
اسرع تاج لفراش ابنته ليلقى بالهاتف ويضرب وجنتها : ليلياااان . حبيبتي ردى عليا .
_________
ظل مكانه حتى اجابه تاج ليتبع لهفة قلبه الذى يشتعل لبعدها عنه ، أخبره والدها أنها غفت بعد أن جفت مأقيها .
سيندم طيلة عمره على هذه الليلة التى اعياها فيها بكاءا .. لكن مهلا ...
غفت !!!! مؤكد لم تفعل !!!!
هى لا تنام بعيدا عن دفء صدره .. هى لن تنام بهذه السهولة .. هناك خطب ما .
زادت نيرانه استعارا ليطلب من تاج تفقدها ، صمت بعد ذلك يستمع لما يدور على الطرف الاخر .
فقدت وعيها !!!!
تجمدت أطرافه لوهلة قبل أن يهرول خارجا .. هو اوصلها لذلك .
حمد الله أن والده بغرفته ووالدته بصحبة ابنتيه ، هو لا يريد مواجهة اى منهما . بل لا يريد أن يواجهه أحدهما بمسئوليته عما يحدث .
هو يعلم أنها مسئوليته .
_________
مرت الدقائق طويلة دون أن تستجيب ليليان لمحاولات والديها . انتفض تاج صائحا : إلبسى يا غالية هنوديها المستشفى .
بحث عن هاتفه الذى ألقاه ليطلب الاسعاف لكن أوقفه الطرق المنهار على باب المنزل .
فتحت غالية الباب هى تعلم من الطارق ، اندفع طايع للداخل لتمسك ذراعه بقوة لم تؤثر به فعليا : كدة يا طايع ؟؟ هى دى الأمانة ؟؟ هتموت بنتى ؟
نهرها تاج فورا : مش وقته يا غالية ..يلا علشان نروح المستشفى مادام جوزها هنا نروح بعربيته .
توجه هو لغرفتها ليسمح لدمعات خانقة أن تفر فى غياب الجميع وحضرتها هى .
اسرع نحوها يضع عليها ملابسها ، إنها حبيبته ولأول مرة لا تذيب لمسته برودتها . إنها بردة ، شاحبة ، لم ولن تشعر به .
________
وقف وتاج برواق المشفى حتى خرجت إليهما الطبيبة بعد انتهاء الفحص ، اسرعا نحوها لتقول : متقلقوش . ضغطها بس وطى فجأة . ساعة وتقدر تروح معاكم وبلاش انفعال لحد ما تستقر
اخيرا يمكنه إلتقاط أنفاسه التى هاجرت صدره منذ رؤيتها بتلك الحالة .
دخل تاج للغرفة بعد إفاقتها بينما خشى هو أن تؤثر رؤيته عليها سلبا ، يكفيه أنه بابها .
اقترب رابتا فوق ذراعها المتصل بخرطوم : ألف سلامة يا حبيبتي .كدة تخضينا !!
همهمت بأسف ما كان بحاجة إليه ليقول : طيب جوزك برة .
عادت الدموع لعينيها والمخاوف لقلبها . ألهذه الدرجة هانت عليه !!!
يقف بالباب ولا يتفقدها !!!
اشاحت وجهها تتهرب من والدها : ارجوك يا بابا قوله يأجل اى حاجة دلوقتي أنا تعبانة . وعاوزة بناتى فى حضنى .
خرج له تاج بعد فترة ، هو حتى الآن لا يفهم ما حدث بشكل كامل . طلب منه المغادرة ليرجوه أن يسمح له بصحبتها للمنزل . لن يضايقها بأى شكل كان . فقط يطمئن أنها عادت لمنزل والدها .
لم يتحدث معها منذ بدأوا طريق العودة للمنزل . هو يخشى أن يتحدث فتغضب أو تثور ويصيبها الإعياء مرة أخرى . وهى تظن أنه لا يهتم لامرها ففضل الصمت .استسلم كل منهما لظنونه التى تجذبه بإتجاه معاكس للآخر .
اخيرا وصلوا للمنزل لتنتهى معاناة كل منهما مع ظنونه . استندت لوالدتها فور مغادرتها السيارة .
نظر لها بألم : البنات نايمين بكرة اچيبهملك .
نظرت له بصدمة ؛ بهذه البساطة ..
رأى صدمتها بعينيها دون أن يفهم لها سببا . ألم تطلب ابنتيها لجوارها !!؟
تنهد بضيق عليهما التحدث فى أمور عدة .. يبدو أن كل منهما يسير بإتجاه مختلف .
صعدت لمنزل والدها وعاد لمنزل والده ، لم يكن يظن أن هذا سيحدث في أسوأ الظروف ، إنها المرة الأولى منذ زواجهما يكتب لهما فراق مؤلم بهذا الشكل ، منذ تلك الليلة التى طلب منها أن تختبئ منه بصدره وألا تغلق بينهما بابا مهما بلغ غضبها منه لم يتفرقا مطلقا ، ليأتى هو بعد هذه الأعوام وفى لحظة يفقد السيطرة ليحكم على قلبه بليلة من أقسى لياليه..
كانت ليلة كل منهما طويلة غابت عنها الراحة بشكل كلى فلم يغمض لأيهما جفن .حتى أنهى النهار عذابهما الطويل وبسط اشعته ليجدا طريقا قد يعود بهما إلى الحياة وقد يحرمهما منها .
___________
دخلت روان إلى المنزل غاضبة يلحق بها مهران ، لحقها لغرفتهما حيث كانت تجلس بطرف الفراش .
وقف أمامها يحاول التحكم في غضبه ، إنها روان !! حبيبته !! حلم طفولته ومراهقته !! رفيقة دربه وصاحبة عمره !!!
مجرد ذكره هذا يعيد الهدوء لنفسه والسكينة لقلبه لذا حين تغضب يردده دائما قبل أن يصب عليها غضبه الذى يفزعها .
منح نفسه هذه الدقائق ليهدا غضبه ثم قال : وبعدهالك يا بت عمى ؟ جولى طيب حوصل إيه للبكا ده كله ؟
نظرت له بغضب : يا سلام !!! ماشوفتش كانت بتبص لك ازاى ؟ وطبعا انت وقفت تزعق علشان تبين لها قوة شخصيتك وصممت تعمل شكوى علشان تديها فرصة ترجع تكلمك وتحاول تتفاهم معاك ودى . والودى بتاعها أنا عارفة هيوصل لفين . طبعا هتجوزها عليا علشان تخلف تانى .
وعادت للبكاء بينما اتسعت عينا مهران لسرعة حبكتها قصة زواجة المزعومة من مدرسة ولده التى ذهب فقط ليوقف تهميشها له فيعلم أن تلك المربية الفاضلة التى من المفترض أن تهتم بالتلاميذ تدفعهم للاستعانة بها في الدروس الخصوصية ومن لا يفعل يلقى معاملة سيئة ودرجات متدنية مثل ولده .
يقسم إن كانت رجلا لأبرحها ضربا ...
جنت روان بلا شك ..اتشك أن تربطه علاقة من اى نوع بشخصية كهذه !!
تنفس بهدوء ثم قال : شوفى يابت عمى انى زهجت من الموال ده ..عاوزة تصدجى انى مارايدش غيرك صدجى ..ماعوزاش على كيفك .
تساءلت بترقب : يعنى ايه هتجوز عليا يا مهران ؟؟
إنها تعود لنفس النقطة وكأنها لم تستمع لكلمة مما قال ، زفر بضيق : ياااااالله اجفلى السيرة دى دلوك .. حديتى ماهيعچبكيش .
هبت واقفة لتغادر الغرفة بينما جلس هو على الفراش . دقائق لم تزد عن اصابع اليد الواحدة ليغلبه قلبه ويخرج من الغرفة ليراضيها . فيجد الباب مفتوحا وهى !!
ليست بالمنزل !!!!
_____________
ارتقت الدرج صعودا لمنزل ابيها إن كان حديثه لن يعجبها فهو مؤكد لظنونها لا محال كادت أن تتجاوز شقة رفاعى حين فتح الباب عنه وخلفه طايع .
أوقفها رفاعى متعجبا بكاءها : روان !! باكية ليه يا بتى ؟؟
اسرعت روان إلى عمها : الحقنى يا عمى مهران هيتجوز عليا .
اتسعت عينا رفاعى دهشة : يتچوز عليكى !!! چن اياك !!!
تنهد بضيق : ادخلى ماتطلعيش لبوكى إكده .. هروح مشوار مع طايع وارچع لك طوالى .
دخلت روان بينما هبط رفاعى متعجبا إنقلاب أحوال أولاده بهذا الشكل . وصل لباب الشارع ليجد مهران مهرولا للداخل حتى كاد يصدمه .
حمحم بحرج ونظر لأبيه : صباح الخير يا بوى .
اكفهر وجه رفاعى ولم يجب بل قال : مرتك فى شجتنا وماتطلعش دلوك .
ضغط مهران على أسنانه بقوة : انى هكسر رأسها .
نهره رفاعى : تكسر رأسها ليه !! مالهاش رچالة ولا إيه ؟؟ مش كفاية جاهرها وهتتچوز عليها .
مسح مهران وجهه بكفه : يابوى بت اخوك جنت رسمى ربنا مارايدش خلفة تانى لكن معانا خالد فضل ونعمة . انخبلت فى عجلها وكل ساعة والتانية تجولى انت هتچوز عليا .انى ماخبرش لو ماخلفتش من أساسه كانت عملت ايه ؟
نظر رفاعى أرضا متعجبا ما يحدث ، رفع رأسه ونظر لولديه وهمس لنفسه : الصغير غضب مرته علشان حبلة والكبير مرته غضبانة علشان ماخلفتش تانى .
#الشرف_الجزءالثالث_قسمةالشبينى
الثالث
بمنزل ريان
شعر بها تتحرك منذ الصباح الباكر ، فتح عينيه بتثاقل لينهض قائلا : سبتينى نايم ليه يا ليال؟ تاج هيتأخر كدة .
ابتسمت ليال : كمل نوم انا رايحة الحضانة وهاخده فى طريقى .
ابتسم براحة ، هل حقا تحاول تجاوز الحزن !؟
الأمر لن يكون سهلا بكل تأكيد لكن يكفى أنها ستحاول فسوف تتحاوزه قريبا . يعلم أنها قد تعود للانطواء والبكاء لكن لا بأس ، هو هنا وسيحتوى كل أحزانها .
غادرت الغرفة لتأخذ بيد صغيرها : يلا يا تاچ
يبتسم الصغير .. بالأمس فقط كان يتمنى أن تعود أمه لسابق عهدها . ضم كفها بسعادة : ماما ماتعيطيش تانى . انا بزعل لما تزعلى .
ربتت على رأسه بحنان : حاضر يا جلب امك .
ضحك الصغير لتقطب جبينها فيقول وهو يحكم إغلاق الباب : كلامك الصعيدى بيضحك ههههه .
_________
وصل طايع ورفاعى لمنزل تاج الذى كان ينتظرهما بكل الأحوال . فتحت غالية الباب لتستقبل أخيها بود : واحشنى يا ابو مهران .
ضمها رفاعى : الغالية ام الغالية . خوك عچز ومابجاش جادر يطل عليكى .
ربتت على كتفه بود : ربنا يديك الصحة يا رفاعى .
دخل طايع بصمت لتقابله نظرات تاج الآسفة ، رحب بهما تاج ليجلسوا بصمت لدقائق حتى قال رفاعى : ليليان لسانها نايمة ؟
تحدث طايع بعد صمته منذ دخوله : تسمح لى يا عمى ادخلها ؟
لتقاطع غالية زوجها : لا طبعا . البنت منهارة . انت مش حاسس باللى انت عملته ؟
صمت طايع منكسا رأسه بينما قال تاج : بالراحة يا غالية نفهم منه إيه يخليه يطلب منها طلب زى ده وبعدين نتكلم .
نظرا له ليتنهد ويبدأ حديثه عن ذلك اليوم الذى عايشوه معه جميعا . استمع له الجميع بصمت ليتنهد تاج مستغفرا بينما تقول غالية : بردو مش بالشكل ده ابدا
طايع : خابر يا عمة خوفى غلبنى وهى جنت وماجدرتش افهمها .
حاول تاج تبرير موقفها : رد فعلها متوقع يا طايع .
هز رأسه بموافقة على حديث تاج الذى قال : قومى يا غالية نادى ليليان تسمع جوزها .
أسرع رفاعى : خليه يدخل لها يمكن ترضى تسمع منيه بكيفها مش غصبانية .
أشار تاج له بكفه مستسلما ولم يملك وقتا للتحرك فقد اقبلت ليليان بخطوات مترددة . نظر لها ، شحوبها . حزنها . تهربها من عينيه .
تصر على عقابه دون أن تسمع حجته .
رحبت ب رفاعى الذى قبل جبينها وأجلسها بجواره ليحيطها بحنان : عاملة ايه دلوك ؟
أجابت هامسة : الحمدلله يا خالى بخير .
نظر لابنه شزرا : الواد ده زعلك صوح ..بس انى عاوزك تسمعى منيه .
نظرت له ليقول بحنان : مرة واحدة ..اسمعيه مرة واحدة لاچل خاطرى انى .
اومأت موافقة فهى قبل الجميع لديها بين جنباتها حليفه الذى يتمنى أن تكون أخطأت ولم يفعل من أحبت ما تظن ..تنهيدة لم يعلم الحضور خرجت من صدر أيهما ليعيد طايع حديثه مرة أخرى
______
نجع الحساينة
يدخل هيبة لغرفة والدته التى ترفض مغادرتها منذ وفاة صالح .. اقترب من فراشها حيث تجلس وتضع مصفحه الغالى أمامها تقرأ بهدوء كما اعتادت أن تفعل معه ، فإن غاب هو لم يغب وجوده وأفعاله وعاداته .
رفعت عينيها تنظر له قبل أن تنهى قراءتها وتقول : تعالى يا ولدى .
اقترب مقبلا جبينها لتتساءل : إيه اللى بيچرى فى الدار النهاردة ؟؟
جلس أمامها : مرت راجى بتولد
هزت رأسها بتفهم متمتمة : ربنا يجومها بالسلامة ويرزجه الخلف الصالح . ومرتك فين والبت مريم ماشوفتهاش النهاردة .
بدأ هيبة يخبر أمه كل ما يحدث خارج غرفتها ، ثلاثتهم ابكر بالانثى ولم يكن هذا يحزن صالح مطلقا . بل كلما جاءه أحدهم بابنته ابتسم وأخبره أن الله فتح له بابا للجنة . فكانت مريم ابنة ضاحى وريتاچ فتاة جدتها المفضلة واكبر الأحفاد وانجب والديها أيضا مصطفى ومهدى . ثم تلتها ليال ابنة هيبة وسما التى سميت تيمنا بعمتها الحبيبة الحاضرة رغم الغياب، وانجب والديها أيضا لبيب واخيرا خديجة ابنة راجى وهناء . وشقيقتيها ؛ حسناء وحورية . إكتفى راجى بفتياته الثلاث لكنه فوجئ بحمل زوجته التى تضع اليوم مولودها الرابع .
كانت سما بالمطبخ تشرف على إعداد الطعام فمنذ وفاة صالح استقدم هيبة فتيات يعملن بالمنزل فقد كانت حالة زبيدة غير مطمئنة بالمرة وكن ثلاثتهن يتناوبن رعايتها . أما ريتاچ صحبت هناء للمشفى فعليها الاهتمام بالمنزل وشئونه . هى زوجة الكبير وهذا واجبها الذى تدركه وتقوم به بحب .
سمعت هرولة الخطوات لتغادر فورا فتجد راجى يرتقى الدرج مهرولا فتتساءل فورا : خير يا راجى ؟
نظر لها تتراقص السعادة بعينيه : ربنا چبرها يا مرت اخوى . هبشر امى .
طرق الباب ودخل بلهفة ، اسرع نحو أمه : صالح يا اما .
بهتت زبيدة وتوقف هيبة عن الحديث . نظرت له والدته ليؤكد بشارته : ربنا رزجنا صالح يا اما .
ابتسمت زبيدة لأول مرة منذ وفاة زوجها .
حقا ستنادى اسمه مرة أخرى !!!
طفرت دموعها ليلتفت لها ولديها ويقترب راجى : خبر ايه ؟
اقترب هيبة يضم رأس أمه ويقبله فتقول : اسم الغالى هيتنادى فى الدار يا هيبة .
زفر راجى براحة وهو يقترب لتبتعد عن هيبة . انحنى مقبلا جبينها : أبويا فى جلوبنا يا اما ماهيفوتناش واصل . اللى خلف ماماتش يا ام الرچالة .
ربتت على صدره بحنان : چبته يا ولدى ؟؟
ابتعد عن الفراش : ساعتين زمن ويكون في حضنك . أنى چيت ابشرك بس وراچع .
هم بالمغادرة لتوقفه : ضاحى چاب صناديج الفاكهة تلاجيها جرب الباب الجبلى خد لأم الغالى وانت معاودلها .
غادر راجى لتبتسم زبيدة : روح يا ولدى وشيع لى مرتك تسبحنى وتنزلنى تحت .
ابتسم هيبة بسعادة : صوح يا اما ؟؟ هتنزلى تحت !!
زبيدة : لازمن اكون تحت لما ياچى الغالى . ده صالح الصغير اللى ربنا بعتهولى نچدة من رحمته .
__________
دخل ريان لمتجر العطارة ليقابلة حمزة الذى ابتسم لرؤيته : اهلا يا شيخ
ضحك ريان : بردو يا عمى شيخ .
علت ضحكات حمزة : نفس رد ابوك ..كان يقولى عملتنى شيخ ازاى .
تلفت ريان حوله : امال فين محمود ؟
لم تغب ابتسامة حمزة : يا سيدى ابنه عامل مشكلة في الحضانة كالعادة .
ضرب ريان كفيه ببعضهما : سبحان الله اللى يشوف أبوه وأمه وهدوءهم مايشوفش مازن .
أتاه صوت محمد : طالع لعمه .
التفت ريان ليقابل محمد : لا ده فى حاجة كبيرة ..عمى حمزة ومحمد عندنا في المحل . خير يارب .
اقترب محمد : عاملين عليك حملة .
ابتسم ريان بينما قال حمزة بجدية : اقعد يا ريان أنا عاوزك فى موضوع.
اقترب ريان ليجلس أمام زوج عمته الذى قال : شوف يا ريان عمك حازم عاوز يصفى تجارته .
شعر ريان بالحرج وحمحم قائلا : ليه بس!! ده المحلات شغلها كويس جدا ؟
تنهد حمزة : الله اعلم نيته ايه بس بيقول صحته مابقتش مسعاداه وعاوز يرتاح واجواز بناته الاتنين مالهمش فى العطارة .
هز ريان رأسه متفهما ليقول محمد : أنا ناوى اخد المحل ده تشاركنى يا ريان ؟ انت بقيت فاهم فى العطارة زينا واكتر .
شعر ريان ببعض الراحة. رغم عدم تأكده من أن ما يملك يفى بما يستحق منه لكنها فرصة جيدة بالنسبة له وسيسعى جاهدا لإغتنامها.
ابتسم براحة تامة : اشاركك يا محمد . اكيد قدامنا وقت ندبر نفسنا .
محمد : طبعا الحاجات دى مابتنتهيش فى يوم وليلة . ومحمود هياخد محل الحسين ونشوف حد للمحل التالت .
تنهد حمزة بحزن : والله حازم غلطان تجارة زى دى خسارة كبيرة حتى لو احنا اللى هناخدها .
_________
استقرت زبيدة ببهو المنزل منذ نصف ساعة تترقب الباب فى انتظار حفيدها الغالى . اخيرا دخل ضاحى من الباب يحمل لفة صغيرة بين ذراعيه بعناية لتقف فورا تنظر له بلهفة .
اقترب منها مسرعا : واه وبتجفى له كمان ؟؟
لتبتسم زبيدة : الجومة للغالى .
تناولته من يدى ضاحى لتدخل هناء تستند إلى زوجها وريتاچ التى ضحكت بمشاغبة : لا أنا كدة اغير واجيب صالح صغير أنا كمان .
ابتسمت زبيدة وهى تقبل الصغير وكأنها انفصلت عنهم تماما . تطالع وجه حفيدها وكأنها تشتاقه بشدة . تتحرك أناملها برقة فوق قسماته وكأنها تخشى خدشه .
انتبهت اخيرا لزوجة ابنها التى تخطو بوهن فنظرت لها : حمد الله بسلامتك يا ام الغالى .
تبادل الأشقاء نظرات الراحة فللمرة الأولى منذ وفاة والدهم تقبل والدتهم المشاركة فى الحياة من جديد والتخلى عن معاقرة الذكريات داخليا وكم كان هذا مؤشرا جيدا .
_________
ظلت ليليان تستمع بصمت مريب ، انتهى طايع من سرد ألمه لترفع رأسها وتقول : عارف ..كل اللى انت قولته ده مايخلينيش اسامحك على كسر فرحتى . حتى لو كنت خايف عليا .
نظر رفاعى لولده بحزن ليقول طايع : اصلك ماتعرفيش يوم ولادة البنات عدى عليا ازاى !! انا ماحسستكيش بحاجة من حبى ليكى وخوفى عليكى لكن أنا موت يومها وحييت .
هنا نظرت غالية لابنتها التى تذكرت قول امها حين قالت : مش هسامحك على كسرته .
نكست رأسها هربا من عينى والدتها التى شعرت للتو برأفة قلبها تجاه طايع ، فما مر به يوم ولادة فتاتية ليس من السهل طيه .عليهم جميعا الشعور بالخوف الذى يحرقه فى هذه اللحظة .
تحدث تاج بعد صمت طويل ليقول : ليليان قومى روحى مع جوزك ولما ترتاحى ابقوا روحوا للدكتورة واللى تقول عليه يتعمل . صحيح نفسنا ربنا يرزقك لكن محدش يقبل إن الطفل ده يجى قصاد حياتك . انت غالية أوى عندنا كلنا .
لقد أنهى والدها الأمر بسهولة شديدة ، نهاية تمناها الجميع وقبلهم تمنتها هى ..لكن هل انتهى الأمر .
لحظات البعد تفتح بابا للظنون سده مرة أخرى شديد الصعوبة ويحتاج لجهد مشترك . لكنها حتى هذه اللحظة لازالت تحت وطأة ظنونها تلك .
نظرت لزوجها بحزن وقررت الإفصاح عن ظنونها التى غرستها بكلمة فى لحظة غضب : بس هو مش جاى ياخدنى ..هو جاى يطلقنى .
نظر لها الجميع بدهشة حتى هو .ابتلع ريقه بصوت مسموع ليتساءل بفزع : بتجولى ايه ؟؟ مين جالك الحديت الماسخ ده ؟؟
اخيرا يمكنها أن تتنفس . ورغم أن سؤاله نفى نيته وظنونها إلا أنها عادت للبكاء وهى تهرول إلى غرفتها لتختبئ فيها .
تمتم تاج مستغفرا ونظر له : قوم ورا مراتك مستنى ايه ؟؟
تحرك لتوقفه غالية : استنى هنا .. انت هددتها بالطلاق ؟؟
كانت صدمته كافية لنفى ما قالته لكنه قال : هى طلبت مني ابعت لها ورجتها وانى ماردتش عليها كنت عارف انها مش واعية للى بتجوله .
أشارت له ليتبعها إلى غرفتها وتجلس هى بصحبة أخيها وزوجها فقد اكتفت من ظلمه ، كلما اتبعت ظنون ابنتها وجدتها مخطئة وهو كالعادة يتحمل ما لا قبل لغيره بتحمله.
____________
استقرت زبيدة ببهو المنزل تحمل حفيدها وترفض أن يحمله أحدهم . مرت ساعتين وهى على نفس الوضع حتى بكى الطفل . ألتف حولها أبناءها الثلاث والكل مترقب خطوتها القادمة حتى طلبت من راجى حمله لأمه لإرضاعه والعودة به إلى ذراعيها مرة أخرى .
منذ وفاة صالح وهيبة يؤجل أمر تقسيم الإرث خوفا عليها ، لكن لم يعد الأمر يحتمل التأجيل ، إن كان الأمر منوطا بثلاثتهم لما شعر بالذنب فهم فى كل الأحوال يتشاركون العمل والربح . لكن شقيقتهم يجب أن تحصل على إرثها كاملا .
اقترب ليجلس بالقرب منها بتخوف ويتحدث بنبرة تردده واضح فيها : فى حاچة أچلناها كتير يا أما .
نظرت له بعين خبيرة لتهز رأسها بتفهم : خابرة يا ولدى
مدت كفها تربت على كتفه بفخر : انت الكبير واللى تجول عليه يمشى .
امسك كفها يقبله بإحترام : ماجصديش يا اما .بس ده شرع ربنا وليال ليها حج فى مالنا .
نظرت له تنتظر ما سيقال ليحمحم بتردد : أنى خابر إن البنتة مابنورثهمش ارض بس ده مش شرع ربنا . انا هسأل ليال إذا رايدة الأرض تاخدها بس ماتبعهاش لغريب .
نكست زبيدة رأسها لدقيقة وهو وضاحى يتبادلا النظرات لقد ناقش اخويه سابقا ولم يجد ايهما بأسا فى أن ترث شقيقتيهما الأرض ؛ فهى ليال ، صغيرتهم الغالية . لن يكونوا اليد التى تنزعها من جذورها وإن كلفهم الأمر تحدى عادات وتقاليد بيئتهم .
اخيرا رفعت زبيدة رأسها ليفزع ولديها لدموعها التى اسرعت تكففها ليقترب هيبة ويضم رأسها لصدره وهو ينظر لأخيه بتساؤل لكنها قالت : الراچل صوح مايخلفش إلا رچالة .
إلتقطا انفاسهما لتدفع هيبة عنها برفق قائلة : زمان لما خواتى ماراضوش يدونى ارض بكيت وجلت للغالى خواتى بيجلعونى من أرضهم يا صالح خايفين اخد أرضهم واديهالك .. جالى أنا وارضى ليكى يا زبيدة ماتزعليش منيهم وإن كان على الأرض انى متكفل بيها .
ابتسمت وتابعت : خد منيهم اللى حكموا بيه وكمل عليه واشترى لى الچنينة اللى چار أرضهم .بس انى مارضيتش عنيهم ولا سامحتهم ولا هسامحهم .
صمتت ليحترما صمتها فتتنهد قائلة : الراچل صوح اللى يعرف شرع ربنا ومايغمضش عنيه ولا يخاف من حد .
اقبل راجى يحمل صغيره لتكفف دموعها وتحمله بلهفة ، نظر لاخوية بتساؤل ليبتسم هيبة مطمئنا ثم ينهض : انى هحدت ليال ابشرها ب صالح الصغير .
____________
منزل رفيع .
كانت رنوة جالسة أمامها حاسوبها النقال تتابع مواقع التواصل حين دخل رفيع من باب الشقة ، رفعت عينيها لترى تأففه وغضبه الذى يحاول كبته .
ألقى سلاما عابرا واتجه للغرفة لتغلق جهازها وقبل أن تتحرك كان أمامها مرة أخرى متسائلا : الولد فين ؟
هزت كتفيها : سويلم عند الست حسنات وسليم تحت مع جدته . مالك يا رفيع ؟
تغاضى عن سؤالها ليقول بحدة : اخر مرة سويلم يروح هناك . أما حسنات عاوزة تشوفه تچيه اهنه .
زاد تعجب رنوة منذ متى توقف إحساسه بالرأفة ليطلب من امرأة بعمر حسنات أن تأتى لمنزله لتنعم برؤية صغيره الذى تعشقه !!!
رغم علمه بتعلقها بصغيره يحاول حرمانها منه ؟؟
ما الذى يحدث معه ؟؟؟
ظلت تنظر له بصمت بنفس الحدة : ماتطلعيش فيا إكده .
تنهدت بضيق من تغير أحواله منذ وفاة عمه لتقول : مستنية تهدأ علشان اعرف اتكلم .
جلس بغضب واضح فوق الأريكة : انى هادى اهه .
جلست أمامه : انت كدة هادى ؟؟ انت فاضل دقيقة وتطلع نار زى التنين
قطب جبينه بشدة رافضا المزاح لتربت فوق كفه : مالك يا رفيع ؟
اغمض عينيه واعاد رأسه للخلف : حچاچ ناوى على الشر . بعد بوى وعمى عاوز يبجى كبير وبيجول هو احج من هيبة .
اعتدل بجلسته ناظرا لها : كبير بأمارة ايه مافهمش !!!
إنه أخيه الأكبر مرة أخرى وهوسه للسلطة والنفوذ الذى دفعه سابقا للوقوف أمام أبيه وعمه .منذ سنوات لم يتوقف عن المطالبة بحقه في كونه اكبر الأحفاد وعليه يجب أن يكون كبير العائلة ، وإن تنازل أبيه امام أخيه الأصغر وفضل البحث عن المال فهو لن يكون مثله ؛ لقد اكتفى بمال أبيه ويتشوق حاليا لتذوق السلطة و الهيمنة التى طالما استأثر عمه بهما في حياته .
اقتربت منه بهدوء : رفيع انت مش واخد بالك من حاجة مهمة .
نظر لها متسائلا لتقول : الناس ..العيلة .. محدش هيرضى ب حجاج اخوك .سيبه يتكلم زى ما هو عاوز الزعامة مش بالكلام وقت الجد كله هيروح ل هيبة .
ظهر ضعفه الذى لا يخشى ظهوره بوجودها وهو يقول : حچاچ الكبر عمى عنيه خايف اجوم فى يوم على واد عمى جتيل واخوى جاتل .
دق قلبها فزعا ..أيصل الأمر لهذه الدرجة !!؟
نظر لها ليدق قلبه فزعا من نظرة الخوف التى يراها بعينيها لأول مرة ..حقا الأمر مفزع لكنه لم ير فزعها مسبقا ...
______
ربتت زينب فوق كتف روان التى تبكى دون أن تتحدث بإشفاق : فيكى ايه بس يا بتى ؟ متعاركة مع مهران ؟؟
يزداد بكائها لتتنهد زينب بقلة حيلة ، هى تعلم جيدا كم يعشق ابنها زوجته ، ترى ما الذي ألم بهما ؟؟
برق عقلها بعفويتها لتقول : دى عين وصابتكم ...
تبادلت الصغيراتان النظرات فهما تجلسان منذ قليل تتابعان ما يحدث في صمت دون أن تفهما ما يحدث ، نظرتا لجدتهما وقالتا بنفس الوقت : يعنى إيه يا تيتة ؟؟
نهضت زينب عن مقعدها تتجه نحو المطبخ : يعنى اتحسدوا .. فى عين راشجة فى عيالى . ربنا يچازى ولاد الحرام .
أقبلت بعد قليل تحمل مجموعة من أعواد البخوار لتفرقها فى المكان وتنظر له بتقييم قبل أن تعود للمطبخ : لاه اولع الراكية احسن من إكده .
اقتربت الفتاتان من روان بترقب وحذر ، رفعت بسمة كفها تربت فوق كتف روان : ماتزعليش يا عمتو انا ونسمة هنخاصم عمو مهران علشان زعلك .
تؤكد نسمة شقيقتها : وهنخلى خالد يخاصمه هو بيسمع كلامنا .
تذكرت روان صغيرها ، ترى هل تتمكن حقا من الحياة بدونه . وكيف سيكون رد فعله حين يعود من مدرسته فلا يجدها ؟
هل سيفزع ؟؟
ولما لم يحاول مهران حتى أن يهاتفها !! هل أسعده رحيلها !!
عادت تجهش بالبكاء مستسلمة لتلك الظنون لتعلن هزيمتها أمامها .
#الشرف_الجزءالثالث_قسمةالشبينى
____
الرابع
دخل طايع للغرفة ليجدها متكومة على نفسها تبكى بصمت .اكفهر وجهه تبعا لإنقباض قلبه لرؤيتها بهذه الصورة ، تقدم بلا تردد ليجلس ويجذبها لصدره دون الإلتفات لتذمرها الواهى ، قاومته لبضعة ثوان قبل أن تستسلم بل وتتشبث بملابسه تجذبه إليها ليعلن حليفه الانتصار .
احكم ذراعيه حولها بدفء يتشوق له اكثر منها ، تنهد وهو يزداد قربا هامسا : تصدجى انى أجدر ابعد عنيكى !! ده الموت اهون .
شعر بإنتفاضتها المعترضة ليبتسم بسمة هزيلة لم تصل لعينيه ولم تنبع من قلبه الذى سكنه الهم والخوف من المجهول الذى هو مقدم عليه .
بدأ يتأرجح يمينا و يساراً مهدهدا لتغمض عينيها وترفع راية مقاومتها للراحة التى بدأتها منذ غادرته .
دقائق وحاول أن يفلت من أناملها المتعلقة به لتنتفض فزعا وتنظر له بفزع : رايح فين؟؟؟
قبل وجنتها بحنان : هطلع برة وانت ارتاحى واجى بالليل اخدك ونروح .
هزت رأسها نفيا : لا انت بتضحك عليا ..انت نمت امبارح من غيرى وهتسبنى وتمشى . انت مابقتش تحبنى .
أعقبت جملتها الأخيرة بدموعها التى لم يسمح لها أن تتخذ وجنتيها مجرى لها مرة أخرى فكانت تستقر بجوفه المشتعل فور مغادرتها منابعها .
كم اشتاق نوبات جنونها تلك التى تنتهى دوما لصالح أشواقه ، تذكر منذ أعوام كانت تفعل المثل تهدد بهجره وتتهمه بفعلتها .استلقى يجذبها نحو صدره المشتعل منذ غادرته باكية ، شد ذراعيه حولها ليمتص صدره بكائها وبدنه انتفاضتها ، عينيه معلقة بالسماء وقلبه ينتحب وما أصعب بكاء القلوب.
لم يشعر أى منهما بمرور الوقت ، لم يعلما إن طال أو قصر ، كان هو يطفئ نيران الخوف عليها وكانت هى تطفئ نيران الخوف من هجره .
____________
عاد ريان للمنزل وبمجرد أن وقعت عينيه عليها حتى شعر أنها عادت خطوات للخلف وكأن التغيير الذي لمسه بالأمس لم يكن .
دخل الردهة ليجدها شاردة واثار دموعها التى لم تجف تزيد ملامحها شحوبا .
تجاوزها لحجرة صغيره ،فتح الباب بهدوء و جلس بطرف الفراش مستغفرا قبل أن ينظر للصغير الذى يلون كتابه المصور بصمت فيقول : تاج .
يبتسم الصغير له بلا حماس فيتساءل : مش هتسلم عليا !!؟
اقترب الصغير بنظراته اللائمة : ماما رجعت تعيط
عاد ريان للاستغفار فهو يعلم مدى تعلق الصغير بأمه ومدى ارتباطه بها الذى يدفعه لاتهامه بأى بالتسبب بأى لمحة حزن تطل من عينيها ، ربت على شعره : معلش حبيبي ماما تعبانة شوية ولازم نستحملها .
اسرع الصغير قائلا : لا ماما زعلانة من خالو هيبة
قطب ريان جبينه متعجبا ليتابع الصغير : من ساعة ما كلم ماما وهى بتعيط وسابتنى لوحدى .
عاد ريان يربت على رأس صغيره وهو يحاول أن يراضيه حتى لا يتأثر نفسيا بحالة ليال التى لم تكد تتقدم خطوة لتعود خطوات ..ترى ما سر هذا الاتصال الذى تحدث عنه تاج ؟؟
مكث ريان بحجرة صغيره نصف ساعة دون أن تشعر به ليال أو تتفقد الصغير ولو لمرة واحدة .
غادر الغرفة ليجدها كما كانت لحظة دخوله ، اقترب ليجلس بالقرب منها قائلا : وبعدين يا...
انتفضت لينتفض معها : مالك يا حبيبتي؟؟
مسحت وجهها بكفيها: انت جيت أمته ؟
تنهد ريان : جيت من بدرى وكنت قاعد مع تاج اللى انت نستيه خالص
شعر بالتيه فى نظراتها وهى تقول بندم واضح : اسفة يا ريان مش عارفة سرحت ازاى كدة ونسيت ابنى !!!
همت لتتحرك فأوقفها بتمسكه بذراعيها قائلا : تاج كويس بس انت عارفة إنه متعلق بيكى ماتدخليش عنده وانت زعلانة كدة .
ارتمت فوق المقعد مرة أخرى ليرى كم المعاناة التي تحاول أن تخفيها عنه . ترى ما الذى حدثها عنه هيبة لتعود لتلك الحالة التي يتمزق لها قلبه . لم يكد يرتوى من قربها بالأمس . ذلك القرب الذى تاق له قلبه لتعود إليها تلك الحالة فى اليوم التالى مباشرة .
اقترب ليجلس بجانبها متسائلا : فى إيه يا ليال ؟ هيبة قالك إيه زعلك اوى كدة ؟
اسرعت دموعها لمجراها مرة أخرى وهي تقول بحزن : هيبة عاوز يقسم ورث بابا يا ريان .
لم يفهم ريان ما يحزنها ، تذكر ما كانت تقصه والدته عن أهل الصعيد والظلم الذي تتعرض له الفتيات في أمر الإرث . هو لا يظن أن هيبة بمثل هذه العقلية فعاد يتساءل : طب وزعلانة ليه ما اظنش هيبة ممكن يظلمك يا ليال ؟
شهقت ليال : مش هيظلمنى يا ريان ده حتى قالى لو عاوزة الأرض خديها بس ماتبيعهاش لغريب . لكن خلاص هننسى بابا ونقسم ماله وأرضه ؟؟ شقى عمره اللى راح لاچل خاطرنا نقسمه علينا بالسهولة دى ؟؟
تنهد ريان ؛ حسنا الأمر اهون مما ظن بمراحل . حبيبته الرقيقة فقط لازال قلبها يتألم لفراق والدها ولا تتحمل تقسيم الإرث .
ضمها لصدره هامسا بصوت هادئ رزين : حبيبتي ده شرع ربنا وهيبة فاهم كدة كويس وبيعمل الصح . انا عارف إن قلبك موجوع لكن دى سنة الحياة والورث لازم يتقسم علشان عمى يرتاح ويطمن إن محدش من ولاده ظلم التانى . ربنا مانزلش اى تشريع غير لمصلحة العباد .لازم تكونى واثقة من ده . وبعدين مش انت عاوزة عمى يرتاح!؟
لقد فطن كعادته إلى طريق يصل به بسلاسة لما يريده منها لتفعل ما يجب دون كراهة . سرعان ما انتفضت : طبعا عاوزاه يرتاح .إذا كان الورث هيريحه يبقى نقسم من بكرة .
ابتسم براحة تامة : انت عارفة إن طول عمرك ممكن تبقى امتداد لعمل عمى الله يرحمه . كل طاعة لله علمها لك كل دعوة منك ليه . خليه فى قلبك وارضى بقضاء الله علشان يرضيكى ويراضيكى .
اراحت رأسها بإنهاك فوق كتفه وقلبها يحمد الله على هذا الرجل الذى يدفعها دفعا لطاعة الله والرضا بالقضاء .لقد طال حزنها وطال تحمله وصبره .
تنهد جاذبها نحوه ، يعلم أنها لا تعترض على القضاء لكنه ألم الفراق ، كم يخشى عليها من مواجهة هذا الألم مستقبلا فهى كما عايش بنفسه قدرتها على التحمل أضعف مما ظن.
ورغم ذلك هو موجود دائما لأجلها فكون حبيبته ليست كما توقع لا ينزع حبها من قلبه بل يزيده رغبة لكشف كل خبايا نفسها والتعرف على كل نقاط ضعفها فقط ليحميها من الألم مستقبلا إن كان هذا بمقدرته.
_________
طرقت غالية باب غرفة ابنتها برفق بعد أن طال غيابهما بالداخل . لم تحصل على أى إجابة لتشعر بالحرج وتعود أدراجها إلى أخيها وزوجها .
ارتفعت اعينهما المتسائلة لتقول بحرج : شكلهم ناموا .
صمت تاج بينما قال رفاعى : طايع ماغمضلوش چفن طول الليل .خليهم يرتاحوا ربنا يصلح حالهم .
أعقب قوله بنهوضه : اجوم انى .
حاولت غالية استبقاء أخيها ليرفض متعلالا بترك زينب والفتاتين بينما هو يريد أن يعود للمنزل لمحاولة حل مشكلة ولده الأكبر .
أخيرا اقتنعت بمغادرته ليعرض تاج صحبته ولم يجد بأسا فى ذلك فقد تكون استشارة تاج مثمرة فى هذا الأمر .
___________
منذ وعدته بمهاتفة أخيها والتفاهم معه تركها ليحصل على قسط من الراحة قبل العودة للمتجر .
اتجهت هى لهاتفها لتطلب رقم أخيها الذى صرخت بوجهه وانهت اتصاله بشكل غير لائق بالمرة ، عليها الاعتذار قبل اى شئ .
***
كان هيبة يتفقد حديقة الفاكهة بعد مهاتفتها.. فضل عدم البقاء في المنزل أو عدم مواجهة والدته .
علا رنين الهاتف لينظر لإسمها يزين شاشته ويجيب بهدوءه المعروف .
آتاه صوتها النادم فورا : حقك عليا يا ابو ليال .
ابتسم هيبة فمجرد عودتها الاتصال يكفيه فماذا عن اعتذارها أيضا !!!
تنهد وقال بصدق : ماازعلش منيكى واصل يا خيتى .انى خابر إن صعبان عليكى بس ده حج ربنا وانت خيتى وعلى راسى عمرى كله
أتاه صوتها الحزين : اعمل الصح يا هيبة وانا موافجة على اللى تحكم بيه يا خوى
عاد يتنهد ويقول : ليكى حسبة فى المال هحسبها واجولك عليها لانى حصلت عشية حج طرح السنة وحجك فى الارض بشرع ربنا لكن بالله عليك يا خيتى إذا احتاچتى مال خبرينى وماتبعيش أرضنا للغريب واصل .
***
كانت تتوقع صفحه عنها ، فهو هيبة ذو الهيئة المهيبة والقلب الرحيم . وكان عند حسن ظنها به ولم يشق عليها في العتاب فهو يعلم مدى حزنها خاصة لوفاة والدها في غير وجودها .
كان الاتصال هادئا وهو يخبرها ببساطة أنه سيقدم كافة حقوقها بطيب خاطر حتى أعاد طلبه ألا تبيع الأرض لغريب . ماكانت لتفعلها وهو وهى يعلمان ذلك جيدا . لكنها الأرض حيث تربط الأجسام والقلوب بالاباء والأجداد الذين عاشوا جميعا لهذه الأرض .وبها .
***
شعر قلبه بالسكينة وهى تقول : الأرض خليها فى رعايتك يا ابو ليال بس مااحسش انى انجلعت من جدورى . عمرى ما أبيعها ولا اجرب منيها دى چدرى اللى لو انجلعت منيه اموت .
انتفض قلبه وتبعه صوته ناهرا لها : ربنا يطول في عمرك ماتجوليش إكدة .
أنهى الإتصال ليخرج تلك الأوراق من جيب جلبابه ليعيد دراستها والتأكد من حصة كل من شقيقيه وشقيقته قبل إعلام الكل بحقه . أنهى دراسة الأوراق ليبدأ فى إضافة المبلغ الذي حصله للمال الذى تركه والده ليعيد تقسيمه أيضا .
انتهى ليتنهد براحة : الله يرحمك يا بوى .
تحرك بعدها ينوى العودة للمنزل فبداخل صدره خافق متألم يصبو لبعض الراحة ويعلم جيدا اين يجدها .
________
استيقظ طاعى يشعر بألم شديد في رأسه وكافة جسده مع حركته ليأن بخفوت ، نظر لها وهى غافية شاحبة الوجه ليعود انين قلبه يعلو على انين جسده .
تنهد وهو يسحب ذراعه الذى تتوسده برفق لتنعم ببعض الراحة ، اعتدل بهدوء يتفقد هاتفه لقد نام لساعتين كاملتين . شعر بالحرج من عمته وزوجها ، كذلك أبيه لقد تركهم للتحدث إليها فحسب .
نهض عن الفراش ساحبا نفسه نحو المرحاض دون أن تشعر بمغادرته .
خرج بعد فترة ليدثرها جيدا ويهندم ملابسه متجها للخارج بنفس الهدوء .
خرج لتقابله عمته التى ابتسمت لترفع عنه الحرج : عامل ايه يا حبيبي؟
ابتسم لمودتها : الحمدلله معلش يا عمتى نمت غصب عني .
غالية : وايه المشكلة ياحبيبى ؟بيتك ومطرحك .اعملك قهوة .
زالت بسمته وهو يقول : معلش اتعبك بس فعلا محتاجها اوى .
توجهت للمطبخ وهو يتبعها جلس واضعا رأسه بين كفيه بإنهاك لتنظر له و تتساءل : هى لسه لى لى بتزعل لما ماتكلمهاش صعيدى ؟
رفع وجهه مرحبا بالحوار الذى يسعد قلبه : لا دى بنتها اكتر منها دلوقتي لما اكلمهم عادى تكشر عليا وتقولى ماتتكلمش كدة..كلمنى صعايدة هههه .
طال الحوار بينهما تمكنت فيه غالية من امتصاص توتره . احتسيا القهوة وهو يقص لها مواقف مضحكة ل ليليان ونسمة وهما ترفضان التحدث إليه إن عدل لهجته الصعيدية التى تراها ليليان ميزة فيه تمنحه انطباع خاص به دون كافة الرجال . وكأن اللهجة الصعيدية ينفرد بها دون رجال الأرض !! كذلك نسمة التى تحذو حذو والدتها دائما وتنحاز لأبيها دون تفكير .
بينما لم يجد بأسا فى الإفصاح عن بعض مخاوفه حول صغيرته بسمة التى تراقبه بشغف وصمت يقلقه أحيانا .
اصغت له ثم قالت : صراحة كنت عاوزة اتكلم مع لى لى فى النقطة دى . تاج كمان ملاحظ إن بسمة منطوية على نفسها اكتر من اللازم فى عمرها ده . والغريب إنها كده مع الكل إلا خالد ابن مهران .
قطب جبينه بتساؤل : قصدك ايه يا عمة ؟
ابتسمت بود : مش قصدى اقلقك بس حاول تعرف خالد قريب منها كده ازاى !! اكيد هو فاهمها اكتر منكم .
وكأنه بحاجة لمزيد من التوجس !!! زفر بضيق وهى تضع أمامه كوبا اخر من القهوة التى لم يعبأ بسخونتها ورفعها يرتشف منها فورا برغبة ملحة للتيقظ قبل أن تفلت من بين اناملة دفة حياة طالما تمناها.
_________
تحدث رفاعى أثناء طريق العودة إلى تاج عن مشكلة مهران وابنة عمه التى أصابها هاجس زواجه من أخرى مما أدى لزيادة الخلافات بينهما .
نصحه تاج بنصيحة مهران بتعزيز ثقة روان فى نفسها وليبدأ بمشاركتها فى الأمور التافهة من وجهة نظره ، كما أخبره أنه لا يعيب الرجل ابدا اخبار زوجته بتفاصيل يومه إن كان هذا سيقدم لهما مزيدا من القرب والتفاهم .
اخيرا أخبره أن مهران هو الوحيد القادر على مساعدة زوجته فهو الاعلم بها حتى من والديها .
لم يحبذ تاج أن يتدخل في الأمر فكلما زادت الأطراف كلما زاد الخلاف وأيده رفاعى فى ذلك ليحزم أمره ويتوجه للمتجر حيث ينتظره مهران .
دخل رفاعى للمتجر ليهب الجميع احتراما له حتى ولده الذى ينتظره بشغف فهو يخشى بالفعل أن تتهور روان وتنقل احساسها الكاذب لوالديها أو أخيها راشد فتزداد الأمور تعقيداً و سوءا .
فى طريق العودة تحدث رفاعى إلى ولده قائلا : تعرف يا ولدى زمان كنت شديد جوى مع امك . اول سنة من چوازنا كانت مريرة جوى . لحد ما يوم ربنا أراد يعلمنى درس بعمرى كله لما چدتك الله يرحمها خدتها للدكتورة وجالت إنها زينة وتجدر تخلف .
صمت رفاعى يبتلع غصة شعر بها ولده وهو يتابع : بس هى مارايدش تخلف منى .
تصنم مهران مكانه ليبتسم رفاعى ، فلم ير أولاده منه ومن زوجته إلا عشقا خالصا يبثه كل منهما للآخر . ربت رفاعى على ذراع ولده ليسير بصمت وهو يقول : كان حجها ياولدى انى كنت جاسى عليها جوى .ضرب وإهانة و ...
وصمت ولم يتمكن من ذكر ما فعله بها وبأخيه فى الماضى لكن مهران فطن أن الأمر جلل يفوق قدرة والده على الحديث .
عاد رفاعى للصمت لدقائق أخرى قبل أن يقول : الحريم كلاتهم عجولهم صغيرة فى اى حاچة تخص راچلهم بس كمان جلوبهم حنينة بزيادة . كل راچل منينا يفهم مرته زين ومش عيب ابدا تحسسها بلهفتك عليها . هاديها وجولها حديت زين يطمن جلبها .هى خايفة من حبها فيك يا ولدى .
تنهد مهران : خابر يا بوى والله براضيها وعمرى مافكرت فى حديتها واصل .صوح كنت بجولها نخاوى خالد بس لما الحكيمة جالت مفيش حاچة تمنع والتأخير من عند ربنا سكت .بس هى مابتنساش .
ضحك رفاعى : اطلع راضيها بكلمتين هترضا ..روان بت عمك جبل ماتبجى مرتك وانى خابر إنك هتجدر تطمن جلبها .انت بس يا مهران وعلمها إن مشاكلاكم تنحل بناتكم خروچ من دارها تانى مارايدش.
دخل رفاعى من الباب وخلفه مهران وجدا زينب تجلس بصحبة الفتاتين وروان التى كفت عن البكاء . سددت زينب فورا نظرات لائمة لولدها الذى هز كتفيه لتفهم زينب أنه لم يغضبها .
اسرعت بسمة نحو عمها : عمو فين خالد ؟
هبط لمستواها ليحملها بين ذراعيه : خالد فى المدرسة يا جلب عمك .
بينما تساءلت نسمة : جدو فين بابا ؟
ابتسم رفاعى : وراه مشوار چه فچأة وهياچى طوالى .
اقترب ليقبل رأس والدته التي ربتت على كتفه بحنان بينما نظر ل نسمة متسائلا : چرى إيه يا نسمة مش هتسلمى علي .
نظرت له الصغيرة بخبث : أول مرة تعرف اسمى علطول .
أشارت له بإصبعها بإتهام واضح : قول الحقيقة مين غششك ؟
ضحك الجميع عدا روان ومهران يحك رقبته بحرج: اعمل ايه طيب ما انتو فولة وانجسمت نصين .
ثم نظر لها بحدة : خالد يا لمضة جالى إن اللى عينها رصاصى فاتح بسمة وانت عينك اغمج درچتين .
نظرت له ببرود : ايوه خالد شاطر وبيعرفنا من بعض .
انتهز مهران الفرصة لارغام روان للعودة دون جدال أمام أبويه قد يزيد الخلاف فقال : طب إيه رأيكم تاچوا تلعبوا مع خالد النهاردة واخر اليوم اروحكم ؟
تحمست بسمة للفكرة بينما تحفظت نسمة لعدم معرفة والدها بهذه الخطوة إلا أن رفاعى اقسم بإخباره فور عودته ليمر فيصحبهما للمنزل كما بشرهما بحضور والدتهما معه لتتضاعف سعادة بسمة الداخلية وتظهر تلك السعادة فقط بتعلقها برقبة مهران ليمر احساسها إلى صدره فيربت عليها بحنان تحتاجه بالفعل .
حمحم مهران اخيرا ونظر ل روان بحزم : مش نجوم احنا خالد زمانه راچع
عقدت ساعديها بغضب واضح ليقترب هامسا ليقلب الدفة لصالحه : بجا هان عليكى مهران تهملى داره وتحرجى جلبه ؟ ماكانش العشم يابت عمى .
تألم قلبها للهجته المتألمة لتنظر له آسفة ثم لعمها وتقول : مش عاوز مننا حاجة يا عمى ؟
ابتسم رفاعى : عاوزكم طيبين يابتى . خلى بالك من چوزك وولدك يا روان .
ودعت زوجة عمها أيضا لتغادر معه بعد أن هيأت الفتاتين لصحبتها ، غادرا اخيرا وزينب تودعهما بدعوات نابعة من القلب بصلاح الحال
وصلا للمنزل ليجدا الصغير أمام الباب . تهلل وجهه لرؤية الفتاتين لتسرع بسمة وتترك كف عمها اخيرا بحماس وتخبر خالد أنهما ستقضيان اليوم بصحبته .
_______
يجلس رفاعى منذ غادر ولده وزوجته بمكانه دون حراك ، أعدت زينب الغداء واقتربت منه : رفاعى ...
انتفض ناظرا لها لتقول بحنان : جوم كل ..مادوجتش الزاد من عشية .
هز رأسه بإنهاك لتتساءل : بيك ايه يا رفاعى ؟
نظر لها مباشرة : مانتيش واعية لأحوال الولد يا زينب !! طرح عمرنا ووچعه كلاته .
تنهدت ثم بدأت تواسيه كالعادة : ولادك رچالة مايتخافش عليهم يا رفاعى. غمة وتنزاح ربنا يهدى سرهم .
تمتم برجاء : يارب
أمسكت كفه تجذبه نحوها : جوم يا خوى وانت عچزت إكده .
جذبها هو لتسقط فوق قدميه ويقترب بغضب مصطنع : مين اللى عچز يا زينب ؟
____
خرجت من المرحاض تنظر لجسده المتمدد بالفراش بحيرة شديدة ، من هذا الرجل !!!
ليس رفيع ؛ ذلك الذى شاركته للتو فراشها ليس هو ..
قد تكون مخاوفه تلك التى افضى لها بها منذ ساعات !!
متى تمكنت المخاوف من تبديل حبيبها !!!
لا هى مخطئة بكل تأكيد .. جلست فوق مقعد السراحة تطالعه ليعتدل جالسا وينظر لها نظرة لم تراها بعينيه مسبقا ، أين اختفى الحنان من نظراته !!!
تبدلت نظرته فى لحظة لتعود لسابق عهدها به فتدقق النظر له ليتساءل : مالك يا رنوة .. بتطلعى فيا إكده كأنك أول مرة تشوفينى !!
تنهدت ودار إصبعها بشكل دائرى : مش عارفة عينك كان فيها حاجة غريبة اوى .
نهض عن الفراش ينظر فى المرآة ، تجول كفه فوق عينيه : فيها ايه !!
أشاحت بكفها : الظاهر بيتهيألى
نهضت متجهة للخزانة : هغير وانزل لماما شريفة اقعد معاها شوية .
تعلم أنها تفر من احساسها به الذى تغير ويدعوها للركض بعيدا عن هذا الغريب الذي لم تشعر به ، وهو يرى خوفها فقط .. لا يرى سوى نظرة الخوف بعينيها ويحاول نزعها عنها لكنه دون أن يدرى يزيدها خوفا ورغبة في الهرب منه .
لحق بها قبل أن تفتح خزانتها لتفزع بالفعل ، التفت تواجهه بأنفاس مضطربة ليتساءل هامسا : مالك !!
وضعت كفها فوق صدرها ، لم تعتاد اخفاء مشاعرها عنه فقالت بصدق : خضتنى .
خلع المنشفة عن رأسها ليغزو كفه خصلاتها بدفء يدغدغ مشاعرها ، اقترب وجهه يزيدها دفئا ليهمس برغبة خالصة : اتوحشتك جوى .
ارتفعت عينيها له بحدة : اتوحشتنى امته ؟؟
لكنه أبى إلا المقاومة ليدفع جسمها نحو الخزانة محيطه بكامل جسمه : أول ماجومتى من چارى اتوحشتك ..
زاد قربا وخبت نبرة صوته : أول ما بعدتى عنى جلبى رچف من البرد ..
تمهل حتى اغتنم ثمرات تزيد جوعه لتعلو وتيرة أنفاسه وهو يتساءل : ماريداش ؟؟
نظرت إلى عينيه بتيه واضح ليقرر الاستغناء عن إجابتها والشروع في تنحية مخاوفها كما يظن .
كانت ستخبره بكل ما تشعر به لكنها لم تجد وقتا لتفعل ففى لحظة وجدت نفسها محاصرة بذراعيه القويين وحبيسة صدره ، قدميها لا تصلا للأرض وشفتيه تبعثران مشاعرها المضطربة من الأساس .
همت بالأعتراض لتجد نفسها واعتراضها ذا يذوبان مع لمساته شديدة السخونة ليعود للغرق بها والفرار منها
#الشرف_الجزءالثالث_قسمةالشبينى
الخامس
غادرت غرفتها والفزع يحتل ملامحها ، وجدته جالسا بصحبة والدتها التى نظرت لهما يتبادلان النظرات المتألمة .
هو يتألم لرؤية ظنونها تركه لها وهى تتألم من نفس الظنون .
تحدثت غالية لتخفف من حدة التوتر : تعالى يا لى لى .عاملة ايه دلوقتي؟
اقتربت لتجلس بالقرب منه : الحمدلله يا ماما أنا بخير .
حمحم بهدوء : مش نروح بقا يا لى لى ؟
نظرت له بغيظ : أيوة البنات وحشونى .
كتمت غالية ضحكتها وهو يتابع : هم عند عمهم مهران بيلعبوا مع خالد وهيجوا بالليل .
إنه يعاندها بعدم تحدثه لهجته الصعيدية وهى تعلم أنه يفعل ليخرجها من حالة التوتر التى عاشتها منذ الأمس .
قطبت جبينها وهى تجاريه عل تلك الذكريات السيئة عن الامس تنمحى أو تهتز صورتها .
حاولت غالية استبقائهما للغداء لكنه رفض متعلالا بحاجته للراحة .
غادرا اخيرا بعد انتظار عودة تاج دون رؤيته .
__________
جهزت الطعام الذى يحبه ولدها وطلبت منه الاستعداد لتناوله وتوجهت لغرفتهما . وجدته قد ارتدى ملابسه بالفعل وعلى وشك المغادرة.
تعلم بتقصيرها لكن رغما عنها ارتسمت ملامح كئيبة تعاطف معها قلبه فورا . اقترب منها بهدوء : زعلانة ليه يا ليال ؟
لم تحاول المراوغة ، كعادتها صريحة وبريئة لتقول فورا : انت هتنزل المحل وبقا لنا كتير اوى ماكلناش مع بعض .
ابتسم لمجرد محاولتها عودة الحياة لإيقاعها الطبيعى : هو الأكل جاهز ؟
اومأت بترقب ليقول : يبقى اكيد مش هنزل قبل ما اكل معاكم .
تهلل وجهها وهى تسرع نحوه بلهفة تعبر عن مدى سعادتها بلطفه وحنانه . استقبلها بوده وقلبه قبل ذراعيه ، غمرها بدفء يحتاجه كلا منهما لتهمس بنفس السؤال الذي تطرحه دائما بلا ملل : راضى عنى يا ريان ؟
لتأتيها إجابته التى طالما كانت لم تتغير منذ ذلك اليوم الذي فاجأها فيه بفستان زفافها .
___________
دخل سويلم من باب المنزل ليتضح للأعين عرج طفيف بخطواته الصغيرة .نظر له رفيع بتفحص بينما تساءلت رنوة : مالك يا سويلم ؟ انت وقعت ولا ايه؟
نظر لها لترى شعوره بالاسف المتوارى خلف شجاعته الظاهرة تنهدت وعقدت ساعديها ناظرة له ليقول : وجعت من ع التوتة .
كادت أن توبخه ليسأله رفيع : وايه طلعك على التوتة يا ولد العفريت انت ؟
كان غضب رفيع واضح لتقول رنوة برجاء : بالراحة عليه يا رفيع هو هيفهمنا كل حاجة .
نظرت لولدها بحدة ليفهم أن والده ليس بمزاج جيد وعليه سرعة تفسير ما حدث . بالفعل تحدث مسرعا ليخبره أن عفاف ابنة عمه زناتى أرادت الحصول على بعض حبات التوت ليوبخها دياب ابن عمه حجاج كما أنه عيرها بأنها فتاة وحيدة وليس لها من الإخوة الذكور مما احزن ابنة عمه وابكاها .
تنهدت رنوة بحزن فأبن حجاج يشبهه تماما فى غلظة القلب ، هو نفسه يعير أخيه زناتى بعدم إنجاب سوى تلك الصغيرة بل وحثه على الزواج من جديد بحثا عن الذكر من الأبناء .
حاول رفيع اخفاء تعاطفه مع زناتى الذى يحسن حجاج استغلاله وينهش ماله بلا حق وتساءل : بردك مافاهمش وجعت كيف ؟
رفع سويلم رأسه ليقول : بت عمى مالهاش خوات وانى خوها كيف اهملها حزينة ؟ طلعت اچيب لها توت واراضيها دياب رمانى بحجر وانى بفاديه رچلى زلت ووجعت .
اسرعت رنوة نحوه بلهفة : اتعورت ؟؟ ورينى رجلك
ليرفع بنطاله ويقول بلا اكتراث : چرح صغير ماوچعنيش .
نظر لوالده : انى جادر ارد عليه واضربه كمان بس ستى حسنات ضربته كف ومجدرش اجدم نفسى عليها .
ابتسم رفيع ابتسامة باهتة واومأ متفهما لتجذب رنوة ابنها لغرفته وهى تثرثر حول إهماله فجرحه ليس كما وصفه مطلقا .تركها رفيع تهتم بصغيره وهبط لشقة والدته لتفقدها وولده سليم الذى يلازمها اغلب الوقت وتقوم هى بتحفيظه ما تحفظ من القرآن .لكنه فى الواقع وجدها فرصة جيدة للتهرب من زوجته التى تعرى دواخله وقد أصبح هو نفسه مرتعب مما قد يحدث إن رأت ما يرفض أن يريها إياه .
___________
فتح طايع باب المنزل لتدخل عاقدة ساعديها منكسة الرأس ، تبعها بصمت فكل منهما ليس واثقا مما يخفيه الاخر بعد .
تنهد مستغفرا ليقترب منها : تعالى يا ليليان نتكلم شوية .
لم ترفع رأسها وتبعته بصمت مد ذراعه ليلتقط كفها الذى أطلقت سراحه للتو .
نظرت له بطرف عينها وجلست حيث جذبها لتجلس ملتصقة به .
مسد كفها بإبهامه لترفع عينيها تنظر له بترقب فيتساءل : عارف إنك لسه زعلانة منى .
قاطعته مقطبة الجبين : ماتكلمنيش مصراوى
تظاهر بالضحك لغضبها المحبب : بردك ..حاضر يا ضى عنيى .
رأى الشغف بقسماتها ليتابع مقتربا منها: حجك على راسى . اوعى تفكرى انى مارايدش خلفة منيكى . ده انا الود ودى يبجالى منك عشر عيال .
ضمها بتملك وقوة : بس مجدرش استغنى عنيكى لو العيل هياخدك منى مارايدهوش .
تعلقت برقبته ليستنشق عبيرها بعمق هامسا: سامحينى يا جلب طايع .
شعر بها تتململ وتدفعه ببطء ، نظر لها ليرى الغثيان وهى تقول : طايع بلاش برفن ريحته بتخنقنى .
شهقت بقوة تلتقط نفسا بصعوبة ليبتعد فورا : خلاص بلاش يا جلبى هتسبح وماحطوش تانى .
نظرت له بإمتنان . إن كان يخاف فقدها فهى ترتعب لنفس السبب ، كم تتمنى أن تحيا عمرا جديدا معه مديدا تحياه كاملا بين ذراعيه .
ينتفض قلبها خوفا من الأيام المقبلة فقد تفقد قريبا ذلك الصغير الذي نبت للتو بين احشاءها . وكم تخشى ذلك !!!!
حقا تنصاع لقول العقل الذى حكم به والدها لكنها لا تضمن أن تفعل إن تأكدت من فقدانها تلك النطفة التى ارتبطت حياتها بها .
_________
انشغلت روان بالأطفال أو تشاغلت فهو ينظر لها نظرات لائمة ويلتزم الصمت الذى يزيدها توترا .
متى فقدت ثقتها فيه لتصل لتلك المرحلة !!!
إنه مهران !!!
قلعة الحماية حيث كانت تجد الأمان دائما .
إنه مهران !!!
الذى أفصحت عينيه عن عشقه وحاربه خوفا عليها من نفسه .
إنه مهران !!!
اول نظرة مفتونة . اول اختلال لدقات قلبها . اول من زار أحلامها .
اول لمسة . أول همسة عاشقة . اول كل احساس جميل وآخره .
ابتسمت وهى تتذكر ذاك اليوم حيث اقتحم غرفتها ليعنفها فكانت أول قبلة جامحة افقدتهما التركيز .
تركت الأطفال بغرفة خالد لتمر من أمامه نحو المطبخ ، نظرت له بطرف عينها لتجده يتابع التلفاز بينما غالب قلبه لينتظر حتى تحيد بعينيها عنه فلا تضبطه متلبسا بأشواقه .
مرت ليزفر بضيق فكم تثير جنونه غيرتها تلك . لكنها تسعده . لا يمكنه إنكار ذلك .
عادت عينيه للتلفاز وهى مقبلة نحوه مباشرة لتتساءل : مهران اعملك قهوة ؟
نظر لها يعلم أنها فقط تريد إنهاء هذا التوتر والتظاهر بأن ما حدث لم يحدث . قطب جبينه رافضا ذلك فقد تركت منزله . ببساطة غادرت المنزل دون أن تخبره حتى بالمغادرة .
زاد توترها تحت نظراته الحادة لتقول برجاء : بلاش تبص لى كدة
امسك جهاز التحكم ليطفئ التلفاز ويهب نحوها فى لحظة . حاولت التراجع ليمسك كفها قبل أن تفعل .
جذبها نحو غرفتهما وهى تتبعه بقلب خافق . دفعها للداخل واغلق الباب بهدوء لا يظهر على ملامحه ابدا .
وقفت أمامه ليعود لها بنظراته الحادة متسائلا : اعمل فيكى ايه دلوك ؟؟بتهملى بيتك يا روان ؟؟ للدرچة دى ماطيجانيش ؟؟ للدرچة دى شايفانى مش راچل تهملى البيت ولا كأنى ليا عازة عنديكى ؟؟
ترقرقت دموعها التى تؤلم قلبه لكنه تماسك بجلد . اقتربت وهى حقا لا تخشى غضبه فمهما غضب منها لن يؤذيها مطلقا .
اقتربت تتلمس صدره بحنان أدى لاضطراب عضلى شعرت به لتشعر بالراحة فتأثيرها عليه حتى الغضب لا يبطل مفعوله .
تهرب بعينيه خوفا من المزيد من الضعف أمام رقة لمساتها وهى تقول : غصب عني يا مهران . أنا بحبك اوى وخايفة تروح منى .
تنهد وعاد بعينيه لملامحها الغالية : اروح فين يا جلب مهران !! عمرك شوفتى راچل همل جلبه يفط من صدره .
تحولت لهجته للوم : ميته يا روان هان عليكى مهران إكده ؟ تهملينى يا روان !!! جلبك طاوعك !!!
ارتمت بين ذراعيه باكية : سامحنى يا مهران . الغيرة بتحرق قلبى وانت سكت فكرت سكوتك موافقة على الجنان اللى أنا قولته .
لانت نبرة صوته : خلاص ماتبكيش . وخالد هنجله من المدرسة دى خالص . يروح مدرسة بنين . كلها رچالة بس حسك عينك تهوبى ناحيتها اچيب رجبتك .
قال اخر كلماته بإنفعال واضح بالغ فيه ليشعرها أنه يبادلها نفس العشق والجنون والغيرة . ضحكت مرغمة وهى تشد ذراعيها حوله لتشعل بإرادتها نيران شوقه التى لا تخمد سوى بقربها هى .
وكم يهوى التمهل فى إخمادها !!!
__________
عاد تاج بعد صلاة العصر ليجد غالية فى انتظاره وقد أعدت الغداء ، هاتفته بعد مغادرة طايع وليليان لتخبره بمغادرتهما وتستعلم عن سبب غيابه . أخبرها أنه سيقضى أمرا قبل العودة للمنزل .
اخيرا عاد فقد شعرت بالوحدة فى غيابه .ابتسم بمجرد رؤيتها : تعالى شوفى جبت لك ايه .
تهلل وجه غالية فهو مازال على نفس حنانه الذى يغمرها ، لا ينسى ابدا ان يهدى لها شيئا من حين لآخر . يحضر لها القليل من الحلوى من حين لآخر .
لازال يدللها كما اعتادت وكأنها زوجة حديثة الزواج .
جلست أمامه ليفتح الحقيبة ويخرج منها رداءا منزليا رقيقا تحمست له غالية لتختطفه : الله يا تاج بقا لك كتير ماجبتش هدوم جميلة كدة .
تاج : اعمل ايه بس الاذواق بقت وحشة اوى . استنى فى حاجات تانية
وباشر تاج عرض هديته التى أسعدت قلبها وازاحت هموم الامس جانبا عن ساحة اليوم .
أعاد كل شئ للحقيبة وتساءل : اخدتى الدوا ؟؟
ابتسمت وهى تتعلق بذراعه كطفلة : انت دوايا ..
لكنه سحب ذراعه بجدية : غالية الدوا مفهوش كلام لازم تاخديه فى مواعيده ولا عاوزة ضغطك يعلا وتتعبى !!
تعلم أن حبه خلف خوفه هذا ورغم ذلك رأتها فرصة جيدة لادعاء الغضب الذى ينتهى دائما بحنانه الفياض .
هو يعلم أنها تسعى للانغماس فى صدره ويدعى أنه لا يفعل تاركا لها المجال لإثارة كل شغفه عازما على اتباعه حتى وارتشاف كل ما يصل لقلبه من رحيقها الذى يعشق حتى الثمالة .
__________
غادر ريان الغرفة متجها للمائدة حيث يجلس تاج الصغير وليال التى تمسك هاتفها وتتحدث إلى هيبة .
ابتسمت له وهي تقول عبر الهاتف : حاضر يا هيبة هبعتلك رقم الحساب بتاعنا فى رسالة اول ما اقفل .
انتفض ريان فورا : لا . هاتى الموبايل .
لم تفهم ما به ولكن أخبرت هيبة أن ريان يود محادثته ، قدمت له الهاتف ليبادله التحية ليقول رافضا بجدية : مش هينفع يا ابو ليال ده حسابنا مشترك عملنا بعد الجواز . الفلوس دى تعمل لها حساب خاص .
تحدث هيبة ليعود للاعتراض : لا ، لا ماينفعش ابعتهم حوالة وانا رايح البنك فى كل الأحوال هاخد ليال معايا تسحبهم وافضل معاها لما تعمل الحساب .
عاد يصمت ليقول بعد قليل : لا ده حقها وانا كدة هبقى مرتاح اكتر .
أنهى المحادثة دون أن تتفهم مقصده لتتساءل : ليه كدة يا ريان ؟ وانت رايح البنك تعمل ايه ؟
ابتسم ريان : حبيبتي انت ليكى ذمة مالية من حقك ورثك يكون فيها على جمب ده مالوش علاقة بأى ظروف لكن الحساب بتاعنا احنا عملناه محبة بنحط فلوسنا سوا علشان مستقبلنا لكن دى حاجة وورثك حاجة تانية .ده حقك .
تعلم أنه لن يغير رأيه ، تخشى حساسيته المفرطة تجاه هذا الأمر . لطالما كان كذلك .
ابتسم هو وقال :أنا عاوز اتكلم معاكى بقا لأن قدامنا فرصة كويسة . عمى حازم هيصفى تجارته ويبيع المحلات ومحمد ابن عمتى عاوزنى اشاركه فى المحل اللى بشتغل فيه .
حصل على اهتمامها ليتابع : امبارح تمنا المحل بالبضاعة والحمدلله معانا يغطى المبلغ المطلوب وزيادة هو محمد قال قدامنا وقت بس ما دامت الفلوس جاهزة مفيش داعى نأجل . كدة يبقى احسن على الأقل هبقى بشتغل فى محل شريك فيه . وطبعا هنعوض المبلغ بسرعة .
تعلم أنه عمل بالعطارة قبل أن يتخرج من الجامعة لرغبته فى الزواج منها ، وحين تخرج لم يبحث عن وظيفة فعمله بالعطارة يدر عليه دخل اكبر من الوظائف . وهو حاليا اصبح له فى العطارة خبرة كبيرة .
لم تستغرق أكثر من دقيقة لتقول بحماس : معاك حق يا ريان كدة احسن كتير. بس عم حازم هيصفى تجارته ليه ؟
هز كتفيه : رفيع وساهر مالهمش فى العطارة وهو شايف كده احسن لأنه كبر . عموما هو حر .
تحدث تاج الصغير : عمو محمود جه المدرسة امبارح يا بابا وجاب ليا عصير .
ابتسم ريان : واحنا نازلين دلوقتي هجيب حاجة حلوة ليك ول مازن .
ابتسم تاج : أنا بحب مازن بس هو شقى ...
استطرد الصغير يقص ما يقوم به مازن من سخافات بريئة وريان يحاوره ويضحك .
قاطعت حوارهما ليال متسائلة : طب وباقى المحلات يا ريان ؟
تعجب ريان تعلق الأمر بذهنها لكنه أجاب: محمود هياخد محل والتانى هيتعرض للبيع عادى .
اسرعت تقول : طب ما أشتريه بورثى احسن ماالفلوس تتحط فى البنك ؟
شعرت بصدمته ليصمت بينما اسرعت تشرح له رؤيتها للأمر .
سيشتريه بإسمها ويقوم هو بإدارته ، هى لا تمانع أن يشتريه بإسمه لكن تعلم أنه لن يفعل . اخذت تشرح له أنها ليست بحاجة للمال فى كل الأحوال يلبى جميع متطلباتها وبدلا من تجميد المال يمكنهما استغلاله بواسطة خبرات ريان لتأسيس تجارة تساعد الكثيرين على العمل .
لحظات واهتم ريان وتفهم ما تقوله فهى تريد مصلحة عائلتهما الصغيرة لا يمكنه لومها على ذلك . كما أنه سينمى مالها ما المشكلة بذلك ؟ سيتعامل معها كما كان يتعامل مع حازم تماما .
ابتسم اخيرا : طيب يا ليال زى ما انت عاوزة بس ربح المحل بتاعك نفصله فى حساب لوحده ده حقك
ضحكت ليال فهذا ما انتظرت سماعه ،نظر لها بحدة مصطنعة ليشاركها بعد لحظات ويقول : هو كده عاجبك ولا لأ!!
____________
مرت الأيام ،
اشترى ريان متجر بإسم ليال وشارك محمد فى متجر اخر .
بدأ مهران يسيطر على غيرة روان بشكل كبير وأصبحت حياتهما اهدا نوعيا طالما لم يذكر احدهم أمامها انثى قد اقترب منه .
كان الفحص الطبي الذى أجرته ليليان مبشرا فقد اخبرتهما الطبيبة أن جسمها فى الأعوام الماضية استشفى تماما من أثار ولادتها وطالبتهما بالحرص فقط وسيمر الحمل بسلام
أصبح هيبة ملجأ لجميع بسطاء العائلة وكبرائها أيضا ، مما اشعل حقد حجاج الذى لم يخمد سعيره منذ طفولته .
رفيع يرعى أسرته الصغيرة وطلب من حسنات حين علم توبيخ حجاج لها لصفعها ولده أن تعيش بداره . عارضت فى بداية الأمر لكن سرعان ما انتقلت للعيش مع شريفة الأمر الذي أحبته الأخيرة ولم يهتم به حجاج كما ظنت حسنات أنه سيفعل وكان لهذا أثرا سيئا فى بداية انتقالها تمكن سويلم من زعزعته سريعا تبعا لنصائح والده .
تهتم زبيدة بكل ما يخص صالح الصغير بنفسها وترفض أن يرعاه غيرها وقد تفهمت هناء رغبتها ولم تعارضها بل ساعدتها على تنفيذها مما اشعر راجى بالراحة الشديدة .
ترى ما الذى تحمله الايام للجميع ؟
وهل سيظل الاستقرار مخيما على حيواتهم ؟
هذا ما سيكشف عنه الغد ...
تعليقات
إرسال تعليق