رواية جبل النار الفصل الأول والثاني بقلم رانيا الخولي
رواية جبل النار الفصل الأول والثاني بقلم رانيا الخولي
عاد لواقعه وهو مازال يدخن سيجارة تلو الأخرى وكأنه يريد أحراق ذكرياته كما يحرق سيجارته.
لكن هيهات فقد حفرت داخله ولن يستطيع التخلص منها سوى بالثأر
سيـنتـقم منها اشد انتقــام وسيجعلها تسقط تحت أقدامه تطلب منه الرحمة لكن حينها لن يكون لديه قلب يغفر به.
ضغط على عينيه بحدة قبل أن يسحق سيجارته في المطفئة الزجاجية بغضب جحيمي ثم أمسكها وقذف بها لتنصدم بالجدار وتتناثر اجزاءها في كل مكان.
..........
عادت إليها ذكريات ذلك اليوم بحدتها
ورأسها الذي ضرب في الحائط مرات عديدة بلا شفقة أو رحمة مما سبب لها حالات اغماء مستمرة معها حتى الآن
والكسور التي تعرضت لها وهو يضرب بلا هوادة فقط يضرب وصوته المرعب يدوي صداه في أذنها حتى الآن
وضعت يدها على أذنها تكتم ذلك الصوت وهو يهدر بها بسخط
_فضحتيني وجبتيلي العار يافاجرة.......مين هو لخلص عليكي........انتي لازم تموتي واتخلص من عارك.........
وبعد كل ذلك تجثو على ركبتيها وهي مقيدة على شاطئ البحر تنظر للمياه التي تتلاطم عليه فتغمض عينيها بوداع وقد وضع أخيها قدم مهتزة على ظهرها تستعد لقذفها.
الفصل الأول
……………
لا اله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
…….
ترجل الدرج حافي القدمين يتحسسه قبل نزول كل درجة منه ويحسب مسافاته بدقة ويعد كل درجة حتى انتهت المعاناة عند الأخيرة وحينها أخذ بصعوبة يتحسس الطريق بقدمه لكن تلك المرة بمساعدة عصاه حتى يعتاد عليه
لم يتذكر المكان جيدًا فقد مرت أعوام لم يأتي فيها إليه.
الظلام دامس من حوله لكنه اعتاد عليه أو هكذا يتظاهر كي لا يؤلم عمه
ظل يتخبط في الأشياء الموجودة في المنزل ومنه يستكشفها كي لا ينصدم بها مرة أخرى حتى استطاع الوصول إلى الشرفة.
قام بفتحها فتلفح وجهه نسمات الليل الآتية من البحر الهادئ على غير عادته.
فهو لا يحبه هادئًا مستسلمًا بل يعشقه ثائرًا هادرًا فيجابهه هو بكل شجاعة.
سار إليه بأقدامه العارية متلذذًا بنعومة الرمال رغم سخونتها لكنه لم يبالي فقد حرم من رؤية الشمس لذلك يتلفح بدفئها
توقف عن السير عندما بللت الموجة الرتيبة قدميه العارية وأخذ يتنفس بعمق ويملأ رئتيه برائحته الندية.
أعلنت ساعة يده عن العاشرة صباحًا وذلك الوقت الذي كان يستمتع به على الشاطئ قبل أن يفقد بصره.
اخرجه من شروده صوت عمه وهو يعاتبه
: داغر ايه بس اللي خرجك لوحدك؟
ابتسم داغر لعمه الذي لا يكف عن الإهتمام به منذ ما حدث وتمتم بروية: متخفش ياعمي انا فاكر المكان كويس وبعدين انت نسيت إني بقالي سنة بتدرب على التعامل مع الطريق حتى البحر.
تقدم منه عمه وقد أشار للعامل أن يأتي بمقعدين يجلسا عليهما وقال
_ماشي ياسيدي خلينا بقا نقعد نستمتع بالجو الجميل ده بدل ما انت واقف حافي كدة.
جاء العامل بالمقاعد وساعد خليل ابن أخيه على الجلوس ثم قال داغر للعامل: ياريت يا صالح تعملي فنجان قهوة
استاء عمه من طلبه وتمتم بامتعاض: وبعدين معاك ياداغر مش الدكتور منعك منها؟
رد داغر بابتسامته الواهنة: معلش مرة واحدة في اليوم مش هتضر.
وافقه خليل على مضد ثم انصرف العامل وظل داغر يستمع إلى الاصوات من حوله
فقد فقد بصره لكنه يرى بأذنيه ويتخيل كل ما حوله بالأصوات التي تترامى حوله
زقزقت العصافير في ذلك الصباح
وتلك النسائم الآتية من الشمال تتناغم مع رائحة يود البحر والتي تذكره بالماضي.
ذلك القبطان الذي كان يبحر في كل البحار أصبح الآن عاجزًا مستندًا على عصاه
ترى هل سيأتي اليوم الذي سيعود فيه ذلك القبطان قائدًا على مركبه؟
أم كتب عليه وعليه الرضا بما قسم له.
انتبه لانفاس عمه التي تدل على صعوبة تحكمه في دموعه حزنًا عليه ولا يعرف بأنه تعود على الحرمان من كل شيء
تحسس بيده حتى وصلت إلى يد عمه وشدد عليه قائلًا: طول عمرك وانت الجبل اللي بسترد منه ثباتي، بلاش تيجي في أكتر وقت محتاج قوتك فيه وتضعف.
حاول خليل جعل صوته ثابتًا وغمغم بحزن
: أنا مضعفتش بس أول مرة أقف عاجز قدامك
طول عمري وأنا بحاول أعوضك عن كل شيء مفتقده، فيه اللي قدرت أعوضك وفي اللي فشلت بس صدقني….
قاطعه داغر بصدق: انت عمرك مافشلت بالعكس لولا وجودك في حياتي وطريقي اللي رسمته معاك كان زماني مدمن مخدرات ولا واحد فاشل مستني قرشين أبوه يبعتهمله كل شهر وخلاص بس انت فضلت جانبي لاحد ما كبرت وبقيت راجل وحققتلي كل أحلامي بدعمك ليا، عشان كدة عايزك تكمل جميلك للآخر.
ربت بيده الأخرى على يد ابن أخيه وتمتم بحب: هفضل في ضهرك لآخر يوم في عمري.
ابتسم بامتنان لذلك الرجل الذي لم يتخلى عنه كما فعل والده وظل بجواره حتى تلك المحنة.
أراد التطرق في موضوع آخر وقال بثبوت
_بس أنت شايف إن أجازتك طولت أوي ولازم ترجع شغلك يا سيادة المستشار.
تنهد خليل بتعب وقال: والله ياابني انا بفكر أقدم استقالتي وأكتفي بالهدوء اللي أنا عايشه دلوقت.
علم داغر بأنه يود ترك عمله كي يبقى بجواره لذا تحدث برتابة
: بس ياعمي دي رسالة ولازم حضرتك تقدمها للآخر.
فكر خليل في العودة حقًا لعمله لكنه أيضًا لن يستطيع تركه وحيدًا حتى لدقائق معدودة
فمنذ ذلك الحادث وهو لا يتركه لحظة واحدة ويخشى أيضًا أن يشعره بأن إعاقته سببت مشكلة له لذا تحدث بجدية: صدقني من وقت ماعرفت إن سالم أخد إعدام وأنا قررت إني اتنازل عن المنصب ده.
ساد الصمت بينهم وكل واحد بهم يحمل نفسه ذنب ذلك الشاب الذي اتهم زورًا واستطاع الجاني تضليل العدالة والفرار منها متخذًا من شاب لم يتعدى عمره الثلاثون عامًا درعًا له
فلولا أن اضطر خليل لترك القضية اثناء الحادث لما حدث ذلك.
فقال داغر بإصرار
_يبقى الافضل إنك ترجع عشان اللي حصل ده ميتكررش تاني، أرجوك ياعمي بلاش تحسسني إني بقيت عقبة في حياتك عايز كل حاجة ترجع لطبيعتها.
تنهد خليل بيأس منه وقال باستسلام
_ماشي ياسيدي بس عندي شرط.
………….
وقفت تنظر إلى تلك الأمواج التي تتلاطم على الشاطئ في شرود وذكريات الماضي لا ترحم ذلك القلب الذي لاقى من الدنيا أشد العذاب
وكلما تقدمت خطوة للأمام اعادتها الدنيا خطوات للوراء كي تكسر شوكتها
لكن روح العناد ظلت تعافر ولم تستسلم مطلقًا
ليس قبل أن تنتقم ممن أذوها ودمروا كل شيء بداخلها
فيشتعل لهيب الانتقام كلما تذكرت ما فعله ذلك الخائن بها
لن ترحم ولن ترأف به كما لم يرأف بها من قبل
عليه أن يركع تحت أقدامها يطلب منها الصفح ويتوسلها كما توسلت هي قبله
وحينها فقط ستهدئ تلك النيران التي أشتعلت منذ عامين ولم تهدئ حتى الآن
فكلما فكرت أن تطوي صفحة الماضي وتبدأ صفحة أخرى بيضاء تسطر بحروف من نور
لكن هيهات فكلما أمسكت قلمها لتكتب ينكسر ومضى عامين لم تستطيع ملئ تلك الصفحات
_ ما..ما.
استدرات أسيل لتنظر إلى ذلك الصوت الذي يخطوا اولى خطواته فاردًا يديه الصغيرتين بسعادة لا توصف يسقط وينهض بإصرار وهي تقف تراقبه بابتسامة خاصتها له وحده
حتى وصل إليها أخيرًا
فتحت ذراعيها له فيقترب منها ذلك الصغير ويلقي بنفسه داخل أحضانها الساجية فينثر بضحكته السعادة داخل قلبها ممحيًا بها مرارة الألم.
هو وحده من يستطيع انتشالها من قسوة الذكريات بضحكاته التي تجعل قلبها يرفرف بسعادة كبيرة.
جاءت امرأة كبيرة في السن تسير بصعوبة وتقول بتعب
_ وبعدين في ابنك ده انا خلاص كبرت ومش قادرة اجري وراه.
ضحكت حور وهي تنظر لطفلها وقالت بسعادة
_ إيه يا ديدو مزعل تيتا ليه؟ وايه اللي مصحيك بدري كدة؟
اخفى الطفل وجهه في ثنايا عنقها فقالت تلك السيدة
_ صاحي بقاله ساعة ومطلع عيني من وقتها شكله هيكون متعب زي خاله.
لم تنتبه أمينة لكلماتها والتي جعلت حور تتذكر ما حاولت جاهدة نسيانه.
ابتسمت كي لا تلاحظ أمينة شيء وقالت
_طيب تعالي ندخل جوه عشان الجو برد هنا.
عادت للداخل مع أمينة وهي تحاول جاهدة عدم التفكير في عائلتها
تطلعت إليها وقالت: معلش يادادا خديه لحد ما اخد شور وانزل اجهز الفطار.
حملت الطفل عنها وقالت بتعاطف: اطلعي يابنتي ارتاحي انتي واقفة على رجلك طول الليل وأمبارح منمتيش كويس.
: لأ انا نمت في المستشفى لأن مكنش فيه حالات كتير.
صعدت غرفتها وخلعت حذاءها في منتصف الغرفة بإهمال ودلفت المرحاض لتقف أسفل المياه الباردة ربما تهدئ نيرانها
لكن نيرانها لا يمكن لشيء أن يخمدها إلا بالانتقام ممن آذوها وبالأخص هو
لن ترأف ولن ترحم حتى لو وصلت إلى قتـ.ـله، كما فعل بها من قبل
مازالت تلك الليلة عالقة في مخيلتها ولم يمحيها الدهر.
خرجت من المرحاض ووقفت أمام المرآة تمشط خصلاتها فجالت إليها بعض الذكريات التي خدعت بها عندما كان يتغنى بلونه البني وخدعت هي بكلماته المعسولة.
تساقطت دموعها وهي تتذكر كيف كان يستجدي نظرة واحدة منها
كيف كان يستجدي قلبها حتى خضع له
كل ذلك كان محض اكاذيب ووقعت هي في شركه
فاقت من مشاعرها الوردية على حقيقته التي دمرتها وقضت عليها
أخذت تغسل في جسدها كأنها بتلك الطريقة تمحي آثاره علها لكن لا فائدة
مازالت تشعر بلمساته القاسية وأنفاسه التي كانت تقذف حممًا تحرقها بلهيبها
تذكرت حينما استطاعت الافلات من بين يديه والهرب منه لكن ما أن وصلت لباب الغرفة حتى استطاع الوصول إليها وجذبها من خصلاتها
كان أقوى منها وهي ببنيتها الضعيفة لم تستطيع مجابهته
ترجته استعطفته لكن ذلك الذئب الغادر صم أذنيه عن رجاءها واستحل ما ليس له
لم يرأف بها ولا بأنها مرتها الأولى فأخذها بعنف شديد ولم يتعاطف مع صرخاتها
حتى فقدت الوعي
سقطت على الأرضية لتبكي بألم يمزق القلوب واحتوت جسدها العاري بيدها كأنها تحميه وكأن أيضًا المشهد يعاد بقسوته مرة أخرى.
تذكرت عندما عادت لوعيها ووجدت نفسها وحيدة داخل الغرفة وهي ملقاه على الفراش الذي أكد بأنها فقدت اعز ما تملك وانتهى الأمر
بيد مرتعشة سحبت ملابسها الممزقة وارتدتها لكنها سترتها كانت ممزقة بشكل كامل فلم تخفي شيء
وجدت قميصه ملقي على الأرض بجوار الفراش فلم تجد حل آخر سوى ارتداءه وبعدها سترتديه يومًا في عزاءه.
كان كبيرً فضفاضًا عليها لكن في تلك اللحظة لم تبالي بشيء
خرجت من الغرفة ولم تبالي بهيئتها ولا لآثار الصفعات الحادة على وجهها.
كل ما يهمها هو الهرب من ذلك المكان.
سمعت طرق على الباب وصوت أمينة تناديها بقلق
_حور انتي كويسة؟
اغمضت عينيها وأخذت نفس عميق تطرد به تلك الذكريات الأليمة ثم تمتمت بصوت مهزوز
_ا..اااه متقلقيش انا خارجة حالًا.
أخذت نفس عميق مرات متتالية كما اخبرها الطبيب عندما تداهمها الذكريات ثم نهضت لتلف جسدها بالمنشفة ثم خرجت من المرحاض
مرت أمام المرآة فتنتبه لأول مرة أنها تغيرت كثيرًا
حتى ملامحها أصبحت ذابلة
وضعت يدها على تلك الندبة التي احتلت جانب عنقها وظلت متمسكة به رغم مرور عامان وأكثر
وضعت يدها تتحسسها وجالت بخاطرها الذكريات عندما عادت إلى المنزل في ذلك الوقت المتأخر
كانت تجر قدميها وتدلف من الباب الخلفي كي لا يراها أحد
لكن كانت مدبرة المنزل ومربيتها قد جافها النوم من القلق عليها وجلست في الحديقة تنتظر عودتها بعد أن فشلت بالاتصال بها.
صكت على صدرها عندما وجدتها تدلف عليها بتلك الحالة
أسرعت إليها عندما سقطت أسيل على ركبتيها وجثت امامها تسألها بفزع
_ ايه اللي عمل فيكي كدة؟
تجمعت العبرات داخل عينيها وتمتمت بصوت مهزوز
_دبحني يادادة.
اتسعت عين أمينة بصدمة وتطلعت إلى آثار عنفه عليها فعلمت بأن ذلك الرجل قام بالغدر بها
أمسكت ذراعها تساعدها على النهوض وقالت بوجل
_طيب تعالي نطلع اوضتك قبل ما حد يشوفك.
كانت مسلوبة الإرادة واستسلمت ليديها التي تساعدها على النهوض وهمت بالتحرك لكن توقفت أقدامهم عن الحركة عندما رأته أمامها
أغمضت عينيها تحاول محو ذلك الماضي من رأسها لكن يبدو انه سيلاحقها طوال عمرها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في اليوم التالي
ترجل داغر الدرج وقد بدا يعتاد المكان بعد غياب استمر عامين
أخذ يتحسس الطريق حتى وصل لغرفة الطعام حيث ينتظره عمه تقدم من الطاولة وهو يقول
_صباح الخير يا عمي.
ترك عمه الهاتف من يده ورد بحب
_صباح النور، ها نمت كويس؟
جلس داغر على المقعد ورد بعدم اكتراث
_عادي مفيش فرق، المهم هتنزل القاهرة النهاردة؟
شرع خليل في تناول افطاره وأجاب باقتضاب
_لأ.
_ليه؟
_لأنك ببساطة مردتش عليا.
جعد وجهه باستياء لأصرار عمه على ذلك الطلب وقال بامتعاض
_ ياعمي انا مش عارف انت ليه مصر على الطلب ده، هما هيكونوا تلات أيام بس في الأسبوع وهترجع تاني، بلاش تحسسني إني عيل صغير مش هعرف افضل لوحدي.
_لا ياابني الموضوع مش كدة بس كل الحكاية….
قاطعه داغر بتصميم
_لازم ترجع شغلك لأن القضاء أكيد مفتقد انسان نزيه زيك، فبلاش قلقك الزيادة ده لأنه بيحسسني بالعجز.
رد خليل بإصرار
_قول اللي تقوله انا مصر ومش هغير رأيي.
تنهد داغر باستسلام
_ماشي ياعمي اللي تشوفه، مع اني شايف إن سلوى قايمة بالدور وزيادة
_يا ابني سلوى كلها اسبوع وتسينا عشان هتسافر لجوزها ولازم يكون حد موجود معها
الحاجة التانية انها تدربها عشان يبقى عندها دراية بكل حاجة.
رن هاتف داغر وكان المتصل والده
تحسس هاتفه وقام بكتم الصوت وتركه فقال خليل
_مش هترد عليه؟
رد داغر باقتضاب وهو يمسك الملعقة ويبدأ بتناول طعامه
_لأ
_ليه بس دا مهما كان ابوك وعايز يطمن عليك.
تظاهر داغر بانشغاله بتماول الطعام ولم يرد على عمه
لم يضغط عليه وتركه كي لا ينفعل وتتضرر حالته أكثر من ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تطلعت حور إلى طفلها الذي يتناول طعامه ويرفض مساعدتها
ذلك العنيد الذي يزداد الشبه بينه وبين أبيه كلما كبر.
عينيه الرمادية بحدتها، وخصلاته القاتمة كقتامة قلبه الغادر.
يشبهه في كل شيء حتى طباعه لكنها لن تقبل بأن تكون هناك نسخة أخرى لذلك القاسي
تذكرت عندما علمت بحملها
كانت صدمتها قاسية وقد كانت هي القشة التي قصمت ظهر البعير
تذكرت عندما ترجت الطبيب أن ينزله لكنه أبى ذلك وأقنعها على أن تتركه ربما يكون هو سندها الوحيد بعد أن تخلى عنها الجميع.
أخذت نفس عميق تحاول به تهدئة تلك النيران التي تشتعل بداخلها للذكرى
مسحت دموعها عندما طرق باب المنزل ونهضت لتفتح فلم يكن سوى حازم الذي جاء ليطمئن عليهم.
_صباح الخير، عديت عليكي عشان أخدك في طريقي بس قالولي انك روحتي.
ابتسمت حور له بود وتنحت عن الباب كي تسمح له بالمرور وهي تقول
_صباح النور معلش يادكتور خلصت بدري قلت أروح عشان إياد.
دلف حازم الذي ما أن رأه إياد حتى أسرع إليه وهو يتمتم
_بـا…بـا.
حمله حازم وقد شعر بالسعادة من سماع تلك الكلمة منه والتي تجعل الأمل يزدهر بقلبه وتمتم مداعبًا
_أحلى صباح لأحلى ديدو في الدنيا.
لم يسر حور ما يحدث بل يزيد الكره بداخلها له لذا قررت قطع تلك اللحظة وقالت بثبوت
_ثواني هنادي على طنط.
تركته ودلفت إحدى الغرف وتركها تتهرب منه كعادته بها، فلا يريد الضغط عليها كي لا تنفر منه ربما يلين قلبها يومًا من الأيام وتشعر به.
أما هي فدلفت غرفة أمينة فتجدها مستلقية على الفراش شعرت بالقلق عليها فجلست على الفراش بجوارها وسألتها
_رقدة ليه ياطنط انتي كويسة؟
ردت أمينة بارهاق
_انا كويسة ياحبيبتي بس قلت انام شوية لأني منمتش طول الليل.
_ليه في حاجة قلقاكي؟
اخفت أمينة عليها تلك الكوابيس التي ترواضها منذ أيام كلما اغمضت عينيها وهي ترى حور تلقى في التهلكة وتستنجد بمن ينقذها فقالت بثبات مزيف
_عادي يابنتي بس انتي عارفة لما بتاخدي شيفت بالليل بقلق عليكي ومش برتاح إلا لما ترجعي.
ابتسمت حور بود لتلك المرأة وقالت بامتنان
_مش عارفة لولا وجودك في حياتي كنت عملت ايه.
ربتت امينة على يدها وقالت بحنان مفرط
_هو انا عملت ايه دا انتي بنتي اللي ربتها ومصدقت انها رجعت ليا تاني.
تذكرت حور امر حازم فقالت
_ينفع كدة نستيني إن حازم برة وعايز يشوفك.
_طيب خليه يدخل.
أومأت حور وخرجت إليه تدعوه للدخول
فأخذتها فرصة وأخذت طفلها ودلفت غرفتها.
غرفة العذاب كما تطلق عليها
فكلما خلت بنفسها حتى تداهمها الذكريات التي لا تزال عالقة بذهنها
تخطط وتستعد للأنتقام منه لكن هناك من يجعلها تتراجع
وهو ذلك الطفل الذي يحكم قبضته عليها كلما حاولت الوصول لمبتغاها.
لكن قريباً سيأتي ذلك اليوم وتنتقم ممن أذوها وهو أولهم
ظلت تلاعب طفلها م
في غرفة أمينة
جلس بجوار والدته يقبل يدها وقال بحب
_عاملة ايه ياست الكل؟
ابتسمت له وقالت بحب
_بخير ياحبيبي الحمد لله انت اخبارك ايه وهايدي والولاد؟
_كلهم كويسين وبيسلموا عليكي، حتى هايدي اصرت أننا نعزمكم على الغدا بكرة وتقضوا اليوم معانا.
ترددت والدته بالقبول وقالت
_كان نفسي ياابني والله بس انت عارف ظروف حور…
قاطعها حازم بإصرار
_متقلقيش أنا مأمن كل حاجة وهاجي أنا وهايدي ناخدكم بالعربية ومحدش هياخد باله من اياد.
_حاضر هحاول أقنعها وإن رفضت مش هقدر أسيبها هي وإياد لوحدهم انت عارف ظروفها.
اومأ لها بتفاهم رغم امتعاضه ثم أخذ يتحدث معها في بعض الأمور ومن ثم انصرف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جبل النار
رانيا الخولي
الفصل الثاني
………………
أخذته قدماه إلى الشرفة عندما استمع لصوت أحد السفن التي تشق الأمواج متجهة إلى وجهتها
عادت إليه الذكريات بحلوها وهو يتولى قيادتها يصارع الأمواج وتصارعه
فمنذ نعومة أظافره وهو يعشق البحر ورائحته التي تنثر الطمأنينة في قلبه وعقله
أقسم منذ صغره أن يجوب العالم ببحاره وأنهاره وحتى المحيط
كانت ملامحه تستاء عندما ترسوا قدماه على اليابسة وكأن روحه تكاد تفارق جسده لذا كان يرفض الأجازات التي تسمح له ويفضل العودة للبحار
لولا عمه الذي يشتاق إليه ما فكر يومًا بالعيش خارج المياه.
حتى جاء ذلك اليوم الذي رأى فيه من ينافس البحار في قلبه.
يتذكر ذلك اليوم جيدًا عندما وجدها تقف مستنده بمرفقيها على السياج تتلاعب الرياح الهادئة بخصلاتها فتثور مشكلة هالة من الجمال حول وجهها.
لا يعرف لما ساقته قدماه إليها ووقف بالقرب منها يتطلع إليها بجانب عينيه
كانت تنظر للأجواء من حولها وطيور النورس التي ترفرف بالأعلى تبحث عن صيدها بأصوات متناغمة بانبهار فجعلت ثباته يتلاشى وتقدم منها أكثر متمتمًا بهدوء
_عجبك المنظر؟
تطلعت إليه بانبهار لزي القبطان الذي يرتديه وردت بخجل
_أمم.
تطلع داغر أمامه وتحدث بشغف
_الحياة في البحر حاجة تانية سواء بهدوءه أو عنفه، بيخلي الأنسان يحس انه ملك العالم كله
وخاصة بقا لو في مغامرة من مغامراته.
لعب على عنصر التشويق داخلها مما جعلها تسأله بلهفة
_مغامرات؟
اومأ بسعادة لأنه استطاع لفت انتباهها اكثر وقال
_بس المغامرات مش بتكون بسفن زي دي، بتبقى كدة بيخت او مركب وتواجهي بقا الثوران ده في يوم يكون فيه عاصفة.
لمعت عينيها وسألته
_على كدة جربتها؟
_كتييير.
_هنا في مصر؟
هز رأسه بنفي وتحدث برتابة
_لأ نادرًا اوي لما تلاقي الأجواء دي في مصر، بس أنا خضتها في المحيط أكتر من مرة.
لاح الاستياء على ملامحها مما جعله يسألها
_انتي عايشة فين؟
تحول الاستياء إلى حزن وتطلعت إلى الأفق البعيد أمامها متمتمة بخفوت لم يسمعه
_في الجحيم.
_نعم؟
انتبهت لما تفوهت به ثم عدلت قائلة
_في القاهرة.
رغم امتعاضه أنه لن يراها مرة أخرى لكنه سألها
_مش ناوية تسافري تاني؟
حاولت الابتسام فخرجت باهتة وتمتمت بخفوت
_لأ.
شعر بالاستياء لعدم خوض تلك التجربة معها إلا إن ذلك الشعور تبدل عندما تذكر بأن عليه الذهاب للقاهرة بسبب انشغال عمه الذي طلب منه الذهاب إلى القاهرة
تطلع إليها ليلاحظ نظراتها الحزينة
فشعر بأن تلك الفتاة خلفها قصة عويصة وذلك جعل روح المغامرة بداخله تتمسك بها فعاد يسألها
_ولا حتى سفرية صغيرة.
هزت راسها بنفي لكنه لم ييأس وقال بثقة
_انا واثق انها هتتكرر ووقتها هخليكي تعيشيها.
تطلعت للمياه التي تتماوج بسبب انشقاق السفينة لها وقالت بشرود
_بس انا بسمع إن البحر غدار.
تأكد حسه لذا رد عليها بحكمة تعلمها من تجاربه
_البحر عمره ما كان غدار لأن دي طبيعته واحنا اللي بنتعدى عليها يعني الغلط بيكون مننا مش منه.
قطع سحر اللحظة صوت أحد العاملين على السفينة وهو يناديه
_كابتن داغر محتاجينك في غرفة القيادة تحت.
أومأ داغر وتطلع إليها باعتذار
_كان نفسي نكمل كلامنا بس اكيد في حاجة مهمة، بس لو عايزة تعرفي أكتر عن البحر استنيني هنا الساعة عشرة بالليل.
اومأت رغم رفضها واستئذن منها ذاهبًا إليهم أما هي فقد اخذت تستمع لطيور النورس التي تشدوا بأجمل الألحان في سكون تام.
في المساء
أخذ ينظر في ساعته كل برهة حتى شعر بأن الوقت ثابت لا يتحرك
تطلع من نافذة السفينة ينظر إلى المياه التي تتلاطم بالسفينة فلم يعد يستطيع الانتظار اكثر من ذلك.
خرج من غرفة القيادة والتي تولاها مساعده وصعد على سطحها يبحث عنها بعيناه
لم يحين موعدهم بعد لكنه فضل ان ينتظرها في ذلك المكان
مر الوقت وجاءت العاشرة لكنها لم تأتي
انتظر وانتظر حتى فقد الأمل في مجيئها.
اندهش من نفسه
لما يريد رؤيتها بذلك الإلحاح
هو لم يراها سوى تلك المرة ولا يعرف حتى اسمها
منذ متى وهو بتلك السطحية حتى يتعلق بفتاة عابرة
هل لأنها جميلة؟
لكنه رآى من هم أجمل بكثير
ربما لانها تشاركه هوايته؟
لكن ايضًا ما أن يصعد لسطح السفينة حتى تهفوا إليه الفتيات واللاتي يحاولن جذب انتباهه بالحديث عن البحر
وكان البعض يلقبه بالسندباد ويسمع حديثهم وهم مبهورين به وبوسامته
إلا تلك الفتاة التي لم يجذب انتباهها إلا بالحديث عن البحر ومغامراته
حتى انها لم تنظر إليه إلا نظرات عابرة عندما تحدثه او تسأله عن شيء
أراد ان يمحوها من تفكيره وقرر الصعود لأعلى السفينة حيث يجلس الجميع وهم بالصعود على الدرج لكنه توقف عندما وجدها تستند على السياج تنظر إلى البحر بشرود.
شعر بأنها تفضل الوحدة لذا احترم رغبتها ولم يتطفل عليها وصعد إلى الأعلى
وبدأت النظرات تهفوا إليه لكن نظراته هو تعلقت بها وهو ينظر إليها من الأعلى
تجمعت الفتيات بالقرب منه يحاولن جذب انتباهه لكنه لم يبالي سوى بمن خطفت بصره وجعلته لا يرى سواها
رفع الكاب ووضعه جانبًا وأخذ يتطلع إليها بتفحص.
جميلة حقًا بملامحها الهادئة وجسدها الممشوق، مجرد النظر إليها يجعل من يراها يشعر بالرضا
ودون ارادته وجد قدمه تسوقه إليها ونزل للأسفل ليصابوا من حاولوا رمي شباكهم عليه بالاحباط
تقدم منها ليقف بجوارها متطلعًا إلى المياه امامه وتمتم بعتاب مرح دون النظر إليها
_أنا قلت هلاقيكي مستنياني بس انا اللي استنيتك كتير.
تطلعت إليه بابتسامة باهتة وتمتمت بتمهل
_أنا قلت اكيد مشغول وبلاش اعطلك.
نظر إليها مبتسمًا
_بس انا في الوقت ده بكون فاضي وعشان كدة قولتلك عليه.
عادت تنظر إلى البحر وتمتمت بروية
_بيت جدي على البحر في إيطاليا، كان بيحب البحر أوي أوي، بس مكنش بيقرب منه لأن أخد منه مراته اللي هي تيتا.
لمعت السعادة بعينيها وهي تردف
_تخيل أنه رفض يتجوز بعدها؟ وعايش حياته كلها على ذكراها؟
تمتم داغر بينه وبين نفسه
_الإيطالي عادي عنده بيقضيها وخلاص.
سألته بحيرة
_بتقول حاجة؟
حمحم بإحراج
_لا انا بس بقول انه شخص وفي جدًا.
_دي حقيقة، تخيل أنه رفض ينزل البحر من وقتها؟ كان بيكتفي أنه يبصله بس.
_بس انا ملاحظ انك بتتكلمي مصري كويس مع انك عايشة في إيطاليا.
عاد الحزن يغزو عينيها وتمتمت بصوت حزين
_انا ماما إيطاليه إطلقت من بابا بعد عشر سنين، معرفتش تتأقلم على الحياة في مصر وعشان كدة طلبت الطلاق بابا اخدني وعشت في مصر لحد ما ماما تعبت من سنتين وطلبت وجودي جنبها وقضيت سنتين الجامعة الباقيين هناك
ازداد الحزن بداخلها وهي تتابع
_بس خلاص ماتت وبابا أمرني إني أرجع مصر، بعيد عن كل حاجة بحبها.
تأثر داغر بحديثها لكنه لم يبين ذلك وقال بمرح اراد به بث السرور بداخلها
_طيب ايه رأيك باللي يعوضك عن الحرمان ده؟
قطبت جبينها متسائلة فأجابها
_السفينة هتفضل في البحر أربع أيام وأنا بقا هعيشك أجواء البحر بكل ما فيها.
عودة للحاضر.
عاد لواقعه الأليم وعينيه الحادة ثابتة لكنها تغلي كبركان ثائر من تلك الغادرة التي تخلت عنه تلك الليلة.
عامان مضوا ولم يعرف عنها شيئًا سوى طعنة قا.تلة أصابت قلبه الخائن والذي نبض فقط لأجلها.
لكن سيأتي اليوم الذي سيقابلها به وسيكون انتقامه أشد قسوة من الموت.
لكن كيف ذلك وقد أصبح عاجزًا لا يقوى حتى على السير دون مساعد
أغمض عينيه بشدة يريد أن يدمر كل ما حوله كي ينفث عن غضبه لكن حتى تلك لا يستطيع فعلها
ضغط بقبضته على ستائر النافذة حتى ابيضت مفاصله
لما حكم عليه القدر ان يعيش ذلك العذاب وكأن الدنيا لم تجد غيره لتقسو عليه بتلك الحدة
خرج من الغرفة ومن المنزل بأكمله وسار بخطوات رتيبة حتى وصل للمر المؤدي ليخته
يتوقى للأبحار به ويسقط المرسى في وسط البحر كما كان يفعل ويغوص ويتعمق بداخله.
ابتسامة محملة بالمرارة غزت فمه عندما سمع تلاطم المياه به
وتساءل
هل باستطاعته يومًا فعلها؟
وإن لم يرد إليه بصره كيف باستطاعته العيش هكذا؟
فقد مر عامان ولم يستطيع تقبل الأمر مطلقًا
فماذا إن طال الحال به أكثر من ذلك
أسئلة كثيرة لكن لا يعرف لها إجابة
❈-❈-❈
جلست تنتظر عودته في سكون تام رغم عقلها الذي يطلب منها الإعتراض على ذلك الظلم التي تراه على يده
لكن ماذا تفعل في قلبها الذي يرفض دائمًا ويواصل عصيانه.
ذلك القلب الأهوج الذي يتعلق به حد الجنون وهو عاشقًا لأخرى
ترى ذلك الكم الهائل من المشاعر التي يغدقها بها وتقف هي تشاهد في صمت متعللة بأن الأخرى لا تبالي بمشاعره.
تنتظر من اجل أن تحافظ على ما تبقى لها منه على أمل ان يشعر بغلطته ويعرف أن لا احد في تلك الدنيا يعشقه مثلها
تتساءل لما لا يشعر بها؟
لما لا يرى حبها له؟
ماذا تفعل اكثر من ذلك كي تكسب وده؟
تعبت حقًا لكنها لن تيأس وستظل تتظاهر بالجهل حتى يأتي ذلك اليوم الذي يأتي إليها فارغ القلب لتملؤه بعشقها وولعها به.
لكن متى؟
مسحت دموعها بظهر يدها عندما انفتح الباب ودلف حازم مغلقًا الباب خلفه.
وضع المفتاح بأهمال على الطاولة وجلس على الأريكة بإرهاق قائلاً
_صباح الخير ياحبيبتي.
استطاعت ببراعة تخفي آلامها وردت بابتسامة
_صباح النور ياحبيبي، ثواني هجهز السفرة ونفطر مع بعض.
تطلع بساعته فوجدها قد تعدت الثانية عشر فسألها بدهشة
_معقول لسة مأكلتيش؟ أحنا بقينا الضهر.
هزت كتفيها بعدم اهتمام
_عادي ياحبيبي انت عارف إني مش بعرف أكل من غيرك
نهضت لتدلف المطبخ وتلفت هو خلفه ليسألها
_أومال فين الولاد؟
اجابت وهي تحمل الأطباق لتضعها على السفرة
_عند ماما قلت بما إننا أجازة النهاردة وبكرة من المستشفي نقضي اليوم لوحدنا وبكرة هجبهم عشان يقضوا اليوم مع طنط وحور.
_طيب هدخل آخد شاور لحد ما تجهزي السفرة.
دلف حازم الغرفة اما هي فقد رتبت السفرة بعناية فائقة ووضعت في منتصفها باقة من الورود التي يحبها وكل الأصناف التي يفضلها
انتهت من تجهيزها وقد انتهى من اخذ حمامه وخرج إليها بمنامة قطنية فتقدم منها ليضع قبلة عابرة على وجنتها ثم جلس على مقعده.
جلست هي بدورها وهي تقول بابتسامة
_عملتلك كل الأصناف اللي بتحبها يارب بقا تعجبك.
ابتسم بمجاملة لها وتمتم بصدق
_بس انتي واثقة كويس إن كل حاجة بتعمليها بتعجبني.
أخذ يدها ليقبلها ثم يعود الجمود لملامحه وقال بثبوت وهو يبدأ تناول طعامه
_انا كلمت ماما تيجي تقضي اليوم معانا بس قالت احتمال متقدرش عشان حور عندها شيفت بالليل ومش هتقدر تيجي معها.
شرعت هايدي في تناول طعامها وقالت متظاهرة بالثبات
_أنا مش عارفة ليه حور بترفض الخروج من البيت مع إنها شغالة ممرضة في المستشفى.
تهرب من سؤالها وقال بعدم اكتراث
_دي طبيعتها ومش عايزة تغيرها.
علمت أنه مثل كل مرة يغلق الحديث عنها قبل ان تفتحه، احترمت رغبته ورفضت التحدث عنها وظلوا على صمتهم حتى انتهوا..
نهض ليغسل يده وهي اخذت الاطباق للمطبخ وأعادت كل شيء لوضعه ثم قامت بتحضير قهوته وتقديمها له ثم دلفت غرفتها وبدلت ملابسها بملابس رقيقة كرقتها ثم أسدلت شعرها بحرية متعطرة بذلك العطر الذي يفضله دائمًا
وضعت أحمر شفاه جعلها تبدو بفتنة تسلب الأنفاس وكان ثوبها طويل بفتحة جانبية تصل لأعلى ركبتها عاري الأكتاف
دلف حازم الغرفة فتسقط عيناه على تلك الفاتنة وتقابلت أعيونهم في المرآة محركة مشاعره بهيئتها.
ابتسم برضا لها فهي تعرف جيدًا كيف تسعده وكيف تلبي احتياجاته كرجل لكن ذلك القلب الأحمق لم يستطيع النبض لها
بخطوات بطيئة تقدمت منه وكأنها تتلاعب على أوتاره حتى وقفت على قدمية العارية وقربت وجهها من وجهه متمتمة بخفوت بين شفتيه
_وحشتني، بقالنا فترة بعاد عن بعض وقلت….
لم يتركها تكمل جملتها وقاطعها بأن وضع أصبعه على فمها وأخذت عينيه تجوب ملامحها ثم نزلت لعنقها الذي يغريه لطبع بصمته عليه
ولم يتواني لحظة واحدة مستجيبًا لتلك الدعوة فيميل على عنقها يقبله بنعومة قبل أن يتذوق شهده بقبلة متلهفة تاركًا بصمته عليها أما هي فاستسلمت ليديه التي حاوطتها لتقربها منه بقوة
ترحب بتلك اللحظات التي تعيشها بين يديه ويتغزل بها بكل الكلمات التي يعرفها لكن يقتـ.ـلها بل يذبـ.ـحها عندما ينطق بأسم أخرى وهي التي باحضانه
كانت قبلاته متلهفة تطالب دائمًا بالمزيد ومن بين قبلاته ينطق اسمها.
تتقبلها وتتصنع عدم سماعها حتى تنتهي جولتهم ويستلقي بجوارها يضع رأسه على كتفها كطفل صغير يتشبث بمن يعيطه الحنان لكن عقله وقلبه مع أخرى.
لا تنكر أنه يغدقها بكرم حنانه ومشاعره بل وكل شيء لكن قلبه ليس لها
لو فقط يعشقها مثل ما تعشقه لكانت أسعد امرأة بالوجود لكن ليس كل ما يطلبه المرء يدركه
اخذت تتلاعب بخصلاته وهي تنظر إليه بعتاب حتى غلبها النعاس ونامت بجواره.
في المساء
كانت حور تعمل في قسم العناية المركزة عندما أخبرتها الممرضة بأن مدير المشفى يريدها في الطابق الثالث
ذهبت إليه وهي مندهشة من طلبه لها في ذلك الوقت واثناء مرورها في ممر المشفى وجدت والدها واقفًا أمام إحدى الغرف.
صعقت لرؤيته وعادت بظهرها للخلف وقد أخذت ضربات قلبها تهدر بعنف.
ما الذي جاء به إلى هنا؟
هل علم بوجودها؟
لكن كيف؟
القت نظره اخرى فوجدته مازال واقفًا ويبدو عليه القلق.
ماذا حدث؟
ولما جاء إلى الإسكندرية؟
هل يعلم الدكتور عاصم بوجوده؟
ولما لم يطلب منها توخي الحذر؟
كل تلك الأسئلة تدور بخلدها
عليها الهرب بأي طريقة
فإذا رآها وعلم أنها مازالت على قيد الحياة فلن يرأف بها ولا بسليم
ظلت تدعوا ربها أن ينقذها من ذلك الموقف
أخذ الدوار يقتحم رأسها لكنها قاومت ليس الآن فهي على وشك الوقوع في براثين والدها
حاولت تنظيم أنفاسها المتسارعة كي يخفف من حدة الدوار لكنه يشتد أكثر
ألقت نظرة أخيرة عليه لكنها شهقت برعب عندما تقابلت نظراتهم
عادت مسرعة للوراء ودقات قلبها تهدر بقوة حتى جعلت جسدها يرتجف بشدة
لقد رآها، علم بوجودها، انتهى أمرها.
شعرت بأقدام تتقدم منها وعند تلك النقطة استسلمت لمصيرها
❈-❈-❈
_داغر
انتبه داغر لذلك الصوت والذي تعجب من سماعه
استدار مستعدًا لتلك المشاغبة والتي ستنتهي سكينته بوجودها
شعر بيديها تلفت حول عنقه تتعلق به بسعادة وهي تتمتم
_I miss you
ابتسم داغر وهو يتحسس وجهها بحب
_وانتي كمان، ليه مقولتيش كنت بعت حد يستناكي في المطار؟
ردت الفتاة بلهجة ركيكة
_قلت اعملها مفاجأة، داد حاول يتصل بك كتير بس انت مش بترد
احتضنت ذراعه وتابعت بحب
_افتقدتك كتيير داغر، مقدرتش اقعد من غيرك.
ضحك داغر وسألها
_هصدق مع انك رفضت تيجي تسلمي عليا قبل ما أمشي
قالت بدلال
_مش بحب الوداع وانت عارف كدة كويس وبعدين لو كنت قابلتك كنت هقع بلساني واقولك إني جاية وراك
جذبت يده وقالت
_تعالي ندخل جوه لأن عمو وحشني اوي
دلفت معه للداخل وقد استطاعت أن تخرجه من حالة اليأس التي تمكنت منه تلك الفترة.
دلفت للداخل فتجد خليل ينزل الدرج
اسرعت إليه تحتضنه بدوره وقالت بمرح
_ايه رأيك في المفاجأة دي؟
احتضنها خليل بحب وقال بابتسامة
_مفاجأة جميلة طبعاً يا حبيبتي بس جيتي ازاي.
نزلت معه باقي الدرجات وهي تجيبه بحماس
_أنا طلبت من بابا إني ارجع معاكم وهو وافق صحيح ماما رفضت بس فضلت وراها لحد ما وافقت بس اوراقي طولت شوية وقلت اسافر وراكم
أحاطها داغر بذراعه ليقبل رأسها
_ناوية تطولي ولا هترجعي على طول؟
_هرجع معاكم وقت العملية، بس في الإجازة هقضيها معاكم.
قال خليل
_طيب يلا غيري هدومك وتعالي نقعد مع بعض.
❈-❈-❈
وقفت حور ترتعد بخوف تنتظر نهايتها حتى تفاجئت بصوت يسألها
_حور ايه اللي موقفك كدة؟
انتفضت حور اثر ذلك الصوت فاطمئنت عندما وجدته الدكتور ثابت ازدردت جفاف حلقها وردت بتيهة
_لا أبدًا انا بس كنت دايخة شوية وقلت ارتاح شوية.
تطلعت إلى مكان والدها فوجدته
يدلف الغرفة التي كان واقفًا أمامها وحينها أخذتها فرصة وأسرعت بالهرب متجهة إلى المصعد كي تخرج من المشفى قبل ان يعثر عليها.
فتحت المصعد وضغطت على الزر مرات عديدة حتى أغلق ونزل بها للطابق السفلي فتضع يدها على قلبها تنظم انفاسها المتلاحقة
حتى توقف المصعد وفتح الباب فتشهق بصدمة أكبر عندما وجدته أمامها…
يتبع…..
تكملة الرواية من هنااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق