سكريبت ضد الرغبه كامل بقلم زينب خالد
سكريبت ضد الرغبه كامل بقلم زينب خالد
الفصل الأول..
أُطلقت الوحوش في الغابة فلا سبيل للنجاة..
إما المحاربة بضراوة أو الموت بإستسلام..
فكن حذر من أن تقع في الفخ..
تقف على مسافة بعيدة حتى لا يحتك بها مرتدية بدلة نسائية رسمية ولكنه كان ك الذئب الذي ينتظر أقل الفرص لإنتهازها، مد يده ببسمة ملتوية ماكرة ليعطيها الملف بعدما وقع عليه فمدت أطراف أناملها لتلتقطه حتى لا تعطيه الفرصة لأفعاله تلك وقبل أن تسحب الملف بحركة سريعة سحبها إليه حتى كادت تتعثر بالحذاء ذو الكعب العالي نسبيًا ثم انتهز الفرصة ومسك يديها بكل جرأة وعينيه تنظر لها بتحدي أن تسحبها .. وبكل قوة سحبت يديها من يده حتى جرحت بالملف ولكن أمارات الغضب ارتسمت على وجهها بجنون واشتعلت عينيها ببريق حارق فتحدثت بنبرة حادة تحمل بين طياتها تهديد صريح:
_ ايدك لو اتمدت تاني هتتقطع .. متفتكرش أني هخاف وهسكت زي كل مرة واعمل نفسي مش واخدة بالي ولكن لو ايدك اتجرأت واتمدت تاني ساعتها كل أفعالك القذرة دي هتوصل لرئيس مجلس الإدارة وشوف بقى هيجرالك أي
ضحك وائل بقوة وإستمتاع وكأنها تمازحه وتلقي عليه دعابه ف انهى ضحكته و أردف ببسمة متسعة خبيثة مجيبًا:
_ دة على أساس أني دلوقتي خوفت منك وهعيط على جمب ولا أي .. اللي عايزه منك هاخده دلوقتي أو بعدين أنا سايبك بس تدلعي براحتك لكن لو حطيتك في دماغي مش هتطلعي غير وأنتي مدمرة.
جابهته منة بعنفوان وقوة وكأن حديثه لم يأثر بها ف ازدادت عينيها بغض وإشمئزاز كبير وأردفت بحدة:
_ حاول بس تقرب مني وأنا هوريك هعمل أي
سحبت منه الملف وخرجت بخطوات غاضبة سريعة من الغرفة قبل أن تخور قواها و تنهار .. بعدما خرجت رفع وائل هاتفه ينتظر الإجابه فتحدث بجدية قاسية وملامح وجهه تحولت لشر خبيث:
_ منة السكرتيرة عايزها بكرة في البيت بأي طريقة
انهى حديثه بعدما استمع لطاعة الطرف الآخر ثم قال ببسمة خبيثه ملتوية:
_ هنشوف يا منة كلام مين فينا اللي هيمشي.
بينما في الخارج تنظر لجرح يديها الذي ينزف دمائه بقوة فحاولت كتم الجرح بقطعة قماش حتى لا يزداد ثم بحثت على الإسعافات الأولية لتعالج جرحها الذي لا يضاهي جرح داخلها، تكاد تبكي من القهر والذل الذي تعيشه على يديه وعلى محاولته لكل مرة لإنتهاز الفرصة لملامستها ولكنها لن تصمت مجددًا وستجد طريقة ما تحاول به الإبتعاد عنه أو بطرده من هذه الشركة.
******
باليوم التالي..
قررت أخذ عطلة لترتاح قليلًا مما عايشته بالأمس، تتذكر المواقف المفتعلة التي يقوم بها ليستغل ملامستها بطريقة تثير بجسدها هلع وإرتعاش يزداد مع كل مرة .. ف اهداها عقلها لتتنزه لعلى هذا يهدئ من روعها، فذهبت لأحد المولات حيث ظلت تسير بلا هوادة تنظر على المحلات عشوائيًا ثم اختارت أحد المطاعم لتأكل وجبة كانت شهيتها تطالبها بها مؤخرًا وها هي الآن تقف أمام المول تنتظر إحدى الحافلات لتقلها لمنزلها .. وقفت أمامها سيارة رباعية الدفع وترجل منها رجلين ذو بنية قوية وطول فارع بملامح وجه جامدة تعلم هدفها جيدًا، اقتربا منها وكل منهما حاوطها لياخذوها للسيارة تفاجئت من محاوطتها ولكنها صرخت تقاوم وتستغيث بنبرة عالية ومحاولتهما لجعلها تدلف للسيارة وبكل قوة أتتها تحاول التغلب عليهما قائلة بصراخ:
سبوووووني ... أنتم مييين
كان لديها إصرار وعزيمة للتغلب عليهما بالرغم من عدم تكافئ القوى من الجهتين فكلما حاولا ادخلاها للسيارة تضرب إحداهما فيفلتها والجميع من حولهم يشاهدون بترقب وبخوف لم يقترب أحد حتى لا يتأذوا مثلها فقرر الجميع المشاهدة فقط .. حاولت منة ضرب إحداهما برأسها بقوة ف الفت يديها والاخر شوهت وجهه بأظافرها فتركها غصبًا وحين حاولت الهروب وبعد أن تحركت خطوتين اقترب منها أحدهما يهتف بشراسة وملامح وجهه متوعدة هاتفهًا بعنف:
يا بنت *** .. أنتي هتتعبينا ليه
فحاول حملها بالقوة على كتفه وهي تضربه بكل قوة تمتلكها وداخلها يرتعب من محاولة نجاحهما بنفس الوقت خرج رجل من المول فنظر و وجد تجمهر الناس بكثرة حول شيء ما ف اقترب ليرى سبب هذا التجمع ورأى الرجل وهو يحملها عنوة وهي تحاول الإفلات منه صارخة والجميع يشاهد دون تدخل، جرت الدماء بحرقة داخل أوردته، فابعد الناس بقوة واقترب منهما ومن الخلف ضرب بقدمه على ركبة الرجل الذي يحملها بقوة فانحنى بألم ونزل على ركبته يحاول كتم تأوه الذي خرج من الوجع ف استغلت منة هذا وابتعدت عنه سريعًا .. أخذها الرجل خلفه يحميها وتولى أمر الرجلين فبدأ يكيل لهما ضربات مدروسة تسبب الألم حتى لم يتحملا ما يحدث بعدما أبرحمها أرضًا وعينيه تزداد إشتعالًا .. ركبا سريعًا السيارة بعدما فشلا لأخذها وسارت السيارة بقوة، التف الرجل ينظر للجميع بإشمئزاز و شراسة بعروق نافرة من الغضب فتحدث بصلابة يذم الجميع:
_ الرجالة ماتوا في الحرب فعلًا .. مبقاش حد عنده نخوة يساعدها من اللي بيحصلها المهم نفضل عايشين في دور المشاهدين للفيلم وخلاص .. كل واحد يغور لمكانه
انهى جملته بصراخ مخيف ركض الجميع على آثره بينما هي متصنمة لا تتحرك، فنظر لها بأعين قلقة متفحصة متحدثًا بحنو:
_ أنتي كويسة يا أنسة
رفعت عينيها له ورمقته بتيه وتشتت لثوان ثم أخفضت رأسها مرة أخرى تؤمأ برأسها إيجابًا بينما هو يحاول أن يهدأ من غضبه قليلًا ليحاول التحدث معها ليستدل منها على أي شيء وقبل أن يسألها وجدها تركض وتصعد لحافلة وقفت أمام المول ثم غادرت بينما نظر لها نظرة أخيرة قبل أن تغيب عن عينيه .. لا يعلم لما هربت منه ولكنه من المؤكد بأنها أصيبت بصدمة جعلتها غير قادرة على الحديث .. رمق الحافلة وهي تسير بسرعة وداخله يشعر بالشفقة عليها والحزن على ما تعرضت له ويحمد الله على خروجه بالوقت المناسب قبل أن يصيبها أي مكروه وبعدها غادر لوجهته شاعرًا بالتأثر والغضب من هول الموقف بأكمله.
*******
شقة منة ..
وضعت جسدها على الفراش بغرفتها لا تعرف كيف أتت؟ .. تيبس جسدها بالكامل حتى ظنت بأن القوة انسحبت من جسدها تدريجيًا وأصابت بشلل بجميع أطرافها .. اليوم كان من أسوء ما عاشته على مر عمرها السادس والعشرون، فكانت تعتقد بأن حياتها ما هي إلا صعاب لا تفعل سوى محاولة تجاوزها ولكن الرعب الذي شعرت به اليوم كان مختلف بل وتعلم بأنها ستظل محتفظة بما حدث مهما مر عليها .. الموقف برمته يثير بداخلها رعشة لم تقدر على توقفها وتشعر بالتعجب بكم من القوة التي منحها الله إليها لتواجه هذان الرجلان اللذان حاولا خطفها وإدخلاها عنوة للسيارة، متعجبة من كم الإصرار والعزيمة التي جعلتها قوية لتحاول ضربهما والصراخ بالرحمة لتركها ولكن الأقسى بالأمر بأنه لا يوجد أحد تقدم وساعدها وهي تعافر كأنهم يشاهدون برنامج يعرض حيًا أمامهم .. فبدأت محاولاتها المستميتة لإنقاذ ذاتها إلا من هذا الرجل الذي ظهر فجأة وكأن الله يمد يد العون لها بأنه لن يتركها، لم تستطع حتى شكره أو فعل أي شيء ولكنها حقًا معذورة ما عاشته ليس بالهين على الإطلاق فلم تشعر بنفسها إلا وهي تصعد الحافلة هربًا من كل شيء .. هاجمتها نوبة بكاء محرقة أحرقت داخلها بقوة، فبدأت عينيها تذرف الدموع بحرقة والارتعاش يزداد بقوة حتى خرج صوتها على هيئة شهقات متتالية عالية فلم تحاول السكون بل أخرجت كل ما بداخلها من هلع حتى أتعبتها عينيها وشعرت بوجع ينغز بهما ف خارت قواها تمامًا وأغمى عليها على فراشها ولا يوجد من يساعدها هذه المرة.
******
شقة إسماعيل ..
دلف مصطفى بملامح متهجمة مكفهره مازالت تحمل الغضب مما حدث .. نادى على والدته التي أتت من المطبخ ف حاول رسم إبتسامة ولكنها لم تصل لعينيه، قبل يد والدته بحنان وهي تنظر له بحنو وبسمة كبيرة ثم سندت عليه وجلسا الإثنان على الأريكة فنظرت له قليلا تشعر بوجود خطب ما، سألت فاطمة بغرابة:
_ مالك يا حبيبي
هز مصطفى رأسه بإرهاق وابتسم مجيبًا بتعب:
_ مفيش ياست الكل تعبان بس
ناظرته بعمق في عينيه فتنهد وعلم بأنه لن يسلم منها، تشعر به بمجرد نظرة خاصة مع ملامح وجهه مشدودة متهجمة .. أجابته مفسرة لحالته:
_عينيك بتقول حاجة مختلفة، واضح أن حاصل حاجة كبيرة معاك مخلية أعصابك مشدودة وعروقك هتنفجر بالشكل دة
حقًا ضحك على تحليلاتها التي لا تنتهي أبدًا فأردف ببسمة ماكرة شقية:
_ ساعات بشك أني مش ابنك وإنك مراتي بالتحقيقات بتاعت كل مرة دي
ضربته فاطمة على كتفه بغيظ من تصرفاته الصبيانية وأجابته بتهكم ساخرة:
_ لا يا خفيف لو كنت مراتك كنت مشيتك على عجين ميلغبطهوش دة أنا كدة ومخففة
ابتسم مصطفى مجيبًا بتوضيح:
_ طيب يا حنينة .. مفيش شوفت منظر انهاردة اثبتلي حقيقي أن الدنيا مبقاش فيها أمان نهائي وكل ما تروح كل ما بتسوء، تخيلي بنت انهاردة كانت بتتخطف عيني عينك وياعيني بكل قوة بتحاول تتصداهم وتضربهم عشان يسبوها والناس واقفة بتتفرج ومفيش راجل واحد بس يروح وينقذها .. الدم فار في نفوخي من اللي شوفته ومحستش بنفسي غير وأنا بعدمهم العافية، والبنت من كتر ما هي مصدومة معملتش أي ردة فعل وركبت أول اتوبيس واختفت من غير حتى ما اساعدها واوصلها أو اطمن عليها.
بان ملامح التأثر على وجهها بل شعرت بالحزن الشديد على ما عانته هذه الفتاة، فما ممكن أن يحدث معاها لولا تدخل ولدها .. حقًا لا تتخيل وشعرت وكأنها تود ولو تحضتنها بحنان وتعطيعها الأمان الذي يبدو أن العالم يستكترها عليها، ابتسم بسمة بسيطة على حنان والدته فقبل رأسها بحنو وهتف بهدوء:
_ متزعليش كدة .. دة ولا كأنها بنتك بعدين ابنك عمل الواجب والزيادة
أزالت دمعة كادت أن تفر من عينيها وتحدثت بتأثر ونبرة يملؤها الشجن:
_ الله أعلم يابني أي اللي حصل وصل الموضوع لكدة تلاقي حد قاصدها .. ربنا يحميك على اللي عملته ويرزقك يا ابني، هقوم احضر الغداء
ربتت على ذراعه ببسمة بسيطة ثم نهضت لتحضر الطعام بينما هو تنهد بسخط وضيق من الموقف برمته ويتمنى ولو اجتمع معها مجددًا ليطمئن عليها ولكن يبدو وكأن ليس هناك من يجمعه بها فدعى بداخله أن تكون سالمة.
******
باليوم التالي..
يجلس وملامح وجهه متهجمة منذ الأمس حيث ظل ينتظر مكافئته الذي حلم بها لوقت طويل ولكنه لم يفوز بها، تذكر كيف إنه ذم الرجلين وسخط بهما وبعدم الإستطاع بالإمساك بفتاة واحدة .. تخرج من أنفه حمم بركانية وجسده متصلب يحاول نيلها ولكن الأمر لا يساعد على الإطلاق حتى إنها إلى الآن لم تأتي وعلى ذكر اسمها ها هي تفتح بعنف وتطل عليه بهيئة غاضبة تحمل نيران حارقة تتمنى ولو تحرقه وتنهي حياته للأبد.
ضربت على المكتب بقوة وبملامح متشنجة هتفت بقسوة شديدة:
_ اللي أنت عملته مش هعديه بالساهل ومتفتكرش أني بنت من إياهم هلين وهضعف .. لا دة أنا هديك فوق دماغك وهفضحك في الشركة كلها دلوقتي
على رغم بأسه وتهجمه ولكن رؤيتها أنعش روحه من جديد لتحدٍ يتشوق للغاية للفوز به ورغم ذلك ارتسم البرود على ملامحه وابتسم بسمة ملتوية خبيثة:
_ وماله اتفضلي افضحيني بس بالمقابل هقول إنك قاصدة تعملي كدة عشان رفضت استسلم لرغباتك وإغرائك وشوفي بقى كلمة مني على كلمة منك مين هيصدقك وفي الآخر هتعملي شوشرة لنفسك على الفاضي
الحقير يهددها ولكن ستكسر عنقه ولن تكون منة عبدالهادي إلا وفعتلها، اقتربت بعلو جسدها منه وعينيها تقذفه بشرارات حارقة وقالت ببغد وحقد:
_ هلاقي طريقة ومتفتكرش موضوع خطفي امبارح أنا مش عارفاه وهروح دلوقتي اعمل فيك محضر والله لففك واخليك تعفن في السجن
شبك أنامله ببعضها واقترب منها حتى اصبحا بمواجهة بعضهما ف نمت بسمة ساخرة على شفتيه وأردف بتفكير مصطنع:
_ طب ماشي هنفترض روحتي وأنتي شجاعة كدة وكلك حماس .. يا ترى لما يسألوكي مشتبه بمين يعمل كدة طبعا هتقولي الفلان وائل اللي هو مديرك، طب أي دليلك بقى على الكلام دة .. أقولك أنا، أكيد أنا مش عيل عشان أسيب حاجة تديني وبردوا لو هنفترض أن فيه كاميرات بتصور لكن هرجع واقولك أنا مش عيل أكيد كل خطوة حاسبها وفاهم أنا بعمل أي وهاخدك يا غصب عنك يا برضاكي
انهى حديثه بحقد مشتعل والرغبة تزداد بداخله أكثر فلو علمت ما سيفعله بها ستهرب من هنا لآخر العالم ولكنها لن يتركها أيضًا ولو هذا آخر شيء سيفعله في حياته وهو أن ياخذها ويضمها لقائمته التي لم تكن هناك من تعصيه .. ناظرته بإنتقام أهوج ثم أخذت كوب معدن موضوع به عدة أقلام فأخذته وضربت رأسه بكل قوة تمتلكها فتأوه بقوة ورأسه تنذف والدماء تسيل سريعًا على جبته نزولا لوجنتيه، فسبته بإحتداد وغلظة تكتنف صوتها:
_ ايدك الوسخة دي مش هتلمسني ووريني هتعمل أي وكل حاجة هتوصل لرئيس مجلس الإدارة لما يرجع وأنا ميشرفنيش اشتغل عند واحد قذر زيك واستقلتي هتلاقيها على مكتبي برة
غادرت تتركه وجسدها يرتفع حرارته من الكيد والغيظ من قذراته التي لم تنتهي أبدًا، ف استرسل حديثه بشر وعينيه تلمع بشدة:
_ متنسيش الشرط الجزائي اللي موجود واللي في ثواني أقدر ابيعك حياتك كلها وبردوا مش هتعرفي تسدديه
التفت بجسدها ترمقه بصدمة أيهددها بطرق ملتوية ولكن من الأصل لا يوجد شرط جزائي يفرضه عليها، فأكمل حديثه بضلال وغل ويديه تحاول توقف الدم السائل:
_ اعتبري أن فيه شرط جزائي و هقلب عليكي وهخلي حياتك جحيم وكل اللي بتعمليه دة بيزود رغبتي أكتر، هخنق عليكي أكتر وأكتر لحد ما تجيلي راكعة تحت رجلي تطلبي الرحمة وساعتها بردوا مش هرحمك وهلففك الاقسام ومش هتلاقي حد يقف معاكي وهتجيلي بردوا
لم تهتف إلا بكلمة واحدة خرجت من داخلها نابع من القهر والاستنزاف الذي يتبعه معها لكي تلين فهتفت بكمد وصوت منبوح :
حيوواااااااان
ما مر لم يمكن إلا تمهيد ولو اعتقد بأن أساليبه ستنتهي ف لا فاللعبة لم تبدأ بعد وسيريها كم هو محترف ليأخذ ما يناله وأجلًا أم عاجلًا ستكون تحت قدميه بين قبضته وحينها ستكون المتعة الحقيقية.
يا ترى وائل هيعمل أي فيها؟
الفصل الثاني..
هل يمكن النجاة من ذئب أحكم الحصار حولك؟..
ظاهريًا لا ولكن بالخدعة يُمكن أن تقلب جميع الموازين..
بعد عدة أيام..
في دار الأيتام..
تجلس على الأرجوحة شارده بشكل عشوائي، زفرت نفس ولكن تشعر بثقله وشيء ما يجثو على صدرها بقوة فيجعل التنفس لا يسير بشكله الطبيعي .. استيقظت في الصباح وجدت وائل أرسل إليها رسالة تفيد بأن تأتي للعمل غدًا وإلا لن تتوقع ما يمكن أن يفعله فجعلتها بحالة لا يرثى لها و شعرت بالضيق وكأن الجدران ستنغلق عليها .. لم تشعر بنفسها إلا وهي هنا تتذكر طفولتها، مراهقتها وشبابها، هنا ترعرعت وكبرت بين الأطفال حيث الجميع سواسية، وتمنت دومًا بأن تأخذها أي عائلة تأتي هنا تتكفل بطفل مثلما كانت تشاهدهم ولكن بقت أمنيتها عالقة مثل كثير من الأمنيات لم تتحقق، تذكرت عندما بدأت تكبر وتعي ما يحدث حولها و فكرت لما لا تمتلك عائلة، ولما تركاها هنا هل يمكن بأنهما لم يحبوها قط؟ .. هل يمكن بأنها أتت من علاقة غير شرعية ؟ أم أنها كانت غلطة في حياة والدتها فقررت تركها والذهاب بعيدًا، كل يوم تتسائل ولكن لم تجد الإجابة حتى أنها أرادت البحث عنهما من شهادة الميلاد الخاصة بها ولكن لم تجد طريق للوصول أبدًا .. لما يحدث معها هذا ! تعبت وفاضت قدرتها على التحمل ولا تجد من يساعدها، هل تظل الحياة دائمًا تحرمها من أبسط الأشياء أم إنها مُقدر لها التعاسة؟ ركض الأطفال إليها بسعادة ف انتشلوها من شرودها وبدأت تنغمس معهم ورغم فكرها الذي يشرد من الوقت للآخر ولكنها حاولت الهروب مثلما تفعل دائمًا.
*******
في منطقة شعبية..
تعالى هتاف رجلين وكل منهما يريد إذاء الآخر، هتف صوت الأول بملامح مشدودة ونبرة غاضبة:
_ يعني أي .. أنا عايز حقي
اجابه الآخر بنبرة ساخرة مستهزقة:
_ منين حقك دة .. أنت عايز تضحك عليا بكلمتين وخلاص
حاول الرجل مهاجمته بعنف ولكن كان يوجد حاجز بين الإثنين بسبب الرجال الذين يحاولون الفصل بينهما .. غلت الدماء مما فعله به وأقسم بأن ياخد حقه ولن يعيقه شيء ف أكمل حديثه بنبرة شرسة عالية:
_ أنت راجل ناقص وغشاش وربي لاكون واكلك علقة في وسط الناس دي كلها
عينيه تعالت بهما النيران ووجه تحول للون الأحمر نتيجة للإهانة التي استمع إليها لتو، فحاول إزاحة الناس ولكن لم يعرف ف استرسل حديثه بقسوة شديدة الخطورة:
_ لو راجل وريني كدة هتعمل أي
إهانة الرجل يعني القضاء عليه نهائيًا وإن لم يأخذ حقه الآن فستنحني رأسه أمام منطقتهم للأبد .. ف ارتسم الجنون بعيني الرجل و والعروق تنافرت وظهرت بوضوع ونتيجة للغضب الشديد أستطاع إزاحة الناس وبدأت المعركة الطاحنة بين الإثنين وكل منهما يعلم بأنه على صواب، تعالت أصوات النساء من حولهم والجميع يحاول الفصل وبنفس الوقت كان مصطفى يسير عائد لبيته بعد يوم طويل بالعمل، رأى المعركة الطاحنة التي تزداد إشتعال أكثر فركض ناحيتهما وحاول الفصل بينهما نتيجة لقوته الجسمانية وبعد دقائق استطاع الفصل ولكل منهما يحمل كدمات حمراء على وجهه والملابس تمزقت فكانت الحالة مزرية للغاية .. صرخ مصطفى بهما يقول بشدة:
_ أي الأسلوب دة .. أمل سبتوا أي للعيال الصيع في الشارع
هتف الرجل بأنفاس لاهثة منقطعة وبغضب تحدث:
_ يريدك اللي بيعمله والافترى اللي هو فيه
أجابه مصطفى بغلظة شديدة:
_ أي اللي حصل لكل دة و اللي له حق منكم هياخده
أردف الرجل حديثه بحدة:
_ روحت اشتري منه تلاجة ومكنش معايا كل الفلوس روحت دفعت جزء والباقي قسطته .. حصل معايا ظرف والفلوس قصرت معايا لشهرين وأنا قولتله أروح الشهر التالت اتفاجئ إنه عايزني أدفع فلوس زيادة عشان اتأخرت وإحنا متفقناش على كدة .. روحت اتخانقت معاه لأن مش هدفع مليم زيادة وهو مش من حقه
نظر مصطفى للرجل الآخر بقسوة غليظة وأردف بنبرة قوية:
_ أنا عديتلك اللي عملته مرة واتنين وتلاتة وأنت عشان فاكر أني بعدي يبقى خلاص ولو فاكر أن مفيش كبير هنا هفكرك
أجابه الآخر بتبجح وكأنه لا يفعل شيء وهذا حقه المشروع:
_ دة حقي واللي مش عاجبه ميشتريش
استرسل مصطفى بنبرة حادة تهكمية:
_ كلامك عاجبني بعدين حقك أي يا أبو حق .. دة أنت مفيش واحد إلا وناصب عليه ولكن أنا كنت ساكت وبقول خلاص أكيد هيلم نفسه لكن حظك أن أفعالك طفحت على الآخر .. ودلوقتي تروح تقفل المحل ومشوفش وشك في المنطقة هنا تاني أبدًا
تفاقم غضب الآخر نتيجة للأهانة التي تعرض لها أمام الجميع .. ف اشتعلت عيناه وقبض على يديه بقوة فنطق بسخط يذمه:
_ لو راجل اعملها ومحل ومش هقفله
شهق الجميع من حولهم لإهانة مصطفى .. هذا الرجل الشهم الذي يلجون إليه في جميع مشاكلهم، يحترموا الجميع، الصغير قبل الكبير وذلك لحبه الواضح لهم، ويقدرونه أيضًا نظرًا لحكمته التي يلجئ إليها كل من يريده وطيبة قلبه التي يبدو الآن من هيئته أنها لم تعد موجودة .. ف التوى شفتيه ببسمه لا تدل على الخير بتاتًا ثم حرك رقبته سريعًا ووجه جامد صلب، قبض على يده وبلحظة لكمه لكمة قوية أدت لنزيف أنفه ولم يكتفي بذلك بل ظل يضربه بأماكن متفرقة تؤلم كان على أثرها يصرخ الرجل بقوة وبعدما انتهى سحبه من ياقة قميصه وظل يسحبه حتى وصل لمحله ثم آخذ عصى خشبية كبيرة وضرب بأجزاء مختلفة حتى تدمر نهائيًا ولم يعد يصلح لشيء .. بأعين متورمة كان يراقب ما يحدث ويكاد يبكي على ما حدث به ثم وجده يقترب منه وانحنى على ركبتيه ينظر له إشمئزاز وسخط قال:
_ بكدة زي الشاطر مشوفش وشك تاني والحاجات اللي متكسرتش هتتوزع مجاني لأهل المنطقة عشان تعرف أن الرجولة مش بوقين بنقولهم وخلاص الرجولة أفعال.
تعالى هتاف الجميع فرحة لما فعله خاصة بأنهم مرغمين بالتعامل معه نظرًا لعدم وجود أحد آخر .. ابتسم لهم بسمة بسيطة بينما خرج الرجل مهزومًا دون إمتلاك شيء، وانطلق كل شخص يبحث عن جهاز ينتشله سريعًا، أما هو سار لبيته ليأخذ راحة لجسده بعد إرهاق ما عاشه اليوم.
********
بشقة وائل ..
يجلس على الأريكة بملامح واجمة مشدودة وبيديه يحمل كأس الخمر، يحاول أن يبحث عن طريقة يستدرجها بها دون شبهات .. إنه حقًا يشتهيها بكل ما تحمله من معنى، لم تستعصى فتاة من قبل مثلها فعلت ولكن كلما ازدادت الصعوبة زادت المتعة أكثر وهذا ما يجعل اللعبة شديدة الخطورة والمتعة، زفر بإختناق وعاد رأسه للخلف بشرود تام .. فوجد أصابع رقيقة خبيرة تدلك رأسه بحنان مدروس ثم كتفيه ف أزالت التشنج بجسده وشعر بالارتخاء بعدها، همست بحنان عند أذنه قائلة:
_ حبيبي شاغل باله بمين
استرسل بكلمة واحدة بنبرة خافتة:
_ مفيش
جلست سوسن بجانبه ترمقه بأعين متألمة وهي تعلم ما وراء حالته تلك لكن سريعًا أخفته وحلت على ثغرها ابتسامة ناعمة .. فهتفت بنبرة حاولت جعلها عادية:
_ عارفة أي اللي شاغل بالك
عينيه منغلقه وعقله يدور بفلك آخر لكنه استرسل بسخرية حادة:
_ وطلما عارفة بتسألي ليه
صمتت ولم تستطع الإجابة بل أشاحت وجهها لناحية آخرى وعقلها يكاد يجن من التفكير الذي لا ينتهي .. لما يعاملها هكذا وهي دائمًا توفر سُبل الراحة له، ولما لا ينظر لها بنظرة أخرى ويرى عشقها الواضح ك وضوح الشمس ولكنه لا يكتفي أبدًا بل يظل يبحث على كل ما هو جديد ليضمه لقائمته وكأنها شيء يتفاخر به وعندما يشعر بأنه لا يستطيع الاسترخاء أو يوجد شيء يعكر صفو تفكيره يأتي لها وهو يعلم بأنها ستستقبله كما هو يريد، حيث ما يريده يفعله وعندما يفيض بها الأمر وتقرر تركه يعاقبها على ثورتها ويتركها دون سؤال وهو يعلم بأن هذه أقسى الطرق ألمًا لها وهو يتلذذ بهذا ورغم ذلك لا يتوقف قلبها عن حبه أبدًا ك مرض لا يريد الإبتعاد إلا بموتها.
شعر بصمتها الذي بالتأكيد تدور الأفكار حوله فزفر بقوة وحاول رسم إبتسامة ثم أخذها بين أحضانه بصمت يسألها :
_ بتفكري في أي وأنتي معايا
أحست بالأمان والطمأنينة تغمرها كليًا رغم كل ما يفعله معها لكنها هكذا وستظل هكذا إلا بموت أحدهما ف أجابته بإسترخاء:
_ أكيد أنت عارف
قبل رأسها بحنان لا يظهر إلا معها ف استرسل حديثه قائلا:
_ وبما أني عارف مش هنبطل في الحكاية دي .. أدينا اهو حياتنا زي الفل مفهاش حاجة تضايقنا وماشية بسلاسة لكن أنتي عايزة حاجة عمرها ما هتحصل .. أنا حر وهفضل طول عمري حر، جواز والكلام الفاضي دة مش بتاعي أنا آخري يومين حلوين نقضيهم وشكرا وبعدين على يدك مهما لفيت برجع لمين لسوسن حبيبه قلبي الباقي دة كله تسلية مش أكتر
حديثه يبدو خارجيًا بأنه مسالم ولكن باطنيًا اخترقت أسهمه في قلبها فجعلته يخر سريعًا دون محاولة النجاة .. لم تجيبه بل صمتت لأن الصمت في هذا الموقف أقل ضررًا من الحديث لكنه يعرفها ويحفظها ك كف يديه، حاول جعلها تفك قليلًا لكنها متيبسة فتحدث بصلابة حادة:
_ خليكي معايا كدة على السكة عشان أنا دلوقتي مش في حالتي الطبيعية وماسك نفسي بالعافية عشان متخافيش وترجعي تزعلي
رمقته بخذلان و وجع ولكن هذا لا يهمه ما يهم الآن هو إبعاد تفكيره عن منة بطريقتها، فتركته يفعل ما يشاء ولكن تقسم بأنه سيأتي اليوم الذي يبكي به دمًا وهي لن تنجده مجددًا.
********
باليوم التالي..
بغرفة الإجتماعات..
كان وائل يترأس الإجتماع ويجلس على مقعد رئيس مجلس الإدارة نظرًا لغيابه وسفره لإحدى الدول بالخارج لإتمام أحد الصفقات وبجانبه على يمينه تجلس منة تدون الملاحظات بين اللحظة والأخرى في إجتماع يُقام أسبوعيًا لمعرفة آخر الأخبار لجميع الأقسام .. كان يقف رئيس إحدى الأقسام يشرح شيء ما أمامهم على شاشة ديجيتال وفي خضم إنشغال الجميع، أحست منة بشيء عند قدميها ولكن لم تعطي للأمر بالًا وأعادت تركزيها لما يقال، مرت دقيقتين وشعرت بيد تحاول الوصول للمسها تلقائيًا نظرت له فوجدته يرمقها من جانب عينيه ثم أدعى انشغاله .. سرت قشعريرة في جسدها بنفور من لمساته، حاولت الإبتعاد عنه دون إصدار جلبه ولكن قدمه لم تتركها وظلت تلمس قدمها صعودًا ونزولًا .. كلما حاولت الإبتعاد كلما يحاول الإقتراب أكثر ومع إنشغال الجميع مع الشرح لم يعلم أحد ما يدور أسفل المنضدة، بينما هو يحاول الوصول لها ويرمقها بين الفنية والاخرى .. ضربته منة بكعب حذائها بحذائه وظلت تضغط عليه بكل غل وقوة والآخر يحاول التحكم بملامح وجهه بإحترافية ولكن الألم لا يحتمل وخاصة وأنها تضغط بكل الجهات فلم ترحمه حتى ابتعد عنها مرغمًا مع عدم تحكمه بظهور الألم على ملامح وجهه ف ابتسمت بغل وإنتصار لما حققته ولكنه أقسم بأنه لن يتركها وستكون شاغله الفترة القادمة.
انتهى الإجتماع على خير وكانت هي أول الفارين حين ذهبت سريعًا للمرحاض فوجدت بأنه فارغ وأطلقت العنان لدموعها للهبوط والعجز يحتل كل ركن بعقلها أما جسدها ف أصابته رعشة قوية مصاحبه للوجع، فحاولت أن تلمم شتاتها ولكن ما الفائدة وهي بكل يوم يزداد العذاب أكثر وحتى محاولة النجاة معدومة للغاية وكأنها على حافة الهاوية ولا تجد من ينجدها.
*********
بالمساء..
أمام السوبر ماركت..
يجلس وائل بسيارته ينتظرها بنفاذ صبر بعدما أخبره أحد رجاله الذي كلفه لمراقبتها ف هاتفه بآخر إحدثيات موقعها، ففكر قليلًا بأنها فرصة مناسبة لإصتياد الفريسة وخاصة بأن صبره أوشك على النفاذ ويكفي اللعب حتى الآن ما سيأتي سيتحكم به ويأخذ ما يريد بتروي وعلى مهل شديد.
مرت نصف ساعة وهو ينتظر لكنه ضجر ووجد من الأفضل أخذها من للداخل، ترجل من سيارته ودلف للداخل وظل يبحث بعينيه عنها ويسير هنا وهناك حتى وجدها تتفحص إحدى العلب بنظرة متفحصة تقرأ محتواها بإهتمام ف التوى ثغره ببسمة ماكرة خبيثه وتقدم بتروي حتى وقف خلفها مباشرة يشهر سكين صغير حاد ناحية جانبها هاتفًا بإنتصار يتراقص بعينيه ونبرة يملؤها الدهاء:
_ سربرايز يا حبيبتي
يا ترى وائل هياخدها فعلا ولا فيه حاجة ممكن تحصل.
الفصل الثالث..
أن تظل الأمنية عالقة دون أن تتحقق لأمر صعب..
لكن الأصعب حين تنعم بما تمنته يومًا ثم تأخذه الحياة مجددًا..
تيبس جسدها وأسوء كوابيسها تتجسد أمامها، ظلت عدة دقائق متصنمة لا تتحرك بينما وائل يبتسم بإنتصار يلوح بين حدقتيه لإقتراب تنفيذ ما يريده .. اقترب برأسه منها ببطئ متعمد وأنفاسه الساخنة تحرق جانب وجهها بلا هوادة، فهمس بأذنيها بدهاء وبسمة جانبية تلوح بثغره:
_ مفاجأة حلوة مش كدة
قرر جسدها التحرر من حالته والإرتعاش ظهر رغمًا عنها، أنفاسه القريبة والسكين الموضوع بجانبها كلها أشياء جعلتها تدرك نهايتها المحتومة التي حلمت بها كثيرًا ولكنها الآن تجسدت في هيئة واقع تعيشه .. بنفس الوقت كان مصطفى يسير بجانبه مدير الفرع يتمم على جميع الطلبيات وبيديه أوراق يدون بها بعض النواقص، لا تعلم ما عليها فعله الآن وكيف تنجو من براثنه؟، فدعت بداخلها أن تتهيئ أمامها معجزة تنتشلها من قبضته فلا توجد طريقة أخرى للنجاة وفجأة لا تعلم لما ولكن التفتت برأسها ببطئ ورأت الشخص الذي انقذها سابقًا يقف وبجانبه شخص ما .. وبدون مقدمات أو تفكير تركت العبوة و تحررت من قبضته الممسكة بالسكين وركضت سريعًا برغم أن المسافة لم تكن طويلة لتبذل هذا الجهد ولكن وجوده بهذا الوقت تحديدًا كان كالغيث الذي أمطر قلبها ببوادر من الأمل الضئيل .. كل شيء حدث بدقيقة واحدة، ف وقفت أمامه تلهث بأنفاس مسموعة التي تحاول التنفيس عنها بعدما أخذها وائل عنوة و أخذته ك درع حامي تطلب بنظراتها العون .. صدم مصطفى من المفاجأة الماثلة أمامه لا يصدق بوجودها حقًا فرمش بأهدابه يحاول استعاب وقفتها أمامه التي شلته لثواني ثم جاءت الصدمة التي تليها بقولها الواثق رغم اهتزازه ويدها ممدودة رغم ارتعاشها الداخلي من فشل خطتها قائلة بترحيب حاولت جعله يحمل من الود:
_ أنت رجعت امتى، وازاي مكلمتنيش اجي اسلم عليك
لم يستوعب وائل ما حدث أمامه ناظريه وأنها فلتت من يديه للمرة التي لا يعلمها، بدا داخله يحترق ف أصبح ك الجحيم المستعر الذي سيلتهم المكان كله وخاصة هي .. فذهب لهما بخطوات تلتهم الأرض من قوتها وعينيه بهما وعيد حاد لها فشعرت به يقف بجانبها ف ارتعبت وتلقائيًا وقفت بجانب مصطفى بعدما أشار للمدير بتركه حاليًا.
ثلاثتهم ينظرون لبعضهم وكل منه يحمل شعور مختلف عن الآخر، دهشة مصطفى من ظهورها مجددًا أمامه تضعه بموقف تحتاج منه العون لم يخطئ في فهمه بينما هي تقف بجانبه ومعدتها تنكمش من الزعر والرعب التي تعيشه وتدعو بداخلها أن ينجدها وينقذها هذا الغريب مثلما فعل من قبل، أما وائل ف عينيه تنذر بشرارات حارقة لو كانت حية لاحرقتها من سخونتها ويحاول بحنكته أن يخرج من هذا المأذق دون خسارة.
قرر وائل قطع هذا الصمت ف خرجت نبرته لينة تحمل حنان زائف وبسمة متقنة لكن خلفها غلظة وغيظ يتأكلان:
_ مش يلا عشان نمشي ولا أي .. تعالي معايا مش هفضل بكل مرة تضايقي مني اجري عليكي عشان اصالحك
تحاول أن ترسى على بر الأمان ولو دقائق معدودة، فنسجت باقية خطتها بشكل سريع لعلى هذه النجاة .. ف قالت بود بنبرة حاولت جعلها خالية من الإرتجاف وزودتها بالثقة رغم ارتجافها الداخلي، فلم يفق من المفاجآت التي تحدث حتى أكملت بحديثها الذي نزل ك صاعقة برق قوية زلزلته أثر حديثها:
_ أحب أعرفك على مصطفى ابن عمي
وللمرة الثانية تستنجد بنظراتها النجاة من الظلام الذي يسحبها بقوة وإجبار، فنظر لدقيقة ولكن أثرها ك ساعة كاملة تحترق بداخلها من الإضطراب وروحها على حافة الأنهيار لو فشلت خطتها و وقعت تحت براثن الذئب البشري الماثل أمامها .. تدارك الأمر واحتل الجمود وجهه وهو ينظر للآخر بنظرات حادة مشتعلة متحدثًا:
_ حضرتك مين عشان تمشي معاك
ابتسم الآخر بسخرية ونبرة سخيفة أجاب:
_ واحد و بيراضي حبيبته .. أنت مالك
استرسل مصطفى حديثه بتهكم ساخرًا:
_ أنت تقريبًا مسمعتش جملة أني ابن عمها.. ف أحب اسمعهالك تاني
نظرة مشتعلة احتلت حدقتيه وهو يناظرها بنظرات جعلت جسدها ينصهر من الرعب التي تعيشه وكأنه يدرك بكذبها عليه، ف جذب مصطفى انتباه بجمود مردفًا:
_ أنا شايف إنك تبصلي أنا مش هي
أجابه بإستهزاء لم يستطع إخفاءه وبسمة جانبية تحمل وعيد وصلت معانيه لها:
_ والله اللي اعرفه أنها ملهاش حد .. أي سوبر مان ظهر فجأة بعدين بقولك حبيبتي
تحدث مصطفى ببرود وملامح جامدة:
_ والله أنا مش محتاج ابررلك ولكن لو مش عارف تصدق فهخليك تصدق، تقدر تقول كان فيه مشاكل بينا وكنت مسافر ورجعت صلحت العلاقات .. عايز أي تاني وبعد اذنك عشان كويس أني لقتها صدفة هاخدها عشان الحجة عايزاها
دق ناقوس الخطر بعينيه التي ظهر بهما لمعان خطير جعلها تذوب من الخوف، أجاب بنفس بروده وحدته ظهرت بنبرته:
_ وأنت تقريبًا مسمعتش إنها حبيبتي وبصالحها ف هتروح معايا
تحدثت كي تنهي جدال يمكن أن يتحول لعراك فينكشف خدعتها التي لحتى الان ترى نظرات الشك تلوح بعيني وائل:
_ أنا .. أنا هروح معاه عشان طنط عايزاني ولازم اروحلها
ابتسم مصطفى بإنتصار وتشفي ولكن الآخر لن يهدأ حتى يعلم حقيقة الأمر لأن المعلومات التي لديه تشمل بأنها وحيدة ولا يوجد أحد من عائلتها يعيش معها برغم إخفاء هذا الأمر عن الجميع، فرمقها لآخر مرة بنظرة حملت تهديد صريح شديد اللهجة يخفي خلفه جحيم مستعر وبأن الأمر لن يمر مرور الكرام بينما هي على صفيح ساخن تتألم من كل جانب خاصة عينيه ونظراته التي تعتقد بأنها تصاحب كوابيسها لباقية عمرها ولكن انتهت اللحظات العصيبة على ثلاثتهم بذهابه عندما وجد بأن الأمر لن يجدي هكذا خاصة بأنه لا يحبذ إثارة الشك فقرر البحث خلف الموضوع جيدًا رغم علمه بأن هذه المسرحية هزلية، حاولت التنفس ولكن أنفاسها كانت متقطعة بينما جسدها بدأ بإرتجاف بسيط تحاول السيطرة عليه كي لا تنهار.
التفت بجسده ف كان بمواجهه بعضهما وطرق على عقله تساؤلات أولهما كيف عرفت اسمه، ف اظهر التفاجئ على ملامحه وقال:
_ أنتي ازاي عرفتي اسمي وازاي ظهرتي فجأة قدامي
أفاقت من غفوتها على تساؤله عاقدة حاجبيها بتعجب وملامحها مستنكرة قائلة:
_ هو دة اسمك .. أنا قولت أي اسم جه في دماغي وخلاص، بس حابة اشكرك على اللي عملته وهو ولا حبيبي ولا حاجة دة واحد بيطاردني وعن اذنك
كادت تتحرك ولكنه اوقفها بجسده وتسأل:
_ رايحة على فين كدة
أجابته بتعجب:
_ مروحة أكيد يعني هيكون أي
ناظرها بإستنكار من بلاهه عقلها التي لا يستوعب حجم ما تفوهت به ف أردف بنفاذ صبر من هذه الكارثة التي حلت عليه:
_ مش بتقولي أنه بيلاحقك وبعدين عينيه كانت كلها شك من اللي حصل ف أقل واجب هيستناكي برة لحد ما تطلعي برة وياخدك يا فلحة
زفرت بإختناق ولا تعلم حقًا ما عليها فعله، تود حاليًا لو تبتلعها الأرض ولا تظهر مجددًا أو تنتهي حياتها التي يبدو بأنها لن تتهنئ بها ولو لمرة واحدة، أرجعت شعرها للخلف بضيق وعقلها يدور في فلك يبحث عن حل وأردفت:
_ والعمل دلوقتي .. يكش عزرائيل يقبض روحه وأخلص
تفهم حالتها ومخاوفها التي أوضحت بخبرته كم أنها تعاني وليس هذه المرة الأولى رغم بأنه لا يعلم أي شيء عنها ولكنه قطع تفكيرها بحل قاطع مردفًا بجدية:
_ بما أننا مثلنا إنك بنت عمي ف أنا هاخدك معايا البيت لحد ما الأوضاع تهدأ شوية وارجعي تاني ونشوف حكايتك اللي معرفش عنها حاجة دي يمكن أقدر اساعدك
ثارت عينيها وتحدثت بإنفعال جلي على ملامحها تستنفر ما يقوله:
_ أنت اتجننت أي اللي أنت بتقوله دة
زفر بضيق من عقلها الذي ذهب سريعًا لأماكن لا يمكن الخوض فيها فقال بضيق وإستنكار:
_ هو أنتي مجنونة .. أكيد مش رايح اخدك نقضي سهرة .. هو أنا مش قولت هاخدها لوالدتي ولا أنتي مسمعتيش ولا فيه أي
شعرت بحرج طفيف يجتاحها ولكنها أردفت بمراوغة:
_ أكيد يعني مش هركز في كلامك أنا في أي ولا أي
نظر لها بحنق ثم قال:
_ تعالي
ذهبت خلفه بتوجس بينما ذهب لغرفة متوسطة الحجم بها شاشتين ضخمتين يتضح منها مقاطع حول السوبر ماركت من الخارج وذلك تحسبًا لأي شيء، استأذن من المسئول وعبث لثواني حتى وجد ما يبحث عنه وشاور لها يأكد حديثه قائلا:
_ مش قولتلك أنه أكيد هيستناكي
شاور لها على سيارته الموضوعة بعدما تتبع حركته، فشعرت بالحيرة والإجبار للذهاب لمكان تجهل هويته .. انتشلها من أفكارها وتحدث بجدية:
_ تعالي معايا نخرج من باب اللي وراء عشان ميمشيش ورانا
أخذها وهي تائهه لا تعلم لما وصلت الأمور لهذا الحد، فكل ما تعلمه بأنها لو أصرت وخرجت فلن يعتقها وائل وسيأخذها عنوة ولكن استجاب الله لدعائها وهيئ لها معجزة على هيئة هذا الرجل الذي أنقذها بأول مرة وللسخرية ينقذها ثانية رغم جهلهما لبعضهما البعض ورغم ذلك شعرت ببعض الراحة تعتلي صدرها من هيئته وملامحها فلا يظهر بأنه طائش أو شخص خبيث يأخذها بطريق لا رجعة منه .. ف كان ك الأمل الذي أضاء بنوره طريقها المظلم فهل حقًا هو هكذا أم أن القدر يحمل مفاجأت أخرى.
**********
تلتف بحدقتيها حولها تستكشف المكان، مكان حيوي للغاية ومزدحم، هناك قهوة تتعالى منها أصوات هتاف لفوز أحدهم بلعبة ما وبعض من النساء يجلسن مع بعضهم البعض وتتعالى ضحكاتهم بقوة، و أشكال البيوت حولها متناسقة والأطفال يلعبون بالكرة والسيارات تقطع عليهم متعة اللعب، كان المكان رغم أنه شعبي لحد كبير ولكن به حياة مختلفة أفاقت من تأملها لكل شيء حولها على صوته هاتفًا:
_ يلا
سارت خلفه ليدلفا سويًا لإحدى البيوت وصعدت معه حتى وصلا للدور الثالث، تدور بعينيها للمكان تتفحصه حتى سمعته يطرق أولا قبل أن يضع مفتاحه يليه فتح الباب، أشار لها لتدخل قائلا:
اتفضلي نورتينا
دلفت على استحياء متمنية بأن ما حدث لم يكن من الأساس، على رغم ثباتها الظاهري ولكن بداخلها رهبة متمكنة منها بدرجة كبيرة خاصة بظهور والدته التي ابتسمت بوجه ابنها ولكن ملامح وجهها حملت تساؤل عن وجود فتاة غريبة معه بيتها ولكنها حافظت على بسمتها قائلة بترحيب:
_ أهلا وسهلا يا حبيبتي اتفضلي
ابتسمت لها بتوتر وداخلها الإضطراب يزداد خشية من حدوث ما لا تتمناه وهي فكرة عدم تقبل وجودها وتعلم أيضًا بأنه حقها ولكن لا يوجد حل في الوقت الراهن لتلجئ له وخاصة بأنها اقحمته معها .. تحدث مصطفى ببسمة :
_ الأنسة هتعقد معانا كام يوم لحد ما الموضوع اللي هي فيه يهدأ شوية
قالت منة بتوجس وهي قلقة من خسارة حمايتها ولكن عليها التحدث حتى لا تخدعهما:
_ أنا هحكي لحضرتك كل حاجة ولو محبتيش تساعديني همشي ودة حقك وتسلمي على استقبال ضيافتك
عقد مصطفى حاجبيه وأردف بحزم:
_ أنتي مش هتمشي من هنا لحد ما اطمن الأول
أجابته بحدة وإنفعال طفيف :
_ حضرتك مش مطالب إنك تحميني لا أنا أعرفك ولا أنت تعرفني ف من حقها تعرف ولا كمان شوية تتفاجئ بمصيبة جاية علينا وتتأذوا بسببي
تراقب الموقف بصمت ولكن يكفي لهذا الحد فتحدثت فاطمة بصرامة على حدتهما:
_ ينفع تسكتوا أنتم الاتنين .. أولا يا بنتي طلما ربنا وقع طريق ابني في طريقك يبقى تأكدي إنك في أمان ومهما كان وراكي أي مش أنا اللي اقفل بابي في وش حد ومش صغيرة عشان معرفش اقرأ الناس كويس
أجابتها منة بهدوء نسبي:
_ دة حق حضرتك وأنا مقبلش أن اقعد عند حد من غير ما يعرف مين اللي معاه مش يمكن تندمي
بدأت تقص عليهما حكايتها ومحاولات وائل للتطاول عليها يليه محاولة خطفها وإنقاذ مصطفى لها الذي وللصدفة البحتة انقذها ثانية من قبضته، حزنت فاطمة عليها كثيرًا وأشفقت كونها عاشت كل هذا بمفردها ف تسائلت بنبرة متأثرة:
_ وفين عيلتك يابنتي من كل دة
تهدلت أكتافها وزفرت بعمق تحاول عدم التأثر ف ظهر على ملامحها بسمة بسيطة تكاد تكون ظاهرة وأجابتها بخفوت:
_ ماما وبابا متوفيين ومليش عيلة تقدري تقولي مقطوعة من شجرة
أثرت في نفسها ولم تخبرهما بكونها يتيمة وأن عائلتها تركتها تواجه الحياة بقسوتها المريرة .. حاولت فاطمة التخفيف عنها قليلًا نظرًا لما عانته منذ قليل وتحدثت بإبتسامة متسعة:
_ تعرفي أن وجودك نجدة بالنسبالي عشان الاقي حد يونسني بدل ما طول اليوم لوحدي .. دة أنا هحكيلك حكايات ونقضي أحلى وقت سوا، متشليش هم حاجة وخليكي عارفة إنك وجودك هنا أمان ومفيش حاجة هتحصلك
على رغم التوجس والفزع الذي مازال متمكن منها ولكن بعض من الراحة بدأت تعتليها تدريجيًا جعلتها تستطيع التنفس دون شعور بالإختناق بينما نهض مصطفى بجسده قائلا بتعب:
_ أنا هدخل اغير هدومي واخد دوش سريع لحد ما تحضري الأكل عشان هموت من الجوع
نهضت الاخرى بتثاقل وتحدثت:
_ اصملى عليك يا حبيبي عقبال ما تخلص اكون أنا جهزت .. تعالي يااا .. أمل اسمك أي يابنتي نسيت اسألك في الهوجة دي
ابتسمت بنعومة قائلة:
_ منة
أخبرتها ببسمة:
_ طب تعالي اسنديني ونعمل الأكل سوا
ذهبا من أمامه بينما هو زفر بعمق يحاول استكشاف خبايا الضيفة التي حلت عليهم دون تخطيط، لم يتخيل بعقله نهائيًا أن الفتاة التي أنقذها أول مرة ستقع بطريقه مجددًا وينقذها للمرة الثانية فهل بكل مرة تقع بمشكلة ما سيكون حاميها المخلص؟.
******
بعد ثلاثة أيام...
حياة لم تكن تتخيل بأنها ستعيشها إطلاقًا، فكانت دائمًا تحلم بها وتتخيل الدفئ الذي يتسرب إليها منها، هذا الوصف الدقيق الذي يصف حالتها بوجودها هنا .. رغم عدم وجود أي معرفة مسبقة وأنها مجرد صدفة وضعتها بموقف صعب تجاه عائلة لم تتكن تتمنى يومًا أن يحدث شيء كهذا ولكن الجيد به ، وجودها معهما حيث قضت وقت رائع ستفتقده عندما ترحل عنهما، وكأن الله أراد بأن يربت على قلبها لتستطيع مجابهه كل ما ينتظرها، كانت تعاملها بكل حب وحنان وكأنها ابنتها التي ولدتها لم تضغط عليها بشيء عن معرفة حياتها بل تركتها حتى لا تشعر بأنها تحت ضغط من أي أحد بل كانت تغمرها ببعض من الحكايات الشيقة عن حياتها هي وابنها وبعض من حكايات الشارع .. أفاقت من شرودها عندما وضعت فاطمة صينية الشاي على المنضدة ف ابتسمت لها منة وتحدثت وهي تأخذ الكوب بين يديها ترتشفه بتلذذ قائلة:
_ مش عارفه حقيقي لما امشي مين هيعملي كباية الشاي اللي بتظبط الدماغ دي
ربتت على قدمها اليمنى وتحدثت مستنكرة:
_ ومين قال إنك هتمشي .. أنتي خلاص إجباري هتكملي باقية حياتك معايا
ضحكت بخفوت وأجابت :
_ ما هو كفاية عليا كدة عشان مبقاش ضيفة تقيلة .. وأنا هقدر اتعامل متقلقيش
قطع حديثها طرق الباب مرتين يليه دخول مصطفى مبتسمًا بوجههما ف القى السلام قائلا:
_ السلام عليكم
رددا السلام قائلين:
وعليكم السلام
أكملت فاطمة حديثها مردفة:
_ كويس إنك جيت .. منة عايزة تمشي وتقول أنها ضيفة تقيلة عليكم
أجابها مصطفى بهدوء ورزانة:
_ تقيلة أي بس وبعدين دة وجودك مخلي أمي نسياني ومهتمة بيكي بس
ضحكت بخفوت وقالت مبتسمة:
_ ما عشان كدة لازم امشي
قطع حديثهم صوت وصول رسالة على هاتفها، ف نظرت حتى ترى مَن فوجدتها من وائل ف انكمش جسدها تلقائيًا وتغيرت معالم وجهها كاملة عندما قرأت «هو إحنا نسينا الشغل ولا أي ولا باينك كدة عايزة تترفدي وتفضلي في البيت ومتشتغليش تاني وأنتي عارفة أن اقدر اعملها كويس أوي، ولو فكرة ظهور ابن عمك اللي معرفش طلع منين هتخيل عليا يبقى بتحلمي كلها أيام وهعرف الحقيقة كاملة ف زي الشاطرة كدة ترجعي مكانك بدل ما تخسري كل حاجة وأنا ميردنيش ازعلك و اشوف الدموع في عيونك الحلوة دي»
تجمعت الدموع بمقلتيها سريعًا ولكن لا .. لا يجب البكاء في الوقت الحالي يجب العودة للمنزل قبل أن يؤذي أي شخص .. نهضت بملامح مقتضبة وحاولت التحدث بنبرة طبيعية ولكنها خرجت مرتعشة متحشرجة مردفة:
_ عن اذنكم لازم امشي حالا
نهض مصطفى بجسده يسد الطريق أمامها ولا يفهم سر هذا التغير المفاجئ فقال مستفسرًا:
_ في أي جالك خلاكي كدة
اشاحت بوجهها عنه وقالت بخفوت:
_ مفيش بعد اذنك عديني
نظر لها لثواني وأخذ منها هاتفها بشكل مفاجئ فجحظت عينيها من فعلته حيث حاولت اخذه ولكنها لم تعرف لفرق الطول بينهما، قرأ الرسالة وملامح وجهه تتحول للتهجم والغضب يلوح بين حدقتيه ف ضغط على هاتفها يود لو يكسر عنق هذا الذي يتطاول عليها ولا يجد من يقف له، فهتف بغضب شديد قائلا:
_ وهو أنتي لما تروحيله أنتي كدة شاطرة يعني
أخذت نفس عميق لمحاولة أن تهدأ داخلها دون أن تنهار وتنفجر من البكاء، فقالت بهدوء وجدية:
_ كفاية كدة .. أنا عندي شغل وغياب بما فيه الكفاية مش هيضر حد غيري .. عن اذنكم
اخذت هاتفها منه ودلفت للغرفة المقيمة بها وجسدها متماسك إلا اخر درجة تحمل .. بينما اخرج زفرة حارقة من جوفه، غريزته ورجولته لا تتحمل أن يتركها تجابه كل هذا بمفردها، دقائق وخرجت تحاول الإبتسام بوجههما ولكن داخلها يحترق ك بركان هائج يحاول الانفجار ولا يجد مخرج له، تقدمت من فاطمة فاحتضنتها الاخرى بحنان تربت على ظهرها بكفها، حيث كانت تود لو تظل هنا على الرغم بأنها ليست والدتها ولكن يكفيها الحنان التي تغمرها به الذي حرمت منه طوال حياتها.
قالت فاطمة تكور وجهها بين يديها بحنان مبتسمة:
_ أنتي عارفة أن حضني وبيتي مفتوحين دايما .. متفتكريش إنك لوحدك ومتزعليش منه هو خايف عليكي، خدي بالك من نفسك وتكلميني كل يوم
هزت رأسها بإيجاب تحاول الابتسام ولكنها فشلت فخرجت منها مهزوزة وعينيها تجمعت بها شعيرات الدم نتيجة لكتم دموعها دون الخروج .. أما هو تجاهلته ولم تسلم عليه تحركت من أمامها حتى وصلت للباب، فتحته وكادت أن تهم للخروج لولا صوته الذي اوقفها بنبرة عالية صائحًا:
_ استني
ثبتت مكانها تلف جسدها له ناظرة بتعجب زال عندما قال مقتضبًا:
_ هاتي تليفونك
دون مقاومة كانت تعطيه هاتفها و في خلال دقيقتين اعطاها الهاتف مرة أخرى قائلا بجدية وملامح جامدة:
_ رقمي ورقم ماما سجلتهم ياريت لو حصلت أي حاجة متتردديش إنك ترني عليا.
ابتسمت بسمة بسيطة وخرج صوتها مهزوز قائلة:
_ شكرا
لفت جسدها للمغادرة تشعر وكأنها غادرت تاركة روحها التي لم تعتقد بأنها موجودة من الأساس .. أغلق خلفها وذهب يجلس بجانب والدته بملامح مقتضبة تحمل ضيق كبير ف ربتت على قدمه بحنان تقول:
_ مسيرها ترجع لحياتها من تاني .. أنا عارفة إنك مضايق عشان مشيت من قبل ما تخلصها منه لأن أنا ربيتك على كدة اللي محتاج مساعدة تساعده بكل وسيلة متاحة في ايدك، بس دة موضوعها هي وبايديها لازم تحله لو اتدخلت فيه الموضوع هيكبر وهتتأذي أنت ف ابعد احسن ولو جه في يوم وطلبتك يبقى هي فعلا محتجالك.
هز رأسه بلا اهتمام وهو غير مقتنع لما تقوله بينما تفكيره منصب حولها وكيف يحميها بصورة غير مباشرة وعقله يهتدي لفكرة ما يتمنى أن تتحقق بشكل كبير .. وأيضًا يحاول أن يدرب ذاته على عدم عودتها مجددًا وعلى والفراغ الذي ستحدثه بغايبها.
*******
بالصباح الباكر..
وقفت تفعل تمارين التنفس عن طريق الشهيق والزفير، ظلت لخمس دقائق حتى استعدت للمواجهة التي دربت عليها منذ الأمس .. طرقت على الباب يليه دخولها وبيديها الأوراق، رفع رأسه لها وعلى شفتيه إبتسامة متسعة منتصرة ف وضعت الأوراق على المنضدة من بعيد فبدأ حديثه بمكر:
_ ما طلعنا شاطرين وبنسمع الكلام والله لو كملتي مطيعة كدة في الآخر أنتي الكسبانة
لم تجيبه من الأساس وكأنه شفاف ف أردف حديث بهدوء متريث:
_ مش حان الآن نلين ولا أي .. أنا سكت عليكي كتير جدا
رفعت ناظرها وتحدثت قائلة بنفاذ صبر:
_ عايز أي ونخلص من الحوار دة كله لأنه بوخ وبقى مقرف وممل
شبك يديه ببعضها ووضعهم على المكتب أمامه وتقدم بجسده يجيبها بوضوح:
_ عندك حق بس اللي عايزه معروف وواضح أنتي اللي بتماطلي
قالت بإمتعاض :
_ اشمعنى أنا عندك بنات كتير
نظر لها قليلًا وأجابها مبتسمًا:
_ تقدري تقولي إنك عجبتيني ومختلفة عن أي حد اعرفه
لم تعير حديثه أي إهتمام ولم ترضى بأن تكمل حديث تعلم نهايته جيدًا فقالت مغايرة للحوار:
_ فيه اجتماع كمان ساعة مع الصفقة الجديدة
وتركته دون الاهتمام بأي شيء يكفيها حديث بهذا الشكل بينما راقبها وهي تخرج ورغبته تزداد أكثر فأكثر ولكن اللعبة اطالت كثيرًا وأصبحت مملة فحان الآن إنهاء اللعبة فقال:
_ انتي اللي جنيتي على نفسك
*******
شقة منة..
ترمق بعينيها المكان حولها بنظرات فارغة لا حياة بها، ابتسمت بشكل ساخر على حياتها ونهايتها المتوقعة تمامًا، رغم بأنها لم تكن تهتم بالأمر كثيرًا لأنها تعلم منذ زمن هذه النهاية ف استسلمت لرياح الحياة العاتية متأقلمة حتى لا تتألم لكن مؤخرًا انحاز الأمر لطريق آخر تعلم بنهايته المقفولة .. ولكن رغم عنها جائها الحنين لتكوين أسرة والإستمتاع بدفئ أحضان الأمان التي فقدتها، تذكرت الأيام التي قضتها لدى فاطمة وكيف أغمرتها بحياة ودفئ لم تحظى بيه طوال حياتها ف انجرف تخيلها لزوج حنون وبيت رائع يحمل أمان العالم أجمع ولكن سريعًا نهرت نفسها بعدم الانجراف خلف أحلام وردية لن تتحق، وأنها كانت أيام جائت وذهبت ك ضيف خفيف ولكن أثره عليها كان عظيم .. بداخلها تمنت دومًا أن تحظى ب أمنيات بسيطة كانت تصاحبها طوال حياتها، أن تعيش بسلام، تحظى بدفئ عائلة، يدق قلبها لحبيب يقف بجانبها ولكنها ظلت أمنيات عالقة بداخلها، وظلت كما هي وحيدة ك ورقة خريف تتقاذفها الرياح، فكانت تتسائل مَن يرضى بفتاة لا تعلم عن أصلها شيء، ف أثرت أن تغلق الحياة على نفسها بأكتفائها إلا ما توصلت إليه .. لكن الأيام الفائتة جعلت شعور الحنين للاستمتاع بالحياة ينمو بداخلها، ضجيج برأسها لا يتركها أبدًا ولكن طردت كل ما تفكر به وأعادت دفن كل شيء من جديد يكفيها المطاردة والخوف الذي تعيش فيه حاليا، كل ما يهمها الآن هو التخلص من وائل والعودة لحياتها الهادئة من جديد.
يا ترى مصطفى ممكن يساعدها فعلا تتخلص من وائل ولا لأ.
الفصل الرابع..
الحياة ليست منصفة..
الساقية تدور دون توقف..
ولكل منا يسقى من كأس غيره..
لكنني لم أخذ سوى الألم وكأن الحياة أقسمت على عذابي..
وعلى رغم من ذلك أحاول جاهدًا لكي أنعم بدفئها وحُلوها، لكن يبدو بأنه كُتب عليا الشقاء للأبد..
بعد أسبوع..
تقف بداخل السوبر ماركت القريب لمنزلها تنتقي بعض الأشياء التي انتهت لديها حيث قررت الخروج قليلًا واستنشاق بعض الهواء لعلى ذلك يهدأ من ضجيج داخلها، كانت تسير بالعربة تأخذ ما تحتاجه وبعدما انتهت وقفت عند الكاشير تنتظر دورها وبينما هي تنظر لهاتفها استمعت نداء باسمها ولكن اعتقدت بأنها لفتاة أخرى ولكن النداء ظل يتكرر فنظرت حولها بغرابة تحولت إلى دهشة عندما وجدته أمامها ف ابتسم مصطفى وقال:
_ بتعملي أي كدة
مازالت ملامح الإندهاش مرتسمة على وجهها ولكن مازحته قائلة:
_ تخيل في سوبر ماركت ف يا ترى بعمل أي توقع واكسب معانا
ضحك على مزحتها ثم أجاب بمشاكسة:
_ لمضة أوي
نادى على أحدهم وشاور للعربة قائلًا:
_ عبي الحاجات دي وحسابهم عليا
نفذ الشاب أوامره وأخذ العربة منها وهي مندهشة فهتفت بخجل:
_ أي اللي بتعمله دة، لأ طبعا
تجاهل حديثها ثم أجابها بهدوء:
_ تعالي بس على جمب عشان الطابور والناس
سار الإثنان بضع خطوات فسألته مستنكرة:
_ أنت بتعمل أي هنا .. وأي اللي جابك
ابتسم مجيبًا بوضوح:
_ أنتي نسيتي شغلي ولا أي، دة سوبر ماركت من ضمن اللي بشرف عليهم بس عشان فيه شوية مشاكل فبقالي فترة شغال هنا
أردفت حديثها:
_ حظي بقى أني شوفتك انهاردة
لا يعلم لما ولكن شعور لطيف اجتاح داخله من رؤيتها، ف ابتسم تلقائيًا لهذا الشعور قائلًا بمغزى:
_ دة حظي أنا اللي حلو أوي فعلا انهاردة
تسرب الخجل لوجنتيها وابتسمت دون إجابة بينما هو أردف بجدية وتحفز:
_ أخبار الشغل أي .. لسه بيضايقك لحد الآن
صمتت فكان صمتها خير دليل ف أجاب بإنفعال طفيف:
_ قولتلك سبيلي الموضوع دة وأنا هتصرف فيه
نفت برأسها سريعًا وهي لا تريد اقحامه في هذا الأمر، فقالت نافية:
_ لأ .. ياريت تبعد عن الطريق دة، أنا مش عايزاك تتأذي بسببي
قبض على يديه بقوة يجيب بنبرة حادة:
_ انتي فاكراني عيل صغير دة لو ملقاش حد يقف قصاده هيتمادى
قالت بإضطراب وحدة مماثلة:
_ وبمناسبة أي، أنا لا قريبتك ولا حد تعرفه .. ف ياريت تبعد وأنا قادرة اتصرف، مش هتحمل فكرة إنك تتأذي
زفر بضيق وملامح وجه صلبة وقبل أن يسترسل حديثه جاء الشاب ومعه الأكياس الخاصة بها، أعطاها لها فشكرته بلطف ثم تحدثت له ببسمة بسيطة:
_ شكرا على اللي عملته معايا وزي ما قولتلك خليك بعيد أفضل .. سلملي على طنط عن اذنك
غادرت المكان وهي تتنفس الصعداء وشعور بالخوف يجتاحها لمجرد اقحامه في هذا الأمر وهي لا تريد الأذية له بينما هو نظر لآثرها بجمود يقبض على يده بقوة وداخله يشتعل لمجرد مواجهتها بمفردها لما يحدث ولكن لن يتركها وسينفذ ما يريده حتى ولو عارض ذلك مع أهوائها ما يهمه أن تكون ب أمان.
*******
باليوم التالي..
تجلس أمام مدير الحسابات بعدما استدعاها .. تسألت منة قائلة:
_ حضرتك طلبتني فيه حاجة
هز رأسه وأجابها بجدية:
_ الكلام اللي هقوله هنا دة ميطلعش برة لأن لو طلع عواقبه هتبقى كبيرة جدا ومش هنقدر نمسك اللي عمل كدة
توجست مما قاله فتأهبت بإهتمام تتساءل بتعجب:
_ حضرتك قلقتني جدا .. فيه إيه؟
بدأ حديثه بشكل مباشر قائلًا بتوضيح:
_ فيه حاجة بتحصل بشكل مريب واللي أكد حدثي أكتر الصفقة الأخيرة اللي اتخدت من يومين
هزت رأسها تجيبه بجدية :
_ مستر وائل قالب الدنيا عشان يعرف مين اللي سرب حسابات المشروع فقدروا أنهم ينزلوا في السعر وياخدوها
هز رأسه متابعًا بوضوح:
_ ودة اللي جايبك عشان اكلمك فيه، الحسابات دي أنا مراجعها بشكل شخصي قبل ما تتسلم ومحدش كان يعرف بيها غير أشخاص محدودة وفي نفس الوقت الحسابات بتاعت الشركة بيحصل فيها حاجة مريبة مش فاهم أي هي
رمقته بصمت وفكرها يدور حول حديثه ثم قالت بجدية:
_ طب أنت شاكك في حد معين أنه بيعمل كدة لحساب تاني
هز رأسه نافيًا وأجاب بتفكير وعدم معرفه:
_ لا اللي بيعمل كدة ذكي وعارف بيعمل أي كويس
تابعت حديثها قائلة:
_ طيب الموضوع دة يفضل بينا وحاول إنك تنتبه وتعرف أي اللي بيحصل وأول بأول تبلغني بالأخبار عشان نشوف هنعمل أي
هز رأسه قائلًا:
_ أكيد طبعا
نهضت ثم خرجت من الغرفة وعقلها مشغول بما يحدث بالشركة وكأن هذا الأمر ينقصها ليزيد عليها الحمل، وقفت أمام مكتبها تنظر للفراغ قليلًا تفكر بما يحدث ثم طرأ على عقلها متذكرة بوجود بعض الأوراق التي تحتاج لأمضة وائل فزفرت بإرهاق وهي حقًا لا تتمنى الدخول له بهذه اللحظة ولكن ما بيديها شيء مجبرة، أخذت الملف وزفرت بعمق ثم سارت حتى وقفت أمام الباب تهم أن تتطرقه ولكن استمعت لصوته وهو يتحدث بإبتسامة نصر:
_ الفلوس اتحولت انهاردة الصبح .. كدة أقولك مبروك على الصفقة الجديدة
عقدت حاجبيها وانصتت بإهتمام حيث صمت ثم أكمل حديثه يوضح :
_ متقلقش محدش هيقدر يوصل أو يفكر في حاجة .. وكدة كدة هو لسه برة مرجعش عقبال ما يرجع يبقى يحلها الحلال
استمع للطرف الآخر ثم عارض قوله مجيبًا:
_ لا كفاية أوي على الشركة .. دي كدة تالت صفقة تتاخد وأنا أكيد مش هوقع الشركة بردوا، مصلحتي من مصلحتها بس دة ميمنعش أن ممكن يكون فيه تلاعب من تحت لتحت .. متقلقش أنا مظبط كل حاجة ومحدش هيخطر على باله أنا مبعملش شغل غير ويطلع بريفكت وأنت عارف
انهى حديثه معه وبسمة منتصرة على شفتيه مرتسمة بينما هي صدمت مما انصتت له هل هو المتسبب بكل هذا؟ تعرف قذارته ولكن أن يصل به لهذا الحد من الدناءة .. تراجعت سريعًا لمكتبها وعقلها يدور في حل هذه المعضلة، يبدو بأن الأمر أكبر بكثير مما توقعت ويجب الحذر فيما هو قادم.
********
شقة اسماعيل..
فتح الباب يدلف وجسده يأن من الألم والأرهاق ولكن تطاير كل هذا بمجرد سماعه لضحكات يعلم صاحبتها جيدًا، ابتسم تلقائيًا وذهب عنه إرهاقه حيث شعر بالسعادة تسلل لقلبه .. لا يعلم لما ولكن منذ مغادرتها والفراغ يحتل المكان حوله، رغم معرفتهما القليلة ولكن رؤيتها تنعش قلبه ودقاته ترتفع مع كل مرة يراها بها .. ويتمنى لو يُسمح له بأن يخلصها مما هي فيه حيث يشعر بإحتراق داخله كلما يتخيل ملامستها أو نظراته لها كلها أشياء تجعله يريد الفتك به ولكن صبرًا ينتظر اللحظة الحاسمة للأنقضاض عليه .. دلف للمطبخ يسند جسده على الحائط يشاهدهما وإبتسامة تحتل ثغره ف التفتت فاطمة ثم اطلقت صرخة قوية التي على أثرها ارتعش جسد الأخرى وارتعد تنظر خلفها بخوف نتيجة صرختها ف ضحك بقوة يقول:
_ مال قلبكم خفيف كدة ليه
هتفت فاطمة بحدة وغيظ :
_ مش تعمل صوت وأنت داخل، بعدين أنت أي اللي جابك دلوقتي
مازحها مصطفى بقوله:
_ لسه جاي ارجع يعني مكان ما جيت ولا أي، بعدين اعمل أي يعني اغني وأنا داخل
حاولت أن تلمم شتات نفسها بعد فعلته، فرمقته بحدة تقول بغيظ:
_ حرام عليك اللي عملته بجد .. خضتنا
نمت على ثغره بسمة ساخرة مجيبًا:
_ هبقى اعملكم طاسة الخضة عشان قلبكم الخفيف دة
عقدت منة حاجبيها بغضب قائلة:
_ اطلع برة .. اطلع
ضحك عليهما بقوة وسار لغرفته كي يبدل ملابسه بكل حماس ليجلس معها .. كانت أمسية لطيفة قضتها معهما أنستها عالمها فودت لو تظل هنا في هذا الدفئ ولكنها تظل أمنية صعبة المنال، طالعت ساعتها فوجدت بأنه يجب المغادرة .. نهضت قائلة ببسمة:
_ لازم امشي دلوقتي قبل ما الوقت يتأخر أكتر من كدة
عارضتها فاطمة بتذمر:
_ طب ما تخليكي بايتة معانا
اعتذرت بلباقة قائلة:
_ لا مش هينفع عشان الشغل بكرة
نهض مصطفى هو الاخر وقال:
_ استني اجيب حاجتي من جوة وننزل
شكرته منة مجيبه:
_ لا خليك أنا هنزل وهاخد أي تاكسي
تجاهل حديثها عن عمد ووجه حديثه لوالدته قائلا:
_ عايزة حاجة من تحت وأنا راجع
ابتسمت بلطف قائلة:
_ لا يا حبيبي تسلم
سار لغرفته بينما هي نفخت بضيق تقول بغيظ:
_ شايفة معاملته
ضحكت فاطمة وقالت:
_ أنتي الغلطانة بردوا
بعث رسالة بهاتفه محتواها «أنا نازل دلوقتي معاها، عايزك تمشي ورانا من غير ما هي تحس عشان تعرف البيت .. تفضل عينك عليها متغبش أبدًا»، تأكد من وصولها ثم خرج من غرفته وتحدث:
_ يلا
حضنت فاطمة بقوة تستمد منها قوتها المعدومة، وجودها هنا يعطيها قوة تستطيع بها مواجهه حياتها .. كانت تمشي بجانبه والصمت حليفهما، هناك سؤال يراوده بقوة ولا يعرف كيف يسأله؟، يلح بداخله أن يخرج ويعلم الإجابة لتريح فكره ولو قليلًا ولكنه جاذف فسألها بهدوء:
_ أنتي اتخطبتي أو حبيتي قبل كدة
اجتاحها الغرابة قليلًا من سؤاله المفاجئ ف أجابته بإستغراب:
_ اشمعنى
ادعى الإنشغال بالطريق قائلا بلامبالاة:
_ عادي بسأل .. ادينا بنتسلى في الطريق
اجابته بنفي:
_ لأ
شعر بطفيف من الفرح ينحت بين أوردته ولكن تجاهل هذا وأكمل موضحًا:
_ بس غريبة .. أنتي بنت جميلة، شاطرة و ذكية، ف مش حاسة أن الموضوع مش راكب على بعضه
رفعت كتفيها تنظر له تردف بنبرة عادية:
_ عادي مش غريبة ولا حاجة .. دة في الأول والأخر نصيب وبعدين أنا مليش عيلة أو ليا أصدقاء فهيجي منين بقى
الراحة تنتشر بداخله بدرجة كبيرة ونبضة تليها أخرى تخرج من قلبه تسير بإتجاها، أجابها بهدوء:
_ عادي مش شرط .. شغلك لوحده كفيل يجبلك كل يوم عريس
ضحكت منة بخفوت وأجابت ببسمة:
_ لأ لأ .. أنا شخص انطوائي مليش دعوه بحد في شغلي كلها علاقات سطحية
تسائل بتوجس:
_ طب ولا حتى حبيتي مثلا
صمتت قليلًا فبتساؤله هذا فتح عليها جرح دفنته بإرادتها ولكن بجهله جعله يطفو على السطح مجددًا وشعرت بنفس ألمه الذي لا يزول أبدًا .. حاولت البحث عن إجابة مناسبة هل تقول له بأنها قررت دفن حياتها بنفسها وإغلاق ملذات الحياة عليها؟؛ لأنها تعلم بأنها لن تجني شيء سوى الألم ف لما المجازفة والدخول بعلاقة هي الخاسرة الوحيدة بها، أجابته بعد صمت طال حتى أعتقد بأنها لن تجيب عليه:
_ لأ بردوا .. هستفيد أي بحبي لشخص طلما مش نهايته جواز
استغرب طريقتها في الإجابة ولكنه أردف بتوضيح:
_ ما أنتي هتحبي شخص اللي هتبقي عارفة أنه جاد في علاقته
هزت رأسها نافية قائلة بوجع:
_ وعلى أي وجع القلب .. ملهوش لازمة
على رغم سعادته ودقات قلبه التي تلاحقت أكثر من إعترافها هذا ولكن الوجع الكامن بنبرتها يدعو للريبة والتفكير فيشعر بوجود شيء ناقص لا تفصح عنه، ف أفاق على سؤالها حين قالت:
_ وأنت بقى متجوزتش ليه لحد دلوقتي .. أنت ماشاءالله راجل محترم ومتقدر إنك تتجوز
أجابها بهدوء:
_ ملقتش الإنسانة المناسبة اللي أقول عليها هي دي، ف مستني الفرج بقى
ابتسمت بصدق وأجابت:
_ ربنا يرزقك باللي تستاهلك .. أنت تستاهل الخير
رمقها بجانب عينيه بعيون لامعة ف تحدث بداخله قائلًا:
باينك أنتي اللي هتبقي الانسانة اللي تستهلني
*********
اليوم التالي..
طلب وائل منها أن تأتي ف اخرجت تنهيدة قوية تستعد لمواجهته، طرقت على الباب يليه دخولها فشهقت بقوة عندما قبض على ذراعها بقوة وسندها على الحائط يغلق الباب خلفها ثم سد جسدها بجسده يمنع عنها أي محاولة للهروب، الأمر استغرق لثواني لإستعاب ما فعله، أفاقت على حديثه بنبرة ماكرة:
_ أنا شايف أن كفاية عليكي كدة وجه وقت الحساب
حاولت أن تبعده عنها بقوة ولكنه أحكم قبضته على ذراعها، فناطحته بقوة قائلة بنفور:
_ نجوم السماء اقربلك مني
ضحك بقوة قائلا بدهاء:
_ ما أنتي قريبة اهو ولا أنتي حابة أقرب أكتر من كدة
انهى حديثه بخبث يقترب بوجه أكتر منها فلفحت انفاسه الساخنة وجهها واثارت بداخلها الغثيان والقرف، ف ابعدت وجهها الناحية الأخرى قائلة ببغض من بين أسنانها:
_ ابعد عني بدل ما اصوت والم الشركة كلها
ابتسم قائلا وعينيه تتفحصها بنشوة وعقله يراوده بالإقتراب أكثر فقال ببسمة منتصرة:
_ وماله أنتي اللي هتتفضحي في الآخر مش أنا .. بعدين أنا شايف إن الكلام في الوقت دة مش مفيد الفعل أفضل
بيديه الآخر كان يلامس ملامح وجهها ببطئ وتروي كأنه يدرسها، حاولت ابعاده عنها ولكن احكامه لجسدها يقيدها بقوة فمحاولتها باتت بالفشل، آثار الخوف جسدها وارتعد تحاول التحلي بالشجاعة ولكن قربه بهذا الشكل يجعلها تنكمش على نفسها أكتر .. ابتسم بظفر كأنه نال حلوته المفضلة فيبدو بأنه سينال مكافأته وعلى رغم عدم تفضيله للمكان هنا ولكن لا يهم المهم وجودها بين يديه، في خضم انشغاله بملامستها حاولت التفكير في أي حل تنجو به من براثنه حتى لمعت عينيها بقوة عندما توصلت للفكرة، وعندما هم بالأقتراب منها كي يقبلها بعدما شعر بإستكانتها، ضربته بكل قوة برأسها على أنفه وقبل أن يعي جائت الثانية ف انسابت يديه من ذراعيها وعاد للخلف عدة خطوات نتيجة الدوران الذي أصاب رأسه بقوة .. فتحت الباب وخرجت سريعًا ثم ركضت لمكتبها تأخذ حقيبتها وجسدها يرتعش بشدة، لممت أشيائها وبخطوات سريعة وكبيرة ظلت تمشي حتى خرجت من الشركة بأكملها تتنفس الصعداء لوصولها لبر الأمان ومع أول سيارة أجرة مرت أمامها ركبتها دون تفكير محاولة الإبتعاد أقصى ما يمكن كي تنجو بنفسها.
يجلس على الاريكة يحاول ايقاف نزيف انفه حتى وقف أخيرًا سبها بألفاظ خارجة متوعدًا لها قائلًا بإنفعال وسخط:
_ بقى أنا تعملي فيا كدة .. وحياتك لتكون انهاردة نهايتك وشوفي هتهربي مني ازاي
*******
بالمساء، بشقة منة..
تجلس على الفراش منكمشة على نفسها، عينيها متورمة كلما تتذكر ما حدث صباحًا، ترقرت الدموع في عينيها ثانية ثم انهمرت تباعًا فظلت تبكي بصمت وجسدها يرتعش بقوة كلما تذكرت لمساته .. تريد الصراخ حتى تنقطع أحبالها الصوتية ولكنها رفاهية لن تصل لها مطلقًا، لما وُلدت وتركت بملجأ دون حماية، لما عليها التألم فقط دون حق الإعتراض، تشعر بالإنهاك تود لو ترتمي بأحضان أحدهم لعله يزيح عنها عبئ الحياة .. استمعت لطرقات على الباب فعقدت حاجبيها بتعجب وازداد رعشة جسدها، لا تعلم من يمكنه أن يأتي في هذا الوقت .. نهضت بجسد متعب واتجهت ناحية الباب، ازالت دموعها وحاولت أن تظبط هيئتها وهتفت بنبرة خافتة مبحوحة:
_ مين
لم تجد إجابة فظنت بأنها متوهمة ولكن طرقات الباب أكدت حقيقتها، تحدثت ثانية بنبرة أعلى بقلق:
_ مين
لا رد قررت أن تفتح الباب فتحت جزء بسيط، تصنمت مكانها عندما وجدته يحييها ببسمة منتصرة متسعة أردكت بهالكها على الفور يقول بشر:
_ مفاجأة مش كدة
يا ترى هتقدر تهرب المرادي ولا الحكم خلاص اتصدر ونهايتها بقت معروفة،
الفصل الخامس والأخير..
المَحن تخلق المعجزات وهي لم تؤمن أبدًا بوجودها..
ولكن بظهوره انقلب الحال وتحولت حياتها فجأة..
هو رجل خلقته صدفة فكانت من أجمل الصُدف التي عاشتها..
ورغم عزوفها عن الحياة بملاذتها لكنه كسر قاعدتها..
ف تسلل بداخل قلبها وزرع به نبات العشق والأمان..
حاولت الهروب لكن بكل مرة تعود له خاوية اليدين..
استسلمت ورفعت رأيتها، وأصبح أمانها الذي فقدته منذ زمن..
وجوده ك صاعقة نزلت عليها فجعلتها ساكنة جاحظة العينين فقط، وعت من المفاجأة وسريعًا كادت أن تغلق الباب ولكنه تدارك فعلتها و أسرع بوضع قدمه حتى لا ينغلق، فظلا الإثنان يدفعان الباب كل منهما من جهه ولكنه كان الأقوى، فتركت الباب وركضت لغرفتها وأغلقتها بالمفتاح خلفها وهي لا تعلم ما تفعله بينما هو تركها تفعل ما تشاء ثم فتح الباب وأغلقه خلفه يسير بخطوات بطيئة متفاخرة ك فهد فاز أخيرًا بفريسته المفضلة وكأنه يتمهل بخطواته لإثارة الرعب أكثر، وقف بمنتصف الصالة وهو يبتسم بإتساع فلا يوجد نجاة اليوم لأن النهاية أصبحت محسومة، صاح عاليًا بنبرة مراوغة ممزوجة بشر قائلًا :
_ هتروحي مني فين .. بقينا لوحدنا يا جميل خلاص
تستمع لصوته الكريه تمسك شعرها تضغط عليه بقوة تكاد تقتلعه وعقلها يدور بجنون ولا تعرف سبيل للنجاة، فهتفت بهيسترية وكأنها فقدت عقلها:
_ مش هيلمسني .. مش هيلمسني .. هموته وهموت نفسي
سمعها وائل على الجانب الآخر وضحك بإستهزاء يوضح لها بتلاعب:
_ وريني هتهربي مني ازاي بقى .. مفيش غيرنا أنا وأنتي والجو حوالينا رايق وبعدين يلا يا حبيبتي افتحي لأن كل ما قاومتي أكتر كل ما الرغبة تزيد ومحدش هيتأذي غيرك فخليه بمزاجك أحلى
ترمق المكان حولها بنظرات جنونية سريعة تبحث عن شيء حولها يمكن الدفاع عن نفسها حتى طرأ على عقلها مصطفى الوحيد الذي بإستطاعه مساعدتها .. وجدت هاتفها موضوع على الفراش، ف أخذته سريعًا وبأنفاس متلاحقة هاتفته، انتهى الرنين الأول ولم يجيب عليها فتهتف الآخر بحماس وملامح منفرجة يتخللها الفرحة:
_ لو مفتحتيش دلوقتي هكسر الباب
هزت رأسها وجسدها بدأ يرتعش بقوة وحاولت للمرة الثانية مهاتفته حتى سمعت صوته فقالت بنبرة منخفضة مرتعبة:
_ الحقني .. وائل هنا .. هيموتني .. الحقني
ارتعب مصطفى من نبرتها على الجانب الاخر حتى قست ملامحه وهتف بلهفه:
_ متخافيش .. اهدي .. أنا جايلك دلوقتي
سمعت قدمه تضرب الباب بقوة فهتفت برعب وهي تنظر للباب قائلة بخفوت صارخة:
_ الحقني بسررعة
ضربة تليها الاخرى حتى فتح الباب نتيجة لقوة دفعه، رمقها بعيون لامعة ثم ابتسم بخبث وانتصار قائلًا:
_ حبيبه قلبي .. أنا جيت
سارت لطاولة الزينة وأخذت كل ما عليها وظلت تقذفه لعلها تصيبه ولكنه يتفادها، بملامح متشنجة غاضبة تحدثت بقوة:
_ مش هتلمسني يا حيوااااان
ابتسم ساخرًا مجيبًا بإستهزاء:
_ اه منك ومن أحلامك الوردية دي
كان الهاتف على الأرض ف استمع مصطفى بما يحدث، فخرج سريعًا وبيديه مفتاح دراجة استعانها من صاحبه بالعمل، ركبها وانطلق بها سريعًا يتمم بلسانه :
_ ياريته ما كان مشي كان هيلحقها .. يارب .. يارب حافظ عليها .. يارب مش هتحمل يجرالها حاجة
قبل أن تهاتفه بقليل كان صديق مصطفى الذي يراقبها حادثه بأنه سيعود لمنزله مبكرًا لأنه لديه مواعيد أخرى، فسمح له أن يعود ولكنه يندم الآن لموافقته.
حاولت منة الهروب ولكن أين السبيل للنجاة؟، قبض على خصلات شعرها بقوة بينما حاولت أن تضربه بيديها حتى يتركها ولكنه شد أكثر حتى تأوهت بنبرة عالية وقام بتقيد جسدها بجسده، يسحبها معه حتى أوقعها على الفراش بقوة.. تزحف للخلف بجسدها ولكن يقترب منها حتى وضع ركبته على الفراش ولكنها ضربته بقدمها بقوة ف أصابت معدته، تألم على أثرها ولكن لم يمنعه من لطمها على وجهها قائلًا بشراسة شديدة:
_ يا*** اتهدي بقى
ظلت تقاومه بكل قوة تمتلكها، تارة تشتمه و تارة تعنفه وهو يحاول تقبيلها عنوة ولكن تبعد بوجهها عنه فيقبل كل ما يطاله شفتيه بينما يضحك قائلًا بمجون:
_ بلاش مقاومة خلاص ملهاش لازمه
تحاول بأظافرها أن تجرح وجهه وهي تصرخ بقهر وقوة تدعو داخلها أن يأتي مصطفى في الحال ولكنه لا يهتم ما يهمه أن ينالها الآن فقالت ببغض ونفور :
_ ابعد عندي .. ابعد بقى
لم يعد يحتمل ف شق بيديه كنزتها لنصفين، حاولت الهرب من قبضته ولكنه احكم الخناق عليها أكثر حيث وضع ركبتيه حولها، شعر بطاقته تستنزف دون داعي وهي تحاول ضربه ولن يحقق ما يريده ف بيده صفعها صفعة تليها الاخرى ثم بقبضته مسك رأسها وضرب جبهته بجبهتها بقوة شديدة، نزفت شفتيها من كثرة الصفعات تأوهت على أثرها و تدريجيًا بدأ وعيها يفقد نتيجة ضربته، هتفت بإعياء شديد ونبرة خافتة:
_ سبني
خارت قواها وأصبحت ساكنة لا حول لها ولا قوة، فزفر بسخط و إرهاق يتمم:
_ أي يا شيخة الجبروت دة .. رغم أن كان نفسي تبقي واعية بس مش مشكلة المهم إن أنا هستمتع
بدأ يزيح عنها ملابسها العلوية وعينيه تتفحصها بجوع ونهم وشيطانه يصور له لفعل الكثير من الأشياء فبدأ يقترب منها ببطئ بينما أمام المنزل ترك مصطفى الدراجة على جانب الطريق وصعد الدرجات سريعًا يحاول اللحاق بها ولسانه يدعو بألا يمسها سوء أو يكون تأخر عليها .. وجد الباب مغلق فظل يضرب بقدمه على الباب ولكنه قوي فظل يضربه مرة وراء الأخرى بينما آفاق الآخر من عالمه عندما استمع لضربات تقطع عليه متعته، عقد حاجبيه بغرابة بمَن يمكن أن يأتيها الآن ف استمع للباب وهو ينفتح بقوة .. دلف مصطفى ثم رمق المكان حوله بجنون وهو يصيح عاليًا ينادي باسمها بلهفه:
_ منة ... منة
وجد نور غرفتها مفتوح فسار بخطوات كبيرة لها و بقلب تتصارع نبضاته بقوة وإضطراب خوفًا عليها، وجدها ملقيه على الفراش فاقدة للوعي وجسدها العلوي مكشوف بينما الآخر يعتليها وينظر له بتفاجئ ف جن جنونه لهذا المنظر، ذهب له و سحبه بقوة من عليها وظل يلكمه بأنحاء متفرقة من وجهه ولكن الآخر لم يستسلم حيث ضربه بقدمه حتى أعاده للخلف .. استعاد مصطفى اتزانه مرة أخرى وملامح وجهه تشع قسوة مخيفة وعينيه بها شعيرات حمرات ظاهرة وعروقه تنتفض، فلفظ بإهتياج يصيح:
_ أنت مش بتتشطر غير على الحريم بس أما الرجالة خرع معاهم
استفزته الجملة بشدة فانقض عليه يضربه بقوة وظل الإثنان في صراع شديد، قام وائل بضربه بقدمه ف معدته بقوة كبيرة فتألم وتراجع على اثرها الآخر، استغل انشغاله بألمه وهرب سريعًا متوعدًا له بالشر بينما حاول مصطفى أن يتزن بقوته ويقف مرة أخرى بينما وجهه مليئ بالكدمات وبعض الجروح وقميصه تمزق عدة ازرار منه، استعاد قوته ثانية و بحث بعينيه على شيء يمكنه أن يسترها به حتى وجد إسدال ملقى بأحد أركان الغرفة، اخذه واتجه لها وحاول أن يبعد ناظره عنها وقلبه يشتعل كلما تخيل رؤيته لها بهذا الشكل، داخله يشتعل ك بركان هائج ولا يجد مخرج فيظل يحرقه بشدة، سترها جيدًا ووضع يده يحملها بين ذراعيه بحنان شديد .. وضعها على الاريكة بالخارج ثم بحث عن شيء يستطيع قفل الباب به حتى يعود له ثانية، حملها ونزل بها ثم بحث بعينيه في الارجاء عن سيارة أجرة حتى وقف أمامه السائق بعدما شاور له، فتح الباب و وضعها بالخلف ثم وجلس بجانبها، نظر لهما السائق من المرآة بشك لكن لم يهتم به مصطفى ما يهمه هو إنقاذها الآن.
********
شقة اسماعيل..
ضرب بقدمه الباب عدة مرات التي ركضت على أثرها فاطمة فتحته حتى شهقت بصدمة وهي تراه بهذه الهيئة حاملًا بيديه منة، ضربت على صدرها تتفوه بصدمة:
يالهوي .. حصلكم أي .. ومالها مغمى عليها ليه
هتف بنفاذ صبر:
_ عديني الأول بعدين نتكلم
افسحت له المجال سريعًا وسار بخطوات سريعة لغرفته يضعها على الفراش بحرص وحنان .. هتف لوالدته بعجالة:
_ رني بسرعة على دكتورة نهى تيجي تشوفها
هاتفها بالفعل وعجلتها لتأتي مسرعة، التفتت له تلمس جروح وجهه والكدمات استحال لونها للازرق تردف بفزع:
_ حصل اي يابني .. ومالكم عاملين كدة ليه
أجابها بنبرة مكتومة غاضبة:
_ الحيوان اتهجم عليها في البيت وهي لوحدها وكويس أني كنت في شغلي اللي قريب من بيتها، والحمدلله أن لحقتها في الوقت المناسب
اضطربت مما سمعته وغيم الحزن ملامح وجهها فرمقتها بحزن وقالت:
_ ياعيني عليكي يابنتي .. منه لله لا يربح دنيا ولا آخره
استمعا لطرق الباب، فسار سريعًا ليفتح للطبيبة وادخلها للغرفة القابعة بها منة، تفوهت فاطمة بأسى :
_ معلش يابنتي جبناكي على ملا وشك بس الحالة متستناش
هتف مصطفى بجمود:
_ أنا هخرج برة
انتظر بالخارج وهو يحترق داخليًا تتاكله النيران من كل جانب، بعد مدة خرجت الطبيبة خلفها فاطمة فوقف أمامها متلهف لما سيسمعه فقالت بأسف:
_ مش هضحك عليكم ولكن الحالة متطمنش .. الحمدلله طبعا إنك لحقتها في الوقت المناسب ولكن جسمها فيه كدمات أثر شبه الاعتداء غير جروح وشها .. الفترة الجاية هتبقى صعبة وممكن تدخل في نوبات نفسية وانهيار عصبي، لازم تتعاملوا معاها معاملة خاصة ولازم تبقوا معاها لحد ما تقدر تعدي الفترة دي لأنها هتبقى قاسية عليها جدا، وأي كان اللي هتعمله دة طبيعي جدا ف خدوا بالكم منها كويس .. عن اذنكم لازم امشي، وسلامتها ألف سلامة
اوصلتها فاطمة حتى خرجت من الشقة بينما جلسا الإثنان بتعب خاصة هو يشعر بألم قوي تصيب قلبه بضربات قوية، يغلي بقوة ولكن لا يوجد منفس لهذا، هتف فجأة على أثرها جحظت فاطمة عينيها بلا تصديق:
_ أنا عايز اتجوزها
رمقته بإندهاش ولا تجد حديث لما قاله ولكنه لم يعيرها أي انتباه بل نهض ودلف لغرفته أخذ منها بعض من ملابسه وخرج من الشقة واتجه لشقته المقابلة بينما الأخرى نظرت لاثره بذهول ولا تعلم بما يجب عليها فعله أو قوله.
*******
باليوم التالي..
مشاهد و أصوات متداخلة بشكل مبهم لكن الظاهر بها صورته التي لا تترك خيالها أبدًا ولكن هذه المرة اقترابه أصبح أكثر خطورة وملامحه ك ملامح ذئب بشري على وشك الانقضاض على فريسته وكانت هي الفريسة المنتظرة، تستغيث بنبرة عالية و يديه تنتهك حرمة جسدها دون وجه حق حاولت الصراخ لكن صوتها مقيد كحال جسدها التي لم تعرف فك قيده، ظل يقترب أكثر وأكثر حتى .. صرخت بأعلى صوت لديها حتى جرح حنجرتها ونهضت بجسد يرتعش تحاول أن تلمم ثيابها الممزقة وتبعد يد غادرة تحاول الاقتناص منها، دلفت فاطمة بلهفة وحاولت بخطوات سريعة اللحاق بها حتى جلست بجانبها وأخذتها بين أحضانها تحاول تهدأتها ولكن الأخرى كانت بين الوعي واللاوعي تنعاد الحادثة أمامها وكأنها تعيشه للمرة الثانية، تحدثت فاطمة بحنان وهي تمسد على جسدها:
_ اهدي دة أنا .. خلاص أنتي في أمان .. محدش جه جمبك
كان صوتها يأتي من مكان بعيد فكان ضعيفًا ولكن الدفئ والأمان الذي غلفه جعلها تستكين تدريجيًا .. انهمرت دموعها تباعًا على وجنتيها وصدرها يجيش به نيران محرقة تحرقها من الداخل، ف انصتت لبعض الآيات القرآنية التي تصل لها حتى هدأت حركتها وظلت تبكي وعينيها مغلقة دون أن تكن لديها الجرئ لفتحها، ذهبت مرة أخرى بثبات عميق ولكن هذه المرة وهي تشعر بالأمان ينتشلها من الضياع الكامل.
مرت الساعات حتى أتى الليل كانت تجلس بجانبها تفاديًا لحدوث أي نوبة أخرى، تململت على الفراش ثم تأوهت بألم ف انكمشت ملامحها، فتحت عينيها ببطئ ثم دارت بمقلتيها حولها تستوعب أين هي؟ .. داهمت الذكريات عقلها تباعًا دون رحمة فصرخت بقوة واعتدلت تنكمش حول نفسها تبكي ولكن لحقتها فاطمة تأخذها بأحضانها والاخرى تصرخ بفزع تتمم:
_ مستقبلي ضاع أنا خلاص ادفنت بالحيا .. مكتوب عليا العمر كله اتوجع فيجي يكمل عليا
هتفت الاخرى بأسى تبكي على حديثها:
_ اهدي .. اهدي .. والله ما عملك حاجة
دلف مصطفى بهذه الأثناء عندما سمع صراخها بلهفه واضحة وعينيه تتفحصها ليتأكد من سلامتها .. اقترب منها وتحدث بحنان:
_ أنتي في امان متقلقيش .. والله لاجبلك حقك
هزت رأسها نافية وقالت بقهر:
_ انتي بتضحكي عليا بأي كلمتين .. يااارب أنا مش حمل كدة .. منك لله .. منك لله
عينيه تحمل ألم هائل وقلبه يصرخ طالبًا للرحمة ولكن من أين تأتي وهي بهذه الحالة، قبض على يديه بقوة يكتم غضبه الذي يتصاعد بداخله .. فصرخ بها بقوة عندما لم يتحمل انهيارها هذا قائلًا:
_ بصيلي
هدأت صرخاتها بذعر ولكن ارتعاش جسدها يزداد أكثر، نظرت له برعب متوسلة بأن ينفي ما عاشته، ف أردف بحنان ونبرة دافئة:
_ متخافيش محصلكيش حاجة .. مش أنا كل مرة بنقذك
منكمشة في فاطمة بقوة والاخرى تحتويها بين ذراعيها تربت على ظهرها بحنان، أومأت منة برأسها ف استرسل حديثه بنبرة رخيمة وحنو:
_ طيب .. أنا انقذتك زي كل مرة وهو معملكيش حاجة، أنا لحقتك
صوته الهادئ انساب على مسامعها فبدأت تهدأ وتستكين له و على رغم بأن حديثه اثلج قلبها ولكن ما عاشته كان أكبر من قوة تحملها .. انخرطت في بكاء عنيف وجسدها يرتعش مجددًا فتحاول فاطمة أن تبث لها الأمان ولكن الأخرى لا تريد أن تسمع لشيء، أراد مصطفى أن يشتت ذهنها بقوله الذي فجره بوجهها فبلغها:
_ تتجوزيني
جحظت عينيها ناظرة له بغرابة ف ابتسم بداخله على حالة التشتت التي أصابتها، و قرر تركها دون حديث.. بينما ظلت فاطمة تهدأها وترتل على مسامعها بعض من الآيات القرآنية فكانت الأخرى بعالم آخر لا تعي ولا تفهم شيء حتى قررت الهروب بالنوم ولعلى ذلك يكون الحل الأمثل لكل ما يحدث.
*******
بعد أربع أيام ..
بملهى ليلي..
يجلس على المقعد أمام البار يرتشف شرابه وملامح وجهه لم تشفى بعد من الكدمات .. عينيه شاردة بمكان ما ويديه تشتد على الكأس بقوة وكلما انتهى يشاور للنادل ليزوده مرة أخرى، عقله يكاد ينفجر من عدم نجاح الأمر وما يزيد سخطه بأنها فتاة ضعيفة ولكنها بكل مرة تنجو من تحت يديه، كلما يتذكر هذا الشاب يرتفع غضبه بقوة، سبه بخفوت لإعاقته بكل مرة .. تنفس بعنف وأنفاسه تخرج حارة تكاد تحرق من يقترب منها .. اقتربت منه فتاة ثم جلست بجانبه، ظلت صامتة لبعض الوقت ثم نظرت له وابتسمت قائلة:
_ مضايق ليه
لم يعيرها أي إهتمام أو ينظر لها، ف اقتربت منه حتى التصقت به ورمقته بتفحص وإغواء فتسألت بتلاعب:
_ باين إن الموضوع فيه واحدة .. طب ولو نستهالك
نظر بجانب عينيه ونمت على ثغره بسمه ساخرة يجيبها بإستهزاء:
_ وهتعرفي
ابتسم الفتاة بمكر مقربة وجهها منه مجيبة:
_ جرب
نهض بجسده بملامح وجهه متهجمة يقول بإقتضاب:
_ طب تعالي
بعد مرور ساعة..
تقف سوسن أمام الباب وعينيها تترقق بها الدموع ولكنها ظلت حبيسة، تتذكر عندما أتتها رسالة على هاتفها محتواها «حبيبك بيلعب بديله زي كل مرة ف أنا شايف إنك لازم تاخدي حقك عشان طول ما أنتي ساكتة طول ما هيزيد فيها وأنتي الخسرانة في الآخر .. ميرضنيش ليكي الاذى ولو مش مصدقاني هو في شقته معاه واحدة دلوقتي، فاعل خير» تتمنى لو لم تستمع لهذه الرسالة وظلت كما هي لكن عقلها نهرها وصور لها بوجوب أخذ حقها ولا تصمت في لحظة متهورة تندم عليها الآن .. فتحت الباب بالنسخة التي معها، دلفت للشقة فوجدت باب غرفته مفتوحة، سارت بخطوات بطيئة وقلبها ينهرها بألا تفعل بنفسها هذا .. وقفت أمام الغرفة وعينيها جاحظة لا تصدق ما تراه، ف انهمرت الدموع من عينيها تباعًا بقهر مما تراه، تعلم كل شيء يفعله ولكن أن تراه بهذا الشكل جعل قلبها ينزف من الألم .. آفاق وائل عندما شهقت الفتاة تنظر خلفه، ف اعتدل ولف جسده لها وجدها سوسن رمقها بلامبالاة وعاد يسند جسده مرة أخرى على ظهر الفراش بينما الفتاة جمعت ثيابها سريعًا وغادرت أما هي كانت ترمقه بأعين فقدت بهما الحياة ف لم يهتم الآخر وتحدث ببرود:
_ أي اللي جابك هنا
لم تجيبه ترمقه فقط وعينيها تتدفق منها الدموع تشعر بسهم غادر أصاب قلبها ف ارتد صريعًا، زفر بضيق بملامح ساخطة قال:
_ بصي أنا مش ناقص وفيا اللي مكفيني كفاية بوظتي الليلة .. زي الشاطرة كدة تقفلي النور وتاخدي الباب في ايدك وامشي مش ناقص وجع دماغ
كانت كمن فقد الحياة فلم تعد تميز شيء كل ما تراه هو مشهد خيانته لها وللعجب يتبجح ويتفاخر به، أخرجت من حقيبتها سلاح ناري ورفعته ببطئ بيد مرتعشة يكاد يقع من يديها .. اندهش الاخر وتفاجئ مما تحمله فنهض يقول ببسمة مهتزة:
_ أي يا حبيبتي اللي في ايدك دة .. سبيه
صرخت بقوة تقول بملامح منفعلة بشدة:
_ متقولش حبيبتي.. أنت خاين وزبالة .. هموتك يا وائل
كانت تشهر السلاح بوجهه ف حاول وائل أن يتقدم منها بحذر يقول بحنان زائف:
_ أنا آسف.. مكنش قصدي .. أوعدك دي أخر مرة، مفيش في قلبي غيرك أنتي عارفة
قهقهت بقوة بملامح ساخرة وعينيها تزرف الدموع بقوة، فقالت بإستهزاء:
_ آخر مرة اه .. خلاص يا حبيبي مبقاش فيه مرات تانية
ارتعب وائل يبحث بعينيه عن شيء يمكنه النجاه به، لكن نظرة عينيها حملت الصرامة والحزم فيما ستفعله ف ضغط على الزناد وخرجت رصاصتها الأولى بفخده، انحنى حيث صرخ على آثرها بقوة وملامح وجهه تشنجت من الألم التي لم يعد يحتمل ف غمغم من بين اسنانه بألم:
_ الحقيني .. هموت .. بسرعة كلمي الإسعاف
تقدمت منه حتى ضربت بقدمها على صدره فتراجع للخلف يأن، حدثها بملامح متألمة وانفاس لاهثة:
_ أنا اسف .. بس الحقيني .. الألم مش بيهدى
ابتسمت بألم من وسط دموعها وقالت ويديها مصوبة على جسده تهتف بألم:
_ ولا هيهدى عشان تدوق اللي فضلت تخليني ادوقه طول منا معاك .. ف قليل الألم دة عليك تعرف اللي أنا اللي غلطانة، اه والله عشان كملت مع واحد زيك وافتكرت إنك فيوم هتبطل القرف دة وترجعلي ولكن عيشت نفسي في وهم وفي الآخر أنا الخسرانة
كاد أن يبكي من الالم والنزيف يزداد بغزارة، فغمغم بأنين وانفاس تكاد تنقطع من سرعته:
_ مش قادر اتحمل .. أنا عارف أني غلطت بس سامحيني، بوعدك إنها آخر مرة .. مش أنتي كان نفسك نتجوز، هتجوزك بس الحقيني وكلمي الإسعاف بسرعة
كانت كمن فقد عقله فلم تعد تعي لأي شيء وظلت تضحك بقوة ف أجابته بجنون وبسمة متسعة:
_ للأسف اختارت التوقيت الغلط .. كان بودي اصدقك بس خلاص حلال فيك الموت
وانطلقت الرصاصة الثانية بصدره ف ارتده صريع على الفور حيث جحظت عينيه ناظرًا لها .. بينما هي لم تصدق ما فعلته وبأنها حقًا قتلته، انهارت بجانبه وشهقاتها ترتفع بقوة تردف دون وعي وعينيها ترمقه بندم:
_ أنا موته .. كان هيتجوزني .. بس موته .. حتى لما جه يحقق أحلامي حققها متأخر .. أنا مش هسيبك لوحدك، هجيلك يا حبيبي .. أنا عارفة إنك مبتحبش تبقى لوحدك
اخذت سلاحها ووجهته لقلبها ترمق وائل بحب لا ينضب أبدًا، وانطلقت الرصاصة الثالثة بقلبها ورقدت بجانبها .. كانت علاقة نهايتها الموت لم يفز أحد بها، ولكنها النهاية المحتومة لشخص أعتاد على استباحة أجساد الفتيات فكان عقابه من واحدة منهم.
على مقربة من المنزل يقف مصطفى بعدما هاتفه الشخص الذي كلفه بمراقبة وائل، كان هو من خطط لمكيدته و أوقع هذه الفتاة ومن هاتف أيضًا سوسن .. استمع لثلاث طلقات على أوقات مختلفة فعلم بأن نهاية وائل كُتبت، ف أخرج هاتفه دقائق ثم استمع لطرف الآخر يليها قوله بجدية:
_ لو سمحت عايز ابلغ عن شقة مشبوهه في العمارة اللي ساكن فيها .. وصاحبها بيعمل حاجات مريبة وسمعت ضرب نار ف ياريت تلحقوا بسرعة
أملى لهم العنوان وبعد ساعة كانت الشرطة تصعد الدرجات، مرت نص ساعة ثم وجد جثمانين يضعان بداخل سيارة الاسعاف .. نمت ابتسامة نصر على ثغره بملامحه مرتخية متشفية لنهايته وبهذا استطاع أن يرد حقها كاملًا.
*********
شقة اسماعيل ..
ظل يطرق على الباب ولكن لا من إجابة، ف فتح مقبضه ببطئ ليطمئن عليها، وجدها تستند على الفراش منكمشة على نفسها تنظر للفراغ بشرود وملامح باهتة فقدت بها الحياة .. دلف ثم ترك الباب مفتوح، أخذ مقعد ووضعه أمامها حيث ربع يديه على صدره وظل يتأملها بأعين شغوفة لامعة بينما عينيها ذابلة يتخللها شعيرات حمراء نتيجة البكاء المستمر ..
ظلا هكذا حتى قرر قطع هذا الصمت يزفر تنفس بعمق ثم ابتسم بسمة بسيطة وتحدث بنبرة رخيمة قائلًا:
_ قولتلك مش هيهدى ليا بال من غير ما اجيب حقك .. وجيت اقولك أني جبتهولك
اثارت الكلمات إنتباها فرمقته بإهتمام يمتزج بتساؤل لم تجرؤ على التفوه به ولكنه استرسل حديثه موضحًا بهدوء:
_ مات .. واحدة من اللي يعرفهم قتلته
كلمة واحدة صغيرة مكونة من ثلاثة أحرف ولكنها أثرها كان عظيم على نفسها، ترقرقت الدموع بمقلتيها تكتم بداخلها صرخة تود لو تخرجها، لا تعلم ما تشعر به الآن ولكن الراحة التي اثلجت قلبها جعلت الألم به يتخدر ولو قليلًا حيث أن الأمر ترك ندبه لديها لا تعرف كيف ستداويها؟ .. نظرت له بإمتنان صامت لا تستطيع التحدث به فكانت عينيه دافئة ابعثت فيها الأمان التي فقدته منذ زمن.
أقسم بداخله بأنه سينتشلها من الهاوية ولن يتركها مجددًا بل لن يمل أبدًا من أن يبث لها الأمان والاستقرار التي فقدته.
تحدث بنبرة رخيمة:
_ فكرتي في العرض اللي قولتلك عليه
فهمت ما يرمي إليه ولكنها حقًا لا تريد أن تفقد حياتها للمرة لا تعلم عددها يكفيها ما عاشته فلن تتحمل أي ألم مجددًا، صمتت لبرهه ثم أجابته بخواء وبرود:
_ لأ .. ومتفكرش أن عشان وحيدة هتستغلني .. أنا مش محتاجة شفقة من حد
يبدو بأن الطرق ليس بالسهل ولكنه صبور إلى أبعد درجة لا تتخيلها ف أجابها بجدية:
_ وأنا هشفق عليكي ليه .. واحدة وعجبتيني وطلبتك للجواز لا هو عيب ولا حرام يمكن التوقيت كان غلط ولكن في الآخر النتيجة واحدة
رمقته بإستهزاء مقصود و قالت:
_ وأي وجه الاستفادة لو اتجوزت واحدة زي
عقدت حاجبيه بغرابة وظل محافظًا على هدوئه فصرح عن أسبابه:
_ وهو اللي بيتجوز بيتجوز ليه .. مش عشان يستقر ويلاقي زوجة تسانده ويساندها ويبقى معاهم عيال يفرحوا بيهم الباقي من عمرهم
لما يصمم على إيلامها بهذه الطريقة، هي اثارت البعد عن الحياة بكافة أشكالها وذلك حتى لا تقع فريسة للظلم و الإهانة، فنطقت بجمود وملامح حادة ك كلامتها التي قذفتها بوجهه:
_ حتى ولو قولتلك أني متربية في ملجأ .. لا أعرف مين أمي ولا أبويا
أظهرت ملامحه وقع الصدمة مما استمعه فرمقته وهي تعلم هذه الملامح جيدًا ولكن لما تألمت ونبضاتها تزداد وترتفع من الرعب خوفًا من حديثه وفقدانها له رغم بأنها تريد ذلك، ف استرسلت بسخرية مريرة ك علقم مر على حلقها:
_ أي صدمة مكنتش تتخيلها مش كدة .. ف ياريت بقى تصرف نظرك خالص عن الموضوع دة ومن بكرة همشي وياريت تقطع علاقتك بيا .. وشكرا على اللي عملته معايا
اعتدلت ملامح وجهه وعادت للهدوء مجددًا فتنهد يقول بوضوح:
_ منكرش أني اتصدمت بس أنا مش فارق معايا هما كدة كدة متوفيين ف نكمل على أساس دة
عاندته بقوة مجيبة بإصرار:
_ ومين قالك انهم متوفيين مش يمكن عايشين
أومأ برأسه يردف بلامبالاة :
_ حقيقي أنا مش فارق معايا .. اللي يهمني أنتي بشخصيتك غير كدة أي حاجة تانية مش مهم وبعدين دة شيء مش هيمنعني من جوازك
أرهقت من إصراره على أمر لا يعرف توابعه جيدًا يأخذه الحماس الآن ولكن مع أول مشكلة سيعايرها بيُتمها وحينها هي الخاسرة الوحيدة بهذا الأمر .. تنهدت بعمق وملامح مقتضبه تسترسل بوضوح:
_ يبقى لازم تعرف الحكاية عشان اثبتلك إن اللي بتقوله كلام فاضي وفي يوم من الأيام هتندم على دة .. أنا بنت اتولدت في دار أيتام . اترميت بعد ما اتولدت بكام يوم قدام الملجأ ومعايا شهادة ميلادي ويمكن دي الحاجة الوحيدة اللي عملوها حسنة فيا .. عيشت وكبرت وأنا في الملجأ ولكن يمكن عشان ربنا عايز يخفف من وجعي شوية وميبقاش كله سواد في سواد، وقعني مع دار كويسة كانت صاحبة الدار بتعامل الأطفال كويس و بتهتم بالتعليم جدا وكانت تقول دايما أنت لوحدك في الدنيا وسلاحك هو تعليمك لأن دة اللي هيعيشك ودي الحقيقة فعلا، اتعلمت ودخلت كلية كويسة بمجموعي ولكن كانت أيامي بقت معدودة في الدار عشان خلاص كبرت ولازم امشي بس عشان صاحبته كانت كويسة كانت بتسبنا لحد ما نقدر نقف على رجلينا ويبقى معانا فلوس، وكنت بشتغل وأنا في الكلية عشان اكفي مصاريفي ولبسي وفي نفس الوقت بحاول أجمع فلوس اقدر اجيب بيها شقة صغيرة .. وبصدفة في مرة اشتغلت في شركة كانت صغيرة سكرتيرة بمرتب صغير وفضلت فيها لحد ما عرفت الشركة اللي انا فيها دي .. قررت أن أقدم واجازف يا اه يا لأ، والحمدلله اتقبلت واخدت مرتب كويس يقدر يعيشني عيشة كويسة وسبت الدار .. ودورت على شقة تكون بمكان كويس وقريب من شغلي ميبقاش بعيد أوي وفضلت اعافر في الحياة لحد ما في يوم جالنا الشخص دة، في الأول كان كويس وأنا اصلا مكنش له تعامل معايا لاني سكرتيرة رئيس مجلس الادارة، لحد في يوم ما قرر يسافر مدير الشركة لصفقة برة وهو مسك مكانه ومن وقتها بدأ العذاب اللي بجد.. كنت طول حياتي بحاول ابقى شخص متفائل أصل لو كنت كئيبة و مملة مكنتش هستفاد حاجة بل بالعكس كنت هموت بدري ف قررت أن مش هضعف ولا أكون شخص مستسلم ولكن وجوده كان كل يوم بيضعفي ويجبلي رعب لحد ما افعاله تمادت واتقابلنا وأنت عارف الباقي .. فمعتقدش بعد كل دة هتوافق على واحدة زي بكل ظروفها دي، سبني في حالي ودور على واحدة كويسة ليها أهل وسند لكن أنا دفنت الامور دي من زمان ومش هعرف أسعدك
رن الصمت بينهما لدقائق على رغم جمودها لكن هناك أمل مدفون بين جنبات قلبها يتمنى لو صمم على رأيه ولكن تعرف بأن الحياة دائمًا تسلب منها كل ما أرادته يومًا، تحدث ببسمة فرحة لما حققته:
_ كل دة يخليني اتمسك بيكي أكتر مش اسيبك .. وبعدين أنا اختارت البنت اللي هقدر اكمل معاها باقي حياتي وأنا مطمن أن ليا سند
دلفت فاطمة بعدما استمعت لكل ما عاشته، فكانت تشعر بالحزن لما عايشته، والدموع تنهمر على وجهها ثم سارت حتى جلست على الفراش وأخذتها بين ذراعيها ف كانت الإشارة لبدأ بكاء من الطرفين، قالت بحب بنبرة متحشرجة:
_ حقك عليا من الدنيا كلها بعدين أنتي قوية وجدعة وشاطرة انك قدرتي تحققي كل دة رغم كل اللي عشتيه .. مين فينا يابنتي بيختار أهله أو له علاقة بيهم دي حكمة من ربنا وترتيبات ملناش علاقه بيها وبعدين انا يفديني السعى لما تبقي مراة ابني احنا عيلتك وحياتك كلها .. خليكي واثقة أنه الشخص اللي هيعوضك عن أي حاجة تاني مش عشان هو ابني ولكن عشان عارفة انا مربياه على أي
تبكي بين أحضانها وقلبها يحثها على الموافقة بينما عقلها ينهرها من المجاذفة بعلاقة ستكون خاسرة بها يكفيها لهذا الحد، ولكن إلى متى ستظل تغلق على نفسها وتستمتع بملذات الحياة .. لما لا تعند حياتها وتوافق عليه ألا يمكن بأن يكون عوضها عن كل ما مرت به على مر عمرها، يكفيها نظرته الدافئة وإنقاذه لها بكل مرة إما طلبتها منه أو كانت صدفة، قررت أن تستمع لصوت قلبها لن تغلق على نفسها مجددًا هي تستحق أن تعيش.
حثتها فاطمة بإصرار تتسائل:
_ ها موافقة ونقول مبروك
هزت رأسها بخجل داخل حضنها، ف زاد نحيب الإثنان فرحة أما هو ف ابتسم بسعادة عارمة أصابت قلبه وانعشته، ف ها هو يحقق ما تمناه منذ أن رآها .. عاهد نفسه بأن يكون عوضها بهذه الحياة، السند الذي فقدته، الأمان الذي بحثت عنه .. سيكون دائمًا منقذها وبطل روايتها وسيعمل على عودة بسمتها مرة أخرى.
*******
بعد مرور عام ..
يحملها بين ذراعيه بينما هي تلتف بيديها حول عنقه تهرب بنظراتها منه، أما هو فيرمقها بعيون لامعة شغوفة للنظر بها .. أنزلها بغرفتها بشقتهما التي تقابل شقة والدته، يتبادلان نظرات العشق الجارف .. كانت تبحث عن جرئه لتفعل ما تريده منذ أن رأته، فحاولت البحث عنها ولكنها هربت بأدراج الرياح، لكنهما يسحتقا هذا وبشكل مفاجئ قامت بالأقتراب منه ثم لفت ذراعيها حوله ووضعت نفسها في حضنه تستمتع بدفئه التي تشبه شعاع الشمس الذي أضاء عتمة قلبها وأزاح غبار الأيام عنها .. لا تتخيل بأنها حقًا تنعم بالأمان معه، حبيب أيامها التي أهدتها بها الحياة ف كانت الجائزة التي استحقتها .. تتذكر منذ موافقتها عليه وهي يغدقها بحنان وحب لم تتكن تتخيل بأنها ستحظى به، تتذكر بإصراره على إقامة خطبة لعام لتحظى بفترة كافية لتتعرف عليه جيدًا بجانب أن تعيش مراهقتها مع حبيبها مثل باقي الفتيات، كان يغدق عليها بالهدايا والكلمات المشجعة، تتذكر مكالمتهما التي تطيل لحد الصباح، يحدثها عن حياته تارة وأخرى يتغزل بها فكانت تشتعل من الخجل فلا تجيب عليه .. كل شيء فعله كان ليسعدها وختم أفعاله بإقامة عرس كبير بالشارع بمنطقته، حيث أحبها الجميع الصغير قبل الكبير وحظت بشعبية تماثل شعبيته .. فكل ما تمنته يومًا وحرمته على نفسها أغرقها بها مرة تليها الاخرى، دقات قلبها ترتقع بقوة والخجل على وجنتيها منتشر لكن السعادة التي تتحدث بها لم تمنعها من إعترافها تقص عليه بحب:
_ لو الكلام ينفع يشرح كل اللي جوايا ويكفي كنت قولته .. لكن اللي جوايا أكبر بكتير من اللي هقوله
يكفيه لمعة عينيها فلا يريد شيء أكثر من هذا، قبل جبينها قبلة عميقة اثارت الرعشة بجسدها وغمغم بحب:
_ مش مهم .. المهم إنك تبقي حساه وتدركيه وبعدين نبقى نوصفه على مهلنا
ابتسمت ترمقه بعشق قائلة:
_ تعرف أن طول حياتي كنت مقتنعة أني مش هتجوز ولا هسمح لنفسي أحب أو حتى يبقى عندي مشاعر لأي شخص .. لأن ظروفي مكنتش تسمح لحاجة زي كدة ف كنت دايما بفضل ابقى بعيدة عن أي حد لأن مكنتش عايزة اتاذي أكتر من كدة .. لحد ما جيت وشقلبت كياني كله
ناظرها بعمق يبتسم بإتساع قائلًا:
_ دة أنا من حظي الحلو عشان أجي أخد كل المشاعر الحلوة دي انهاردة .. أنا مبقتش عايز في الدنيا دي غيرك وأوعدك أن هحاول اخليكي سعيدة العمر كله
حضنته ثانية تجيبه بحنين:
_ يكفيني وجودك جمبي دي أهم من أي حاجة تانية.
شدد من إحتضانها وكل منهما يحتوي الآخر بطريقته .. عاشت طوال حياتها ب حرب قوية مع الحياة فكانت تسلب منها كل ما تريده ولكنها عاندت وظلت تجابها بقوة رغم قلة الإمكانيات المتاحة لديها ولكنها ظلت تحاول دون أن تفقد الأمل يومًا، لا تنكر بأن الأيام الجيدة كانت قليلة ولكن كافئها الله على صبرها لكثير من الأعوام .. ف كانت الجائزة تشكلت على هيئة رجل خلقت الصدفة بينهما حياة، المنقذ الذي ظهر بكل مرة أرادته بها .. ف اغدقها بكافة الدلال والحنان التي فقدتهما ولكن عوضها عن كل مرة تمنت سند ولم تجده، ف على رغم بأن الحياة جعلتها تسير ضد الرغبة إلا أنها أعادت تشكيل الطيار مجددًا و لأول مرة تسير برغبتها.
انتهت رحلة قصيرة استمتعت بيها وكنت مبسوطة أوي بأجوائها. وحابة أشكر روح قلبي المصممة الشطورة مي حمدي بأنها لبت طلبي ونفذته بأسرع وقت رغم ضيق الوقت عندها، تسلمي على الغلاف اللي خطف قلبي ويارب تفضلي دايما تمتعيني.
بتمنى إنكم تكونوا استمتعتوا بالرحلة معايا وهستنى رأيكم بشكل كامل على النوفيلا وتكون نهايتها حلوة فرحتكم ❤
القاكم قريبًا مع رحلة جديدة بعالم مختلف 🥺♥️
تعليقات
إرسال تعليق