رواية محسنين الغرام الفصل التاسع عشر 19بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
رواية محسنين الغرام الفصل التاسع عشر 19بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
ـ ١٩ ـ ~ حب حقيقي ، وحب امتلاك !! ~
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ ممكن بقا أفهم إيه اللي كان بيحصل ده ؟! مين دول وتعرفيهم إزاي وكانوا بيعملوا إيه هنا ؟ انطقــــي !!
هدر بها وحيد بغضب شديد وهو ينظر إلى نهال التي تقف أمامه بصمت ، ثم فتحت فمها وأغلقته بتوتر، فاقترب منها وأمسك بذراعها وهو يهزها بقوة غاضبة ويسترسل:
ـ انطقي، يعني إيه أرجع فجأة ألاقي ناس غريبة في بيتي بيتخانقوا، ومن ضمنهم واحد زي فريد مرسال، علاقتك بيه إيه وتعرفيه منين ، اتكلمي !!
أخذت نفسًا مضطربًا واقتربت منه وهي تحاول أن تتحدث بهدوء وتنحي الخوف جانبا علها تنجح في درء الشبهة عنها وقالت:
ـ أقسم بالله دي أول مرة أشوفه ، أنا هفهمك كل حاجه بس اسمعني..
ضيق عينيه متحفزًا، ووقف ينصت إليها وهي تقول:
ـ البنت اللي كانت موجودة دي تبقا نغم صاحبتي، وفريد ده بيحبها، والتاني يبقى ابن خالتها.. كان مراقبها وشافها وهي جايه عندي تزورني، طلع وراها، وفريد لما لقاها اتأخرت طلع هو كمان وراها، واتقابلوا هنا وحصل بينهم كلام ومسكوا في بعض زي ما انت جيت وشفت كده.. دي كل الحكاية والله .
كان ينظر إليها بشك، يحاول تصديق ما تحاول إقناعه به..
ـ مش نغم دي اللي سرقت محفظة جمال النجار جارنا قبل كده ؟!
تنهدت بضيق وهي تقول:
ـ أيوة هي..
ـ وإيه اللي جابها عندك تاني ؟ هو أنا مش قولتلك تقطعي علاقتك بيها تماما !
ـ والله ده اللي حصل، أنا فعلا كنت قاطعة علاقتي بيها بس هي اللي جتلي فجأة وحتى ملحقتش أقولها امشي .
لم يقتنع تماما بما قالته، ولكنه لم يهتم بمعرفة أكثر لأنه في كل الأحوال كان قد اتخذ قراره، وأخذ يدور حول نفسه بتوتر بالغ، يضرب راحة يده بقبضة اليد الأخرى وهو يقول:
ـ أنا كده بيتي هيتخرب، لو فريد مرسال اتكلم وقال لأي حد أني متجوزك ممكن الخبر يوصل لصوفيا والاولاد وكل حاجه تتهد فوق دماغي ، يظهر مفيش غير حل واحد.
نظرت إليه بترقب، وتساءلت بخوف فقالت:
ـ اللي هو إيه ؟!
زفر زفرةً ثقيلة، ثم قال باختصار:
ـ أطلقك.
ضربت بيدها على صدرها بفزع وهي تقول بصدمة:
ـ تـ إيه ؟! تطلقني ؟! بقى دي أخرتها ؟! تطلقني عشان خاطر المدام والولاد ؟!
فأجابها بانفعال، حيث صاح بأعلى صوته ، هاتفًا بكل الكلمات دفعةً واحدة أفزعتها:
ـ هطلقك لأني اتفقت معاكي من أول يوم اتجوزتك فيه، ممنوع تعرفي حد أو تكلمي حد أو تدخلي حد البيت، ممنوع حد يعرف إنك مراتي، وانتي مسمعتيش الكلام، وأنا مفيش عندي استعداد أخسر مراتي صوفيا هانم الرداد عشان خاطرك، ولا عندي استعداد أزعل ولادي عشان خاطرك، تفتكري بقا لما أكون لازم أختار بينك وبينهم هختار مين ؟!
نظرت إليه والغضب الكامن في عينيها قد برز في نبرة صوتها المرتجفة حين قالت:
ـ أكيد هتختارهم هما وتبيعني أنا، ماهو أنا ماليش لزمة، تحصيل حاصل، واحدة للمزاج وبس.. إنما هي صوفيا هانم أم الأولاد وشريكة حياتك اللي لا غنى عنها.
ليجيبها وهو يتجاوزها ويدخل إلى الغرفة:
ـ كونك معترفة بالحقيقة ده هيسهل علينا حاجات كتير أوي، وأعتقد لازم نخلص بسرعة من الموضوع ده.
نبشت في دفتر الحيل الخاص بها وأخرجت منه الحيلة الأكثر فعالية وتأثيرًا ، فلحقت به إلى الغرفة وهي تنتحب بصوت عالي وتقول:
ـ طب وأنا ؟ مفكرتش فيا ؟! مفكرتش هيجرالي ايه من بعدك ؟! ده أنا يتيمة ومليش أهل، مليش غيرك .
وألقت بجسدها بين ذراعيه بقوة وأخذت تبكي على صدره وتتشبث به بقوة وهي تقول:
ـ عشان خاطري متبعدش عني يا وحيد، أنا مقدرش أعيش من غيرك والله..
صمتت لثوان، تجردت فيها كل الملامح وصمت النحيب، وأخذت تترقب ردة فعله التي ستكون الفيصل في هذا الموقف، لتجده وقد أخذ يمسد ذراعيها بلطف وهو يقول:
ـ طيب خلاص اهدي، هديكي فرصة أخيرة يا نهال، بس صدقيني لو سببتيلي أي إزعاج مرة تانية أو حسيت مجرد إحساس إنك بتشكلي تهديد لاستقرار حياتي مع ولادي ومراتي صدقيني وقتها مش هفكر مرتين.
أومأت بموافقة، هي لا تنوي إزعاجه مجددا، في تلك اللحظة فعلا لا تشعر أنها ستكون لديها الجرأة لارتكاب أي حماقة أخرى قد تودي باستقرارها، أو تجد نفسها على إثرها مُلقاة في الشارع من جديد. أغمضت عينيها وهي بداخلها تحمد الله لأنه سترها مجددا، واسترجعت تلك اللحظات الأخيرة..
ـ استرجاع زمني ـ
بعد محاولات عديدة لفك وثاق تلك العقدة التي عقدها حسن حول ذراعيها لم تنجح واستسلمت للنوم بتعب وهي لاتزال على نفس وضعها، لتعي من نومها بعد ساعات على صوت الباب وهو يُصفق بقوة، تشنج جسدها وتصلب الدم بعروقها وهي تنتظر دخول زوجها، بالتأكيد قد عاد فجأة وسيراها بتلك الحالة، ولن تجد حينها ما تخبره به ومن الممكن أن يقتلها وهي لا تزال على نفس الوضع.
لتتفاجأ بعدها بوجود حسن أمامها، الذي دخل وجلس بجوارها، ووضع ساقا فوق الأخرى وهو يقول ببرود:
ـ صباح الخير ..
نظرت إليه بغضب جهور وتمتمت بانفعال:
ـ صباح زي الزفت.. جاي عايز مني إيه تاني ؟!
نظر إليها من زاوية عينه، ثم مسح براحتيه على فخذيه بتمهل وهو يقول:
ـ الحق عليا يعني جاي أطمن عليكي ؟! جاي أشوفك فكيتي نفسك ولا لسه مستنياني أفكك.
ـ خير يا حسن، جاي عايز إيه تاني؟
ـ نتفق.
ـ نتفق على إيه ؟!
ـ هتساعديني نجيب نغم عندك هنا !
نظرت إليه بصدمة وضحكت بصوت عالي وقالت:
ـ إنت اتجننت ولا ايه ؟! نغم مين اللي هتيجي هنا ؟!
ـ اسمعي مني، أنا بعتلها رسالة من تليفونك وقولتلها انك هتقابليها انتي وأمي قدام المستشفى الساعة ١٠ .. هي طبعا هتصدق وهتيجي عشان تشوف خالتها، تقابليها انتي وتقوليلها إنها عندك هنا وتجيبيها وتيجي.
ـ وبعدين ؟؟
تساءلت بفضول وقلق ليجيبها قائلا بإيجاز:
ـ بعدين دي بقا بتاعتي أنا، اعملي اللي عليكي انتي بس وهاتيها لحد هنا والباقي أنا كفيل بيه.
أخذت تفكر للحظات ثم تساءلت:
ـ وافرض موافقتش تيجي معايا، وافرض إنها مجتش عشان تشوفنا أصلا !
أجابها بثقة وقال:
ـ هتيجي أنا متأكد .. ها.. أفكك ولا تفضلي مربوطة كده لحد ما يرجع وحيد بيه ؟!
نظرت إليه بغضب وقالت بضجر وتأفف:
ـ فكني . منك لله ربنا ينتقم منك انت ونغم بتاعتك في ساعة واحدة
نظر إليها مغتاظًا وقال بحدة:
ـ ما بلاش طولة لسان بقا ولمي الدور.. أنا هفكك بس أي حركة غدر منك هزعلك، وانتي عارفة زعلي وحش إزاي !
فك وثاق يديها فأخذت تدلك يديها بألم وهي تنظر إليه شزرًا وتقول:
ـ الغدر مش هييجي مني أنا، الغدر هييجي من حبيبة القلب اللي انت بتجري وراها وهي ولا سائلة فيك.
ـ عودة للحاضر ـ
هي الآن ممتنة للقدر الذي أرسل إليها حسن هذا الصباح، لذا ستغتنم تلك الفرصة الأخيرة وتستغلها، وستحمد الله مرات ومرات لأنه منحها إياها.. ستحرق دفتر الماضي وتفتح صفحة جديدة ستسعى للحفاظ على نقائها قدر الإمكان.
***
قاد صامتًا لأكثر من ثلاثين دقيقة قضاها في حياته، كان يشعر حينها بالاختناق، بالغضب، بالسخط على كل شيء حوله.
وكلما نظر إليها وجدها تجلس وهي تنظر من نافذتها بصمت، لا تتحرك، لا تبكي حتى !
في تلك اللحظة كان يشعر بها جيدا، يعرف كيف أنه من الممكن أن يكون الصمت أبلغ من أي رد فعل، ولكنه كذلك يعرف أن الصمت في مثل تلك اللحظات ليس حلا، لأنه يجعل المرء شبيها بالقنبلة الموقوتة، لا بد أن ينفجر في الوقت والمكان الخاطئين .
أوقف السيارة فجأة على جانب الطريق، ثم ترجل ودار حول السيارة، وقف أمام الباب المجاور لها وفتحه، فنظرت إليه باستفهام لتجده يقول:
ـ انزلي .
تعجبت قوله، ولكنها أذعنت بصمت مطبق، ونزلت فأغلق الباب، ثم وقف مستندًا على مقدمة السيارة وعقد ذراعيه أمام صدره وهو ينظر للفراغ من حوله ويحاول تطبيق أي طقس من الطقوس التي تخفف عنه توتره والضغط النفسي الواقع عليه، فأغمض عينيه وأخذ يعد بداخله تصاعديا مرة ، وتنازليا مرة ، حتى بدأ يشعر بالراحة نسبيا..
كانت تقف بجواره ، وتسند كفيها للوراء وهي تحدق نحو نقطة وهمية، تتذكر كل ما حدث معها قبل قليل وهي تشعر وكأنه سكين قد غُرس في أعمق أعماق قلبها.
لم يؤلمها كل ما قاله، ولا حتى التهمة الباطلة التي رماها بها بقدر ما آلمتها حقيقة نهال التي انكشفت أمامها بكل بساطة، وإلى الآن ترفض تصديق ما حدث، وفيما هي شاردة جذبها صوته الذي انتشلها من أعماق الظلام قائلا:
ـ مينفعش تفضلي ساكتة كده كتير، لازم تخرجي الغضب اللي جواكي .
نظرت إليه لبرهة طويلة، لتجده لايزال ينظر أمامه، ثم نظر إليها وتبادلا النظرات للحظات بصمت، فحركت رأسها مجددا نحو اللاشيء..
بينما هو كان يستطرد ما بدأه ويقول:
ـ أنا عارف إنه غصب عنك، بس لازم تحاولي. اتكلمي.. عيطي، اصرخي حتى.. بس متكتميش جواكي.. المشاعر اللي بنكتمها جوانا صدقيني بتضرنا فيما بعد .. لو عودتي نفسك تكتمي غضبك وكل المشاعر السلبية اللي بتحسي بيها هتلاقي نفسك مع مرور الوقت مش قادرة تعبري عن غضبك ولا تنفسي عنه، هتحاولي تصرخي أو تبكي مش هتعرفي، كل دمعة وصرخة بتحبسيها في قلبك دلوقتي هتتمني بعدين تخرجيها مش هتعرفي.
بدأ قلبها بالخفقان بقوة ..
ـ لازم تتخلصي من كل حاجه جواكي .. عشان بمجرد ما نتحرك من هنا تقدري تبدأي من جديد.
خفق قلبها أكثر..
ـ غمضي عينيكي وخدي نفس .. وافتكري اللي حصل كله، كل كلمة كتمتيها جواكي ومقدرتيش تتفاعلي معاها وقتها.. كل إحساس حسيتيه ومقدرتيش تعبري عنه..
أغمضت عينيها فعلا، تذكرت كل شيء وكأنه يحدث أمامها للتو، وأحست برهبة الموقف وكأنها لازالت تحياه.. وترددت كل كلمة تفوه بها حسن على مسامعها بطريقة جعلت دقات قلبها تتسارع كما لو أنها على وشك التوقف، وابتلعت تلك الغصة في حلقها بصعوبة بالغة ، ثم نظرت إليه، فحرك رأسه صوبها وهو لايزال على نفس موضعه بثبات، تلاقت نظراتهما للحظات طويلة ، حتى رآها ترمش عدة مرات وبدأت الدموع تتكون بعينيها.
أومأ بهدوء وبراحة شديدة لأنه نجح فيما يحاول فعله أخيرا، وظل يحاصر عينيها وهو يراهما قد بدأتا في سكب الدموع ببطء، إلى أن انفجرت باكية بقوة وملأ صوت بكاءها الفراغ من حولهما.
ظل ينظر إليها بصمت، وهو يحاول تجاهل تلك الفكرة التي تداهمه وتلح عليه بقوة، كأن يضمها إليه فتنتهي نوبة انهيارها هنا بالقرب منه، ولكن ألف شيء كان حائلًا بينه وبين ذلك الخاطر، أولهم الوسواس الذي أخذ يومض برأسه وكأنه جرس إنذار، ينذره أنه قد تخطى الحد المسموح به، يجبره أن يبتعد عنها الآن.
استمع إلى رنين هاتفه فأجاب بإيجاز:
ـ أيوة يا أيمن ؟!
ـ فريد بيه، عندنا اجتماع كمان ساعة تقريبا..
ـ إلغي كل حاجه يا أيمن، أنا مش فاضي النهارده.
وأنهى الاتصال، ثم نظر إليها وهي لاتزال تبكي، اقترب منها خطوة ، ووقف أمامها مباشرةً يطالعها بأسى، ثم قال:
ـ كده أفضل. ويا ريت أي مشكلة تواجهك بعد كده تفاعلي معاها بلاش تتجاهليها .
فتح باب السيارة وأخرج علبة مناديل وسحب منها منديلا ثم أعطاها إياه فأخذته منه وأزالت آثار الدموع ثم نظرت إليه وقالت بصوت خافت:
ـ أنا مش عارفة أشكرك إزاي على وقفتك جمبي ، مع إني مستاهلهاش.
قطب جبينه متعجبًا حديثها السوداوي وقال:
ـ مين قال كده ؟!
نظرت إليه في انتظار أن يكمل كلامه ولكنه صمت، دس يديه في جيبي سترته، وجال بعينيه في المكان الواسع من حوله للحظات، ثم عاد إليها واستقر بعينيه على عينيها وقال:
ـ ليه مقولتليش من البداية إنك هربتي من خالتك بسبب حسن ؟!
رمشت بعينيها مرات، وشعرت وكأن لسانها قد عقد، فقال:
ـ لو مش عايزة تتكلمي أنا مش بجبرك على فكرة..
ـ مكنتش عايزة أفتكر اللي عيشته على إيديه اليوم ده.
قالتها فأنصت إليها باهتمام، فمسحت دموعها مجددا وهي تتنفس الصعداء ثم أكملت:
ـ مكنتش شايفة إنه ضروري أحكي، متخيلتش إن ممكن حاجة زي اللي حصلت النهارده تحصل.. أنا مش عارفة لو مكنتش معايا كان ممكن يحصللي إيه ؟!
شيئا ما بحديثها ونبرة صوتها حرك بداخله إحساسا بالمسؤولية تجاهها، فتحدث بتلقائية وقال:
ـ الحمدلله ربنا ستر وقدرت أوصل في الوقت المناسب، بالرغم من إني غلطت أصلا لما وافقتك من البداية.
ـ أنا كمان غلطت إني وثقت فيها. مكنتش أعرف إنها ممكن تتفق معاه عليا .
ـ واضح إنها بتحبه.
قالها بهدوء، فنظرت إليه بصمت وأومأت قائلة:
ـ صح .
ـ وهو بيحبك .
قالها وهو يرمقها بنظرة ثاقبة ، فمطت شفتيها وقالت:
ـ بيقول .. بس اللي أنا متأكدة منه إن ده مش حب. الحب عمرُه ما يكون بالشكل ده. ولو ده الحب فانا مش عايزاه ولا عايزة أتحب.
أفضت ما بداخلها بقوة وانفعال ثم صمتت وأخذت تتنفس ببطء، بينما هو يحاول ألا يتخلى عن تحفظه وهدوئه، ولكنه الآن لا يفلح في مقاومة فضوله نحوها.
ـ إيه هو الحب بالنسبالك .
نظرت إليه بصدمة طفيفة، لم تتوقع أبدا أن تقف بجواره في يوم بهذا القرب ويتبادلان أطراف الحديث حول الحب !! لم تتخيل ولو في أكثر أحلامها جحودًا أن يحدث ذلك مع رجل القطب الشمالي هذا.
ولكن بما أنه قد تخلى عن بروده وخرج عن صمته فعليها أن تفعل المثل، خاصةً لأنها في أشد الحاجة للحديث.
أشاحت بنظرها لوهلة، ثم عادت تنظر إليه وهي تقول:
ـ أنا عمري ما حبيت قبل كده، بس متهيألي أهم حاجه في الحب هي الأمان !! لأ ده الأمان أهم من الحب.. يعني لو أنا حاسة بالأمان مع الشخص اللي أنا هبقا معاه ده كفاية، والحب ممكن ييجي بعدين. لازم أكون مطمنة وحاسة إني مرتاحة ومش خايفة منه. أبقا متأكدة إنه هيحميني طول الوقت، أقدر أتسند عليه.. أحس كده إن ضهري مسنود بيه ومستقوية بيه. مش خايفة منه طول الوقت وحاسة وأنا معاه إني في خطر !! الحب بالنسبالي هو الأمان.
راقتهُ كلماتها كثيرا، وراقتهُ لمعة عينيها وهي تتحدث وتصف ما تبحث عنه، هي بالفعل تحتاج للأمان. ولولاه ما هربت من حضن خالتها، ويظن أنه بإمكانه أن يحقق لها أمنيتها. أو يتمنى .. ليس متأكدًا بعد.
تنهد تنهيدة طويلة وهو يراها تضغط عينيها بقوة والدمع يتساقط منهما، فمسحت دموعها بالمِحرمة ونظرت إليه مجددا، همت بقول شيئ ما قبل أن تتسع عيناها بلهفة وهي تقول:
ـ يا نهار أبيض.. مناخيرك بتجيب دم !!
وعلى الفور كانت قد وصلت لعنده، وبنفس المنديل الذي مسحت به دموعها كانت تزيل سيل الدم المتدفق من أنفه وهي تنظر إليه بهلع وتقول:
ـ ممكن تكون اتكسرت ؟! إنت لازم تكشف، لازم تعمل عليها أشعة حالا ممكن يكون فيها كسر أو شرخ من جوة .
وقف متجمدا ، لا يستوعب الصدمة، لا يستوعب الكارثة ، لا يستوعب أنه نفس المنديل !!
ربااه.. !!
أمسك يدها التي تزيل الدم عن أنفه، ورفع مرفقها للأعلى أمام عينيه وأخذ يطالع المنديل مصعوقًا بصمت.. ثم نظر إليها وكانت نظرته توحي لها أنه سيقطع تلك اليد في القريب العاجل!!
سحبت يدها بسرعة، أو بخوف.. أيهما أقرب .
وابتعدت للخلف خطوة، بينما هو فتح باب السيارة واستل من الداخل زجاجة كحول، ورش على منديل ثم أخذ يمسح أنفه، ومن بعدها عقم يديه جيدا ، ونظر إليها مستاءً فقالت ببلاهة:
ـ انت بتعمل إيه ؟!
تنهد مطولا ولم يجب، الإجابة تحتاج طاقة لا يملك منها ذرة الآن، فلما رأته صامتا أرجأت الاحتمال لكونه شعر بالقرف منها مثلا ! فهتفت بحرج:
ـ أنا مقصدتش أضايقك أنا بس قلقت لما شفت الدم .
هز رأسه متفهما وقال:
ـ متقلقيش .. الموضوع بسيط.. كل الحكاية إنه كان بيضرب بِغِل شويتين ..
ظهر الأسى على ملامحها، فأومأت بهدوء وهي تجيبه بعفوية:
ـ انت هتقوللي !
نظر إليها متفاجئًا وسألها باهتمام:
ـ قصدك إيه ؟! قصدك إنه كان بيضربك ؟!
نظرت إليه بصمت، ثم أجابت سريعا كي لا تسمح له بقراءة تعابير وجهها التي تحكي كل شيء:
ـ مرة او اتنين بس..
رفع حاجبيه بذهول، وأطلق تنهيدة ساخرة قصيرة، ونظر إليها مجددا وقال بحدة:
ـ وانتي ازاي تسمحي له يعمل كده؟! إزاي تقبلي إنه يتطاول عليكي أصلا بالقول مش بالفعل.. وفين خالتك من ده كله ؟! إزاي تبقا عارفة إن ابنها بيأذيكي بالشكل ده ومش بتصده ! أنا مش مصدق بجد .
تنهدت تنهيدة بائسة، وعادت الدموع تملأ عينيها من جديد، فتنهد مثلها بأسف وضيق من نفسه لأنه أدرك أنه كان حادًا أكثر من اللازم فقال:
ـ طيب متزعليش.. أنا زودتها عليكي أنا آسف.
هزت رأسها بنفي وقالت:
ـ بالعكس، انت صح، أنا اللي كنت بفرط في حقي دايما.. خصوصا لما مكنتش بلاقي رد فعل من خالتي، هي أينعم كانت بتدافع عني وبتخاصمه عشاني ، بس بتبرر له بيني وبينها.. تفضل تقوللي إنه غلبان والدنيا جاية عليه وبيحبني وبيغير عليا والكلام العبيط ده..
نظر إليها مغتاظا وقصف بحدة أعلى من ذي قبل:
ـ ده مش كلام عبيط بس ده كلام عبيط غبي ومتخلف كمان .. وخالتك دي واضح إنها كانت بتتعامل بنفس الطريقة أو عندها عقدة من شخصٍ ما مخلياها تشوف الكرامة دي مجرد أوبشن..
أخذ نفسا عميقا وهو يحاول أن يتحدث معها بحدة أقل وأن يسيطر على انفعاله فقال:
ـ اسمعيني يا نغم.. الحب عمرُه ما يكون حب لو هينتقص من كرامة الإنسان ، خليكي واثقة إن الشخص السوي اللي بيحبك بجد عمره ما هييجي عليكي او يأذيكي أو يقبل أنه يستقوى عليكي.. اللي كان بيعمله حسن ده مش حب حقيقي.. ده حب امتلاك.. هو واهم نفسه إنه بيحبك.. وبيتعامل على الأساس ده، بيفرض سيطرته عليكي ويقيدك ويخنقك تحت مسمى الحب والغيرة وكل الهبل ده.. إنما في الحقيقة كل ده خوف جواه هو اللي بيحركه.
تنهد ثم قال ببساطة لأنه وجدها تنظر إليه نظرة تشي بالبلاهة:
ـ بصي .. حاولي تركزي معايا وتفهميني وأنا هحاول أتكلم ببساطة شديدة.
أومأت بموافقة فقال:
ـ واضح إن خالتك ربت حسن ده بطريقة غلط جدا وزرعت جواه خوف وأنانية وحب سيطرة ملهمش حدود، و ده أكيد ناتج عن تجربة شخصية قاسية هي عاشتها، أو ربما يكون عيب في شخصيتها من البداية ، ما علينا.. الحاجات اللي خالتك زرعتها في حسن دي عملت منه إنسان متملك.. الخوف والأنانية اللي جواه خلوه بيسيطر على كل القريبين منه بدون قصد، وهو بيكون فاهم إن ده حب، وبيكون مصدوم هما ليه مش بيبادلوه نفس الشعور، لكن مبيقدرش يفهم حقيقة مشاعره دي ويعرف انه فعلا مكانش حب غير لما بيقابل الحب الحقيقي فيما بعد .. ساعتها بس بيقدر يفرق بين الحب الأولاني والحب التاني اللي هو الحب الحقيقي.. وخصوصا لو اتحب من نفس الطرف اللي هو بيحبه، تأكدي إنه بيتغير تماما وبيتحول لنسخة جديدة هو نفسه مبيكونش مصدقها .. فاهماني ؟!
أومأت بموافقة فقال:
ـ نرجع بقا للموضوع الأساسي.. ممنوع إنك تسمحي لأي حد يتخطى حدوده معاكي أو يعاملك بطريقة انتي مش قبلاها، أو تتنازلي وتسمحي إنك تتعاملي بطريقة أقل من اللي تستحقيها، مهما كان الحد ده مين، ومهما كان بالنسبة لك إيه. لازم كرامتك عندك تبقا رقم واحد قبل أي حد وأي شيء، وافتكري دايما إن ربنا خلقك حرة يعني مينفعش تقبلي الإهانة على نفسك ولا تتهاوني في حقوقك.. فهمتيني؟
هزت رأسها بموافقة فتابع:
ـ وحاجة كمان، اللي حصل النهارده ده لازم تكوني اتعلمتي منه حاجة مهمة أوي، وهي إنك متديش الأمان لكل الناس، لازم تكوني حريصة في تعاملك مع الناس لأنك متعرفيش نواياهم، ومتعرفيش اللي جواهم نفس اللي بيظهروه ولا لأ، حتى لو هتثقي في القريبين منك تثقي بحذر ، بلاش الثقة العامية دي لأنها في أغلب الأحيان بتضر .
هزت رأسها مجددا فقال بأسلوب ساخر :
ـ انتي عمالة تهزي دماغك كده فهمتي ولا بتجاريني وخلاص؟
ـ لا والله أنا فهمت فعلا..
نظر إليها بجدية مصطنعة وقال وهو يقف متأهبًا:
ـ طيب ممكن تقوليلي زي الشاطرة كدة إيه الدروس المستفادة اللي فهمتيها من المحاضرة اللي بقالي ساعة بلقيها دي؟
توترت قليلا وأخذت تعدد على أصابعها وهي تقول بانتباه:
ـ إني مقبلش بأقل من اللي استحقه، وإني مديش الأمان لأي حد.. والثقة تبقى ثقة بحذر.
تنهد وارتسمت على شفتيه شبه ابتسامة راضية وقال:
ـ صح، براڤو عليكي.. واضح إنك تلميذة نجيبة والعلام مش خسارة فيكي.
ضحكت ضحكة هادئة فأضاف بعفوية نادرًا ما يجود بها:
ـ وواضح كمان إنك إنسانة حلوة جدا من جوة..
وحك ذقنه بشبه تردد وأضاف بخفوت:
ـ ومن برة كمان .. يلا بينا.
لم يسمح لها أن تتفاجأ بما قاله، وانسحب ودار حول السيارة ليصل إلى الباب وتركها تقف في مكانها مصدومة، هل ما ألقاه للتو كان إطراء؟ أم مجاملة ؟! أم مصارحة عفوية؟ أم أنها كانت تتوهم ؟!
انتبهت للبوق الذي أصدره منبهًا إياها فنفضت تلك التراهات نن رأسها، وركبت بجواره وهي لا تزال على نفس حالة الصدمة .
نظرت إليه وهو يرش الكحول مجددا على يديه، وعلى عجلة القيادة، فنظرت إليه باستغراب، فقابل استغرابها بهدوء وتفهم قائلا:
ـ متشغليش بالك، أه صح نسيت حاجة مهمة، لازم نغير الرقم اللي معاكي .. باالليل هجيبلك شريحة تانية .
ـ لأ خلاص مش مهم.. أنا اصلا مش محتاجاها مش هكلم حد..
ـ لأ ضروري يكون معاكي رقم متضمنيش الظروف، وبعدين جايز أحتاج أكلمك أو أسألك على حاجه أو أبلغك بحاجة، مش كل ما هحتاج أتكلم معاكي هنتحجج بموضوع الدكتور ونخرج يعني.
أومأت مؤيدةً ثم قالت:
ـ خلاص ماشي اللي تشوفه.
ـ وكمان لازم نمشي في إجراءات البطاقة، هشوف ايه اللي لازم يتعمل وهبلغك. أكيد مش هتفضلي عايشة مجهولة الهوية كده كتير .
استدارت لتنظر إليه ، لتجد عيناه ترمقانها بالفعل، فقالت وشعورًا بالامتنان يسيطر عليها ؛
ـ أنا مش عارفة أشكرك إزاي، إنت حد طيب جدا على فكرة.
استقبل مديحها البسيط بابتسامة بسيطة تلائمه، ثم قال بابتسامة مهذبة بها بعض من المشاكسة:
ـ ده من ذوقك على فكرة.
كبحت ابتسامة خفيفة تسللت إلى شفتيها، ثم حركت رأسها لتنظر من النافذة ، وظلا صامتين إلى أن دخل الڤيلا، صف السيارة ونظر إليها قائلا:
ـ اتفضلي انزلي، أنا عندي كذا مشوار هعملهم وأرجع.
نظرت إلى قميصه المجعد والذي تناثرت عليه بضع قطرات دم من أنفه أثناء ملاكمة حسن فقالت:
ـ هتروح كدا ؟!
أحنى رأسه وهو ينظر إلى القميص وقال :
ـ أكيد لأ.. هرجع على البيت عندي أغير الأول ، مش هينفع أدخل الڤيلا كده طبعا عشان التساؤلات الكتير.
أومأت بموافقة، وفتحت الباب وترجلت، ثم أدارت رأسها مجددا وأشارت له بعفوية فلوح لها بيده كما فعلت وهو يبتسم، ثم خرج مجددا، ودخلت وهي تشعر بالإحباط والقلق مما هو آت .
***
غادر شريف المطار وركب سيارته التي كانت في انتظاره حيث أن السائق كان على علم بميعاد وصوله، فاستقبله مرحبًا وهو يقول:
ـ حمدالله على سلامتك يا شريف بيه.
ـ متشكر..
ـ هنرجع على البيت ؟!
ـ لأ، هنروح الأول على ڤيلا سالم مرسال.
أومأ السائق بطاعة وتحرك منطلقًا في طريقه، بينما شريف كان ممسكا بهاتفه، وقام بكتابة رسالة إلى نسيم من رقم آخر غير الذي قامت بحظره ..
" الطريق إليكِ أطول مما أظن، وأقصر مما تظنين أنتِ "
أرسل الرسالة وارتسمت على شفتيه ابتسامة متحمسة، ولكنها انطفأت فور أن رأى اسم چوليا على شاشة الهاتف تتصل به فقام بغلق الهاتف مجددا متأففًا بضيق وضجر، وأعاد الهاتف إلى جيب سترته، ثم تحدث إلى السائق قائلا:
ـ الأول خلينا نشوف مكان نشتري منه ورد وشيكولاته.
أومأ السائق موافقا، واتجه به نحو متجر لبيع الورد ، ابتاع منه باقة ورد ، ثم ذهب إلى متجر لبيع الحلويات والشوكولاته وأحضر منه علبة شيكولاته فاخرة .
بعد حوالي ربع ساعة كان السائق قد توقف بسيارته داخل ڤيلا سالم مرسال ، صف السيارة فنزل شريف وهو يحمل باقة الورد والشيكولاته ، ودخل فاستقبلته زينب وقادته نحو الصالون، وذهبت لإبلاغ سالم.
***
كان سالم يجلس بغرفة مكتبه وأمامه يجلس نادر ، يتجاذبان أطراف الحديث فإذا به يستمع إلى طرقات على الباب ثم دخلت زينب التي قالت:
ـ بشمهندس شريف الصواف منتظر حضرتك في الصالون يا باشا.
نظر إليها متعجبا وقال:
ـ شريف الصواف ؟! عجيبة !! وده منتظرني أنا ليه؟ عرفتيه إن عمته مش موجودة ؟!
ـ أيوة بلغته إن نادية هانم سافرت وقاللي إنه جاي لحضرتك.
نظر إلى نادر متعجبا وهو يتساءل:
ـ هيكون جاي ليه ده ؟! الواد ده مبتفائلش بيه.
ـ جايز جاي يتكلم معاك في شغل أو حاجة يا باشا.
حينها تحدثت زينب قائلة بعد أن تحمحمت باستئذان لبق:
ـ بعد إذنك يا باشا، بشمهندس شريف جاي ومعاه ورد وشيكولاته .
قطب سالم جبينه باستغراب، ثم أشار إليها لتنصرف ، ونظر إلى نادر مجددا وقال:
ـ بتقوللك ورد وشيكولاته ، ده جاي يطلب إيد مين؟ چوليا ولا چيلان؟! وليه متكلمش مع عمته وجاي يكلمني أنا ؟! ده إيه الذوق ده كله !
فأجابه نادر بابتسامة متمهلة وقال:
ـ يا خبر بفلوس يا باشا.
أومأ وهو يربت بكفه على الكف الأخرى وقال بهدوء:
ـ على رأيك، المهم مكملتش كلامي، البنت بادئة تتحسن وفي أمل كبير إنها تفتكر كل حاجه في وقت قريب جدا، عايزك تستعد ، هي أينعم واضح إنها ماشيه في الطريق اللي احنا عاوزينها تمشي فيه بدون توجيه من حد، بس ده بردو ميخليناش نتطمن ، لازم نعمل حساب كل حاجه، شوف هتمضيها على الشيك ازاي من غير ما تاخد بالها، وأهو يبقا معانا عشان لو فكرت تخلع مننا نبقا ضامنين هنرجعها ازاي.
ـ اللي تؤمر بيه هيحصل يا باشا، متشيلش هم حاجة خالص.
ـ عال أوي، وسجل عندك عشان متنساش، إسمها نغم ناجي وأمها اسمها.. تقريبا بدر. شوف هتقدر توصل لحاجة ولا لأ وبلغني.
ـ متقلقش يا باشا ، بإذن الله في أقرب وقت الأخبار كلها تكون عندك.
ـ متشكر يا نادر، انت دايما رجل المهام الصعبة .
نهض فنهض نادر مبتسمًا وهو يقول:
ـ ده شرف ليا يا سالم باشا ، أنا في الخدمة دايما.
انصرف نادر فخرج سالم لمقابلة شريف الذي كان يجلس متوترًا، يهز قدميه بترقب، إلى أن رأى سالم يقترب منه فنهض واقفا بتهذيب.
ـ مساء الخير يا بشمهندس ، عاش من شافك.
قالها سالم بمرح مصطنع، فابتسم شريف ابتسامة بسيطة وقال وهو يمد يده إليه ليصافحه:
ـ إزي حضرتك يا سالم باشا.
ـ أنا تمام الحمد لله ، اتفضل اقعد .
جلس شريف أمام سالم الذي وضع ساقًا فوق الأخرى ونظر إليه وقال:
ـ نورتنا يا بشمهندس.
تنحنح شريف بحرج وقال :
ـ بنور حضرتك أكيد، أنا أفضّل إني أدخل في الموضوع مباشرةً، الحقيقة أنا جاي أطلب منك إيد الآنسة نسيم.
نزل الخبر كالصاعقة على أذني سالم الذي لم يتوقع أبدا ما قاله شريف، لقد ظن أنه سيطلب چوليا أو چيلان، ولم يتوقع أبدا أن تكون المطلوبة هي نسيم !!
تنحنح يجلي حلقه بهدوء، ثم قال بتشتت :
ـ في الحقيقة إنت فاجئتني، أنا متوقعتش طلبك ده!
ثم تساءل وهو يرمقه بنظرة ثاقبة أربكته:
ـ انت شوفتها فين ولا تعرفها منين؟
تحرك شريف خطوة نحو سالم وهو يقول بارتباك:
ـ بصراحة يا سالم باشا أنا مكنتش شُفتها من سنين طويلة لحد ما شُفتها يوم الحفلة بتاعت فريد.. اتفاجئت بيها يومها لأني كنت نسيت شكلها ونسيت إنها فرد من أفراد العيلة تقريبا.. ومن ساعة ما شفتها وأنا معجب بيها جداا جداا لدرجة إني مش قادر أبطل تفكير فيها.
رمقه سالم بطريقة أوقفته عند حده، وجعلته يلتزم الصمت تماما، فتنهد سالم وقال بعجرفة معتادة:
ـ أيوة بس أنا إيه الي يخليني أوافق بيك؟
ارتفع حاجبا شريف وغضّن جبهته، ثم تساءل بحرج ووجل:
ـ مش فاهم .
ـ أقصد إيه المميز فيك اللي يخليني أوافق أجوزك نسيم ؟! نسيم كل يوم بيتقدم لها شباب أبناء رجال أعمال صحابي، وناس كلهم مراكز مرموقة جداا وكلهم احسن من بعض ومع ذلك مش شايف فيهم حد يصلح إني أجوزه بنتي. خصوصا إن نسيم مش زي أي بنت تانية.. دي بنت رقيقة جدا وحساسة جدا جدا.. دي كل شباب العيلة يتمنوا بس يتعرفوا عليها أو يشوفوها من كتر ما بيسمعوا عنها.
أومأ شريف بابتسامة مبتهجة متحمسة وقال:
ـ أنا عارف، وعارف كمان إن نسـ.. أقصد آنسة نسيم تستاهل أحسن حد في الدنيا وطمعان إن حضرتك تثق فيا وتديني الفرصة دي .
ـ بردو مجاوبتنيش، إيه اللي يميزك عن كل اللي اتقدموا لها يخليني أوافق بيك ؟
ظل شريف يفكر للحظات، يختار الإجابة الدبلوماسية التي ستجعله يحرز هدفًا، فهو يعرف أن سالم مرسال لن يقبل سوى بإجابة مقنعة فقال محاولا بث الثقة في كلامه كي يبدو مقنعًا:
ـ أعتقد إن لحد دلوقتي مفيش حاجة بتميزني عنهم، بس لو حالفني الحظ وحضرتك وافقت أكيد نسب حضرتك هو أكبر ميزة ممكن أحصل عليها. يكفيني فخرا وقتها إني أقول إن الباشا سالم مرسال حمايا.
انتفخ صدر سالم بزهو، وارتاحت نظرته برضا، وظهر على ملامح وجهه ارتياحًا انتقل لا أراديًا نحو شريف الذي أدرك أنه أصاب الهدف بكلمات بسيطة، ثم قال:
ـ أكيد حضرتك عارف إني عندي تلت شركات برمجة ، والحمدلله كل شركة منهم ربحها الشهري بملايين الدولارات .. فلو حضرتك وافقت أنا هكتب الشركة اللي تختارها نسيم باسمها هدية مني ليها.
نظر إليه سالم وهمّ بقول شيئ ما، ليسبقه شريف قائلا :
ـ طبعا أنا عارف إن لا حضرتك ولا نسيم من مقامكم شركة من شركاتي، وعارف كذلك إن حضرتك عندك ثروة كبيرة يعني مش هيفرق معاك أي كلام من ده بس أنا حابب لو حصل نصيب إني أعبر عن امتناني بطريقتي الخاصة.
تريث سالم قبل أن يجيبه قائلا بنبرة رخيمة واثقة:
ـ لحقت نفسك.
تنهد شريف بارتياح، ونظر إلى شريف وقال:
ـ وعلى كده نادية هانم عندها خبر بالموضوع ده ؟!
ـ الحقيقة لأ، أنا حبيت أعرف رأي حضرتك أولا وبعدين أبقى أبلغها.
أومأ سالم برضا، وراقهُ كثيرا حديث شريف الذي بدا منمقًا ودبلوماسيا وعلى قدر عال من الذوق واللباقة ، ثم قال بنبرة وقورة هادئة أسرت الشغف في جسد شريف:
ـ خير ما عملت، على العموم يا شريف إنت أكيد عارف إن المواضيع اللي زي دي مبيتاخدش فيها قرار في يوم وليلة، وأكيد أخوها فريد لازم يشاركني في القرار طبعا لأنه أخوها الكبير ، دي الأصول وأنا لا يمكن أتخطاها.
ـ أكيد .. عارف حضرتك.
ـ تمام.. أنا هتكلم مع أخوها وهناخد وندي مع بعض، وبإذن الله أبلغك الرد في أقرب وقت.. بس يا ريت لحين ما نرد عليك خلي الموضوع بيننا.
نهض شريف وهو يصافحه ويقول:
ـ طبعا يا باشا، هنتظر رأيك على أحر من الجمر..
ـ نورتنا يا بشمهندس. مع السلامة.
غادر شريف ليتلاقى بچيلان عند الباب، فنظرت إليه متفاجئة، تصافحا وتبادلا القبلات الودودة ، وتساءلت متعجبة:
ـ شريف؟ بتعمل ايه هنا ؟!
ـ جيت عشان أزور عمتو بس للأسف حظي وحش، عرفت إنها سافرت.
أومأت بموافقة وقالت:
ـ أيوة سافرت دبي النهارده..
ـ يلا خير تتعوض مرة تانية .
في تلك الأثناء انفرج الباب وخرجت نغم من غرفتها لتتجه نحو المطبخ، وما إن وقعت عيناها على چيلان حتى زاد همها وضيقها وتجاوزتهما سريعا بعد أن ألقت نظرة فضولية عابرة على ذلك الطويل الذي لم ترهُ هنا من قبل ..
تأفأفت چيلان بضيق مماثل، وعكر الغضب صفو بحر عينيها فقال شريف متسائلا بفضول؛
ـ مين الوجه الجديد ؟!
قلبت عينيها بملل واستياء وهي تقول:
ـ بليز متسألنيش عنها. أنا بالعافية طايقة نفسي.
ابتسم مشاكسا وهو يقرص وجنتها ويقول:
ـ واضح إنك بتحبيها أوي.
حدجته بسخط فقال ضاحكا:
ـ أنا كده إتأكدت .. يلا أنا همشي، أشوفك مرة تانية.
ـ طيب .. خليك نقعد شوية..
ـ معلش يا چيچي مستعجل.. see you later .
وانسحب بينما هي تتمتم:
ـ see you
ومطت شفتيها بتعجب وصعدت حيث غرفتها..
خرج هو ليستقل السيارة فوقعت عيناه على الشرفة العلوية حيث تقف نسيم ، فوقف يتأملها مأخوذًا بهيئتها الفاتنة الساحرة، حيث بدت كأميرة هاربة من العصر القديم.. ولكن ما أزعجه حقا أنها دخلت فور أن رأته بعد أن رمقته بلامبالاة طعنت كبريائه في مقتل، ليتنهد هو تنهيدة حارقة وهو يغمغم بثقة مفرطة:
ـ معلش.. هي البدايات دايما كده. وأنا واثق إن النهايات غير.
***
كانت چوليا تستلقي على جانبها، تسند ذراعها أسفل رأسها ، وتمسك بالهاتف، تتنقل بين صور اللعنة الأبدية التي حلت بحياتها ودمرتها، صوره بمفرده، وصورهما معا، وبين كل صورة والأخرى كانت تتذكر كل موقف وذكرى خاصة بها، ويذوب قلبها من وطأة حنان جارف مهلك أفقدها روحها وتركها تصارع الموت البطيء.
استمعت إلى صوت رنين جرس الباب، متزامنا مع رنين هاتفها باسم أمها، فنهضت من الفراش محاولةً تجاهل تلك الآلام التي كانت تفتك بها وتقدمت من الباب، فتحته لتتفاجأ بأمها التي تقف أمامها وعلى وجهها تبدو أمارات القلق وهي تقول:
ـ چوليا حبيبتي قلقتيني عليكي..
عانقتها بقوة ، فيما بقت جوليا تحدق أمامها بصدمة..
ـ مالك يا حبيبتي ، وشك تعبان ليه كده؟ انتي تعبانة ومخبية عليا ؟!
قالت تلك الكلمات المتسائلة وهي تحمل حقيبتها وتدخل، فانتزعت چوليا صوتها بالقوة وأجابتها:
ـ لأ.. أنا كويسة.. ليه مقولتيش انك جاية ؟
طالعتها نادية بتعجب ولوم صريح وقالت؛
ـ بجد ؟! طيب شوفي الموبايل الأول وبعدين اتكلمي .
ابتسمت چوليا ابتسامة مضطربة وقالت:
ـ سوري يا مامي.. الموبايل silent طول اليوم.
ـ ولا يهمك يا حبيبتي.. المهم طمنيني عليكي.. مالك ؟؟
ربتت چوليا على ذراعها وقالت:
ـ متقلقيش يا مامي أنا كويسة، وحشاني جداا.
ـ وانتي كمان يا حبيبتي ، تعالي يلا أغير هدومي ونقعد نحكي مع بعض.. عندي كلام كتير عاوزة أتكلم معاكي فيه.
***
في المساء…
كان حسن يجلس على المقهى، لم يعد إلى البيت بعد ما حدث ولا يظن أنه سيكون خيارًا جيدًا إن فعل، فهو الآن كالطير المذبوح، يتنقل من هنا إلى هناك، محاولا التخفيف من وطأة الألم الذي يشعر به، يدخن السيجارة تلو الأخرى، والنرجيلة تلو الأخرى، وصورتها لاتزال أمام عينه.. لا تبارح خياله مهما فعل ومهما لجأ لحيل.
ارتفع رنين هاتفه مجددا، بعد مرات عديدة تجاهلها، فاضطر أخيرا للاجابة وقال:
ـ أيوة..
وصلهُ صوت فيفي الغاضب حيث قالت:
ـ خير يا حسن بيه من أولها ؟! دي عاشر مرة أكلمك وإنت مطنشني! ده مكانش اتفاقنا على فكرة.
تنهد بضيق وقال:
ـ معلش أنا كان عندي حاجات مهمة بعملها النهارده..
ـ أهم من الشغل ؟! اسمع يا حسن.. الشغل ميحبش الأعذار وأصل وفصل، انا ملتزمة مع ناس عارفين عني طول عمري إن كلمتي زي السيف، مش هتيجي انت في الآخر تعكها عليا وعليك. لازم تصحصح معايا شوية.
زفر باستياء وأردف:
ـ ماشي..
ـ أنا اتفقت مع البيه الكبير إنه يخليك انت في الداخلي الأول، لحد ما تاخد على الليلة وبعدين تشتغل في العمليات الكبيرة..
ـ مش فاهم..
ـ ديلر يا حسن..
ـ ممم.. وانتوا شايفين بقا إني أنفع في الليلة دي ؟
ـ تنفع في كل حاجه يا حبيبي بس إنت ركز، هبعتلك دلوقتي شير لوكيشن .. قوللي انت جبت موبايل جديد الأول ولا لأ ؟!
ـ لأ لسه..
ـ لازم تشتري موبايل حديث النهارده ضروري، الشغل كله عن طريق اللوكيشن.. أقصد المكان اللي هتقابل الزباين فيه يعني.. ولحد ما تتصرف هبعتلك دلوقتي رقم واحد اسمه كريم، كريم ده هيجيلك دلوقتي تاخد منه الحاجة وهيديلك رقم شاب اسمه عمر، عمر ده ابن ناس جدا على فكرة وصحابه كلهم من عائلات مرموقة..
فأجابها ساخرا بضيق دفين:
ـ حصل لنا الشرف .
ـ هتكلم عمر ده وتقوله انك من طرفي هيقوللك ع العنوان اللي هتتقابلوا فيه ، غالبا هو واصحابه بيسهروا في كافية في التجمع، هتتفق معاه ويجيلك تسلمه الحاجة اللي معاك من امبارح وتاخد الفلوس وتجيلي على الصالون. اتفقنا ؟
تنهد باستسلام وقال:
ـ اتفقنا..
وقبل أن تضيف كلمة أخرى كان قد أنهى المكالمة، وأخرج علبة سجائره وأخرج منها واحدةً وبدأ ينفث دخانها ومعه آلامه وطموحاته التي تحطمت كلها على صخرة خذلانها له.
***
كانت نغم تجلس بحديقة المطبخ، بعد أن هربت من غرفتها عندما شعرت بالاختناق والعجز، وبالرغم من أنها حاولت ألا تتذكر ما حدث اليوم إلا أنها لم تنجح، فكل الأحداث التي شهدتها اليوم تكالبت عليها وسعت للنيل منها.
تذكرت ما حدث في الصباح عندما رأتها نسيم وهي تخرج من غرفة فريد وكيف أخرجتها من الموقف ببساطة ، فنهضت وقد قررت أن تصعد إلى غرفتها وتشكرها .
رأتها زينب التي كانت تشرف على إعداد طعام العشاء فقالت:
ـ رايحة فين يا نغم ؟!
ـ طالعة أوضة نسيم..
ـ لا اعملي معروف.. انتي كل ما بتقولي رايحة لنسيم بتعملي كارثة..
ـ عشان خاطري، دقيقتين بس ونازلة والله متقلقيش..
وفرت فورا من أمام زينب، صعدت حيث غرفة نسيم، طرقت الباب فسمحت نسيم بالدخول فدخلت.
تفاجأت نسيم بها، وأخذت تنظر إليها بتعحب وقالت:
ـ اتفضلي ؟!
تقدمت منها نغم بحرج وارتباك واضحين ، ووقفت أمامها وهي تعبث بالخاتم في إصبعها بتوتر وقالت:
ـ أنا آسفة لو عملتلك ازعاج ، بس أنا جيت عشان أشكرك.
هزت نسيم رأسها متساءلة فقالت نغم:
ـ لما قولتي لچيلان إني كنت عندك.
هزت رأسها متفهمةً وقالت:
ـ آه.. وانتي مكنتيش عندي ولا حاجة.
أومأت نغم بحرج وقالت:
ـ أيوة، كنت عند فريد بيه .
رأت نغم نظرتها المتعجبة، فتابعت سريعا لتصحح الأمر قبل أن تسيء فهمها وقالت:
ـ كنت بطلب منه يساعدني في حاجة..
شعرت أن التعجب يزداد، والفضول يتفاقم، وسوء الفهم لازال لديه فرصة ، فتنهدت باستسلام وقالت:
ـ الحقيقة كنت عاوزة أخرج في مشوار ضروري وطلبت منه يوصلني.
هزت نسيم رأسها عندما رأت التوتر يلوح في عيني نغم وقالت:
ـ اوكي، على العموم انتي مش مضطرة توضحي لي.
ـ أنا عارفة، بس حبيت أقوللك عشان متفهميش غلط مش أكتر.. وعشان أشكرك إنك ساعدتيني في الموقف البايخ اللي اتحطيت فيه.. شكرا بجد.
ظهر الاقتناع على وجه نسيم، فهي حتى وإن لم تكن تعرفها أو تصدقها ولكنها تعرف أخاها وتثق به كثيرا، ثم ابتسمت ابتسامة لطيفة وقالت:
ـ ولا يهمك. على العموم حصل خير.
أكدت نغم بإيماءة من رأسها، ثم تنهدت وقالت:
ـ تمام.. عن اذنك.
ـ اتفضلي.
خرجت نغم من غرفتها وهي تتنهد بارتياح كبير، فأشد ما تكرهه وتخشاه أن يُساء بها الظن، وها هي لم ولن تتعافى من اتهامات باطلة تلقتها كطعنات نافذة في وسط قلبها بخنجر مسموم، لا ينقصها شكوكَا واتهامات باطلة جديدة.
همت بنزول الدرج لتتفاجأ بفريد الذي كان يصعد متجها لغرفته، فاتسعت ابتسامتها لاإراديا حتى برز صفا أسنانها وقالت:
ـ مساء الخير.
تفاجأ بها وبابتسامتها التي أسرت الراحة إلى قلبه وجعلته يبتسم بعفوية مثلها وقال:
ـ مساء النور. جاية منين كده ؟!
ـ كنت عند نسيم بشكرها على وقفتها جنبي النهارده الصبح.
هز رأسه متفهمًا وقال:
ـ كويس..
هزت رأسها بحماس وقالت وهي تكمل طريقها للأسفل:
ـ أشوفك ع العشا .
أومأ بتمهل وزم شفتيه في شبه ابتسامة وقال:
ـ أشوفك ع العشا.
وأكمل طريقه إلى غرفته، دخل واتجه فورا نحو الحمام، أخذ حماما مضاعفا وخرج، ووقف ينتقي ملابس مريحة تناسب الفترة الوجيزة ما قبل النوم ، لتقع عيناه على اللوحة التي رسمها صباحا لنغم، فأمسكها وأخذ ينظر إليها بتركيز، ومرت يديه على تلك الشفتين اللتين برع في رسمهما وصب كل تركيزه عليهما، ثم تحمحم سريعا وهو يصرف انتباهه عما جال بخاطره، ليجد نفسه مسلوب الإرادة يتحرك نحو الفراش، ثم التقط حاسوبه، وفتحه، فتح مدونته الإلكترونية، ثم بدأ بكتابة شيئ ما يراوده ..
" أذكر أنني كنت منيعا ضد كل شيء، ضد الحب، والآمال والآلام كذلك، لأول مرة أكون منغمسا بكل وجداني في شيء، فيكِ أنتِ. "
***
#يتبع..
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق