رواية ذئب يوسف الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم ذكية محمد
رواية ذئب يوسف الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم ذكية محمد
البارت الاول
في منزل بسيط في إحدى الأحياء الشعبية فتحت عينيها على أثر خطوط أشعة الشمس الذهبية المنبعثة من الشرفة الخاصة بها ، و اختلطت بخصلاتها فصبغتها باللون البني اللامع ، كما أعطت بشرتها الناصعة لمعة خاصة . نهضت بتثاقل وهى تتثائب و تتمطأ بكسل ، نظرت فى الساعة وجدتها السابعة فهتفت بصوت ناعس :- بسرعة كدة جات سبعة دول يدوب خمس دقايق اللي نمتهم بعد الفجر.
التقطت منشفتها و دلفت للمرحاض لتغتسل ، و الذي طلبت بتصميمه خصيصاً داخل غرفتها على الرغم من ظروفهم المعيشية المتوسطة ولكنها أصرت على ذلك منذ أن علمت بنوايا ابن خالتها الدنيئة تجاهها . بعد وقت اغتسلت ، وارتدت ملابسها الفضفاضة الباهتة وحجاباً طويلاً ، ثم التقطت حقيبتها بعد أن تأكدت من وجود متعلقاتها بها وتوجهت للباب وفتحته بالمفتاح بعد أن أوصدته جيداً كما تفعل في كل ليلة لتحظى بالأمن و تنام قريرة العين.
وضعت حقيبتها على الطاولة، ومن ثم دلفت للمطبخ لتعد وجبة الإفطار لخالتها المريضة ، وذلك السمج الذي تمقته. انسجمت في إعداد الطعام ، و شعرت فجأة بأن هناك أنفاس ساخنة تحرق وجنتها ، سحبت السكين بسرعة واستدارت ورفعتها في وجهه قائلة بتهديد :- لو قربت يا حاتم سنتي كمان هقتلك أنت فاهم ؟
رفع يده باستسلام قائلاً بخبث :- بس في ايه يا رحيق دة جزاتي يعني بصبح عليكي .
جعّدت أنفها بضيق قائلة:- لا يا سيدي صبح من بعيد مش لازم طريقتك القذرة دي هوووف ..
أردف بخبث :- بالراحة على أعصابك يا جميل ليحصلك حاجة .
نفخت وجنتيها بضجر قائلة :- ممكن إذا تكرمت تطلع برة على ما أحضر الفطار ؟
مسح على صدره قائلاً وهو يتلاعب بحاجبيه :- ماشي يا قمر أنت تؤمر . قال ذلك ثم خرج ، بينما قبضت على مقبض السكين الذي بيدها بشدة وهتفت بكره :- ربنا ياخدك يا أخي بني آدم حقير سايب أمه اللي بتموت جوة و عمال يقل أدبه .
ثم أضافت بخوف مبهم :- يا رب اشفيها هي اللي بتحميني منه أنا مش عارفة هعمل إيه لو راحت وسابتني .
بعد ان انتهت توجهت للغرفة المتواجد بها خالتها المريضة بالكلى ، والتي اشتد عليها المرض منذ يومين ولزمت الفراش . دلفت للداخل و على وجهها ابتسامة عذبة عندما وجدتها متيقظة ، وتستند بظهرها على الفراش فهتفت بحنان :- صباح الفل عليكي يا خالتي أخبارك إيه النهاردة ؟
ابتسمت لها بدورها وهتفت بخفوت :- الحمد لله يا بنتي هو أحسن من امبارح شوية .
ساعدتها على النهوض قائلة بحنو :- طيب يلا يا ستي علشان أساعدك تروحي الحمام . ثم أضافت بمرح :- ده أنا عملتلك فطار إنما إيه أول ما تاكلي هترجعي علطول ..
ضحكت بوهن قائلة :- جاتك إيه يا رحيق يا بت أنا مش قدك مش قادر أضحك.
أردفت بلهفة :- معلش يا خالتي لو كنت تعبتك وأنا ما أقصدش.
ربتت على يدها بحنو قائلة :- انتِ عمرك ما تعبتني يا بنتي بالعكس دة انتِ شايلاني على كفوف الراحة لو ليا بنت ما كنتش هتعمل كدة معايا .
ثم أضافت بحزن :- ربنا يقدرني و أرد جميلك دة يا بنتي .
أردفت بعبوس :- جميل إيه يا خالتي انِت زي أمي الله يرحمها بالظبط، انتِ اللي عوضتيني عن غيابها ما تقوليش كدة تاني هزعل منك، ولو في حد بيرد جميل هيبقى أنا مش أنتِ.
ابتسمت لها بحنو و تساءلت بداخلها:- يا ترى الأيام هتعمل فيكي إيه لو ربنا افتكرني ؟ يا رب حلها من عندك خايفة أقولها وخايفة اسكت مش عارفة أعمل إيه ؟! يا رب وكلت الأمر إليك .
خرجت تسندها بعد أن فرغت من كل شئ، فسحبت لها المقعد لتجلس عليه ، و هتفت بصوت مختنق :- يا حاتم ...حاتم تعال أفطر .
أردفت صفية بتساءل :- هو لسه ما صحيتش ولا ايه؟!
أردفت بتوتر :- لا صحي يا خالتي بس هو جوه.
هزت رأسها بتفهم قائلة :- طيب روحي ناديه علشان يلحق يفطر ويروح يشوف شغله .
مطت شفتيها بتهكم قائلة بخفوت :- شغل ! هو دة بيعمّر في حتة الحشاش المعفن دة !
ثم هتفت بصوت عالٍ :- حاتم تعال أفطر ما ليش دعوة بعد كدة .
جلست إلى جوار خالتها ، ثم شرعت في تناول طعامها ، بينما أخذت الأخرى تطالعها بأسى وهي تعلم تمام العلم السبب خلف رفضها للذهاب ناحية غرفته ، كما تعلم جيداً بنوايا ابنها البذيئة ، وتعلم ما يريد فعله ؛ لذلك يجب أن تضعها في مأمن قبل أن تصعد روحها لخالقها.
خرج يزفر بضيق من فشل مخططه ، فهو توقع أن تقودها قدميها إلى غرفته لكي تستدعيه لتناول الطعام ، و عندها يحتجزها في غرفته و يفعل بها ما يشاء ، و لكن ذهب كل ذلك سدى ، فقد خالفت كل توقعاته .
جلس على المقعد قبالتهن، و شرع في تناول الطعام بغيظ مكبوت، بينما راقبته هي بابتسامة ظافرة . أردفت صفية بحنو :- هتنزلي بردو النهاردة يا رحيق ؟
اومأت بنعم قائلة بأمل :- أيوة يا خالتي إدعيلي ألاقي شغلانة المرة دي .
خرج صوته الساخر قائلاً :- جرا إيه يا ست الأبلة متخرجة ليكي شهر و عاوزة تشتغلي ! دة إنتي قلبك جامد بقى ، و شكلك عايشة في مية البطيخ.
تأففت بضيق قائلة :- أومال عاوزني أحط إيدي على خدي ؟! أديك شايف الحال ولا البيه مش واخد باله !
أردف بتهكم :- و يا ترى هتشتغلي إيه ؟ هي الحكومة هتعينك أبلة بالسرعة دي ! مش شايفة اللي قبلك رجالة كمان متلقحين على القهاوي وانتي عملالي سبع رجالة في بعض !
جزت على أسنانها بغضب شديد قائلة :- أنا مليش دعوة بحد ، أنا ليا مستقبلي اللي هبنيه خطوة بخطوة هبتديه و مش هسمح لأمثالك يرجعوني ورا بكلامهم دة .
رفع حاجبه بتهكم قائلاً وهو يوجه حديثه لوالدته :- شايفة يا أما اهه اللي إحنا بنربيها و بنصرف عليها بتقل أدبها و بتعض اليد اللي إتمدتلها صحيح زي القطط تاكل وتنكر .
أدمعت عيناها بقهر قائلة :-شوف صرفت كام يا حاتم وأنا هدفعوا .
ضحك بسخرية قائلاً :- لا يا شيخة ! منين يا حسرة ؟! يكونش اتفتحتلك طاقة القدر وأنا ما أعرفش !
تدخلت صفية تهتف بتعب :- ما يصحش يا ابني اللي بتقوله ده دي بنت خالتك بردو من لحمنا ودمنا.
نهضت تاركة طعامها ، و هي تحاول قدر المستطاع أن لا تزرف دموعها أمامهم ، و هتفت بتماسك :- أنا ماشية يا خالتي زمان آلاء مستنياني .
تبخرت كالبخار حينما نطقت بكلماتها ، و طوت درجات السلم بخطوات سريعة ، و قلبها ينزف من الداخل بجراحه المتعددة ، فهي بلا أب ولا أم ، تركاها بمفردها تعاني الويلات ، وعاشت مع خالتها التي عالتها حتى كبرت بعد وفاة والدتها وهي في سن العاشرة ، ودون أب ، وكلما تسأل عنه يخبروها بأنه سافر لبلاد الخليج ، ولم يعد حتى الآن.
واجهت المصاعب بمفردها دون أن تجد سنداً لها، و على الرغم من أن خالتها تعاملها بالمودة والحنان إلا أنها لم تكن تشاركها أسرارها و أوجاعها التي تؤرقها في لياليها الطويلة . تعودت أن لا تتحدث مع أحد عن شيء يخصها أو يمثل صعوبة لها ، كانت تجتاز كل ذلك بالصبر والمثابرة ، فشكلتها الأيام أن تكون قوية ، و أن يكون لديها صبراً طويلاً ، و أن مهما بلغت الصعوبات فلا بد من مخرج طالما هي مع الله . لقد علمتها الحياة أن تترك جروحها خلفها و تمضى قدماً وأن الحياة لا تقف على أحد وعليها أن تسير للأمام ، وتسعى بكل طاقتها للوصول إلى ما تبغيه ، وأنه لايوجد مجال للوقوف و البكاء على اللبن المسكوب.
مسحت عبراتها سريعاً ، وهي تمر أمام الورشة الخاصة لتصليح السيارات ، والتي يعمل حاتم بها، نفخت بضيق حينما سمعت تطاول أحد الجالسين ، والذي يتأملها بوقاحة قائلاً :- إمتى هتحن علينا يا أبيض يا أجنبي أنت ؟
لم ترد عليه فهي قد اعتادت عليه من قوله لتلك العبارات ، وكم من المرات التي أتى لطلب يدها من خالتها ، ولكنها ترفضه دائماً ، و منذ ذلك الحين وهو يمني نفسه بأن توافق و تقبل به زوجاً لها .
وصلت لآخر الشارع فوجدت زميلتها آلاء تنتظرها فهتفت بمرح :- إيه دة كل دة تأخير يا ست رحيق مخصوم منك تلات أيام .
ابتسمت لها بخفوت قائلة بتهكم :- مش لما نشتغل الأول يا أختي !
هتفت بتمني :- إن شاء الله هتظبط المرة دي ، يلا بينا .
______________________________________
جعّدت وجهها بتذمر ، وهي تلوح بيديها في الهواء ظناً منها أن الفاعل بعض الذبابات إلى أن ذلك الشيء لم يتوقف مانعاً إياها من أخذ قسط وافي من الراحة ، فتحت عينيها قائلة بضيق :- يووه دبان رخم مش عارفة أتخمد منك ..... إلى أنها انتبهت لذلك صوت الملائكي الذي هتف بضيق ، وهو سربت على ذراعها كي تستيقظ :- ماما اثحى ماما ....
نهضت و جلست نصف جلسه انتقدته ويقبع بين ذراعها وانهالت عليه بوابل من القبلات في جميع أنحاء وجهه قائلة من بين القبلة والأخرى :- حبيب ماما وروح ماما وعقل ماما أنت يا ميدو يا جميل.
أنهت كلماتها ، ثم أخذت تدغدغه ببطنه فتعالت ضحكات الصغير قائلاً بتقطع :- بث ...بث ..خلاث يا ماما بطني وجعني ..
توقفت فوراً قائلة بلهفة :- اسم الله عليك يا قلبي يلا يا بطل أكيد جعان .
أومأ بموافقة قائلاً :- اه جعان ماما يلا قومي.
نهضت بسرعة قائلة :- حاضر يا حبيب ماما أديني قومت أهو .
خرجت للخارج و وجدت والدها ووالدتها على طاولة الطعام ، فألقت عليهم تحية الصباح فردوها بهدوء ، بينما هتف والدها بعدم رضا :- مش تقومي تشوفي طلبات الواد بدل ما أنتي نايمة كدة !
هتفت بهدوء :- والله غصب عني يا بابا راحت عليل نومة من شغل امبارح .
تدخلت والدتها قائلة بحنو :- خلاص يا حاج حصل خير روحي حضري الأكل لابنك يا حبيبتي .
أومأت بحزن ، ومن ثم حملت الصغير و ولجا سوياً للمطبخ ، و تكبح دموعها بصعوبة، فهي منذ أن توفي زوجها وهو يعاملها بخشونة وأحياناً ما تفلت منه زمام الأمور ويهذي بكلمات غير تزيد من أوجاعها حينما يقول إنها " وش فقر " " اترملت بدري بدري " "هتقعدلي في البيت " ، و كثيراً من تلك الكلمات التي تزيد من اتساع فوهة جراحها .
نظرت لطفلها ذو الثلاث أعوام ، والذي بمثابة حبل النجاة لها في بحر الألم الذي تغرق بداخله ، أنه هو الوحيد الذي يرطب تلك الغرز المنتشرة في قلبها ، و هو الوحيد من بني جنسه القادر على جعلها تُشفى بابتسامة واحدة منه . أما الدواء الحقيقي يتمثل في قربها من الله ، والتعبد له ، والدعاء بأن يلهمها الصبر على تلك الاختبارات التي تدلفها واحداً تلو الآخر ، ولم تخرج إلا بقول واحد " الحمد لله " .
وضعت صغيرها على المقعد ، و بدأت تعد له وجبة الإفطار التي يفضلها طفلها ، و هي تبتسم له و تبعث له القبلات في الهواء وسط تعالي ضحكاته الرنانة .
بعد وقت عادت به تحمله على ذراع ، والآخر يحمل طبق " الكورن فليكس" ، ثم جلست قبالتهم ، وشرعت في طعام الصغير.
نشب صراع بداخلها أتخبره بذلك الطلب أم تصمت ؟!
ازدادت دقات قلبها مع وتيرة أنفاسها العالية ، فاغتصبت شبح ابتسامة تزين ثغرها ، ورفعت رأسها تجاه والدها قائلة بحذر :- بابا كككنت عاوزة أقولك حاجة ..
ترك الخبز الذي بيده قائلاً بانتباه :- خير يا مريم !
حبست أنفاسها ، و أخذت نفساً عميقاً قائلة بسرعة :- بابا كنت عاوزة أشتغل ....
و قبل أن تكمل حديثها أردف بغضب :- شغل إيه دة إن شاء الله ! هو إحنا من امتى عندنا الكلام دة ؟!
أردفت بروية وهي تضم الصغير الخائف إلى صدرها :- يا بابا أنا واخدة كلية حرام أقعد من غير شغل و....
قاطعها قائلاً بغضب :- أظن الكلية دي أخدتيها في بيت جوزك الله يرحمه وقتها مكانش ليا يد في الموضوع و طول ما انتي هنا تحت طوعي يبقى تنفذي أوامري لما أبقى أموت أبقي اصرفي على نفسك .
هتفت بلهفة :- ألف بعد الشر عنك يا بابا .
نهض مغمغماً بسخط :- أبقي عقلي بنتك يا توحيدة، أنا نازل الوكالة بالإذن .
قال ذلك ثم انصرف مسرعاً ، بينما هتف الصغير و هو ينظر لوالدته بخوف بعد أن كان يخفي وجهه في عنقها ؛ خوفاً من صراخ جده :- جدو مثي يا ماما ؟
هزت راسها وهي ترقص على رقص خليجي حنان ايوه يا روح ماما ماشي ما تخافش يلا علشان تكمل باقي أكلك .
أردف بتذمر :- جدو أيوب وحث بث جدو موثى حلو ، جدو أيوب علطول بيزعق.
ابتسمت بخفوت قائلة :- لا يا حبيبي جدو أيوب كمان حلو بس أنا زعلته علشان كدة زعق هبقى أصالحه بعدين.
أومأ ببراءة ثم فتح ثغره ليلتقط الطعام ، بينما هتفت توحيدة بعتاب :- و بعدين معاكي يا مريم مش هنفضها من السيرة دي بقى ؟!
قطبت جبينها بحزن قائلة :- يا ماما أنا الحمد لله جبت تقدير امتياز السنة دي بعد طلوع الروح إني أكمل يقوم دلوقتي يقولي مفيش شغل !
وتنهدت بأسى قائلة بدموع تهدد بالهطول :- حرام عليكم كفاية تغصبوني على كل حاجة ، علطول ماشية بمزاجكم ، خلوني أمشي بمزاجي و لو لمرة واحدة .
نهرتها بحدة قائلة :- قصدك إيه يا بت بغصبينك دي ها قصدك إيه ؟
مسحت عبراتها الخائنة بالعهد، فقد عاهدتها ألا تسقط مجدداً أمام أحد ، و لكنها خانتها ، و ضربت ببنود العهد عرض الحائط ؛ لذلك قامت بتجفيفها بقسوة ، و كأنها تعاقبها على ما فعلت ، و نظرت لوالدتها قائلة بوجع :- أبداً يا ماما انتوا عمركم ما غصبتوني على حاجة أنا محقوقالكم .
جلست تطعم الصغير ، بينما أخذت توحيدة تهز رأسها بيأس وحزن ، و هي تعلم تماماً ما تقصده من حديثها ، فهي تقصد بذلك زواجها من ابن عمها الذي كان يكبرها حينها بأربعة عشر عاماً ، طلبها عمه لابنه فوافق والدها على الفور دون أن يعرف رأيها ، وكان عمرها ثمانية عشر عاماً ، و ظلت معه لمدة عامين سنوات إلى أن توفاه الله بحادث سيارة قبل عامين في الإسكندرية حيث كانت تعيش معه هناك إلى جوار مقر عمله ، و انتقلت عند أهلها مجدداً، و أكملت دراستها وسط اعتراض والدها ، لولا تدخل عمها و شقيقها في الأمر ، و عندما أنهت الدراسة و طلبت منه أن تعمل رفض كالعادة .
شعرت بالحزن الشديد تجاه ابنتها التي نال الحزن منها ما يكفي ، تلك الوردة المنطفئة قبل أوانها ذات الاثنين و عشرين عاماً ، تحملت المسؤلية منذ الصغر و لا زالت .
زفرت بضيق فهي مكتوفة الأيدي أمام أيوب الصارم الذي لا يجرؤ أحد على اعتراض أوامره .
بعد أن انتهى من الطعام ، و اكتفت أمعائه الصغيرة ، قامت مريم بتنظيف البقايا الموجودة على الطاولة ، و بعد أن انتهت هتف أحمد بإلحاح :- ماما عاوز أروح عند جدو موثى و عمو إثلام .
أحدث سماع اسمه زوبعة شديدة بداخلها أطاحت بالمتبقي من قلبها المتهشم منذ سنوات بعد أن كُسِر على يدهم .
بادلته ابتسامة مرتجفة قائلة :- حاضر يا حبيبي تعالى ننزل تحت عند جدو موسى و تيتة عواطف .
صاح الصغير بحماس ، و هو يجذبها من يدها ، و يسير بها نحو الباب بخطوات سريعة :- هاااااااي ، يلا بثرعة يا ماما .
اومأت له باستسلام ، و نظرت لوالدتها قائلة :- ماما أنا هنزل تحت عند مرات عمي و عمي .
أنهت كلماتها ، و نزلت مع الصغير للأسفل ، و دقات قلبها تغني عن ألف سؤال ..
____________________________________
ارتدى ملابسه الخاصة بالعمل ، و كان على وشك الخروج إلا أنه سمع طرقات على الباب فتوجه ليرى من بالباب ، و ما إن فتحه وجد جارتهم سميحة ، و التي هتفت بود :- ازيك يا حاتم يا ابني ؟
ابتسم بتكلف قائلاً بصوت أجش :- أهلاً يا خالتي أم سما الحمد لله بخير ازيك إنتي؟
أردفت بود :- الحمد لله رضا يا ابني ، أومال فين أم حاتم و رحيق مش جوة ولا إيه ؟
أردف بنفي وهو يتنحى قليلاً من أمامها لتدلف للداخل :- لا أمي جوة في الصالة إتفضلي . ثم أضاف بغيظ مخفي :- أما رحيق راحت تدور لها على شغل هي و صحبتها .
أومأت له بتفهم قائلة :- و ماله يا ابني ربنا يفتحها عليهم قادر يا كريم .
أردف بهدوء :- طيب أدخلي انتي يا خالتي أنا نازل الشغل .
دلفت للداخل، تصيح باسمها ، فأتاها صوتها قائلة بتعب :- تعالي يا سميحة أنا هنا .
تقدمت ناحية الصوت ، و هتفت بابتسامة مشرقة ، وهي تصافحها :- إزيك يا أم حاتم ؟ عاملة إيه دلوقتي ؟ العلاج ماشي كويس معاكي ؟
أردفت بوهن ، و تمسك بجانبها :- أهو الحمد لله ماشي لحد ما أقبض آخر الشهر و أروح أغسل .
أردفت بأسى :- يا حبيبتي لسة هتستني لآخر الشهر ؟!
ذمت شفتيها بحزن جلي قائلة :- اعمل ايه يا سميحة ما إنتي عارفة البير و غطاه ، أجيب منين ؟ أنا كل اللي هاممني دلوقتي رحيق لو حصلي حاجة هتروح لمين و مين اللي هيبقى جنبها ؟! خايفة عليها أوي دي أمانة أمنتني عليها أختي قبل ما تموت ، حاسة إني هموت و هسيبها...
قاطعتها قائلة بلهفة :- تفي من بوقك يا صفية متقوليش كدة إن شاء الله هتخفي و تبقي زي الفل و أنتي بنفسك اللي هتلبسيها الطرحة ..
نظرت للأعلى و أردفت برجاء :- يا رب ، دي تبقى أمنيتي الوحيدة و بعدها ربنا ياخد عمري علطول مش مشكلة علشان لما أروح لفاطمة أقولها حافظتلك على الأمانة زي ما طلبتي.
أومأت بخفوت ، و رسمت خطوط الأسى على وجهها ، وهي تشعر بالشفقة تجاهها ، فجمعت رباط جأشها قائلة بحذر :- طيب يا أختي أنتوا دورتوش على أبوها اللي راح الخليج وما رجعش ده لحد دلوقتي؟!
لمع الدمع بعينيها حينما أتتها تلك الذكرى فهتفت بتهكم :- لا يا سميحة ما فيش أخبار عنه من وقت ما سابها هي وبنتها منعرفش عنه حاجة .
هزت رأسها بتعاطف قائلة بغل :- ربنا ياخذه راجل دون ده بدل ما يسأل عن بنته و يقول أربيها كأنه ما صدق و لقاها ! تلاقيه متجوز الواطي وعايش حياته والبنت اليتيمة دي يا عيني طافح الكوتة ، منه لله حسبي الله ونعم الوكيل في كل واحد ظالم بالشكل دة .
جففت دموعها بيدها وهي تمسك جانبها الذي أشتد عليه الألم ، فانتبهت لها الأخرى فهتفت بذعر :- مالك يا صفية أروح أنادي حاتم من تحت بسرعة يشوف دكتور؟
هزت رأسها بالنفى قائلة بوهن :- لا ملوش لزوم اقعدي يا سميحة أنا عاوزاكي في موضوع مهم فيه حياة أو موت بس فيكي من يكتم السر ؟
شهقت بصدمة قائلة بعتاب :- أخص عليكي يا أم حاتم بقى بتشكي فيا دة إحنا أهل !
أردفت بتوضيح :- أنا مش قصدي كدة ، أنا مش عاوزة أي مخلوق خلقه ربنا يعرف اللي هقولهولك دة لأن محدش يعرف بالسر دة أبداً ، والكلام اللي هاقوله خطير لو طلع الدنيا هتتقلب أنا هحكيلك سر كتماه يجي من خمسة عشر سنة آن الأوان أنه يطلع ، هطلعه بس عشان البنت الغلبانة دي اللي ملهاش ضهر من بعدي .
أردفت بحذر ، و دقات قلبها تزداد بقلق :- ماشي يا أختي قولي سرك في بير يا حبيبتي .
نظرت لها مطولاً ، و بدأت تقص عليها ما يجثو فوق صدرها طول تلك السنوات بعيون يسيل منها الدمع كالشلال ، وهي تخبرها بمعاناة شقيقتها الراحلة ، وما عانته من ويلات ، بينما اتسعت أعين ذلك الواقف بصدمة عندما كان في طريقه للعودة لأخذ هاتفه الذي نساه ، و وقف كالتمثال حينما التقطت أذنه ذلك السر الخطير ، وعينيه تزداد اتساعاً كلما قصت والدته بالمزيد ، و لا يصدق ما يسمعه ، أيعقل ما سمع للتو !
انتهت من سردها قائلة برجاء :- أمانة عليكي يا سميحة ما تقولي لحد دي أمانة حافظي عليها من بعدي .
مسحت دموعها قائلة بصوت متحشرج :- اطمني يا أختي سرك في بير و رحيق هتفضل أمانة و زي بناتي بالظبط و مش هخلي حد يهوب ناحيتها ولا يأذيها اطمني يا أختي و حطي في بطنك بطيخة صيفي .
أومأت لها بخفوت قائلة :- تعيشي يا سميحة بنت أصول بصحيح .
نزل للأسفل و كأن على رأسه الطير ، و عقله في حالة صدمة ، ثم هتف بخبث :- بقى كله دة يطلع من ورا ست الحسن والجمال دي ! لا دة الواحد يقعد على رواقة بقى و يتكتك و يشوف هيعمل إيه ، لازم استفاد من ورا المصلحة دي كويس أوي و أبقى مغفل لو سبت الفرصة تضيع مني .. 2
قابل مدحت الذي هتف بمجرد أن رآه :- صباحو يا عمنا ...
ثم جلس قبالته بينما هتف الآخر :- صباحك فل ، إيه مش ناوي تلين راس بنت خالتك دي و تخليها توافق ؟!
أردف بغيظ مكبوت :- أعملك إيه يعني ما هو على يدك دي رفضتك يجي خمس مرات ، و لما أمي بتسألها ليها بتقولها إنك متجوز و هي استحالة تتجوز واحد متجوز .
رفع حاجبه الذي يمر به خط طويل نتيجة لإحدى مشاجراته في المنطقة قائلاً باستنكار :- الله ! و فيها إيه أنا راجل مقتدر ، و أقدر أفتح بدل البيتين أربعة ، عمالة تتقنعر عليا ليه مش فاهم ، دة أنا هعيشها ملكة بدل العيشة اللي عيشاها دي .
جعّد وجهه بضيق قائلاً :- أهو العيشة اللي أنت شايفها دي عجباها يا مدحت .
غمغم بغضب :- لا بقولك إيه أنا عامل حساب للعيش و الملح اللي بينا ، هتعصلج معايا هوريك وشي التاني إحنا بينا إتفاق نسيت ولا أفكرهولك !
جز على أسنانه بعنف قائلاً بغيظ مكبوت :- لا فاكر يا مدحت ، بس أنت كمان استنى عليا مهلة كدة أكون جبتلك الفلوس كلها .
كاد أن يصل حاجبه أعلى رأسه، و هو ينظر له بدهشة قائلاً :- نعم نعم ! قولت إيه ؟! عيد اللي قولته تاني كدة !
أردف بضجر :- بقولك استنى عليا كام يوم و هجبلك الفلوس كلها لحد عندك .
نظر له قائلاً بسخرية لاذعة :- و دة منين إن شاء الله ! يكونش يلا سرقتلك محل دهب ولا قتلتلك قتيل ! ما هو مش بعيد على الحشاشين اللي زيك .
أردف بغضب :- حوش أنت اللي شيخ جامع جرا إيه يا مدحت ما إحنا دافنينه سوا بتلبش بالكلام ليه بقى دلوقتي و بتسيحلي في المنطقة ؟
هدر بعنف :- علشان مبقتش حاتم اللي أنا أعرفه فين كلامك ليا اللي اتفقنا عليه ؟
تأفف بضجر قائلاً :- و بعدين معاك يا مدحت ما تهدى و تخلي صباحيتك تعدي الله ! هو المدام عكننتها عليك في البيت جاي تطلعه علينا هنا !
نهض من مكانه بغضب كالمرجل ، ثم جذبه من تلابيب ملابسه قائلاً :- لا دة أنت كمان عاوز تتربى ياض وأنا اللي هعلمك الرباية كويس .
قال ذلك ثم انهال عليه يضربه ، و الآخر يسدد و يتلقى ، و سرعان ما تحول الأمر إلى شجار عنيف تجمع أهل المنطقة على أثره ، حيث وقفت السيدات في الشرفات و النوافذ يراقبن الموقف بفضول من الأعلى .
تقدم أحدهم و حاول الفصل بينهما قائلاً بروية :- استهدى بالله كدة يا مدحت أنت و حاتم و أخذوا الشيطان .
و حينما لم يستطع الفصل بينهما نظر للملتفين حولهم قائلاً بحدة :- ما تساعدوني بدل ما انتوا واقفين كدة تتفرجوا مش فيلم هو ..
و بالفعل استجاب له البعض ، و تقدموا ناحية ساحة الشجار ، و استطاعوا الفصل بينهما فصاح مدحت بغضب المكبل بواسطة بعض الرجال :- سيبوني عليه أعلمه الأدب .
أردف حاتم بنفس الغضب وهو يحاول الوصول له :- تعلم على مين يالا دة أنا أشرحك مكانك ..
أردف بغضب :- طب و ديني و ما أعبد لو ما جبت الفلوس يا حاتم لأكون قاتلك بأيدي .
صرخ بغضب :- على الجزمة هتاخدها فلوسك أنت هتزلني بيها .
تدخل أحدهم قائلاً :- خلاص يا ابني وحد الله كدة منك ليه ، ويلا كل واحد يشوف مصلحته .
أنصرف الجمع الغفير المنتشر ، بينما هتف صاحب الورشة بغلظة :- من النهاردة ملكومش أكل عيش عندي روحوا كلوا عيش في حتة تانية .
أخذا يتفرسان ببعضهما البعض بكره شديد ، ثم انصرف كلاً منهما إلى وجهة مختلفة ، و بداخلهم حقد يتصاعد كألسنة اللهب ....................
_____________________________________
البارت خلص يا حلوين بتمنى يعجبكم و هستنى رأيكم يا ترى رحيق هتعمل ايه و مريم و إيه توقعاتكم للي جاي .
البارت الثاني
وقفت أمام الشقة الخاصة بعمها ، فرفع الصغير ذراعيه للأعلى قائلاً بتذمر :- ماما شليني عاوز أرن الجرث .
ضحكت بخفة على مشاغبة الصغير ، و بالفعل امتثلت لطلبه ، و قامت بحمله ، فوضع الصغير أصبعه على زر الجرس ولم يتوقف أبداً عن الضغط .
فتحه إسلام ، وما إن رآه حمله بسرعة بين ذراعي والدته بينما كتمت الأخرى حينما كان مقترباً منها لأخذ الصغير حتى لا يسلبها منها في كل مرة عندما يهجم بضرواة على أوتار قلبها فتزيد من دقاته الصاخبة .
نظرت أرضاً كي لا تلتقي عيناها بعينيه فيقرأ فيهما سطور العشق المسطرة منذ زمن فيفتضح أمرها ، و عندها سيلومها الجميع أنست زوجها بتلك السرعة لتقع في غرام شقيقه ! و لكنهم لا يعلمون أن عشقه يسكن في ثناياها منذ أن كانت طفلة ، و حاولت الكثير و الكثير أن تمحيه ، و لكن دون جدوى، فمهما هربت تجد طريقها مسدود .
فاقت من شرودها على صوته الذي ما زادها إلا عذاباً حينما هتف بمرح و هو يقبل وجنة الصغير :- أهلاً أهلاً بحبيب عمو ، إزيك يا بطل ؟
هتف الصغير بابتسامة مشرقة :- كويث إثلام .
ضحك قائلاً :- ياض أنا عمك مش إسلام عيب كدة ، تعال يا بطل سلم على جدو و تيتة ..
ثم أضاف بهدوء و هو يوجه حديثه لمريم :- تعالي يا مريم هتفضلي عند الباب كتير !
أومأت له بخفوت ، ثم دلفت خلفهم و ألقت التحية على الموجودين فردوها عليها ببشاشة وجه .
انشغلوا بالطفل فهو عوض الله لهم عن ابنهم الفقيد ، فابتسمت بخفوت و لمع الدمع بعينيها سريعاً ما شكلت طبقة كرستالية محتهم على الفور ، و جاهدت في رسم إبتسامة واسعة على وجهها ، و لا تعلم إلى متى ستصمد ؟
هتف موسى الذي يضع الصغير على قدميه :- فطرت ولا لسة يا أبو حميد ؟
أومأ الصغير بنعم قائلاً :- أيوة يا جدو الحمد لله ، يلا علشان نروح تحت الكوالة .
ضحك الجميع على نطقه الخاطئ فأردف موسى :- اسمها وكالة يا أحمد وكالة ، تمام يا بطل و ماله أهو تتشرب الصنعة من وأنت صغير .
قال ذلك ثم نهض قائلاً ممسكاً بيد الصغير :- يلا كمان يا إسلام علشان تحصلنا زمان عمك فتح الوكالة بدري هو و محمود .
أردف إسلام بطاعة :- حاضر يا بابا ..
غادر بهدوء بصحبة الصغير ، بينما هتفت عواطف بحب :- تعالي يا مريم افطري مع إسلام .
هزت رأسها بنفي قائلة :- تسلمي يا مرات عمي أنا فطرت مع أحمد بالهنا كلوا أنتوا .
توجهت و جلست على الأريكة بالقرب منهم ، تقضم أظافرها بتوتر ، شُلّت حواسها ، و جحظت عيناها بصدمة ، و توقفت ضربات قلبها حينما سمعت زوجة عمها تقول :- بقولك إيه يا إسلام يا ابني أنت أهو ما شاء الله خلصت كليتك ليك سبع سنين و شقتك بقت جاهزة من مجاميعه ، ها فاضل إيه تاني يا حبيبي مستني إيه ؟! نفسي أفرح بيك يا ضنايا بعد ما أخوك الغالي فارقنا مبقاش ليا إلا أنت و أختك .
زفر بضيق قائلاً بشبح ابتسامة :- حاضر يا أما أديني وقت أظبط أموري و هبقى أشوف .
أردفت بلهفة :- ما تقلقش أنا عندي ليك حتة عروسة إنما إيه جمال و أدب و ....
قاطعها قائلاً بضجر :- خلاص يا أما هبقى أشوف أنا نازل الوكالة عند أبويا ..
أنهى كلماته و نزل مسرعاً و تلقائياً وجد عينيه تقع على منزل تلك التي نقضت العهد ، عندما عاهدته بأنها ستكمل معه الطريق ، و لكنها تركته في بدايته حينما أتتها الفرصة للعيش في منطقة أكثر رقياً من هذه المنطقة مع هذا الثرى الذي تشبثت به بقوة لينتشلها من هذه المنطقة الشعبية .
ابتسم بسخرية ، و هز رأسه بندم على ما كنّه من مشاعر لها ، و نزل للأسفل ليتابع عمله بالوكالة ، حيث أنه يدير قسم الحسابات و يشرف على البضاعة بعملهم الخاص .
شعرت بالصقيع يسري في أوصالها فارتجفت بقوة وكأنها في الشتاء رغم حرارة الجو .
دمار تام خيم على مدينة قلبها فأصبحت عبارة عن كوم تراب . ماذا تنتظر ؟! أستظل توهم نفسها بالمزيد من الأحلام التي من المستحيل تحقيقها الآن !
شحب وجهها كالموتى ، و تأكدت اليوم أنه لن يكون لها مثل كل مرة كانت تُمني حالها فيها . تحجرت الدموع بعينيها ، و هدأت وتيرة أنفاسها ، و كم تمنت الموت في هذه اللحظة لتنال الراحة بدلاً من دوامة العذاب التي تغرق فيها .
اقتربت منها عواطف قائلة بابتسامة عذبة :- إيه رأيك يا مريم في بنت عم صالح أسماء ؟
هزت رأسها بضياع قائلة :- ها ...بتقولي إيه ؟
لاحظت حالتها فأردفت بقلق :- مريم مالك يا بنتي ؟ وشك أصفر كدة ليه ؟
نهضت تتحامل على ذاتها قائلة بنفس الحالة :- أنا طالعة فوق ماما عاوزة تغسل السجاد و تساعدها ..
و بالفعل تركت المكان بسرعة حتى لا تنهار أمامها ، لم تجد غيرها صديقتها الوحيدة بالشقة المقابلة لهم فطرقت الباب سريعاً ففتحته والدة بثينة التي هتفت بقلق هي الأخرى :- في إيه يا مريم يا بنتي ، حد جرالوا حاجة ؟
هزت رأسها بنفي قائلة بضعف وهي على وشك الصراخ :- لا مفيش ...مفيش ..عاوزة بثينة بس..
أومأت بتعجب قائلة :- طيب تعالي هي قاعدة جوة في أوضتها كويس أنها مارحتش الشغل النهاردة .
توجهت بسرعة لغرفتها ، بينما أخذت تتطلع لها الأخرى بدهشة ، و لكن هزت رأسها بهدوء فلتعرف ما بها من ابنتها لاحقاً .
فتحت الباب على حين غرة ، فقفزت الأخرى في مكانها على أثره و ما إن رأتها هتفت بذعر :- مريم مالك يا حبيبتي ؟
احتضنتها بقوة ، وهنا سمحت لنفسها بالانهيار ، إذ سقطت جميع حصونها التي تتظاهر بالقوة ، و انخرطت في موجة بكاء غير معهودة منها
أتت والدتها على صوت البكاء قائلة بقلق :- في إيه يا بثينة مالها مريم ؟
هتفت بقلق :- والله ما أنا عارفة يا أما ، سيبينا دلوقتي لحد ما تهدى و هعرف مالها .
أومأت بموافقة قائلة :- ماشي وأنا هروح اعملها حاجة تشربها تهديها .
بعد فترة هدأت وتيرة بكائها فأردفت بثينة بهدوء :- ها يا مريومة مش هتقوليلي مالك بقى ؟
أردفت بصوت متحشرج و قد خيم الحزن على كل خلية بداخلها :- تعبت أوي يا بثينة مبقتش قادرة استحمل خلاص جبت آخري .
أردفت بقلق :- ليه بس فيه إيه ؟
ضحكت بمرار قائلة :- أقولك إيه ولا إيه خليني كاتمة أحسن يمكن روحي تطلع و ارتاح بدل الغلب اللي أنا فيه .
شهقت بصوت عال و أردفت باستنكار :- بقى هي دي مريم اللي أنا أعرفها ! لا لا مش هي أبداً فين مريم القوية اللي بمية راجل .
أردفت بتعب :- خلاص مريم معادتش قادرة تمثل دور مش دورها أنا بقف قدامهم ساكتة و جوايا خراب .
ربتت على ظهرها بحنو قائلة :- أهدي بس و قوليلي في إيه ؟
مسحت عبراتها بعنف قائلة بكذب :- بابا مش راضي يخليني أشتغل ، هو أنا واخدة الشهادة عياقة يعني !
أردفت بحذر :- طيب بس أهدي كدة الأول ، يعني إنتي مش عارفاه هي أول مرة ! لا لا مش دة السبب أنا عارفاكي كويس ، ها في ايه تاني ؟
هتفت بخذي من حالها و وجع :- مرات عمي جابت لإسلام عروسة و شكله هيوافق عليها المرة دي .
أردفت بصدمة :- بتقولي إيه؟ طب طب وإنتي؟! إزاي ؟
أجابتها بحرقة :- زي الناس يا بثينة هو من حقه يتجوز ولا هيفضل كدة يعني !
هزت رأسها بنفي قائلة:- لا مش قصدي كدة بس ...بس وإنتي ؟
أغلقت عينيها بعنف قائلة بقلب ذبيح تلطخت اعماقها بدمائه :- عادي يا بثينة و إيه الجديد ؟! قلبي أتعود على كدة فمبقتش فارقة خلاص ، أنا هعيش لأحمد وبس كفاية الأنانية اللي أنا فيها دي .
أردفت بشفقة :- خلاص يا حبيبتي متعمليش في نفسك كدة أدي الله و أدي حكمته .
هزت رأسها بحزن قائلة :- و نعم بالله خلاص يا بثينة أنا مش هفكر فيه تاني ، أنا كل مرة بيجي في بالي بحس قد إيه إني واحدة خاينة لجوزها اللي ما صدقت يموت علشان تلوف على أخوه .
زفرت بثينة بحزن قائلة :- خلاص بقى يا مريم كفاية تحملي نفسك فوق طاقتها ما إحنا كلنا عارفين انك اتجوزتيه غصب عنك .
ابتسمت بمرار قائلة :- انتوا مين اللي عارفين يا بثينة ؟! هو إحنا هنضحك على بعض ! محدش يعرف حاجة عن الموضوع دة غيرك بس فمتعمميش و تقولي احنا ، على العموم يلا مجاتش عليه و لا جديد عليا إني أتوجع ، معلش يا بثينة تعباكي معايا علطول.
قطبت جبينها بعبوس قائلة :- عيب عليكي إنتي صاحبتي متقوليش كدة .
أردفت بود :- ربنا يخليكي يا بسبس والله من غيرك مكنتش هعرف اعمل ايه ، طيب أنا همشي دلوقتي علشان محدش يحس بغيابي أصل ما قولتش لحد .
هتفت بسرعة :- طيب استني أمي بتعمل العصير .
- لا معلش أبقي سلميلي عليها أنا مروحة أشوفك بعدين .
وما إن همت لترحل عاجلتها بسؤال أعاد الحزن لها مجدداً و كأنها والدته و هو لا يريد تركها :- هي صحيح مين دي اللي أم إسلام عاوزة تجوزهاله؟
ابتسمت بوجع قائلة :- أسماء بنت عم صالح .
اتسعت عينيها بدهشة قائلة :- أسماء !
أومأت بموافقة قائلة بتهكم :- أيوة أسماء صغيرة و متجوزتش قبل كدة يعني منسباله كتير ، بالإذن يا بثينة .
قالت ذلك ثم غادرت بخطوات أشبه بالسلحفاة عائدة لأدراجها بعد أن جففت دموعها ، و جاهدت في رسم إبتسامة باهتة سرقتها خلسة من الزمن ، و طرقت الباب لتفتحه توحيدة ، فدلفت لغرفتها مباشرة بينما وقفت والدتها تطالع أثرها بقلب جريح على حال ابنتها التي تراها كالشاه المذبوحة وهي تقف تشاهدها دون أن تمد لها يد العون .
رفعت انظارها للسماء تتضرع إلى الله بأن يخفف عن ابنتها و يرزقها كل الخير .
دلفت لغرفتها بخطوات بطيئة، و ألقت بنفسها بعنف على الفراش ، و أخذت تحدق في سقف الغرفة التي شهدت على الكثير من معاناتها طوال تلك السنوات .
بهتت ملامحها كعجوز في الثمانين تحمل من الهموم مما يفوق الجبال ، و زادت هالاتها السوداء حول عينيها البندقية الواسعة ، و نقص وزنها كثيراً عما كانت عليه سابقاً .
تحملت الكثير دون أن تشكو ، لا تحب أن تشارك غيرها أوجاعها لأنها تخصها وحدها ، ولن أحد الحزن لذا لم تتحدث .
ابتسمت بسخرية ، لمن ستتحدث ؟ لوالدها كي يقتلها إن علم أنها تحب شقيق زوجها الراحل ! ، ولا والدتها التي تتبع والدها في كل شئ تجنباً لغضبه ! ، ولا لشقيقها الذي ورث الطباع الحاد من والده !
أخذت تبحر بذاكرتها للخلف ، تمر عند كل مرسى به حدث أو ذكرى ، زادت من وتيرة بكائها المكتوم الذي لا يدري به أحد من الأساس ، تود أن تصرخ و تثور ولكن إن فعلت ستصبح عاقة لهما ، وهي لا تريد ذلك أبداً ، لا تريد أن تقطع أي حبل يوصلها بطريق الله ، لذلك توافق والدها على أي قرار يتخذه حتى وإن كان هذا سيضر بمصلحتها ، أو يعارض رغبتها .
أخذت تنتحب بصمت لتفرغ شحنتها السلبية ، و لتنهار الآن لكي تستطيع أن تقف على قدميها قوية في الأيام المقبلة التي ستشهد على مقتلها بالبطيئ .
___________________________________
صعد للأعلى بوجه متجهم للغاية ، و غلق الباب خلفه بقوة ، و جلس بإهمال على أحد المقاعد المتهالكة ، و أخذ يهز قدمه بعصبية شديدة.
تحاملت والدته على نفسها و أخذت تسير حتى وصلت لعنده ، و جلست بتعب قبالته قائلة بوهن :- بردو دي عمايل تعملها يا ابني بتقطع عيشك بأيدك !
هتف بانفعال :- يعني كنتي عاوزاني أعمل إيه يا أما ! دا ابن **** عاوز الحرق .
هزت رأسها بأسى قائلة :- يعني من كتر الشغل دا الواحد بيتعلق في قشاية في زمان ما يعلم بيه إلا ربنا.
أردف بغضب :- كله من بت أختك لو رضيت تتجوزني مكانش دة حصل .
جعّدت أنفها بغرابة قائلة باستنكار :- و إيه دخل دة بدة ؟! انت بتخلط الأمور ببعضها ليه؟ و يعني هي وافقت وأنا قلت لا ، البت مش راضية وأنا مش هغصبها على حاجة يا ابن بطني .
نظر لها بخبث قائلاً :- ماشي يا أما براحتها .
تأوهت بألم قائلة :- آه ألحقني يا حاتم هموت مش قادرة جنبي واجعني ..
قالت ذلك ثم فقدت وعيها على الفور ...
______________________________________
نزل من طيارته الخاصة ، يحاوطونه الحراس الخاصين به كالحصون الفولاذية المنيعة ، يمشي بخطوات سريعة عندما أتى له اتصالاً أثناء رحلته إلى بلجيكا في صفقة عمل بمرض عمه الشديد الذي يرقد في الفراش لا حول له ولا قوة .
صعد للسيارة بسرعة ، و جلس في المقعد الخلفي، بينما أنطلق السائق حيث مكان عمه بالمشفى الضخم الخاص بهم .
بعد وقت توقفت السيارة أمام المشفى ، و نزل السائق يسرع بفتح الباب الخلفي ، فنزل ببرود كحالته ، و مشي بخطوات للداخل حتى ابتلعه المبنى .
استقل المصعد متوجهاً للطابق المتواجد به عمه و البقية وما إن رآهم هتف بجمود و هو يقف بثباته المعتاد :- عمي حالته إيه دلوقتي ؟
هتفت ناريمان زوجة عمه ببكاء :- حالته متأخرة أوي يا مراد مفيش أمل أنه يمشي تاني .
قوس حاجبيه بغضب مكبوت قائلاً بحدة :- و البهايم اللي هنا وظيفتهم إيه ؟ لو مش عارفين يعملوا حاجة حالاً نسفره برة .
هتف والده بحزن :-يعني هيعملوا إيه اللي برة ؟! المستشفى هنا فيها أحسن الدكاترة كلهم قالوا إن حالته متأخرة .
زفر بضيق و استعاد ثباته قائلاً بجمود :- و جدي فين ؟
ثم نظر لجدته التي ورث منها الغطرسة قائلاً :- جدي فين يا نانا ؟
هتفت بهدوء :- تعبان شوية يا مراد ، قاعد جوة في الأوضة اللي جنب عمك .
أردف بهدوء :- طب أنا عاوز أشوفهم .
اقتربت ابنة عمه التي تغرق الدموع عينيها ، و هي تقدم على احتضانه، إلا أنه أوقفها بإشارة من يده بأن لا تقترب من تلك المنطقة المحظورة التي لم تقترب منها أي أنثى من قبل .
جزت على أسنانها بغيظ منه ، ودت لو تلكمه ، و لكن هيهات أن تعبث مع ذلك الجامد كالثلج . هتفت بدموع في محاولة منها لكسب عطفه نحوها :- بابا يا مراد خلاص مفيش أمل أنه يمشي تاني .
لم يتحدث بكلمة فهو غير جيد في تلك الأمور العاطفية، فهو كالآلة يتحرك بوقت ، و يعمل بوقت ، أو بالأحرى يقدس العمل و الوقت .
نظر لوالده قائلاً :- أنا هدخل أشوف جدي على ما يطلع الدكتور و نطمن على عمي .
استدار مولياً إياهم ظهره بينما هتف شادي بخفوت :- يخربيت برودك يا أخي إيه دة ؟!
بعد دقائق أتى الطبيب للإطمئنان على صحة مجدي و بعد أن فحص مؤشراته خرج و على وجهه إمارات الأسى فهتف عمران بلهفة :- طمني يا دكتور أخويا حالته إيه ؟
هز رأسه بحزن قائلاً :- للأسف العملية فشلت و فرصة أنه يمشي من تاني ضئيلة دة إن مكانتش مستحيلة مش قدامنا حاجة نعملها دلوقتي.
أتاه صوته الحاد قائلاً :- يعني إيه مش قدامك حاجة تعملها أنت بتهزر !
زفر الطبيب بضيق قائلاً :- يا باشمهندس مراد حالة عمك مفهاش أمل ، إحنا عملنا اللي علينا و زيادة ولو عاوز تاخده تسفره برة براحتك .
رُسم الأسى على الجميع فأردف الطبيب بهدوء :- هو فايق دلوقتي و طلب مني إنك تدخله لوحدك .
حالة من الدهشة و التعجب خيمت عليهم بما فيهم هو . أومأ بهدوء ثم دلف لغرفة عمه .
قطبت ميس جبينها بتعجب قائلة :- غريبة ! يا ترى عاوزه في إيه ؟
هز عمران كتفه بعدم معرفة قائلاً :- ما أعرفش يا ميس علمي علمك .
كانت تقف و بداخلها فضول قاتل لمعرفة سبب طلبه له بالداخل بمفرده ، و تمنت أن تقرأ الأفكار الآن لتعلم السبب و ترضي فضولها .
بعد وقت قضاه بالداخل ، خرج و وقف بعيداً عنهم قليلاً ، بينما أخذ البقية يتفرسونه بعمق لعلهم يستشفون أي شئ ، و لكن ملامح وجهه الجامدة حالت دون ذلك .
تقدمت منه زوجة عمه التي يقتلها الفضول و هتفت بحذر :- هو ...هو مجدي قالك إيه جوة ؟ يعني ...يعني طمنا عليه هو كويس ؟
أردف بجمود :- اطمني يا مرات عمي هو كويس ، وهو وصاني عليكم وإني أخد بالي منكم .
هزت رأسها بهدوء ، و بداخلها غير مقتنع بما أملاه عليها ، و اشتعلت نيران غاضبة بداخلها نستها منذ زمن بعيد ، و جزت على أسنانها بغل إن كانت ما تفكر به صحيح .
______________________________________
تعبت قدميهما و صرخت باستغاثة كي يكفوا عن السير و ينالوا قسطاً من الراحة .
هتفت آلاء بصراخ و تذمر :- رحيق أبوس إيدك كفاية أنا رجليا ورمت مش قادرة خلاص أمشي تاني .
هتفت بتعب هي الأخرى :- يلا بس معلش تعالي على نفسك شوية مش هنرجع و أدينا فاضية .
هزت رأسها بنفي قائلة باعتراض :- لا ، لا كفاية أنا جبت آخري ، طب نرتاح شوية .
غمغمت بضيق :- خلاص يا آلاء تعالي نقعد تحت الشجرة هناك على ما رجل سيادتك تخف و ترتاح .
ابتسمت بسماجة قائلة :- ربنا يباركلك يا رب ، اللعب ربنا ينصرك ، اللهي .....
قاطعتها قائلة باستياء :- خلاص يا آلاء إنتي مش قاعدة على باب السيدة هنا قدامي .
ضحكت بخفة، ثم توجهتا تحت الشجرة ، و جلستا على. الأريكة الخشبية ، و هن يلتقطن أنفاسهن بتعب من السير الطويل .
أخذت تمسد على قدميها قائلة بتعب :- اه يا اني يا أما كان مالي ومال التعب دة بس يا ربي .
ابتسمت بألم قائلة :- معلش استحملي علشان خاطري أنا عاوزة ألاقي شغل بأي شكل من الأشكال و بسرعة إن شاء الله اشتغل خدامة بس أهو اسمه بشتغل .
أردفت بتوبيخ و تمني :- بس يا هبلة خدامة إيه دة كمان ! إنتي فاكرة إحنا لسة عايشين في عصر البهوات دة ولا إيه ؟ لا إن شاء الله هندور تاني وتالت و رابع و ربنا معانا. .
زفرت بضيق قائلة برجاء :- يااااارب ...
بعد فترة نهضتا سوياً و أكملتا السير ، و بينما كانتا تبحثان اصتدمت رحيق بسيدة فهتفت بسرعة :- أنا آسفة ما أخدتش بالي .
ابتسمت لها بود قائلة :- لا عادي ولا يهمك ، واضح انك تعبانة ...
تدخلت آلاء قائلة :- اه أصلنا بنلف من الصبح على شغل .
هتفت بدهشة :- إيه دة انتوا بتدوروا على شغل ؟!
أومأت بنعم فضحكت بخفة قائلة :- و اللي يجبلكم ؟
أردفت آلاء بمرح :- أديله بوسة كبيرة .
ضحكت بصخب عليها قائلة :- لا إنتي شكلك مشكلة . آه يا ستي ليكم عندي شغل .
هتفت رحيق بتعجب و قلق :- شغل إيه دة يا أستاذة ؟
أردفت بخفوت :- طيب هنتكلم كدة إحنا و واقفين ، تعالوا نقعد في أي كافيه قريب من هنا .
و حينما رأت التوتر مسطر في أعينهن أردفت بمرح :- متقلقوش تعالوا هعزمكم أنا زي أختكم ولا إيه ؟! تعالوا مش هخطفكم.
وزعن أنظارهن بينهن و بين تلك الماثلة ، و حسموا أمرهم أخيراً و توجهوا معها .
جلستا قبالتها بتوتر ملحوظ ، بينما أردفت هي بود :- ها بقى تحبوا تشربوا إيه ؟
أردفت رحيق بتوتر :- لا لا شكراً مفيش داعي .
قطبت جبينها قائلة بتذمر :- بت هو إنتي بخيلة ولا إيه ؟
ضحكت آلاء بمرح قائلة :- سيبك منها أنا عاوزة أشرب عصير مانجا ، و هاتيلها هي عصير فراولة أصلها بتعشقها .
دفعتها بقدمها بغيظ من تحت الطاولة فأردفت آلاء بتذمر :- في إيه يا بنتي هو أنا بكدب يعني ولا بكدب !
ضحكت بغيظ لتخفف من حدة الموقف، و وجدت لو تقتلها في الحال ، بينما هتفت الأخرى بتهذيب :- هعرفكم بنفسي أنا سندس عامر خريجة تجارة إنجلش و بعد سنين من الكفاح فتحت ليا مكتب تسويق و مبيعات و محتاجة موظفين جداد ومن حظي لقيتكم في وشي .
نظرت رحيق لها بتردد قائلة :- أاا...هنبقى نشوف و نرد على حضرتك .
ضحكت بنعومة قائلة :: يا بنتي أسمي سندس و بس مش حضرتك ، هو أنتوا صحيح أسمكم إيه ؟
أردفت آلاء بمرح :- محسوبتك آلاء خريجة تربية قسم لغة إنجليزية و الأخت دي بقى رحيق مزة الدفعة و معايا في نفس التخصص .
ضحكت بخفة قائلة :- تشرفت بمعرفتكم يا قمرات .
أردفت رحيق بتعجب :- بس أظن إحنا تخصصنا مينفعش مع نوع الشغل عندك .
أردفت بروية :- بالعكس دة ينفع و بزيادة كمان هو أنتوا مش perfect في اللغة ولا إيه ؟!
أردفت آلاء بسرعة :- لا والله إحنا واخدين كرسات فيها جنب دراستنا تحبي تختبرينا ؟
هزت رأسها بهدوء قائلة :- اه إن شاء الله بس لما تشرفوني في الشركة بكرة ....
ثم مدت لهم بكارت قائلة :- و أدب الكارت و العنوان لو حبيتوا تيجوا أنا مستنياكم بعد أذنكم علشان ورايا مواعيد ضروري دلوقتي.
قالت ذلك ثم تركتهن يتخبطن في حيرتهن فهتفت آلاء :- مالك يا رحيق مصدرة الوش الخشب ليه ؟
أردفت ببساطة :- علشان بصراحة مش واثقة فيها ، إيه اللي ضمني أنها صادقة ؟
رفعت حاجبها قائلة باستنكار :-نعم يا أختي ! دة اللي هو إزاي يعني ؟ هو إنتي بتتفرجي على مسلسلات كتير ؟!
أردفت بضجر :- الحكاية مش كدة بس بصراحة أنا قلبي مش مطمن للموضوع دة .
أردفت بروية :- يا ستي نبقى نروح نشوفها و بعدين لو معجبناش الوضع نبقى نمشي ، متخافيش مش إحنا مع بعض ايه اللي قالقك؟
هزت رأسها بموافقة قائلة :- على رأيك ماشي بكرة نشوف إن شاء الله .
قاطع حديثهم رنين هاتف رحيق فالتقطته ، و ما إن رأت المتصل هتفت بضيق :- يوووه كانت نقصاك انت كمان .
أردفت بضحك :- ابن خالتك اللي مسجلاه التنح آه بس لو شافك طيب ردي ..ردي لا يكون في حاجة مهمة .
أومأت لها ثم أجابت على الهاتف ، و ما إن وضعته شحب وجهها ، و ظلت كالتمثال ، و تحدثت دموعها فقط حينما هطلت بغزارة كالشلال حينما أتاها رده قائلاً :- انتي فين ؟ أمي ماتت ...ماتت ....
هتفت آلاء بقلق :- في إيه يا رحيق ؟ مالك يا حبيبتي ؟
سقط الهاتف من يدها و هتفت بضياع :- خالتي ماتت ..ماتت يا آلاء ماتت ..
عند هذه النقطة شعرت بأن الجدار الذي تحتمي خلفه أنهار فما عاد لها حصن يؤيها ...
بعد مرور أسبوعين ، تجلس على الأريكة ، والحزن نال منها تلك المرة و طرحها أرضاً بأشد ما لديه من قوة .
ملابس سوداء ، سيدات من الجيران و الحي أتوا لتقديم العزاء ، تستقبلهم بجسد هربت منه الحياة . بجوارها تجلس صديقتها آلاء ، و على الجانب الآخر تجلس جارتها سميحة التي تساقطت دموعها حزناً على رفيقتها ، و كأنها كانت تشعر بقدوم ساعتها لذلك أوشت لها بذلك السر الكبير .
نظرت لرحيق بطرف عينيها قائلة بحزن و خفوت :- شيلتيني أمانة كبيرة أوي أنا مش قدها يا صفية ، ربنا يعيني و يقدرني .
هتفت آلاء بدموع :- قومي كلي يا رحيق ما تعذبيش نفسك ، فكرك كدة هي فرحانة يعني و مبسوطة ! قومي ربنا يهديكي .
هزت رأسها بنفي قائلة بصوت متحشرج :- مليش نفس يا آلاء .
أردفت بنفاذ صبر و هي توجه حديثها لسميحة :- قوليلك حاجة يا خالتي .
أردفت بحزن :- والله يا بنتي تعبت معاها ، سبيها دلوقتي على ما الستات تمشي .
احتضنت جسدها الهزيل بحماية ، و دموعها تتسرسل كحبات اللؤلؤ، قلبها ينزف بغزارة ، لقد فقدت تلك السيدة الحنون التي كانت بمثابة والدتها ، لم تبخل يوماً أن تظهر فيه عاطفة الأمومة نحوها في حبها و خوفها و معاملتها الحسنة لها ، تركتها وحيدة للأيام تقذفها من هنا و هناك وسط أمواجها العاتية ، ولا تعلم ما تخبئه لها الأيام .
بعد وقت غادرن النسوة ، و أحضرت آلاء لها الطعام فتناولت بعض اللقيمات تحت ضغط سميحة التي أصرت و بعد عناء من المماطلة أرضخت لطلبها ، فتناولت القليل والذي كان كالعلقم بالنسبة لها .
صعد حاتم بعد أن استقبل الرجال بالأسفل الذين أتوا لتقديم واجب العزاء ، و ما إن دلف مسكت هي تلقائياً يد سميحة و كأنها حبل النجاة تتعلق به . شعرت الأخرى بها لتربت على يدها بحنو ، ولا تعلم حقيقة خوفها ، بينما هتفت بمواساة :- البقاء لله يا حاتم يا ابني شد حيلك .
هتف بصوت أجش :- الشدة على الله يا خالتي .
نهضت قائلة :- طيب همشي أنا و هبقى أجيلك الصبح .
هزت رأسها بنفي قائلة :- لا لا خليكي معايا يا خالتي بالله عليكي .
هتفت بهدوء وهي تربت على ظهرها :- حاضر يا بنتي حاضر .
أخذ يطالعها بغيظ شديد على موقفها هذا فانصرف مسرعاً للداخل لغرفته .
______________________________________
بعد مرور يومين تعالت الطرقات على الباب بصخب عندما كانت تطعم صغيرها فنهضت من مكانها بفزع و توجهت لترى من الطارق ، فأصابتها الدهشة عندما وجدتها أمامها ، اغتصبت شبح ابتسامة قائلة بهدوء :- إزيك يا أسماء عاملة إيه ؟ اتفضلي ..
هتفت بصوت مهزوز :- أاا.... أنا .. أنا عاوزة أتكلم معاكي لوحدنا .
قطبت جبينها بتعجب قائلة :- ماشي تعالي ادخلي .
دلفت و أغلقت الأخرى الباب و بداخلها ألف سؤال .
رحبت بها والدتها قائلة :- أهلاً وسهلاً يا أسماء ، عاملة إيه ؟ و أمك أخبارها إيه ؟
هزت رأسها بتوتر قائلة :- الحمد لله يا خالتي بخير .
هتفت مريم بهدوء :- ماما خلي بالك من أحمد على ما أشوف أسماء عاوزاني في إيه .
أومأت لها بخفوت ، بينما دلفت هي بها إلى غرفتها الخاصة ، و جلستا على الفراش فهتفت مريم بحذر :- ها أدينا قعدنا لوحدنا في إيه يا أسماء ؟ مش على بعضك كدة !
فركت يديها بتوتر وهي في حيرة من أمرها أتخبرها أم لا ! و لكنها حسمت أمرها أخيراً و نظرت لها قائلة بوجه شاحب :- إلحقيني في مصيبة .............
____________________________________
البارت خلص هستني توقعاتكم للبارت الجاي
دمتم بخير 🧡
البارت الثالث
اتسعت عيناها بذعر وهي تراقب هيئتها الشاحبة ، بدأت دقات قلبها تزداد، فمسكت يدها تضغط عليها برفق قائلة :- أهدي يا أسماء و كلميني براحة في إيه ؟
أرتجف بدنها قائلة بصوت مذبذب :- أنا .... أنا واقعة في مصيبة يا مريم ، ساعديني أبوس إيدك .
زادت ضربات قلبها بصخب ، و تتوقع الأسوأ فهتفت بقلق بالغ :- مصيبة إيه دي يا أسماء اتكلمي ما تخافيش .
سقطت دموعها برعب قائلة :- في واحد زميلي في الجامعة .... بب..بيهددني بصور ليا في أوضاع قذرة ، و بيهددني لو مجيتش ليه الشقة هيودي الصور دي لأهلي .
ضربت بيدها على صدرها بعنف قائلة بفزع :- يادي المصيبة ، إيه اللي إنتي هببتيه دة ؟! طب إزاي و علاقتك بالواد دة واصلة لحد فين ؟
أردفت بخزي :- كنا بنخرج مع بعض و لما عرفت اللي في دماغه بعدت عنه والله ، ومن يومها بيوقفلي في الراحة و الجاية يهددني ، أنا مش عارفة أعمل إيه ؟ ساعديني يا مريم إنتي عمرك ما بتقولي لا لحد في خدمة يطلبها منك .
أردفت بتوتر :- بس ....بس .....
قاطعتها قائلة برجاء و دموع :- ساعديني الله يخليكي دول لو أهلي عرفوا هتبقى مصيبة .
هزت رأسها قائلة بتأثر :- خلاص يا أسماء أهدي علشان نلاقي صرفة للمصيبة دي .
ثم أضافت بعتاب :- و بعدين هي دي تربية أهلك ! دة جزاتهم تعملي كدة ! تخوني ثقتهم فيكي .
نكست رأسها بخزي قائلة :- كنت معمية يا مريم ، كنت بشوف البنات عادي بتقعد مع الولاد و تصاحبهم قلت ليه ما اعملش زيهم ، كنت بقابله في الجامعة و ساعات برة ، بس والله ما كنتش بتعدى حدودي معاه ولا كنت بخليه هو كمان يتعدى حدوده معايا .
أردفت بضيق :- بردو مكانش يصح اللي عملتيه دة يا أسماء من امتى و بناتنا بتعمل كدة ها ؟ إحنا ملناش دعوة بحد ، ربنا يهدينا و يهدي الجميع ، البنت المفروض تمشي زي الألف طالما طلعت من البيت و متتعاملش مع الولاد إلا في حدود الاحترام .
أردفت بتذمر :- طب ما في بنات كتير بيرتبطوا و بيتجوزوا كمان ..
زفرت بضجر قائلة :- بردو هتقولي بنات ! يا حبيبتي لو كل واحد قال اشمعنا و اشمعنا كانت الدنيا خربت ، مش كل الشباب وحشين بردو في اللي بيقدر البنت اللي بيرتبط بيها ، ما يوعدهاش و يخلى بيها من الآخر يكون راجل بجد و شاري ..
ثم أضافت بتهكم :- تقدري تقوليلي أخينا دة اللي مورطك دلوقتي لو كان راجل بصحيح مكانش أبداً عمل كدة ، الواطي الدون دة لو قدامي كنت قطعته بسناني ، شباب طايش مش لاقي اللي يوجهه ، أسماء مش كل صوابعك زي بعضها اه في شباب كويس بس بردو في زبالة زي اللي بيهددك دة .
هزت رأسها بموافقة قائلة بخزي :- عندك حق يا مريم ، بس دلوقتي هعمل إيه هو طلع حقير خد صور لينا و إحنا بنطلع مع بعض و صور لعب فيها ، أنا خايفة أرجوكي ساعديني بابا لو عرف هيموتني .
ابتسمت بخفوت قائلة :- حاضر يا أسماء هساعدك.
أردفت بلهفة :- ربنا يخليكي يا مريومة عارفة إنك هتوافقي .
أردفت بابتسامة مطمئنة :- متقلقيش إنتي زي أختي . و دلوقتي أديني رقم الزفت دة حالاً وأنا هشوف شغلي معاه .
أردفت بلهفة :- لا بلاش يا مريم لأحسن يعمل حاجة لو عرف إني قلت لحد ، أنا عاوزاكي تيجي معايا هناخد الصور و نمشي .
أردفت بحذر :- بس بردو مينفعش لازم نقول لحد نثق فيه و ......
هزت رأسها بنفي قائلة بدموع :- لا وحياتك لا علشان خاطر أحمد ابنك متقوليش لحد ساعديني في أنك تيجي معايا ، هو لما يلاقي حد معايا مش هيعمل حاجة .
نظرت لها بشفقة على حالها و زفرت بحزن قائلة:- حاضر يا أسماء بس يا ريت تكوني أتعلمتي من غلطك و متكررهوش .
هتفت بندم :- لا ما أنا اتعلمت الدرس خلاص ومش هعمل كدة تاني أبداً ..و...كمان أصل خالتي عواطف فاتحت أمي في موضوع أنها هتيجي تتقدملي لابنها إسلام ، و بصراحة إسلام شاب محترم و ما يتعوضش .
هربت الدماء من عروقها ، و شحب وجهها على تلك الذكرى ، و كأنها تؤكد لها بأنه من المستحيل أن يكون لها لذا عليها الاستسلام للأمر الواقع .
رسمت إبتسامة مرتجفة على محياها ، و أردفت بمرار و قلب ذبيح :- اه ما هي قالتلي ، ربنا يسعدك يا أسماء و يكتبلك الخير كله .
ابتسمت لها بود قائلة :- و يخليلك أحمد و تفرحي بيه ، بكرة بعد الجامعة هنروحله بس أنتي هتخرجي إزاي من غير ما حد يعرف ؟
هزت رأسها بحيرة قائلة :- والله مش عارفة يا أسماء ، سيبيني أفكر لحد بكرة و ربنا يسهل .
مسكت كلتا يديها قائلة بترجي :- بس بالله عليكي ما تسبيني لوحدي في المشكلة دي .
أردفت بحنو :- خلاص يا أسماء ما تعيطيش كفاية عياط هاجي معاكي بإذن الله ، هسيب أحمد مع ماما و أبقى اتحجج بأي حاجة متقلقيش.
احتضنتها بقوة قائلة :- أنا متشكرة أوي يا مريم لو عندي أخوات بنات مش هيعملوا كدة معايا .
ضربتها بخفة على رأسها قائلة باستنكار :- وأنا مش أختك ولا إيه يا ست أسماء ؟!
أردفت بابتسامة عريضة :-طبعاً أختي و أحلى أخت كمان .
ربتت على ظهرها بحنو و منحتها ابتسامة دافئة ، و قالت بمرح :- يلا يا بت امسحي دموعك دي ماما تقول عليكي إيه بضربك هنا !
ضحكت بخفوت قائلة وهي تمسح عبراتها :- لا ودي تيجي بردو إنتي بتكهربيني بس ..
قالت جملتها الأخيرة و تعالت ضحكاتهن في الغرفة و بعد وقت انتهوا من ثرثرتهن ، و انصرفت أسماء لشقتهم وهي تدعو الله برجاء شديد أن يمر الأمر بسلام ، بينما خرجت مريم لترى ابنها الذي تركته مع والدتها فهتفت بفضول :- كانت عاوزة إيه أسماء ؟
هتفت بكذب :- أبداً يا ماما كانت عاوزة طقم من عندي علشان معاها مناسبة و عاوزة تحضر بحاجة جديدة مع صحابها.
هزت رأسها بتفهم قائلة :- طيب تعالي شوفي أحمد عاوز إيه بعد ما أكلته وهو لاوي بوزه مش عارفة ليه !
تقدمت من صغيرها و حملته ، و قبلته في وجنته قائلة بحنان :- مالك يا ميدو يا حبيب ماما ، عاوز إيه ؟
هتف الصغير بتذمر :- عاوز أروح عند جدو موثى و هي مش راضية تخليني أروح .
ضحكت بخفة قائلة :- وأنت يا بطل عاوز تروح لوحدك تحت في الشارع ؟
هز رأسه بموافقة قائلاً :- أيوة بعرف أروح لوحدي أنا كبير و راجل .
قبلته بقوة من وجنته قائلة :- يا سلام ! دة أنت راجل و سيد الرجالة كمان ، بس يا حبيبي ماينفعش تنزل لوحدك الوكالة ، أنت صحيت متأخر النهاردة و مشيوا قبلك ، لما يرجع هاخدك تحت و تشوفه .
أردف بموافقة :- ماشي يا ماما ، طيب يلا نروح عند خالو فوق عاوز ألعب مع طه .
أومأت بموافقة قائلة :- ماشي يا سيدي طلباتك أوامر ، ماما أنا طالعة عند سامية فوق .
أردفت بحذر :- ماشي بس ما تعوقيش لأحسن أبوكي ياجي من برة و يتكلم و أنتي عارفة كلامه .
هزت رأسها بحزن قائلة:- ماشي يا ماما مش هتأخر.
//////////////////بقلم زكية محمد/////////////////////////
فتحت عينيها الذابلة من أثر البكاء ، و نهضت من مكانها ، و خرجت من غرفتها لتجد سميحة أمامها ترص الأطباق على الطاولة ، و التي هتفت بشبح ابتسامة فور رؤيتها :- صباح الخير تعالي يا حبيبتي أنا حضرت الفطار أهو قبل ما أمشي يلا أقعدي كوليلك لقمة .
هتفت بخفوت :- ملوش داعي يا خالتي تعبتي نفسك ليه بس ؟
أردفت بتوبيخ :- بس يا بت أنتوا زي عيالي ، يلا أنا همشي و أبقي صحي حاتم علشان يفطر .
هزت رأسها بخفوت ، و غادرت الأخرى ، فوقفت هي تطالع غرفته ببعض الخوف ، و لكنها شجعت نفسها و توجهت ناحية غرفته ، و طرقت الباب ، و ما هي إلا لحظات حتى فتح هو الباب لتتراجع هي للخلف بخطوات سريعة قائلة بصوت يكاد يكون مسموع :- الفطار جاهز ..
هتف بصوت أجش :- ماشي جاي أهو .
بعد وقت كان يجلس أمامها ، يتناول طعامه بشرود ، و كذلك هي تبتلعه بصعوبة . هتف بهدوء شديد وهو يصب اهتمامه على الطعام :- إحنا دلوقتي مش هينفع نقعد مع بعض في بيت واحد ، كلام الناس هيكتر و هيقولوا حجات فارغة .
هزت رأسها توافقه الرأي قائلة :- فعلاً عندك حق علشان كدة أنا كنت ناوية أفاتحك في موضوع الشقة التانية بتاعة أمي الله يرحمها هنضفها و أقعد فيها .
ضرب بيده بعنف على الطاولة قائلاً بغضب :- شقة أمك مين لا مؤاخذة ! إنتي ملكيش شقق دي شقة جدي .
اتسعت عيناها بذهول قائلة :- يعني إيه ؟! أومال هقعد فين ؟ أنت إيه يا أخي حرام عليك ..
طالعها بخبث قائلاً :- و الله في إيدك كل حاجة .
قطبت جبينها بعدم فهم قائلة :- يعني إيه يا حاتم تقصد إيه بكلامك دة ؟!
أردف بمكر :- أقصد نتجوز منها نسكت الناس و منها تلاقي حل لمشكلتك دي .
نهضت بغضب قائلة بحدة :- أنت بتحلم سامع ؟ استحالة دة يحصل .
أردف بغيظ و تشفي :- خلاص شوفي بقى هتحلي مشاكلك إزاي و الناس هتقول إيه لما تعرف أننا عايشين في بيت واحد من غير جواز .
طالعته بقهر قائلة :- حسبي الله ونعم الوكيل ، بس أنا مش هرضخلك يا حاتم و أقبل باللي أنت عاوزه ، أنا هدور على شغل و لا الحوجة يا .....يا ابن خالتي .
أنهت حديثها و توجهت لغرفتها كالأعصار ، بينما ظل هو يتابع أثرها بغيظ شديد قائلاً :- ماشي يا رحيق وراكي و الزمن طويل ..
بعد وقت خرجت و هي ترتدي ملابسها السوداء ، و غادرت بغضب شديد منه ، و تدعو الله بأن يستجيب لها هذه المرة و تجد وظيفة تعول بها نفسها .
بعد وقت قضته في البحث و التنقل بين المكتبات و المحلات و لكن دون جدوى ، فجلست على أحد المقاعد بضجر و ضيق ، ففتحت حقيبتها تبعثر فيها بحثاً عن هاتفها ، لتلتقط أصابعها الكارت المدون به مكان عمل تلك السيدة التي قابلوها في الآونة الأخيرة.
وضعته نصب عينيها ، و أخذت تفكر بعمق و روية ، تشعر بالتخبط أتذهب لهناك أم تظل هنا ؟ و عندما لاح طيف ابن خالتها و غلظته معها ، و ما يود أن يفعله بها عند هذه النقطة هزت رأسها بعنف ، و من ثم وقفت بحزم و سارت لتقف على الطريق ، أوقفت إحدى سيارات الأجرة ، مقررة بحزم الذهاب لها في سبيل البحث عن الوظيفة التي ستكون بمثابة قارب النجاة لها من براثن ذلك البغيض .
ترجلت من السيارة لتقف أمام مبنى شاهق الإرتفاع ، أخذت شهيقاً عميقاً و زفرته بتمهل ، و حسمت أمرها و دلفت للداخل .
ولجت بخطى متعثرة ، و لوهلة شعرت بأنها تود أن تستدير و تلوذ بالفرار من هذا المكان الذي أسرى الخوف بداخلها ، خوف مبهم لا تعلم ماهيته ، فكل ما تعلمه أن عليها المضي قدماً ، وأنه لا يوجد مجال للتراجع .
رأت فتاة تجلس على مكتب في منتصف الغرفة التي وطأتها فتوجهت ناحيتها قائلة بهدوء :- مش دة مكتب مدام سندس للتسويق و المبيعات ؟
هزت رأسها بموافقة قائلة بابتسامة عريضة:- أيوة يا أفندم أقدر أفيدك بإيه ؟
أردفت بثبات :- لو سمحتي كنت عاوزة أقابلها ضروري .
أومأت بهدوء قائلة :- إتفضلي اقعدي و أنا هديها خبر ، أسمك إيه؟
أملتها اسمها لتغيب عنها للحظات حتى خرجت قائلة بعملية :- إتفضلي هي في إنتظارك دلوقتي .
نهضت تهندم ملابسها بتوتر ، و ولجت للداخل بعد أن طرقت الباب ، لتجدها منصبة على مجموعة من الأوراق ، و ما إن رأتها نهضت ترحب بها بابتسامة عريضة قائلة :- أهلاً.. أهلاً برحيق الغلباوية ، إزيك عاملة ايه؟ ليكم وحشة إنتي و صحبتك مش إسمها آلاء باين ؟
هزت رأسها بموافقة و رسمت إبتسامة باهتة على صفحة وجهها العابس قائلة :- أيوة إسمها آلاء .
أردفت بود :- طيب تعالي أقعدي.
قالت ذلك و هي تشير لها نحو الأريكة التي توجد في إحدى جوانب المكتب ، فتبعتها و جلست بجوارها قائلة :- ها تشربي إيه ؟
هزت رأسها بسرعة بنفي قائلة :- لا لا ملوش داعي .
قوست جبينها بضيق قائلة :- في إيه يا رحيق إنتي قفوشة كدة ليه ؟
أردفت بحذر :- لا مش كدة بس أنا طبعي كدة لما بكون مش متعودة على حد ..
أردفت بتفهم :- أها ، ماشي يا ستي أنا هطلبلك عصير فراولة شوفتي إزاي مبنساش !
ابتسمت لها بخفوت ، و أخذت تفرك يديها بقوة فهتفت سندس بعد أن قامت برفع السماعة و طلب كوبين من عصير الفراولة الطازجة :- صاحبتك ما جتش معاكي ليه ؟ و ليه لابسة أسود ؟
قوست شفتيها بحزن قائلة :- أصل خالتي أتوفت من أسبوعين كدة .
شهقت بحزن قائلة :- البقاء لله يا حبيبتي ربنا يصبركم إن شاء الله.
أردفت بنبرة يشوبها الانكسار :- و نعم بالله سبحان من له الدوام ، أنا جيت لحضرتك النهاردة علشان أقدم على الشغل اللي كنتي قولتي عليه المرة اللي فاتت .
أردفت بهدوء :- ماشي يا حبيبتي جبتي الc.v بتاعك ؟
هزت رأسها بنعم وهي تمد لها الملف قائلة :- اه أهو كل حاجة هتطلبيها موجودة هنا في الملف .
فتحته و أخذت تطالع الأوراق، و هي ترفع حاجبيها بإعجاب قائلة :- هايل إنتي شاطرة أوي من دلوقتي هنمضي العقود و تستلمي شغلك من النهاردة .
أشرق وجهها أخيراً لهذا الخبر ، و بعد دقائق أتت لها بالأوراق فأخذت توقعها بحماس ، فهتفت سندس بفرح :- ألف مبروك يا رحيق .
ابتسمت بسعادة غامرة لأول مرة منذ فترة طويلة قائلة :- الله يبارك فيكي يا مدام سندس ، أنا مش عارفة أشكرك إزاي .
أردفت بمرح :- يا ستي مفيش شكر يلا دلوقتي تعالي أفرجك على المكتب و أعرفك على زمايلك في الشغل .
أومأت لها بحماس و خرجت معها لتتفقد المكان ..
_____________________________________
في اليوم التالي استيقظت باكراً ، ترتب لتلك الخطة التي توصلت لها حتى تستطيع أن تخرج دون أن يشك بها أحد ، و تنقذ تلك المسكينة من براثن ذلك الحقير .
هتفت بشرود :- يا رب الخطة تنجح و تعدي كل حاجة على خير .
خرجت من غرفتها بصحبة الصغير، و جلست على الطاولة بعد أن ألقت عليهم تحية الصباح ، و شرعت في إطعام الصغير ، و تراقب الباب بحذر وهي تهتف بداخلها :- يلا يا بثينة تعالي بسرعة قبل ما بابا ينزل الشغل .
و بالفعل استجاب الله لدعائها حينما سمعت طرقات الباب فانفرجت أساريرها ، و نهضت لتفتح الباب فوجدتها أمامها فهتفت بخفوت :- إتأخرتي ليه ؟
هتفت بخفوت مماثل :- على ما حضرت الفطار لأمي و سبكت الدور ، ربنا يستر على الباقي ، هما جوة علشان أبدأ ؟
أومأت بنعم قائلة بخفوت :- اه جوة يلا تعالي قبل ما بابا ينزل الوكالة .
دلفت للداخل وهي تضع يدها على وجنتها تصطنع الألم، و هتفت بألم مصطنع :- صباح الخير يا خالتي، صباح الخير يا عمي ، عاملين إيه النهاردة ؟
ردوا عليها التحية ، و أردفت توحيدة بقلق :- الحمد لله يا بنتي، مالك إنتي سلامتك ؟
أردفت بوجع :- الله يسلمك يا خالتي ضرسي واجعني أوي و رايحة للدكتور وكنت جاية أخد مريم معايا لو مفهاش تعب يعني .
أردفت توحيدة بتعاطف :- ألف سلامة عليكي يا حبيبتي، وماله ما يضرش .
أردفت بود :- ربنا يخليكي يا خالتي ، وأنت يا عمي موافق تروح معايا ؟
مط شفتيه بضيق خفي قائلاً بصوت أجش :- مفيش مشكلة بس متتأخرش أنا هاخد أحمد معايا الوكالة على ما تيجي .
هتف أحمد بسعادة :- حاضر يا جدو يلا نروح عند جدو موثى و إثلام .
نهره بضيق قائلاً :- يا واد إسمه إسلام بردو ! قوله يا عمي هتتعلم إمتى بس ؟!
جعّد الصغير أنفه بتذمر قائلاً :- هو بيقولي كدة يا جدو .
أردف باستنكار :- هو اللي بيقولك كدة يا جدو ! طيب يلا يا لمض هات إيدك .
دفن الصغير كفه في كف جده الكبير و نزلا للأسفل ، بينما هتفت توحيدة بود :- تعالي يا بثينة أقعدي على ما مريم تجهز .
أومأت لها بخفوت، بينما دلفت مريم للداخل لتستعد لتلك المواجهة الخطيرة المقدمة عليها .
بعد وقت ارتدت ملابسها المحتشمة، و خرجتا سوياً ، فهتفت بثينة بينما كانتا تسيران في الشارع :- يا بت أهمدي مالك كدة كأنك بتقولي أنا رايحة أعمل عملة .
هتفت بتذمر :- أعمل إيه يا بثينة حاسة بالذنب بياكلني وأنا بكدب على بابا في عينه وفي نفس الوقت مش قادرة أقولها لا دي قصدتني في خدمة أقولها لا !
أردفت بوجه عابس :- لا يا أختي ساعديها و دي تيجي دة إنتي حتى مش راضية تقوليلي على حاجة ، و أنا ماشية وراكي زي الأطرش في الزفة .
ضحكت بخفوت قائلة :- يا بوسبوس إنتي عارفاني مبحبش أطلع سر غيري أبداً .
مصمصت شفتيها بتهكم قائلة :- طيب يا أختي خليكي كدة ، أنا لو منك ما أساعدهاش واستغل الفرصة .
مطت شفتيها بضيق قائلة :- لا يا بثينة مش أنا اللي أنتهز غيري علشان أحقق مصالحي الشخصية مش دي مبادئي أبداً .
مطت شفتيها بسخرية قائلة :- خليكي ورا مبادئك يا أختي خليها تنفعك ..
أردفت بضيق :- خلاص يا بثينة و خلينا نلحق نمشي علشان أوصلها زمانها مستنياني .
أومأت لها بموافقة ، و بعد دقائق وصلتا لعيادة طبيب الأسنان ، و صعدتا لتحجز بثينة دورها ، فهتفت مريم بقلق قبل أن تذهب :- يلا بقى هسيبك أنا دلوقتي و أمشي ، أوعي تمشي من هنا من غير ما أجيلك مسافة السكة علطول .
هزت رأسها بتفهم قائلة :- ماشي يلا اتكلي على الله و ربنا معاكي .
نزلت للأسفل ، و استقلت إحدى سيارات الأجرة ، و انطلقت بها بعيداً حيث وجهتها .
تقف خارج الجامعة ترتعش بشدة وهي تسير ذهاباً و إياباً بانتظارها على أحر من الجمر ، ما إن رأتها ترتجل من السيارة، ركضت ناحيتها بسرعة ، و كأنها غريق و وجدت قشة لتنجو بها من هذا الطوفان .
نظرت لها بأسى و شفقة قائلة :- أسماء أهدي كل حاجة هتبقى تمام إن شاء الله.
هتفت ببكاء :- أنا خايفة يا مريم ....بابا هيموتني ..هيقتلني .. أنا أستاهل ... أنا أستاهل .
ربتت على كتفها قائلة بحنو :- أهدي يا أسماء مش كدة كل حاجة هتتحل بإذن الله يلا بينا دلوقتي.
هزت رأسها قائلة :- ماشي ، هو لسة مكلمني و قالي أجيله دلوقتي .
ذمت شفتيها بغيظ منها ومن ذلك المعتوه الآخر ، و بعدها استقلتا سيارة الأجرة ذهاباً للعنوان الذي أملته عليها ، و هي تدعو الله بداخلها أن تمر الأمور على ما يرام.
وقفتا بعد وقت تحت البناية التي بها ذلك البذئ . أرتجف بدن مريم بشدة ، و لوهلة فكرت في أن تترك المكان و تغادر ، ما هذه الورطة التي أوقعت نفسها بها ؟! ، خرج صوتها أخيراً قائلة بخوف حاولت أن تخفيه حتى لا تقلق تلك التي على وشك الموت :- هو دة المكان ؟
هزت رأسها بخوف قائلة :- أيوة هو ...هو دة المكان ، خلاص ...خلاص تعالي نمشي .. انا خايفة .
زفرت بضيق فإن كانت هي خائفة فهي أضعافها بكثير ، و لكنها تحلت ببعض الشجاعة قائلة :- يلا تعالي نطلع و إن شاء الله مش هيحصل حاجة لما يلاقينا إحنا الاتنين .
تشابكت أصابعهن ببعضها لتبث كلاً منها الأمان للأخرى ، بخطى مرتجفة صعدن للأعلى و وقفتا أمام باب إحدى الشقق السكنية ، و أخذتا تحدقان فيه كثيراً ، حسمت أمرها و سحبت شهيقاً عميقاً ، و مدت أصبعها المرتجف و ضغطت على الزر ، ليصل الصوت بالداخل لذلك الخبيث الذي ابتسم بشر ، و توجه ليفتح الباب ما إن فتحه تراجعن للخلف بتلقائية ، بينما أختبئت أسماء خلفها بخوف .
راقب الذعر المرسوم على وجوههن بتسلية ، و نظر لأسماء قائلاً بسخرية :- إيه يا قطة مش اتفقنا تيجي لوحدك !
هتفت مريم بشجاعة واهية ، وهي توجه أصبعها في وجهه :- بقولك إيه يا جدع أنت ملكش دعوة بيها كلامك معايا أنا .
بجرأة و وقاحة منه مال و قبّل إصبعها قائلاً وهو يغمز لها بعينه :- طيب براحة على أعصابك يا مُزة أهدي .
شهقت بصدمة وخجل من فعلته ، و اتسعت عيناها قائلة وهي ترفع يدها لتصفعه :- يا حقير يا زبالة يا سافل ...
إلا أنه كان الأسرع حينما قبض على يدها جاذباً إياها لتصتدم به قائلاً بخبث :- لا يا مُزة كدة أزعل وأنا زعلي وحش ..
دفعته بعيداً عنها قائلة :- أبعد عني يا حقير يا قذر ..
جعَّد وجهه بضيق قائلاً :- و بعدين بقى في ماسورة الشتايم دي ! كدة مش هنتفق و متنسيش يا قمر إن روحكم في أيدي خلينا لذاذ مع بعض .
أردفت بهجوم :- بقولك إيه هات الصور أحسنلك .
ضحك بصوته العالي قائلاً :- أحبك يا شرس أنت .
نفخت بغيظ قائلة :- يووه و بعدين بقى ؟ هات الصور إذا سمحت عاوزين نمشي .
أردف بخبث :- طيب هنفضل نتكلم على الباب كتير كدة !
نظرت له بقلق قائلة :- لا كدة كويس يلا روح هات الصور .
مط شفتيه بعدم اكتراث قائلاً :- لا يا حلوة أدخلوا الأول تاخدوا الصور .
أردفت بانفعال :- ليه يعني ماينفعش من هنا وخلاص !
هز رأسه بنفي قائلاً :- لا يا حلوة مفناش من كدة .
جزت على أسنانها بغيظ :- خلاص بس بشرط تسيب الباب مفتوح .
أومأ بخبث قائلاً :- وماله يا مزة هسيبه أهو ، أدخلوا انتوا خايفين ليه كدة ، هجبلكم كل الصور علشان تتأكدوا إن مفيش نسخ تانية .
تزحزح قليلاً ليفسح لهم المجال ليدلفن للداخل ، وقفتا بانتظاره وكلاً منهم تقبض بيدها على الأخرى بخوف ، بينما أردف هو بخبث :- استنوا هنا على ما أدخل أجيبها من جوة .
دلف للداخل و هتف بخفوت للجالس على الفراش :- حظك يا برنس من السما دي جات و معاها مزة جامدة ، أنا هسيبهالك و أخد أنا الشرس الحلو دة ، خليك قريب من هنا لو عصلجوا تطب علطول .
أومأ له بحماس ، بينما التقط هو الصور و خرج للخارج فوجدهن على حالتهن فهتف بعبث :- إيه مش هتقعدوا علشان نتفاهم ؟ جرا إيه يا أسماء مش طالعلك حس يعني و عمالة تترعشي زي الفار المبلول كدة !
هتفت مريم بضجر :- ملكش دعوة بيها و هات الصور .
مد لها الصور ، فالتقطتها منه بسرعة ، و أخذت تتفحصها بدقة ، و بعد ذلك قامت بدسها في الحقيبة ، و نظرت له أخيراً قائلة بكره :- متأكد مفيش صور تاني غير دي ؟
أردف بإعجاب :- وحياتك يا قمر ما في غيرها .
مسكت يد أسماء ، و أزاحته بعنف قائلة :- طيب حيث كدة بقى أبعد من وشي خلينا نمشي .
وما إن همت لتغادر و وصلت عند الباب ، كان الأسرع حينما غلقه و وقف قبالتهن قائلاً بابتسامة شريرة دبت الرعب بأوصالهن :- على فين يا حلوة منك ليها هو دخول الحمام زي خروجه بردو !
تراجعن للخلف و قد شحب وجههما للون الأصفر فهتفت مريم بصوت متقطع :- أاا... أنت.... أنت مش قولت أنك هتدينا الصور و نمشي ؟ خليك قد كلمتك بقى .
ابتسم بخبث و أردف بحنو زائف :- طبعاً طبعاً هتمشوا و دي تيجي بس الأول نقوم بواجب الضيافة .
هزت رأسها بنفي قائلة بلهفة :- لا لا كتر خيرك بس خلينا نمشي الله يخليك .
قطب جبينه قائلاً بضيق مصطنع :- لا لا ما أحبكيش وإنتي ضعيفة كدة ، فين القطة الشرسة اللي كانت من شوية ؟! متقلقيش يا قمر إحنا هنقضي وقت لطيف مع بعض و بعدين تمشوا ولا من شاف ولا من دري .
اتسعت عيناها بذعر ، و شعرت بقدميها أصبحت كالهلام عندما فهمت ما يرمي إليه ، و بتهور منها قامت بصفعه بقوة ، بينما أخذت تحدق فيه برعب وهي تدرك فعلتها الشنيعة التي ستأتي لها بالسلب .
أحمرت عيناه بغضب قائلاً بحدة :- إنتي بتضربيني يا بت ال***** طيب أنا هوريكي شكلك ما بتجيش غير بالعنف .
أنهى كلماته و سحبها نحوه عنوة ، بينما ظهر الآخر و كبل الأخرى التي صرخت بهلع وهي تتلوى لتلوذ بالفرار .
شعرت بأن نهايتها قد أتت ، و لكن قبل أن يحدث أي شئ آخر أتت عناية الله حينما توقفوا عندما سمعوا طرقاً عالياً على الباب بعنف شديد .
هتف الذي يكمم فاه أسماء بخفوت :- مين دول أنت مستني حد ؟!
هز رأسه بنفي قائلاً بخفوت :- لا مش مستني حد .
ثم أردف بتهديد وهو ينظر لمريم :- لو طلعلك صوت هتشوفي اللي عمرك ما شفتيه .
هزت رأسها بخوف فهي في موقف يحسد عليه ، دفعها بقوة ثم توجه ليرى من بالباب وما إن فتحه دلف ثلاثة رجال دفعوه بقوة ، و هتف أحدهم بغضب عاصف :- فينها ال***** ؟ راحت فين ؟ .........
_____________________________________
رأيكم في البارت يا قمرات 🧡 هستنى توقعاتكم يا ترى إيه اللي هيحصل .
دمتم بخير 🧡❤️🤗
البارت الرابع
شعرت بعاصفة هوجاء تضربها بقوة دون توقف عندما رأت الماثلين أمامهم و على وجوههم الصدمة و الذهول من تواجدها في هذا المكان ، بينما شعرت الأخرى بأن قدميها أصبحت كالهلام وهي تتصور العديد من السيناريوهات عندما يعلم والدها فالبتأكيد سيقوم بقتلها .
تقدم أيوب بخطى ثقيلة حتى وقف قبالتها بوجه مكفهر، و عندما كانت ستهم بالحديث لتبرر له ما رأى ، هوى كفه على وجنتها بقوة وقعت أرضاً على أثره ، ثم سحبها من حجابها بشدة لتقف بوجهه مجدداً و هتف بغضب ساحق :- بتستغفليني ! بتستغفليني يا بت ال***** ...
قال ذلك ثم هوى مجدداً بكم من الصفعات على وجهها الذي تحول إلى اللون القرمزي ، بينما أخذ ذلك الحقير ينظر لها بتشفي قائلاً بغل كي يثأر لنفسه :- شوف بنتك يا حج جيالي هنا وعاوزة استغفر الله العظيم أقولها لا تقولي ملكش دعوة بركة إنك جيت ..
كشر إسلام عن أنيابه ، و قام بلكمه بقوة أسقطته أرضاً ، بينما دفع الآخر أسماء ولاذ بالفرار التي تراجعت حتى إصتدمت بالجدار و دموعها تتساقط بخوف مما يحدث وهي عاجزة عن الحديث أو تقديم يد العون لها .
أخذ إسلام يكيل له اللكمات و يضربه ضرباً مبرحاً يفرغ شحنة غضبه فيه وهو يشعر بالحقد عليه وعلى تلك التي لطخت شرف أخيه الراحل في الوحل .
على الرغم من شعوره بالغضب الشديد من فعلتها إلا أنه تقدم ناحية أخيه ليخلصها من بطشه حتى نجح في ذلك قائلاً :- خلاص يا أيوب البت هتموت في إيدك .
أردف بانفعال :- خليها تموت و أرتاح من العار اللي لبستهولي .
أردف بروية :- أعقل يا أيوب المشاكل ما تتحلش كدة ، خلينا نمشي من هنا الأول و بعدين نتفاهم في البيت .
أردف بعنف :- بيت إيه اللي نروحه وأنا هعرف أرفع راسي في وسط الخلق بعد كدة أنا لازم اقتلها و أتاويها .
أردف بغضب :- ما قلنا خلاص يا أيوب ولا لازم أعلي صوتي أنا هتصرف ، و أنت يا إسلام سيب الزفت دة .
هتف بغضب هو الآخر :- اسيبه إزاي يا بابا دة أنا هتحبس فيه النهاردة .
أردف بحزم :- قولت خلاص يبقى خلاص .
نهض عنه بغضب بعد أن قام بتكسير عظامه ، بينما استرسل موسى حديثه قائلاً بتعجب وهو ينظر لأسماء :- وإنتي إيه اللي جايبك معاها هنا ؟!
زاغت عيناها بخوف ، لا تعرف ما عليها قوله ولا حتى فعله . أردف إسلام بسخرية :- تلاقيها جاية معاها الهانم..
هزت رأسها بنفي قائلة بتلعثم:- هي ....هي ...هي ..
تقدم منها أيوب صارخاً فيها بغضب :- هي إيه انطقي ، هي اللي جابتك هنا ؟
هزت رأسها برعب وهي لا تقصد أن تثبت عليها التهمة ، ولكن رعبها من الموقف ذاته جعلها تتصرف هكذا .
إلتف أيوب ليصل لها صائحاً بعنف :- بقى تحطي راسي في الطين يا بت ال**** دة أنا مش هخلي النهار يطلع عليكي .
وقف موسى بالمنتصف و أردف بغضب :- قولنا خلاص و خلينا نمشي كفاية فضايح لحد هنا .
و بالفعل جرها خلفه بقسوة وهو يشعر بالقهر مما فعلته بحقه ، فتح باب السيارة و قذفها فيه ثم ارتجل البقية و انطلقا نحو منزلهم .
طلب موسى من مريم أن تعدل من هيئتها حتى لا يشك بهم أحد عند نزولهم فرضخت لطلبه على الفور ، و ما هي إلا ثوان حتى وصلا المنزل و بالتحديد لشقة موسى ، فهو يعلم تهور أخيه جيداً .
ما إن دلفوا دفعها بحدة لتجد زوجة عمها التي احتضنتها بخوف تستمد منها بعض الأمان ، بينما هتفت عواطف بشهقة قائلة :- يا ساتر يا رب في إيه يا حج ؟
أردف أيوب بانفعال :- في إني هموت الفاجرة دي النهاردة و هغسل عاري بأيدي .
جحظت عيناها بصدمة مما تفوه به و تلقائياً حاوطتها بخوف شديد ، بينما قامت الأخرى بلف ذراعيها حولها ترتجف بخوف و كأنها تخبرها بأن تنقذها من الجحيم الذي زُجَّتْ فيه .
هتف أيوب بنفاذ صبر :- أعقل و تعال نتكلم ، و وطي صوتك و بلاش فضايح الناس هتسمعنا و إحنا مش عاوزين شوشرة أقعد .
إلتف لعواطف قائلاً بضيق :- خديها جوة على ما نتكلم .
أومأت بموافقة ولا تدري شيئاً ، لتوصلها و تأتي لمعرفة الأمر فيبدو أنها ارتكبت خطئاً فادحاً ، وما هي إلا دقائق حتى سمعوا طرقاً عالياً على الباب، تركتها بمفردها تحتضن نفسها بحماية ، بينما خرجت هي لترى من الطارق ، و ما إن فتحت الباب دلف شقيقها محمود الذي تمكن الغضب منه أضعاف و هو يهتف بصوت جهوري :- هي فين ؟
هتفت سامية التي أتت خلفه فهي تعلمه جيداً حينما يثور بركانه :- أهدى بس كدة يا محمود ، بالهداوة كل حاجة بالهداوة .
أزاحها بعنف من أمامه قائلاً :- ابعدي من وشي الساعة دي يا سامية مش عاوز أتغابى عليكي ، أوعي من سكتي .
هتف موسى بحدة :- محمود ! تعال هنا ..
توجه ناحية عمه و ألسنة اللهب تتصاعد من أذية قائلاً بغضب مكتوم :- نعم يا عمي ..
أردف بحزم :- تعال أقعد .
هدر بغضب :- أقعد ! و ماله يا عمي بس وأنا غاسل عاري .
خبر على أسنانه بعنف قائلاً :- متبقاش قفل أومال تعال أقعد .
قبض على يده بقوة ، و جلس بإهمال إلى جوار إسلام ، الذي لم تقل حالته شيئاً عن خاصته .
ولجت سامية وعلى وجهها إمارات الصدمة ما إن أتاهم الخبر ، بينما نهضت مريم ما إن أبصرتها و احتضنتها بقوة ، و انفجرت في موجة بكاء مرير قائلة بتلعثم :- أااا.... أنا.. أنا مظلومة والله يا سامية معملتش حاجة من اللي بيقولوا عليها دي ، إلحقيني أبويا و محمود هيقتلوني ، سيبوني لابني الله يخليكم .
ربتت على ظهرها بعطف ، و عبراتها تتساقط رغماً عنها، لا تعلم تمام العلم أنها يستحيل أن تفعل ذلك ، و كيف تقدم على ذلك الفعل وهي تخشى الله في كل شئ ! ، ولكن ماذا عما رأوه بأعينهم ، و كيف يكذبون ما رأوا ؟!
جلست برفقتها لتنتظر حكم تلك المسكينة .
بالخارج كانوا يغلون كالمرجل ، فصاح أيوب بغضب :- بقى أنا بنتي تستغفلني و تقولي رايحة للدكتور وهي رايحة تقابلي شباب ! البت كسرتني و قطمت ضهري و حطت راسي في الطين ، يا فضيحتك يا أيوب وسط الخلق .
صاح محمود بغضب :- ما عاش ولا كان اللي يكسر عينك يا أبا دة أنا أقتلها و أشرب من دمها .
قاطعه موسى قائلاً بغضب مكتوم :- ممكن تسكت بدل ما أنت عمال تجعر كدة ، هو الحل أنكم تقتلوها ! ببساطة كدة ! طب ما فكرتوش هتقولوا إيه للي يسأل عليها ! أعقل محمود أنت و أبوك .
أردف أيوب بعصبية شديدة :- أومال عاوزنا نعمل إيه يا موسى نروح ناخدها في حضننا ونقولها ولا يهمك دوري على حل شعرك زي ما انتى عاوزة !
مسح على وجهه بغيظ ، و بداخله يقول :- ليه بس يا بنتي تعملي فينا كدة ، دا انتى عرض ابني الله يرحمه ما يستحقش تعملي فيه كدة .
ثم أردف بصوت مسموع :- أنا هتصرف و هشوف حل متقلقش ، استغفر الله العظيم و اتوب إليه ، كان مستخبي لينا فين دة بس ؟!
أردف أيوب بغل :- اه يا ناري منها يا ترى عملت الموضوع دة كام مرة قبل كدة و استغفلتنا ؟
زفر موسى بحنق قائلاً :- سيبلي أنا الطلعة دي أنا اخوك الكبير بردو .
جز على أسنانه بعنف قائلاً :- ما هو أنا عامل احترام ليك غير كدة و اقسم بالله أدخل أجيبها من شعرها و أخلص عليها في قلب الشقة .
أغلق موسى عينيه بعنف ، يزفر بغيظ ، و يفكر بروية لحل تلك المعضلة ، و هذا لن يحدث إلا بالتحدث معها شخصياً لمعرفة دوافعها التي قادتها لتسلك ذلك الدرب الوعر .
___________بقلم / زكية محمد ______________
تقيم مع خالتها سميحة مؤقتاً لحين التصرف في سكن لها ، و كم هي ممتنة للظروف التي جعلت ابن سميحة مسافر للخارج حيث يعمل هناك ، فهي لن تقبل العيش مع حاتم في مكان واحد دون رابط يجمعهم ، فألسنة الناس ستمطر بوابل من الكلمات الموجعة لها و السيئة بحقها ، و هذا لن ترضى به .
نزلت للأسفل بخطى سريعة لتلحق بصديقتها آلاء التي عملت معها مؤخراً ، و على حين غرة تم سحبها عند مدخل السلم ، و لم يكن سوى حاتم ، الذي قام بتثبيتها جيداً قائلاً بخبث :- إزيك يا بنت خالتي ، ليكي وحشة كبيرة كدة متسأليش ؟!
أخذت تتحرك بعنف ، تحاول أن تفك أسرها فأردف هو بتحذير :- خليكي هادية كله دة لمصلحتك ، لو اتحركتي و حد خد باله هيبقى منظرك مش كويس .
قامت بعض يده ، و دفعته بقوة قائلة بحدة :- أنت قليل الأدب، و لو ما بعدتش من وشي دلوقتي هتشوف هعمل فيك ايه !
أنهت كلماتها و دفعته بسرعة وغادرت وهي تنفخ بضيق و غيظ منه ، ولم تكد تنهي سبابها حتى ظهر السمج الآخر في وجهها كالسد المنيع قائلاً بعبث :- صباح الفل و العسل على أحلى بنت في المنطقة .
نفخت بغيظ ، و بداخلها مرجل يغلي ، بينما تابع هو بعبث ماكر :- إمتى هنول الرضا يا قمر ؟
جَعَّدَتْ أنفها بسخرية قائلة :- لما تشوف حلمة ودنك إن شاء الله .
تخطته بسرعة قائلة بخفوت :- أوف إمتى ربنا يتوب عليا من الأشكال دي ، يا ساتر .
بعد أن وصلت لنهاية الشارع قابلت صديقتها ، التي ما إن رأتها هتفت بحذر :- صباحو يا صاحبي ، مالك قالبة وشك كدة على الصبح ؟
هتفت بغضب :- صباح استغفر الله العظيم الواحد مش عاوز يغلط و ياخد ذنوب على الصبح ، هو في غيرهم جوز التيران اللي بلاني بيهم ربنا .
ضحكت بخفوت قائلة :- حد يقول للمعجبين بتوعه كدة بردو !
أردفت بضيق :- آلاء اسكتي الله يخليكي أنا على آخري لأحسن أسحب دراعك و أفش غلي فيه .
وضعت يدها على ذراعها بحماية قائلة بخوف :- و على إيه أسكت أحسن أنا مش مستغنية عن دراعي حبيبي ، يلا بينا بدل ما مدام سندس تشلوحنا .
أخذ يمسد على صدره بحرارة و هو ينظر في أثرها قائلاً بشر :- لا أنا مش هقدر أستنى أكتر من كدة تاني ، أنا لازم أتصرف ، و عرفت هعمل إيه ؟
قال ذلك ثم توجه ناحية حاتم الذي كان يسير و الغضب حليفه ، و هتف قائلاً بود مصطنع:- إزيك يا حاتم ؟ كدة يا صاحبي تخلي الشيطان يدخل بينا و يفرقنا !
هتف بتعجب :- أهلاً يا مدحت .
توجها سوياً ليجلسا ، فأردف مدحت بندم ماكر :- متزعلش مني يا صاحبي على آخر خناقة بينا ، أنا مش عارف عملت كدة إزاي ، البقاء لله في الست الوالدة ، أنا عارف أنها جات متأخر بس يلا أهم حاجة النفوس تهدى .
هز رأسه بعدم اقتناع :- ولا يهمك يا مدحت إحنا صحاب بردو في الآخر زي ما قولت .
أردف بمكر :- تعيش يا صاحبي ، احم هي بنت خالتك دي هتقعد رايحة جاية في الشارع كدة كتير يا حاتم ، أنا مش قصدي حاجة بس عيال الحارة عمالين يلقحوا عليها بالكلام وأنا بوقفهم عند حدهم ، بس أنت لازم تشد عليها دي ملهاش حد دلوقتي و الشيطان شاطر بردو .
أردف بحدة :- قصدك إيه يا مدحت ؟
أردف بخبث :- ما أقصدش بس لأحسن حد يلعب في راس البت و يخليها تمشي في سكة اللي يروح ما بيرجعش ، أنا عاوز أتجوزها و هسكنها في أحسنها شقة و كله جديد في جديد ، و مش بس كدة أنا هقطع ورق الكمبيالات اللي عليك ها قولت إيه ؟ أنا عملت بأصلي و ما رضيتش أودي الكمبيالات للحكومة .
زفر بضجر قائلاً :- فيك الخير يا مدحت جميلك مش هنسهولك أبداً ، بس زي ما قولتلك أديني وقت وأنا هجمعهالك.
أردف بضيق :- كام مرة و بتقولي نفس البوقين .
أردف بهدوء مغاير :- لا المرة دي جد ، أنا جاتلي مصلحة فيها قرشين حلوين هخلصها و أديلك اللي فيه النصيب .
مط شفتيه بضيق قائلاً :- لما نشوف يا حاتم لما نشوف ....ثم تابع بداخله بوعيد :- و طالما أنتوا مش جايين بالذوق يبقى بالعافية .
وصلن لمقر العمل ، و توجها لمكانهم ، استدعت سندس رحيق فتوجهت لها على الفور ، جلست قبالتها وهي تزفر بضيق مما حدث للتو ، فهتفت الأخرى بمرح :- براحة عليا يا ست رحيق مش قد النار اللي بتطلع من ودانك دي .
ابتسمت بخفوت قائلة :- لا أبداً دة بس متهيألك .
سحبت نفساً عميقاً و زفرته بضيق قائلة بعتاب :- رحيق عاوزاكي تعرفي إنك بقيتي زي أختي بالظبط و الشركة دي كبرت بيكم وكلنا واحد ، أنا حساكي لحد دلوقتي بتتعاملي معايا بتحفظ و كأني هعمل فيكي حاجة وحشة لا سمح الله ، يا ريت يكون في ثقة متبادلة بينا ، أنا شايفاكي متضايقة و كنت حابة أعرف مالك علشان لو أقدر اساعدك .
ابتسمت لها بامتنان قائلة :- دة شئ يشرفني إنك تبقي أختي والله .
أردفت بحيرة :- أومال مالك ؟
ذمت شفتيها بضيق طفولي قائلة بتحذير :- و مش هتضحكي عليا ؟
هزت رأسها بنفي، فضيقت عينيها قائلة بخجل :- أصل .... أصل كنت فاكراكي هتستدرجينا و تخطفينا و تسرقي أعضائنا ولا تعملي فينا أي حاجة وحشة .
ما إن أنهت كلماتها الحمقاء ، دلفت الأخرى في موجة ضحك عنيفة ، و سرعان ما شاركتها الأخرى الضحك ، أردفت سندس بصعوبة :- بجد مش معقولة ، دماغك دي تحفة ..
هزت رأسها بموافقة قائلة بمرح :- معلش بقى خالتي الله يرحمها ملت وداني بالكلام دة ، كل ما أطلع " أوعي تكلمي حد غريب يا رحيق ، ولا تاخدي منه حاجة " ، لحد ما خلاص خلتني أشوف أي حد غريب شرير ، و بصراحة عندها حق مفيش أمان دلوقتي في الزمن دة .
أومأت بموافقة قائلة :- أيوة فعلاً دلوقتي الله أعلم بنوايا البشر ، ممكن يظهرولك طيبتهم و هما جواهم بلاوي ربنا يبعدهم عننا ، و دلوقتي يا ستي عندي ليكي خبر حلو حبيت أشاركك فرحتي .
نظرت لها بحماس فأردفت الأخرى بابتسامة عذبة :- شركة Master East اتعاقدت معانا ضمن حملتها اللي بتساعد الشركات الصغيرة تكبر .
قدمت لها التهاني الحارة ، فأردفت سندس بفرح :- يلا بقى علشان تجهزي لبكرة علشان هتروحي معايا هناك نوقع العقود .
أشارت لنفسها بعدم تصديق قائلة :- أنا ؟! أنا هروح معاكي !
ضحكت بخفة قائلة :- أيوة إنتي أومال مين ! يلا جهزي نفسك لبكرة .
نظرت لملابسها قائلة بخجل :- بس ...بس أصل مش هينفع ، هبوظلك منظرك قدام الكل هناك .
قطبت جبينها باستنكار قائلة :- نعم ! تبوظي إيه بس يا رحيق ! كدة هزعل منك ، و يا ستي لو على اللبس نطلع دلوقتي على أحسنها معرض فيكي يا مصر و نجيبلك هدوم ، و قبل ما تعترضي هخصم حقه من مرتبك .
هزت رأسها بموافقة قائلة :- إذا كان كدة ماشي أنا موافقة .
ضحكت بخفة قائلة :- أيوة كدة فكي يا ستي من قوقعتك دي .
أردفت بمرح :- كدة ! إنتي اللي جبتيه لنفسك .
طالعتها بخوف مصطنع قائلة :- لا كدة إنتي هتخوفيني منك ، هبقى أقول لآلاء و أفهم دماغك علشان أعرف أتعامل معاكي كويس .
أردفت بضحك :- متبقيش جبانة و واجهيني أنا وش لوش يا كبيرة .
ضحكت بصخب قائلة :- لا دة إنتي مصيبة ، بقولك إيه أرجعي أرجعي للبنت المتقوقعة على نفسها كدة أريحلي .
هزت رأسها بنفي قائلة :- لا مليش دعوة مش إنتي قولتي رحرحيها متجيش تشتكي بعدين .
قطبت جبينها بتعجب قائلة :- رح... إيه ؟! إنتي قولتي إيه من شوية ؟
ضحكت بخفوت قائلة :- واحدة واحدة و هتاخدي على كلامي أصلنا مش تربية جاردن سيتي ، يلا هسيبك بقى ، بس متقوليش لحد إني رايحة معاكي .
نظرت لها بتعجب لتكمل موضحة :- علشان محدش يرشقلي في المصلحة وأنا بصراحة نفسي أروح معاكي و أشوف الناس النضيفة .
ضربت يديها ببعضهما بقلة حيلة قائلة :- لا إنتي شكلك اتجننتي رسمي ، روحي شوفي شغلك وعلى معاد المرواح هاخدك نروح زي ما اتفقنا .
أردفت بحماس :- ماشي وأنا هروح أقول للبت آلاء مش خسارة فيها الخبر .
خرجت مسرعة ، وهزت الأخرى رأسها قائلة بضحك خافت :- والله مجنونة .
////////////////////بقلم - زكية محمد///////////////////////
ليلاً كانت حبيسة غرفتها مع طفلها ، الذي كان يجلس إلى جوارها يلعب بلعبه، فاستدار لوالدته حينما سمع منها شهقة فشلت في كتمها عنه ، فوضع يده الصغيرة على وجنتيها يمسح دموعها ببراءة قائلاً :- ماما ليه بتعيطي ؟ بطنك وجعاكي ؟
هزت رأسها بنعم قائلة :- أيوة يا حبيبي بطني وجعاني .
قبَّل الصغير موضع ألمها المزعوم قائلاً :- أنا بوثتها يا ماما علشان تخف بثرعة . 1
ضمته بحب قائلة :- حبيبي أنت يا ميدو ربنا يباركلي فيك يا روحي ، يلا تعال كمل الحروف بتاعتك علشان تبقى شطور و أجبلك لعبة جديدة حلوة .
صاح بحماس :- هااااي ماشي يا ماما هعمل الواجب كله .
بالخارج كانت تضع يدها على وجنتها و دموعها تتساقط بغزارة وإلى جوارها أيوب وابنه اللذان يغليان من شدة الغضب ، هتف أيوب بغضب مكتوم :- قومي شوفي بنتك و اعرفي منها اللي حصل هناك بدل ما أقوم أقتلها ، سبحان من صبرني و مقتلتهاش .
هتف محمود بغضب عارم :- أنا مش عارف يا بابا إزاي تدي كلمة لأخوك إنك متقربلهاش دة بدل ما نقوم نخلص عليها و نمنع الفضيحة.
غمغم بسخط :- محمود خلاص أنا هتصرف و هقوم أقررها بنفسي .
نهضت والدتها بذعر قائلة :- لا لا خليك أنا اللي هتكلم معاها بس هدي حالك الله يخليك.
نهضت بسرعة لترى ابنتها و تحميها من هذين اللذين كما لو تحولوا إلى ذئاب برية تريد الفتك بفريستها .
ولجت بهدوء ، و جلست قبالتها ، و تطلق سهاماً مليئة بالاتهام و العتاب ، نظرت للصغير قائلة بحنو :- أحمد يا حبيب تيتة روح برة عند خالك محمود و جدو أيوب .
هز رأسه برفض قائلاً :- لا لا جدو أيوب بيزعق و خالو كمان ، أنا هقعد هنا مع ماما .
أردفت بروية :- لا جدو أيوب معاه شيكولاتة كتير ..
لمعت عينا الصغير بحماس قائلاً :- و شيبثي ؟
أردفت بابتسامة باهتة :- و شيبسي يلا تعال هفتحلك الباب .
انزلق الصغير من على الفراش بسرعة ، ثم توجهت و فتحت له الباب وخرج فأغلقته و استدارت لتتوجه نحو تلك الغائبة ، التي يبدو أنها بعالم آخر صنعته خصيصاً لها لتهرب من كل ذلك الضجيج.
جذبتها من ذراعها بقسوة قائلة بغضب مكتوم :- عملتي كدة ليه يا بت بطني ، هي دي الرباية اللي فيها ، هي دي جزاتي ، ردي عليا ردي ، هان عليكي تحطي راسنا في الوحل كدة ، أبوكي ليه الحق أنه ما يطلعكيش ، يا خسارة يا مؤمنة طيب كنتي وافقتي على واحد من العرسان اللي اتقدمولك بدل ما أنتي كدة رايحة تعملي الوساخة دي في الحرام .
هتفت بدموع و وجع :- والله يا ماما مظلومة محصلش حاجة من دي أبداً ، حرام عليكم ، كلامكم زي السكين بيوجع و يقتل ، مش قادرة أتحمل كفاية .
هدرت بعنف :- طيب اتكلمي قولي إيه اللي وداكي هناك ؟
عضت على شفتيها بعنف ، فهي غير قادرة على الإفصاح عن السبب الحقيقي فلو تحدثت فسيحدث مالا يحمد عقباه ، فوالد أسماء لا يتفاهم البتة ، فوالدها يأتي صفر على الشمال بالنسبة له ، فلو علم بما فعلته ابنته سيقتلها فوراً ولن يتردد لحظة ، و علاوة على ذلك لا تريد الإفصاح بذلك السر الذي أئتمنتها عليه ، فهذه ليست أبداً من شيمها ، وها هي بين نارين وهي بالمنتصف تحترق ولا أحد يشعر بها . 1
فاقت من شرودها على هزة والدتها قائلة بحدة :- انطقي ما تفوريش دمي أكتر من كدة .
إلا أنها لم تتحدث و التزمت الصمت، فجن جنون الأخرى إذ نهضت قائلة بغضب :- خليكي ما تتكلميش بس أعرفي أنك لو ما تكلمتيش و اعترفتي بكل حاجة هتشوفي الويل من أبوكي ..
أنهت كلماتها، و غادرت الغرفة كالعاصفة ، بينما ألقت مريم بنفسها على الفراش ، و دفنت وجهها في الوسادة ، و أخذت تنتحب بمرار ، وكم ألمها عدم ثقتهم فيها .
خرجت تنكس رأسها للأسفل فأسرع أيوب قائلاً :- ها قالتلك حاجة ؟
هزت رأسها بنفي قائلة بأسف :- لا يا حج ما قلتش .
أردف بوعيد :- كدة يبقى جابته لنفسها ..
وما إن هم بالدلوف ، وقفت قبالته قائلة برجاء :- علشان خاطري يا حج أهدى ، اللي هتعمله مش هيجيب نتيجة ، لازم نتصرف بالعقل .
أردف باستنكار و غضب :- هي بنتك خلت فيها عقل ! سكات بنتك دة ملهوش غير حاجة واحدة بس إن فعلاً كلامنا صح ، دة أنا مش عارف أرفع عيني في أخويا و إبنه أقوله إيه مرات ابنك ما صنتش عرضك !
سقطت دموعها بحزن قائلة :- وحياة أغلى حاجة عندك بالهداوة يا أخويا ..
دفعها برفق قائلاً بحزم :- وسعي من وشي الساعة دي يا توحيدة أنا اللي فيا مكفيني ..
تخطاها و دلف لها ، بينما لطمت على فخذها بذعر قائلة :- يا لهوي يا لهوي البت هتموت في ايده .
هرولت للأسفل تستغيث بموسى ، و قد استغلت وجود محمود بالأعلى مع أحمد وابنه عندما طلب منه والده ذلك .
طرقت الباب بعنف ، ففتحته عواطف عواطف ، فتخطتها و ولجت للداخل تصيح باسم شقيق زوجها تحت ذهول الأخرى .
وجدته بالصالة مع ابنه إسلام فهتفت بخوف :- الحقي يا حج موسى أخوك هيموت البت فوق الله يخليك انجدها .
لم ينتظر أن تكمل حديثها إذ هرول للأعلى فوراً ، و لحق به إسلام ، بينما تقدمت عواطف منها و ربتت على ظهرها بشفقة ، ثم صعدتا للأعلى لينقذوا ما يمكن إنقاذه.
يصفعها بغل ، و يشدد على شعرها بقوة الذي يغطيه الحجاب قائلاً بحدة :- مين اللي كنتي معاه دة ؟ مين انطقي.
جف حلقها بخوف ، و شعرت بأن نهايتها قد اقتربت فأخذت تردد الشهادة بداخلها . دلف موسى بمفرده، و بقي إسلام بالخارج ، تقدم نحوه و جذبه عنوة قائلاً بغضب :- يا أخي بس كفاية ، بقى هو دة اللي وصيتك عليه بردو !
أردف بانفعال :- مش راضية تنطق ، شوفلك صرفة معاها ، أنا تعبت و هتجنن لا راضية تتكلم ولا نيلة ولا نافع معاها ضرب أقتلها أريحلي ؟!
زفر بغضب قائلاً :- ممكن تسيبنا دلوقتي يا أيوب؟
وما إن لمح الاعتراض بعينيه أردف بسرعة :- معلش أنت حاولت مرة سيبني أنا معاها المرة دي ممكن ؟
غمغم بغضب :- ماشي يا موسى لما نشوف هتعمل ايه معاها .
خرج صافعاً الباب خلفه بقوة أرتجف جسدها على إثرها ، تنهد موسى بتعب ، يطالعها بأسى و عتاب ، وهو يلاحظ ظهور الكدمات على وجهها بسبب عنف والدها تمتم بغيظ :- استغفر الله العظيم ، إيد دي ولا مرزبة يا أيوب !
جلس قبالتها ، فتراجعت للخلف ظناً منها أنه سيعنفها كوالدها فهتف بحنو :- أهدي يا مريم مش هعملك حاجة أنا هتكلم معاكي شوية .
نظرت له بحذر فأردف بهدوء :- ممكن تحكيلي سبب مرواحك شقة واحد غريب ، و قبل ما تتكلمي أنا مش بتهمك بحاجة أنا هسمعك الأول ، بصراحة أي حد في الموقف دة هيودي دماغه لحتة تانية ، مريم يا بنتي سكوتك دة هيفهمنا حجات مش عاوزين بس نفكر فيها مش نصدقها و تكون صح ، في إيدك كل حاجة .
هتفت بضعف :- ماينفعش يا عمي أتكلم لأن الموضوع ما يخصنيش ، صدقني أنا معملتش حاجة غلط أو أي حاجة تمس عرضكم .
أردف بروية :- الموضوع كان يخص اللي كنتي معاها صح ؟ و يقصد إيه الواد بكلامه اللي يفور الدم دة ؟
أردفت بدموع و صدق :- هو قال كدة علشان بابا يزود عقابه عليا بعد ما .....ما .....
ضيق عينيه قائلاً بقلق :- بعد ما إيه ؟ اتكلمي يا بنتي .
أردفت بتوضيح :- متقلقش يا عمي ما عملش حاجة ، تعرف على الرغم من بابا ضربني و اتهمني في شرفي إلا إني بشكره جداً ، بشكركم لأنكم جيتوا في الوقت المناسب.
قطب جبينه قائلاً بتعجب :- ليه هو كان هيعمل إيه ؟ يا بنتي فهميني الله يرضى عنك .
أردفت بإصرار:- صدقني يا عمي أنا ما اعرفهوش و مش هقدر أتكلم ، اللي ليكم عندي محفوظ مش دة كل اللي يهمكم ؟
تنهد بعمق قائلاً :- يبقى يخص البنت التانية ، و أنا هحترم سكوتك يا مريم بس صدقيني مش هتقدري تواجهيهم بكلامك دة لازم يكون في سبب مقنع و يدخل العقل ، بس ما تقلقيش أنا معاكي .
أردفت بنبرة ممتنة :- شكراً يا عمي ، أنت الوحيد اللي صدقتني في الوقت اللي كلهم وقفوا فيه ضدي .
ربت على رأسها بحنان قائلاً :- محدش ضدك يا مريم هما بس خايفين أعزريهم إنتي مبررتيش ليهم أي حاجة فدة رد فعل طبيعي ، و زي ما احترمت رأيك دلوقتي لازم تحترمي رأينا في الخطوة اللي جاية .
سألته بريبة :- خطوة إيه دي يا عمي ؟
نهض ممسكاً بيدها قائلاً :- الخطوة اللي لازم تتعمل علشان نغطي على الموضوع دة و ما يتفتحش تاني ، تعالي معايا .
خرج بها حيث تجمع الكل ، و جلسا على الأريكة وهي تنظر أرضاً تتحاشى نظرات الجميع ، بينما فجر موسى قنبلته في وجوههم قائلاً بثبات :- أنا بطلب إيد بنتك مريم لابني إسلام يا أيوب.........
_______________________يتبع❤️❤️❤️❤️
بقلم زكية محمد
البارت الخامس
رسمت على وجوههم الصدمة ، يكادوا يجنوا مما سمعوا ، و تساءل كلاً منهم لما قرر ذلك ، وكيف ؟!
اتسعت عيناه بذهول كمن على رأسه الطير و التمثال المنحوت بدقة ، و أخذ عقله يحلل في محاولة منه لاستيعاب تلك الفاجعة التي داهمته بقوة على حين غرة دون أن تأذن له كالجيوش المحتلة التي اغتصبت الأراضي عنوة من مواطنيها ، نهض ثائراً بغضب قائلاً :- إيه اللي انت بتقوله ده يا بابا ؟ هو علشان تصلح غلطتها تقوم تجبرني على جوازة مش عايزها !
طالعه بغضب قائلاً بحدة :- إسلام ! ألزم حدودك ، متنساش أنك بتكلم أبوك ، و وطي صوتك بلاش فضايح في المنطقة أكتر من كدة.
عض على شفته بغيظ قائلاً :- أنا آسف يا بابا ما أقصدش أعلي صوتي على حضرتك بس اللي أنت بتقوله ما يدخلش العقل .
أردف بحزم :- لا يتعقل يا إسلام و هتسمع كلامي وإلا والله لأغضب عليك ليوم الدين .
كاد أن يهشم فكه من كثرة جزه على أسنانه ، و برزت عروقه حتى كادت أن تنفجر ، لم يستطع التحمل إذ غادر بغضب كالعاصفة.
لمعت الدموع في مقلتيها ، و شعرت برصاصة قوية أصابت قلبها فأردته صريعاً في الحال ، وأن هناك من يسحب روحها ببطئ فيزيد من هلاكها ، ألن يكفي جرحهم ليأتي هو و ينهي حياتها على هذا النحو ! ، أهذا الذي يسكن قلبها و روحها و يسير في عروقها كما تجري الدماء به تتلقى منه طعنة الغدر التي لم تتوقع يوماً أنها ستكون هكذا .
تأوهت بصوت مكتوم ، و كم ودت لو تصرخ بصوتها كله لتخرج تلك الآلام الحبيسة في الأعماق ، حريق هائل مندلع بداخلها ولن تخمده لا مياه البحار ولا المحيطات .
هتف محمود بغضب مكتوم :- كلام إيه دة يا عمي ؟ وماله إسلام كدة طايح في الكل !
غمغم أيوب بسخط :- وأنا موافق يا موسى بس إسلام ....
قاطعه قائلاً بهدوء :- سيبك من إسلام دلوقتي مقدور عليه ، المهم دلوقتي موافقتك أنت و مريم .
أردف بحدة :- ما قلت موافق يا موسى ، وهي إيه اللي هيخليها ترفض ، هو بعد اللي عملته دة هيكون ليها عين ترفض كمان !
طعنة أخرى قضت على المتبقي من تماسكها ، فها والدها يقرر عنها مجدداً ، و كأنها دمية يحركها كيف يشاء ، نظرت لهم جميعاً بقهر و انكسار ، و لوهلة تذكرت أسماء و ما سيحدث لها إن أوشت بالسر ، لعنت نفسها على ذهابها معها ، وعلى تصرفها بتهور كهذا، فها هي تجني ما حصدته بمفردها دون أن تقاسم الأخرى بشئ .
نظرت لوالدها و هتفت بشجاعة واهية :- بس ...بس أنا مش ...مش موافقة يا بابا .
جذبها من حجابها بشدة قائلاً بغلظة :- كمان ليكي عين تتكلمي و تقولي لا ! دة بدل ما تبوسي إيدك وش و ضهر ، صحيح بنات آخر زمن .
أردف موسى وهو يبعد مريم عن مرماه :- كلمني أنا و ملكش دعوة بيها .
أردف بغضب :- يعني مش شايف عمايلها ، إيه عاوزة تمشي في الوساخة كتير ؟! هي كلمة واحدة هتتجوزيه غصب عنك ، ما هو يا إما كدة يا إما أقتلك مفيش حل تاني .
نظرت لهم بقهر قائلة :- ربنا يسامحكم بكرة هتندموا كلكم..
أنهت كلماتها و انطلقت كالصاروخ البالستي نحو غرفتها ، بينما أردف أيوب بغل :- شوف البت ! صحيح يعملوها و يخيلوا .
زفر موسى بضيق ، و وضع رأسه بين راحتي يده وهو يفكر في تلك المعضلة التي وضعتهم فيها ابنة أخيه، والتي تلتزم الصمت.
بعد أن ألقت بنفسها على الفراش، اهتز هاتفها يعلن بوصول مكالمة من أحدهم، التقطته و ما إن رأت المتصل أجابت على الفور بصوت مبحوح :- أيوة يا بثينة ..
هتفت الأخرى بقلق :- ها يا مريم طمنيني عملتي إيه ؟ ومال صوتك كدة إنتي معيطة؟
هزت رأسها قائلة :- بابا عرف يا بثينة .
اتسعت حدقتا الأخرى قائلة بصدمة :- إيه؟ عرف ؟ يا نهار مش فايت ، أنا كنت مستنياكي زي ما قولتيلي بس لقيتك أتأخرتي ، طيب عملتوا إيه و عملتوا إيه مع أسماء عادي قوليله أي حاجة و اطلعي منها .
هزت رأسها بصعوبة قائلة :- صعب يا بثينة الموضوع مش سهل زي ما انتي فاكرة .
أردفت بتعجب :- أومال إيه ؟ متقلقنيش يا مريم .
أردفت بتهرب :- ما أنا قولتلك اللي فيها يا بثينة ، بابا زعلان مني علشان ما قولتلهوش .
أردفت بحنو :- خلاص يا حبيبتي أنا بس كنت عاوزه أطمن عليكي ، و الحمد لله الموضوع عدى على خير ، بس يا ترى مين اللي قال لعمي إنك مش في العيادة ؟
أردفت بتهكم :- أكيد رجالته هيكون مين غيرهم يعني ، يلا أهو اللي حصل بقى .
أردفت بابتسامة :- طيب هفضل معاكي دلوقتي ، ماما بتنادي يلا سلام ، هبقى أشوفك بكرة بإذن الله،سلام .
سندت ظهرها على الوسادة ، و سرعان ما تذكرت معذبها ، الذي ما إن خطت في دروب عشقه ذاقت الويل ألوان ، فلم تهنئ ولو ليوم واحد ، درب محفوف بالجراح و الدموع التي سطرت عشقها فى رحلة الوصول إليه، والتي يبدو أنها لن تتمكن من الوصول بعدما سمعت رفضه الصريح لها .
وضعت كف يدها الرقيق على صدرها موضع قلبها الذي يصرخ ألماً ، و يستغيث يرجوها بأن تنتشله من ذلك الدرب الموجع وأن ترحمه قليلاً .
سقطت عبراتها وكأنها تخبر فؤادها لو أعلم طريق العودة لرجعت ، ولكني أشعر بالتخبط و الضياع ، فإن خرجت من ذاك الدرب أصل لغيره من الدروب التي تشكل أقطاباً حديدية غير قابلة للاختراق ، وقامت بزجها فيها لتصير أسيرة لديه إلى أن يأذن الله.
بكت بحرقة كما لم تبكي من قبل على ذلك الأسر الصعب التحرر منه ، ثم أخذت تضرب بعنف موضع قلبها ، وكأنها تعاقبه وتترجاه في آن واحد بأن يرأف بحالها قليلاً فما عاد بمقدورها أن تتحمل المزيد، فهذا يقتلها بالبطئ .
شعرت بالاختناق ، و كأنها تزف للموت فأوصدت عينيها ترحب به بسعادة ، فهي تنتظره منذ وقت طويل .
______________________________________
صباحاً خرجت رحيق من منزل السيدة سميحة في طريقها للعمل ، و لكنها شعرت بأن هناك أمراً غريباً يدور خلف ظهرها عندما لاحظت نظرات الجيران التي يرمقونها بها و كأنها معراة أمامهم .
تساءلت بداخلها عن سبب هذا ، و سرعان ما أتاها الجواب عندما سمعت إحداهن تقول باذدراء :- بنات آخر زمن ، ما صدقت الولية تموت علشان تدور على حل شعرها .
شحب وجهها بذعر ، و هزت رأسها بأنها بالتأكيد ليست المقصودة بهذه الكلمات ، و ما إن خرجت من البناية وجدت سيدة أخرى تقول ما إن أبصرتها :- استغفر الله العظيم ، ربنا يستر علينا وعلى ولايانا ، البت مقرطسة الواد وعلى عينك يا تاجر ..
هزت رأسها بعدم فهم ، و رمقت نظرة خاطفة لهيئتها ، فشهقت بتذكر قائلة بخفوت :- يكونش على الفستان الجديد ! ، وأنا مالي بيهم ، أما أروح ألحق البت آلاء .
وما إن خطت خطوتين للأمام ، وجدت ذلك السمج بوجهها ، فنفخت بضيق قائلة :- يا صباح يا عليم يا رزاق يا كريم على الصبح ، يا نعم ؟
رفع حاجبه بإعجاب صارخ قائلاً بخبث :- إيه الحلاوة دى يا بنت حتتي من أين لكي هذا ؟
أردفت بضيق :- حاجة ما تخصكش ، و أبعد من طريقي خليني أمشي .
ما إن تخطته ، وقفت فجأة ، و اتسعت حدقتاها برعب ، و ذادت خفقات قلبها حينما أردف بصوت عال :- أشهدوا يا أهل الحارة ، اشهدوا يا منطقة ، الهانم مقرطسة ابن خالتها و ختماه على قفاه لا مؤاخذة ، و أديكم شايفين بنفسكم العز اللي ظهر عليها مرة واحدة .
أردفت إحداهن بسخط :- عندك حق يا ابني بنات عاوزة قصف الرقبة بصحيح .
أردف بخبث :- هو علشان الراجل غابله كام يوم في مصلحة تقومي تعملي كدة ، لا حلو دور الشيخة اللي عملاه دة .
جحظت عيناها بذهول من وابل الاتهامات التي تمطر عليها ، غير مصدقة تماماً وكأنها في كابوس ستستيقظ منه عاجلاً .
حجزت دموعها بصعوبة ، وهي تتراجع للخلف، و استدارت فجأة لتطلق لساقيها العنان لتركض بكل ما لديها من قوة ، و سمحت حينها لإطلاق السراح لدموعها ، وهي تبكي بقهر وخوف ، لا تعرف ماذا ستفعل في تلك الفضيحة التي ألصقت بها ..
هتف بغيظ وهو يشاهد هروبها :- شوف بجاحة البت إزاي ولا كأننا بنتكلم ولا عاملة اعتبار لحد .
هتفت السيدة باذدراء :- يلا ، لينا كلام مع ابن خالتها لما يجي هي فاكراها سايبة ولا سايبة !
أخذ يسير بخيلاء وعلى وجهه ابتسامة عابثة ، و يسترجع بذاكرته ما فعله بالأمس ..
عودة للخلف لصبيحة اليوم التالي بعد مشاهدته لها تغادر المكان دون أن تعيره إهتمام ككل مرة ، فكر في خطة خبيثة كحاله لينال من تلك البريئة ، حتى وإن كان الأمر سيلطخ سمعتها و سيضعها على المحك .
توجه لأحد أقرانه، و الذي على خلفية تامة بأمور الكمبيوتر و الفوتوشوب ، فهو يطلق عليه بفذة المنطقة نظراً لبراعته وما يستطيع فعله في تلك الأشياء.
ألقى عليه التحية قائلاً :- صباحك فل يا سيد .
رحب به الآخر قائلاً :- صباح الفل يا معلمة ، اتفضل أقعد يا مدحت باشا المحل نور .
جلس على المقعد قائلاً بود :- تسلملي يا سيد ، أخبار الشغل إيه ؟
غمز بمكر قائلاً :- فل الفل يا معلمة كله تمام ، ها تشرب إيه ؟
أردف بخبث :- لا متشكر يا سيد أنا مش جاي أتضايف أنا جايلك في مصلحة كدة .
وضع يده على عنقه ضارباً إياه بخفة قائلاً :- رقبتي ليك يا زميلي إنت تؤمر .
أردف بمكر :- عاوزك تظبطلي صور كدة من اللي قلبك يحبهم ، و طبعاً أنت فاهمني .
غمز له بعبث ، وهو يردف بكلماته الأخيرة التي وصلت للأخير قائلاً بخبث :- فهمتك يا شِق ، هاتلي صورة للمُزة اللي عاوز تظبطها وأنا في الخدمة .
أومأ له بمكر ثم أخرج له صورة لها التقطها خلسة ، وما إن رآها الاخير نظر له بفزع قائلاً :- إيه دة يا مدحت ؟ مش لاقي إلا أنضف بنت في الحتة وعاوز تعمل فيها كدة !
جز على أسنانه بعنف قائلاً بغيظ :- ملكش دعوة ، أنت تعمل اللي بقولك عليه و بس ، و متخافش هديلك أضعاف ما الزباين بتديلك ، أهم حاجة عاوز الصور دي على آخر الليل على كل تليفون محمول في المنطقة .
نظر له مضيقاً عينيه قائلاً بخبث :- إيه يا زميلي هي البت تقلانة عليك ومش لاقيلها سكة ولا إيه !
أردف بغل :- أيوة بس هتروح مني فين وراها لحد ما تقول حقي برقبتي .
أخذ يحدق فيها بشراهة قائلاً :- إن جيت للحق البت صاروخ و تتاكل أكل ...
قاطعه قائلاً بحدة :- ما تخلص يا سيد ، هتعملها ولا أروح أشوف حد غيرك .
هز رأسه بنفي قائلاً باستسلام :- لا يا صاحبي هات الصور و أتفرج على سيد و شوف هيعمل إيه ..
و بالفعل لم تغرب شمس اليوم إلا وكانت تلك الصور الشنيعة على هواتف أهل المنطقة ، و التي تخدش الحياء ولا ترضي الله ولا بتعاليمه ، و لكنهم اتبعوا شيطانهم المريد الذي قادهم بنجاح لتلك الطريق الضالة ، و لكن هيهات فأين سيفروا من عقاب الله سواء في الدنيا أو الآخرة .
عودة للوقت الحالي ، ابتسم بمكر قائلاً :- و كدة مبقاش ليكي غير أنا و بس ..
لا تعرف كيف قادتها قدميها للطريق حيث كانت آلاء بانتظارها ، و التي ما إن رأتها ركضت نحوها ، و مسكتها من كتفيها لتمنع سقوطها الوشيك ، و هتفت بذعر :- رحيق في إيه مالك ؟
شعرت بدوامة عنيفة تضربها بقسوة ، و غيمة سوداء تحيط بها فاستسلمت لتلك الظلمة و أغلقت عينيها مع ارتخاء جسدها الذي كان مهدداً بالسقوط لولا آلاء التي حاولت اسنادها ، و هي تثتغيث بمن حولها بصوت عال :- إلحقونااااااااااااا
كانت تعمل بجدية ولم تشعر بمرور الوقت فقد أتت باكراً لتراجع كل شئ بنفسها حتى لا تكون هناك أي ثغرة ليست غير صالحة لها ، نظرت لساعة يدها فوجدتها تعدت التاسعة فهتفت بتعجب :- يا خبر هما البنات إتأخروا كدة ليه ؟ دول لازم يكونوا هنا ، أما أتصل برحيق أشوفها .
كان القلق ينهش أعماقها خوفاً على صديقتها على الفراش لا حول لها ولا قوة ، و يدها موصلة بمحلول مغذي ، بعد أن تم نقلها للمشفى بمساعدة أهل الحي .
تساقطت عبراتها حزناً عليها عندما أخبرها الطبيب أنها تعرضت لصدمة عصبية شديدة لتعرضها لإحدى المواقف الصادمة ، و ها هي طريحة الفراش ، لا تعلم ما بها ، ولا ما تعرضت له ليوصلها لتلك الحالة .
اهتز هاتف رحيق بحقيبتها ، فأخرجته سريعاً ، و أجابت على الفور ليأتيها صوت الأخرى :- رحيق إنتي فين ؟ ليه ما وصلتوش لحد دلوقتي ، وإنتي عارفة إننا معانا مقابلة مهمة النهاردة !
هتفت بصوت متحشرج :- معلش يا مدام سندس بس أصل رحيق تعبانة وفي المستشفى.
نهضت من مكانها قائلة بفزع :- بتقولي إيه؟! تعبانة ! طيب أنتوا فين ؟ و. ...و عندها إيه ؟
أجابتها بحزن :- الدكتور قال إن عندها صدمة عصبية، هي وقعت في الشارع و ما اعرفش مالها .
أردفت بسرعة وهي تلملم متعلقاتها :- طيب أديني العنوان أنا جيالكم حالاً ..
ما إن أملتها العنوان ، قفزت في سيارتها وانطلقت إلى وجهتها بسرعة ، فهي منذ أن وطأت قدمها إلى الشركة ، و هي تعتبرها بمثابة شقيقة لها ، وكذلك آلاء ....
______________________________________
يجلس بوجه متجهم ، يتناول طعامه بشرود، و حديث البارحة يعاد مراراً و تكراراً في ذهنه يجلده في كل مرة ، كان الصمت هو المتحكم الوحيد في تلك الجلسة ، إلا أن قطعه موسى قائلاً وهو يسلط أنظاره على ابنه :- إسلام أنا مرضيتش أعاتبك على اللي عملته قدام الجماعة فوق ، وانك حرجتني قدام أخويا ، وأن إزاي ابني عادي بيكسر كلمتي و ما بيهمهوش حد .
هتف بغيظ مكبوت :- أنا آسف يا بابا أنا ما أقصدش أبداً أقلل منك ، بس اللي أنت بتطلبوا مني دة بصراحة فوق طاقتي ، وما أقدرش أنفذه .
أردف بروية :- بص يا ابني أنا عارف إنك مظلوم في الحكاية ، و ملكش دعوة بأي حاجة بس لما الأمر يمس عرض أخوك لحد هنا و كفاية ، يا ابني الناس ما هتصدق و هتقعد تلت و تعجن ، اللي هتعمله دة لمصلحة الكل .
أردف بغيظ :- حضرتك وأنا ذنبي إيه أتقرطس بالشكل دة ؟!
تنهد بضيق قائلاً بدفاع :- إسلام اياك فكرك يوديك لحاجة غلط في حقها .
رفع حاجبه باستنكار قائلاً :- نعم ! دة اللي هو إزاي معلش ؟! واحدة جايبينها من شقة واحد غريب هيكون بيعملوا إيه يعني !
ثم ضحك بتهكم قائلاً :- لا شكلها مش ساهلة قدرت تقنعك إنها بريئة، لا هايل للفنانة .
جز على أسنانه بغيظ قائلاً :- ياض متبقاش زي أيوب قفل كدة ، و تظن فيها الوحش .
أردف بانفعال :- يعني أنا بتبلى عليها ! أومال تسمي اللي شوفناه دة إيه ؟
مسح على وجهه بعنف قائلاً :- تصدقوا بالله دماغكم دي كلها زفت ولا واحد راضي يريح التاني ، مريم مش راضية تتكلم لأن واضح أن الموضوع ما يخصهاش وطالما كدة يبقى استحالة تتكلم في اللي ما يخصهاش لو مشيت السكينة على رقبتها ودة مربط الفرس ..
ضحك مغلوباً على أمره قائلاً :- والله يا بابا مش عارف أقولك إيه ! دة إيه المبادئ العظيمة دي بس ! بقى الأستاذة الفاضلة مش عاوزة تتكلم علشان الموضوع ما يخصهاش ! أومال يخص مين يا حج ؟ بابا أنت طيب وعلى نياتك ، أنت ما تعرفش بنات اليومين دول و بيفكروا في إيه؟
أردف بغيظ :- ما يهمنيش أنا كل اللي يهمني مصلحة العيلة .
أردف بعدم تصديق وهو يشير لنفسه :- ودة طبعاً على حسابي أنا !
نظر بعيداً يهرب من مرمى عينيه قائلاً بصرامة :- أفهم زي ما تفهم ، بس إياك تصغر من قيمتي قدامهم ، أنا أتفقت مع أبوها .
نهض قائلاً بسخرية :- يبقى أعمل إللي عاوز تعمله ، أظن رفضي أو موافقتي مش هيفرق .
أنهى كلماته و خرج كالمدفع ، يطوي درجات السلم من تحته ، و يسب بداخله جنس حواء ، ذلك النوع المخادع والماكر خلف قناع البراءة ..
هتفت والدته التي كانت تلتزم الصمت منذ البداية :- ما براحة على الواد يا حج ، مش كدة بردو .
أردف بضيق :- أديكي شايفة دماغه الزفت ، أعمل معاه إيه يعني ؟! استرها يا رب و جيب العواقب سليمة.
أردفت بضيق :- بس يا حج دي مش جوازته ، آه هي بنت أخوك و مقولناش حاجة بس كان ودي أجوزه واحدة يكون هو أول بختها مش مرات أخوه ، و بعدين إزاي عاوز تتستر على الفضيحة دي وابني يلبس الليلة لوحده ذنبه إيه؟
زفر بغيظ ، يشعر بالتخبط ، ولكن عليه المضي قدماً ، فنهض من مكانه قائلاً بهدوء :- أنا نازل تحت الوكالة ، و بعدين لما الأمور تهدى هنقعد و نتفق على كل حاجة ، و ربنا يستر ميكونش حد علم بالموضوع فنلمه بسرعة .
_____________________________________
وصلت بوقت قياسي للمشفى ، و دلفت مهرولة لغرفتها ، فتحت الباب فوجدت آلاء تجلس على مقعد بجوار رحيق التي بدنيا غير الدنيا.
هتفت بقلق :- مالها يا آلاء الدكتور قال إيه ؟
هتفت بحزن :- قال إن عندها إنهيار عصبي ، و لسة ما فقتش .
جلست على الجانب الآخر، و نظرت لوجهها الشاحب قائلة :- طيب الدكتور ماقلش من إيه ولا حتى إنتي تعرفي السبب اللي خلاها توصل للحالة دي ؟!
هزت رأسها بنفي قائلة :- لا ما أعرفش أنا كنت مستنياها و فجأة لقيتها جاية عليا معيطة و يدوب بقولها في إيه وقعت من طولها علطول .
مسدت على يدها برفق قائلة بتعاطف :- يا حبيبتي ! بس تقوم و نبقى نعرف مالها .
أومأت لها بخفوت ثم أردفت بحذر :- معلش يا مدام سندس بوظنالك اليوم النهاردة ، و تعبناكي معانا و النهاردة يوم مهم بالنسبالك .
قطبت جبينها بضيق ، و أردفت بعتاب :- أخص عليكي يا آلاء دة كلام بردو ! أهم حاجة سلامة رحيق ، و بعدين أي حاجة تانية تتعوض ، و على العموم لسة فاضل تلات ساعات ..
خيم الصمت للحظات في الغرفة حتى قطعه صوت تأوه صادر من ثغرها ، و تدريجياً فتحت مقلتيها ببطئ لتعتاد على الضوء ، فانتبهت آلاء قائلة بلهفة :- رحيق إنتي فوقتي ؟ حمدا لله على سلامتك ، ألف بعد الشر عنك ، كدة توقعي قلبي !
هتفت بصوت خافت ، و لكنه مسموع :- الله يسلمك يا آلاء ، أنا فين ؟
أجابتها بهدوء :- ما أعرفش الجواب عندك انتي يا رحيق ، إيه اللي حصل خلاكي تقعي من طولك كدة ؟
ما إن تذكرت ما حدث ، ترقرق الدمع بعينيها سريعاً ، وعلت شهقاتها و ملئت المكان ، و انفجرت باكية بصوتها العالي .
أصابتهم الدهشة والقلق حيال أمرها ذاك ، فجلست سندس بجوارها ، و احتضنتها قائلة بحنو و هدوء :- بس خلاص أهدي ، إنتي معانا و كويسة دلوقتي هشششش ...بس خلاص أهدي ..
أخذت تمسد على رأسها ، وتقرأ لها بعضاً من آيات الذكر الحكيم إلى أن غرقت في النعاس مجدداً . وضعتها على الوسادة برفق ، ثم دثرتها جيداً ، و نظرت لآلاء قائلة بقلق :- و بعدين ! أنا ابتديت أقلق كدة .
أردفت الأخرى بقلق مماثل :- فعلاً ، حالتها مش طبيعية ، دي آخر مرة كانت كدة يوم ما أتوفت خالتها ، و دة يعني أنها اتعرضت لمشكلة و مش أي مشكلة ، أنا هتصل على خالتي سميحة من تليفونها و أشوف. ...
التقطت الهاتف الخاص برحيق وقامت بالاتصال عليها و سرعان ما أتاها رد الأخرى الذي كان بمثابة صاعقة حلت عليها ، فتحولت إلى تمثال جامد .
راقبتها سندس بتعجب و أردفت بحذر :- مالك إنتي التانية في إيه ؟
أردفت آلاء بصدمة :- مصيبة يا مدام مصيبة ....
______________________________________
بعد إسبوعين دلفا سوياً للشقة الخاصة بهم بعد إنتهاء حفل زفافهم البسيط الذي اقتصر على حضور العائلتين ، و بعضاً من الجيران في أجواء مشحونة و ابتسامات مغتصبة اضطروا أن يرسموها حتى لا يشك بهم أحد ، و لحفظ مكانتهم وسط جيرانهم بعد الجريمة الشنعية التي كانت على وشك ارتكابها . صعدت معه تاركة طفلها مع والدتها وهي تشعر بأنها تساق للموت ، وأن كل ما يحدث هو بالتأكيد كابوس مزعج ستستيقظ منه عاجلاً.
جز على أسنانه بعنف وهو يطالعها بغيظ ، وبالتحديد لأنها أنثى خائنة للعهد كمثل سابقتها ، كيف تفعل ذلك بعد رحيل زوجها ، وكيف تقبل أن تتزوج بغيره ؟!
أنهن كاذبات يدعون البراءة ، و هم يرتدونها أقنعة للإيقاع بضحاياهم ، و جذبهم نحوهن . رفع حاجبه بسخرية قائلاً وهو يراقب تعابير وجهها المتشنجة :- ايه دة أوعي تقولي إنك مغصوبة والكلام دة وضربوكي على إيدك علشان تعملي كدة !
كانت تفرك يديها بتوتر شديد ، وهي تشعر بأن قلبها على وشك أن يقفز للخارج من قفصها الصدري ، ولا تصدق ما تعيشه في تلك اللحظة ، فقد ظنت أن طريقها معه مستحيل حتى أنها استسلمت لذلك الواقع ، ولكن شاء القدر أن يجمعهما فما نظنه مستحيل علينا ممكناً وسهل الحدوث عند خالقه .
نظرت له وهي تهز رأسها بعدم فهم فضحك بتهكم قائلاً :- أيوة ....أيوة ...كملي دور البريئة دة كملي .
ثم أضاف بسخرية لاذعة وهو يمد أصابعه بجرأة يتلمس وجنتيها اللتان اصطبغتا باللون الأحمر المتوهج كالشمس الحارقة في ساعات ذروتها :- وايه دة اسمه إيه ان شاء الله كسوف دة ولا إيه النظام ! هو بعد اللي عملتيه ليكي عين تتكسفي طب مش كنتي تقولي عاوزة راجل في حياتك ؟
جحظت عيناها بصدمة من حديثه الذي قطع قلبها لأشلاء صغيرة فتناثرت كل قطعة في مكان غير الآخر بداخل أعماقها المظلمة ،بينما احتلت جهنم عينيه غضبا ، و تعالت نبرة صوته ، وهو يغرز أصابعه في ذراعها فأصدرت تأوهاً خافت ، وهي تتطلع له بذعر ، بينما أردف بغضب عاصف غير مكترث لحالتها وقد أعمى الغضب عينيه حديث الأخرى التي كان يخطط يوماً بالزواج منها ولكنها ماذا فعلت تركته عندما وجدت الأكثر ثراء منه فتركته فوراً :- انتوا إيه، نوعكم إيه بالظبط ؟! مفيش إخلاص خالص جوزك ميت ملهوش سنة ونص و عاوزة تكوني في حضن راجل غيره و.......
لم يكمل حديثه حينما عاجلته بصفعة مدوية في وسط أرجاء الشقة فهي لن تسمح له بأن يهين كرامتها أكثر من ذلك ، ورفعت أصبعها الذي يرتعش بخوف قائلة بتهديد مبطن بالرعب من نظراته النارية التي يرسلها لها وهي تحاول أن لا تدع دموعها تتساقط أمامه :- اخرس خالص أنا مش هسمحلك تتمادى واسكت إياك... ثم إياك تتكلم عني كلمة وحشة أنت سامع ؟
أخذ صدره يعلو ، ويهبط بعنف ، وتحولت عيناه إلى لهيب حارق وهو يقف في حالة ذهول مما فعلته للتو . أصفعته لتوها !
يتبع..
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله1 اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق