القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية فراشة المقبرة الفصل الرابع وعشرون والخامس وعشرون بقلم اسماعيل موسي

 

رواية فراشة المقبرة الفصل الرابع وعشرون والخامس وعشرون بقلم اسماعيل موسي 



رواية فراشة المقبرة الفصل الرابع وعشرون والخامس وعشرون بقلم اسماعيل موسي 


#فراشة_المقبرة


       ٢٤


مرت الأيام على زهرة وكأنها فقدت الإحساس بالزمن، كانت تستيقظ كل صباح، ترتدي معطفها الأبيض، تخرج إلى الوحدة الصحية، ثم تعود في المساء دون أن تشعر كيف انقضى اليوم.

 لم تعد ترى المرضى، لم تعد تفكر في التشخيصات، لم تعد تهتم بأي شيء سوى أن تنهي عملها وتمضي.


لم تكن زهرة كما كانت، لم تكن تلك الطبيبة التي جاءت إلى القرية بعزم وإصرار، تؤمن أنها تستطيع أن تصنع فرقًا. أصبحت شيئًا آخر... آلة تعمل بلا إحساس، بلا روح، تؤدي واجبها كأنه عقاب، كأنه مجرد وقت يجب أن تمضي خلاله حتى ينتهي يومها.


لكن أهل القرية لم يكونوا كما كانوا أيضًا.


لم ينسَ الناس ما حدث، لم ينسَوا أنها كانت السبب في موت الرجل. لم ينسوا أنها وقفت في وجه العمدة، ثم تراجعت، ثم مات الرجل بعد كل ذلك.

في البداية، كانت النظرات فقط... نظرات مليئة باللوم، بالاتهام، أحيانًا بالاحتقار، وأحيانًا بالشفقة. ثم بدأ الأمر يتطور.


في البداية، كان بعضهم يتجنب دخول الوحدة الصحية عندما تكون هناك، يأتون فقط عندما يكون الطبيب البديل متواجدًا، أو يذهبون إلى "الداية" القديمة في القرية، حتى لو لم تكن تعرف شيئًا عن الطب.


ثم بدأ الهمس...


— 

— "لو ما كانتش اتكلمت، كان زمانه عايش..."

— 


كانت تسمع هذه الكلمات كأنها طعنات خفية، كأنها أصوات تأتي من ظلام عقلها المرهق، تلاحقها حتى في وحدتها.


ثم جاء اليوم الذي كاد أن يكسرها تمامًا.


كانت تحاول فحص طفل صغير جاءته نوبة شديدة من الحمى،حاولت تهدئة والدته، لكنها لم تستمع فقط انتزعت طفلها من بين يديها وصرخت:

___سيبينا فى حالنا 


وقف الجميع في الوحدة الصحية، يراقبون، بعضهم صامت، وبعضهم يهز رأسه موافقًا، وبعضهم يتهامس في ركن الغرفة. أما زهرة، فوقفت هناك، باردة، متيبسة، كأن الكلمات لم تصل إليها. لكنها وصلت. ووصل الألم معها.


في تلك الليلة، جلست في غرفتها، نفس الغرفة التي احتضنت وحدتها منذ أن جاءت إلى هنا، نظرت إلى يديها، اليدين اللتين كانتا ترتعشان يوم مات الرجل بين أصابعها، والآن أصبحتا جامدتين، كأنهما لم تعودا جزءًا منها.


همست بصوت بالكاد تسمعه:


— "ليه جيت هنا؟"


لم تكن تنتظر إجابة


لم تعد زهرة قادرة على الاحتمال، لم يكن الأمر مجرد نبذ أهل القرية لها، ولا نظراتهم التي تحمل اتهامات غير منطوقة، بل ذلك الإحساس الثقيل الذي أصبح يلازمها... الإحساس بأنها لم تعد تنتمي إلى هذا المكان، بأنها أصبحت غريبة عنه كما هو غريب عنها.


في صباح يومٍ لم يختلف عن غيره، دخلت مكتبها في الوحدة الصحية وكتبت طلبًا رسميًا لنقلها، لم تفكر كثيرًا، لم تتردد.

 فقط أمسكت القلم، وخطّت الحروف بثبات، كأنها تحاول أن تنتزع نفسها من هذا المكان قبل أن يبتلعها تمامًا.


قبل أن ترسل الطلب، جاءها استدعاء غير متوقع.


— "العمدة عايزك في بيته."

لم يكن هذا طلبًا، كان أمرًا.


وقفت زهره امام الرجل المسلح الذى يضع بندقيه فوق كتفه فى وسط النهار دون أن يخشى احد

ثم رفعت حاجبها بأستنكار وصرخت، ابعد من هنا قبل ما اطلبلك الشرطه

ابتسم الحارس، شرطه؟ مفيش شرطه هنا، احنا الشرطه، احنا إلى بنمسك المجرمين ونقدمهم للشرطه

كاد الأمر أن يتطور حتى تدخل الطبيب البديل وعرض ان يذهب مكان زهره لبيت العمده ويوقع الكشف عليه

لكن الحارس نهر الطبيب المسن وكاد ان يبهدله وسط الناس

رفعت زهره ايدها

خلصت زهره الطبيب من يد الحارس وصرخت خلاص هروح معاك 



عندما وصلت إلى بيت العمدة، استقبلها الخدم بوجوه جامدة، قادوها إلى الداخل حيث كانت الأجواء مختلفة عن كل مرة زارته فيها من قبل  هذه المرة، لم تكن مجرد ضيفة عابرة أو طبيبة جاءت لزيارة عادية،هذه المرة، كانت وحدها، في بيته، بدعوة مباشرة منه.


قادوها إلى غرفة جلوس واسعة، حيث كان يجلس هناك، علي النزاوي، في مقعده الجلدي، ينظر إليها بنظرة لا يمكن تفسيرها بسهولة لم يكن في عينيه الغضب الذي توقعته، ولا اللامبالاة التي أظهرها في الماضي، بل شيء آخر... شيء لم تستطع فهمه.


— "سمعت إنك مش عايزه تكشفى عليه يا دكتورة، هى دى اخلاق الدكاتره؟

رفعت زهره صوتها بغضب، انت سايب رجالتك يرهبو خلق الله ويتهجمو على الناس المحترمه ومبسوط؟

صرخ العمده على النزاوى مين عمل كده؟

واد يا جبالى عملت ايه يا كلب؟ وقبل ان يرفع الحارس صوته

صفعه على النزاوى على وجهه

وصرخ بندور كتفه فى النخله


خلاص صرخت زهره بخوف لكن على النزاوى نزع جلبابه كانه شاب فى العشرين وامسك سوطه وجلد جبالى حتى قطع جلبابه ومزق ظهره


جلس على النزاوى على مقعده 

ورفع كوب الشاي إلى شفتيه، ثم وضعه دون أن يشرب.


—ثم همس بنبره محايده "قبل ما تمشى ممكن تكشفى  عليّ؟ 


شعرت زهره بالحرج سألت 

— "دلوقتي؟" 


— "دلوقتي."

، فتحت زهره  حقيبتها الطبية وأخرجت السماعة، حاولت أن تتعامل مع الأمر كما تتعامل مع أي مريض آخر.

لكنها عندما اقتربت منه، عندما وضعت يدها على معصمه لتقيس نبضه، وعندما رفعت عينيها لتلتقي بعينيه...


حدث شيء غريب.


شيء تحرك في داخلها، شيء لم تشعر به منذ زمن.


لم تكن نظراته مجرد نظرات رجل مريض، ولا كانت نظرات عمدة مسيطر يريد أن يثبت سلطته. كانت عميقة، قوية، وفيها ظل لشيء تعرفه... شيء ظنته مات منذ زمن.


شعرت للحظة كأنها عادت بالزمن إلى الوراء، إلى مكان آخر، إلى وجه آخر، إلى عينين كان لهما نفس الوقع، نفس القوة، نفس السطوة.


تجمدت أصابعها على معصمه، والتقت عيناها بعينيه في صمت طويل.


لكنها لم تقل شيئًا.


ولم يقل هو شيئًا.


فقط، ظل ذلك الإحساس معلقًا بينهما، كأن الماضي تسلل إلى الحاضر دون إذن.


فقط كانت تغرق أكثر... وأكثر... شيء يعرفه داخله ولا تعرفه انت، نبض غامض خافت خائف غاضب يتحرك داخل صدرك بلا توقف

#فراشة_المقبرة


     ٢٥


خرجت زهرة من بيت العمدة بخطوات ثقيلة، كأنها تخوض في وحل غير مرئي.

الهواء البارد لفح وجهها، لكنه لم يكن كافيًا ليوقظها من الشرود الذي غرقت فيه.


كان الشارع هادئًا، لكنها شعرت بعيون تراقبها من الظلال، من خلف النوافذ، من زوايا الأزقة الضيقة. لم يكن أحد قد قال شيئًا، لكن الصمت كان أكثر صخبًا من أي كلمات.


حين وصلت إلى الوحدة الصحية، وجدت بعض النساء الجالسات عند المدخل، يتهامسن بصوت منخفض، وحين رأينها، تلاشى همسهن، واستبدلنه بنظرات حادة، ثقيلة، كأنها تحمل اتهامًا خفيًا.

اتهامآ يخاف المرء التصريح به حتى لا يناله عقاب الجلاد 


"إيه اللي وداها هناك؟"


كلمات متناثرة كانت تصل اذنيها مثل الحصى، لم تلتفت، لم ترد، فقط واصلت سيرها، لكنها شعرت بشيء يتحرك داخلها، شيء لم تشعر به منذ زمن طويل.



عندما دخلت غرفتها، خلعت معطفها الطبي وألقت به على الكرسي، اقتربت من المرآة، نظرت إلى نفسها، لكن ما رأته لم يكن مجرد انعكاس وجهها.


بل كان وجهه.


تلك العيون.


تلك النظرة.


تلك النبضات الغامضة التي ارتجفت تحت جلدها حين لمست معصمه.


أين رأته من قبل؟


لم يكن مجرد عمدة قرية، لم يكن مجرد رجل صاحب سلطة، لم يكن حتى مجرد مريض يحتاج إلى الكشف. كان شيئًا آخر... كان ظلًا من الماضي، منسيًا لكنه لم يمت، مختبئًا لكنه لم يختفِ تمامًا.


وضعت يدها على صدرها، تحاول تهدئة دقات قلبها المتسارعة. لم يكن هذا مجرد شعور بالانجذاب، لم يكن خوفًا، لم يكن ارتباكًا عاديًا.


بل كان شيئًا أعمق.


شيئًا يشبه الذكرى.


لكنه لم يكن ذكرى.


كان شيئًا آخر... شيئًا مجهولًا، لكنه مألوف بطريقة تخيفها.


™™™


في المساء، وبينما كانت زهرة جالسة في غرفتها تحاول التركيز على قراءة بعض الأوراق الطبية، جاءها صوت طرق خفيف على الباب، لم تكن تتوقع أحدًا، فمنذ أن قررت الرحيل عن القرية، لم تعد تختلط بأحد.


قامت متثاقلة وفتحت الباب، لتفاجأ بوالدتها، نرجس، واقفة هناك بملامح متعبة لكن عينيها تلمعان بقلق أمومي مألوف.


— "إيه المفاجأة دي، ماما؟"


لم ترد نرجس مباشرة، فقط حدقت في وجه ابنتها، كأنها كانت تحاول فك شفرة مشاعرها، ثم ابتسمت نصف ابتسامة وقالت:


— "مش هتدخّلينى ولا إيه؟"


تنحت زهرة جانبًا، وسمحت لها بالدخول، لكن قبل أن تغلق الباب، شعرت بشيء يندس بين قدميها ويدخل مسرعًا إلى الداخل.


الهرة ميمي.


تلك القطة المشاغبة التي كانت زهرة قد تركتها في بيت والدتها قبل شهور، ظنًا منها أنها لن تعود رؤيتها، لكن ميمي كانت لديها خطط أخرى،ورغم عجزها  فقد قفزت على السرير وكأنها تعلن بوضوح أنها لن تغادر.



— همست نرجس "أنا ما جبتهاش، هي اللي جت! فضلت تلحقني لحد ما ركبت الميكروباص، ولما وصلت هنا، نطّت من الشنطة كأنها بتقوللي خلاص، أنا هفضل هنا."


بقيت نرجس يومين مع زهرة، لم تسألها مباشرة عما يضايقها، لكنها كانت تراقبها بعين الأم التي ترى ما لا يُقال.

حاولت زهرة أن تبدو طبيعية، أن تخفي اضطرابها، لكنها لم تستطع خداع والدتها.


في صباح اليوم الثالث، قررت نرجس الرحيل، وقفت عند الباب، تمسح على شعر ابنتها بحنان، وقالت:


— "أنا ماشية، بس إنتِ عارفة إنك تقدري تكلميني في أي وقت، صح؟"


— "عارفة، ماما."


— "أنا مش مطمنة عليكي، زهرة. فيه حاجة مضايقاكي، وأنتِ مش عايزة تقولي."


ابتسمت زهرة ابتسامة واهية، وقبلت يد والدتها.


— "أنا كويسة، متقلقيش."


لكن نرجس لم تصدقها، رغم أنها لم تلحّ بالسؤال، تركت ابنتها على باب الوحدة الصحية، بينما الهرة ميمي جلست عند قدمي زهرة معلنه قرارها النهائي البقاء مع زهره 



في مساء ذلك اليوم، وبينما كانت زهرة ترتب بعض الملفات في مكتب غرفة الكشف ، سمعت صوت خطوات ثقيلة عند الباب، رفعت رأسها، لتجد العمدة علي النزاوي واقفًا هناك، يملأ حضوره المكان كعادته.


 كانت نظراته مختلفة هذه المرة... أكثر عمقًا، أكثر بطئًا، كأنه كان يراها بطريقة لم يرها بها من قبل.


— "مشغولة يا دكتورة؟"


أغلقت الملف بهدوء، وقالت دون أن تتوتر:


— "لأ، تحت أمرك."


تقدم بخطواته الواثقة، ثم جلس على الكرسي المقابل لها، استرخى في جلسته لكنه لم يرفع نظره عنها.


— "أنا جاي النهارده مش علشان أكشف، أنا جاي علشان أفهم."


قطبت زهره  حاجبيها قليلًا، لم تقل شيئًا، فواصل هو، بنبرة هادئة لكنها مشحونة بشيء لم تستطع فهمه تمامًا:


— "إنتِ عارفة إنك مش طبيعية، صح؟"


اتسعت عيناها قليلًا، فابتسم هو ابتسامة خافتة، كأنه استمتع بمفاجأتها.


— "ما تفتكريش إني واحد بسيط، يا دكتورة، أنا راجل بيعرف يشوف اللي الناس مش بتشوفه،وعارف إنك من يوم ما حطيتي إيدك عليا، وأنتِ مشغولة بحاجة... ومش قادرة تهربي منها."


شعرت زهرة بانقباض في صدرها، لكنها تماسكت، وقالت بثبات:


— "أنا دكتورة، ولمست المرضى شيء طبيعي في شغلي."

وقفت الهره ميمى بحذر تحدق بعلى النزاوى وشيء داخلها يرجف بقوة 

بينما ضحك العمدة ضحكة قصيرة، ثم انحنى للأمام، ليقول بصوت خفيض لكنه عميق وهو يبرم شاربه 


— "لمساتك دي... خلت قلبي يمرض."


تسارعت أنفاسها دون أن تدرك، بينما كانت نظراته تزداد ثباتًا، كأنه لم يقل مجرد كلمات، بل ألقى شيئًا في الهواء، شيء ثقيل، شيء لن تستطيع التظاهر بأنها لم تسمعه


لكنه لم يعطها فرصة للرد، وقف بهدوء، ثم قال قبل أن يغادر:


— "سلام يا دكتورة."


وغادر، تاركًا خلفه صمتًا ثقيلًا... وإحساسًا عميقًا لم تستطع تسميته


اطلت نظره غريبه من عين الهره ميمى قبل أن تقول رجل شرير

لكن كان هناك شيء اخر داخل ميمى شيء أعمق من مجرد الاحساس، شيء يخبرها انها تعرف هذا الرجل وربما رأته قبل ذلك.

تكملة الرواية من هناااااااا 



تعليقات

التنقل السريع