القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية الحب أولا الفصل السابع والثامن والرابع بقلم دهب عطيه

 رواية الحب أولا الفصل السابع والثامن والرابع بقلم دهب عطيه 





رواية الحب أولا الفصل السابع والثامن والرابع بقلم دهب عطيه 



7=ج 1=

جفاها النوم رغم التعب الذي يسري في جسدها

الآن........

كانت ممدده على الفراش في الظلام الدامس....

تفتح جفنيها على وسعهما.... تضحك تارة وتخجل تارة.......

ماذا حدث لها هل جنت ؟.... وجن قلبها معها ؟.... منذ متى تهتم للغرباء !!... منذ متى تُسهرها كلمة.... وتشغلها نظرة....... منذ متى وهي تنجذب لجنس آدم ؟!...

كانت ومزالت مبتعدة..... مكتفية بنفسها واحلامها..

من اين اتى... ولماذا يتسلل اليها بكل هذه

السرعة....

ارخت جفنيها بتعب وبدأت تتثاءب.... فوجدت عقلها

يعيد عليها ما حدث....

كلمست يدهُ ، وكانها تستسعرها على كفها من

جديد فترتجف بحياء !......

كصوته الرجولي، وكانها الآن تسمع نبرته الخشنة

ذات البحة المهيبة تهمس في اذنيها فيذوب

جزءاً منها معه....

كرؤيته عن قرب ، وكانها ترى طلته الوقورة المشعة

بالوسامة والهيبة..........

وسيم بدرجة تفجر داخلها مشاعر متعددة لم

تختبرها قط.... لمجرد النظر اليه والتحدث

عن قرب ......

ماذا يحدث لها هل جنت....... مالذي تعرفه عن عاصم الصاوي لتفكر فيه بهذا الشكل الخاص......

انبعث الضوء من هاتفها جعلها تفتح عينيها وتميل لاخذه.......وعندما نظرت اليه وجدته رقم غير

مسجل.....

حانت منها نظرة للساعة التي تشير للثانية صباحاً....مطت شفتيها باستياء......وهي تفتح الخط معتقدة انه طلب يتم حجزه من الآن حتى يصل ظهراً.........

استوت جالسة وهي تضع الهاتف على اذنها......

قائلة وهي تتثاءب عنوة عنها.....

"الو سلام عليكم......"

انبعث صوتٍ خشن ذو هيبة قائلاً.......

(وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.....شكلي صاحيتك من النوم.......)

انتفضت في جلستها أكثر واضاءة المصباح

المجاور لها....... وقد ابتلعت ريقها هاتفة

بتوجس......

"استاذ عاصم....... خير حصلك حاجة......"

على الناحية الأخرى اوما براسه

بوجوم.....

(آآه انا استاذ عاصم....مفيش فايدة.......)

سالته شهد بقلق....... "انت كويس....."

ئن عاصم متألماً.......(لا بطني وجعاني أوي.......)

وقع قلبها في قدميها وهتفت

برعب.....

"إيه بطنك وجعاك..... طب ماتروح لدكتور......"

تنهد بأسى وهو يتلذذ بنطق حروف

إسمها.......(هيعملي اي الدكتور ياشهد......)

قالت بقلق...... "هيكشف عليك........"

لاحت التسلية على محياه فقال

بخبث....

(ولما يسالني كلت إيه.... أجيب سيرتك عادي...)

قالت شهد بحمائية....

"على فكرة انا وكله معاك من نفس الأكل....."

صدرت من عاصم ضحكة خافته.....جعلتها تضيق

مابين حاجبيها بشكٍ سائلة......

"بجد انت تعبان ولا بتهزر......."

تنحنح عاصم بخشونة قائلاً.....

(ههزر معاكي في ساعة زي دي....... بجد تعبان....)

سالته بارتياع...... "طب عندك إيه......."

سحب نفساً طويلاً ثم قال بانتشاء....

(انا معرفش بس ممكن اقولك اللي بحس بيه....)

ارجعت خصلة من شعرها للخلف وهي تقول

ببراءة......

"قول يمكن شوية برد في معدتك....هقولك تشرب

إيه عشان ترتاح......."

تحدث عاصم هائماً في جمالها المرسوم امام

عيناه........

(هقولك..... لما بشوف حد معين......بحس كده انه وحشني... وعايز اتكلم معاه في اي حاجة المهم نتكلم وشرط اساسي أسمعه..... ولم بيغيب

عني......لا بعرف اكل ولا أشرب....ولا حتى انام.....وقلبي... قلبي مش مظبوط.......بيوجعني

اوي ملقيش عندك علاج لوجع القلب......)

بعد الاستماع إليه عقبت عابسة.....

"هو انت مش قولت ان بطنك هي اللي وجعاك......"

اجاب عاصم ببراءة......

(ما كل موصل ببعضو.... مفرقتش كتير......)

مطت شفتيها ممتعضة لتقول....

"لا فرقت كتير.........انا معرفش اعالج القلوب...."

رد عاصم بتهكم.....

(ليه انتي تخصص بطنه بس.......)

رغم حنقها فلتت ضحكة رقيقة خائنة من بين

شفتيها الممعتضة......فعقب وهو يبتسم لأجل ضحكتها الناعمة......

"ماحنا بنعرف نضحك أهوه......"

تلاشت ضحكتها وهي تساله بصرامة....

"برضو مش فاهمه متصل ليه....."

اخرج تنهيدة ثقيلة....وهو يختلق مبرراً......

(حبيت اطمن عليكي.....وباركلك مرة تانيه...على الافتتاح........)

تمتمت بعدم اقتناع.... "شكراً.....على السؤال.... "

رد عاصم بتسلية.......

(دي أقل حاجة عندنا....مقولتليش برضو.....اعالج وجع قلبي بأيه......)

قالت شهد بجدية شديدة....

"أقولك.....اشرب بوء ميه قبل ماتنام......"

مط شفتيه هازئاً وسالها عبر الهاتف...

(والله ؟!..... وبيجيب مفعول على كده......)

اومات بتأكيد..... "طبعاً........"

ازداد سخريته........(مجرباه يعني.....)

كتمت الضحكة بصعوبة وهي تخبره

بجدية.... "امم........على ضمنتي........"

(ماشي ياشهد.....اشوفك بكرة.......الساعة عشرة.......)تذوق اسمها مجدداً بتلذذ تستشعره

بشدة فيخفق قلبها معه.......لتقول هاربة منه....

"تصبح على خير يا استاذ عاصم......."

مط شفتيه باستياء واجابها وهو يتكأ

على لقبها السخيف....

(وانتي من أهل الخير يـا اسـتـاذة شــهــد.......)

اغلقت الهاتف وضمته الى صدرها وهي تكبح

ضحكة صادرة من أعماق قلبها... شاعره بقلبها

يقفز في سعادة وسرور......

على الناحية الأخرى ارتشف القليل من الماء ثم وضع الكوب جانباً .... وبعدها وضع راسه على الوسادة مبتسماً بانتشاء مُتمتماً .....

"ماشي ام اشوف اخرتها معاكي... ياست الحُسن...."

.......................................................................

في صباح اليوم التالي......

دلف عاصم الى غرفة الطعام... فوجد الجميع هناك يأكلوا وجبة الفطور بصمت..... حتى رأته جدته (نصرة..) فتهلل وجهها فرحاً وهي تدعوه بأن

يتقدم.....

"صباح الخير صاحي متأخر النهاردة.....مش

عادتك..... "

ابتسم عاصم وهو يتقدم منها ومال على رأسها

يقبلها قائلاً.......

"صباح آلورد..... راحت عليا نومه.....عاملة أي ياست الكل......."

"الحمدلله ياحبيبي...قعد بقا كُل لقمه...." ثم نظرت نحو يزن الذي يأكل بنهم غير مبالي بأحد

وقالت ضاحكة....

"قبل مايزن يخلص على الفطار......."

قال يزن وهو يمضغ الطعام الذي تكون في

وجنتاه ككورتين صغيرتين........

"الله ياتيته.....انتوا هتحسدوني ولا إيه.......ما كل

من الچم....مانتي عارفه....وبعدين انا بقالي يومين

اكلتي ضعيفة......وحاسس اني هفتان........"

ضحك عاصم وهو يجلس جوار

جدته....

"الحمدلله انك حاسس مش متأكد......."

رمقت إلهام عاصم بضيق ثم ربتت على ظهر

ابنها وهي تقول بنبرة ذات معنى......

"بالف هنا ياحبيبي....هو انت بتاكل فين يعني...ما

كل من خير أبوك........"

تمتمت عاصم بصوتٍ عالٍ متغاضياً عن

الرد.....

"بسم الله الرحمن الرحيم........"ثم وضع أول لقمة

بفمه.....

فقالت نصرة وهي تمضغ الطعام على

مهل....

"قولي ياعاصم حكيم مجبش بضاعة جديدة...غير الحاجات اللي ورتهاني في تلفونك......."

اجابها عاصم بنفي......

"لا لسه......أول مايجيب حاجة جديدة... هيكون

أول واحد يبلغك......دانتي زبونته........"ثم أدار

عاصم وجهه لمسعد (عمه.)وساله بفتور.....

"واي اخبار المعرض ياعمي..... "

رفع مسعد عيناه على ابن أخيه قائلاً....

"كله تمام والشغل شغال كويس....مش ناوي تزرني في مرة وتاخد فكرة عن تجارة العربيات....."

امتقع وجه نصرة فعقبت باستهجان....

"خليه في تجارة الدهب....هي دي التجارة  اللي تنفعه...."

تافف مسعد بضيق.....

"جرالك اي يامي.....هو كل ماتيجي سيرة شغلي

ميعجبكيش كلامي......."

قالت نصرة مقتضبة....

"انت عارف مش عاجبني ليه...."

تافف مجدداً...... "لا حول ولا قوة إلا بالله........"

ربتت الهام على كتفه بلؤم على مرأى اعينهم

وقالت......

"كُل ياخويا متفورش دمك احنا لسه على الصبح...."

نادتها نصرة بغضب.... "إلهام......."

نظرة لها الهام بملل...... "نعم ياماما......"

قالت نصرة بحدة.....

"متدخليش بيني وبين ابني.....سامعة......"

عضت الهام على باطن وجنتيها قائلة

بصعوبة....

"اللي تشوفيه......اتكتمت........"

بينما نظرت نصرة الى ابنها قائلة

بحسرة....

"كُل يامسعد عشان مفورش دمك زي مراتك مابتقول......."

لم يرد مسعد بل اكتفى بالصمت....لتتحدث نصرة

مع حفيدها الأكبر قائلة بتذكر وبنبرة حزينة

"صحيح ياعاصم.....سنوية جدك قربت....وعايزين نعمل وليمة كل سنة......."

ابتسم عاصم بحنو قائلاً.....

"تعيشي وتفتكري ياحاجة.....قوليلي عايزة إيه

وانا انفذة........أأمُريني.... "

قالت نصرة وهي توزع نظراتها على

الجميع....

"الامر لله واحدة يابني..... زي كل سنة هنجيب

طباخ وناس تخدم على الناس الغلابة اللي هتكون

موجوده هنا......اهوه نكسب دعوة حلوة.....وتبقى صدقة على روح جدك الله يرحمه......."

اوما عاصم براسه بانصياع.....

"تمام.....هشوف هعمل اي وكلامك......"

قالت نصرة بامتناع.....

"اسمع ياعاصم بلاش الطباخ اللي جه السنة

اللي فاتت....."

سالها عاصم باستفهام....

"ليه ياحاجة........هو اكله معجبكيش......."

قالت نصرة بعدم رضا.......

"هو ده اكل ياعاصم.....دا زينة يابني.....لا ليه طعم

ولا ريحة....شكل حلو وخلاص........شوف غيره حد يكون مضمون......."

قفزت في رأسه صورتها فلانت شفتيه بابتسام

مغزية تخص صاحبة العيون العسلية.......فاجابها....

"حاضر هجبلك حد مضمون......."

تدخلت إلهام كالعادة بنظرات مزدرية تقول

بتكبر......

"انا شايفه ان ملهاش لازمه التكاليف دي كلها

ياماما....يعني لو طلعنا حاجة لله أحسن....من

الزحمة والهيسة بتاعت كل سنة.......بصراحة

البيت بيبقا مليان ناس غريبة منعرفهاش أصلا والواحد خايف حاجة تتلطش كده ولكده...."

سالتها نصرة بصلابة.....

"ومن امتى في حاجة بتتسرق من بيت

صابر الصاوي.... من امتى يامرات ابني......"

تلعثمت إلهام في الرد بعد نظرات الجميع

المصوبة عليها.......

"انا بقول ممكن....مقولتش اني في حاجة اتسرقت........"

ضربت نصرة بقبضة يدها المرتجفة سطح المكتب قائلة بسطوة تضاهي عشر رجال معاً.......

"وليمة كل سنة هتتعمل في معادها.... رحمة ونور على روح المرحوم صابر الصاوي جوزي......ولي مش عاجبه....يلزم اوضته لحد ماليلة تعدي على خير..........."

تدخل عاصم قائلا برفق....

"اهدي ياحاجه......ضغطك هيوطى....."

وكذلك برر مسعد افعال زوجته بحرج بالغ

وهو يرمقها بعتاب......

"الهام متقصدش يامي........هي قصدها تريحك...."

وامات نصرة براسها مستهجنة.....

"بجد ؟!.... كتر خيرك يالهام.....بس انا بقا بحب

التعب....بذات لو هاخد ثواب واجر عليه

هعمله........."

تدخل يزن في الحديث قائلاً بملاطفة...حتى

تهدأ الأجواء المتوترة قليلاً......

"حصل خير ياتيته......كلنا هنحضر للوليمة....وانا بنفسي هخدم على الناس......"

انعقد حاجبي عاصم بتعجب ليقول بلؤم

مرح.........

"انت اللي حكمت على نفسك ياحلو.....مترجعش تعيط وتقول اه يارجلي واه ياضهري......"

سحب يزن نفساً عميقاً حتى تضخم صدره وهو

يقول بزهوٍ....

"ضهري ورجلي إيه....أمال انا بروح الچم ليه مش عشان استعد للحاجات اللي زي دي.....ابن عمك وحش.....اتقل..... "

ابتسم عاصم غامزاً.....

"ماشي ياعم الوحش اما نشوف...."

نظرة لهم نصرة بحب....وقالت

بمحبة....

"ربنا يحميكم ياحبايبي ويخليكم ليا......."

هتف يزن ناغشاً إياها.....

"ويخليكي ليا يانصرة قلبي......"

هتف عاصم ساخراً......

"افطر يانحنوح.........خليك تلحق جامعتك......"

مالى يزن على الجدة هامساً بشقاوة....

"غيور أوي...."

ضحكت نصرة وهي تندمج معه أكثر....

"من يومه......"

برمت إلهام شفتيها بغضب وهي ترمق زوجها بحنق

ليهز كتفه بقلة حيلة........فنهضت من مكانها سريعاً

دون استئذان..........وقد لحق بها مسعد سريعاً.....

وعندما دلفت للغرفة صرخت بهجوم....

"انا مليش لازمة في البيت ده يامسعد....مليش لازمة........"

اغلق مسعد الباب وتقدم منها محاول ان

يهدأها.......

"أهدي يالهام....دي مهم كان أمي....مقدرش اعترض

على حاجة عيزاها......."

غلت دمائها كمرجل ناري وهي تصيح

هائجة......

"يعني انت موافق على الهبل ده......وليمة ولمه...

ما طلع حاجة لله وتخلصنا....لازم تعمل فرح

حوليها........"

زفر مسعد بقلة صبر.......

"يالهام....دي سنوية ابويا......وهي متعوده تعمل كده

كله سنة........"

اشارت الهام على نفسها بغيظٍ محتقن.....

"وكله سنة بعترض.....ومفيش حد بيسمعلي كلمة...

انا مش حسى اني في بيتي....انا حسى ان زي

زي الكرسي ده......."خبطت على المقعد

بهيجان.......

تحدث مسعد بصبر.....

"ياحبيبتي احترام الكبير واجب......"

نزلت دموع الهام وهي تقول بحرقة.....

"وانت شايفني قللت منها........انا بتكلم في الصح يامسعد........اللي هي عايزة تعمله ده بيخنقني....

بحس انه مش بيتي.....مينفعش اعترض على

حاجة مش عيزاها ياناس......."

تافف مسعد هذه المرة بقلة صبر.....

"مش هقولهالك تاني يالهام.... امي كبيرتنا

....ومينفعش نعترض على حاجة هي عيزاها......"

سالته بعينين تشتعل...... "يعني اي يامسعد......"

اتجه مسعد لباب الغرفة قائلاً بصرامة......

"يعني اللي هي عيزاه تعملو.....ملكيش دعوة ...

حطي لسانك جوا بوك وبلاش تعمليلي مشاكل معاها....انا مش ناقص مشاكل......مش هتكون

مشاكل برا وجوا...انا زهقت........"

فتح الباب امام عينيها الحاقدة.......واغلقه

فنادت عليه بتشنج......

"مسعد...........مسعد........"

لكنه لم يعود.....فتمتمت بعصبية......

"هرب زي كل مرة......جبان.......ابن أمه........"

مسكت الهاتف وهي تبكي ثم رفعته على اذنها

قائلة بانفاس متهدجة من شدة الغضب.......

"روفيدة شوفتي الهم اللي انا فيه........هتعمل

السنوية زي كل سنة............."

.......................................................................

جالسة امام التلفاز بملل... تتافف كل دقيقة متقلبة

في جلستها بعدم ارتياح.....تشعر بضيق بالانزعاج من هذا التجاهل والمعاملة الشبة منعدمة بينهما.... والنظرات التي تكاد تحرقها كلما رآها......

ماذا حدث ؟!..لماذا تغير هكذا..... لم يكن هكذا قبل أيام... كان لطيف حاني.... هادئ..... ويعاملها بانسانية.......

لماذا تحول الا لوحة ثلج باردة....ونظراته تشع

بغضاً وغضب........هل يكرهها فعلاً.....ام انها

تتوهم........

لماذا يبيت في الورشة أحياناً....وان تصادفت معه يكن لمدة ساعتين ثم يرحل.......وكأنه يصعد إليها

فقط حتى لا يشك والديه في شيء......

ترقرقت الدموع بعينيها.....وهي تشعر بالاختناق من هذا السجن.........

الباب مغلق بالمفتاح... لا تخرج..... لا ترى أحد...كل

ما تفعله الجلوس هنا كما يريد....وكما يريد

الجميع منها.......

خذلت ثقة الجميع فأصبحت بنسبة لهم وصمة عار

ممكن ان تصيبهما وتنكس رؤوسهم في الوحل...

لذا بكل شهامة تزوجها ابن عمها.....الذي يكبرها بخمسة عشر عاماً.....تزوجها ليكن واصي عليها

حتى يأخذ كل الصلاحيات لردعها وحبسها هنا

في سجناً......هو امام الجميع العش الزوجي

لهما.......

كل شيءٍ كاذب من حولها مزيف.....مجرد عروسة

بالحبال تتحرك يمينا ويساراً بايديهما.......

لكن من تلوم........هي من فعلت في نفسها كل هذآ

لقد وقفت أمام الجميع يوماً وقالت الحب أولاً...ولم

تعرف ان الحب عملة لا تباع ولا تُشترى........

نزلت دموعها وهي تتذكر هذا اليوم المشئوم والتي قررت به ان تلقي كل شيءٍ خلف ظهرها و تهرب

مع من تحب........كما أخبرها....وكما وافقت دون

ان تفكر مرتين في عواقب الهروب من أهلها

وسلطان عبد القادر  !!......

في يوماً شتوي بارد ليلاً وفي منتصف الليل كانت السماء تمطر والجو سيء من شدة الطقس المنقلب.....

خرجت من غرفتها ببطئ شديد وحرص....وبدأت تدور حول نفسها بخوف وبقلبٍ يخفق بهلع

كالصوص في الظلام.......

كانت تشبههم وهي تدور حول نفسها برعب يميناً

ويساراً.......تنظر لباب الشقة البعيد بلهفة...

فهي ترى خلف هذا الباب المغلق....حريتها وحبها

الوحيد......ستنال كل هذا ان خرجت من هنا...

ستثبت للجميع واولهم سلطان أنها فعلت الصواب

وان عادل أحبها بصدق.....ولن يُحبها أحد كما فعل

عادل........

وصلت أخيراً الى باب الشقة ولحسن الحظ ان والدها

لم يوصده ككل يوم....ربما نسى....وربما القدر يتعاون معها.....

بلعت ريقها وهي تخطو للخارح مغلقة الباب خلفها

على مهل...حتى لا يسبب ضجيج......

ثم أخذت السلالم ركضاً وهي ترفع طرف عباءتها السوداء قليلاً وتحاول عدل وشاح رأسها الأسود

عندما وصلت لباب العمارة لفح الهواء البارد

وجهها ورذاذ المطر بللها....

لحسن حظها ان اليوم كان ممطر....فكان الشارع خالي من البشر والظلام والمطر يخفي الوجوه..

ركضت جوار الرصيف وهي تحمل حقيبة اغراضها بين يداها...

حتى تجاوزت الشارع التي تقطن به....فوصلت للطريق العام والقت نفسها في سيارة سوداء

صغيرة.....

بدأت تأخذ انفاسها وهي تهتف

برعب......

(انا مش عارفه طوعتك إزاي.......)

سمعته يهمس جوارها ببحة خاصة وبكلامه

المعسول الذي اوقعها في الهوى......

"يمكن عشان بتحبيني.....واننا لو بعدنا عن بعض ممكن حد فينا يموت من غير التاني......"

لانت شفتيها وابتسمت بعذاب وهي تدير رأسها

اليه ومزالت تسند راسها على ظهر المقعد بتعب

ومزالت انفاسها عالية من كثرة الركض

والخوف... ومزال وجهها مبلل من الشتاء....

ومزالت مرعوبة من عواقب ماحدث.... ومزال

كل شيءٍ معقد وغير متوزان أمامها... ورغم

ذلك وذاك....... قالت بدلال اليه......

(أتكلم عن نفسك.... انا اقدر اعيش من غيرك عادي........)

اعتدل الشاب قليلاً في جلسته....وكان شابٍ في منتصف العشرينات من عمرة.....كان عادياً

الملامح عابث النظرات.....يظهر بوضوح

ادمانة للممنوعات....مما يعطي انطباع سيء

عنه وهذا سبب رفض اهلها له....واعتراض

سلطان على الزيجة بعد ان سأل عنه وتأكد

انه غير جدير بها......قال بابتسامة لعوبة...

(كذابة يادوللي.... انا أول ماقولتلك نهرب عشان

نتجوز ونحطهم قدام الأمر  الواقع... مكدبتيش

خبر ووفقتي علطول... من غير حتى ما تفكري......)

قالت داليدا بهيام.....(يمكن لاني بحبك......)

تعمد النظر اليها بتأثر وهو يخبرها.....

(وانا بموت فيكي.......محضرلك مفاجأه جامده لما نوصل.......)

راقبته وهو يحرك المحرك ثم انطلق بسيارة

فسالت بهدوء.......(على فين.....)

اجاباها.....(على شقتي......)

كشرت عن انيابها........(شقتك؟!....)

اجاب بثبات وهو يشغل مساحات الزجاج

حتى يرى الطريق.....

(شقة مفروشة.... اجرتها عشان نقعد فيها سوا....

أمال عايزاني اخدك ونقعد مع امي واخواتي...

دول كانوا سلموني لاهلك تسليم اهالي من قبل

حتى ما اكتب عليكي......)

قالت داليدا بحنق مكتوم....

( بس احنا متفقناش على كده ياعادل.... احنا اتفقنا اننا هنطلع على  المأذون الأول نكتب

ونروح نعرف اهلي اننا اتجوزنا.....)

قال عادل بتعجب.....

(وانتي فكرك حتى لو كتبنا دلوقتي... القسيمة هتطلع في ساعتها......)

سالت ببلاها....(امال إيه.....)

رد عادل بجدية شديدة.....

(امال إيه !!..... بتاخد وقت طبعاً يادليدا...مش أقل من شهر....)

هتفت بدهشة.....(شهر !!.....)

اوما مؤكداً......(آآه شهر.......)

سالته بتعجب......(طب هنعمل إيه......)

نظر عادل لها قائلاً بتوضيح......

(هنكتب الكتاب طبعاً..... الماذون والشهود جايين ورايا..... وهنقعد كام يوم فيها لحد ما ناخد القسيمة ونوريها لاهلك زي ماتفقنا........ ساعتها

غصب عنهم هيرضوا بيا..... ومش هيقدورا يحرمونا من بعض..... اي رأيك.... موافقة...)

اومات برأسها بالموافقة كالمنوم

مغناطيسين......

(موافقة.... طالما هتنجوز رسمي.... على ايد

مأذون وشهود......)

قال عادل بتأكيد.....(طبعاً جبتي اوراقك انتي......)

اشارت على الحقيبة الموجوده على ساقيها...

(جبت كل حاجة هنا......)

اشار لها بعبث......

(وشنطه دي فيها اي غير الأوراق......)

قالت ببراءة......(هدومي......)

سالها بلؤم....(بجد...... حلوة الهدوم دي......)

رمقته بتحذير.......(عااااااادل.....)

رقص حاجباه بشقاوة.....

(عادل اي بقا..... دا الليله ليلتك يادوللي.....)

جزت على اسنانها تخفي ابتسامتها قائلة...

(اتلم......)

(بحبك..........ووصلنا على فكرة.....)قالها وهو يوقف السيارة......

فنظرت داليدا من خلال النافذة الى العمارة

المجاورة التي تبدو أنها من المباني القديمة

جداً في هذا الحي الشعبي......

(الشقة هنا......)

خرج عادل مجيباً.......(آآه الدور الأخير......)

خرجت خلفه قائلة بدلال....(هطلع كل ده......)

سالها عادل غامزاً......(تحبي اشيلك........)

(بس بقا......)لكزته في كتفه وهي تصعد معه ضاحكة...

صعدا معاً حتى الطابق الأخير....فاخرج

عادل المفتاح وفتح الباب مشيراً لها

بدخول.......

بلعت داليدا ريقها وهي تدلف للمكان بتوجس

شعرت بخطٍ من الصقيع يتخلل جسدها المنكمش من شدة البرد والمطر الذي غرق عباءتها.....

دارت عيناها بتأني في الشقة الشبه فارغة.....خالية من الاثاث مجرد غرفة وصالة وحمام ومطبخ...ترى

الغرفة بوضوح تحتوي على سرير فقط !!...

اما باقي الفرش فمنعدم.......

شعرت بعدم الارتياح بعد ان أغلق عادل

الباب خلفه.......لم يكن لديها خيار للتراجع...فقد اختارت بكامل اردتها....ولم يجبرها عادل على ذلك......

رن جرس الانذار في أذنيها عندما سمعت

عادل يقترح بنبرة غريبة....

(مش هتغيري هدومك.......)

استدارت داليدا اليه بوجهٍ شاحب تسأله....

(اغير هدومي !!......)

اهتزت حدقتاه سريعاً لكنه أجاب بنبرة هادئة

(هدومك مبلوله يادوللي...من الشتا...ادخلي الحمام غيريها عشان متبرديش......مش قولتي الشنطة دي فيها هدوم....خديها معاكي...ولبسي حاجة كويسة

عشان الماذون زمانه جاي هو والشهود....)

حمل الحقيبة و تقدم منها واعطاها اليها

قائلاً بحرارة....

"اوعي تتاخري الماذون على وصول......"

اخرجت داليدا تنهيدة ارتياح وهي توما براسها

بخجل.....فقال عادل بنظرة عاشق....

(بحبك......)

احتضنت الحقيبة قائلة بخجل...(وانا كمان.....)

مالى عادل عليها حتى يقبلها لكنها هربت

سريعاً الى الحمام الذي أشار عليه....

بعد حوالي نصف ساعة من تواجدها بداخل سمعت

الباب يطرق بقوة....فوقع قلبها وهي تخرج من الحمام بعباءة بيتي محتشمة ولكن شعرها مكشوف

ومنسدل على ظهرها فمن شدة الخوف نست

غطاء رأسها....


7 =ج2=وقتها خرجت لترى الطارق الغاضب والذي اتى في هذا الوقت.....لتجد شخصٍ لم تتوقع وجوده الآن

(سلطان عبدالقادر) ابن عمها....يمسك عادل من ياقة ملابسه وهو يصرخ فيه بوحشية سائلاً عنها....

وقتها صرخت بعزم ما فيها وهي تقترب منهم

لتبعد عادل من تحت يداه الشبية بالمطرقة الحديدية.......

حينها نظر لها نظر المتها....وحزنت لأجله.....فقد

رأت في عيناه نظرة المطعون في شرفه....نظرة

المكسور......لدرجة انها رأت دمعت وهمية في عيناه وهو ينظر اليها بعدم تصديق.....وفجأه انتشرت الصدمة لغضب أسود على محياه...ونزل على صدغها سريعاً بصفعه اوقعتها أرضاً اسفل قدماه.........

أغلق الباب بقوة وصوت المفاتيح جعلاها تفيق

من شرودها بل و تنهض من مكانها وتذهب

إليها.....حتى تلحق به وتسأله قبل ان يغلق باب

غرفته على نفسه كالعادة ويتركها لوحشة اليل

تنهش عقلها وقلبها.......

"سلطان.........احضرلك العشا......."

لم يعرها إهتمام بل تابع السير لغرفته بمنتهى البرود

المستفز لاعصابها مما جعلها تلحق به قائلة بصيحة

غضب.......

"سلطان انا بكلمك......."

"مش عايز أطفح......"استدار اليها سريعاً صارخاً بتلك

الكلمات وعيناه الحمراء ترمقها بازدراء كريهاً......

المها قلبها بشدة مما جعلها تغمض عينيها خوفاً منه...

بينما هو نظر الى خوفها بقرف...ثم للسلسال المعلق في عنقها...والذي تخفيه أسفل ملابسها.....فلو كانت تهابه فعلاً ما كانت احتفظت بسلسالا يحمل صورة حبيبها....

وكانها تتحداه.....وتستهزء به........لا يملئ عيناها

إذاً.....

" شايفاني بقرون صح........ "

فتحت عينيها بخوف وهي تسمع هذه الكلمات.. التي لفظها وهو يقف امامها بمنتهى العصبية والغضب والازدراء الذي يأبى ان يمحى من عيناه.......

قالت بغصة مختنقة بالبكاء......

"انا مش فاهمه حاجه....... هو انت اتغيرت كدا ليه

انا عملت إيه......."

"عملتي ده...... "وقبل ان تترجم ماذا يقصد وجدته يسحب السلسال الذهبي من عنقها بمنتهى العنف

لدرجة انهُ جرحها بشكلاً غير ادامي..... حتى انقطع

قفل السلسال ورحمها من العذاب.........

تاوهت متألمه وهي تلامس الخط الرفيع الأحمر في عنقها.......... ناظرة اليه بخوف ممزوج بالغضب.... بالكره بكونها اصبحت تحت رحمة رجلاً مثله !....

اغمضت عينيها بزعر وارتجفت عندما تقدم منها ومسكها من ذراعها بقوة مشيراً الى السلسال بغضب........

"شايفاني بقرون ها.... مش مالي عينك....معلقه صورة حبيب القلب في رقبتك وانتي على ذمتي..... شايفاني****......... ها متنطقي شايفاني إيه.....

مسك حفنة من شعرها بقبضة من فولاذ وبدا

يهزها بمنتهى الهمجية قائلاً بضراوة.....

" ولا تكوني افتكرتي اني عشان بعملك كويس هكون نسيت عملتك السودة......لا وهتعرفي تستهيفيني زي

مانتي عايزة....... فوقي يابت...... دا انا اللف عشرة من عينتك بصباع واحد..........فاهمه...... بتشتغليني... عملالي فيها حبيبا ومعلقه صورته في رقبتك...

مفيش اي احترام للنطع اللى سلمك اسمه

وشرفه....."

حاولت داليدا التملص من بين يداه وهي

تبكي متالمة.......

"سبني ياسلطان حرام عليك شعري هيتخلع في إيدك........آآه ارحمني أبوس إيدك.... "

تركها سلطان دافعاً اياها للحائط ليقول

مشمئزاً...

"ابعدي عني مش عايز اشوف وشك... سامعه... انا قرفان منك ومن نفسي.........قرفان على الخطوة

المهببه اللي خدتها وسلمت نفسي واسمي لواحده

جايبها من شقة واحد هربت من اهلها عشانه....."

مسحت دموعها هاتفة بكبرياء محطم.....

"محدش قالك اتجوزني........ محدش قالك أعمل كده

ياريتكم كنتم موتوني وريحتوني من القرف ده...."

لم يعلق سلطان بل ظلت نظرة الاحتقار الساخرة

تشع من عيناه الغاضبة......لذا قالت داليدا

بكراهية........

"انت فاكر انك عملت فيا معروف..... انت

دبحتني..... دبحتني.........

لم يعقب فتابعت بغضب أكبر وهي تذرف الدموع

دون توقف........

" بص حوليك كويس.... انا في سجن وانت على بابه......... "

قال سلطان بقساوة......

"وهفضل على بابه...... لحد ماربنا ياخد واحد فينا

ساعتها واحد فينا هيرتاح من التاني......"

صمتت وازداد سيل الدموع من عينيها وهي تنظر

اليه بوجع ممزوج بندم........فحذرها بتوعد وبملامح

خطِرة..........

"متقربيش مني تاني يادليدا.... اياكي.... المرة الجايه

مش هسمي عليكي.... وانتي عرفاني لما بقلب...."

أغلق الباب خلفه بقوة.... فانتفض جسدها من

مكانه برعب......ثم لم تلبث الا ودلفت لغرفتها

مغلق الباب عليها....والقت جسدها على الفراش

دافنة وجهها في الوسادة تاركة العنان لشهقاتها

العالية وعينيها في ذرف الدموع والندم على

فعلتها الغبية معه......

بداخل الغرفة......تخلص سلطان من قميصه والقى جسده الضخم على الفراش بزفرة تعب......

ثم اغمض عيناه وهو يحاول تهدأت انفاسه العالية

غضباً.....محاولا نسيان صوت بكاؤها الذي يسمعه

بوضوح حتى ان كانت تكتمه في الوسادة !......

لماذا فعلت هذا به...افسدت حياتها بيدها...كانت

من الممكن ان تتزوج شخصاً آخر يناسبها سناً وعنفوان......مرِح...... معسول الكلام... جيد في التعبير.......يعشق الحياة....ويعرف كيف

يُحب.........وكيف يسعد من يحب.........

وقعت معه هو.......بسبب غباؤها....وتصرفاتها المتهور

ابتلتها الحياة به...فهو بنسبة لاية أمرأه ابتلاء

كبير !!.....

ليس جيد في التعبير.....لا يعرف كيف تكون لغة

الحب........ليس بحنون.......لم يكن مرحٍ يوماً.....لا

يجيد الكلام المعسول.......لا يعرف من اي باب

يدخل لاثنى ويوقعها في غرامة ؟!.....

الحياة  تتشكل بنسبة له عملاً في النهار ،

نوماً في الليل........

ام الحب والارتباط بهذا الجنس الناعم.... فهو جرب

مرتين وفشل....لمجرد انه خشن في التعامل...لا يتهاون مع إمرأة تخصه........لذا كلا منهن لاذت

بالفرار منه........

ويشاء القدر بعد ان يغلق هذا الباب لصعوبة طباعه

الخشنة معهن.........تفتح داليدا الباب خُلسة وتدلف منه.........وتتحداه دون ان تدري لذا قادة الجنون يومها وطلب يداها في لحظة غضب وتهور

من والدها......

ولأن خلف كل خطأ قراراً مُتسرع.....كان أكبر خطأ الزواج منها......فكما يُقال قد أصلح الخطأ بخطأ

أكبر........

فهو لا يستحقها وهي لا تستحقه.....وهما غير مناسبين لبعضهما..... لكن بسبب فعلتها الفادحة

اصبحا هنا.......يمثلا الحب....وهم ليسوا

بمحبين ؟!!.....

شرد ذهنه قليلاً متذكراً اليوم الذي أخبره به عمه

(ناصف) ان داليدا هربت من البيت وهذا قد

اكتشفه عندما ذهب ليصلي الفجر........

وقتها جن جنونه وهو يذهب اليهما في وقتٍ قياسي يدعي الله ان لا تكون خذلت الجميع وفعلتها....

لكنه انصدم حينما وجدهما يبكون بخوف عليها

مترجين اياه كالاطفال بأن يرجعها قبل ان يمسسها هذا الشاب بأذى.......فمن يعلم ماذا فعل

بها الآن....

وقتها وعدهما انها في عُهدته وستعود كما خرجت

دون ان يمسها آذى........

وبالفعل بعد عدت مكالمات لأشخاص مقربين من المدعو (عادل) عرف المكان دون ان ياتي إسمها في

شيء.....

وعندما وصل اليه تهجم عليه سائلاً عنها بقلب يخفق

برعب عليها....وقتها لم يتوقع أبداً ان تخرج امامه بمنتهى البرود بعباءة بيتي وبشعر مكشوف

تدافع عن حبيبها وتتبجح أمامه....

لذا لم يسيطر على نفسه وهو يرفع كفه ويصفعها بمنتهى القسوة والقوة التي اوقعتها أرضاً أسفل

قدميه.......

.....................................................................

وقعت داليدا أرضاً بعد صفعة قوية جعلت اذنيها تصفر بقوة وصدغها يلتهب احمراراً.......

بلعت ريقها وهي تتراجع للخلف زحفٍ بساقيها

وهي ترى سلطان يضرب عادل بمنتهى الوحشية

فصرخ عادل يسبه بقسوة....

"انت جاي ليه..... مالك ومالنا...... كنت واصي عليها بتحبني وبحبها ياخي وهنتجوز.... انت مال أهلك......."

لكمه سلطان عدت مرات وركله اسفل

الحزام...هاتفاً بانفاس متهدجة من شدة

الغضب.........

(تجوزوا !!.......مش لما نقرأ الفاتحة على

روحكم الأول......انت عارف ان انا ممكن اوديك

في ستين داهيه....انت خاطف قاصر يالا.....لا وعايز تتجوزها من ورا اهلها كمان....عارف دي عقوبتها إيه.....)

ارتعد عادل ونظر لداليدا الجالسة أرضا تبكي وترتجف بخوف......

(داليدا جايه بمزاجها.... انا مخطفتهاش.... قوليلوا يادليدا....... قوليلوا......)

نظر لها سلطان بحدقتاه المشتعلة وحرك

شفتيه بعنف سائلا.....

(ايوا قوليلي يامحترمة.... انك هربتي من بيت أهلك لشقة واحد عازب...... كنت بتعملوا اي بظبط..... ومغيره هدومك وكشفه شعرك.....

كنتوا بتعملوا اااايه.... انطقي........)

قالت داليدا بشفاة ترتجف...وجسد

مزعور.....

(محصلش حاجة ياسلطان.... اقسم بالله

ماحصل حاجة........)

رد سلطان بقرف....

(دا عشان انا جيت بس.......مش كده....)

قالت بدفاع وهو تحاول النهوض.....

(عادل كان هيتجوزني.... احنا مستنيين المأذون....)

بصق الكلمة بقرف وهو يهتف بعدم تصديق....

(مأذون !!....مش مصدق؟!...انتي هبلة لدرجادي

مفكيش مخ..... بيضحك عليكي من حتة عيل

حشاش زي ده.......)

ثم سحبه سلطان من ياقة قميصه هاتفاً بشراسة.....(وفين المأذون يلا...فين.)

قال عادل باعياء من كثرة الضرب الذي

تلقاها من هذا الضخم.....الذي يفوقه

جسداً وقوة.......

(جاي.... جاي دلوقتي.......)

(كداب.....كداب ياروح أمك.....عشان اللي زيك

سككه كلها شمال اليمين يتعبو... مش كده....)

خبط سلطان جبهته بجبهة عادل الذي لم يتحمل

الضربه ووقع أرضا فاقد الوعي......تسيل الدماء

من رأسه........

صرخت داليدا بخوف وهي تركض لعنده لكن سلطان مسكها من شعرها وجرها لأحد الغرف

واغلق الباب عليهما......وبدأت تاخذ هي أيضاً

عقابها........من صفعات....لسب.......لضرب

بشكلاً غير ادامي..........

وقد افرغ كل غضبه عليها......وخرجت من الغرفة تجر قدميها بصعوبة وهي تذهب معه من الشقة

تاركة عادل ملقي أرضاً في دماؤه......

وعندما وصلت الى شقة والديها أستقبلها والدها

بصفعة قوية اوقعتها أرضا فاشفقت أمها عليها فاخذتها بين احضانها باكية معها ارضاً وهي

تعاتبها بحسرة....

(ليه عملتي كده فينا ياداليدا....ليه يابنتي.....ليه

عايزة تحطي راس ابوكي واهلك في الطين...

...ليه يابنتي.....)

ظلت تبكي في احضان امها وتخفي وجهها في صدرها....حتى سمعت والدها يخرج من المطبخ

حاملاً السكين بين يده ينوي قتلها.....

لولا سلطان الذي وقف امامه ومنعه....

(بتعمل اي ياعمي.....)

صرخ ناصف بحرقة وهو يحاول ابعد سلطان

من أمامه....

(سبني....سبني ياسلطان...هقتلها وشرب من دمها.....اللي زي دي لازم تموت قبل ما تجبلي

العار.......سبني......)

لم يتزحزح سلطان من أمامه بل اخبره

بخشونة......

(داليدا في حمايتي.....محدش هيقربلها طول

ماهي معايا.......)

صرخ ناصف بغضب.....

(يعني إيه.... عايزني اسبها تدور على حل شعرها.......)

رد سلطان بالهجة عنيدة......

(مش هيحصل.... بنتك صاغ سليم.... والغلطه اللي عملتها هتتحاسب عليها.....ومفيش حد هيربيها غيري....)

تساءل ناصف بوجوم.....(تقصد اي ياسلطان....)

سحب سلطان نفساً طويلاً....ثم أخبره

بصلابة......

(اقصد ان داليدا بقت ملزمه مني من النهاردة...

انا عايز اتجوز بنتك ياعمي على سنة الله

ورسولة...... قولت إيه....)

اتسعت عينا داليدا وصرخت في احضان أمها

برفض...

(لا مش هيحصل.... لا..... لا حرام عليكم.....)

اتسعت عينا ناصف بغضب...وتجاوز سلطان

وهو يميل عليها أرضاً ويجذبها من شعرها.....

(اخرسي يا فاجرة.... ليكي عين تتكلمي بعد

عملتك السودة......)

خلصها سلطان من بين يدي

والدها...وهتف بسرعة....

(عمي......عمي اهدى خلينا نتكلم.....)

وضع ناصف يده على صدره متألماً ثم لفظ

بصعوبة له.......

(انا موافق... موافق ياسلطان.... والفرح هيكون اخر الشهر ده......)

هز سلطان راسه بالموافقة

(وانا جاهز...... وشقتي جاهزة......)

قال ناصف بصعوبة.....(يبقا على بركة الله......)

ام داليدا فمن بين دموعها بدات تمتمت

بقهر......

(لا..... حرام عليكم...... لا......)ربتت والدتها على

ظهرها وهي تبكي معها.....فتابعت داليدا

بحرقة....

(مش عايزة اتجوزه لا....مش عايزة اتجوزه....)

أغمض سلطان عيناه بتعب ومزال صوت رفضها يدوي في أذانه كصاعقة الرعد.......

..........................................................

في اليوم الثاني مساءاً.....

قد عاد من العمل في الورشة باكراً.....وعد لنفسه بعض الشطائر وكوب من الشاي.......وبدأ يتناولهم امام التلفاز بينما هي تلتزم بالجلوس في غرفتها

ولا تخرج منها....

أثناء تناوله للطعام ومتابعة الأخبار....صدح جرس الباب.....فعقد حاجباه وهو ينظر لساعة الحائط

التي تشير للتاسعة مساءاً......

فاتجه الى غرفة الأطفال المقيمة فيها داليدا

واقتحم الباب دون استئذان قائلاً......

"اي مش سامعة جرس الباب......"

احتدت نظراتها وهي جالسة على الفراش بشعراً

مشعث وبشفاه مقلوبة.....ضامة ساقاها الى

صدرها بذراعيها...... جالسة جلست البؤساء !!.....

قالت داليدا باقتضاب.....

"هو مش المفروض تتسئذن قبل ماتدخل ..."

نظر لها بعدم رضا ثم اجاب بمنتهى البرود......

"انا مبستئذنش في بيتي..... قومي سرحي شعرك

الواقف ده...... وغسلي وشك.... على ماشوف مين على الباب.... وياريت نفرد وشنا شويه... لحد

مالضيف اللي على الباب يمشي......."

عندما اغلق الباب خلفه تاففت بغضب بل وجذبت الوسادة وصرخت داخلها ثم القتها على الباب المغلق........

بالخارج فتح سلطان الباب فوجد أخته الكبرى

(أميرة....)تقف امامه بإبتسامة حانية تحمل بين

يداها طبق من الحلوى الشرقية المفضلة لديه

فقالت أميرة وهي تحرك الطبق امامه بشقاوة...

"قولك مينفعش اكون عامله بسبوسة ومطلعش لسلطان حبيبي طبق......"

اخذ الطبق منها وهو يبتعد عن الباب مرحباً بحفاوة....

"تسلم الايدي يام جنة.....تعالي ادخلي انتي عايزة حد يعزم عليكي ولا إيه......."

دخلت أميرة وهي تبحث بعيناها عن داليدا

سائلة....

"حبيبي مش محتاجة عزومة دا بيت أخويا.......

فين ديدا صحيح......."

"في الأوضة زمانها جايه....تعالي نقعد جوا...."أشار

لها سلطان على غرفة الصالون....

جالسا الإثنين على الاريكة....وضع سلطان طبق الحلويات جوار صنية الشطائر.....فعقبت أميرة

مبتسمة.....

"يااااه فكرتني بالذي مضى..لسه بتاكل السندوتشات

دي ياسلطان......"

ضيق سلطان عيناه بلؤم......

"من فات قديمة تاااه.......بذمتك جوزك بيعملهالك

في البيت......."

ابتسمت بسخرية مجيبة....

"جوزي مبيعرفش يعمل كوباية شاي حتى..مش سندوتشات "

قدم سلطان لها شطيرة ليقول بود....

"يبقا حماتك بتحبك....خديها بقا من ايد أخوكي...

لسه سخنه والجبنة جواها سايحة......."

اخذتها منه أميرة وهي تضحك ثم قضمت لقمة

منها... لتجد الجبنة تذوب في فمها والعيش

مقرمش قليلاً........فعلت باعجاب.....

"لا حلوة تسلم إيدك......."

"تعالي كل يوم وهاكلك سندوتشات جبنة تركي

على الطاسة......."قالها سلطان وهو يمسك جهاز

التحكم ويخفض ضوضاء التلفاز.....

فقالت أميرة وهي تشير على طبق

الحلويات....

"موافقة...دوق بقا البسبوسة.....انا عملاها بسمنة البلدي زي مابتحبها........"

"ريحتها باينه وبعدين انا أول مرة أكل من ايدك بسبوسة......."مسك سلطان الطبق وبدا يتناول

قطعة بيده.....

فقالت أميرة بمحبة.....

"بالف هنا ياحبيبي...." ثم نظرت باتجاه الباب لتجد داليدا تدلف اليهما بكامل اناقتها كعروس.... بعباءة استقبال مطرزة.... وشعر منسدل على الظهر

بنعومة ، وبزينة وجه متقنة ورقيقة........

"واهي داليدا جت اهيه أخيراً....ماشاء الله... اي الحلاوة دي.... "

اشتم رائحة آلورد الجوري قبل حتى ان يسمع تصريح أخته.....لذا رفع عيناه عليها سريعاً...ثم

انزلهم ببغض.......مدعي انشغالة في طبق

الحلوى....

عانقتها أميرة بمحبة.....

"اي ياديدا......عامله اي ياقلبي....."

بادلتها داليدا العناق بشوق.....

"الحمدلله يأميرة....انتي اي أخبارك....."

"الحمدلله تعالي قعدي جمبي...ودوقي من البسبوسة

دي قبل ما سلطان يخلصها......."قالتها أميرة ضاحكة وهي تسحبها جوارها.....لتجلس داليدا بينهما على نفس الاريكة........

فقالت داليدا بحرج.....

"بالف هنا........خلي ياكلها.... كاني كلت......"

لكزتها أميرة في كتفها غامزة.....

"يسلام على الحب......."

فمد سلطان يده بقطعة من (البسبوسة..)

قائلاً وهو يجز على اسنانه مغتصب

البسمة.....

"لا وانا ميخلصنيش برضو..... دوقي ......"

إدارت وجهها اليه وقالت ببرود ممتنعة

"مش عايزة......."

جز على اسنانه مقرب قطعة الحلوى من

فمها أكثر..... "دوقي....."

رفضت داليدا بعناد......فنظرت اميرة بتعجب....

صك على اسنانه أكثر... رامقها بقوة نارية.....

وهو يتكأ على الاحرف بشدة.......

"دوقي يادودا......... دوقي ياروحي....."

ففتحت فمها مقتضبة...واخذتها منه بحنق

شديد......امام نظرات أميرة المراقبة لهما....

"حلوة أوي.....لازم تعلميني الوصفة يأميرة...."

اشارت أميرة على عيناها.... "من عنيا ياديدا......"

ثم نظرة داليدا الى صنية الشطائر فقالت...

"دا جيباه معاكي برضو...."

نظرة أميرة للصنية بتعجب أكبر....فتدخل سلطان

سريعاً.....

"لا يادليدا....... دا انا عملت السندوتشات دي عشان

ناكلها سوا.... بس انتي اتاخرتي في الحمام...."

ارجعت داليدا راسها للخلف قائلة

بارتجال...

"آآه.... دي أكيد سندوتشات المربى اللي بحبها..."

مط سلطان شفتاه بجزع......

"لا دي عيش شامي بالجبنة التركي...."

قضمت منه داليدا وهي تخفي حرجها......

"آآه افتكرت..... بس طعمه حلو اوي تسلم إيدك

ياحبيبي..."

ثم نظرت الى أميرة قائلة.....

"وانتي عامله اي يأميرة... وجنة... مطلعتش ليه

معاكي....."

قالت أميرة بجذل......

"قعده تحت مع ستها..... صحيح انا كنت طالعة عشان اقولك ان انا وجنة بكرة هننزل نشتري شوية

حاجات من المول اللي فاتح على أول شارع

الساحة.... تيجي معانا....... اهو نتمشى شوية

ونغير جوا.... بدل قعدت البيت......."

هتفت داليدا بلهفة...... "ياريت......."

ثم أدارت راسها لسلطان الذي ألقى عليها نظرة

حادة اخرستها.......فتدخلت أميرة بضيق بعد ان

رأت نظرته......

"بتبصلها كدا ليه ياسلطان... ماتسيبها تفك عن

نفسها هتفضل حبسها بين أربع حيطان......."

نظر سلطان الى داليدا بصدمة فاشاحت داليدا

عينيها عنه بخوف.....فسال سلطان أخته..........

"مين قالك اني حبسها....."

فهزت أميرة كتفيها قائلة بحنق......

"باينه اهيه لا بتطلع ولا بتنزل من ساعة ما اتجوزتها....... حتى امي لاحظت انك بتقفل الباب عليها قبل ماتنزل الورشة.... ليه بتقفل عليها....."

بلعت داليدا غصة مختنقة في حلقها

قائلة قبل ان تستئذن......

"انا هقوم اعملك حاجة تشربيها يأميرة....."

قالت أميرة بحرج..... "مش عايز اتعبك......"

"تعبك راحة....مفيش تعب ولا حاجة...."ابتعدت

داليدا عنهما بعد تلك الكلمات.....

فمالت أميرة على أخوها قائلة بعتاب....

"ساكت ليه ياسلطان.... اللي مترضهوش على اخواتك مترضهوش عليها...... دي مش غريبة دي بنت عمنا.. يعني من لحمنا ودمنا..... متربية قصاد عنينا.... وعرفينها كويس يبقا لازمتها اي بقا الحركات

دي....."

انتفض رأس سلطان هاتفاً بصدمة.....

"انتي بتقولي اي يأميرة....دماغك راحت فين... امك

فهمت غلط......انـ"

قاطعته أميرة بجدية شديدة......

"فاهمة الصح.... وبلاش تقفل الباب على مراتك... وسبها تنزل تقعد مع امي بنهار تونسها وتاخد

بحسها طالما انت مبترجعش من الورشة غير

بليل........"

تافف سلطان وهو يبعد عيناه عن أخته معقباً

بوجوم.......

"واضح ان الموضوع ملهوش علاقة بطبق البسبوسة

وانك طالعة تعاتبيني......"

ربتت أميرة على ركبة اخيها قائلة بحنان.....

"اسمع ياسلطان.... انا أختك وعرفاك كويس.. وواثقة

ان في حاجة كبيرة حصلت انت مش عايز تقولهالي....."

زفر سلطان بنفاذ صبر....

"برضو يأميرة دماغك راحت لبعيد....قولتلك

مفيش حاجة........"

اومات أميرة برأسها تقول بيقين....

"مفيش حاجة من ناحيتها آه... لكن من ناحيتك انت فيه..... تكونش مبتحبهاش.... وابوك اللي غصبك

عشان بنت عمنا وكده......"

نادها سلطان بجزع....... "يا اميرة......"

تجاهلت أميرة نداءه وقالت بحنو......

"ياخويا حتى لو الموضوع كده... صدقني بكرة تحبها

داليدا زي القمر وروحها حلوة وتتحب... دا كفاية انها متربية على إيدك... وطول عمرها تحت عنيك....."

صمت سلطان ولم يعقب...فربتت أميرة على ركبته

مجدداً قائلة برفق......

"روق كده ياسلطان وتقي الله فيها... وعمِلها بما يرضي الله.... ربنا يرضا عليك......"

اوما براسه واجماً...... "حاضر......."

قالت أميرة برجاء....

"ووافق انها تنزل معانا المول وتفك عن نفسها

شوية.......عشان خاطري.... "

تململ بضيق......."حاضر.... اي اوامر تانيه....."

ضحكت أميرة قائلة....

"لا ياقلب أختك.... لو في جديد هبلغك....."

قبل ان ينهض مد يده في صنية الشطائر

واعطاها واحداً قائلاً........

"شوية وجايلك......اتسلي في دا على ما اجي..."

ضيقت عينيها بخبث.....

"ماشي.... براحتك خالص......"

اتجه سلطان الى المطبخ فوجد داليدا تقف امام رخامة المطبخ وتولي ظهرها له منشغلة بما

تفعله....

فاقترب سلطان منها حتى شعرت بانفاسه الساخنة تلفح جانب عنقها فاهتزت يداها وهي تسكب المشروب الغازي في الكاسات..........

ملأ رئتيه من عبير عطرها المغوي.....بينما همس

جوار أذنيها بخشونة......

"انتي حاكيه ايه لاميرة........"

تركت مابيداها واغمضت عينيها بقلب يرتجف

بخجل متاثراً من هذا القرب الشبه حميمي

بينهما.....

فقد حاصرها وهو يسند كفيه الاثنين على حافة الرخامة جوارها من الناحيتين......

حينما طال صمتها ادارها إليه.....وظل الحصار كما

هو الفرق الآن بانها تنظر لعيناه وانفاسه الرجولية الدافئة تضرب صفحة وجهها بقوة.......

"ساكته ليه....انتي قولتلهم اني بقفل عليكي

الباب......راحه تشتكي مني......."

هتفت داليدا سريعاً.....

"والله ما حصل.....انا متكلمتش خالص....."

احتدت نظراته عليها شاعراً بجزء منه يتأثر بقربها بجمالها.... بعينيها الجميلة المشعة بالشقاوة والحياة...... "امال هي عرفت منين.؟......"

وبقلة حيلة قالت.....

"معرفش.........والله ما أعرف......."

سحب سلطان نفساً متهدج وهو ينظر الى شفتيها الشهية التي تتحرك ببطء شديد خدر حواسه

لبرهة فاصبح على حافة التهور......لذا رفع

كفيه بعيداً عنها ليقول بصلابة.......

"اسمعي.....من أول بكرة هتنزلي تقعدي مع امي بنهار

تبقي معاها.....عشان متشكش في حاجة.....ومنين ماتزهقي اطلعي على شقتك محدش هيمنعك...المهم

تعرف اني مش حبسك ولا قافل عليكي زي ما بيقوله........"

اومات براسها وهي تشعر بنفحات من السعادة

تنعش صدرها........ "حاضر......."

سألها وهو يبتلع ريقه....

"انتي عايزة تخرجي مع أميرة وجنة......"

أطرقت برأسها مُذعنة......

"لو مش عايز خلاص......."

نظر لها طويلاً...... ثم قال واجما....

"موافق طالما هتكوني مع اختي وبنتها..... المرادي بس...... متخديش على كده......"

اغتاظت من رده لكنها شكرته

بإبتسامة صفراء... "شكراً....."

أمرها بغلاظة قبل ان يرحل.....

"العفو.........خلصي وطلعي اقعدي معاها......"

عضت على شفتيها وهي تسبه في سرها بغيظٍ....

........................................................................

اثناء قيادة السيارة باتجاه شارع الصاوي..... أنتبه

لها تقف عند الرصيف تنتظر سيارة أجرة حتى

تقلها....... وكانت تحمل بين يداها أكياس تحمل

شعار (الشهد...) فخمن انه طلب ستوصله لأحد

زبائنها.......

لانت عيناه وذاب قلبه وهو يتأملها بكامل اناقتها المحببة للنفس تقف بأدب تنتظر......

جمالها جمال بري هادئ..... مفعم بالحياة بحلوها

ومرها.......جميل قوامها.....تمتلك جسد نحيف لكن يشع انوثة أرق من صوتها الموسيقي !!.....شعرها

الأسود القصير الناعم الذي يتدلى على كتفها

بنعومة يكاد يقسم انه أحب تلك القصة كما

أحب الخصلات التي تتناثر على جبهتها....

حتى النظر لملامح وجهها الرقيقة الصغيرة لها مفعول آخر على قلبه.......وعند النظر لعسليتاها

يفقد النطق وتنهال عيناه منها بقدر ظمأه......

وعندما يراقب شفتيها وهي تحركهما متحدثة

بصوتها الموسيقي الراقي يضيع كما لم يضيع

يوماً في حياته.......

فكيف تغلغلت اليه....ولماذا تفجرت كل تلك

المشاعر بداخله دفعة واحده نحوها.....الم يتوب

عن الهوى......وأخذ هدنة من الحب وعذابة..........

اقترب بسيارته منها ووقف امامها ثم فتح النافذة الزجاجية منادياً عليها بخشونة.......

"آنسة شهد........"

حانت من شهد نظرة على تلك السيارة بتوجس...

وعندما ابصرته.... خفق قلبها بشدة..... وارتجف

جسدها...... رجفة المُحب عند اللقاء !......

تقدمت من السيارة خطوتين ثم انحنت برأسها

قليلاً.....وبصوت متحشرج سألت.......

"استاذ عاصم..... خير........"

"راحه فين......."

لانت شفتيها بتعجب.......وبنظرة بسيطة اخبرته

من اعطاك هذا الحق ؟!....

فهم النظرة سريعاً لذا فتح الباب قائلاً......

"هوصلك..... سكتك على طريقي......"

نظرة شهد الى اتجاه السيارة.....وعقبت.....

"بس انت داخل شارع الصاوي..... وانا راحه....."

قاطعها بنبرة لا تقبل النقاش......

"هوصلك مكان ماهتروحي......."

عقدة حاجبيها بعدم فهم...... "مش فاهمه....."

رد عاصم بجزع......

"مانا قولتلك سكتك على طريقي......."

نظرة شهد للشارع ثم للسيارة.....وقالت

بامتناع مغلقه الباب مجدداً.....

"لا معلش انا هاخد تاكسي......"

اتكا على حروف اسمها مجدداً....

بغيظ.........

"اركبي ياشـهـد.....مش هاكلك......."

ظلت صامتة تفكر.... فلم يعطيها فرصة ونادها مجدداً بطريقته المميزة التي لم تسمعها يوماً من أحد..... "شـهـد......."

ارحم قلب شهد.....لماذا تتكأ على حروف اسمي بهذا الشكل المربك.......... الا تعرف النطق سريعاً......

قالتها داخلها وهي تغمض عيناها لثواني ثم فتحت

الباب مجدداً واستقلت جواره.......فملأ رئتيه في لحظة دخولها من عبق عطرها الطيب المسكر....

ثم انطلق بالسيارة بعدها محاول اخماد شيءٍ

آثاره العطر وصاحبته........

"راحه فين......"سالها دون النظر إليها.....

فاعطته عنوان المنتجع الذي ستوصل الطلب اليه........

فحانت منه نظرة عليها فوجدها متوترة قليلاً...وغالباً

غير راضية على ان يقلها بسيارته.......

فحاول تشتيت عقلها......قائلاً بلؤم......

"تعرفي ان بؤ المايه اللي شربته.....جاب نتيجة فعالة

ونمت بسرعة...... "

اكتفت بايماءة...... "كويس......"

فحاول مجدداً كسر الصمت بينهما.......

"هو انتي أي اللي خلاكي توصلي الاوردار ده بنفسك.....مش بشير هو المسئولة عن الحاجات دي....."

اومات شهد دون النظر إليه.....

"ااه بس بشير اتأخر....والاوردار ده مستعجل...فقولت اوصله أنا.....دا أول تعامل بيني وبين الزبونة...

ومحبتش اتأخر عليها....."

اوما براسه متفهماً.....

"واضح انك بتحبي شغلك أوي......."

نظرة للنافذة مؤكدة...... "الظاهر كده......"

سألها بجدية.......

"يعني مفيش في حياتك غير الشغل......"

اتتها غريزة قوية في الرد بأجابة مراوغة

فقالت.... "الشغل واتنين كمان........"

هتفت متعجباً...... "اتنين ؟!....."

نظرت اليه ببراءة زائفة وقالت......

"انت فهمت إيه....اخويا واختي......كيان وحمزة والشغل...... هما كل حياتي..... "

انهال من جمال عينيها هامساً...... "بس......."

"بس........." زحفت حمرة الخجل لوجنتيها لذا

ابعدت عيناها عنه سريعاً......

نظر لها عاصم باصرار شديد.....

"يعني عمرك مارتبطي قبل كده......."

سالته بملل....رغم ان قلبها متجاوب مع السؤال

بلهفة.......

"اي لازمة الاسئلة دي.....عندك عريس ليه....."

شعر بالاحباط.....فقال بمرح طفيف.......

"تقريباً......هدورلك....يعني احنا عندنا كام شهد... "

لم تعرف بماذا تجاوب لذا قالت بحرج....

"ربنا يخليك......بس انا مش عايزة أتجوز......"

سألها بدهشة...... "ليه......."

"ينفع مجوبش......."مالت براسها نحو النافذة...

ثم بعد ثواني قالت.....

"على ايدك اليمين هنا........"

دارت حدقتاه حول المكان سائلاً....

"المكان هنا......."

"آآه.... شكراً تعبتك معايا....."خرجت من السيارة شاكرة اياه ظناً منها انه سيرحل.....

ثم اتجهت الى المنتجع بثوبها الربيعي الجميل المحتشم........فراها تدخل من البوابة بعد ان سمح

لها أفراد الامن بالدخول......

أحياناً يخمن عند التفكير في شخصيتها بانها

تهرب من شيءٍ قاسي جاف.......أخذ منها الكثير.....واستنزف شيءٍ داخلها......فجعلها هكذآ مغلفة بالهدوء بالرقة تتعامل بأسلوب مميز سلسل ......لكن في الحقيقة هي قشرة ضعيفة تخفي خلفها أمرأه ثائرة ماقته...تود اخراق القوانين.....ولا تحب ان تُنسب لرجلاً ؟!.......

اخرج علبة السجائر من جيب بنطالة واخذ واحدة

ووضعها في فمه..... ثم اشعلها وارجع راسه للخلف

سانداً على ظهر المقعد ثم نزع السجارة من فمه

ونفث الدخان امام عيناه مردداً جملتها

بضيق...

"ينفع مجوبش ؟!!... مش فاهم امال مين اللي هيجاوب.... "

أغمض عيناه شاعراً بانه يتسرع في هذا الأمر... لكن

ماذا يفعل فهو لم يكن يوماً من محبي المراوغة....

دوماً كانت الصراحة مفتاح الأبواب المغلقة

عنده.....

اما باب الشهد فيبدو انه يحتوي على عدة إقفال عويصة ولكل قفل منهم مفتاح مختلف عن

الاخر ؟!....

بعد دقائق خرجت شهد من بوابة المنتجع وهي تعدل حقيبتها على كتفها ناظرة للرصيف حتى تحدد المكان

التي ستقف فيه وتشير لسيارة تقلها للمطعم....


7= ج 3=

لكن سريعاً انعقد حاجباها بدهشة وهي تحدق في سيارة عاصم الصاوي...التي مزالت تصف في مكانها

الم يرحل بعد دخولها ؟!.....لماذا ينتظر هنا ؟!...

رغم انها ليست ساذجة لفهم بقاؤه هنا......لكنها اختلقت الأعذار بانه ينتظر أحد...او لها مصلحة

في التواجد هنا.....

فعلت هذا فقط لتبرر لمن ينبض بلا توقف داخل ضلوعها.....بأنها ليست المقصودة.....من هذا الإنتظار

العظيم !......

ادعت انها لا تراه رغم ان عيناه تلاحقها....وتنتظرها

بشوق خُلق من سراب !.....

عندما وجدها عاصم تتنحى جانباً بعيداً عن موقع

سيارته....فتح الباب وخرج منه.....منادياً بصوت خافت.......

"شــهــد........."

أسبلت جفنيها بحنق.......توقف أرجوك.........

قالتها داخلها وهي تشعر ان هذا التقارب يغرقها في

بحر لا نجاةٍ منه........

رفعت عينيها...وادعت الدهشة بمهارة وهي تقترب منه خطوتين.......

"استاذ عاصم.......انت لسه هنا........."

أشار بعيناه على السيارة امراً ...

"اركبي......."

هتفت ذاهلة..... "نعم......"

قال بمنتهى الجدية....

"عايزك في موضوع مهم......."

تساءلت بشك..... "موضوع إيه......."

"شغل يـاشـهـد........"وكانه يختلق الاحديث حتى ينطق إسمها بطريقته الخاصة..........

"اركبي خلينا نتكلم......"

اومات براسها وهي تستقل السيارة مجدداً جواره

وهو لحق بها سريعاً .....وانطلق بعدها.....مختار

مكانة المفضل البحر........

اوقف السيارة في مكان يطل على البحر مباشرةً

عن بعد امتار لكن تبصره العين بوضوح......

فقالت شهد وهي تنظر للمكان من حولها........

"جيبنا هنا ليه......."

رد عاصم بهدوء وهو يحل حزام الأمن....

"عشان نتكلم.....المكان مش عجبك....تحبي نروح مكان تاني......"

هزت راسها بنفي......

"لا هنا كويس.....ينفع نتكلم برا......."

أومأ براسه موافقاً.....فترجلت من السيارة وهو

بعدها.....أستقبلها نسيم البحر المنعش... فاغضمت

عينيها مرتخية لبرهة وهي تستند على مقدمة سيارته....

فوقف عاصم جوارها.... يتأملها بقوة انها حلم

يصعب تفسيرة....... لغز عسير الحل....معضلة لا

حل لها.....انها تعويذة طلاسمها معقدة.........

ومع كل هذه العقد والمصاعب ينجذب لها عاطفياً

وروحانياً وجسدياً !!....

فمن اي اتت ؟.... ولماذا هي؟.....ليس لديه إجابة

مقنعة......مما يستشعره بقربها......

فتحت شهد عينيها ونظرة اليه بعسليتين صافيتين

هادئتين لأبعد حدود الكون حلوتين شهيتين عندما

التقطهما بعيناه الصقريتين.........فقالت له

"شغل إيه......اللي عايز تكلمني فيه......."

ابعد عيناه عنها بصعوبة ثم نظر للإمام  داخلاً في صلب الموضوع......

"سنوية جدي صابر الصاوي قربت...وكل سنة جدتي بتعمل وليمة معتبره حاجة كده زي الموائد اللي بتتعمل في رمضان.....يعني بتطعم المحتاجين

رحمة ونور على روح جدي....."

اومات براسها مستفسرة.....

"تعيش وتفتكر....ربنا يخلهلكم.....بس انا فين

شغلي هنا........"

نظر لها قائلاً بهدوء.....

"محتاجين طباخ يطبخ للناس اللي هتيجي تاكل

في اليوم ده........"

سالته مستفسرة......

"والعدد كبير........قصدي يعني الناس هيكون قد إيه........ "

"معرفش على حسب......بس أكيد العدد هيكون كبير.......مش أول مرة نعمل كده.... بيجلنا ناس

من كل حته...... "ثم أضاف وعيناه تسير على

ملامحها بتأني...........

"هي أن شاء الله السنوية هتكون اخر الشهر..... قولتي إيه......."

ابعدت شهد عينيها عنه قائلة.....

"قولت لا اله إلا الله.....هرد عليك كمان يومين باه

او لأ........."

سالها عابساً.....

"وليه لا......مش فاهم مش ده شغلك......"

اكدت وهي تتحدث بعملية....

"اكيد دا شغلي بس دي مسئولية وعدد كبير.....ومحتاجة اجمع ناس تساعدني....أكيد مش هعمل كده لوحدي........."

تفهم ترددها لذا قال بخشونة.....

"فهمت....خلاص جيبي اللي يساعدك في الطبخ

وانا عليا اجيب الناس اللي هتخدمكم وتضايف

الناس في اليوم ده.....اتفقنا........"

مجدداً اومات بهدوء.....

"ان شاء الله اشوف الاول الناس اللي هتبقا

معايا...."

صمتا قليلاً ثم قطع الصمت عاصم متذكراً.....

"بس خدي في بالك....جدتي مش بيعجبها العجب...

ومش اي أكل هتعملو للناس......في اكل معين هتتطلبه منك تعملهولهم.......بطريقتها هي

كمان.....فلازم قبل ما تبدأي في اي حاجة...

تروحي تزوريها وتتفقي على كل حاجة معاها.... "

لم تتضايق شهد كما توقع بل قالت

بسلاسة....

"مفيش مشكلة طالما هي صاحبة الموضوع...

سبني اتفق معاها......."

سألها بوجوم...... "يعني خلاص اطلع منها......."

اومات ببساطه..... "آآه ياريت........"

اتسعت عيناه مندهشاً..... "اي الاحراج ده....."

ضحكة شهد بخفوت فضاع في تفاصيل الإبتسامة كما يضيع الغريب في أرض غير ارضة.......فقال

عاصم بمناغشة.....

"تعرفي انك أحلى لما بتضحكي........"

ادارت وجهها إليه فتعانقت العيون بألق عاطفي كاسح وكذلك مستجد بينهما......فسالته بلؤم

خفي......

"بجد واي كمان......."

نفحات من البهجة اصابة قلبه فقال بصوتٍ

لهوف......

"ولما بتبقي لئيمة......"

اتسعت عيناها بصدمة مشيرة على نفسها بعدم تصديق...... "انا لئيمة ؟!....."

أومأ براسه ببساطه وهو يبتسم... فأخيراً تجاوبة

معه كالأحياء !.....فقالت بصدمة ممزوجة

بالحنق...."لئيمة إزاي يعني......"

نظر للأرض وركل شيءٍ وهمي بحذاءه الأسود

وهو يجيب.......

"لسه من شويه لما كنتي شايفه عربيتي عملتي

نفسك مش واخده بالك منها........لا واول

مانديت عليكي.....عملتي نفسك متفجاة انك شوفتيني......"

عضت على شفتها السفلى امام عيناه

الثاقبة...ثم هزت كتفيها بعدها قائلة بمراوغة.......

"عشان دي حقيقية.......مخدتش بالي منك غير لما نديت عليا......."

تافف عاصم بمزاح شقي......

"وكمان كدابة.....يعني لئيمة وكدابة....وضحكتك حلوة.......اتقي الله بقا......"

كبحت ضحكتها بصعوبة وهي تهتف بصلابة...

"على فكرة كلامنا في الشغل خلص.....ينفع ترجعني

مكان ما خدتني........"

انصاع لطلبها باستياء وهو يشير على

السيارة ..... "ماشي اركبي.........."

اولته ظهرها وضحكة دون صوت..... ثم فتحت

باب السيارة واستقلتها وهي تغلق فمها قبل

ان يراها.......لكنه عندما احتل مقعد القيادة

أدار محرك السيارة قائلاً بخشونة.....

"بطلي ضحك........"

لم تنظر اليه بل قالت بجدية قصوى..

"مين دي اللي ضحكت هضحك ليه....مفيش حاجة

تضحك أصلاً........"

مط شفتيه ممتعضاً....... "متخفيش الضحك

معلهوش ضريبة......."

اشاحت بوجهها لنافذة الزجاجية بصمت...وقد خانتها

اللحظة فلانت شفتيها في إبتسامة جميلة....

.....................................................................

عندما يخرج الإنسان من علاقة حب فاشلة استنزفت

كل مشاعره النبيلة......والمصدقية في الأفعال.....

ويتضح بعد الفراق انه وهم منقطع النظير....

ينعزل جزءاً منه عن الحياة في رقعة منزوية.....

ويظن انه لن يتصادف مجدداً بالحب.... ويظن

انه حصيناً الى يوم الدين......

لكن يقع......... يقع الوقعة الكبرى في قصة جديدة

اعتنقها قلبه ببسالة معبراً عنها بتباهي وكأنه لم

ينجرح من الهوى يوماً ؟!....

لما نداوي الحب بحباً........لما الحياة عبارة عن عاشقين.... شريكين....زوجين....اثنين........

كل منهما يكمل الآخر....ينتمي للآخر وكانه

القدر الذي لا مفر منه؟!....

لماذا عند إلقاء الأول تأخُذنا اللحظة...وتتسمر

أعيننا بنظرة خاصة.......وعندما نبدأ بالحديث

نشتهي الكلمات كما لو اننا نتذوق الأحرف لأول

مرة بنهم......وعندما تبدأ الشفاه تلين في إبتسامة

خاصة كنظراتنا لبعضنا........يخفق القلب فرحاً

وكان البسمة رمزٍ لبهجة المُحب......

ام عن الشوق فهو كالمرجل الناري في صدر المحب....

نشتاق عندما نحب.......والشوق يأخُذنا الى من نحب

وعندما نلتقي يزداد لهيبة طامعاً في الأكثر.....

كالبحر هي عجيبة.. غريبة.... قوية.... وحزينة....

لكنها جميلة بعواصفها وهدوءها جميلة.... بنظراتها

ببسمتها بحديثها الفاتر جميلة... وتجذبة دون

ان تدري ، ومن النظرة الأولى لعينيها فهم انها لن

تمر عليه مرور الكرام....ستترك آثر لا يمحى عند رحيلها..........وربما ستظل ان أرادت ذلك........

فالحب بالأجبار لا يليق بانثى مثلها......ولانها

مختلفة عنهن ...اختلافها أدى الى ضياعُ؟!.....

"مالك ياحولم........ساكت ليه........"

ابتسم عاصم وهو يلقي الصنارة مجدداً بعد ان وضع الطُعم بها.... ثم نظر الى حكيم المتطفل..

"هقول إيه........"

زم حكيم شفتاه قائلاً......

"قول انك خلصت على سمك البحر كله...ومش

مستكفي........"ثم نظر حكيم للعلبة البلاستيكة

الكبيرة والتي تمتلئ باسماك البحر.....

فقال عاصم بشرود.......

"إلا سمكة واحدة......مش راضية تاكل الطعم....."

تحدث حكيم بلؤم.....

"غيرو....مالاسماك أنواع......وكل نوع ولي طُعم

غير التاني...."

قال شارداً في البحر...... "جايز......."

لكزة حكيم بزهوٍ مبتسم....

"خد رايي انا خبره في الحاجات دي......."

"انا لو هاخد رأي حد يبقا مينا........"نظر عاصم نحو مينا الجالس جواره من الناحية الاخرى......على الاحجار.... مكانهم المفضل في الصيد منذ ان

بدأت صداقتهم.........

قال حكيم بشماته..... "واضح انك واقع......."

رد عاصم فاتراً...... "مش بظبط.....لسه......."ثم

نظر الى صديقة الثالث (مينا..)ذلك الرزين

الجاد اكثر منه ومن حكيم في تلك المسائل

والذي كان يكبرهم بعدت باعوام........

"اي رأيك يامينا......"

ساله مينا بهدوء...... "في إيه......."

شعر عاصم بالحرج لكن السؤال اندفع على لسانه

دون ان يفكر مرتين.......

"في الستات عموماً......اي الحاجة اللي بتشدهم لينا........"

تدخل حكيم بسلاسة وهو يمط شفتيه

بيقين.....

"جيوبنا معروفة......الفلوس مفتاح قلب اي

ست.... اسمع مني..... "

تافف عاصم بجزع......

"لما ابقى اسالك ابقا جاوب......قولي يامينا....."

تعجب مينا من تغير صديقة المفاجئ...ومن لمعة عيناه ولهفة في صوته....فسأله مستفسراً......

"مالك ياعاصم......قولي مين دي اللي قدرت تضيعك بالسرعة دي......من فترة كنت رافض الجواز والستات

اي اللي حصل......."

تدخل حكيم غامزاً.....

"شكله وقع.........وقعه شديدة......"

لم يرد عاصم بل نظر للبحر وامواجة

العتية.....فقال مينا بهدوء.....

"الستات لغز حير رجالة كتير.......وكل ست ليها دخله معينة.....لكن اللي مشترك بينهم انهم بيحبوا الراجل الدغري....الجد......يعني لو مالي ايدك منها توكل على الله وفتحها........"

هز عاصم راسه موضحاً......

"لسه بدري على الخطوة دي...انا عايز أعرف

بس اي الحاجة اللي تشدهم لينا....."

اخبره مينا ببساطه......

"انك تكون موجود....من غير مايطلبوا تكون موجود.......مهتم....حنين.....سند وأمان....هو

ده اللي بيحبوا فين......."

برم حكيم شفتاه باستنكار....ثم تدخل بالحديث موضحاً بصيغته الخاصة.....

"قعد انت يامينا على جنب.....انا هفهمك ياعصومي.....ماهو كل شيخ وليه طريقة...

اسمع........

الست دايما عندها فراغ عاطفي مكبوت......

محتاجه إيه بقا عشان يخرج للنور.......حبة

اهتمام على شوية هشتكه...على كلمتين حب وغرام من اللي بالي بالك.....وكل مادلعتها كل مغرقتك حب وحنان.....أمال....إيه.... اسمع مني اديها هشتكه

تديك لاڤلاڤا ......"

قال مينا بعدم رضا.......

"اللي انت بتنصحه بيه ده يعملوا بعد الجواز

مش في المرحلة دي........"

تافف عاصم بحنق شديد منهم...معقباً

بقرف........

"وكاني متزفتش قبل كده.......انا غلطان اني سالتكم........قولت انتوا أهل خبرة......اتاريكم

محتاجين خبرة........"

هتف حكيم ممتعضاً........

"طيب ياخبرة........اتصرف انت ومتجيش تسالنا تاني.........."ثم مال عليه هامساً بفضول.......

"بس مين دي اللي شقلبت حالك ياحولم......وبقيت

تسأل عن طريقة تدخلها منها...... "

لم يرد عليه فقد اهتزت الصنارة بقوة في يداه فانشغل في سحبها من الماء....

.......................................................................

وصلت في الصباح الباكر الى المكتب.... فتحت الشقة

التي يتواجد بها مكتب (سليم الجندي...)

ودلفت وهي تحمل حقيبتها وكيس يحتوي على فطورها المعتاد من شطائر مجهزة في البيت.....

سعلت بقوة وهي تشعر انه تنفست غبار..... نظرة للمكان من حولها فوجدت انه غير نظيف...على غير

العادة ففي يوم الإجازة تاتي زوجة البواب وتقوم

بتنظيفة........

تاففت كيان وهي تلامس سطح مكتبها بطرف اصبعها لتجد الغبار في كل مكان.....

مطت شفتيها وهي تخرج من الشقة منادية

بصوتٍ جهوري......

"عم عوض....ياعم عوض......."

هرول الرجل وهو يصعد درج السلم

قائلاً...

"ايوا ياست كيان........عايزة حاجة...."

قالت كيان بجزع......

"امبارح كانت اجازة ياعم عوض....والمكتب متنضفش مع اني مأكده عليك قبل مامشي......."

تحدث الرجل مؤكداً بجدية.....

"حصل ياست وانا كنت ناوي اطلع ام العيال تنضفه باليل... لكن الاستاذ سليم جه بليل وبات فيه... فمكنش يصح اطلع مراتي...... والاستاذ نايم في المكتب........"

تشدقت كيان بدهشة..... "استاذ سليم هنا......"

اوما الرجل وهو يشير على الباب الفاصل

بينهما.....

"ايوا انتي مشوفتهوش ولا إيه....دا في مكتبة...."

نظرت للباب متمتمه بحيرة....

"واي اللي بايته هنا......"

"معرفش والله ياست.........."

نظرت كيان للبواب وقالت معتذرة......

"طب خلاص ياعم عوض.....روح انت....."

"اللي تامري بيه ياست......"قالها البواب وخرج

من المكان......

فنظرت كيان لمكتب سليم المغلق.....ثم خفق قلبها برهبة....وهي تاخذ خطواتها نحوه.....

فتحت الباب بحذر......ومررت فيروزيتاها البراقة

على المكان بحذر........لتجد سليم ممدد على الاريكة الوحيدة الموجودة في المكتب.......ببنطال الحلة الرمادي وبقميصها الأبيض المفتوح أول أزراره باريحية شديدة....ليظهر جزءاً من صدره البرونزي الرياضي المشدود......

غضت بصرها وهي تشعر انها بمأزق...ان طال تأملها

لرجل مثلة ينبض بالجاذبية والوسامة حتى وهو نائم !!....

سحبت الهواء لرئتيها لتجد الغرفة متشربة من

عطره........لم تشتم الا عطرة المنكه بانفاسة

الرجولية..........

اسبلت اهدابها بتوتر.....ولم تتقرب من مكانه بل استدارت تفتح النافذة الخاصة بالغرفة لتدخل

الشمس والهواء إليها......ربما استيقظ بعدها......

بالفعل......شعر سليم بشعاع مزعج مثبت على

جفونه المغلقة ونسيم بارد لفح وجهه.......ففتح

عيناه ببطئ منزعجاً.......

"اي ده...."

"صباح الخير ياستاذ......"

قالتها كيان وهي تقترب منه قليلاً بإبتسامة مشرقة

مشعة بالحياة....ابتسامة تعني له الكثير وكانه لقاح

ضدد اليأس والحزن........

بلع ريقه الجاف وفتح عيناه بصعوبة قائلاً

وهو يستوي في جلسته......

"صباح النور.....الساعة بقت كام دلوقتي....."

قالت كيان وهي تجلس بالقرب منه على أحد

المقاعد الوثيرة.......

"تمانية...... هو حضرتك بايت هنا ليه....."

القى عليها نظرة قوية جعلتها تتراجع برأسها

للخلف قليلاً..... فقال هو باقتضاب وهو

يخرج علبة السجائر.......

"كنت شغال على قضية مهمة.....فراحت عليا

نومه هنا..... "

نظرة كيان بما يفعله بعدم رضا...لذا تدخلت بعفوية وسحبت السجارة من فمه قائلة.......

"انت بتعمل اي ياستاذ.... التدخين غلط... وبذات

على معدة فاضية........"

رد ممتعضاً وهو يشيح عيناه

عنها....

"هو كان فيه فطار وقولت لأ......"

نهضت بمنتهى الحيوية قائلة بطيبة....

"دقيقتين والفطار يكون جاهز....وكوباية شاي عشان تحبس بيها كمان....دقايق........"

عندما خطت خطواتها باتجاه الباب...لم يمنع نفسه

من سؤالاً أقحم عقله به طوال اليل حتى انتهى الحال به نائم على أريكة مكتبة !!.......

"انتي روحتي امتى إمبارح......."

استدارت اليه بملامح مشدوهة..... "إيه ؟!......"

اعاد السؤال وكانه أمر مفروغ منه حق اكتسبه

دون موافقتها !!.....

"روحتي امتى إمبارح ياكيان؟......"

ظل الصمت بينهما قائم للحظات حتى...حتى

اجابت على مضض......

"العصر.........العصر متاخرتش.....هو في حاجة..."

"لا مفيش حاجة.......اعمليلي قهوة... "قالها وهو يشعل سجارته بضجر......

فكانت اعند منه وهي تقول ببرود......

"هعملك فطار.......هنفطر سوا......شوية وجاية...."

حتى الان لا يعرف مالذي يفعله في نفسه.....لكنه يشعر معها بأشياء لا يجد لها تفسير ؟!....او يخشى

تفسيرها فيتضح انه خائن.....ممن يقعوا في غرام أمراتين معاً ويجدوا صعوبةٍ في إختيار واحدة فقط !!....

بعد دقائق اتت كيان حاملة صنية الإفطار..التي تحتوي على طبقين من الشطائر التي اعدتها في المنزل.....وكوبين من الشاي الساخن....

كانت رائحة الشطائر شهية.... ربما هي عادية... لكن

مع هذه المشاعر الخائنة تُعد الافضل في عيناه...

فدخولها بهذا الشكل والاهتمام الفطري يولد داخله شعور أدفأ مما سبق ........وتذكره بامرأة وحيدة كانت تهتم بالفطرة ، بكل تفصيلة صغيرة تخصه..

(هالة..)المرأة التي لم يعشق سواها....ولم يواكب

أحد محبتها في قلبه.......والدته....... هالة.......

وضعت كيان الصنية على الطاولة امامه وجلست بالمقعد المجاور للاريكة ثم..... مدت له شطيرة

فسألها وهو ياخذها......

"عبارة عن اي دي........"

حملت كيان شطيرة اخرى وقضمتها

قائلة.....

"عجة..... عجة بيتي عملاها بنفسي........"

فتح الشطيرة يفحصها باعين ضيقة....

"عجة...... واي اللي جواها ده.... "

فبلعت كيان اللقمة قائلة...... "جرجير......."

سالته بعد فحصه الدقيق للشطيرة وكانه مسكها متلبسة في قضية غير أخلاقية...

"مش عجباك......"

رد بتردد وهو ينظر لعيناها....

"مش باكل الكلام ده....."

قالت بلهفة..... "جرب...... هيعجبك والله......."

سألها سليم بشك...... "على ضمنتك....."

اومات برأسها بثقة.... "على ضمنتي ياستاذ......"

قضم لقمة من الشطيرة فوجدها عكس ما توقع

كانت لذيذة وشهية........فسالته كيان بلهفة...

"ها....... اي رأيك......"

"كويسة......"كان رده حيادياً... مما جعلها تمط

شفتيها ضاجرة....

"كويسة؟!... كويسة دي بتفكرني بلايك الأزرق....اللي

هو جبر خواطر وخلاص....... بس على العموم دي شهادة اعتز بيها.......بالف هنا.... "

بدأت تشاركه الطعام بصمت....فاثناء تامله لها في الخفاء أنتبه لكوب الشاي الأصفر...المطبع عليه

عيون فيروزية واسعة تشع لطافة ومنقار بالون الأصفر الداكن......لم يمنع نفسه من سؤالها

بفضول....

"هو اي حكايتك مع المج..... ده....."

رفعت كيان عيناها اليه بتساؤل.....

"إيه عجبك ولا إيه........"

رد ببساطه.... "شكله يشد...... زي صاحبته....."

ردت رداً يناسب طفلة في عمر السابعة لا شابة

جميلة فاتنة القوام قد تخطت من العمر

الاربعة والعشرون عاماً.......

"اصلي بحب تويتي أوي..... هو أنا أصلا من عشاق الطيور العصافير الحمام الكناري......الحاجات

الكيوت دي...... فعشان كده بحب تويتي...

وأحياناً لما باجي اشتري حاجة والاقي عليها

صورة تويتي لازم اشتريها...حتى لو مش مقتنعه

بيها اوي..........بس شكله مريح......وبيخليني

أبتسم.........."

في سهوة اللحظة قال..... "يابخت تويتي........"

نظرت اليه بدهشة...... "إيه......"

هز راسه ناهضاً..... "ولا حاجة.....الحمدلله......"

نهض من مكانة متجه إلى الحمام كي يغتسل......

فتابعت كيان الاكل بعقل منشغل......وأثناء ذلك سمعت خطوات انثوية بكعب عالٍ تطرق الأرضية

الصلبة وتقترب..... فرفعت عينيها تلقائياً على

باب المكتب لتجد (ايتن..) امامها على عتبة الباب بكامل اناقتها العصرية.....تنظر اليها من أسفل نظارتها باحتقار هي والطعام الموضوع أمامها.....ثم على

باب الحمام المغلق والذي دلف اليه سليم منذ لحظات.......

فنهضت كيان قائلة بأحترام.....

"اهلاً يانسة ايتن ......"

لم ترد أيتن بل ظلت النظرات قائمة بينهما...نظراتها تشع تحدي وكرهاً تقابلها نظرات كيان الشبه مجردة

من اي شعور انساني......يعلوها الفتور والهدوء....

فتح سليم الباب في تلك الأوقات وهو يجفف وجهه

بالمنشفة وقد انتبه لهذا المشهد.... ليجد الامرأتين التي يكن لهم مشاعر خاصة احدهن تستحقها والاخرى دخيلة دون ان تدرك...في مواجهة نارية سلاحها النظرات !......

قطع وصلت النظرات سؤاله

الجاد.......

"أهلا يايتن...... جيتي أمتى........"

رفعت ايتن عيناها اليه من خلف نظارتها السوداء القت عليه نظرة اتهام.......ثم نزعت النظارة لتقابله بنظرة أشد قوة...........

........................................................................

"ممكن أفهم انتي مضايقة ليه دلوقتي...."

قالها سليم وهو جالس خلف مكتبه...يطالع ايتن بنظرات متعجبة.....فنظرت له ايتن بضيق وهي

تنفث من دخان سجارتها الرفيعة بحنق.......

"يعني مش عارف......"

طرح سليم السؤال متعجباً......

"اي اللي حصل لده كله......كنا بنفطر سوا.. عادي.. "

برمت ايتن شفتيها بقرف وقالت

بتكبر......

"عادي......إزاي عادي... دي شغالة عندك تاكل معاها بمناسبة إيه.... فين برستيجك ياسليم....."

تحدث سليم بحمائية....

"كيان مش شغاله عندي..... كيان محامية تحت التدريب وشغالة معايا....."

اطفأت ايتن سجارتها في المنفضة

قائلة....

"وات ايفر...... برضو اخر الشهر بتاخد مرتب منك..

تبقا شغاله عندك....."

تشدق سليم بنفور....

"ايتن انا مبحبش الطريقه دي....."

نظرت اليه ايتن بحسرة...قائلة باختناق....

"طريقتي ولا طريقتك.... انت مبقتش مهتم

ياسليم.... ولا بقيت اشوفك ولا بقينا بنتكلم...."

أسبل عيناه متحججاً......

"الشغل والمكتب مانتي عارفه... وبعدين كل اللي غبته عنك أسبوع من آخر مرة كنا فيها سوا...."

هتفت ايتن بشجن....تموء من غيابه بدلال..

"من أسبوع..... سليم انت مكنتش تقدر تبعد عني ساعتين على بعد.... وبعدين آخر مرة دي كنت انا

اللي جيالك بنفسي عشان ابلغك باني موافقة ان فرحنا يكون كمان شهرين..... فرحنا اللي انت مسألتش فيه ولا جهزت لاي حاجة....."

رد بفتور اغاظها......

"كل حاجة جهزة يايتن احنا اختارنا ديكور الشقة والفرش وكل حاجة......"

اكتفت بايماءة وهي تقول.....

"فعلاً وشقتنا جاهزة.... لكن إحنا اغلب الوقت هنعيش في شقة باباك.... يبقا لازم نغير ديكورها...."

رد سليم بهدوء وهو يفتح احد الملفات

أمامه.....

"ليكي الحرية المطلقة في اوضتي... اعملي فيها

اللي انتي عيزاه... لكن بقيت الشقة مينفعش....."

اعترضت ايتن متجبرة......

"ليه مينفعش انا عروسة ولازم أجدد المكان اللي هعيش فيه من فرش لديكور....."

شعر بالملل من إعادة الكلام مرة أخرى.....

لكنه وضح بصوتٍ يشع حنين منكسر لوالدته

الغالية.......

"قولتلك اعملي اللي انتي عيزاه في اوضتي... بس الشقة خط أحمر.... دي تخص المستشار وحرمة....

وكل ركن في الشقة ماما اختارته وفرشته على ذوقها  ومستحيل المستشار يسمحلك تغيري حاجة

فيها......"

برمت ايتن شفتيها معقبة....

"واضح اني هكون ضيفة تقيلة على قلبك

انت وباباك......."

اندهش سليم قائلاً بدفاع.....

"ليه بتقولي كده... بابا بيحبك... وبيعتبرك زي

بنته...."

هزت راسها مستاءة من الأمر برمته...لذلك اغلقت الحوار قائلة.......

"اوكي ياسليم.... كده كدا......هنكون اغلب الوقت

في شقتنا..... مش كده......."

هو أيضاً اكتفى بهذه النهاية فأجاب...

"اكيد ياحبيبتي......."

وجدته يعود لملفاته متجاهل وجودها....على غير العادة مما جعلها تنهض عن مقعدها وتدور حول

المكتب بمنتهى الهيمنة.......ثم جلست على حجره

اي في احضانه كما تفعل دوماً.......

"سليم......"مررت يدها على لحيته بمداعبة مغرية...

ثم مالت وطبعت قبلة على شفتيه....قائلة ببحة

دافئة قاصدة اشعالة.....

"لسه بتحبني يابيبي......"

اوما سليم براسه وهو يعانق خصرها.....

"اكيد ياحبيبتي......."

برقة عيناها الجريئة ببريق الانتصار....فطلبت

بصوتٍ أرق......

"مم.... يعني هتيجي معايا النهاردة البارتي بتاع اميلي........."

"ايتن......"زفر سليم وهو يبعد وجهه عنها.....

فمسكته من ذقنة وهي تئن برجاء......

"بليز يابيبي.... خلينا نروح سوا.... كلهم بيسألوا عليك..... بليز تعالى معايا بليز......"

لم يبدي اي فعل بل ظل ينظر اليها

بصمت.....فالحت بدلال أكبر مستعملة كل اسلحتها الفتاكة ضددة...... "بيبي..... وحياتي عندك......"

اوما براسه بعد لحظات حتى لا يحزنها....

"ماشي... بس مش هنطول......"

بإبتسامة منتصرة قالت....

"اوكي...... ساعتين بس......"

هتف سليم بتزمت......

"نص ساعة..... نص ساعة يايتن...."

"بيبي......."

بصلابة هتف....

"ايتن......... لو مش موافقة بلاش نروح من الأساس......"

اخرجت تنهيدة ناعمة تعبر عن استياءها

منه.....

"أوف.... خلاص اتس اوكي.........اي لاف يووو...... بيبي......."

قربت شفتيها من شفتاه منتظرة ان يقبلها...لكنه

تنحى رافضاً........

"مش وقته يايتن.... قومي بقا لحسان حد يدخل علينا........."

نهضت بدهشة شاعره بانه خدش كبرياء انوثتها

بهذا الرفض القاطع......

كان من فترة قصيرة يموت شوقاً كي تتعطف عليه بقلبة او عناق حميمي.......ينهال عليها كلما سنحت له الفرصة ام الآن يرفضها متحججاً بدخول الغرباء....

ثم من سيدخل الى هنا غيرها هل يخشاها الى تلك الدرجة ؟!...

الحاسة السادسة تخبرها بقوة بان هناك شيءٍ مريب

يحدث من خلف ظهرها بين خطيبها وتلك الفتاة ملونة العينين !.........

.......................................................................

على أحد الجسور القريبة من البحر كان يصف سيارته جانباً واقفاً أعلى الجسر سانداً بذراعيه على السور...

يعبث في سلسلة المفاتيح بين أصابعه يميناً ويساراً

كعادته عندما يتوتر..... يشرد..... يفكر في شيءٍ

يتلف اعصابة.....وباليد الأخرى ينفث من سجارته

وينفخ دخانها المتراقص امام عيناه الحانقة من

الحياة ومافيها........

عند التطلع لهذا المنظر البديعي.....ترى الدنيا واسعة

واسعة جداً....لكن لا تساعهُ......امامه هي اضيق من ثقب الإبرة !!........

"حمزة......."

أغمض عيناه لثانية وانتفض قلبه بين اضلعه بخفقة خائنة سرقتها عند النداء....وعندما أستدار لها ببرود

بعيون عسلية شاخصة لها بريق اجرامي يميزها

...وملامح رصينة ، يتطلع إليها بصمت جليدي.......

جعلها تبتلع ريقها عدت مرات بخوفٍ منه.......ثم

تشجعت وتقدمت منه.....باناقتها وجمالها الذي

اشتهاه يوماً ام الآن فيشعر بالشمئزاز من مجرد النظر لها !!....

غريبة تقلبات البشر.....الحب يأتي دون تخطيط... والكره يأتي دون تخطيط..... والخيانة تاتي

دون تخطيط...... ام الفراق فياتي بتخطيط

مسبق !......

"طلبتي تشوفيني خير........"

قالها حمزة وهو يضع يده في جيبه....

فاسبلت نجلاء جفنيها ثم مدت يدها في حقيبتها

واخرجت علبة قطيفة حمراء وقالت وهي تقدمها

له........

"دي الشبكة اللي جبتهالي.....حقك......"

نظر حمزة للعلبة بين يدها ثم لعيناها الجامدة

فلوى ثغرة ساخراً وهو يتحدث بقرف....

"حقي ؟!....وحقي اللي كان فيكي.....فين....هياخده

سامح........سامح يانجلاء.........طب ماكنتي عرفتيني

انك مبيته النية اوي كده....عشمتيني ليه انك بتحبيني....ومستعده تعيشي معايا ولو في

عشه....فين كلامك....."

بدات نجلاء تلاعب حاجبيها الرفيعين لتقول

مستهجنة.......

"اديك قولت كلام.....فوق ياحمزة....فوق...احنا

في زمن ما يعلم بيه إلا ربنا......و الحب مش كل

حاجة........وبعدين انا استنيتك كتير وصبرت

عليك...."ضربت كف بالاخر ولوت شفتيها

متحسرة على عامين مضوا من عمرها

بالانتظار........

"عملت إيه...ولا حاجة حجج حجج....وامي

كلت وشي....و مش رحماني........وسامح من

ناحية وامي من ناحية عايزني اعمل إيه........لو

جه لاختك عريس زي سامح وهي متعلقة بحبال دايبة مع واحد مش عارفه يجيب شقة يتجوزه فيها......هتنصحها باية......."

اوما حمزة براسه وهو يلقي السجارة أرضاً

ويدعسها بحذاءه.....

"عندك حق.......لازم الواحده برضو تتجار في نفسها

صح.....عشان تكسب أكتر......"

قالت نجلاء بتململ........

"احسبها زي ما تحسبها.....انا عملت اللي اي واحده

في مكان هتعملوا.....وكل شيء قسمة ونصيب..."

وضعت العلبة في يده.... ثم لوحت له مستديرة خطوتين......

"حقك........ سلام عليكم........"

غمغم بكرهاً شديد خلفها.....

"بسلامه يابنت الجعانه........."

ادارت رأسها اليه متسائلة..... "بتقول حاجة......."

"بقول سكتك خضرة.....أبقي سلميلي على أمك...وقوللها حمزة مش بينسى حقه.....ولا حق اخواته البنات.........سلام.... "

ثم اتجه الى سيارته واستقلها والقى العلبة جانباً باهمال ثم انطلق سريعاً دون الالتفات خلفه......

أصبحت ماضي....والماضي لا يعود........تظل ذِكراه راسخة في عقولنا لكن العودة من جديد امنية

لا تحقق !......

.....................................................................

كان صدره متضخم بالغضب واليأس... مشاعره باردة

مغلفة بطبقة من الجليد الصلب...... تجربة حبها بدلت

الأفضل داخله بالاسوء.....وربما هذا السوء يجرح

من سيحاول مساسه يوماً !!........فهو عاد أسوأ

من السابق....أسوأ بكثير......

اثناء قيادته للسيارة ليلاً...عائداً الى الساحة بعد ان

انهى عمله..........واثناء طريقة في طريق شبه

مقطوع......سمع صراخ انثوي عالٍ ياتي من

أحد الزوايا

فاستدار ناظراً من نافذة الباب المجاور.......وبطئ

سرعة القيادة... ليجد سيارة حمراء فارهة بجوارها ثلاثة من الشباب يحاولون سحب فتاة بالاجبار الى سيارتهم....وهي تصرخ وتقاومهم بكل قوتها...

لكن الكثرة والقوة......تغلب رفضها ومقاومتها

الشبه منعدمة امامهم والتي تزيد نشوتهم

اكثر بها.........

غلت الدماء في عروق حمزة ولم يتحمل رؤية هذا المنظر أمامه........فاوقف السيارة نهائياً وترجل

منها....اتجه سريعاً الى مؤخرة السيارة واخرج

عصا غليظة تشبه (النبوت) الى حداً كبير.....

السلاح المسموح بحملة...والذي لا يتخلى عنه من

يوم ان اعتنق هذا العمل وأصبح مصدر رزقة....

اتجه سريعاً الى الشباب قائلاً بشقاوة وهو يشعر بنشوة لمجرد انه سيقيم شجار معهم....فهو يحتاج لافراغ شحنات غضبة بشدة على ايا كان.....

"اللي ياكل لوحده يزور.......ياشباب......"

توقف الشباب الثلاثة عن سحب الفتاة لكن لم يحرروها من بين أيديهم.......

رفعت الفتاة عينيها اليه....كانت ملامحها شبه مختفيه بين خصلات شعرها المتموج المتناثرة

بجنون على وجهها آثار مقاومتها مع ضباع

الليل الثلاثة........

لم يطل حمزة النظر اليها بل عاد للشباب

مبتسماً بوقاحة.......

"مين فينا هيدوق الأول........"

ساله الشاب الأول.... "انت مين وعايز إيه......."

قال حمزة بابتسامة سمجة.... "عايز اللي معاك......"

تدخل الشاب الثاني.... "احنا اللي لقيناها الأول......"

رد حمزة بسماجة......

"وانا شوفتكم.........يبقا يافيها ياخفيها......"

خبط الشاب على راسه حانقاً.....

"بقولك إيه اطلع من دماغنا العملية مش نقصاك......"

تدخل الشاب الثاني وهو يسحب الفتاة لعنده

وهي تقاومة بشراسة.......

"البت دي دخلتها اليله.....وهي طلبت كده..."

صاحت الفتاة بغضب.....

"ابعد عني ياحيوان......."

لاح التعجب على ملامح حمزة فسال

بدهشة......

"اي ده..... هي الدخلة اليلة الف الف مبروك....."

ثم تابع حمزة بلؤم.... "مش تقولي عشان ازفكم....."

مط الشاب شفتاه ساخراً.....

"وهتزفنا ازاي بقا ياخفيف......"

"كدا أهوه......"

اتكأ حمزة على النبوت بين قبضته وهو ينظر للفتاة نظرة واحدة كانت كفيلة بأن تفهم المقصود بها...لذا انحنت سريعاً.......لتجد حمزة يضرب بالعصا الغليظة ذراع الشاب الذي كان يمسكها.......فحل وثاقها لتركض سريعاً وتختبئ خلف سيارة حمزة.....

بدأ يضربهم كلهم بعصا وكلما عادوا اليه يضربهم

بالعصا وكانه يلعب (تنس..)......

"يابن ال***....."شتمه احد الشباب وهو يتجه

الى سيارته بجبن سائل الدماء بعدما علم انه هذه الحرب خاسرة.....ولحق به الاثنين الاخرين....

لكن حمزة لم يتوقف بل بدأ بعصاة تكسير المرايات

الجانبية بل والمصابيح الامامية......ثم بدا يكسر

زجاج السيارة الأمامي....وكل هذا بصمت دون

اي كلمة...او سبه واحده......وكانه يمارس

هوايته المفضلة بتأني !!.......

فصاح احد الشباب لمن يحتل مقعد

القيادة....

"دا مجنون.... أطلع بسرعة.... اطلع هيموتنا......"

انطلقت السيارة بسرعة...ولاذو هاربين بجبن....

توقف حمزة في منتصف الطريق على الرصيف يشاهد السيارة التي تركض على الطريق السريع المظلم دون اضاءة...

مط شفتيه ساخراً.......

"ياعيني كانت آخر سيئة في حياتهم......."

ثم حانت منه نظرة الى جانب سيارته...ليجد الفتاة

تقف جانباً تطلع عليه بصدمة.....وبعيون مشدوهة...

"افهم.....انتي انس ولا جن بشعرك ده......"

كان أول شيءٍ يوجهه له حرفياً وكانت العبارة

لاذعة باردة........

فارجعت شعرها للخلف لتتضح معالم ملامحها الانثوية.........فتاة جميلة بملامح شامخة

وعيون بنية لامعة بالدموع....شعرها أسود

طويل مموج مميز........تميز يليق بها.......

نحيفة الجسد ترتدي تنورة وكنزة من اللون الأسود....وتترك شعرها طليق على ظهرها.....

اقتربت منه وهي تحمل بين يدها حقيبة ملابس متوسطة الحجم.....فسالها حمزة بأسلوب فظ.....

"هتفضلي سكته كتير........"

أخيراً خرج صوتها ثابت رغم خوفها

منه....

"هقول إيه....... شكراً على المساعدة......"كانت ستبتعد لكنه منعها دون ان يلمسها......

"على فين ياست الامورة....احنا في مكان

مقطوع ياما......"

نظرة الفتاة لذراعه الممدود امامها....فابعده

وهو يسألها بحيرة........

"انتي ايه اللي جابك المكان المقطوع ده اصلا...."

أسبلت رموشها الكثيفة قائلة....

"السواق نزلني هنا......."

ارجع رأسه للخلف قائلاً بشك.....

"السواق آآه.....انتي شكلك غريبة عن هنا....انتي منين........"

ردت مقتضبة...... "من الجيزة......."

أومأ براسه قائلاً بنباهة.....

"آآه قاهراوي يعني.....واسمك إيه بقا......"

مطت شفتيها ممتعضة..... "وانت مالك......."

هتف حمزة بسخرية......

"لسانك طول أهو....ماشاءالله كنتي وسطهم عامله شبه الكتكوت المبلول......"

لوحت الفتاة بيدها مقتضبة....

"انت هتزلني ولا إيه......"

زم حمزة شفتيه ليقول....

"لا ياختي انا مبزلش...بس كل واحد يعرف اللي عليه......."

نظرة اليه للحظات ثم قالت بعد زفرة

باردة...

"انا اسمي قمر......."

علق حمزة مستخفاً......

"أمر بستر..........اسمك اي بقا......"

احتد صوتها...... "ماقولنا قمر......."

أبدى رأيه بصراحة مطلقة....

"ظلموا القمر والله.........."انذهلت من رده لكنه

تابع متسائلاً.......

"وجايه لمين ياست قمر........"

مجدداً قالت مقتضبة..... "انت مالك برضو......."

"هو انتي مش حافظة غيرها ولا إيه......على العموم

انا غلطان....سلام......"قالها بجزع وهو يتجه الى سيارته.....فركضت اليه قمر توقفة بحنق....

"انت رايح فين وسيبني هنا....."

توقف وهو يلوح بيده مثلها....

"وانتي مالك.....كنت خلفتك ونسيتك....رايح لحال سبيلي..."

قالت بلهفة وهي تنظر لظلام الحالك من

حولهم ..... "طب وصلني......"

سالها متافف...... "على فين....."

نظرة اليه بضياع...... "مش عارفة....."

زفر حمزة بغيظ ليقول بوجوم......

"جينا بقا لوقف الحال........خدي في بالك انا خلقي

في مناخيري....ردي على قد السؤال...خليني

اوصلك للمكان اللي ريحاه.......واخلص منك... "

"هو انا بشحت منك...... انا جايه لخالي....بس انا معرفش عنوانه....."عضت قمر على اظافرها

بتوتر وهي ترمقه تارة وترمق الطريق المظلم

من الناحيتين تارةٍ أخرى......

نظر لها حمزة بأستياء ثم اتجه الى سيارته بالامبالاة

واستقل مقعد القيادة...فلحقت قمر به وجلست

في المقعد المجاور له.....فنظر لها حمزة لبرهة

ثم سالها مستفسراً......

"مش عارفه عنوانه إزاي بقا...أول مرة تنزلي اسكندرية......"

اومات برأسها بضياع..... "آآه أول مرة......."

ضيق عيناه مستفسراً.....

"ليه مبتروحيش مصيف.........."

ردت تلقائياً.....

"عندي حساسية من الماية المالحة"....

توسعت عينيها وهي تهتف معترضة......

" اااي ده ....انت مالك أروح مصيف ولا لا......."

كبح حمزة ضحكته وهو يجاريها في

الحديث......

"المرادي عندك حق.....خلينا ندخل في الموضوع المهم........أمك هي اخت خالك......."

نظرت له قمر للحظات بعدم استيعاب ثم اومات برأسها سريعاً..... "آآه صح........"

فاطرق حمزة برأسه مغمغاً

بسخرية......

"ماشاء الله عليكي نبيهة......"

سالته بشك....... "انت بتقول إيه....."

سحب حمزة نفساً طويلاً ثم نظر لها

قائلاً.....

"المقصود يعني....امك مدتكيش العنوان ليه...."

قالت قمر بحزن......

"كان معايا بس ضاع مني في الموصلات......"

استفسر حمزة متعجباً......

"آآه.....طب متصلتيش بامك ليه وسالتيها....

معكيش تلفون......"

"معايا بس ماما ماتت من تلات شهور......"اطرقت قمر براسه وقد لمعة عيناها بالحزن وهي تجيب

بتلك الكلمات....

فشعر حمزة بمدى غباءه...فقال برفق......

"البقاء لله....طيب قوليلي اسمه ايه خالك ده....."

رفعت قمر بنيتاها عليه بأمل

أخير......

"اسمه عثمان الدسوقي.......تعرفوا......."

تجمدت ملامح حمزة للحظة واتسعت عيناه

هاتفاً...... "نــعـم......."

انفجرت اساريرها فقالت بلهفة......

"إيه تعرفوا بجد........"

هز حمزة رأسه ووضع اصبعه في ثقب آذنه

يرجها قليلاً ثم عاد اليها بكامل تركيزة.....

مردداً الاجابة التي تحمل الف سؤال.......

"انتي بتقولي عثمان الدسوقي ده يبقا مين..."

قالت قمر بفتور........ "خالي......"

هدر حمزة فجأه بغضب.....

"خالك إزاي.......خال مين أصلاً....انتي مين ياما... "

تراجعت قمر بظهرها الى النافذة المغلقة

قائلة بوجل........

"انا قمر...... وعثمان الدسوقي يبقا خالي انا.... اقسم بالله خالي.....انت تعرفوا........"

اوما حمزة براسه وهو في حالة من اللا

وعي...."تقريباً.........."

استوت قمر في جلستها هاتفه بلهفة وهي تأخذ

انفاسها بارتياح...... "طب متوديني ليه......الله يخليك..... "

نظرت اليه قمر فوجدته على حالة صامتاً شارداً والصدمة تعلو وجهه.... وعيناه ذاهلة.....فعقبت

بتوجس......"ساكت ليه.......هتوديني عنده... "

اوما براسه وهو يدير محرك السيارة

بعنف....قائلاً بصوت غريب......

"آآه هوديكي........هوديكي عنده........"

وعندما انطلق بسيارة غير مسار طريقه الى الحي الذي يقطن به والده وشقيقتيه وقد ظل طول الطريق يتمتم سراً  بسؤال واحد وهو ينظر

لها بين الحين والاخر......

"خالها؟......خالها إزاي يعني ؟!...."...... يتبع

..... دهب عطية

(فووت ⭐للاستمرارية في التنزيل....)


8=ج1=رواية الحب اولا الفصل الثامن 8=الجزء الاول =

طرقات على الباب جعلت كيان وشهد ينظرون لبعضهما بتوجس وهم يجلسوا حول سفرة العشاء يشاركهم والدهم عثمان الذي هتف عابساً…….

يأمرهم بغضب…

“ما واحده فيكم تقوم تتزفت……. تفتح الباب…

ولا اقوم من على الاكل افتحه……”

اومات شهد بانصياع ناهضة… ثم اتجهت الى

الباب وفتحته….

اتسعت عينا شهد وهي تبصر اخيها يقف أمامها.. ينظر لها نظرات مبهمة غير مقروءه……مما جعلها

تتقدم منه هامسة بخوف…..

“اي اللي جابك هنا ياحمزة….. انا اتصلت بيك الصبح وقولتلك ان ابوك في البيت……”

رد حمزة بحسم…..

“ماهو عشان هو في البيت انا جيت…..”

همست شهد من جديد بحنق أشد…..

“انت ناوي على مشاكل يعني….. مانت عارفه…”

انتبهت شهد أخيراً لمن تقف خلف ظهر اخيها..

تسمرت مكانها مشدوهة…. عاقدة الحاجبين فاغرت الفم…. ثم زاحت اخيها جانباً وهي تبصر الفتاة الواقفة خلفه بدقة أكبر…. همست وهي تتفحصها

بعيناها من أول رأسها حتى اخمص قدميها وقد انتبهت أيضاً للحقيبة بين يداها مما جعلها

تسأله ببطئ…….

“مين دي ياحمزة……”

أشار حمزة بيده بأن تبتعد وهو يجيب

ببرود….

” ماهو ده اللي جبني…. وسعي خليني اعدي…

عشان نعرف كلنا مين دي…….. ”

لم تتحرك من مكانها بل سألته بعدم

فهم….

“نعرف من مين بظبط؟…….”

“من ابوكي……. ماهي دي تبقا قمر بنت عمتك اللي

انا معرفش اسمها إيه لحد دلوقتي…..”أشار حمزة على قمر التي اخفضت راسها بحرج ممزوج

بالصدمة من كونهم أولاد خالها عثمان !!…

صدرت من شهد صيحة استنكار…

“انت بتهزر ولا شارب حاجة……..”

زم حمزة شفتاه مستهيناً…..

“ياريت…. حتى الصدمة تكون اخف من كده…..”

ثم دلف من باب الشقة وأشار لقمر بيده قائلاً

بشكلاً مسرحي ساخر…….

“اتفضلي ياقمر وقفة ليه… دلوقتي هتقابلي عثمان الدسوقي…. أبونا…. اللي هو خالك زي ما بتقولي

إتفضلي……”

تخطت قمر عتبة الباب بخطوتين وهي تحني رأسها

بحرج وشعور الرهبة والاضطراب يموج بحلقها يكاد يخنقها……

فسحبت شهد اخيها جانباً…وهتف من

اسفل أسنانها…..

“فهمني لقتها فين دي… وبنت عمتنا إزاي…..”

ثم القت نظرة عابرة على قمر معقبة بشك…..

“وبعدين مين عمتنا دي… احنا ملناش عمات…..

دي شكلها نصابة……”

لوى حمزة شفتاه هازئاً…..

“يعني لو نصابة هتطلب تقابل ابوكي بالاسم.. ونفرض انها نصابة…. هتاخد إيه مننا…..”

مجدداً نظرت اليها وعادت الى اخيها مضيفة

بعدم ارتياح…….

“معرفش بس مش مطمنة…. يعني إيه بنت عمتنا…”

“دلوقتي هنعرف اتقلي……” قالها حمزة وهو يغلق الباب ويشير لقمر بتقدم….

ظهر عثمان الدسوقي أمامهم…….وواجه ابنه بغضب

وبنظرة سوداء وكانه من الد اعدائه…….

“اي اللي جاب هنا يالا….انا مش طردتك….”

بنظرة عدائية قال حمزة…….

“انا جايب اسلم الامانه لأهلها…وماشي علطول….”

“امانة إيه……ومين دي……”أشار عثمان على قمر

باستعلاء…..

فالقت شهد نظرة على اخيها تأكد حديثها السابق

عن قمر………بينما خرجت كيان وهي تقترب من

شهد هامسة بتسأل……

“في اي ياشهد….ومين دي……”

ردت شهد ممتعضة…..

“دي واحده نصابة….. بتقول انها بنت عمتنا…..”

تشدقت كيان بصدمة وهي تنظر للفتاة

بقوة…. “عمتنا مين ؟!….”

هزت شهد كتفيها بحيرة وهي تتابع مايحدث….

أخيراً رفعت قمر عينيها وتوجهت للحديث لعثمان

الدسوقي والتي قابلته عدت مرات في صغرها

وفي فترة المراهقة….وآخر مرة راته بها كانت

منذ خمس سنوات في عزاء والدها…..

“انا قمر سلامة ياخالي…. بنت وفية الدسوقي… أختك….. معقول مش فاكر أختك…..”

تاملها عثمان بدقة أكبر…فقفزت صورتها القديمة

في ذاكرته……فكان غير مرحب وهو يقول….

“قمر… آه….. افتكرتك……وامك عاملة اي ياقمر…”

بلعت غصة مختنقة بالبكاء وهي تجيب

بانكسار…….

“أمي…… امي ماتت من تلات شهور ياخالي…..”

ادعى الدهشة وتأثر ببراعة مردداً….

“بجد…… الله يرحمها…..”

شعرت قمر بوخزة في قلبها وهي تقول

بحزن……

“انا كلمتك وقتها وعرفتك… بس حضرتك مجتش حتى تاخد عزاها……”

ردد عثمان مبرراً……

“مشاغل ياقمر…. مانتي عارفه الدنيا مشاغل….”

نظروا الاشقاء الثلاثة لبعضهما ثم عادوا يتابعوا

هذا المشهد المخزي والمؤثر…….والذي زاد

بغضهما على ابيهم….بل نزل من أعينهما أكثر مقاماً

واحتراماً……..

احتد صوت قمر تدريجياً بعد أسلوبة المجرد

من الانسانية ونظراته الخالية من اي تعاطف

معها او حزن لأجلها……

“كان الله في العون ياخالي….. بس حتى المشاغل

دي منعتك تاخد عزاها… ونفس المشاغل خلتك تبطل تبعتلها الشهرية بتاعتها…. حصتها من العمارتين اللي ورثتوهم سوا من جدي الله يرحمه…….”

اتسعت اعين الأشقاء الثلاثة بصدمة…..

فقال عثمان ببرود…..

“بطلت ابعت الشهرية لانها باعت حقها ليا من

عشر سنين…..”

صاحت قمر مهاجمة…….

“محصلش… امي لا باعت ولا اشترت منك حاجة…

وانا معايا الاوراق اللي تثبت ده……”

تافف عثمان هاكماً…..

“هو انتي جايه لحد هنا عشان تطلبيني بورث أمك…….”

اومات براسها بصلابة…..

“دا حقها وحقي من بعضها……. وصاحب الحق

على حق……”

سالها عثمان بنظرة سوداوية….. “يعني إيه…….”

قالت مهاجمة بنظرات كاسحة….

“يعني انا عايزة ورث امي الشرعي في العمارتين…”

قال عثمان ببرود…..

“وان قولت ملكيش حاجة عندي…..”

قالت قمر….بعيون تقدح شرراً وصوتٍ مهدداً……

“هرفع  عليك قضية وهتهمك بتزوير ….. لانك كاتب العمارتين بأسمك ومزور بيع حق امي  فيهم… ودا اقدر اثبته بسهولة…… لاني معايا صورة بالأوراق الأصلية….. دا غير  المحامي اللي هيترفعلي عن القضية واللي معاه كل الأوراق اللي هيحتاجها

ولي بيها هيجبلي حقي ويسجنك…. ”

انقلبت ملامح عثمان مائة وثمانون درجة ببراعة

وهو يقطع المسافات بينهما قائلاً بتملق……

“تسجني خالك ياقمر……اخص عليكي……”

اندهشت قمر ونظرت اليه بتوجس….لتجده يتابع

حديثه وهو يعانقها بحفاوة……

“فلوس إيه وورث إيه……انا أهم حاجة عندي اني شوفتك واطمنت عليكي….تعالي ياحبيبتي في حضني تعالي…….”

ثم أمر بصوتٍ حاني وهو يربت على ظهر

قمر…..

“شهد….حضري العشا لبنت عمتك…..دي جايه من سفر……….اكيد جعانه……”

ثم ابعدها عن احضانه برفق قائلاً بتملق….

“انتي تاكلي دلوقتي وتغيري هدومك دي وتدخلي

تستريحي وبكرة ان شاء الله هنتكلم تاني…عشان

اعرف اللي ليكي ولي عليا اتفقنا……”

ثم استدار ناظراً الى ابنه قائلاً بإبتسامة

مصطنعة….

“أدخل ياحمزة انت كمان……كل مع بنت خالك…وبات

في اوضتك…وبلاش سرمحة……الدنيا ليل يابني…”

ابتعد عثمان الدسوقي داخلا غرفته مغلق على نفسه

بهدوء…تارك العيون تحملق في الفراغ والكل يشعر

بالقلق من هذا التغير الجذريّ….والذي يُدعى للريبة

من القادم ؟!…..

همست شهد شاردة…… “هو في ايه بظبط……”

مالت عليها كيان وقالت بشك….

“ابوكي اتجنن……..او بيخطط لحاجة……”

نظرة شهد للفتاة بشفقة….

“أكيد بيدبر حاجة للبنت الغلبانه دي……”

همست كيان بهجوم….

“غلبانة ؟!……دي سهونة…شوفتي فضلت سكته قدامنا إزاي وعملت فيها مكسورة الجناح واول ما شافت ابوكي طلعت فيه….البت دي مش سهلة لازم

نتجنبها لحسان تكون ناوينا على نية….”

هزت شهد راسها معترضة بطيبة

قلب…..

“لا ياكيان….حرام عليكي…شكلها غلبانه…..”

اصرت كيان وهي ترمق اختها بجزع….

“ولله مافي حد اهبل وغلبان غيرك….اسمعي مني النوع ده بيفضل يتمسكن لحد مايتمكن…انا عرفاهم…….”

تململت شهد زافرة…..

“ماعلينا…..انا هروح احطلها تاكل دي مهم كان ضفيتنا……”

دلفت شهد للمطبخ….ودخلت كيان الصالون تشاركهم

الجلسة……فكانت قمر تتوسط الاريكة بينما حمزة

يجلس على المقعد المجاور يفرق في عيناه

بضيق……جلست كيان جوار قمر وقالت

بإبتسامة صفراء…..

“منورة يابنت عمتي…….”

ردت قمر بحياء…… “بنورك………”

عرفت كيان عن نفسها والباقية

بعفوية…

“انا كيان أصغر واحده فيهم وده حمزة اكبرنا

وشهد اختي الوسطانية……”

اومات قمر بإبتسامة هادئة ولم

تعقب…..فسالتها كيان بتطفل….

“هو انتي معندكيش أخوات…..”

هزت راسها بنفي….. “لا معنديش……”

سالتها كيان مجدداً….. “طب وابوكي فين…..”

ببحة حزينة اجابتها….. “مات من خمس سنين…….”

ارجعت كيان رأسها ثم ازداد فضولها……

“البقاء لله…….هي عمتي كانت حلوة زيك كده….”

ابتسمت قمر بحزن…… “احلى كمان…….”

اومات كيان قائلة…..

“ااه ربنا يرحمها…كان نفسي اشوفها وقعد معاها….

يلا النصيب……..”

تدخل حمزة بملل وهو يرفع عيناه

عليهم……

“بطلي رغي ياكيان…وقومي شوفي أختك

بتعمل إيه…….”

برمت كيان شفتيها ناهضة على مضض ثم سألت

قمر سريعاً متذكرة….

“ماشي…….قولتيلي اسمك إيه…….”

اجابتها بهدوء…….. “قمر……”

اردفت كيان بنظرة مستهينة…..

“قمر ؟!……مش اوي يعني……..”

عندما ابتعدت هزت قمر رأسها باستياء

معقبة….

“هو انتوا كلكم كده…….”

سالها حمزة بعدم فهم……. “كلنا إيه…..”

ردت مقتضبة….. “خفاف الدم……..”

اوما ممتعضاً…. “وراثه……. ورثنها اكبر عن جد…

عقبالك…. ”

لم ترد بل سالته بهمساـ… “هو ابوك راح فين……..”

رد بملل…… “دخل اوضته…..”

“ليه……”

بملل أكبر….. “معرفش روحي اسأليه……”

مطت شفتيها واكتفت بالصمت…..

“شكراً……”قالتها بخجل……

فسالها حمزة….. “على إيه……”

ابتسمت بحزن…قائلة بامتنان…..

“على كل حاجة عملتها معايا لحد دلوقتي……بس صدفة غريبة…….ان اللي ينجدني في طريق مقطوع

زي ده هو نفسه….يبقا ابن خالي…..”

“الصدفه بتيجي مرة واحده….ساعات حلوة

وساعات……”

ترك كلامه مفتوح مما جعلها تساله

منزعجة….”تقصد إيه…….”

بعينين شاخصة سالها وهو يستشف الإجابة

من بنيتاها المنطفئ بريقها……

“ولا حاجة…….بس انتي فعلاً معاكي أوراق تثبت

انك ليكي ورث في العمارتين……”

اكدت بثبات…. “ايوا طبعاً يعني بضحك عليه…….”

من زوايا واحده ابتسم حمزة قائلاً بغرور…..

“انتي تقدري تضحكي على الناس كلها إلا اتنين..

انا وهو………..”

تدخلت شهد قائلة بعد ان ظهرت

امامهما….

“العشا جاهز……….اتفضلي ياقمر……يلا ياحمزة

انا حطتلك معاها….. ”

نهضت قمر من مكانها واقتربت منها

بحرج…. “شهد مش كده…..”

اكدت شهد وهي تمد يدها لها

بترحيب…

“آه……نورتينا ياقمر……”

بادلتها قمر السلام معتذرة لها وحدة….وهي تشعر بالارتياح والالفة معها عكس كيان وحمزة

المتحاملا عليها بزيادة من أول لقاء بينهما….

“بنورك….معلش أزعجتك في وقت زي ده…..”

ربتت شهد على كتفيها قائلة بمحبة……

“حبيبتي دا بيت خالك…يعني بيتك…..يلا لحسان الأكل يبرد…….”

انها طيبة وتشع ذوق ورقي….وكانك تقف امام ملكة

محبوبة……تحب ذاك وتعطف على هذا……وترضي

ذلك….من نظرة واحدة وعدة كلمات تشعر إنك

تعرفها منذ زمن……..

قالت قمر باعجاب وهي تجلس على مقعد حول سفرة الطعام……..

“ريحت الاكل حلو اوى تفتح النفس…..”

جلس حمزة كذلك وافصح بمحبة…..

“انتي مش بتاكلي من ايد اي حد…انتي بتاكلي

من ايد الشيف شهد الدسوقي…….”

ابتسمت قمر بدهشة سائلة….

“بجد…..انتي طباخة………عندك مطعم……”

اجابتها شهد ببسمة لطيفة….

“آآه حاجة بسيطة كده……اكيد هورهولك

في يوم……..”

“وانتي بقا معاكي شهادة إيه……”وضع حمزة معلقة من الأرز وهو يسالها هذا السؤال…..

فقالت قمر بحرج…..

“معايا دبلوم…….وكنت شغالة في مكتبه….”

جلست شهد جوارها

قائلة بود…

“شكلك مثقفة وبتحبي القراءة…..”

قالت قمر بجذل ممزوج بالحرج….

“اوي أوي بحب الأدب و روايات الرومانسيه عموماً….وكنت مبسوطه بشغلي في المكتبه…..بس النصيب خلاني اسيبها واجي هنا….عشان ادور

على حقي… ”

تغيرت ملامح شهد قليلاً وكذلك امتقع وجه

حمزة فبلعت قمر ريقها قائلة بحرج…….

“هو انتوا زعلانين اني جايه اخد حق امي…..”

هزت شهد راسها سريعاً بنفي…

“لا طبعاً…….انتي لسه قايله ده حقك……”

لمعة عينا قمر بتمني وقالت……

“انا محتاجة الفلوس أوي…..نفسي افتح مكتبه وديرها بنفسي……..”

تدخل حمزة متحدثاً بقتامة…..

“كلنا محتاجين الفلوس مش انتي بس…الفرق بينا وبينك انك معاكي الكارت اللي تلعبي بيه…..ام إحنا

فاحنا قعدين نتفرج وبس……”

سالت قمر بحاجب معقود

ببراءة…

“مش فاهمة قصدك….. ”

تدخلت شهد بينهما بعدم رضا…..

“حمزة…..مش وقته الكلام ده….احنا على الأكل…”

نهض حمزة من مكانه متشنجاً…..

“انا شبعت….تصبحوا على خير…….”

تابعت قمر ابتعاده عنهم بعينين مشدوهتين

بينما سألت شهد…….. “هو ماله…….”

ردت شهد باختصار…… “مشاكل مع أبوه……”

قالت قمر بريبة…..

“واضح ان خالي عثمان صعب……”

بابتسامة باهته اجابتها….

“بكره تعيشي وسطنا وتعرفي…..”

هزت قمر راسها معتذرة……

“لا انا مش هطول هنا….انا هاخد حقي وهرجع

مكان ما جيت…….”

غمغمت شهد متيقنة من القادم…..

“ياريتها سهله كده……”

سالتها قمر…. “بتقولي حاجة……”

هزت شهد رأسها ….

“لا ولا حاجة……..كملي أكلك بالف هنا…….”

……………………………………………………………..

زفرة كيان بغل وهي تمسك بين يداها وسادة ولحاف…..

“انا مش فاهمة اشمعنا انا اللي حكمتوا عليا

اديها اوضتي………”

تنهدت شهد قائلة برزانة……

“أهدي ياكيان دي فترة مؤقته….لحد مانشوف

ابوكي هيعمل معاها إيه…….”

قالت كيان بغيظ…..

“واشمعنا انا ياشهد……ماتاخد اوضتك أنتي…..”

اتجهت شهد الى الفراش بعد ان بدلت

ثيابها….. بقميص قطني مريح……

“اوضتك صغيرة وسريرك كمان…..لكن هنا الاوضة اكبر وسرير كبير وهياخدنا احنا الإتنين……”

هزت كيان راسها بتزمت….

“مش موافقة اسيب اوضتي واجي ابات معاكي هنا…….”

اقترحت شهد بملل…..

“تحبي اخرج انام على الكنبة…وتنام انتي هنا….”

تاففت كيان….. “يسلام وتنامي في البرد…..”

ابتسمت شهد وهي تهز راسها بتعب….

“انا تعبت معاكي…….تعالي نامي جمبي وسكتي.. ”

استقلت كيان جوارها على الفراش….. وقد خلعت شهد السماعة وارتاحت على الفراش واطفأت النور…….. “شهد……”

سمعت شهد كيان تتحدث بصوتٍ يصل لها

بشكلاً منحفض جداً….

“تفتكري ابوكي هيعمل إيه معاها……”

ردت شهد بفتور….

“هيديها قرشين ويمضيها على تنازل……”

تشدقت كيان في الظلام…..

“قرشين إيه….العمارتين ويساوى ملايين…..”

هزت شهد رأسها مؤكده وهي تقول بيقين…..

“عارفه…….بس تفتكري ابوكي هيديها حقها…كان ادانا

ورث أمك…..اللي مطولناش منه حاجة…..كان صرف

علينا ولبى احتيجاتنا زي اي اب مقتدر بيعمل مع ولاده….ابوكي سبنا يامولايا كما خلقتني……وادينا

اهوه كل واحد فينا الدنيا عماله تلطش فيه يمين وشمال…….”

قالت كيان بريبة……

“انا مش مطمنة للجاي……وخايفة من حمزة…لو ابوكي ادى لقمر حقها احتمال حمزة يوقفلهم

ويطالب بحقنا في ورث أمك……..وتبقا مجزرة.. ”

قالت شهد بقلق أكبر…..

“ربنا يستر…..انا كمان قلقانه من ناحية حمزة… خصوصاً ان جوازته اتفركشت بسبب انه مقدرش يجيب الشقة…… ”

صمت الاثنين معاً في الظلام الكاحل…. فقطعت

كيان الصمت مجدداً…….. “شهد…..”

اصدرت شهد همهمات بسيطة….فقالت كيان بفضول….

“هو اي حكايتك مع عاصم الصاوي…..”

خفق قلب شهد في لحظة…..وتلعثمت بوجهاً أحمر

يختفي في الظلام……..” حكاية ايه……”

قالت كيان بتطفل……

“حكاية الأوردر اللي بعتهوله بنفسك….مش

قولتي انك هتحكيلي……”

ضحكت شهد……. “لسه فكرة….”

“دي حاجة تتنسي….احكيلي مخبي ايه عني….”هزتها

كيان في كتفها……

قالت شهد بنفي…….. “ولا حاجة…..”

صاحت كيان مجدداً….

“طول عمرك لئيمة……احكيلي… ”

تذكرت جملة عاصم فضحكت وهي تسأل

أختها… “كيان هو انا فعلاً لئيمة…….”

ضحكت كيان معها….

“هو في حد لاحظ ده غيري…….”

“لا انا بسألك بس……”

قالت كيان بمراوغة…..

“أحياناً بتستهبلي بمكر كده……فده يدل على انك لئيمة سيكا…….”

قالت شهد ببراءة… “سيكا…….يعني مش أوي……”

سالتها كيان….”مين قالك انك لئيمة هو……”

لكزتها شهد بحنق….. “بس بقا……”

أضاءت كيان المصباح مصممة…..

“والله أبداً لازم تحكيلي…….”

قالت شهد ضاحكة بوجها مختضب

بالحمرة…

“هحكيلك إيه يامجنونة…..كلام جاب كلام مالك…”

اتسعت عينا كيان بلؤم وهي تبتسم….

“مالك ؟!….انا اللي مالي….ولا انتي اللي مالك…..

من امتى شهد بتكلم مع حد…… ”

تجاهلتها شهد عن عمد فلكزتها كيان

مجدداً….”ها من إمتى……”

حركت شهد كتفيها ببراءة….وقالت بمواربة…

“عادي……يعني مضطرة اتعامل معاه لانه صاحب المطعم اللي بشتغل فيه……”

هتفت كيان….. “يالئيمة……..”

عبست شهد بحنق…. “متقوليش الكلمة دي…….”

قالت كيان غامزة… “واضح ان الصنارة غمزت……..”

وضعت شهد راسها على الوسادة قائلة بشفاه

مقلوبة…….

“وحتى لو صح….انا مش فاضية للهبل ده…..انا جاية

اشتغل أشتغل وحقق اللي نفسي فيه….بس…..ونامي

بقا وبطلي رغي……..”

اومات كيان براسها باستياء منها… واطفأت

النور….

وبعض لحظات من الصمت في الظلام نادت شهد

تلك المرة…. “كيان…….”

همهمت كيان بخبث…… فسالتها شهد بحيرة….

“هو انا بجد لئيمة……”

ابتسمت كيان وادعت التهكم…..

“نامي وطلعيه من دماغك…..مش قولتي انك مش فاضية للهبل ده…….”

اكدت شهد بثبات على المبدأ….

“آآه مش فاضية……”

قالت كيان بضحكة ذات مغزى….

“طيب تصبحي على خير يالئيمة……”

“بس يارخمة……..”لكزتها شهد بضيق ثم اغمضت عينيها وعلى محياها ابتسامة خاصة…..

……………………………………………………………..

على الجانب الآخر من الغرفة المجاورة…تفحصت قمر بعينيها الغرفة التي ستقيم بها الأيام المقبلة كانت

غرفة لطيفة بحيطان وردية اللون بها سرير صغير

وتسريحة  وخزانة ملابس……واريكة بيضاء بالفراء تقبع جانباً وهناك بعض الدمى المتنوعة  مرصوصة على الفراش والاريكة الصغيرة….وكانها دخلت غرفة طفلة في السابعة من  عمرها…

لكن لم تندهش كثيراً فـ(كيان) رغم طريقتها الجافة معاها إلا  انها أمرأه تشع طفولة وبراءة….نوعاً يعشقه الرجال وأصبح نادراً هذه  الأيام………

بعد ان بدلت ثيابها باخرى مريحة استلقت

قمر على الفراش وعلقت عينيها على السقف وهي

لا تعرف…… مالذي ينتظرها الايام المقبلة….

لم تشعر بالالفة بينهما حتى خالها كان بارد… مصتنع

المشاعر عندما قامت بتهديدة… ولولا هذا لكان طردها برا باب منزله فوراً…….

الوحيدة التي تشعر بدفئها ومحبتها شهد…. رائعة شخصيتها هادئة لينة التعامل عكسهم…. لها عينين

جميلتين تشعان رحمةٍ بالغير….. عكس اخيها هذا

العدائي والمتحامل عليها بزيادة لمجرد انها

تطالب بحقها في ورث أمها……

عينيه العسلية حادة لكن بريقها الاجرامي ياخذ

العقل  عند النظرة الأولى !!…..شعره الأسود الناعم بخصلاته المتناثرة قليلاً على  جبهته……ملامحه الرجولية الصلبة……قامة طولة….جسده الصلب وصدره العريض ،  ذراعه القويتين…..هدوءه رغم اشتعال عيناه…..وحديثة المحمل بالف معنى….

شخصاً له جوانب كثيرة عندما يبصرها المرء

يقف مشدوهاً عقلاً وقلباً……

اغمضت عينيها وهي تحاول طرده من عقلها….

وتتنظر الغد باحداثه القادمة……

في الصباح….

فتحت عينيها وهي تسمع صوت الأذان ييقظها

من  غفوتها ظنت انه الفجر…فمسكت هاتفها ورات الساعة تشير للثانية  عشر…….فانتفضت جالسة في مكانها وهي تنظر حولها والى المكان الغريب الذي  تبيت فيه….

غرفة وردية واريكة بيضاء بالفراء…هل تبيت في

شقة باربي !!….

حكت في رأسها وهي تسترجع أحداث الأمس رويدا

رويدا……..حتى نهضت بعد لحظات…….وهي ترجع شعرها الغجري للخلف…..متجهة الى الخارج وهي تنظر حولها بتراقب……..

لتجد المكان خالي منهم…..بل وهادئ أيضاً……حانت منها نظرة على سفرة الطعام لتجد ورقة بخط يد انثوي مكتوب بها…..

(قمر…… معلش انا محبتش اصحيكي بدري اقولك ان

احنا ريحين الشغل….قولت اسيبك تنامي وترتاحي

احنا كلنا روحنا شغلنا بدري…حتى خالك نزل بدري

وانا عملتلك فطار قبل ما نزل وجهزته في المطبخ عندك….انا ان شآء هرجع بعد العشا….. وكيان

هترجع الساعة أربعة العصر…….شهد……)

ابتسمت قمر بحزن…. وهي تطوي الورقة… ثم بدأت تفتش عن دورة المياة……. حتى تغتسل وتنزل هي

أيضاً………

……………………………………………………………..

دلف عاصم من باب المطعم فوجدها منهكة في العمل

هي وبعض الفتيات المراهقات التي يواظبوا على العمل معها…… للمساعدة وتقديم الطلبات…..

عندما ابصرته لانت شفتيها في إبتسامة جميلة تخصه واحده….. فابتسم لعينيها وسلاما الى

عينيها الذائبة في الشهد الحلو كاسمها عند

النطق…..

وضعت  الاطباق على الطاولة ثم اتجهت اليه تقطع المسافة بينهما وهي تحتضن الصنية  تلقائياً بخجل كتلميذة تعانق كتابها وهي في أول موعد غرامي !…..

“صباح الخير…….”

انهال من جمالها ولعينيها روى ألف قصيدة شوق قبل ان يخبرها بصوتٍ أجش…….. “صباح الشهد……”

اطرقت براسها محمرة الوجه وهي

تقول…..

“جاي متأخر نص ساعة…. انا قولت انك نسيت

تعدي علينا……..”

خفق قلبه مع الشوق المتبادل بينهما..فقال

بعذوبة……..

“الطريق زحمة…. وبعدين انا انسى كل حاجة إلا معاد الساعة عشرة……أصله مهم عندي اوي…. ”

لم ترد بل ازداد خجلها… فمال براسه قليلاً….

“ولا انتي اي رأيك……ياشــهــد… ”

كفاك عبث رجاءاً…….ثم سألت…..

“في إيه بظبط……”

تبرم عاصم…… “بطلي بقا……”

نظرت اليه بعدم فهم….. “ابطل إيه…..”

قال بصراحة…….. “لؤم واستهبال…….”

اتسعت عينيها وهتفت تلقائيا تحذره….

“عااااصم…….”

جن القلب بين اضلعه فسالها بدهشة ممزوجة بالفرح…….. “إيه…..”

أسبلت جفنيها بتوتر….. “قصدي استاذ عاصم…….”

كشر عن انيابه تلك المرة قائلاً بغيظ….

“استاذ في عينك….انا اسمي عاصم….عاصم وبس..

زي مابقولك ياشهد….تقوليلي ياعاصم……”

كبحت ضحكة خائنة وقالت بثبات…

“مينفعش……”

سارت عيناه على قسمات وجهها بتأني

سائلاً….

“ليه مانتي لسه قايلهالي ……”

قالت بحياء…..

“لا يعني…….. دي طلعت غصب عني…….”

رد بعيون ذائبة في شهدها

الخالص….

“يارب تطلع علطول غصب عنك……..”

نظرت اليه وحاولت الهروب من عيناه وكلماته

لذا اشارت له على أحد الطاولات

قائلة…..

“تعالى قعد……هتفضل واقف كده…….”

“انا جاي متأخر وعندي شغل…..بس ماشاء الله….”

ثم نظر على عدد الزبائن الموجود بالمطعم

وقال…

“الزباين بدات تهل…..مبروك…….”

ابتسمت شهد وقالت بمناغشة…

“بجد فرحان……..دانا قولت انك هتزعل انك

خسرت الرهان…….”

طاطا براسه ضاحكاً….

“لسا فاكره يـاشـهــد ؟!….. انا كمان فاكر الهدية….”

سالته باستفسار…… “هدية إيه……”

ذكرها محاولا اعتناق الصبر عند النظر

لعينيها……

“أول مرة شوفتك فيها هنا…قولتلك لو مشروعك

نجح ليكي عندي هدية حلوة……”

اومات براسها متذكرة وهي تجيبه….

“بس هو لسه منجحش…….دي البداية……”

رد ببساطه وهو ينظر في اتجاه

آخر…..

“يبقا استنى شوية….اهو أكون عملتهالك……”

ابتسمت باندهاش….. “عملتهالي….مش فاهمة…..”

رد بإختصار……. “بكرة تفهمي…..”

“صحيح…….كويس انك فكرتني……”اخرجت شهد من جيب المريول الذي ترتديه مبلغ من المال…….

فسالها عاصم عاقد الحاجبين…… “اي ده……”

وضعته على الرخامة والوقفين بينها……

“ده الإيجار…..احنا داخلنا في الشهر الجديد….ودا

إيجار الشهر اللي فات…..”

أزاح المال ليكن امامها مجدداً…..

“شيلي الفلوس ياشهد……”

سالت متعجبة…

“ليه…..دا حقك……لازم تاخدها…..”

رفض بتزمت شديد….. “مش وقته………مرة تانية……”

رفضت شهد تخبره بتلقائية….

“لا ونبي لحسان يدخل في اي حاجة ويتصرف…”

رد عاصم ببساطه.. “طب ما تصرفيها اي المشكلة……”

اتسعت عيناها ذاهلة….

“انت بتقول إيه……دا حقك…….”

رد عاصم بعدم إهتمام…..

“انا مستغني عنه الشهر ده…….”

سالته باستفهام……

“طب ليه…مانا معايا الحمدلله والأمور ماشيه

تمام…..”

اخبرها عاصم بهدوء…..

“خلي بس معاكي…..مش وقته……”

اومات برأسها ووضعته مجدداً في جيبها…فقال

عاصم……

“على فكرة انا كلمت الحاجه عنك…وهي مستنياكي آخر الاسبوع ده….عشان تتفقوا سوا على الاصناف

اللي هتتعمل يوم السنوية……”

عضت شهد على باطن شفتيها قائلة

بتردد……

“ليه عملت كده….يعني انا لحد دلوقتي مكلمتش

حد ولا اتفقت مع حد…….”

نظر لها وقال…..

“لسه في وقت تكلمي وتتفقي……”

اتت خلود بصنية فطار صغيره ووضعتها على الرخامة امامهم…..ثم شكرتها شهد قبل ان

ترحل…..

“تسلم ايدك ياخلود…. تحب تفطر معايا…..”

نظرت لعاصم…..فقال ممتنعاً……..

“فطرت من بدري……انتي ليه طالعة من غير

فطار…. ”

هذا الاهتمام وتلك النظرة…..تذكرها باستمرار

انها تغرق معه في أعمق مكان داخلها حيثُ ان

طوق النجاة منه يعد انتحاراً !!……..فاجابته

بفتور…….

“انا مبحبش أفطر أصلا…..بس مضطرة عشان

أقدر أشتغل وقف على رجلي……..”

اوما برأسه فبدأت هي تضع أول لقمة في فمها

امام عيناه الثاقبة والتي تسجل أقل حركة

تصدر منها……بلعت القمة بصعوبة وهي

تساله بتردد….. “بتبصلي كدا ليه…….”

نظر لها عاصم طويلاً…. ثم لم يلبث الى ان قال

بعذوبة…….

“إمبار نسيت اقولك ان عنيكي حلوة أوي……”

صوته جعل قلبها يخلتج بين اضلعها فتركت

القمة من بين أصابعها… وهي تئن بعذاب

حقيقي منه….

“وبعدين معاك…….”

اقترح عاصم بهدوء….

“ينفع نتقابل في نفس المكان مرة تانيه……”

واجهت عيناه الصقريتين بتساؤل….

“ليه…….. في حاجة نسيت تقولها عن الشغل….”

رد مؤكداً……. “في حاجات……”

لم ترد بل ظلت تنظر اليه بتردد…..فقال

هو حاسماً….

“هستناكي اخر النهار ياشـهـد…..”

تلجلجت قليلاً…. “مش هينغع ياعاصم……”

سلب قلبها برجاءٍ حاني…..

“حاولي ياشهد……. حاولي نص ساعة بس

مش هأخرك…..”

اومات برأسها كالمنومة مغناطيسياً….. ثم شعرت ان

نظرة الاحتواء في عيناه تعانقها دون ان تلمسها…

لتجده بعدها يغادر وتغادر خفقات قلبها معه….

…………………………………………………………..

وقفت على الرصيف في نفس المكان الذي صادفها

به أمس………بثوبها الربيعي الأنيق وحقيبتها

الصغيرة…..وشعرها التي جمعته خلف ظهرها

تاركه خصلاتها القصيرة كالعادة تغطي جبهتها…

ظهرت سيارته سريعاً في الوقت المتفق عليه

واوقفها قائلاً بهمساً لا يسمعه سواهم….

“على البحر ياسطا……”

فلتت ضحكة حلوة من بين شفتيها….ثم اقتربت

من السيارة وصعدت جواره قائلة…..

“آه على البحر…….”

سحب أكبر قدر من عطرها الطيب وهو يؤما برأسه

منطلق بسيارة بسعادة لا توصف…شاعراً بانه لا

يسير على الأرض بل يطير….يطير معها…..مع

(سيدة الحُسن…)

لم يتحدثا الاثنين عن شيء طوال الطريق…ظل

الصمت قائم بينهما والمشاعر تهفو حولهما….

كيف فعلتها تسنكر جرأتها….ومجارتهُ….ماذا لو علم

حمزة او والدها كيف سيكون وضعها وهي تقف أمامهم كالمذنبة……

أصبحت في عمر السابعة والعشرون ولم تتلقى

دعوة شاب……لم تحب….او تهتم……او تنبهر

بأحد……..رغم انها كانت جذابة وجميلة كما

يمدحها كل من رآها…….

فكانت لا تهتم تهرب من كل شيءٍ يضعف عزمها…..ويجرح كبرياؤها…….الحب….سلاح ذو حدين…ام الموت منه او النجاة به……..وهي لا

تحب المجازفة في قصص عاطفية بائسة ؟!…

حانت منها نظرة على عاصم الصامت والذي يعطي كامل تركيزة للطريق أمامه……

وسيم  لا تنكر…….يشع هيبة ورجولة طاغية…..ونظر لعيناه يضعف الفؤاد ويخلق فوضى  غير قابلة للاصلاح……..فماذا عن الإهتمام الزائد وكلامه المعسول المبطن ،  ونظرة عيناه التي تحتويها

بدفء لم تستشعره إلا معه……..

تغرق…… والله تغرق في بحر عاصم الصاوي…..

والمشاعر تزداد تعلقاً يوماً بعد يوم !!…

“وصلنا ياشهد……”

فاقت من شرودها على صوته الخشن….

فنظرت اليه للحظات ثم للخارج و ترجلت من السيارة بعدها…لتقف أمامها….. ففعل هو المثل

..ونظرا معاً للجو البديع المعطر بالبحر المالح……

سالته شهد بعد لحظات…. “ليه جبتني هنا……”

رد بصراحة…. “حابب اتعرف عليكي أكتر……”

“ليه…..”

قال تلك المرة بمرواغة….

“يعني قدريها…..عشان الشغل اللي بينا…والمطعم اللي مأجراه مني…….أهو اعرف مين هي شهد

عثمان الدسوقي…..اللي بعتت اخوها يأجر مني المطعم بأسمه…. مع انها هي اللي هتشتغل فيه… ”

ضحكت شهد….. “قلبك اسود أوي……”

اخرج عاصم تنهيدة حانقة…..

“أول واحده تضحك عليا….وتشتغلني هي واخوها…”

برمت شفتيها ببراءة جميلة…أحبها بشدة….

“كنا مضطرين…. وبعدين مانت كشفتنا من أول يوم…..ملحقناش نشتغل حتى….. ”

“مانتوا مش مأجرين من اي حد برضو……”رد

بزهوٍ اضحكها فقالت……

“ياسلام على التواضع…….تمام…..عايز تعرف

انا مين صح……”

اتى صوته بلهفة رغم ملامحه

الهادئة…. “ياريت…..”

سحبت شهد نفساً طويلاً ثم اخرجت إياه على مهل

معرفة عن نفسها دون النظر لعيناه……وكانها تبتلع

مرارة الأحلام المعلقة في السماء كالنجوم البعيدة…وكانها تخفي خيبتها من شقاء وتعب

ومعافرة مع السنوات ولم تجني من الأحلام إلا

مطعم إيجار في شارع الصاوي مهددة بتركة في

اي لحظة !…..وكان الأحلام تخسف بنا وتستهزء بسعينا ؟!


8= ج2 =“شهد عثمان الدسوقي سبعة وعشرين سنة….خريجة سياحة وفنادق…..بقالي فترة  طويلة بشتغل على نفسي في مجال الطبخ …خدت دورات تعليميه كتير واشتغلت في  فنادق 5استار…..وكسبت خبره كويسة فبدأت أعمل اوردرات من البيت عن طريق  الانترنت لما بدأ اسمي يتعرف قررت أفتح مطعم…..ويكون أول خطوة لنجاحي…باني  يعني يبقا عندي مطعم باسمي في أحسن مكان في اسكندرية……دي كل حكايتي.. او دي  احلامي اللي لسه هحققها….. ”

سالها عاصم…. “وأهلك…امك ابوكي…اخواتك…..”

قالت بغصة مختنقة……

“عندي اخ واختك….حمزة أكبر مني وكيان اصغرنا…

امي ماتت من عشر سنين……..وبابا عايش متجوز….ومستقر في حياته……”

سألها عاصم متعجباً….

“يعني إيه مستقر….مش بيشوفكم وتشوفوا…..”

“آآه طبعاً لازم يشوفنا ونشوفوا……”اكدت بسخرية مريرة……

اتى السؤال الأهم بنسبة له…..

“عمرك حبيتي ياشهد…….”

نظرت اليه مستنكرة…. “ودا ليه علاقة بالشغل؟!…..”

“دا ليه علاقة بيا….حبيتي قبل كده او ارتبطي… ”

قالها بصدق وهو يزفر بتعب بينما عيناه تطوف

على ملامحها الجميلة المستنكرة………..

ردت باقتضاب…… “لا……”

نداها بطريقته الخاصة….. “شهد…….”

فقالت بامتناع جاد لأبعد حد…..

“عاصم…. بلاش تسرع…… انا معرفكش كويس ولا انت كمان……سيب الامور تمشي ببساطه…..”

جفل قليلاً وهو ينظر إليها بصدمة……فأسبلت

اهدابها قائلة بعقلانية وبصوتٍ موسيقي…..

“انا عارفة ان الحياة بنسبالك اخد وعطا…. بس في حاجات مينفعش تاخد ولا تدي فيها… غير لما تتأكد

انها تستحق……”

حل الصمت بينهما ولم تنظر اليه….ظنت انه نفر منها

وسيتركها الآن ويذهب بعد ردها الفظ….فمن الغبية

التي ترفض رجلا مثله……

لم تتوقع انه أحب ردها…..أحب انها عكس من قابلهم

لم تمسك بالفرصة الجيدة…..والميزات الحسنة به…

بل تمسكت بشخصه……بالشخص التي ستعاشره

وستبني حياتها معه…لم تفكر بما يمتلك… وبمن

يكون……لم تكن مثلهن لذلك سلبت عقله من النظرة

الأولى واليوم تسلب قلبه بردها دون ان تدرك…..

تمتم عاصم بعذاب…… “انتي طلعتي ليا منين……..”

أرتاح قلبها فنظرت اليه متبسمة بمرح….

“انت اللي جيت بنفسك……. محدش نداك….”

قال عاصم ببساطه…… “منير نداني…….”

اندهشت سائلة….. “منير ؟!……”

ذكرها بعينين صقريتين…..

“الأغنية اللي كنتي بتسمعيها ساعة مادخلت

المطعم أول مرة…….”

ضحكت شاهقة وهزت راسها ذاهلة…..

“انت غريب أوي…. انا علطول أسمع ان الرجالة

مش بتحب التفاصيل ولا بتهتم بيها……”

اوما براسه مؤكداً باجابة سلاسة….

“صح…. بس لما التفاصيل دي تكون عن حاجة شدانا……. لازم نهتم…….”

عقدت ساعديها امام صدرها ورفعت رأسها إليه

سائلة بترفع….. “وانا شداك…….”

أكد بتكبر لا يقل عنه….

“وجودك معايا هنا بياكد ده…….”

شعرت بالخجل فقد انتصر عليها بجملة واحدة…لتجده يسألها…….. “وانتي……”

نظرت اليه مدعية عدم الفهم……. “وانا ايه…..”

قال ببساطه وعيون لا ترحم…..

“انتي كمان وجودك هنا بياكد انك مشدودة ليا…”

ازداد انعقاد ساعديها وهي تهز كتفيها

بنفي…

“مش حقيقي…. انا جيت هنا عشان افتكرت انك هتكلم في الشغل…..”

نداها بتململ……متذوق الاسم كما يحب….. “شــهــد……”

زفرة بنفاذ صبر مهتجة…..

“ممكن تبطل تناديني بطريقة دي……”

جفل سائلاً…… “اي طريقة…..”

قالت بتبرم ممتنعه عن النظر إليه….

“انت عارفها……”

حك في ذقنة مفكراً….. “مش واخد بالي……”

نظرت اليه قائلة بحنق شديد……

“بتنادي بطريقة وكانك أول مرة تنطق إسمي.. وكانك

مستغربة معداش عليك ولا تعرفه…..”

رد عاصم ببراءة استفزتها…..

“دي حقيقة…. انا عمري ماقبلت واحده أسمها شهد……”

قالت مستنكرة بوجهاً عابس…..

“طب مانا عمري ماقبلت واحد اسمه عاصم وبناديك عادي……مش بطريقتك…..”

لانت شفتاه مصرحاً…..

“بالعكس انتي بتنادي بنفس الطريقة بس مش بتاخدي بالك……”

“لا طبعاً……انت اللي غريب… ”

تلك المرة نظر لها منزعجاً….

“بلاش الكلمة دي عشان بتحسسني اني جاي

من كوكب تاني…….”

“فريسكاااااااااااا… ”

نظر عاصم الى البائع المتجول بصندوق الحلوى

على كتفه…….فعاد لعينيها مقترحاً بحنان

أبوي……..

“اجبلك فريسكااا……”

عندما اومات برأسها بالموافقة اتجه الى الرجل سريعاً وجلب لها نوع من كل صنف يحمله في

الصندوق……

ثم اتى إليها….فقالت ذاهلة….

“كل ده مين هياكله……”

“مين غيرك…….”

“بس دا كتير…..خلينا ناكلوا سوا…….”

تشاركا معاً بصمت وسط المنظر الرائع والنسيم المنكه بالبحر المالح…….

قالت شهد متلذذة…… “حلوة أوي…….”

ثم نظرت اليه قائلة بتذكر….

“صحيح….. انت نسيت تديني العنوان عشان

أقبل جدتك……”

رد عاصم بهدوء…..

“انا هوصلك بنفسي…أليوم اللي هتروحي فيه…”

رفضت بشدة……

“لا طبعاً…. ملهاش لازمة اديني العنوان… وانا

هروح لوحدي……”

اقترح بقلة صبر….

“طب مانا معايا عربية هوصلك……”

رفضت بتزمت شديد….. “لا بقولك……”

احتدت عيناه غاضباً….

“هو اي عِند وخلاص…….”

لم ترد بل امتقع وجهها بعدم رضا… مما جعله أمام

عيناها العابسة ووجهها المكفهر….. يراضيها….

“خلاص بلاش تقلبي وشك…. زي ماتحبي…..بس

قبل ماتيجي قوليلي قبلها…. ”

سالته بحاجب معقود….. “ليه يعني….”

“عشان استناكي…….”

رده جعل قلبها يجن بين اضلعها….لذا هربت من

عيناه قائلة……

“احنا اتاخرنا أوي……. ينفع نرجع……”

اتجها معاً الى السيارة……ثم بعد ان احتل عاصم مقعد القيادة سألها ببعضٍ من الضيق والتعجب

كذلك……

” بس مش غريبة شوية إنك مسألتنيش سؤال

واحد مع اني اديتك الفرصة اكتر من مرة….

انتي مش حبا تعرفي حاجة عني ؟! ……”

قالت شهد مختصرة نظرتها للحياة وللعلاقات بالمجمل………

“انا احب أعرف الشخص بعدد الايام والسنين مش من شوية كلام……..لانها بتبقا أوضح واصدق…

من اي كلام هيجامل نفسه بيه…..فهمتني… ”

اصابت الهدف مجدداً فتافف وهو يدير محرك السيارة……. “طلعتي ليا منين ياشهد…..”

إبتسمت وهي تشعر بكل جزءاً داخلها يتجاوب

معه بمحبة……..

“قولتلك انك انت اللي جتلي بنفسك……محدش نداك…. ”

رد بمناكفة…… “وانا قولتلك منير نداني……”

هزت راسها يائسة……

“واضح اننا هنفضل نلف في نفس الديرة المقفولة………”

قال مستاءاً…… “انتي اللي عايزة كده……”

………………………………………………………………

“دي صدفة عجيبة اوي ياخي…. معقول ده…. ”

قالها سلطان وهو منهمك في تقطيع شيء

بالمنشار الحاد…….

هتف حمزة بتهكم والذي يستند على باب الورشة

يمسك سجارة بين اصبعه يدخن بها بشراهة…..

“مش معقول ليه هستنا إيه من واحد… حارم عياله

من ماله ومال امهم ومتبرتع هو فيه… وسيبنا احنا

ننحط في الصخر……”

قال سلطان برفق….

“ادعيلوا بالهداية ياحمزة دا مهم كان أبوك…”

مط حمزة شفته هازئاً….

“ابويا…..عدا وفات…… غير الموضوع….”

“مش لم تقولي الأول هتعملوا إيه مع بنت

عمتكم….” ساله سلطان وهو يمسح يداه

بقماشة مهترية…..

رد حمزة مستهجناً……

“وانا مالي صاحب المال هو اللي هيعمل… يرجعلها حقها…. ينصب عليها… ميخصنيش…..”

اقترب منه سلطان بعدم رضا…….

“إزاي ياجدع دي مهما كان بنت عمتك… يتيمة وملهاش حد… دا انت لسه قايله ده بعضمة

لسانك……”

رد حمزة متململاً نافراً من الامر برمته……

“عايزني اعمل إيه…. احجر عليه مثلاً….هو حر

بشوقه بقا….. يعمل اللي يعلموا معاها… هما قرايب

يتصفوا سوا……”

تمتم سلطان بوجوم…. “غشيم وهتتعبني معاك…..”

القى حمزة السجارة أرضا ودعسها بجذاءه

قائلاً بملل……

“انا جاي قعد معاك شوية… متقفلنيش منك….”

“ماشي ياسيدي ادينا سكت……”

ليقول حمزة بجنون….. “بقولك إيه انا ماشي……”

مسكه سلطان من ذراعه بتعجب….

“اي الجنان ده يابني انت راكبك عفريت……”

لم يرد حمزة بل ظل على حالة غاضباً يائساً…

مما جعل سلطان يناكفة قائلاً……

“جرالك إيه….. هي بنت عمتك حلوة لدرجادي…”

احتدت نظرات حمزة موبخاً…. “وانت مال أهلك…..”

جز سلطان على أسنانه…..ورد عليه

بتحذير……

“احترم نفسك عشان مقلش منك……”

خبط حمزة على صدره متوعداً بشراسة….

“طب أحفظ لسانك……ومتلبخش…..”

هز سلطان راسه مبتسماً بهزل….

“يابني انا اعرفها منين عشان البخ…. انا بسألك

انت….. اصل شكلك مش على بعضك كده وانت بتحكي عنها هي الصنارة غمزت……” اكتفى سلطان بغمزة ماكرة…..

فمط حمزة شفتيه متاففاً بقرف……

“غمزت أوي…..سيبني الله يخليك ياسلطان انا لسه مفركش وقرفان من صنف الحريم كلوا…… سلام….”

“ياجدع استنى اشرب كوبية الشاي حتى……”

لم يرد عليه بل استقلّ سيارته وانطلق بها سريعاً…

فضرب سلطان كف بكف متعجباً من حالة صديقة

والحالة التي تلبسته………

……………………………………………………………..

اثناء طريقة للرجوع وبالقرب من المنزل على طريق البحر……القى سجارته من النافذة جواره….. فانتبه

لمن تقف على الشاطئ تطعم الصغار من علبة حلوى

أوقف السيارة يتأكد من وجودها فهو ميزها بشعرها

الغجري الطويل……وبالفعل عندما مالت قليلاً برأسها

وهي تضحك ظهر وجهها بوضوح……

تافف حمزة وهو يخرج من السيارة ويسبها

بداخله….

على الشاطئ….. لوحت قمر بيدها للصغار ثم عادت جالسة على الرمال بثوبها الطويل الابيض والمطبع

عليه ورود من اللون الارجواني ……وضعت علبة الحلوى على ثوبها وبدأت تاكلها وهي تنظر الى

البحر وبينها وبينه مسافة لا بأس بها……

“هو انتي مش عندك حساسية برضو من الماية الملحة…….” قالها حمزة وهو يجلس جوارها…

نظرت قمر اليه بدهشة ثم تلاشت دهشتها

بتدريج وقالت بحنق……..

“شايفني بعوم انا قاعده على الشط……”

نظر لها حمزة بوجهاً مكفهر…..

“اي اللي خرجك من البيت أصلا….”

بررت قمر ببساطه…..

“زهقت…… يعني هقعد استناكم كله ده…..”

صاح عليها بغضب مكتوم…..

“ما تتنيلي تستني…… تطلعي ليه انتي أصلا…..”

احتدت قمر امام هذا التسلط الذكوري….

“ماتلم لسانك شوية انا بعرف أرد على فكرة….”

أردف حمزة هازئاً……

“ومردتيش عليهم ليه وهما سحلينك على

الأرض…..”

قالت شهد بحمائية…..

“مين دول اللي سحلني انا محدش يقدر يسحلني……وبعدين انت كل شوية هتفكرني…”

اوما حمزة باستفزاز……

“لازم افكرك عشان تعرفي اللي ليكي ولي عليكي…”

تشدقت بقرف……. “يعني إيه…..”

نظر لها شزراً……

“يعني تحترمي نفسك وتردي عدل ….”

احترق فتيل صبرها فحاولت تعنيفُ ….

“انا محترمة غصب عنك الـ……”

اوقفها بملل…… “ما خلاص انتي بلعه راديو……”

ثم نظر خلفها على الصغار الذين يلعبوا بالكرة

على الشاطئ…….

“كنتي لمه العيال دي حوليكي ليه…. بتفرقي حلاوة……”

ضحكة باستخفاف مشيرة للعلبة على

حجرها….

“هاهاها……. لا بديهم لقمة القاضي……”

“طب مفيش واحده للقاضي…..”ابتسم حمزة وقد راقهُ المنكفة معها…..

هزت راسها بعناد…… “لا مفيش……”

مط شفتيه بقرف…… “هتطفحيه لوحدك……”

اومات ببرود…… “آآه عندك مانع…….”

رفع حمزة حاجبٍ متعجباً…وتحدث بغيظ

مكتوم وهو يجز على أسنانه……

“انتي باردة كدا ليه يابت…. انتي قمر انتي… دانتي المفروض تتسمي سراب…. هلاك….. ضلمة… اي

يابت الرخامة دي…….”

“والله مافي حد رخم غيرك…..”.قالتها ببرود وهي تضع في فمها واحده من الزلابية بتحدي…..

ضرب حمزة على ركبته نادماً……

“والله انا غلطان….غلطان يارتني….. يارتني ماوصلتك… وسبتك على الطريق تغني ظلموه……”

مطت شفتاه بقرف….

“حاجة متوقعه من واحد زيك……”

نظر لها بزهوٍ قائلاً……

“مالوا اللي زي….. انتي تعرفي تقابلي زي تاني.. فوقي

ياضلمة انتي…. حمزة واحد بس…….”

هتفت شاكرة….. “دا الحمدلله انه واحد بس…….”

“هاتي واحده….. بقولك هاتي واحده……”حاول

حمزة اخذ العلبة بمناكفة….

فضربت قمر يده قائلة…

“قولتلك هاكلها لوحدي……..”

أثناء المشادة بينهما وقعت العلبة على الرمال

جوارها وتغطت قطع الزلابية بالرمال……..

“كده…… عاجبك كده……” نظرت قمر الزلابية

بحسرة….

قال حمزة متبرماً…..

“خلاص كُليها مش عايز……”

ترقرقت الدموع في عيناها….

“نعم…. بعد مانزلت عفي الرملة…….”

نظر حمزة لها فوجدها عابسة الوجه…وعلى وشك البكاء بعد ان عكر صفوها……فقال بمشاكسة…

“خلاص بقا انتي هتعيطي…….”

لم ترد عليه بل كتفت ذراعيها وظلت على صمتها

الحزين…..مما جعل حمزة ينهض من مكانه مشيرا

لها برحيل……

“طب قومي معايا…….”

نظرت له بضيق…… “على فين ان شاء الله…….”

قال بعبث…… “هصلح غلطتي……”

برقة عيناها بحدة……. “نعم……..”

ابتسم وهو يخبرها بغمزة شقية…..

“هو اي اللي نعم….. قومي هاكلك أحلى لقمة قاضي

فيكي ياسكندرية…. دا حتى القاضي ذات نفسه

ملكلهاش…….”

هزت راسها وهي تنظر للشاطئ باقتضاب…..

“مش عايزة……شكراً… ”

زفر حمزة بقلة صبر…..

“قومي ياسراب… متقطعيش بعيشك……”

القت عليه نظرة عدائية……فضحك لعينيها

ودللها بصعوبة……

“بهزر…….. قومي ياقمراية….. حلو كده…..”

نهضت معه على مضض قائلة ببرود….

“ايوا كده كويس…….”

اشار لها فسارت أمامه….فغمغم حمزة

بملل…..

“تموتوا في النفاق………”

بعد  لحظات كانت تجلس في السيارة في انتظاره…. امام أحد المطاعم الشهيرة التي  تعد افضل الحلويات الشرقيه… والذي كان مزدحم بشدة وقد اختفى

حمزة داخل الزحام…..

من كثرة الملل حاولت فتح المذياع ولكنها بالخطأ

اتكات على زر فتح درج معين بداخل الدرج رأت

صورة فضولها قادها لرؤيتها….

وكانت  الصورة عبارة عن عروس جميلة ترتدي ثوب خطوبة تعانق ذراع حمزة بيدها وهي  تبتسم للكاميرا بينما هو ينظر إليها بهيام وقصائد من العشق تروى من  عيناه………

اعتقدت بانها خطيبته…….لذلك وضعت الصورة مكانها واغلقت الدرج….. وهي تنظر من النافذة

لتجد حمزة يخرج من الزحام…. بشعر مشعث

وقميص مجعد … وكانها خرج من معركة للتو…

نظر لعينيها بقوة فاجفلت…… الم تقل ان بريق عيناه

أخذ…….والأخذ يسلب كل شيء في طريقة !!…..

استقل مقعد القيادة واعطاها العلبة قائلاً…..

“عاجبك كده…… اديني اتبهدلت عشان خاطرك…..”

ضحكت قمر وهي تفتح العلبة.. ثم أخذت

واحدة من الزلابية لتهمهم باعجاب….

“ممم……. الله دي حلوة أوي…….تاخد… ”

رفض حمزة وهو ينطلق

بسيارة…..

“لا بتلزق ايدي مش عايز…….”

حركت حدقتاها بملل….ثم مسكت واحدة

من الزلابية…….

“ياربي على الدلع….. افتح بؤك ياخفيف…..”

فتح فمه بخبث…….. “فتحنا……”

وضعته قطعة في فمه سريعاً…فمضغها حمزة

وهو يكشر عن أنيابه عابساً……..

“انتي اتهبلتي بتاكليني في بؤي…….”

لوت قمر فمها باستهانه…. “كُل وانت ساكت……”

نظر لها حمزة بقوة قائلاً بسطوة…..

“لا فوقي ياقمراية…. انا اكل واسكت بمزاجي مش بمزاجك انتي….. وبعدين انا مش عايز كُلي انتي

ونقطينا بسُكاتك……”

مضغت الزلابية باستمتاع وقالت…

“قطعت بعيشك……”

…………………………………………………………….

وصلت شهد للبيت مبكراً…..وعندما فتحت لها كيان

الباب قالت سريعاً….

“قمر مش موجودة…….”

انصدمت شهد وهي تدلف للشقة….

“بجد….. مشيت…..”

اجابتها كيان بشك….

“معتقدش……شنطتها موجودة جوا…….”

سالتها شهد بتعجب….

“طب هتكون راحت فين يعني…….”

هزت كيان كتفيها بحيرة….. “معرفش……”

في تلك اللحظات فتح الباب بالمفتاح…ودلف

حمزة وقمر خلفه….فتمتمت شهد بذهول….

“حمزة…..قمر……. كنتوا فين……”

رد حمزة وهو يضع المفاتيح جانباً…..

“شوفتها صدفة وهي قاعده على البحر فروحنا سوا…….”

قالت كيان بغيرة…… “واي اللي في ايدها ده بقا…..”

ردت قمر عليها بخجل….. “دي لقمة القاضي……”

ادعت كيان الصدمة وهي تسالها

بلؤم….

“بجد لقمة القاضي……ومين اللي جابهالك بقا……”

ردت قمر ببساطه….. “حمزة……”

مما جعل كيان تحتد تدريجياً وهي تنظر الى

اخيها والغيرة تحرق صدرها……..

“ياحنين……بقالي اربعة وعشرين سنة معاك عمرك

جبتلي لقمة القاضي……..ماشاءالله عليكي ياقمر

سرك باتع من أول يوم كده……”

تافف حمزة بتهكم……

“كيان بلاش هلفطه بالكلام انا داخل اغير هدومي……”ثم اتجه الى غرفته واغلق الباب خلفه…….

دبت كيان بقدميها بدلال…..

“مش قبل ماتجبلي زيها ياحمزة….اشمعنا هي….”

ضحكت شهد وهي تقترح بلطف…..

“ياكيان اهدي… لو نفسك فيها اوي كده هعملهالك

واحسن من برا كمان……”

دوى صوت الزغايد من خلف باب الشقة… فسالت

قمر بفتور….. “اي صوت الزغاريط دي……”

ردت شهد بابتسامة مغتصبة…..

“دي نجلاء جارتنا خطوبتها قربت…….فعشان

كده بيهيسوا………عقبالك… ”

بادلتها قمر الابتسامة ولم تعقب….فبادرة كيان

تقول بلؤم……..

“نجلاء دي كانت خطيبة حمزة….بس سابوا بعض…

بس كانوا بيحبوا بعض اوي أوي على فكرة…..”

سالتها قمر بهدوء…

“بجد…….طب وليه سابوا بعض…

اجابت شهد وهي ترمق اختها

بتوبيخ………

“يعني محصلش بينهم نصيب……”

ثرثرة كيان كالعادة دون داعي…..

“بتبصيلي ليه ياشهد… ماتقوللها عادي مش بنت عمتنا…… هو سبها عشان مش معاه يجيب شقة…..وهي وامها مستعجلين….. ”

علقت قمر متعجبة…..

“ازاي….دا خالي يملك عمارتين…..معقول ده.. ”

اومات كيان بسخرية….

“معقول……يعني بكره تعرفي انه معقول….”

نظرت شهد لاختها نظرة قوية اخرستها….

ثم قالت لقمر….. “هدخل اجهز الغدى…..”

قالت قمر بحرج……

“انا ممكن اساعدك….لو عايزة….”

اشارت لها شهد بابتسامة مرحة بان

تتقدم………

“طبعا عايزة ……تعالي ساعديني لحسان انا هلكت في شغل المطعم……..”

بدأوا يحضروا الطعام وهم يتحدثا في أشياء كثيرة

تخص حياتهم السابقة كنوع من التعريف عن الذات….وقد انضمت اليهم كيان رغم امتعاضها

من قمر…..إلا ان فضولها يقودها لتعرف كل شيء

عن ابنة العمة المجهولة…..والتي جعلت اخيها

من اليوم الأول يشتري لها الحلوى وينساها

هي !…….

في الغرفة ……

كان يقف حمزة امام النافذة يدخن السجارة بشراهة وصوت الزغاريد من الأسفل كان يصم اذنيه ويذبح

قلبه…..كان يجعل جسده ينتفض بغضب هائل…

بكرهٍ سائد….

يشمئز من كل لحظة خاصتها وحدها….من كل

حلم كان لأجلها……من كل لهفة كانت لها

وحدها…..من كل خفقة قلب كانت بقربها……..

من كل لمسة يد كانت تشتهي جسدها……جسد

باع وقلب خان لأجل الفرصة الافضل……

فسلاماً على من باع الهوى ، فالهوى منهُ اكتفى….وسلاماً على من فر من الحب….فالحب

منهُ استنكرا…..وسلاماً على من استعبد قلوبنا

ثم هجرها….فـالـهجر منهُ تحرُراً………وسلاما

سلاما دون رجعة يامؤذُونَ بإسم الحب…

………………………………………………………………

بدأت تستدير يميناً ويساراً امام المرآة تتفحص عبائتها…. ثم رفعت الوشاح أعلى رأسها لتغطي

شعرها وتبدأ بلفها كما تفضل….

“جنة اي رأيك……”

قالت جنة بمحبة وهي تقف جوارها…..

“قمر ياديدا……خديني جمبك الف الطرحة……”

دخلت أميرة الغرفة عليهم…..”خلصتوا يابنات…..”

اومات داليدا برأسها وهي تستدير لها…..

“ايوا يلا بينا………….”

فقالت أميرة وهي تخرج من الغرفة…..

“اسبقوني انتوا طيب لحد…..ماجيب شنطتي….”

تأبّطت داليدا ذراع جنة وخرجا للشارع وهم في

غاية السعادة…….فلفح الهواء وجه داليدا

فابتسمت بجذل………وهي تنظر للسماء……

“تعرفي ياجنة انا بقالي قد ايه مشفتش الشارع…..

تقريباً من ساعة ماتجوزت….. ”

قالت جنة بشفاة مقلوبة…….

“انا كل يوم في الشارع محاضرات من تمانية الصبح

مش حاجة عدله يعني……الحمدلله امي حنت عليا

ووفقت على طلعت المول ده……روحتي قبل كده…”

هزت داليدا راسها بنفي…. “أول مرة…..”

همست جنة بخبث…..

“انا روحتوا مع صحابي…….من ورا أمي…. ”

مطت داليدا شفتيها…….. “ونعم التربية……”

لكزتها جنة ضاحكة…… “خليها في سرك…….”

“في بير ياختي…..”

ثم حانت من جنة نظرة على ورشة سلطان

فوجدته يقف مع امرأة امام باب الورشة…….

“هي مين اللي وقفة مع خالو سلطان دي…..”

“دي ام دنيا……”قالتها داليدا باقتضاب وهي تنظر للمرأة بنظرة مقيمة…….كانت امرأة في منتصف

الثلاثينات من عمرها…….مكتنزة الجسد قليلاً

طويلة القامة عنها……ترتدي عباءة سوداء ووشاح

ملقي على شعرها الأسود الطويل باهمال…..فيظهر

نصف شعرها منه…….تلون وجهها بمساحيق

تجميل مبالغ بها…….لجذب انتباه أحدهم….وهي تعلم من هو…..فمن نظرتها نحو سلطان علمت انها تود الإيقاع به………

فمن تلك التي قادرة على مقاومة رجلا مثله….بهالة الرجولة المحيطة به وجسده الرياضي الضخم…

والوسامة المشعة منه….. مؤكد يحرك مشاعرها….

ويدغدغ الاعماق بقربه…….

فكان سلطان يقف أمامها ببنطال مهتري…..وفنالة حمالات داخليه من اللون الكحلي…..تبرز ذراعيه

القويتين السمراء وصدره العريض بشعيراته السوداء……

بلعت داليدا ريقها بخجل…وكانها لا تنظر لزوجها

بل تنظر لرجل غريب لأول مرة تراه……حسناً انها

لم تتأمله يوماً بهذا الشكل…حتى عندما كانت

تزوره بالورشة كأبنة عمه الصغيرة المدللة…..

سمعت جنة تهتف بتجهم……

“ومالها عماله تدلع عليه كدا ليه…….انتي

هتسكتي…. ”

نظرت الى جنة بدهشة…… “هعمل إيه يعني……”

هتفت جنة بغيظ وهي تدفع نظارتها

الطبية على عينيها أكثر……

“تعملي اي دا جوزك….دشملي يادليدا……”

نظرت الاخرى بتعجب….. “يعني إيه…..”

هتفت جنة بحمائية……

“اي يابنتي انتي نرم كدا ليه………دشملي يعني

اكسفيها…. اقصفي الجبهة خليها تحس على دمها

وتغور في داهية…….”

ضيقت داليدا حاجبيها باستعداد بعد ان

اشتعل صدرها فجأه…. “انتي شايفه كده……”

قالت جنة بتوهج…..

“أمال إيه……هو انتي مش غيرانه ولا إيه….دا

جوزك…….دشملي يادليدا……”

قالت داليدا وهي تعطيها حقيبتها لتحملها

بدلاً منها……

“ادشمل….مادشملش ليه….اتفرجي بقا……

وتعلمي مني….. ”

“قشطة……”قالتها جنة بابتسامة شيطانية

نظر سلطان للمرأة قائلاً……

“ان شاء الله هتكون جاهزة في اقرب وقت

ياست أمال….”

بصوت متغنج وبعينين مداعبتين…. قالت…

“متحرمش منك ياسطا سلطان……..انت عارف انا بحب شغلك قد إيه……بس شرط اساسي…انت اللي تركبلي الدولاب بنفسك…..اصلي مضمنش…..حد

من صبيانك بصراحة……..انت عرفني بقلق

بسرعه….


8=الجزء الثالث=ج3 =اوما سلطان بتفهم….

“لا متقلقيش انا اللي هاجي بنفسي اركبة….”

ثم نظر خلف أمال ليجد داليدا اتيه عليه

بوجه مكفهر….

“داليدا…. ”

استدارت أمال تنظر الى داليدا بازدراء

مغمغمة بغل……

(بقا العيلة الهبلة دي…..تبقا مراتك انت……سيد الرجاله……. يتجوز حتة عيلة زي دي……اخييه….)

اقتربت داليدا من سلطان ووقفت بينهما فمسك سلطان كفها بحنو……

“مالك وشك مقلوب كده ليه….. انتوا خرجين

دلوقتي……”

“أيوا……” اجابة داليدا وهي تنظر الى أمال

بطرف عينيها ثم قالت باقتضاب…..

“أهلا يام دنيا……..”

مطت امال شفتيها وهي ترمقها

باستهانة……

“أهلاً ياعروسة…….نسيت اقولك الف مبروك…..”

عانقت داليدا ذراع سلطان وكما كانت جوار جحمه

الضخم….. امرأة صغيرة…..كأبنة شقية….او تليمذة مشاغبة……ثم قالت داليدا بوقاحة…..

“انتي لسه فاكرة….. دا احنا قربنا نجيب عيال….”

مالى سلطان عليها هامساً….

“مين دول اللي هيجيبوا عيال؟!……”

جزت على اسنانها قائلة…. “اسكت انت……”

أحمر وجه أمال بالحقد فقالت بابتسامة

صفراء…. “اهيه بجد…..طب الف مبروك…….”

قالت داليدا بخبث……”الله يبارك فيكي……”

ثم نظرت الى سلطان قائلة بدلالٍ….

“سلطان ياحبيبي….انت نزلت الصبح وانا نايمة…

ليه مصحتنيش عشان احضرلك الفطار……”

رفع سلطان حاجباه بدهشة…..

“فطار؟!…… من امتى……”

مررت داليدا اصابعها على ذراعه قائلة

بتدلل…….

“اخص عليك ياسلطان….دا انا كل يوم بعملك

الفطار وباكلك بايدي…….”

اوما سلطان ساخراً……

“لا والله…..بجد….وعلى كده كنت بأكل……”

جزت داليدا على اسنانها بغيظ من عدم مجارته

لها…. “طبعاً ياحبيبي بقولك من أيدي……”

استئذن سلطان من أمال وسحب داليدا

جانباً…..وقفا الإثنين داخل الورشة في

أحد الزوايا…..

“انتي بتهببي إيه ياكدابة……..”

هدرت داليدا بغضب…..

“الولية دي مالها بيك…. بتبصلك كدا ليه…..”

اجابها بقرف….. “ميخصكيش……”

هاجت وهي تهتف بغيرة…..

“ميخصنيش؟!… انا مراتك على فكرة وليه

حق عليك…..”

نظر لشفتيها الشهية بغيظٍ ثم قال

متهجماً…..

“وانا كمان ليا حق عليكي….ولحد دلوقتي مخدتوش…..فبلاش نتكلم عن الحقوق عشان

محدش فينا قد للتاني حاجة…….”

اشتعلت وجنتيها وهي تفهم مغزى حديثة….فغمغمت

بحزن…..”بقا كده ياسلطان…….”

اجاب بعناد……. “ايوا كده ياداليدا……”

لكزته في صدره بحرقة……

“واضح ان عجبك اللي بيحصل….عجباك صح….”

اوما لاغاظتها……. “أوي…….اوي بصراحة….. ”

برقة عينيها بغضب وهتفت….

“اشبع بيها اولعه في بعض……”

حذرها بنفاذ صبر وبملامح تنبأ بشرٍ…….

“أقسم بالله كلمة كمان يادليدا وهحلف عليكي مانتي خارجة وهرجعك الشقة تاني وهقفل عليكي ويبقا حد يدخل بينا……. اي رأيك…….”

“ماشي ياسلطان…..ماشي……”اخرجت انفاسها بعصبية مفرطة…..

فقال بخشونة امراً……

“متتاخريش…..سامعة…..تجيبي اللي عيزاه وترجعي…….”ثم اخرج من جيب بنطالة مبلغ

مالياً وقال برفق……

“خدي دول……”

نظرت للمال ثم قالت ممتنعة…. “معايا فلوس……”

سحب يدها ووضع المبلغ بكفها واغلق عليه بيده

قائلاً…….

“عارف…. بس يمكن الفلوس تقصر معاكي… خليهم زيادة……”

اومات براسها على مضص…..فقال برفق…..

“إشتري اللي نفسك فيه ولو عوزتي حاجة كلميني……وفردي وشك ده……”

مسك ذقنها…. فابعدت يده عنها حانقة….

“ملكش دعوة بيا…..”

نظر خلفها ثم عاد إليها قائلاً….

“طب يام بوز……. يلا عشان اميرة بتشرولك……..”

بدأ يجذب اطراف حجابها قليلاً من الإمام

حتي يغطي برزو نهديها…الذي يظهر من اسفل العباءة بحياء…….ابعدت داليدا يدهُ قائلة

بخجل….

“بتعمل إيه ياسلطان…….. ”

نظر لها بملامح مكفهرة…..قائلاً بنخوة….

“ليه مش مطولة الطرحة عن كده…..”

نظر داليدا للوشاح ثم عادت إليه

باستياء….

“دا آخرها……وبعدين العباية واسعة…. زي

ماطلبت….. ”

سحب مجدداً أطراف الوشاح….فقالت داليدا

هاربة منه…….

“بس بقا أختك وقفه……سلام……”

نظرت اليه نظرة اخيرة ثم ابتعدت….اما هو فظل واقفاً يلاحقها بعيناه حتى اختفت عن مرمى

ابصاره……

عندما وصلت الى اميرة وابنتها……استقبلتها

اميرة حافلة……

“كل ده رغي…. بتحبوا في بعض…. يلا اتأخرنا…….”

قالت داليدا بسخرية مريرة….

“معلش اصل احنا بنموت في بعض…..”

سارا معاً في الشارع جوار بعضهم…..فقالت أميرة

لها بمحبة…….

“ياختي ربنا يخليكم لبعض…….ويزود محبتكم

لبعض كمان وكمان….. ”

اكتفت داليدا بابتسامة عابرة بينما داخلها

غمغمت سراً……. “اكتر من كده هنموت بعض……”

…………………………………………………………..

في المساء…..

في غرفة النوم والتي يبيت فيها سلطان…

وقفت امام مرآة الزينة فهي تفضلها لكبر حجمها

عن المرآة الموجودة بغرفة الأطفال……

لانت شفتيها في إبتسامة تشع زهوٍ وسعادة وهي تجرب احد قمصان النوم الحريرة…والتي اصرت

أميرة ان تشتريهم لها من ضمن المشتريات

الكثيرة التي اقتنتها…….

كان القميص قصير من اللون الأبيض الامع كالقمر في تمامه تضوي معه……يكشف عن الكثير ويخفي مفاتنها

باغراء……..تترك شعرها الكثيف الطويل ينسدل

على ظهرها بنعومة……..

بدأت تمرر يداها على خصرها المنحوت راسمه بعينيها جمال جسدها بهذ القميص القمري……

لم تنتبه قط…للباب الذي فتح والضيف الذي اقتحم

غرفته ينادي عليها بملل……

“داليدا……. الآكل انا جعااان……داليـ…. ”

توقفت باقي الكلمات في حلقه وقد تبدلت ملامحه المتجهمة دوماً الى اخر شديدة التعجب…وكانها

اثارت دهشته…..بهذا القميص……

شعرت انها عارية امام نظراته المشدوهة والمثبتا عليها…..فبلعت ريقها وهي تبحث بعينيها عن شيءٍ

يسترها لكنها لم تجد….مما زاد توترها……

تكلم سلطان أخيراً وعيناه ضائعة في تلك الفتنة المتحركة أمامه…والتي تفتن قديس دون تردد

وآحد……..فماذا عنه هو !!……

“انتي بتعملي إيه هنا…….”

تلعن حظها الأسود وهذا الموقف بأكمله…..

“أنا….انا كنت بغير الهدوم اللي جبتها….مراية التسريحة هنا اكبر واحسن…”

انتظرت رداً منه…انتظرت كثيراً لكنه لم يرد ولم يرحم خجلها ظلت نظراته القوية قائمة بينهما…بل

وتبدلت بومض غريب….لأول مرة تراه في عيناه…

فتلجلجت قليلاً لتقول…وهي تنوي

الفرار منه………

“انا هغير هدومي وهحضرلك الغدى……”

اقتربت خطوتين فتقدم هو أربعة خطى حتى وقف

أمامها ولفح وجهها بانفاسة الساخنة…..

انتفض قلبها بين اضلعها وازدردت ريقها عدت مرات

بتوجساً وهي ترفع عينيها بتردد…….

“لسه زعلانه…….”

فغرت داليدا شفتيها بعدم استيعاب وهي لا تفهم ماذا يقصد……..

فمد سلطان يده يرجع خصلاتها باصابعه وكانه يختلق اي شيءٍ ليلمسها !!…..

“انا كنت بتكلم معاها في الشغل……”

هتفت داليدا بتوجس بينما حدقتاها تسير مع اصابعه المتسللة بين خصلاتها… “طالما شغل خلاص…. ”

ازدادت ملامسته الى وجنتها الطرية وعنقها

الناعم…. “يعني مش زعلانه…….”

قالت بتلعثم محاولة الهرب….

“لا…… انا هروح ا….. احضرلك الغدى……”

همس بحرارة……. “مش جعان…….”

سارت حدقتاها مع اصابعه بخوف……

“بس انت لسه قايل انك جعان……”

“شبعت……”

بلعت ربقها وهي ترى اصابعه تسير على خطوط شفتيها ترسمها كما كان يرسم وجهها وعنقها منذ ثواني……همست داليدا بضعف……

“سلطان……..”

مالى عليها هامساً برجاء حار….حارٍ جداً…متأجج

بجنون……..

“عايز اخدك في حضني….عايز المسك ياداليدا…”

اغمضت عينيها وقد ذأبت… ولم تتوقع ان يذوب جسدها وقلبها مع طلبه….

لتجده يحيط خصرها الغض بكفيه الصلبتين القويتين… ثم قربها أكثر اليه حتى تلامست اجسادهما لتجده يميل عليها ويدفن وجهه

في عنقها يشتمها بقوة ويضمها اليه أكثر من ذي قبل……وكأنه يود مزجها مع اوردته….. وكانه

يريدها ان تلامس قلبه النابض بجنون الان

بقربها…

يراها آخر وردة في أرض قاحلة…..يراها اخر نسمة

هواء تمر في صيفٍ حار……يراها آخر قطرة ماء

تمر على جوف ظمئاً……… يراها الحياة…سقاء

آلروح……….

ضمها اكثر اليه يمرمغ وجهه في جيدها مشتم عطر

الجوري من خلالها…. يبرهن الآن انها امرأة معجونة بالورد !!…..

“سلطان…….”

همست داليدا بضعف وهي تجد يداه تنحدر لمفاتنها تلمسها بتأني وكانها تكتشفها بطريقة اخرى….

“سلطان… ابعد عني…….”

ابعد وجهه عن جيدها بصعوبة… ثم…. ثم نظر اليها

وعيناه تحمل ألق جديد وهو ينظر الى شفتيها

برغبة متأججة داخله منذ ان أصبحت زوجته

وحلالاً له…..

“سلطان…..” قالتها داليدا بخوف وهي ترى عيناه

متعلقه بشفتاها الشهية……

“انا…… انا عايزك يادليدا……”

وقبل ان تترجم ماذا يريد…… وجدت شفتيها تختفي

بداخل فمه…….. لتشعر بدفئ يسيري في جسدها

بينما انفاسه تعانق انفاسها فاغمضت عينيها ولم تقاوم او تعترض… وكانه خدر حواسها وهزم اي مقاومة داخلها…….

حتى ازدادت قبلاته نهم ولمساته جرأة لم تعهدها

منه يوماً……. وهي لم تقاوم لم تعترض فقد كانت في حالة من النشوة المستجدة معه……..

لتجد ظهرها يرتاح على الفراش وهو معها يتذوقها

بنهم……. تسير شفتيه على ملامحها بشغف وكأنه

يرسمها بشفتيه……. بلسانه… باسنانه التي تدغدغ

عنقها بين الحين ولاخرى……فكان يداعبها

بحبٍ….فتذوب معه برضا تام…وكانها ليست

مرتهما الأولى….وكأنهم فعلاها قبل ان يأتي

للحياة……

لا تعرف لكنها شعرت انهم ليسوا اغراب….ليسوا مختلفين ولا حتى يجمعهما خلاف واحد….

كانوا في الفراش متفاهمين يكملون بعضهما…وكانه

الكمال الافضل على الإطلاق………

شعرت انها تضيع اكثر من الازم…. فالقبلات والملمسات ستتحول الى علاقة كاملة….. وهي

غير مستعدة وهو غير واثق مما يحدث بينهما

ربما رغبات تحركهما تدمغ اجسادهم ببعضها

بجنون….. لكن من المستحيل ان تتبدل النقطة السوداء داخلهما لأبيض قمري……..كالقميص

الذي هزم كلاهما وجمعهما في فراش

واحد…..

لا تعرف كيف دفعته وهربت الى غرفتها تغلق بابها

عليها بخوف بينما صدرها يعلو ويهبط بجنون وكانه

في سباق لا نهاية له..

اطرق سلطان على باب الغرفة بجنون وهو يهتف

بصوتٍ متحشرج……

“افتحي ياداليدا…..افتحي نتكلم…….”

قالت داليدا بصعوبة….

“لا مش هفتح ياسلطان……..وابعد عني……”

ضرب سلطان الباب بغضب…..

“داليدا انا جوزك وليا حقوق عليكي……”

سالته بحنق…… “يعني إيه…….”

“يعني انا عايزك…. محتاجك……أفتحي……”قالها بحرارة فشعرت بان الجملة تلامس جسدها الذي ارتجف بتجاوب……..

مما جعلها تدعي الغضب قائلة…..

“لا انا مش آلة للمتعة…….وبعدين انت مش قولت

انك قرفان مني سبني في حالي…….”

ضرب على الباب مجدداً بغضب

متأجج…

“إفتحي ياداليد….عشان مكسرش الباب على دماغك…….”

هتفت داليدا بتوعد……..

“والله لو عملت كده هصوت… وخلي اهلك بقا

يطلعوا على صوتنا….وقولهم انت عايز إيه……”

ضرب سلطان على الباب عدت مرات

بغضب…

“ماشي ياداليدا…..ماشي…….”

عندما شعرت ان تهديدها اتى بنفع وقد ابتعد بالفعل عن الباب…….اغمضت عينيها بتعب وتركت جسدها يهوى أرضاً خلف الباب المغلق……

…………………………………………………………..

كانت ممدة على أحد المقاعد امام مسبح الفيلا الخاص بوالدها…. ترتدي ثوب السباحة وتغطي

ساقيها بالمنشفة…… تقوم بدهن كريم على كتفيها

وذراعيها وهي تسمع احد الأغاني الغربية الصاخبة والتي تسب في الحبيب الخائن…..

هذا الذي لفت انتباه (شادي)ابن خالتها..والذي اتى للتو من الخارج في زيارة سريعة لها…وقد رآها

على هذا الحال ، منزعجة عابسة تسمع موسيقى صاخبة تتضمن كلمات حاقدة غاضبة…..

“مين دي يابيبي اللي خانك معاها……”

انتبهت ايتن اليه من أسفل نظارتها السوداء…

والتي نزعتها بعبث…..

“شادي…. امتى جيت……”

“من شويه مالك ياتوتا…..مش في المود يعني….”

جلس  شادي في المقعد المقابل لها….وكان شاب وسيم الى حد ما يتمتع برفاهية  المطلقة…والتي تظهر من خلال ملابسة العصرية ، ببنطالة الجينز الساقط عن  خصره قليلاً….و الكنزة ذات الازرار المفتوحة مستعرضاً صدره….. وسلسال ذهبي

معلق في عنقه …. وقصة شعر غريبة الاطوار

…وحاجبين تم رسمهما بمهارة كالنساء…..ومع

كل ذلك وشوم مبالغ بها على عنقه وعلى ذراعه برسمات مريبة……

علينا ان نقول انه شخصاً يتمتع بحرية الاغراب

تلك الحرية التي ينفر منها كل شخصاً سوي….

هربت ايتن من عيناه قائلة……

“ا No….عادي…I’m fine……..(انا بخير..) ”

زاد الالحاح وهو ينظر اليها…..

“مش باين…….هو سليم زعلك ولا إيه……”

زفرة بضيق وهي تخبره على مضض….

“حسى انه مشغول بالبنت اللي شغاله معاها في المكتب…….شكا فيهم ياشادي…….”

سالها بحاجب ماكر……. “هي حلوه……”

“ا…No…..” ثم نظرة لشادي قليلاً….ثم قالت

باختناق……..

“ا yes…..حلوة…..وشكلها بتحاول تاخده مني…..”

ابتسم شادي هازئاً……

“ارسي على بر يابيبي بتحاول تاخده منك…ولا في حاجة بينهم…….”

نظرت للسماء وهي تشعر انها تحترق كلما

فكرت بوضعهما……..

“مم I don’t know ياشادي…….دا اللي هيجنني…

بس سليم متغير معايا أوي……..”

لوى شادي شفتيه وبنظرة مزدرية أخبرها…..

“واي الجديد ماهو علطول متغير…..دا راجل معقد

مينفعكيش يايتن…..جوازك منه هيحرمك من كل

متع الدنيا…..وقريب اوي هيبعدك عني وعن صاحبنا

فكري يايتن….سليم ده قفل وبيئة…….وانتي كتير

عليه………”

اومات براسها وهي تتنهد بولة…….

“عارفه بس انا بحبه….شادي بليز… بليز….I want to help…..”

نظر اليها مقطباً بتساؤل….

“مش فاهم اساعدك ازاي……”

مالت ايتن عليه تمسك يده قائلة بدهاء…..

“تحاول تقرب من البنت دي….وتبعدها عن سليم…

بليز ياشادي…….انت شاب وسيم وكول…غني..

والبنات اللي من النوعيه دي بيجروا ورا الشباب

اللي زيك…. ”

ابتسم شادي بدناءة قائلاً بتطوع……

“اوكي يايتن انا موافق اهو اتسلى شوية…. بس اشوف صورتها الأول يمكن متعجبنيش…..”

“استنى….هي عند سليم من الفريند…..”مسكت ايتن هاتفها سريعا تبحث عن صفحة كيان عبر الفيسبوك…….

وعندما وجدتها اعطاته الهاتف قائلة

بسرعة…..”اهي ياشادي هي دي…….”

اخذ شادي منها الهاتف سائلاً…. “إسمها إيه……”

قالت بتململ…….. “كيان…..”

نظر شادي للصورة بأعجاب…..

“واووو….. اسمها مميز……. وشكلها يفتح النفس…”

ابتسمت ايتن بارتياح وهي تومأ براسها

ببساطه…..

“اعمل اللي انت عايزة…. المهم تبعدها عن سليم…”

أبتسم شادي بلؤم وهو يعطيها هاتفها….

“اوكي… اعتبريها معايا.. وحلال عليكي حبيبك

القفل …. وحلال عليا كوكي……..”

اومات ايتن بابتسامة شيطانية وهي تمد

كفها له……… “اتفقنا…….”

فبادلها شادي الابتسامة بمنتهى الثقة والمكر…..

ثم بادلها المصافحة…….بإتفاق موثق بينهما…….

……………………………………………………………..

نظراته  تلاحقها بقوة…. تشعرها بأنها عصفورة جميلة من فصيلة نادرة…. ترفرف حولة  بخفة بين الحين والاخر فتجذب الأنظار إليها اينما ذهبت……

وضعت (  كيان) فناجين القهوة على سطح المكتب وهي تتجه امام عيناه الثاقبة الى  المكتبة الكبيرة لتاخذ أحد الكتب القانونية التي تستعين بها عند الوقوف عن  حل قضية معينة يكلفها بها( سليم)…..

فقال أحد الموكلين المشارك سليم الجلسة….

“احضرينا يا استاذة…….”

استدارت له كيان وهي ترتدي نظارة طبية عند القراءة…… فاحياناً الخط في الكتب صغير وغير

واضح……..

رفعت نظارتها فوق شعرها وتقدمت منه بخطوات هادئة وكانت ترتدي طاقم عملي غاية في الأناقة

عليها……. وتعقد شعرها للخلف في كعكة رغم فوضويتها الا انها جذابة جداً عليها……

جلست امام الرجل سائلة… “خير يا وفيق بيه…….”

قال الرجل الذي يشع ثراء……سواء بالحلة الفخمة

او ساعة اليد ذات الماركة الغالية……

“عامل ياستي حفلة على شرف المتر… بمناسبة القضية اللي كسبهالي……. فعامل يماطل… ومش راسي على حل…….” تابع مبتسماً…….

“عايزك تقنعيه…. لانك انتي كمان معزومة معاه…”

فغرت كيان شفتيها ثم قالت ممتنعة….

“انا…. لا مش هينفع خالص…….”

نظر الرجل لها بتعجب…..

“جرالك ايه ياستاذه… دا انا بقول انتي اللي

هتقنعيه… تقومي انتي كمان تقولي لا…..”

تدخل سليم قائلاً بصوتٍ رخيم…..

“سيبنا نفكر ياوفيق بيه…..ويومين بظبط

وهرد عليك….. ”

نهض وفيق واغلق أزرار السترة قائلاً….

“هكون مبسوط لو وفقت….دا مش هيبقا اخر

تعامل بينا……”

بادله سليم السلام قائلاً… “ان شاء الله شرفتنا…….”

ثم نظر لكيان قائلاً…….

“وصلي وفيق بيه ياكيان…….”

اومات كيان بانصياع…فرفض الرجل برفق….

“خليكي مكانك ياستاذة…انا عارف السكه

سلام عليكم……..”

خرج الرجل من المكتب….فجلست كيان في

مكانة تسأل سليم بدهشة…..

“انت فعلاً هتروح الحفلة…ولا بتقول كده

وخلاص….”

عبث في القلم بين أصابعه…..قائلاً بوجوم…..

“فيه حاجة في الشغل اسمها كده وخلاص…هو

احنا بنلعب……..”

توسعت عينيها فازداد بريق فيروزيتاها وهي

تساله…. “ايوا يعني انت هتروح…….”

“اكيد وانتي هتيجي معايا……”هز رأسه بينما

عيناه تلتقط كل تغيرات ملامحها…فسبحان

الخالق وجهها يعبر قبل ان تصرح بما يجول

بداخلها……..

قالت كيان بامتناع……

“مستحيل ياستاذ……محدش في البيت هيوافق…”

بصوتٍ رخيم اخبرها……..

“حولي تقنعيهم…..اهو نغير جوا…….اي رأيك….”

قالت ببراءة متمنية……

“هو انا نفسي أروح حفلة….زي اللي كنت بشوفها

في المسلسلات التركي والكوري…بس……”

توقفت عن الحديث….. فتافف سليم سائلا

بفضول…….

“يادي المسلسلات اللي لحست مخك….بس إيه….”

مطت شفتيها……. “مش هيوفقوا……”

قال بحاجب معقود….. “هو انتي لسه قولتلهم………”

هزت راسها قائلة بثقة…..

“من غير ماقولهم…..انا عارفه حمزة وشهد…مش هيرضوا……”

“وانا قولتلك حولي مش هروح من غيرك…..”قالها

باصرار شديد……..جعلها تخجل عنوة عنها…..

وقالت بتلعثم……

“ليه انت ممكن تروح مع ايتن خطبتك….على

الأقل هي فاهمه في الحاجات دي أحسن مني…..”

تعمق في النظر لفيروزية عينيها وهو يقول

بجدية شديدة…….

“بس هو معزمش ايتن….هو عزمني انا وانتي…

وبعدين الحفلة دي اكيد هيكون فيها شغل وتعاملات

ولازم تكوني موجوده….اهوه تكسبي خبرة…..في التعامل مع الطبقات دي…….”

ثم رجع بظهره لاخر المقعد قائلاً باعجاب…..

“انا متنبأ انك هتكوني محامية شاطرة ياكيان….”

ابتسمت كيان ابتسامة تقطر عسلا….

“بجد يااستاذ…….. دي شهادة اعتز بيها……”

بادلها الإبتسامة قائلاً بحزم…….

“اعملي حسابك هنروح الحفلة سوا…..حاولي

تقنعي اخوكي واختك……”

اسبلت اهدابها بقلب يخفق بشدة…..

“هشوف يارب يرضوا…….”

…………………………………………………………….

ترجلت من سيارة الاجرة في حي سكني راقي……

وامام منزل كبير يحاط بحديقة داخلية…..

وقفت امام الباب فاوقفها البواب المخصص

لحراسة هذا المكان….

“عايزة مين ياست………”

نظرت له شهد بهدوء قائلة….

“الحاجة نصرة… في بينا شغل…. وهي كانت مستنياني النهاردة عـ……”

اوقفها الرجل قائلاً بتذكر….. “انتي الست شهد…….”

اومات براسها بنعم…. ففتح الرجل البوابة الكبيرة مشيراً لها بدخول…..

“اتفضلي ياست شهد….. الحاجة مستنياكي من بدري……”

خطت شهد بقدمها اليمنى عتبة الباب الحديدي… وهي تخفض عينيها لترى أول خطوة من هذا البيت

ارضية مصقولة…… ممتده الى بوابة البيت

الزجاجية بافرع حديدية مزخرفة….

سارت في الحديقة وعيناها تتفحص المكان… كانت ساحةٍ خضراء جميلة تسر العين بها بعض الأشجار

ورقعة أرض بعيدة تحتوي على الأزهار…….

رغم جمال الحديقة إلا ان اصحابها كانوا مهملين بها

فالزرع وخضار العشعب ليس بحالة جيدة…كان

باهتاً لا حياة به……..

ابتسمت بحزن لطالما تمنت في صغرها ان تحظى بحديقة مثل تلك ترعى الزرع وتسقي الورد

وتقص الأشجار…….كانت تحب السلام والهدوء من يومها لكنهما لم يحبوها أبداً فعاشت العكس…حتى

تهشم قلبها قبل ان يحيا كالجميع…..

اصطحبها البواب الى داخل المنزل….. فقالت في سرها……

“ما شاء الله…….”

وكانها بداخل سراية مماليك….. كان المنزل رائع فخم

واسع يلمع من شدة جماله…… عكس الحديقة الباهته

يبدوا ان الاهتمام الأكبر للمنزل الضخم……..

انتبهت بانها في الردهة حيثُ ابواب كثيرة وسلم ممتد امامها بسور خشبي يلمع بشدة….. مؤكد انه يوصل لغرف النوم كما ترى في المسلسلات

العربية الاصيلة……

أسبلت جفنيها ثم عادت الى الرجل الذي اتى

عليها قائلاً….

“انا بلغت الست الكبيرة بوصولك….. وهي جايه

حالاً…..”

ثم تركها تقف مكانها في منتصف الردهة !….

فوقفت مكانها متخشبة……..تحرك حدقتاها يميناً ويساراً…. متأمله سراية المماليك…….

“اهلا وسهلاً….أهلا وسهلاً……”

حركت شهد راسها نحو الصوت المنبعث من

الجهة اليمنى…….لتجد امرأة قاعدة على مقعد

متحرك اكتروني…….ترتدي عباءة بيضاء ووشاح

مماثل…تشع بشاشة ونقاء وايمان تراه من النظرة

الاولى……من يراها هكذا يظن انها عادت من

مناسك الحج للتو لذلك وجهها مشع بالإيمان

والرضا……….

سريعاً فهمت انها (الحاجة نصرة…)جدة عاصم الصاوي…..لذلك تقدمت منها قائلة بحياء….

“أهلا بيكي ياحاجة…..انا شهد……”

نظرت لها نصرة بحنان وقالت باعجاب…..

“بسم الله ماشاء الله….. تبارك الخالق…….اسم على مسمى……عاملة اي ياشهد……”

اومات شهد بحرج وهي تمسك حزام حقيبتها كنوع

من استمداد القوة بعد تعليق السيدة…… الذي اخجلها

بشدة…….. يبدوا ان عائلة الصاوي صريحة في

التعبير عمَّ يرون…….

“الحمدلله…. ازي حضرتك……”

“بخير يابنتي تسلمي…..تعالي نقعد جوا… عشان نتكلم براحتنا…….”

اتجهت السيدة بمقعدها المتحرك الى الصالون ورفقتها شهد….التي شعرت بالحرج والتوتر بشدة

فهي لم تقدم على زيارة الغرباء والدخول الى

منازلهم……..

جلست شهد على الاريكة واخرجت من حقيبتها

دفتر وقلم وسألت السيدة…..

“اي الاصناف اللي حبا تعمليها في اليوم ده…..”

انعقد حاجبي نصرة بتعجب… وقالت بتمهل…

“انتي مستعجلة كدا ليه….. انا لسه مسالتكيش…. تشربي ايه…….”

رفضت شهد بحرج…… “لا….. ولا حاجة……”

اقتحم عاصم المكان قائلاً بخشونة….

“إزاي ولا حاجة انتي مفكرانه بُخله ولا إيه….”

الأمر لا يحتمل وجودك أيضاً…… الرحمة…..

خفق قلبها بشدة وهي ترفع عيناها عليه تلقائياً….

فابتسم وهو يتأملها…. فكانت مختلفة أليوم عن

كل يوم قابلها فيه…..

كانت ترتدي بنطال جينز وقميص أزرق وتلملم

شعرها للخلف على شكل ذيل حصان…..دون ترك

اي خصلات متناثر على جبهتها……

أخيراً  راى الجبهة المشدودة ناصعة البياض… فاكتملت ملامحها لعيناه…… جميلة سواء  الان او قبل ذلك حقيقةٍ كل شيء يليق بها يلائمها بشدة وكانه خلق لها  وحدها….

حتى شهد نظرت اليه نظرة خاطفة… فكان وسيم

بشدة بطاقم  الرياضي البيتي……. والذي برز عضلاته وصلابة جسده……باستثناء قامة جسده فهي  واضحة دوماً وتربكها بشدة…..كان مصفف شعره الاسود الغزير للخلف…….فكان يلمع  بشدة……

رجل نظيف يلمع ويليق بأن يكون مالكاً لسراية المماليك الواقفين على ارضها الآن…..

انتبهت نصرة لنظرات حفيدها المشعة بالهفة والسعادة لرؤية الطباخة…. الاتية عن

طريقة !!….

كيف وقع بهذه السرعة… وهي التي ظنت انه

سيعود الى رُفيدة عن قريب ؟!…..

“قولها ياعاصم…….لحسان انت عرفني مبحبش

أعيد كلامي مرتين…”

اقترب عاصم منها فنهضت شهد سريعاً فمد يده

لها قاصداً السلام…….

“نورتي المكان…….”

بلعت ريقها وهي تنظر لكفه ثم….للجدة التي تتابع مايحدث بفضول…..

فعدت شهد من واحد لخمسة بقلة صبر ثم

وضعت يدها بيده….. وعند الملامسة ارتجفت

فأبتسم…..وتبدلا النظرات….

قالت نصرة بخبث….

“برضو مقولتيش تشربي إيه ياشهد……”

سحبت يدها من كفه المطبق عليها…ثم نظرت

للسيدة قائلة……

“ممكن شاي……”

تدخل عاصم مهتماً……

“شاي إيه….إحنا يعتبر لسه على الصبح…هجبلك عصير….ماشي….تحبي نوع معين…..”

عضت على باطن شفتيها وهي تخبره

بصعوبة…. “لو في برتقان تمام……..”

ابتسم مداعبها بالكلمات…….

“لو مفيش نجيبوا……دا انتي أول مرة تدخلي بيتنا……”ثم نظر للجدة التي تتابع ما يحدث

بفم مفتوح……

“ولا اي ياحاجة…….”

قالت نصرة سريعاً……

“طبعاً طبعاً…..احنا لازم نكرم ضيوفنا…..هنية

هنية…….”

اتت الخادمة سريعاً بعد النداء…. ثم ووقفت

امامهم قائلة باحترام…..

“اوامرك ياست الحاجة……”

اشارت نصرة وسبحة بين يدها……

“اعملي عصير برتقان…….وقدمي للضيفة……”

اومات الخادمة وهي تسأل عاصم بأدب….

“اجيب حاجة ليك يابيه مع العصير…..”

“لا…هاتي العصير فرش……”ثم نظر لشهد

سائلا بحنان……

“تحبي اجبلك تفطري……”

اتسعت عينا شهد وكذلك نصرة…فقالت شهد

ممتنعه بسرعة…….

“لا طبعاً…. انا فطرت الحمدلله……”

أومأ عاصم باستياء من خجلها المبالغ فيه….

ثم قال للخادمة…….

“خلاص خليها عصير بس…….بسرعة ياهنيه….”

“من عنيا يابيه…..”ثم هرولت الخادمة للخارج

تلبي طلبه………

عادت شهد جالسة مكانها بحمرة خجل صارخة….

بينما جلس عاصم جوارها على الاريكة تاركاً مسافة بينهما.. فانكمشت شهد بحياء….وشعر هو برجفة جسدها دون ان يلمسها…….

فتمالكت شهد اعصابها المشدودة…ومسكت الدفتر

والقلم وعادت تسأل الجدة مجدداً…..

“لسه معرفتش اي الاصناف اللي حضرتك عيزاها…

ينفع تعرفيني عشان اسجل كل حاجة هنا ومنساش……..”

“برضو مستعجلة…….”قالتها نصرة وهي تنظر الى حفيدها بلؤم لتجده ضائع مع الجميلة مشدوهاً…

فالواقع كان مشدوهاً ولكن ليس لأجل جمالها فهو مشدوهاً من أول يوم وقعت عيناه عليها…..

بل هو مشدوهاً الآن بما رآه في آذنه اليمنى الجالس بالقرب منها……والذي يراها بوضوح دون خصلات متناثرة تجحب عنه الرؤيه…..

لذلك كانت كانت تغطي جبهتها واذنيها بتلك

الخصلات المتناثرة ؟!……..

لا يعرف مالذي حدث له…لكن قلبه…..قلبه احترق…

المه بشدة….كيف لهذا الجمال ان يكون ناقصاً….

وكيف ترى هذا مانع للجواز…….فهو الان بدأ في

ربط الاحداث ببعضها…..مستنتجاً رفضها

المبهم منذ أيام……..

ظن ان المانع هو ضرر بسيط في الأذن لا يعرف ان العيب ضرر كبير في آلروح وان ماتراه العين صورةٍ

مشوشة…….

نظرت اليه شهد وقد انتبهت لنظراته فشعرت بالحرج

وهي تخفي اذنها باصابعها بحركة عشوائية بلهاء…..

اتت الخادمة بالعصير ووضعته على الطاولة

أمامها…….

فقالت شهد للجدة مجدداً وهي تستعد للكتابة…

” فكرتي حضرتك بالوصفات اللي عيزاها…. ”

أكدت نصرة قائلة بإبتسامة……

“آه طبعاً…… اكتبي عندك……”

سحب عاصم الدفتر منها والقلم ثم مسك كوب العصير قائلاً…….

“اشربي العصير الأول وبعد كده يحلها الف

حلال…..”

احتدت نظرات شهد عليه وقد خرجت عن

صمتها….

“ممكن تديني القلم والدفتر…. لو سمحت…..”

أمرها عاصم…… “اشربي العصير الأول…..”

جزت على اسنانها….. “مش عايزة هو بالعافية…….”

تدخلت بينهما نصرة بطيبة…..

“جرالكم إيه ياولاد هتتعركوا سوا… عاصم عنده حق ياشهد اشربي عصيرك وبعدين نتكلم…..”

صدح الهاتف الارضي فاتجهت اليه نصرة بمقعدها

ثم رفعت السماعة على اذنها وقالت بعد ثواني بسعادة…….. “دي علا……”

قال عاصم بابتسامة دافئة…. “سلميلي عليها……”

اندمجت نصرة في الحديث مع حفيدتها…

فقال عاصم بضيق……

“هتفضلي تبصيلي كتير…..”

نظرت له شهد بغيظٍ…..

“انا مبحبش حد يتحكم فيه… او يغصبني على حاجة……”

مط عاصم شفتيه وهو يشعر انه يجاهد لاقتحام

قلب صنع من حجر صلب……..

“وفين الغصب ده…دي كوباية عصير….. امال لو قولتلك نتغدى سوا النهاردة….”

امتنعت بتزمت….. “مستحيل طبعاً…..”

قال برفق وهو ينهال من عسليتاها….

“مش هنا….. يعني في اي مكان برا… اي رأيك….”

رفضت مجدداً…… “لا….. ياعاصم……”

سألها بعتاب…… “ليه ياشهد…….انتي بتقفليها ليه

في وشي….”

قالت شهد متعجبة من سرعة مايحدث

بينهما….

“انت متعرفنيش غير من شهر واحد……”

رد عليها بجدية شديدة……

“في حاجات لا بتتقاس بعدد الأيام ولا الساعات…”

ردت ممتعضة…. “أمال بتتقاس بأيه….”

“طالما سألتي….يبقا الإجابة ملهاش لازمة.. ” قالها وهو يبتعد عن عيناها حانقاً…..

فعندما  رأت عينياه متجهمتين….مسكت الدفتر والقلم مجدداً وخطت بيدها شيءٍ ثم اشارت  اليه كي ينظر الى دفترها……فنظر وجدها كتبت ببساطه…..

(انا خايفة……)

اخذ القلم منها وكتب دون تردد…….بخط

الرقعة المميز……..

(انا جمبك ياشهد…….)ثم اسفلها كتب…..

(اديني فرصة…….)

نظرت للورقة ثم لعيناه فوجدته يطوف في فضاء

عسليتاها قائلاً بصوتٍ أجش…..

“قولتي ان الحياة بنسبالك اخد وعطا….بس فيه حاجات مينفعش ندي وناخد فيها غير لما نتأكد

انها تستحق…….انا شايف انك تستحقي….اكتر

بكتير من اللي ممكن اقدمه ليكي…….”

سارت رعشة لذيذة في عمودها الفقري…. ثم

خفقه مؤلمة من قلبها جعلتها تهمس بتوله…

“عاصم…….”

الطرب في صوتها ايقاع مميز يلامس القلب

متفاعلاً معه بقوة…….فابتسم عاصم

بجاذبية لعيناها قائلاً……

“اهو عاصم من بين شفايفك…..يساوي

عمر بحالة……”

أسبلت اهدابها بقلب يخفق بشدة…فانهت نصرة المكالمة وانضمت اليهما….فتحدثا قليلاً في العمل

ثم بعض الدردشة في اموراً عادية…لا تخلو من مشاكسة عاصم……..واهتمامه الفطري بها…..

وقد أحبت نصرة كثيراً شهد……وقد شعرت بالالفه معها اكثر من الهام ورُفيدة……

فكانت شهد نقية نقاء يرى من أول لقاء…عزيزة النفس…….راسية الحديث……على وجهها

القبول والمحبة……

فاحبتها نصرة وتمنت ان يكون ما رأته في أعينهما

صحيح…..فوقتذاك ستكون أسعد انسانه على وجه

الأرض فقد عوض الله حفيدها بامرأة حسناء

مهذبة…. نقية آلروح……هل ستتمنى أكثر من

ذلك…….

دخلت في تلك الأوقات الصافية إلهام التي خطت بحذاءها العالٍ الصالون لترى هذا المشهد….

شابة قصيرة الشعر عسلية العيون تجلس بجوار

عاصم وتبتسم وهو يضحك بقوة كما لم يضحك

من قبل وكانها اطلقت دعابة حصرية له وحده..

جزت على اسنانها وهي تشم رائحة لم تفضلها

مما جعلها تتقدم منهما صادرة صوت طقطقات

بكعبها العالٍ حتى وصلت إليهما…فقالت بود

مصتنع…….

“اهلاً وسهلاً…اي دا ياماما…هو احنا عندنا

ضيوف ولا إيه…..”

اومات نصرة على مضض…..

“ايوا يالهام….دي الشيف شهد….. اللي هتطبخ في الوليمة ان شاء الله……”

شملتها الهام بنظرة مقيمة…. ثم قالت

باستعلاء…. “الطباخة يعني…..اهلاً……..”

رفعت شهد عينيها عليها…بينما عرفت نصرة

عنها…

“دي ياشهد…… الهام مرات ابني مسعد…….”

وكانها اصيبت بصاعقة مفاجئة شلت تفكيرها

وجسدها للحظات…

جحظت عيون شهد بعدم تصديق…وان كانت شكت في وجهة الشبه بينهن فالاسم أكد انها هي……

لم تتغير رغم السنوات لم تتغير كثيراً…. مزالت هي المرأه القادرة… المستحوذة على العقول… القادرة على شبك القلوب بالهوى السام…..

هي من كانت السبب في فتح بابٍ من أبواب

جحيم والدها عليهم للأبد……..

هي من تسببت في مرض امها من شدة الحسرة بعد نفور زوجها المستمر نحوها رغم سعيها لتبدل

الحال…….

هي من جعلت من حمزة رجلاً بلا مستقبل….

هي من جعلتها تفقد الأمان والثقة فاي رجل….

هي من بسببها عاشوا سنوات من القسوة والجفاء

هي من كانت سبباً في فقدان اذنها اليمنى…. وما

اتى بعد ذلك…..

لماذا الان ترى الماضي امامها يحيا بسلام حراً

طليق…. دون ان يصاب بأي آذى…… وهم يعانوا

كل دقيقة وكل يوم ينخفض بريق الحياة داخلهما

حتى أصبحت الأيام مكررة والمشاعر مهشمة…

هما يموتوا كل يوم… وهيا تحيا مرفهة كل دقيقة

فأين عدالة السماء ؟!……

مدت الهام يدها إليها قائلة بإبتسامة صفراء…

“اهلاً ياشهد……..”

نهضت شهد من مكانها ودون ان تبادلها السلام

حملت حقيبتها قائلة……

“انا لازم امشي اتاخرت…….”

ارجعت إلهام يدها وهي تنظر لشهد بدهشة وغضب……..

حتى عاصم استقام واقفاً ينظر اليها

باستفهام…..

“تمشي؟!…..بسرعة دي………”

قالت شهد بوجوم وهي تحمل الحقيبة على

كتفها…….

“انا خلصت شغلي…وكتبت الوصفات اللي هعلمها

واتفقنا على كل حاجة……”ثم نظرة للجدة

مستفسرة…….

“مش كده ياحاجة نصرة…….يعني لو فيه اي

حاجة ناقصة عرفيني…. ”

هزت نصرة راسها بنفي وهي تقول بحنو…..

“لا يابنتي كله تمام….بس يعني قعدي اتغدي معانا…..اهو يكون عيش وملح بينا…….”

“مرة تانيه…..عن اذنكم……..”قالتها شهد وهي

تخرج من الصالون نحو الخارج……..

لحق بها عاصم وهو يناديها بلهفة…… “شهد……..شهد………”

استغربت إلهام بشهد قلة ذوق تلك الفتاة…وتعجبت

وغضبت من عاصم الذي يركض خلفها بلهفة…وكانها

اخر نساء العالم…….جزت على اسنانها وهي تسب أختها باقذع الكلمات………

مسكها عاصم بقوة من ذراعها وادارها اليه حتى

وقعت على صدره….فقال بانفاس عالية……

“انت بتجري كدا ليه…..انا مش بنادي عليكي…”

نظرت لعيناه القوية ومزال يطبق على ذراعها لكن

أرخى مسكته قليلاً…….سألها وعيناه تجري على

قسمات وجهها الشاحب……

“مالك ياشهد…..وشك مخطوف كدا ليه……”

خفق قلبه فانصاع لامرها……

“زي ماتحبي…..بس ينفع أعرف مالك…….”

اخفضت بصرها وهي تنزع ذراعها عن

يده برفق…..

“تعبانه شوية……وعايزة أروح……”

هتف بقلق…… “تحبي نروح للدكتور……”

رفضت وهي تهرب من تلك العيون الدفئة… التي تحتويها من نظرة واحده……”لا لأ….انا كويسه…….”

لم تكن تعرف يوماً ان الظلام دافئ إلا عندما

تنظر لعيناه……

ما الحكمة فان تكون تلك المرأه زوجة عمك….

هل هذا إنذار للابتعد عنك………

اقسم بأنني لم انوي الاقترب منك باي شكلا من الاشكال…….

المزعج بانك من تلاحقني ، وانا لا أجد سبب لردعك

….لكن يبدو ان الحجة انتهت هنا..وأصبح هناك سبب قوي للابتعد عنك……..

فأنا لا اطيقها…..ولن اطيق اي شخصٍ من طرفها

حتى ان كان انت…..

انتهينا ؟!!……..


تكملة الرواية من هناااااااااا





تعليقات

التنقل السريع