القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية الحب أولا الفصل الرابع الخامس والسادس بقلم دهب عطيه

 رواية الحب أولا الفصل الرابع الخامس والسادس  بقلم دهب عطيه 






رواية الحب أولا الفصل الرابع الخامس والسادس  بقلم دهب عطيه 




4= ج 2=تمتمت شهد وهي تخفض رأسها......

(اللهم طولك ياروح.....وبعدين بقا.......)ثم رفعت راسها فوجدته ينظر اليها بصمت.....فقالت

بابتسامة صفراء وهي تجز على اسنانها........

"منور........"

حرك حاجب و رد دون تبسم....... "بنورك........."

لم تتلاشى البسمة المكفهرة

واقترحت...

"تحب اعملك شاي...... قهوة......عصير......"

امتنع بهدوء وهو يسالها عن مايدور في

رأسه.......

"مش عايز اتعبك.........بس انتي فعلاً بتعرفي

تطبخي كويس.......ولا اي كلام..... "

تلك الجلسة وهذا السؤال يفسر للناظر انها مقابلة رسمية مع رجل يبحث عن زوجة تجيد الطهي وتربية الأطفال وشرط اساسي ان تكون متعلمة حتى تذاكر

للأولاد !......

الصبر......فانا افقده مع هذا العاصم.........

انعقد حاجباها ثم عقبت بتعجب....

"اي كلام إزاي  يعني؟!.......بعرف اطبخ طبعاً... وقريب اوي هدوقك اكلي.... عشان تطمن بنفسك......"

أحب ان يزيد شرارة التحدي بينهما

فقال....

"مقولنا مليش في اكل المطاعم........"

ردت شهد بمنتهى الثقة......

"وانا قولتلك انا غيرهم........ وارهنك انك لما تدوقي

اكلي......مش هتبطل تطلب الاكل من عندنا....."

قال عاصم بصوتٍ أجش......

"الثقة الزايدة دي بتودي في داهية يانسة شهد...."

احتد التحدي بينهما فقالت شهد.....

"بلاش تحكم غير لما تدوق بنفسك...... انا ممكن اقدملك دلوقتي حاجة بسيطه من اللي طبختها

تاكلها وتقولي رأيك......."

رفع عاصم حاجباً عابثاً سائلاً اياها وهو يميل

للأمام قليلاً... "وياترى دي رشوة؟!...."

مالت مثله للأمام واجابة

بهمساً سري.......

"اعتبرها عربون محبة........"

عند هذا القرب وهذا الرد شيءٍ داخله تحرك...حركة

لأول مرة يستشعر بها......رمش بعيناه مرتين وهو ينظر لملامحها الجميلة الهادئة والمنتظره.....

نهض عاصم بهدوء واخبرها بتسلط وهو على

وشك الخروج من هنا........

"طولت عليكي.........انا ماشي... وكل يوم الصبح الساعة عشرة هتلاقيني فوق رأسك زي ماتفقنا.......سلام يانسة........... شهد... "

خرج امام عيناها بهدوء عكس دخولة سابقاً.....

استدارت شهد للوحة الورقية لتنظر لاخر

كلمة خطاها بقلمة بخط الرقعة الأنيق

(صباحاً....)

كل صباح ستراه............سيتلف اعصابها قليلاً ثم

يوزع طاقته السلبية عليها.....ويستفزها ثم

يرحل......ليس لديها طاقة لرؤيته كل صباح

هذا صعب.......صعب..........

صاحت خلود عليها من المطبخ........

"ياشهد..... ياشهد تعالي شوفي الأكل مش ملحقه على كل ده لوحدي........"

"جايه.......... جايه ياخلود........" ابعدت عيناها عن اللوحة واتجهت للمطبخ سريعاً تنهي مابدأ.....

.......................................................................

عندما دلف عاصم الى الصاغة لم تمر الدقائق الا ووجد حكيم فوق رأسه يجلس في المقعد المجاور

له قائلاً بمنتهى الاريحية.....

"اطلب ليا واحد قهوة ياعاصم... وسيب الشغل ده وسليني شويه لحسان زهقان......"

رفع عاصم عيناه عن الاوراق وجز على أسنانه

مقطب الحاجبين ......

"زهقان !!.... وسليك؟!..... انت شايفني ارجوز... امشي على شغلك ياحكيم انا عندي شغل قد كده

فوق راسي......"

طلت البراءة في عينا حكيم متحججاً....

"البازار شغله مريح وبعدين الصبي بتاعي

واقف فيه......."

ارتاحت يد عاصم على سطح المكتب

وساله بملل........

"كويس اي بقا المطلوب مني......جاي ليه.... "

اخبره حكيم بمنتهى الهدوء......

"عشان اشرب القهوة ودردش معاك شويه......الا قولي

صحيح اي أخبار الجيران الجداد انا شايف المطعم فتح......."

احتدت نظرات عاصم وتحدث بغضب

مكتوم.....

"آآه كويس انك فكرتني.......الواد اللي جبتهولي

هنا عشان يأجر المطعم...... تعرفوا كويس......"

رد حكيم بجدية وهو يشير على عنقه......

"عيب ياجدع....طبعاً اعرفه دا انا اضمنه برقبتي...."

سحب عاصم ياقة قميصه وقربه من سطح

المكتب واندفع بغضب........

"رقبتك اللي هقطعهالك ان شاء الله....."

مسك حكيم قبضة عاصم متعجب من

فعلته.....

"في اي ياعاصم وحد الله ياجدع احنا اخوات....يرضيك ترمل تلات ستات وتحرق

قلبهم عليا......"

تركه عاصم بضيق وهو يستغفر عدة

مرات.........ساله حكيم بجدية.........

"ماتحكيلي اي اللي حصل......."

زمجر عاصم مجيباً........

"البيه اللي جبته طلع مش مأجر المطعم ليه...."

سال حكيم......... "امال لمين........ للجيران......"

رد عاصم بقرف....... "لا ياخفيف لاخته......."

عاد حكيم يسال بحيرة.....

"اخته ؟!!....اخته مين ؟!......"

رد مقتضباً...... "بتقول اسمها شهد........"

اوما حكيم بتذكر.......

"شهد.....هو فعلاً عنده اختين بس انا معرفهمش...

طب وعملت إيه معاها....."

"هعمل إيه ماهي شورتك......"اخذ نفساً حاد

مضيف باقتضاب.....

" مرضتش اقطع بعيشها قولت هحط عيني عليها الشهر ده لو لقتها هتعملي مشاكل وصداع في

الشارع همشيها......انا مش ناقص وجع دماغ...."

تحدث حكيم بضيق مستجد......

"عندك حق....والله ياعاصم انا معرفش انه ناوي يأجره عشان اخته....لو كنت اعرف كنت كنسلت

على الحوار مانا عارف انك مش عايز تأجر

لحريم...... صغرني البيه.........بس لم أشوفه......."

ضرب حكيم على ركبته بحنق.....د

فقال عاصم بعدم اهتمام......

"ملوش لازمه....هيقولك الكلمتين اللي اخته

قالتهم....."

سأله حكيم..... "وهي قالت إيه......"

رد عاصم بملل وهو ينظر للدفاتر أمامه.....

"قالت انها شغاله معاه بتساعده بس......بس باين

انها بتحور......."

ساله حكيم بخبث..... "هي حلوه ياعاصم......"

رفع عاصم عيناه عابساً.... "وانت مالك......"

اتسعت عينا حكيم وهو يترجم الرد الغير متوقع منه

لذا رد عليه بنفس الأسلوب.......

"الله.....انت اللي مالك هي كانت من بقيت عيلتك...."

رد عاصم بمنتهى الجمود......

"لا مش من بقيت عيلتي...بس مش حلو انك تكلم عن اخت صاحبك....هو مش حمزة دا صاحبك برضو ؟!...."

ازدادت لمعة المكر في عينا حكيم......

"زماله......يعني مستجدعة.....لكن مش صاحبي صاحبي يعني......."

اكتفى عاصم بـ........ "طيب....."

أبتسم حكيم ملح بسمجة......

"طيب إيه.... مردتش برضو.......هي حلوة......"

شرد عاصم في الدفتر مجيب

ببرود......

"عادية............حتى عينيها عادية......"

لم تكن عادية.....ولا حتى العيون عادية.....عسليتاها

البراقتين تلاحقه حتى وهو ينظر للدفاتر.....وكانه

ينظر اليهما..........

هتف حكيم مستفهماً بعبث.......

"انا مش بسأل عن العيون...... انا بسأل عن الجمال الجوهر الداخلي......."

"اتقي الله احنا لسه على الصبح......."قالها بوجه مكفهر.......

فاوما حكيم مكتفي بهذا القدر.....وسأله.....

"ماشي ياسيدي.........اي رأيك نطلع اخر النهار نصطاد........"

نظر له عاصم بتعجب واضاف وهو يرجع راسه للخلف استحسن الفكرة......

"نصطاد.....يااه.......بقلنا ياما مطلعناش نصطاد.....مينا

جاي معانا ؟......"

اوما حكيم مبتسماً.......

"أكيد دا هو اللي كلمني في التلفون وقالي تعالى نسهر على البحر وهات عدة الصيد معاك.....

هتيجي... "

أومأ عاصم بالموافقة.....

"طالما فيها صيد يبقا جاي......."

مزح حكيم قائلاً.......

"بس ونبي براحة علينا لحسان انت حظك في الصيد

دايما حلو ......بحس انك بتشطب على سمك البحر كله........"

غمزة له عاصم قائلاً بلؤم.......

"متقلقش هسبلك شوية تمزمز فيهم.....عشان الفسفور......."

.......................................................................

جفف وجهه بالمنشفة ثم تركها حول عنقه باهمال

التقطت عيناه عقارب الساعة المعلقة على الحائط

والتي تشير للعاشرة صباحاً..........

حرك حدقتيه مجدداً لعند غرفتها فوجدها مغلقة ويتسلل من عقب الباب خطٍ من الضوء......

انعقد حاجباه مستغرباً الوضع فهي لم تخرج من الغرفة حينها وظل الضوء متشعل حتى انهُ رآه

هكذآ عند خروجة لصلاة الفجر....وظل هكذا منذ

آخر مشادة بينهما ليلاً وتبجحها امامه وتبريرها لخطيئة كانت على وشك ارتكبها مع نذل يستغلها ليصل لغايته منها..........

الغبية لم تفهم بعض ان حبها له وهماً وشعارات فارغة....وان شعار (الحب أولاً...)التي كانت ترفعة

في وجهه سابقاً لم يجدي نفعاً لا لإصلاح حال

حبيبها السابق...او تغيير نظرته هو نحوها كسبباً يجعله يتعاطف معها لأجل قصة حب طائشة بينها وبين صعلوك من صعاليك الساحة المعروفين ....

قصة تدفعها للتهور والهروب من بيت اهلها للذهاب الى شقته !!......

لم تكن يوماً ساذجة او سهلة الغش....كانت واعية ذكية خبيثة.........لا يعرف كيف اوقعها (عادل..)في الحب وجعلها عمياء العين والقلب....وفعلت فعلة

أصغر فتاة في هذا الزمن تستنكرها ؟!.......

لم ينسى أبداً اليوم الذي صاحت فيه امام الجميع

متحدية والديها وعلى رأسهم هو.......

تحدث والد داليدا (ناصف) بقلة حيلة قائلاً....

(انا مش عارف اعمل إيه ياسلطان.......الولد من كلامه تحسو كويس ومحترم....لكن لم سألنا عنه....انا وانت

عرفنا انه رد سجون....وحشاش...ومبهدل اهله......)

تحدثت كذلك والدة داليدا (سهير)

بحرقة........

(احنا نرفض.......زي المرة اللي فاتت وخلاص.....

ونقفل على السيرة دي...........وبنتك نحبسها في البيت متخرجش أبداً لحسان ياذيها ولا يقرب منها احنا مش ناقصين......اديك شايف جرايم القتل اليومين دول.....كل واحد تعجبه واحده يروح متقدملها اهله يرفضوا يروح مخلص عليها.....)

هدر سلطان بصوتٍ هز جدران البيت.....

(طب يبقا يقربلها كده.....وساعتها هيقرأ الفاتحة على روحه.....انتي بتقولي اي يامرات عمي امال انا روحت فين........داليدا مسئوله مني.......دي أختي الصغيرة

ولو فكر يقربلها هيكون حفر قبره بأيده......)

فركت سهير في يداها من شدة الخوف وقالت

له بهمساً وعيون تذرف الدمع.........

(ربنا يبارك فيك يابني........لكن ياضنايا....الامر ميسلمش....الواد ده رد سجون وانا خايفه عليها....

وبيني وبينك..........البت رايداه.......وبتحبوا...وانا قلبي متوغوش من ساعتها......طالما مياله ليه.....

ممكن يملى دماغها بالكلام........ويضحك عليها.......)

هز سلطان رأسه سريعاً وهو يتحدث بمنتهى

الثقة عن صغيرة عاشت بين كنفه طوال سنوات عمرها العشرون.........

(مستحيل.....داليدا متربية على ايدي.......متعملش كده.......داليدا ناصحة وجدعة واكيد عارفه مصلحتها

فين..... وعارفه ان الواد ده مش مناسب ليها........وأكيد انتي فهمتيها ده.......وعرفتيها ان سيرته مطمنش....ومفيش حد شوفناه غير لما

قالنا عنه بلاوي.......مفيش حسنة واحده

سمعناها تشفعله..... )

(الحسنة اللي تشفعلوا عندي ياسلطان اني بحبه....)

صاحت بها داليدا بعد ان خرجت من غرفتها إليهم مرتديه اسدال الصلاة واضعه الوشاح على شعرها باهمال........

تقف صامدة امامهم تتحداهم.......بتعنت........وكأن

الأمر بات بنسبة لها حياة او موت.........

لم تهتز ملامح سلطان ولم يرف له جفن رغم ان

عيناه اظلمة بشكلاً مخيف و صدره اشتعل فجأةٍ بالغضب منها ومن قلة احترامها لحديث الكبار......

بل انها تخيب ظنه بها وتصغره امام والديها بعد ان كان يكتب فيها شعراً عن الادب والاخلاق و.........والذكاء...

اين هم ياترا....ما شاء الله.....فتاة وقحة قليل الادب

غبية..... وساذجة......تقف امامه تقيم حرباً لأجل

حبها لشاب فاشل مستهتر.........وغد.......من اوغاد الساحة..........

وكأنها فخورة بانجازها والذي سيجلب لعائلتها

وغد سيضع رؤوس الجميع في الوحل....زائد

المشاكل التي ستأتي لهم من خلفه....دا ان

توقفت عقولهم واصابهم العته ووافقوا

حتى يسعدوا الاميرة المدللة......

تباً لسعادتك ياغبية.......لن يقف امامك غيري...ويمنع

هذا المرض الخبيث من الإنتشار في جسدك....حتى

ان اضطرراً لاستئصال قطعة من قلبك المحب للمعاتيه !!.........

نهض والدها من مكانه ومسك ذراعها بقوة صارخاً

(اي اللي خرجك من اوضتك...مش قولتلك متخرجيش منها.......انجري على اوضتك بلا قلة

ادب وحيا.........انجري.........)

كذلك نهضت امها وتضامنة مع زوجها قائلة

لابنتها بتوعد......

(ادخلي اوضتك يادليدا.....وعدي يومك على خير.......)

نظرة اليهم بعينين عميقتين اللون...متالمتين

وهي تقول بحرقة.........

(انتوا بتعملوا معايا كدا ليا هو الحب حرام....

ذنب...انا بحبوا وهو كمان بيحبني وشريني....

وطلبني بالحلال........طلبني منكم بدل المرة عشرة....وكل مرة بترفضوا.........)

قالت سهيرة بتعب من تصلب راس

ابنتها......

(واحنا بنرفضوا من الباب للطاق....مش مناسب يابنتي.........لو اتجوزتيه هيبهدلك وهيبهدلنا

معاكي......)

قالت داليدا بنفي.......

(مش هيحصل ياماما....عادل وعدني انه هيتغير صدقيني.......)

زمجر ناصف وهو ينظر لابنته بغضب وقارب على

فقدان اعصابه....وضربها لأول مرة......ربما يعود

عقلها لمكانه..........

(شايفه قلة ادب بنتك شايفه تربيتك ياسهير....بنتك بتعرفنا كلنا انهم بيتكلموا بيتقبلوا....شايفه تربيتك اللي تكسف.........)

قالت داليدا بشجاعة امامهم.......

(انا مبعملش حاجة غلط يابابا.......الحب مش حرام ولا عيب......احنا طالبين الحلال.......)

قالت سهير.......

(وهو ده واحد يعرف الحلال يابنتي......)

اصرت داليدا واجابت......

(يعرفوا......... بدليل انه جه اتقدملي........)

لوح والدها بسبابته وهو يصر بتزمت شديد......

(مفيش جواز من الصايع ده....ولو كان اخر واحد

في الدنيا.......لا يعني لا.........)

نزلت دموع داليدا وهي تتجه لسلطان لتقف امامه

وتمسك يده قائلة بتذلل........

(قول حاجة ياسلطان ابوس ايدك بلاش تفضل

واقف ساكت كده......قولهم ان الحب مش عيب

ولا حرام..........قولهم حرام يكسروا قلبي.......)

اجابها بخفوت دون تعبير مقروء......

(أهلك بيعملوا الصح يادليدا....الواد ده مش هينفعك.......انتي تستاهلي احسن منه.....)

انتفضت داليدا ترفع وجهها اليه  مشدوهة......

ثم بلعت غصة حادة في حلقها وهي تحاول

اقناعة برجاء.......

(انا مش عايزه غيروا.....اقف جمبي ياسلطان اقنعهم....وانا اوعدك ان عادل هيتغير وهيبقا احسن من الأول بس انتوا ادوله فرصة...ودوني انا كمان فرصة اثبتلكم كلامي.........)

قالت امها من خلفها باستياء......

(فرصة اي يابنتي....دا جواز.......جواز مش لعب عيال.......عايزه تتجوزيه وبعد كام شهر

يطلقك وتتحسب عليكي جوزاه........)

استدارت داليدا تقول بنبرة شاجنة......

(مش هطلق منه....انا هفضل معاه لاخر نفس في عمري.....بقولكم بحبوا...والله بحبوا...وهو وعدني

انه هيتغير...........صدقوني........)

قال سلطان بمنتهى الهدوء.....

(داليدا هاتي تلفونك.....عشان عايز اخد رقم عادل

من عليه واكلمه يمكن نتفاهم..........)

نظرة اليه داليدا بدهشة وقد عادت ألوان الحياة لوجهها تدريجاً وهي تساله بدهشة......

(بجد...بجد ياسلطان.......ثواني....ثواني هجيبوا......)

ركضت لداخل غرفتها بلهفة.....فنظر ناصف لابن

اخيه مشدوهاً.......

(اي اللي بتقوله دا ياسلطان.......احنا مش قولنا...)

قاطعه سلطان بتعبير غير مقروء....

(أصبر ياعمي.......أصبر........)

عندما اتت داليدا اليه راكضاً بلهفة ولمعة السعادة تضوي في سوداويتاها الحزينة.....

(الرقم اهو ياسلطان........)

اعطته الهاتف مُضيء برقم حبيبها.......

كانت تنظر اليه بتراقب ممتلئ بالاماني....لكن

سريعاً انكسرت على أرض الواقع عندما أخرج

سلطان شريحة الهاتف ومزقها ثم إطفاء الهاتف كلياً

ووضعه في جيبه..... قائلاً بصوتٍ كالجليد المسنن أوصل الصقيع لجسدها وجمد قلبها بمكانه.....

(ادخلي على اوضتك.....وحسك عينك اسمع نفسك حتى وانتي جوا........)

ثم مسك ذراعها وقربها منه امام والديها....ولم يمانع

أحد......فالطالما كان لسلطان صلاحيات كافية لضبط

سلوكها وكسر شوكتها كما يقال.........هسهس بنبرة مهيبة بالقرب من وجهها الاحمر وعينيها السوداء الجاحظة بالألم.....

(ومفيش حاجة عندنا اسمها بحبوا وعيزاه.....في حاجة اسمها اللي تشوفه يابااا.........عشان ابوكي وأمك مش هيضروكي....لا دول عايزنلك الأحسن

وكلنا عايزنلك الأحسن........إلا انتي عايزه ترخصي

نفسك..........بأسم الحب..........)

نزلت دموع داليدا فجأه امام عيناه ومزالت متسعة العينين بوجع وصدمة والدموع تجري على وجنتيها

بكثرة...........لا تعرف كيف تمنعها...ولا تعرف بماذا ترد

فامام عيناه المظلمة توقف كل شيء داخلها...إلا قلبها

كان ينبض على غير هُدى وكأنه أمام أكبر

مخاوفها..........

ترك ذراعها برفق قائلاً بصوتٍ قوي جعل

جسدها يرتجف بفزع........

(كلامي خلص.........على اوضتك يانسة........)

ركضت من امامه حينها بصمت....لكن الدموع كانت تحاكي قلبه سراً بانه كسرها بهذا أليوم....فهي كانت تنتظر عونه.......وهو خذلها لأول مرة...........

نفض تلك الذكريات من راسه وهو يتجه إلى

غرفتها مطرق على باب الغرفة عدة مرات

"داليدا.......داليدا.........داليدا.........."

عندما لم يجد رداً أمسك مقبض الباب وفتحه...

ودخل.....

عندما دخل وجد الغرفة مضاءة لكنها نائمة على الفراش......متسطحة على بطنها.......رافسة الغطاء

في آخر الفراش....وتنام بمنتهى الاريحية بثوب القصير الأزرق المطبع بالورود الصفراء....والتي

كانت ترتديه أمس وهي تقوم باستعراض رقصها الغريب في المطبخ !!........

كان شعرها البني الكثيف يغطي رأسها....وكانها مدفونه اسفله......

جز على اسنانه وهو يشعر بفوران يجتاح جسده مجدداً.....شعور غريب ينتابه كلما رآها في وضع غير لائق.......شعور اتى من فراغ.......فهو لم يكن يوماً منجذب إليها.......لكن عندما أصبحت زوجته بات الشيطان يصور له كل ماهو مخل !!.......

والآن رغم مقته لها ولفعلتها......تُحرك مشاعره كرجل بشكلاً او بأخر.........

حانت منه نظرة على غرفة الأطفال التي تبيت

فيها.....ورغم انه يعرف الغرفة جيداً ككل ركن في هذا البيت إلا انه عندما تأملها شعر بانها غريبة

عليه......فمن تسكنها طبعت عليها بروحها المرحة الجامحة كذلك برائحة ورد  الجوري عطرها

المفضل والتي تستخدمه في كافة اغراضها

الانثوية.........

غرفة غير مرتبة....على المقعد ملابس......وفي الأرض

ملابس...........وهناك قطعة داخلية تخرج من درج

الدولاب..............اغراضها ملقيه على تسريحة

الزينة بأهمال.........كل شيء غير مرتب ومع ذلك يكشف عن الاميرة المدللة.......

هذا الشيء كفيل بان يجعله يبتسم رغم غضبه

السائد منها..........

اقترب سلطان من الفراش ومسك الغطاء وغطى جسدها..... حتى يضمن ثباته في تلك اللحظة.....ثم جلس على حافة الفراش وبدأ ييقظها وهو

يلامس كتفها برفق.....

"داليدا......داليدا قومي الوقت اتأخر....والصلاة

قربت تبدا........."

ادارة وجهه للناحية الاخرى  متمتمة بعيون

مغلقة.... "سبيني شوية ياماما ونبي........"

فغر فمه بصدمة مصححاً....

"ماما !!.....داليدا انا سلطان........قومي... "

تمتمت بقرف وهي شبه نائمة....

"بكرهه............بكرهك ياسلطان........."

لوى سلطان فمه وهو يدفعها في كتفها

بشكلاً غير آدمي.......

"لا ونبي حبيني......مقدرش أعيش من غير

حبك دقيقة واحدة.........."

تحركت داليدا توليه ظهرها منزعجة.... "هشششش......."

"هش في عينك قومي بقولك........"دفعها في كتفها بقوة..........جعلتها تنتفض في نومتها وهي تمسك الغطاء  كحامي لها من بطشه.........

"في حد يصحي حد كده....مابراحه..........وبعدين

انت إزاي تدخل اوضتي كده من غير ما تخبط..."

رد سلطان ببرود وهو ينهض من

مكانه.....

"خبط بس الظاهر نومك تقيل....الساعة بقت

حداشر قومي اغسلي وشك والبسي خلينا

ننزل تحت.... النهاردة الجمعة.....ولا ناسيه احنا

قولنا اي بليل.........."

اومات براسها دون تعبير مقروء.....

"تمام........ممكن تخرج عشان اغير هدومي......."

"خارج أصلا الأوضة شكلها يسد النفس.......وريحتها

مكمكه...........هوايها شويه مش كده......."

بعد تلك الكلمات فتح الباب وخرج....فنظرة داليدا

للغرفة بصمت......متفحصه الفوضى المحيطه بها

ثم بدات تحرك انفها يميناً ويساراً حتى وصلت

لان تشم الثوب الذي ترتديه..........

"عنده حق.......انا هقوم اخد دش.........."ابعدت

الغطاء عنها وهي تلملم اغراضها وتخرج ملابس

أخرى ولم تنسى غسول الاستحمام المعطر

بورد الجوري......

........................................................................

"يابت فكي التكشيره دي.... معقول دا وش عروسة مفتش على جوازها شهر........"

نطقت بتلك الكلمات أميرة شقيقة سلطان

الكبرى.....

نظرة لها داليدا بملامح مكفهرة ولم تعقب..... فلكزتها

اميرة في كتفها قائلة بمناغشة.....

"طب احكيلي يمكن نحلوها سوا........"

ارتفع حاجبي داليدا مستنكرة.....

"نحل اي بس ياميرة مقولتلك.... مفيش حاجة...."

همست لها أميرة بلؤم.......

"يابت اسمعي مني..... اكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة وانا اكبر منك بعشرين سنة........."

نظرة لها داليدا بصدمة...مزالت لا تصدق ان ابنة

عمها المرحة تلك اكبر ابناء عمها عبد القادر.....

حقيقة (أميرة)بالمجمل شكلاً وروحاً تتناقض

مع سنها المسجل في البطاقة....لذلك دوماً داليدا

تنسى هذا الرقم وتتعامل معها وكانها بنفس

عمرها............

"طب والله مابين عليكي.... انا مش مصدقه ان الشحطه دي بنتك لا واصغر مني بسنتين بس...."

قالتها داليدا وهي تشير على (جنة) صاحبة الثّمانية

عشر........ تلك الفتاة تحمل جمال والدتها وهدوء ووقار والدها..... وتصلب عقل خالها...... والباقية

تاتي........

دفعت جنة النظارة الطبية لأخر عينيها وهي تنظر لداليدا بتحذلق قائلة.....

"لا وإيه أطول منك كمان..........."

لوحت داليدا بيدها مستنكرة....

"ياشيخة اتلهي الطول هطل........."

قالت جنة بمنتهى الهدوء المستفز......

"طول عمرنا عرفين ان القُصر خيبه وطول هيبة.....

جبتي هطل دي منين...... لسه مخترعاها جديد... "

هتفت اميرة بتوبيخ....

"بس ياجنة كلمي مرات خالك عدل......"

قالت جنة بفتور.... "لازم تعرف الحقيقية ياماما......."

تخصرت داليدا كالعادة حينما لا يعجبها

حديث أحد.....

"واي هي بقا الحقيقة ياطه يا حسين......."

قالت جنة بالسان ذلق.......

"انك قصيرة القامة... ودا معنديش ليه تفسير علمي... لكن اللي اقدر اقولهولك انك لازم تعرفي حجمك الطبيعي وسط العيلة....... قزمة......."

أحمر وجه داليدا واشارة على نفسها

بغضب..... "قزمة ؟!.... انا قزمة....... انا......."

ازداد لسان جنة فصاحة مستفزة......

"أيوا وده ملهوش علاج......لكن لازم ترضي باللي

ربنا قسمه ليكي ومتبصيش للاطول منك..

لحسان تتعبي...... او رقبتك تتلوح......... "

(هاتي برطمان الملح ده ياجنة......)صاحت حنان جدتها من أعلى السطح أمره.....كانت ستلبي طلب جدتها لكن داليدا اوقفتها وقد فار الدماء في

عروقها فقالت........

"استني عندك..... انا هجيبه عشان اوريكي مين

هي القزمة........"

نفخت داليدا ذراعيها وكانها تدخل حلبة مصارعة

تقاتل بينما تنظر لجنة بعدائية وكانها خصم لا يستهان به..... اتجهت الى الرف الرخامي بمنتهى التفاخر.... وعندما مدت يدها لتصل لعلبة الملح

لم يساعدها طولها حتى عندما شبت بيداها

ووقفت على أطراف أصابع قدميها لم تصل....

لذلك ضحكت جنة عليها وقد اصابة العدوى أميرة

فضحكت وهي تراقب محاولاتها عدة مرات......

كطفل صغير يريد الوصول لحلواه !......

زفرة داليدا يائسة وهي تسحب مقعد صغير وتقف عليه حتى تستطيع جلب علبة الملح......

عندما انهت المهمة نزلت من على المقعد ونظرة

لجنة بتفاخر قائلة وهي تعطيها الملح

بجذل.....

"خدي ادي ده لمرات عمي..... وقوليلها داليدا اللي جبته ليا...... عشان مكنتش طيلاه......."

نظرة جنة لعلبة الملح بيدها معقبة.....

"داليدا انتي مصدقه نفسك.... انتي وقفتي

على الكرسي........."

رفعت داليدا راسها بصلف....

"ومالو برضو انا اللي جبته........"

"اي شغل العيال ده........."تاففت جنة وهي تخرج

من المطبخ........

فصاحت داليدا من خلفها بتوعد....

"طب لما ترجعي ياجنة... ونعمه لجيبك من النضارة اللي من ساعة مالبستيها وانتي رفعه مناخيرك لفوق.......وعملالي فيها مدرسة تاريخ..... "

"حقها........ السنة الجايه هتدخل الجامعة ادعلها تجيب مجموع كويس وتدخل الكلية اللي نفسها فيها......." قالتها أميرة مبتسمة وهي تكشف عن

القدر التي تطهي بها الدجاج.........

قالت أميرة بمحبة.......

"ربنا يحققلها كل احلامها.... انا بحب انكشها مانتي عارفه......."

قالت أميرة برفق وهي تغلق غطاء القِدر....

"عارفة يادودا.... بس نصيحة من بنت عمك.... بلاش تقفي على الكرسي ده تاني.....لحسان تكوني حامل ويحصل حاجة لقدر الله......."

كانت داليدا تشرب كوب من الماء وعندما سمعت تلك النصيحة سعلت بقوة ومن بين السعال قالت

بصعوبة.....

"متقلقيش انا واخده بالي....وبعدين لسه بدري...."

بدات أميرة بتقطيع فصين من الثوم وهي

ترد مستنكرة........

"لا بدري ولا حاجة انا اتجوزت وانا في سنك كده

وحملت علطول....لكن النصيب بقا....بعيداً عنك وعن السامعين قعدت فترة بسقط من غير سبب لحد

ماتعلجت وبعد سنة جبت جنة وبعدها الولادين الصبيان.........والحمدلله على كده....."

"ربنا يباركلك فيهم......"ثم سالتها باهتمام.....

"صحيح ياميرة هما اخواتك البنات مجوش

النهاردة ليه........."

ردت أميرة بحزن.......

"كل واحده ملهيه بعيالها....بس والله كانوا ناوين يجوا النهارده بس الظروف.....انا بس عشان سكنة في الساحة جمب امي اموري متيسره وبعرف اجيلكم....لكن هما ياعيني عليهم كل واحده متغربه في محافظة شكل مش بنشوفهم غير كل تلات

شهور مرة......."

هزت داليدا كتفها قائلة.....

"سنة الحياة........هتعملي إيه......."

اومات اميرة قائلة بتمني.......

"على رأيك.....بس امي بتزعل أوي من بعدهم عنها...بس انا بقولها بكرة يجوا عيال سلطان ويشغلوكي عنهم......."

جف حلق داليدا بتوتر وهي تحاول إغلاق

الموضوع.........

"آآه ان شاءلله....بس برضو انتوا حاجة تانيه....

انت ولادها.... "

"معلوم بس اعز من الولد إيه......"اولتها ظهرها

وهي تبحث عن علبة البهارات.....فحركت داليدا شفتيها يميناً ويساراً بحسرة مجيبة.....

"ولد الولد طبعاً !..........."

في اللحظة التالية دخلت جنة عليهن وهي

تقهقه بصوتٍ عالٍ..... وقبل ان تسالها أمها نظرة

هي لداليدا وقالت بمزاح....

"حتى تيته مصدقتش انك انتي اللي جبتي الملح........"

زمت داليدا شفتيها وهي تنظر للارفف العالية

عليها قليلا.........

"وهتصدق إزاي وهي معلقة كل حاجتها في

برج ايفل كده........."

ضحكت اميرة قائلة بلؤم....

"دا عشان ماما أطول منك بس......."

صاحت داليدا بنفاذ صبر......

"جرالكم إيه انتوا الاتنين هو انا قزمة بجد...."

قالت جنة بتحذلق.......

"لا طبعاً انتي اطول من القزمة بشوية......"

"بس ياجنة......"اخرستها أمها ثم  ربتت على

كتف داليدا تواسيها قائلة.....

"متخديش على كلامها يادليدا......انتي طولك مظبوط........"

اومات داليدا بثقة......

"انا بقول كده برضو..... انتوا اللي طوال أوي....."

بعدها سألت أميرة ابنتها....

"ها ياجنة... تيتة خلصت صنية البطاطس....."

اومات جنة براسها معقبة باعجاب......

"آآه خلصتها وحطت صنية الرز في الفرن...... بس مقولكيش ياماما.....صنية البطاطس طلعه من فرن الحطب إيه حكاية......"

ابتسمت اميرة مجيبة ابنتها......بينما داليدا تقف جوارهن شاردة الذهن......

"جدتك طول عمرها بتحب تخبز وتساوي

الصواني فيه........ دي مصدقت جدك عملهولها

فوق السطح...... جمب عيشة الفراخ......"

قالت جنة بتفاخر.....

"ست من ريحة الزمن الأصيل.......مش زينا بقينا دلوقتي بنساوي الاكل في المكرويف......."

"الزمن اتغير برضو ولا اي ياداليدا......" لامست اميرة

كتفها برفق......

فانتفضت داليدا على لمستها

قائلة بدهشة......

"في حاجة ياميرة بتنادي عليا......."

قالت جنة بتعجب.......

"لا دي تاهت مننا ياماما....... انا هطلع اشوف

اسامة ويحيى بيعملوا إيه........."

قالت امها من خلفها......

"أكيد بيلعبوا كورة في دخلت البيت........"

"روحتي فين ياحبيبتي......"سالتها أميرة مجدداً....

فهزت داليدا راسها بنفي ..... "معاكم والله......."

إشارة أميرة على باب الخروج......

"بقولك إيه شكلك تعبانه سيبي الاكل وطلعي

قعدي برا شوية........."

رفضت داليدا سريعاً......

"وليه بس يأميرة مانا هساعدك.......انا مش

تعبانه والله... "

"عارفه بس انتي لسه عروسة ومش عايزين

نتعبوكي كفاية سلطان........." لكزتها في

كتفها بخبث.......

فأحمرة وجنتي داليدا وارتفع هدير قلبها فقررت الانسحاب دون تعليق على حديثها.........

........................................................................

عندما خرجت لصالة المنزل الكبيرة سمعت ضجيج يأتي مدخل البيت الشاسع.....اتجهت لباب الشقة المفتوح.....فرأت سلطان يلعب مع أولاد شقيقته

أميرة بالكرة..........والتي كانوا توأم في عمر الثالثة

عشر.......(أسامة......ويحيى.....)شقيقي جنة الصغار.......

والذين كانوا هالة من الشقاوة والعفرته......إبتسمت داليدا وهي تراقب لعبهم الصبياني....العنيف قليلاً

ورغم عنفه وغلاظته تعلو الضحكات بالمرح......

وأيضاً سلطان رغم ضخامة جسده وطولة الفارع

إلا أنه كان مستمتع وسطهم......يلعب معهم ويمرح

وكأنه يقاربهم سناً........

لم تنتبه انها تحت مراقبة عينا الصقر كما تراقبه بشكلاً صريح يراقبها هو بمواربة ذكورية......من

أسفل اهدابه......حتى انه حاول ان يشاكسها ودفع الكرة نحوها.........

مسكت داليدا الكرة سريعاً قبل ان تصطدم في وجهها وهتفت بصدمة شاهقة.......

"حاسب ياسلطان......."

رفع سلطان انظاره عليها مدعي الدهشة

ببراعة....

"داليدا ؟!....اي اللي موفقك هنا.......في حاجة...."

اشتدت خفقات قلبها امام نظراته المتفحصة لها

والتي ترسماها من أول حجاب رأسها الى أطراف

العباءة البيتي الجميلة التي تلتف على جسدها النحيل ببراعة بارزة معه مفاتنها بحياء........

عدلت داليدا حجابها بيد مرتجفة تحت تأثير نظراته الثاقبة......... وقد اهتزت حدقتيها معاً وهي تجيب

بصوتٍ مهزوز........

"لا يعني.....سمعت صوتكم وانتم بتلعبوا...فـ...فقولت اتفرج.........انتوا بتلعبوا إيه........."

أجاب أسامة بوجه أحمر وشفاه

مبتسمة ببراءة.....

"الكلب الحيران.........تعرفيها يابلة داليدا........"

اومات داليدا وهي ترد له البسمة

البريئة...... "آآه اعرفها........"

اندفع اسامة يقترح بلهفة.......

"تحبي تلعبي معانا دور.....دي هتعجبك أوي....."

رد يحيى مكفهر الملامح عكس توأمه المحب

لكل شيءٍ خصوصاً الجنس اللطيف.......

"أسامة بيقولك كده عشان هو اللي عليه الدور...."

برر أسامة سريعاً وهو ينظر لاخيه ثم لخاله

الواقف امامهم يتابع بصمت......

"لا طبعاً انا عايزها تلعب معانا....اللعبة دي عايزة

اكتر من اربعه واحنا تلاته بس........فحلو لو جت تلعب معانا........."

رفض يحيى منزعجاً من الفكرة......

"مينفعش....دي مرات خالك......ماتقولوا حاجة ياخالو........."نظر يحيى لسلطان بحمائية الرجال

فرد سلطان ببساطه.....فقد كان المكان مغلق

ولم يراهم أحد وفي النهاية التوأمين تربوا

على يد داليدا وليسوا اغراب عنها.......

"مفهاش حاجة لو جت تلعب يايحيى......دا لو

هي عايزة......."

"أيوا عايزة.......إلعب......."خلعت داليدا حذاءها

وهي تتقدم منهم بحماسية كالأطفال........

لوى يحيى شفتيه ونظر لاخيها

مزمجر.....

"بس برضو انت اللي فيها ياسامة........."

رفض أسامة مشير الى داليدا برجاء......

"داليدا اطول مني وهتعرف تلمس الكورة....لكن انا قصير ومش بعرف المس الكورة وأنتوا طوال وبتحدفوا في العالي........"

صاح يحيى بصلابة.....

"انت هتعيط ماتنشف ياسامة........"

انعقد حاجبي داليدا من جدالهم الفارغ....فتدخلت قائلة بتطوع........

"براحة على اخوك يايحيى........انا هقف مكانه......"

هتف سلطان بنظر لئيمة......

"هتبقي الكلب الحيران !!......."

بطرف عينيها صححت.... "اسمها صياد السمك........"

ابتسم سلطان ساخراً.........

"بجد اول مرة أعرف..... اقفي في النص....

يامراتي..... "

مطت داليدا شفتيها بغيظٍ وهي تقلده بهمساً

وتحرك شفتيها بضجر........

"بطلي برطمه وركزي هنا.......على الكورة......."

قالها سلطان بانتشاء غريب ....

اومات له داليدا براسها بانصياع وعيناها تشع تحدي نحوه.........ثم تخصرت في وقفتها كعلامة على الاستعداد للقادم منه........

حدف سلطان الكرة لليحيى.....فاتجهت داليدا سريعاً

ليحيى تحاول خطفها منه....لكن يحيى كان الاسرع

في اعطاها لشقيقه.........فركضت داليدا لعند أسامة

الذي اعتذر برقة.....

"اسف يابلة داليدا.........قواعد اللعبة........."القاها

لسلطان خلفها.........

فاستدارت الى سلطان الذي نظر لها بشر شقي وهو يبتسم من زواية واحدة.... قائلاً.......

"تعالي خديها يا.......يامراتي......"

"هاجي اخدها.....وهتقف مكاني دلوقتي......."

عندما تقدمت منه القاها لاسامة.....فسريعاً اعطاها اسامة ليحيى.....اقتربت داليدا من يحيى قائلة

برجاء......

"يحيى هات الكورة وانا هعملك صنية مكرونة بالشاميل..."

ظهر الاستهجان على ملامح يحيى فقال

بجفاء.......

"بس انا مش بحب المكرونة انا بحب البط...."

هزت داليدا راسها بقرف....

"بط يع...يع....خليها معاك.....مش عيزاها......"

ضيق سلطان عيناه بخبث بعد تعليقها......فالتقط الكرة من يحيى.....فاتجهت اليه داليدا لاهثة محاولة ان تعرض عليه امكانياتها الفذة في طهي المكرونة

لكنها تذكرت انه لا يحب أكثر أكله تبدع فيها !

فصمتت وعيناها معلقة على الكرة محاولة الوصول إليها ولو حتى لمسها...........

لكن سلطان لم يعطيها الفرصة واعادها ليحيى

سريعاً فهو يعلم انها اذا ذهبت لاسامة ربما يقع

في فخ رجاؤها الانثوي اللطيف ويسلم لها الكرة

امام عينيها  الجميلة بالخداع.....

وهذا لا يريده ان يحدث الآن.......فهو مزال يستمتع

بحيرتها أمامه..........

عادت داليدا تمسح قطرات العرق عن وجهها الأحمر بيدها وتبلع ريقها وهي تخبره للاهثة.......

"يحيى هديك عشرة جني........."

"خالو هيديني خمسين........ألقف ياخالو......"غمز يحيى لسلطان فضحك سلطان متابع الحديث بانتشاء......

فعقبت داليدا وهي تكاد ان تبكي من اسلوب هذا الصبي الفظ الجلف كخاله........

"آآه ياوطي يابو قلب قاسي..........على فكرة بقا لو فضلت بالاسلوب ده مش هتلاقي واحده تبص في وشك......احنا مش بنحب الرجالة القاسية.....بنحب الحنينين زي أسومي كده........"قرصت وجنتي

أسامة بملاطفة فابتسم بحرج......

فهتف يحيى بنزق........

"انا كده كده مش بحبكم........لان معظم البنات تافهة........مع احترامي ليكي يامرات خالي...."

قالت داليدا بغضب يتافقم داخلها.......واصبح الأمر اكثر من لعبة بنسبة له........

"احترام......دا انت هزقتني.....هات الكورة وانا اسامحك........"

"لا............خديها بمجهودك............."القاها الى سلطان.........

فاخذها سلطان ولوح بها لها قائلاً باستفزاز.....

"تعالي خديها يادليدا شكلك تعبتي....تعالي......"

اقتربت من بوجه أحمر مجهد وانفاس لاهثة......

"هات......"

عندما حاولت ان تصل للكرة رفعها قليلاً  فمدت يدها فرفعها اكثر وكانه يلاعب جرو صغير.....

جزت داليدا على اسنانها مصممة على اخذها منه...

فبدات بالقفز حتى تصل فضحك وهو يشاكسها

كصغيرة مدللة......

"الكورة اهيه انتي مش طيلاها..... خدي......"

زفرة داليدا بجنون ونفضت حجابها الذي كشف عن نصف شعرها بعد المجهود الرهيبة التي قامت به

في تلك العبة السيئة جداً...... التي استنزفت معها طاقتها ومع ذلك لم تحصل على الكرة حتى الآن.....بسبب سلطان الغليظ........ويحيى

الجلف.......

ضربته في صدره بغضب ثم بمنتهى الجنون المعروف عنها قفزت عليه وعلقت ذراعٍ في عنقه وباليد الثانية لامست الكرة المتعلقة أعلى كف

يده........ وكانها تصعد أعلى الجبال........

"كسبت.....كسبت..... انت اللي فيها مش قولتلك...."

صاحت بها داليدا وهي تضحك وعيناها تشع ألق

الانتصار.........ومزالت على وضعها في احضانه

بل وانها لم تتوقع ان تكون ثابته بهذا الشكل

بفعل ذراعه التي تحيط خصرها عندما قفزت

عليه فجأة......

تلاقت بعيناه وكانت النظرة لعيناه عن قرب غريبة

تخلق فوضى داخلها......تسري رعشة بجسدها......... تتعب جزءاً من قلبها.......

دفء يشع من جسده الصلب.... وعطر رجولي يداهم انفها.........وذراع قوية تحتوي خصرها.....

"سلطان......."همست باسمه امام عيناه التي تأسر

نظراتها بقوة........

الم يحرر قيدها.........ويتركها......فهمست راجية

"سلطان........"

اشتبكت أعينهما في عناق حسي لا يخضع لعقارب

الساعة..............عناق رغم اللهفة والمشاعر الدافئة المستجدة به كان............كان مؤلم.........

"في واحده عاقلة تعمل كده........"

أخيراً خرج صوته متحشرجٍ متأثراً من هذا القرب...

حرر سلطان وثاقها وهو ينظر لها بقوة منتظر

ردها........

"جت معايا كده مخدتش بالي........."احنت راسها أرضا كطفلة مذنبة.........

نظر سلطان خلفها للصغار........فوجدهم ينظروا اليهم ببلاها وقبل ان يعقب أحدهم.....سمعا صوت جدتهم

تصيح منادية.......

"الاكل ياولاد........سلطان.... داليدا.......أسامة..

يايحيى انتوا راحتوا فين........"

ركضا التوأم سريعاً لعند جدتهم حنان.......وكذلك

كانت ستفعل داليدا هروباً من نظراته وسؤاله....

"استني عندك.........."

توقفت مكانها وهي توليه ظهرها....وقلبها يخفق بجنون يسارع انفاسها المضطربة.......

عندما شعرت انه يقترب منها اغمضت عينيها.....

منتظرة التوبيخ والكلام الجارح كالعادة.....

لكنها تفاجأت بأنه يسحب وشاح راسها للأمام

حتى يخفي ما كشف من شعرها اثناء اللعب......

فتحت داليدا عينيها تحدق فيه ببلاها...وشفتاها مفتوحة باتساع........

عندما لاحظ سلطان نظراتها سحب يداه.....

وهو يأمره بغيرة......

"اقفلي بوقك ده.........جوز اميرة هيتغدي معانا

عايزك تدخلي الحمام زي الشاطرة كده تعدلي الطرحة و مشفشف شعراية من شعرك برااا الطرحة.......سامعة... "

قلبت داليدا شفتيها بتهكم.......

"سامعة...... في أوامر تانيه ولا كفاية كده........."

"لما يبقا فيه هقولك......انجري قدامي......"اشار

لها بمنتهى الغرور ان تسبقه........

زفرة داليدا عدت مرات بعصبية وهي تسير

أمامه بغضب......

ارتفع حاجب سلطان وهو يراقب مشيتها المائعة...

والتي لا أمل في تغيرها مهما علق عليها.....

"ماتعدلي الماشية المايعة دي...........إيه بتترقصي

وانتي ماشيه....... "

"ياقليل الأدب........"أحمرة وجنتي داليدا بشدة وهي تركض لداخل شقة والديه بعدما فهمت على ماذا

كان ينظر وهو يسير خلفها.........

.....................................................................

مرو يومين الإجازة في لمح البصر......وها هي الآن

تجلس خلف مكتبها تتابع عملها عبر الحاسوب بينما

تنتظر دخول أستاذها حتى تخبره بمواعيد بعض العملاء.....

عبق عطره وصل الى انفها قبل رؤيته.... فابتسمت تلقائيا وهي تنظر نحو باب الدخول......

لتجده يدلف من الباب سريعاً نهضت واقفة

باستقبال رب عملها بإبتسامة شبة عملية.......

لكن سريعاً تلاشت البسمة على محياها وهي تراه مقطب الحاجبين عابث غاضب لأ بعد حد.....بل

وبدون النظر إليها.... أمر.......

"هاتيلي قهوتي على المكتب.........."

ثم دخل المكتب واغلق الباب عليه بصمت مريب....

مطت كيان شفتيها مفكرة بعمق وهي تحرك حدقتيها يميناً ويساراً ثم حكت في فكها وتمتمت سراً....

"هو قالب بوزة ليه عالصبح........يكونش اليومين اللي غبتهم أثروا في الشغل فعشان كده مش

طايقني؟!...." زفرة كيان مضيفة بحيرة......

طب ماهو عارف.... يكونش نسي.... ولا يكون

ضارب خناقة مع خطيبته....وحتى لو

متخانقين انا مال أهلي........ "

(القهوة ياكيان.....)

قصف صوته كالرعد من داخل المكتب مما جعلها تنتفض بفزع ثم أتكات على اسنانها بعصبية وسارت

بخطوات غاصبة باتجاه المطبخ لتعد القهوة

للسيد المبجل.......

في المكتب كان يسير في المكتب ذهاباً وايابا بعصبية متحدثاً عبر الهاتف بقلة صبر......

"جبلي صورة من المحضر....وانا هتصرف....."

دلفت كيان للداخل وهي تحمل صنية عليها فنجان قهوة وكوب ماء.....

عندما مرت من جواره بحذر وهي تحمل الصنية...

وجدت سليم منشغل جداً بالمكالمة الهاتفيّه

لدرجة انه لم ينتبه لوجودها واصطدم في

الصنية بين يداها........وقد اتسخ قميص

الحلة الأبيض بـالقهوة..........

اتسعت عيناه فجاه عليها بعد رؤية قميصه... وقد انتشر بريق الغضب فيهما ببطئ........

تراجعت كيان للخلف وبلعت ريقها بتوتر وهي

تعتذر بارتياع......

"اقسم بالله.......اقسم بالله انت اللي دلقتها......"

"اانااااااا........"اتسعت عيناه اكثر تكاد تبتلعها

الآن......

اومات وهي تفرك في يداها مبررة......

"آآه انت....خدتها بالحضن.....يعني مش شايفني داخله بيها........انت اللي الغلطان وآلله........."

كور سليم قبضته جانباً محاول التغلب على

غضبه وهو يقترب منها.... فاغمضت كيان عينيها

وقد لامس ظهرها الباب المغلق من شدة

التراجع للخلف.........

أنتبه سليم لانكماش جسدها كالاطفال بخوف بل ولعينيها المغمضة بقوة ورموشها المرتجفة بهلع

ملحوظ.........

وكانها تتعرض للعنف يومياً........فقد اخذت وضعها

منتظرة ان تنال عقابها منه ؟!....

"كيان........"

فتحت كيان عينيها ببطء فكشفت عن فيروزيتان حزينتان يلمعان بالدموع.......همست تلقائياً بشفاه

مرتجفة......

"انا.........انا آسفة......."

مؤثرة عيناها حتى في حزنهما...... ساحرتين !....

اوما سليم وهو يبتعد عنها عدت خطوات

مطمئنها بصوتٍ أهدى......

"حصل خير......زي ماقولتي انا اللي غلط الاول ومخدتش بالي........"

ثم استرد الحديث بتساؤل.....

"بس......إزاي جه في بالك اني ممكن امد ايدي عليكي....عشان سبب تافه زي ده.......إزاي أصلا

جه في بالك اني مسموح ليا اعمل كده معاكي

او مع غيرك......."

اهتزت حدقتيها....... وبهت لونها فجاة......وشعرت بغصة قوية تشطر حلقها لنصفين......وهي تلاحق

ذكريات مؤلمة لها ندوب مطبوعة على روحها

لم تمحى ولن تشفى منها بعد فلم تجد لها علاجاً حتى الآن..... وبطل اسواءالذكريات والدها

(عثمان الدسوقي....)

كم مرة تلقت الصفعات والضربات ونالت أشد

العواقب لاتفه الأسباب.....

كلما اوقعت شيءٍ وكسر........كلما اعترضت على

أمراً يريده....كلما تجاهل رغباتها كطفلة فبكت

بحزن معبرة عنه...فتعاقب....وتعاقب حتى....

تصمت لأمره وترضى.....ويظن ان الصمت الرضا

او ان الحق معه....لكن في الحقيقة هو كسرة

نفس ظلت معها حتى وقتنا هذا ......

ربما هي محظوظة لانها أصغر اخواتها فلم ترى جبروت عثمان الدسوقي كما يجب ان يكون

فبعد وفاة امها تركهما يحملون مسئولية

بعضهم بمنتهى الجحود.......

وقد توفت والدتها في فترة مراهقتها وقد كانت شهد وحمزة يكبراها بالكثير.......كرسا معظم اوقاتهما لها

من عطف لحب لاهتمام.... اعتنيا بها كما لو انها طفلتهما الصغيرة........لن تنكر انهما كانوا نعم السند

والعطف من يوم ان فتحت عيناها على الحياة...

"هاتيلي  قميص من الهدوم اللي شيالها هنا....."

انتبهت كيان لتلك الجملة لذا نظرة اليه لتجده يفتح ازرار قميصه ويخلعه امام عيناها........ليظهر جزءه العلوي الرياضي......من بشرة برونزية الى صدر عريض صلب وذراع قويتين بارزتين بالعضلات

وبطن مسطحة تحكي عن لياقة بدنية عالية

يمتمع بها.........

جحظت عينيها فجأه واحمرت وجنتيها فوضعت يدها على عينيها صائحة بحنق......

"استغفر الله العظيم........ليه بس كده......."

نظر سليم لظهرها بعدم فهم......

"ليه بس إيه.........كيان هتيلي القميص بقولك.. "

لم تستدير بل لوحت بيدها قائلة بوجنتين

مشتعلتين بالحرج.......

"هجيبه بس لو سمحت استر نفسك ولم اخرج

ابقى أقلع براحتك......."

رفع سليم حاجباه معاً معقباً على الأمر

باستخفاف....

"انتي عبيطه.......انجزي ياكيان مفيش وقت عندنا

جلسة في المحكمة كمان نص ساعة....."

فارت الدماء في عروقها فاستدارت إليه

ترمقه بحنق شديد......ثم رفعت سبابتها

تلوح بها بكبرياء.......

"اي عبيطه دي...هو انا بلعب معاك...لو سمحت

ياستاذ سليم نحترم بعض في الشغل شوية....."

انعقد حاجبي سليم وهو ينظر لوجهها ثم للخصلة

المنسدلة على صدغها......اقترب منها ومد يده بتلقائية يزيل الخيط الرفيع المتعلق بها......

"اي اللي على شعرك ده........"

ارتبكت كيان واهتزت حدقتيها وهي تشعر بانفاسه الساخنة الممزوجة بعطره تلفح صفحة وجهها الحمراء  بينما اصابعه تلامس خصلتها يزيل

شيءٍ بمنتهى الحرص والاهتمام......

خفق قلبها بجنون كمؤشرات للخطر القادم عليها....

ابتعدت عنه في لحظة......

فجفل سليم ونظر لوجهها..... بوجنتيها الحمراوين وعينيها الخلابتين......وشفتيها الـ....التي تقضمهم بمنتهى التوتر.........

"انتي كويسه.....الفتله دي كانت متعلقة في شعرك........"رفع الخيط الرفيع امام عيناها

بطرف اصبعه فارجعت كيان الخصلة التي

كان يلمسها  خلف اذنها ثم قالت بارتباك......

"هجيب لحضرتك القميص........"

خرجت سريعاً هاربة....لا تعرف من ماذا.....لكن

المؤكد انها تهرب من شيءٍ ان اكتشفت هوايته

لن تحبذه أبداً.......

......................................................................

بعد ساعات طويلة مرهقة بداخل قاعة المحكمة

خرجا الإثنين حيثُ سيارة سليم الذي يصفها

جانباً...

استلقت كيان بجواره وهي تخرج تنهيدة تقيلة

مجهدة.........

نظر لها سليم بطرف عيناه وهو يدير محرك السيارة........

"انتي كويسة........"

ردت بتلقائية وهي ترجع شعرها البندقي

للخلف.........

"تعبت أوي...... وجعانه أوي....."

رفع حاجبٍ مردداً... "جعانه......."

أدارت راسها إليه تخبره بتلقائية والبراءة تطل من عيناها الفيروزية......

"آآه ينفع واحنا في طريقنا للمكتب تاني....على السكه كده..........انزل اشتري أكل..........اصلي مفطرتش من الصبح......."

اوما سليم وهو ينطلق بسيارته مقترحاً

بفتور....

"تمام.....لو تحبي انا ممكن اغديكي في مطعم كويس........"

هزت كيان راسها مصرحة وهي ترفع ابهامها

بثقة......

"لا لا مفيش داعي....انا بروح مطعم كده......"

سالها سليم..... "واسمه إيه المطعم ده......"

لفظت الإسم بارتياح غريب......

" مطعم ام ناني طواجن ومشاوي......."

"نعم......"أدار رأسه اليها سريعاً......

ففغرت كيان شفتيها مندهشة.....

"انت أول مرة تسمع عن ام ناني....دي مكسرة الدنيا

في اسكندرية......دا انضف مطعم ممكن تاكل فيه........"

انعقد حاجباه بتشكيك........ "متأكده ؟!........"

انبسطتْ ملامح كيان واقترحت






5= ج1=

كان كل شيءٍ واضحاً ، لكننا

لا نفهم بالاشارات ، اننا نفهم بالصفعات

#نجيب_محفوظ

....................................................................

عندما فتح عاصم الباب أضاء الغرفة وهو يخلع

سترة الحلة........

لكن لم يلبث إلا وانعقد حاجباه بشدة.....وبرزت عروقة في لحظة وتحولت نظراته الفاترة الى

نظرات سفاح على وشك ارتكاب جريمة......

التوى فكه بتشنج وازداد سعير انفاسه الغاضبة

وهو يرى (رُفيدة...)تستلقي على سريره بمنتهى الاريحية ترتدي قميص نوم قصير يشع اغراء ويكشف عن الكثير ......

شعر فجأه بثورة عارمة تهدر في اعماقه.....وطاقة عنيفة سوداوية مرتسمه على وجهه المتصلب

ولم يتابع اكثر في مشاهدة عرضها الرخيص

المبتذل لذلك نداها بصوتٍ أجوف كالحجار

الصلب......

"روااااافيدة......روااافيدة......."

تمايلت على الفراش وقد ارتجفت داخلياً بخوف إلا

انها حاولت السيطرة على اعصابها لتكمل خطت

إلهام بحذافيرها كما امرتها.......

عندما تلاقت أعينهما بصراعٍ عنيف من قِبله

وضعت يدها على صدرها تلقائياً قائلة بصوتٍ مغوي.......

"عاصم.......سوري......راحت عليا نومه وانا قاعده

على سريرك......."

نظر عاصم اليه بعينان عاصفتان....غير

متهاونتان أبداً.....

"واي اللي دخلك اوضتي......وازي تنامي بشكل ده......"

شعرت رُفيدة بموجة من الاحباط تجتاحها.....

لكنها نهضت واقتربت منه قائلة بصوتٍ يحمل

اغراء العالم بأكمله.....

"كانت من ست شهور اوضتنا احنا الإتنين....كانت

من ست شهور بس ياعاصم.......بنام في حضنك على السرير ده...... معقول نسيت الليالي الحلوة اللي قضيناها سوا.....أمتى قلبك كان قاسي أوي كده...

إمتى....."

أثناء حديثها كانت تلامس لحيته الحالكة بيداها..

تداعبها بحب.....بينما حديثها المحمل بأنين التوسل

يزداد كلما استمر صمته المبهم..... والغير معبر عن

ما يدور بعقله.........

"عاصم متبعدنيش عنك اكتر من كده....انا مش قادرة

اعيش من غيرك....صدقني انا متعذبة في بعدك يابيبي.........وحشتني....ووحشتني حياتي معاك...."

نزع يداها بنفور ثم ابتعد عن عيناها الجريئتين......المحمله من بين بؤرتيها خبثٍ

دفين......

"وانتي جايه لحد هنا وقلعه هدومك...عشان تقوليلي الكلمتين دول.......كان ممكن تقوليهم... من غير ما ترخصي نفسك اوي كده......."ثم تأتأ بشفتيه وهو يجلس على أقرب مقعد ويخلع حذائه الأسود

متجاهل النظر لها........

"...شكلك وحش اوي وانتي بتعرضي نفسك لواحد غريب عنك... "

"غريب عني !!....عاصم انت جوزي......"

اقتربت منه وجلست على ركبتيها أمامه

متحسسه ساقه باغواء......

"الكلام ده من ست شهور.....دلوقتي انا

طليقك...."نزع يدها مجدداً بمنتهى النفور وهو

ينهض بعد ان تخلص من حذاءه ووضعه جوارها !.....

احنت براسها في جلستها تقول بنشيج

حارق...

"ياااه لدرجادي......معقول كل اللي عملته فيا ده

مش مكفيك....لسه بتعاقبني......."

قال عاصم بصوتٍ أجوف.....

"بعاقبك ؟!.....مين قال اني بعقبك....انا قفلت اللي بينا من ست شهور ياروفيدة.......ولو انا بعاقبك يبقا ناوي اسامح ورجع....لكن انا لا هسامح ولا هرجع.....احنا

اللي بينا انتهى لحد كده...وانا اديتك حريتك....عايزة إيه تاني......."

نهضت عن الأرض تنظر اليه بعيون باكية

تتوسل اليه بشكلاً مهين......

"عايزاك ترجعني لعصمتك.....بقولك حياتي صعبة

من غيرك...انا بحبك...... بحبك عاصم....."

ابتسم عاصم باحتقار.....وبسوداوية مزدرية

واجهها بحقيقة ما بينهما والذي لا يحمل اي

نوعاً من الحب......

"بتحبيني؟!.....ولا بتحبي اسمي وفلوسي.....بتحبيني

ولا بتعملي دا كله عشان تفضلي ماشيه تحت ضل

أختك......انتي عمرك ماحبتيني ياروفيدة....انا كنت فرصة حلوة بنسبالك....وبنسبة لاختك...فقولتوا زيادة الخير خيرين......واهوه هنكون كوشنا على عيلة الصاوي من الناحيتين........"

تراجعت رُفيدة بصدمة وشعرت بنيران تكوي امعائها

وكانه وضع جذوة حارقة تلتهم اعماقها ببطئ شديد....اهتزت حدقتيها بارتياب وبدات تزدرد

ريقها بصعوبة.....فارادت ان تزور الحقائق......

قائلة........

"انت فاهم غلط......ليه دايما بتلمح لكده....انت

عارف اني بحبك.....يمكن إلهام كانت السبب في جوزنا.......يعني هي اللي قربتني منك بكلامها

عنك....وبكلامها عني ليك...ودا شيء طبيعي

بين الاخوات.....يعني هي شافتك مناسب

ليا.......فقررت تقربنا من بعد....ليه شايف انها عملت

كده عشان الفلوس......هي مش محتاجة.. دي مرات عمك وام ابنه يعني ليها زيك تمام....وكمان انا

مش محتاجة فلوسك ياعاصم.....انا عندي شغلي وحياتي........ومعايا فلوس تعيشني مرتاحة........"

التوى ثغره ساخراً..... "زيادة الخير خيرين........"

صدر صوتها كالأنين وهي تهمس بتعب

حقيقي.....من تصلب رأسه معها.........

"انت بقيت صعب.....صعب أوي......وظلمني

وظالم اختي......."

التوى ثغره وهو يقول بسخرية سوداء....

"بجد ظلمها........جايز.........قدامك خمس دقايق تلبسي هدومك وتخرجي.....اطلع من الحمام

ملقكيش......."

اتجه ناحية باب الحمام المتواجد بغرفته....فوجدها تعترض طريقه قائلة برجاء...

"عاصم احنا لسه مكملناش كلمنا....لازم تفهم ان اللي بتعملوا فيا دا بيدمرني...ولو حصلي حاجة ذنبي هيكون في رقبتك......."

هتف بصوتٍ كالجليد المسنن......

"اطمني محدش بيموت ناقص عمر......اخرج ملقكيش......."القى نظرة حازمة مهيبة ثم دلف للحمام واغلق الباب خلفه بقوة.......

انتفض جسدها في مكانه وسريعاً بدأت في ارتداء ملابسها على عجله.......فهي لا تضمن أبداً اي جنون

سيفعل ان خرج ووجدها بانتظاره.....غضبة غير متوقع وقد تصادفت به كثيراً في فترة

زواجهما....

ان غضب ينقلب المكان راسٍ على عقب.....ولا تدرك

اي جحيم سيدفعك به ....لكن سواء علمت او

لأ ففي النهاية يبقا الجحيم وصف غير مستحب

ومخيف لاي شخصاً وهي على رؤوسهم..........

أنار الهاتف باتصال من (الهام...)عضت رُفيدة على شفتها وهي تسمع صوت خرير الماء بداخل.....

اخذت نفساً مرتجف وهي ترد بصوتٍ محبط.....

"ايوا يالهام......"

قالت إلهام بحنق شديد.....

(أيوا يالهام إيه؟!... انتي فين يارافي عملتي إيه...)

حانت نظرة من رُفيدة للخلف فوجدت الباب مزال مغلق والصنبور مفتوح.... جلست على حافة الفراش زافرة....

"كل اللي قولتيلي عليه عملته.....كل حاجة عملتها....بس مفيش فايدة.......انا تعبت يالهام....

انا حسى اني برخص نفسي......."

اندفع فضول الهام فسالتها بقلق.....

(بترخصي نفسك ليه بس هو اي اللي حصل..مش عملتي اللي اتفقنا عليه.......)

اتاها صوتٍ خشن مهيناً... جفلت معه حواسها

فجأه.....

"الشهادة لله يامرات عمي اختك مقصرتش...بس

انا اللي بقيت اكسل اوطي اجيب حاجه رمتها

تحت رجلي........"

تداركت الهام الموقف الذي وضعوا فيه

فسريعاً قالت مبررة.......

(عاصم....انت فاهم غلط احنا كنا بنتكلم عن....)

قاطعها عاصم بصوتٍ حازم.....

"عني.......سمعتك وسمعتها.......انتي عارفه اي

اخرت الحوار ده يام يزن......."

سالت إلهام بتوتر......(إيه.....)

رد بصوتٍ غريب.....خالي من التعبير......

"انك تركزي مع عمي وابنك.......وطلعيني من حساباتك.....أهوه تريحي دماغك شوية من

التفكير واهوه تريحيني انا كمان......اي رأيك..."

على الناحية الاخرى ارجعت الهام شعرها للخلف

بعصبية وهي تدور حول نفسها في غرفتها

محاولة السيطرة على الموقف المخزي التي

وضعت به مع اختها الغبية.........

(عاصم انا بعمل كده عشان خاطر اختي...رفيدة بتحبك وطلبت نصحتي فـ....)

قاطعها عاصم متابع بسخط......

"فقولتلها اقلعي ونامي في اوضته...ونعمه نصايح الاخوات....."

القى عاصم نظرة ازدراء على رفيدة التي تسمرت مكانها بوجنتين حمراوين بالغضب والحرج ورأس شبه منحني بالهزيمة......وقد بدأت تتمنى في تلك

الوقفة ان تنشق الأرض وتبتلعها الان بعد تلك النظرات السوداء والكلمات المهينة......ان الموقف

باكمله قلل منها بكل المقاييس.......

القى عليها نظرة مشمئزة وهو ينهي المكالمة

بنبرة نافرة منهن.......

"اخر مرة هقولهالك......واختك قدامي وسمعتها وهتسمعها تاني....طلعوني من حساباتكم...اللي بيني

وبين رُفيدة انتهى من يوم ممات ابني في بطنها بسبب جشعها وكدبها عليه........"

وقبل ان يغلق الخط في وجه الهام أمر رُفيدة

المتسمرة امامه بقهر......

"اطلعي برا..........كلامي خلص خلاص....."

اطرقت رُفيدة براسها وهي تاخذ الهاتف منه وتخرج

راكضه لغرفة اختها تجر الخيبة والخسارة في قدميها......

اغمض عاصم عيناه بقوة شاعراً بكم هائل من الاختناق...وتشنج قوي في عضلة فكه...بينما

النفس في صدره يتردد كآتون حارق....

ارجع شعره للخلف وكان على غير هدى يترنح

بين أفكاره وعواصفة.....

الم ينتهي من تلك القصة ويرتاح...أصبح وجودها

هي واختها يسبب له عدم الراحة والمواصلة في سلاماً نفسياً......

يجن جنونه عندما يراها مزالت تلعب لعبتها المكشوفة هي ورأس الحية الكبرى.....مزالت

السذاجة تحيط بهن.....بان يوقعنا به مجدداً في

فخ الهوى الكاذب.......ويغرق في حب مطصنع

بنى هل أهداف انانية محددة بالمال والجاه.....اما

عنه ، فهو الصورة التي تحمل كل ما سبق.... فلِما

لا يكن جزء مما يريدون ؟!........

خرج للشرفة يستنشق بعض الهواء لعله يهدأ مشاعرة

الثائرة بالغضب.....بعينين نافذتين شاردتين ظل ينظر اللاشيء والغضب مزال يحرق فتيل صبره......وفي سهوة من الشرود تنشط عقله فجأه و ذكره

بمقتطفات لعيون عسلية براقة قابلها في يومه بنظراتها الغاضبة......وأحياناً الملوله.....الحانقة...

والمتعجبة....المصدومة...والقانطة.....وأخيراً الهادئة.........هدوء يعبر عن صفاء عينيها وخبايا طباعها.....

لفظ إسمها بعيون سابحة في ذكرى

عيناها..... "شهد......."

تذوق احرف إسمها على لسانه ببطءٍ شديد اصابه بعدها بشعور غريب لأول مرة يطرق بابه ؟!....

.......................................................................

خرجت من المطبخ تجفف يداها بالمنشفة الصغيرة

حانت منها نظرة على اخيها......الجالس على أحد الطاولات في ردهة المطعم........

وقفت للحظات تتأمل صمته وشرود الحزين البادي على ملامحه وعيناه....يتألم......الالم يسكن عيناه

بوضوح...والحزن مسيطر على المتبقي منه......

يؤلمها قلبها لعجزها عن مساعدته لو كان بيداها

لفعلت الكثير حتى ترضي والدة حبيبته...

لكن ما باليد حيلة....هي أيضاً تسعى للاستقلال بعيداً عن عثمان الدسوقي..... كما يريد حمزة... وكم

تود كيان........

وان وصل احدهم لهذا الاسقلال والاكتفاء الذاتي

سيمد لأخيه يد العون......وهذا لم يكن وعد بينهم

بل أصبح حق مكتسب اتخذاه الثلاثة مع مرور سنوات عمرهم معاً ......

جلست امامه على المقعد وسندت يدها على سطح الطاولة لتضع ذقنها على كفها المضموم.....ناظرة

اليه بصمت له الف تعبير واولهم.....الشفقة........

.

"مالك ياعم المكتئب........"

رفع حمزة عيناه العميقتين بالحزن اليها...ثم

تمتم بابتسامة باهته........

"مكتئب مرة واحده......فين الإكتئاب ده مانا

كويس اهوه......."

هزت شهد رأسها بتصميم.......

"لا مش كويس.......احكيلي اي اللي مضايقك..."

رد هارباً من عيناها..... "ولا حاجة......"

لخصت الاجابة بـ.... "نجلاء تاني وامها صح......."

أسبل عيناه وهو يلعب في سلسلة المفاتيح

مضيف بضجر.......

"ادتني مهلة شهر اجيب الشقة.......في شهر هجيب الشقة؟!.......شفتي استهبال اكبر من كده....."

زمت شهد شفتيها بعدم رضا.......

"دي قصدها تعجزك.....طب ونجلاء رايها إيه...."

راقبت شهد عنفوان ملامحه واستياءه

وهو يخبرها......

"نجلاء ملهاش رأي......مانتي عارفه أمها....."

سالته شهد بجزع.... "وهتفضل في الهم ده كتير....."

اندفعت عيناه اليها كالسهام... بينما سالها بصوتٍ

مجهد من كثرة صراعته مع نفسه........

"عايزة تقولي اي ياشهد......."

اندفعت بصوتٍ قوي تواجهة بالحقيقة.....

"عايزة اقولك انك بتقوح ياحمزة....سبها تشوف نصيبها........انت مش هتقدر على طلبتهم....."

ومن بين ثنايا قلبه اخبرها بخفوت.....

"بس انا بحبها....ومن زمان....من قبل حتى ماخطبها وانتي عارفه كده كويس...."

اومات شهد بتعاطف لتقول برفق....

"عارفه.....بس ماباليد حيلة.....أبوك مش هيحن قلبه ولا هيغير رأيه....لو كلمنا مين بالذي هيصمم على اللي في دماغه.........وانا مصدقت انه رضي عنك وخلاك ترجع تبات في البيت من تاني......."

وهجت النظرات بحدقتاه واندفع يخبرها

بعنف........

"انا مش هسبها ياشهد......انا بحبها....بحبها ومش هسبها تروح لغيري......."

اومات مجدداً براسها قائلة.....

"عارفه....وعشان كده بقولك سبها....قبل ماتسمع

كلام امها وتكسرك......"

هز حمزة راسه سائلاً بشك...

"انتي تعرفي حاجة ومخبيها عني.."

اهتزت حدقتاها واشاحت بوجهها دون

تعقيب....

فسالها حمزة مجدداً وقد ازداد سعير غضبها....

سائلاً اياها بعذاب...

"شهد ردي عليا......انتي تعرفي حاجة.... "

نهضت شهد وهي توليه ظهرها قائلة بمنتهى

الوضوح....

"معرفش حاجة.....انا بس شايفه اللي انت عامل نفسك مش شايفه....فوق ياحمزه......وشيل الغمامه

دي من على عينك....نجلاء مصيرها تمشي ورا

كلام أمها.......و......."

قاطعها وهو يضرب سطح الطاولة نهضاً بعدها بعصبية وكان الشياطين تتراقص امام عيناه

فبدون قصد اشعلت اخته جزءاً يحاول إخمادُ

منذ أيام......

"مش هيحصل....انتي كده متعرفيش نجلاء....نجلاء

بتحبني.........بتحبني... "

واجهته شهد بعينيها بقوة عرت المشاعر

المتذبذة داخله.......

"وليه عمال تكررها......اللي واثق من حاجة...مش بيعيد ويزيد فيها....."

نظر لها بحدة وساد الصمت بينهما......والنظرات كانت

كفيلة بتدمير مايسعى للحفاظ عليه......

القى عليها نظرة أخيرة ثم تحرك مغادراً...فمسكت شهد ذراعه وقد انقبض قلبها فجأه و سالته.......

"رايح فين......."

ابعد حمزة يدها قائلاً بصلابة....

"روحي مع بشير وخلود....."

سالته برعب....... "وانت رايح فين........"

لم يرد عليها بل خرج من المكان في

سرعة الريح......

ركضت للخارج مناديه

عليه......

"حمزة.........حمزة........."

ضربت فخذيها بعصبية وهي تلوم نفسها

بقوة.....

"استرها يارب......... استرها......"

دخلت خلود المطعم وسألتها بفتور.....

"ها ياشهد خلاص...... بشير دور العربية برا ومستنينا......."

"آه خلصت......... يلا بينا......."اومات شهد وهي تخلع المريول بيد ترتجف .........

بحثت خلود بعيناها في انحاء المكان

سائلة بتعجب....

"هو حمزة راح فين........"

قالت شهد وهي تطفئ الأنوار وتحمل سلسلة المفاتيح والحقيبة قائلة بعجلة......

"يلا بينا ياخلود........خليني الحقه قبل ما يعمل

معاهم نصيبة......"

سألتها خلود بتعجب وهي تخرج معها......

"مين دول........"

سحبت شهد الباب الزجاجي واغلقته

بالمفتاح قائلة........

"هقولك في السكة....... يلا بس......."

بعد اغلاق المطعم اتجهت الى السيارة بسرعة واضعه يدها على قلبها بخوف.....هل أخطأت حينما واجهت

اخيها بالحقيقة.....هل ادعت على نجلاء بالباطل...

هل فعلاً ستكون مستعدة للتخلي عن اي شيءٍ

لأجل اخيها ام انها ستظل تضغط عليه كأمها....

.......................................................................

وصل أسفل العمارة الذي يقطن بها......ترجل من السيارة التي يعمل عليها بعد ان صفها جانباً.....

ثم استقل المصعد للدور السادس حيثُ شقتها....

كانت نظراته مخيفة قاتمة....تبعث رجفة رعب في

عينا الناظر......ملامحه متحجرة مهيبة.....وانفاسه

متصاعدة محملة بالغضب والعدائية لكل من سيقف

أمامه الآن.......غضبه يوشك على احراق المتبقي

من صبرٍ وعقلٍ داخله........

سحب نفساً حاداً بعد ان فتح باب المصعد وقبل

ان يتخطاه سمع صوت ضحكاتها العالية وهي تودع

ضيفها من على الباب قائلة بصوتٍ مائع.....

"مكنتش أعرف ان دمك خفيف اوي كده...."

لمعة عينا سامح وهو ينظر اليها بقوة هائماً في

هذا الجمال المشع من كل زاويا بها....فقال وهو

يميل برأسه عليها بخبث.......

"مانتي اللي كنتي مصدره ليا الوش الخشب.... هتعرفي منين بس.......بس ملحوقه... "

بميوعة اكبر سالته..... "مش فاهمة.....تقصد إيه بملحوقه.... "

ابتسم سامح بسماجة قائلاً بمداعبة...

"ملحوقه يانوجا....مصيرك تعرفيني أكتر...وتحبيني اكتر........ولا إيه......."

تلونت الشفاة بإبتسامة خجولة....فقالت...

"واثق اوي من نفسك.....وافرض مقدرتش أحبك.."

تأتأ سامح بشفتيه وهو يستند على إطار الباب الواقفة أمامه مائلاً عليها قليلاً........

"كده أزعل..... احنا اتفقنا على إيه جوا..... تديني فرصة عشان نعرف نقرب كويس من بعض.......وانا

واثق انك هتحبيني.. "

ظهر حمزة من العدم فجأه....وخطى نحوهما قائلاً

بنبرة قاتمة عنيفة......

"هي من ناحية هتحبك... فهي هتحبك....مش بيقولوا الطيبون للطيبات برضو... والطيور على اشكالها تقع........"

انتفض سامح بخوف ينظر إليه..... وارتجفت نجلاء

كذلك متراجعه خطوتين للخلف بينما وصلت خفقاتها

المرتابه للعنان بقوة تكاد تقسم انها ستمزق

صدرها من شدتها.............

وكانها ترى النهاية الحتمية على يد سفاح يقترب

منها ببطئ شديد يتعب الأعصاب ويوقف القلوب.... فملامحه كانت سوداوية تنذر بالشر..... وعيناه كانت هائجة بجنون عاصف يكاد يزهق روحها في رمشت عين هي والمدعو سامح الذي يقف الان مرتاعٍ

يخشاه أكثر منها !!......

هتف سامح بشجاعة مفرطة حتى يرسم الدور

امام نجلاء المتسمرة مكانها بصدمة.....

"انت اي اللي جابك هنا.... انت عايز تتهزق

وتطرد زي المرة اللي فاتت......."

مسكه حمزة سريعاً من ياقة قمصية صائحاً في

وجهه بوحشية.........

"آآه عايز اتهزق وانضرب...... هات اخرك عشان اوريك

تمامك......."

قالت نجلاء بتردد.....

"ملوش لازمه الكلام دا ياحمزة......"

"اخرسي يابنت ال****..."سبها حمزة وهو

يلقي عليها نظرة قاتلة...

فغرت نجلاء شفتيها غير مصدقة الفظ البذيء الذي

رماها به........يبدو ان امها كانت محقة هذا الارتباط

لم يجلب إلا الاوجاع والخسائر لها........ويبدو انها استخدمت عقلها أخيراً في تلك العلاقة السامة...

وستنهي ما بينهما تحت اي ظرف....

شد حمزة ياقة سامح وهو يسخر من نفسه

بقسوة.....

"لا وانا اللي كنت بقول فيها قصايد شعر..."

رماها بنظر كارهة لاي شعور كان سابقاً خاصاً

بها وحدها.....أضاف بلسان يلتوي بشمئزاز......

"اتريكي كلبة فلوس زيك زي اللي جابتك.....

بتبيعي للي يدفع اكتر........وهو اكيد مقصرش.. "

نظر لسامح بقوة فجفل سامح وتوتر اكثر وانساب العرق من فوق جبهته من شدة الخوف والتراقب

للقادم من هذا المجنون......

قالت نجلاء بحنق مدافعة عن موقفها بمنتهى الوضاعة.......

"هو لما ادور على مصلحتي اكون طماعة..... وبعدين

انا صبرت واستنيتك كتير عملت إيه ولا اي حاجة...

كل يوم حجج فارغة واعذار......."

جز حمزة على اسنانه هاتفاً بغضب......

"وطالما انتي زهقتي اوي كده.... مقولتيش ليه وعرفتيني بنيتك الوسخه من ناحيتي....."

لوحت نجلاء بيدها توقفه بصرامة....

"أحترم نفسك.... انا مستحملة قلة ادبك لحد

دلوقتي عشان خاطر اللي كان بينا زمان...... "

ازداد بريق الاجرام في عينا حمزة صائحاً

باحتقار........

"زمان كمان ؟!.... ياشيخه يحرق ابو اللي كان بينا........ ويحرقك انتي والجِعر ده وأمك معاكم...

ياعيلة وسخة.... مفيهاش راجل كلها نسوان

مصديه... "

ظهرت امها من خلف الباب صارخة بملل

والشماته تطل من عيناها الئيمة........

"ما تحترم نفسك ياواد انت بتزعق كده ليه....هو الجواز بالعافية.... ما البت قالت مش عيزاك...خد

حاجتك وتكل على الله...... "

اوما حمزة وقد اشتعل صدره بجنون وفارت الدماء في عروقة لدرجة لا تحتمل مما جعله يقدم على

هذا وهو يقول بمنتهى الشر........

"عيني....هاخد حاجتي....... وحقي كمان....."

ضرب راسه في جبهة سامح بقوة مما جعله يقع

أرضا متالماً.....اندفع حمزة نحوه بجنون يسدد

له الضربات مما جعل نجلاء وامها يصرخوا بأعلى صوتٍ لديهن يستغيثوا الجيران من حولهم....

خرجت شهد من المصعد بصحبة بشير وخلود

وسريعاً عندما سمعوا الصريخ و رَأَوْا الاشتباك

تدخلوا سريعاً خوفاً على حمزة من ان يتهور

في ذروة غضبه ويرتكب جناية مع هذا

الأحمق......

تدخل كذلك بعض الجيران معهم....ودخلت شهد بينهم كحائل وهي تحاول ان تهدأ اخيها ببعض الكلمات وتترجاه بالدموع كذلك... فقد وصل حمزة لحالة اللا وعي.....ربما لم يفيق منها إلا على مصيبة كبرى....

"الحقونا ياناس.... الراجل هيموت في ايده..روح

منك لله ربنا ينتقم منك يابعيد..."هتفت بها والدة نجلاء بعصبية استفزت شهد... وكسرة قشرة

الهدوء التي تتحل بها بين الجميع....

فصاحت بحمائية مدافعه عن اخيها امام

الجميع.....

"ربنا ينتقم منك انتي إياك تدعي على أخويا.....ليكي

عين تكلمي........وليه بجحه بصحيح..... طالما لقيتي

اللي يشيل ادتيلوا مهله ليه شهر انتي وبنتك عشان

يجيب الشقة......عالم الكدب الخيانة بيجري في دمها......."

اتسعت عينا والدة نجلاء بشدة واكفهر وجهها

وهي تستعد لبخ سمها وكرهها لشهد التي كانت ومزالت الأجمل بين الجميع...حتى أجمل من

ابنتها.....رغم تشوهاتها الخارجية وضغوطاتها

النفسية مزالت جميلة تشع قوة وكبرياء....

تخصرت السيدة مبتسمة بسخرية

سوداء....

"والله وطلعلك حس ياشهد.....احنا كدبين

وخاينين.....آآه تلاقيكي منكاده من بنتي عشان هتجوز قبل منك.... آه مانتي بورتي بقا ومفيش

عريس بيخبط على بابك تكونش السماعه اللي في ودنك هي اللي بطفشهم.........ولا يكونش فكرينك طرشه......والودنين بايظين...."

تأتأت بشفتيها مدعيه الحزن والشفقة ثم

اضافت بغل مبطن......

"عارفيهم ياختي ان في واحده فيهم سليمة

يمكن حد فيهم قلبه يحن ويتجوزك...بدل مانتي قربتي على التلاتين ولسه زي البيت الوقف كده...."

حاول حمزة تجاوز الجيران الواقفين امامه يمنعوه

من الهجوم عليها.........فسبها صارخاً......

"اخرسي ياوليه يابنت الكلب انتي.. لحسان

اسففك تراب العمارة......"

ردت والدة نجلاء بغضب

يماثلة....

"اخرس ياصايع ياعرة الرجالة......"

مد حمزة ذراعه بقوة ودفع سامح لعندها

قائلاً.......

"عرة الرجالة اهوه في حضنك انتي وبنتك

اشبعوا بيه.........ياعالم****......"

تحملت شهد الالم الحارق في صدرها....وتماسكت

حتى لا تبكي وهي تدفع اخيها بقوة

صارخة....

"كفاية ياحمزة كفاية يلا بينا......يلا كفاية كده..."

صاح بشير وهو يدفعه هو أيضاً باتجاه باب

المصعد.......

"اسمع كلام اختك ياحمزة وطلع معاها....."

ترجاه كذلك أحد الجيران.....

"اطلع يابني ربنا يهديك.......كل شيء اسمه ونصيب

والجواز مش بالعافية......."

هتف حمزة بنفور.......

"لا مش بالعافية وهي كده كده متلزمنيش....."

تلاقت عيناه بعينا نجلاء الصامته فلوى حمزة فكه بقرف نادماً على كل شيء عاشه معها سابقاً...

و اوالهم حبها الزائف.......

"ياخسارة كنتي غالية اوي عندي...وعلى قد الغلاوة بقيت في عيني أرخص من التراب اللي بدوس عليه بجزمتي......"

دفعته شهد الى المصعد وهي تصرخ مجدداً

بقهر.....

"يلا ياحمزة قولتلك كفاية......كفاية ياخي...كفاية

فضايح....."

......................................................................

طرقت شهد على الباب بقوة فبداخل خرجت كيان

من غرفتها تتثأب فقد غفت قليلاً بعد عودتها من العمل لحين عودتهما من الخارج......

"جايه حاضر......."

قالتها وهي تفتح الباب ناظرة اليهما بهدوء تحول

الى الدهشة وفغرت شفتيها سائلة.....

"اي ده مالكم.....اي اللي حصل......."

دلف الجميع لداخل الشقة من ضمنهم خلود

وبشير وقد هتف بشير متعجباً......

"معقول مسمعتيش الزعيق ده كله ياكيان....."

سألت كيان بنفاذ صبر وهي توزع انظارها

عليهم بتساوي...

"زعيق.... زعيق إيه......ما تفهموني ياجماعة....... "

القت شهد حقيبتها جانباً وهي تتجه لأحد الزاويا قائلة بصوتٍ متحشرج.....

"هدخل الحمام وجايه......"

سألت كيان مجدداً بحيرة.....

"مالها ياخلود ........ اي اللي حصل......."

امتقع وجه خلود وهي تتذكر الكلمات السامة

التي احقنت بها المرأه شهد بمنتهى الوضاعة.....

قالت خلود بتنهيدة أسى......

"حمزة شد مع نجلاء وامها تحت... وكان بيتعارك مع واحد تبعهم......... واحنا وشهد حوشنا بينهم.. والوليه اللي ماتتسمى ام نجلاء هلفتت بالكلام مع شهد....."

برقة عينا كيان وقبضت على يداها

بقوة.....

"قالتلها إيه........."

اجابت خلود بصعوبة وبعيون

دامعة.....

"كلام ميجليش قلب أقوله....حتى لو بحكيلك.... الخلاصة انه كلام يوجع بتعيرها بتعبها وبالسماعة

اللي في ودنها...... و.... وعشان لحد دلوقتي متجوزتش..... اهوه كلام كله غل ونقص...... ربنا

ينتقم منها..... حرقت دمها ودمي...."

جن جنونها فخطت خطواتها بمنتهى العصبية

نحو الباب قائلة بشراسة.......

"بنت الكلب....... طب والله لروح افتح دماغها..."

احاطت خلود خصرها محاولة منعها

وهي تهتف برعب.....

"استني عندك ياكيان.... احنا مصدقنا.... مصدقنا

لمينا الدنيا....... الله يسامحها وخلاص......"

صاحت كيان هائجة وعيناها تغليان

غضباً.....

"الله يحرقها.... مالها ومال اختي... تتجوز ولا تقعد هي كانت قعده فوق رأسها... وبعدين ماله تعب

أختي هي اللي اختارته...... ست جاهله... وعايزة

تاخد بالشبشب على بؤها......... سبيني ياخلود..."

كانت تقاوم وثاق خلود على خصرها مما جعل

خلود تتركها صائحة بتعب........

"ياكيان كفاية بقا وبطلي مناهده......... أهدي...."

"خلاص ياكيان......... كفااايه......"صاح بها حمزة الجالس على الاريكة يشاهد ما يحدث بعيون مظلمة...... تحمل انفعال ربما ان خرج

سيرتكب جناية.......كما يتمنى !........

تقدمت منه كيان صارخة بعنفاً.......

"انت هتسكتلها ياحمزة..... بعد اللي قالته على

شهد....... طبعاً مش حماتك......."

أجاب بنبرة مريرة......

"مبقتش حماتي....... انا سبتها للي دفع أكتر....."

لوحت كيان بيداها بعنفاً...قائلة بحمائية......

"في ستين داهيه..... هي وامها.... اللي يهين أختي

ميلزمناش ولا ينفع يبقا واحد منا........"

ربتت خلود على كتفها بملاطفة....

"الموضوع انتهى ياكيان أهدي......أهدي عشان متضيقيش شهد أكتر....... "

تبادلت مع خلود النظرات حتى ترقرقت الدموع في عينيها وهي تتجه لاحد الزوايا قائلة بقلق.....

"انا هروح ابص عليها.... طولت اوي في الحمام...."

لحقت بها خلود...... "انا جايه معاكي......"

اطرقت كيان على الباب برفق وهي تنادي

عليها..... "شهد......... شهد......انتي كويسه... "

"كويسة........ ثواني وطلعه......."

لفظت شهد بتلك الكلمات بمنتهى الهدوء واليسر حتى اقنعتهم بالفعل بانها بخير... وباحسن حال...

مؤكده ان الحديث لم يأثر عليها.... ولم يؤذيها

قط......

لكن ان نظرة الى صورتها المنعكسة في المرآى ستكتشف.... انها لا تخدع أحد سواها.....

بلعت الغصة الحادة في حلقها وهي تمسح دموعها المنسابه على خدها.......

أحياناً تكن الكلمات مصدر سعادة للقلوب... وكثيراً تكن الكلمات كفيلة بكسرة النفس..... بهدم الذات.....بحرقة القلب.........بالعيش في الظلام

باختيار العزلة.....ان تمقت على حياتك....وتكره

نفسك لمجرد انك تأذيت من كلمات محقنة

بسموم خبيثة.......اليست السموم قاتلة ؟....

اطرقت شهد براسها وهي تضم شفتيها بقوة تكتم شهقة عالية تعبر عن اوجاعها.....ثم حانت منها

نظرة الى المرآة.....لتجد كم هي بالحزن

تكبر ؟!.....تتغير ملامحها للاسواء.....الحزن قادر على افساد كل أمل يضوي بداخلها....الحزن قادر على اعجازها....... وهي لن تعجز.......فهي عاشت حياتها كلها تعافر مع نفسها وجميع من حولها.....لن تستسلم

لهذا اليأس......أبداً.....

نظرت الى صورتها في المرآة.......بعينين عميقتي اللون..... متألمتين حد العذاب.......عيون تصرخ بأن

الكتمان أصبح سجن مشدد لا يحتمل.....الن تتحرر

وتبوح باوجاعها.......الن تتخلص من تلك

التراكمات.....الى متى ستظل بتلك القساوة على نفسها.........الى متى ستظل تحت قناع الهدوء

والرشد....والصمت المبهم.......

اطبقت على عينيها بقوة والدموع كانت حبيسة الجفنين......تأبى الخنوع....... كما تأبى

صاحبتها.........

طرق الباب مجدداً وهتفت كيان بزعر....

"شهد اخرجي بقا كفاية كده......شهد........."

خرج صوتها ثابتاً في أوج الهدوء والسلام النفسي !!........

"خرجه ياكيان.....خرجه........"

مدت يدها و نزعت السماعة الطبية من اذنها....ثم

وضعتها جانباً وفتحت صنبور المياة....تلطم وجهها

بالماء بقوة تاركه العنان لدموعها الان بين خرير الماء العالي........ وصوتٍ من الماضي كان يدوي في

اذانها بقوة يشاركها الحزن باصعب الذكريات...

واسواء حادث عاشته.........

هتف عثمان وهو يحاول نزع الصورة من بين

يداها صارخاً بقسوة.....

(اي اللي خلاكي تاخدي الصورة دي......)

نزلت دموع شهد بحزن وكانت فتاة مراهقة

جميلة في الخامسة عشر من عمرها......

(هي دي الست اللي بتحبها يابابا...هي دي الست اللي كرهت ماما وكرهتنا عشانها......)

اتسعت عينا عثمان بشكلاً مخيف يكاد يبتلعها

وهو يحاول خطف الصورة من بين يداها......

(بقولك هاتي الصورة......هاتي..)

اخفتها شهد خلف ظهرها وهي تحاول التحدث

معه من بين دموعها الجارية....ووسط غضبه القاتم والذي يهدد بقتلها الان لا محال......فمنذ متى وهي تتجرأ هكذا امامه وتحاسبه.......

(هدهالك بس لازم تعرف ان احنا ملناش ذنب...وان ماما كمان ملهاش ذنب لانها حبتك.....وبعد كل اللي عملته قبلت تكمل عشان خاطرينا وعشان

بتحبك......)

سحب الصورة من بين يداها ووضعها في جيبه

قائلاً بازدراء.......

(هاتي الصورة.....عيله زيك بتحسبني...وبتكلمني كمان عن الحب....ادي التربية....والله وعرفتي

تربي ياكريمة.........)

دافعت شهد عن امها بقوة.....

(ماما ربتنا احسن تربية......)

اقترب عثمان منها وعيناه تقدحاً غضباً

اسود....

(بامارة انك دخلتي تفتشي في اوضتي...لا وكمان بتحسبيني.......)

واجهته لأول مرة قائلة بثقه......

(لانك غلط واحنا لينا حق عليك....وبعدين انا مش صغيره.......انا عندي خمستاشر سنه و.....)

لم تتابع حديثها فقد هجم عليها بمنتهى العدائية يضربها ويصفعها ويركلها بقدميه......أطال ضربها

وتعنيفها اكثر مما سبق ، مما جعلها في هذا اليوم المشئوم تنزف من كل مكان بجسدها والنزيف

الذي اصابها كان نادراً بنسبة لها فقد نزفت اذنها اليمنى واصبحت لا تسمع إلا صوتٍ تشوش ، وألم

شديد داهمها في اذنها وكأن هناك سهمٍ حاد اخترقها....حتى انها كانت تصرخ حينها وهي غير قادرة على سماع صوتها لكنها شاعره بكم الوجع التي تحياه وقتها...........

وعندما اخذها حمزة وامها للمشفى اكتشفت انها فقدت اذنها اليمنى للأبد.......وان اليسرى ايضاً

تأثرت تاثر طفيف كذلك لكنها أفضل من

الثانية....

وقتها اجرت عدت عمليات وخضعت لرحلة علاج طويلة على أمل ان تشفى وتستعيد حسة السمع كسابق لكن للأسف بعد هذا العذاب انتهى بها

الحال بسماعة طبية........

ووقتها كان بيدها سلاح قوي لسجن ابيها بعد ان تعدى عليها بهذ الشكل الوحشي........وحتى المشفى ساعدتها في اخراج تقرير طبي قوي.....

فقد اتت اليهم شبه ميته.......وكان الجميع

يساندها حتى تأخذ حقها ممن يدعى ابٍ.......

حتى حمزة كان يحثها على محاكمة ابيهما

قانونياً.....

لكنها لم تفعل..لم تمتلك الجرأة.....لسجنه...لتعذيبه

لحرق قلب أمها عليه...... فقررت العفو.....عفو بديهياً..... لكنها في قرارة نفسها لن تسامحه أبداً......أبداً...

هتفت كيان برعب من الخارج.....

"انا مش مطمنه ياخلود......انا خايفه بقالها ساعة فتحه الحنفية....يكونش اغمى عليها....."

"فال الله ولا فالك........اي الكلام ده......"قالتها خلود

وهي ترفع يدها على الباب مجدداً فوجدت شهد تفتحه وتقف أمامهم تنظر اليهن بهدوء وغرتها

التي دوماً تغطي جبهتها مبلله بالماء وكذلك وجهها.......وجهها الشاحب كشحوب الاموات.....

وعينيها غائرة حمراء من كثرة البكاء.......

ورغم الهدوء البادي عليها إلا ان ملامحها قالت

كل شيء دون طرح السؤال حتى ؟!.......

قالت شهد بهدوء وهي تخرج وتغلق باب الحمام خلفها......

"هحضرلكوا....العشا.....انا جايبه أكل من المطعم هيعجبكوا........عمايل ايدايا.... "

فغرت خلود شفتيها واتسعت عيناها... وكذلك

فعلت كيان وهي تسالها مشدوهة.......

"عشا اي ياشهد.....انتي........"

اولتهم ظهرها وسارت باتجاه المطبخ لتقول

بنبرة مرحة...........

"انا ميته من الجوع.......حضري السفرة ياكيان

انتي وخلود وانا هسخن الأكل........."

نظرا الفتيات لبعضهن بصدمة.......لا يصدقا

ما يصدر منها ؟!.....

ألن تتوقف عن هذا الادعاء الزائف....الجميع له حق

في لحظة انهيار واحده.....ولو حتى بمفردة ؟!.....

.....................................................................

بقلب المطعم وفي صباح اليوم الثاني... كانت تجلس على المقعد امام طاولة مستديرة ساندة مرفقها عليها وترتاح على كفها..... عينيها العسليتين شاردتين في عالم آخر........ حزينتين لأبعد حد..... صريحتين

معبرتين لمن يود الاطلاع بهم........

منذ البارحة وهي لم تذق طعم النوم..... للأسف الاحزان رافقتها حتى الصباح.....تلوت ليلاً على

جمار كلمات (ام نجلاء) بكت بصمت وانهارت

وهي تدفن وجهها بالوسادة....... متذكرة كل

شيءٍ سيء عاشته من يوم ان وعت على

الحياة...........

وكانت ليلة معذبة لروحها انتهت بنزع جسدها نزعاً من على الفراش ثم قضت فريضة صلاة الفجر

وارتدت ملابسها وذهبت للمطعم....لتباشر عملها...

العمل الشيء الوحيد الذي تتنفس من خلاله...تشعر

بنفسها بقيمتها وهي تكتسب المال بمجهودها... دون

الاعتماد على أحد......او الانتظار من أحد.........

لطالما هكذا عاشت.......وهكذا علمها والدها......ربما

القسوة جنت شيءٍ واحد جيد بان تكون شابة مكافحة لا تعرف الدلال والعب كمن في سنها.....

شابة مستقلة بنفسها وقريباً ستكون مستقله

بعيداً عن كنف والدها وعن اي رابط

يجمعهما معاً....

سمعت صوت الباب الزجاجي يدفع وانتشر شذا عطره الرجولي في المكان.....علمت ان الساعة أصبحت العاشرة وان حضور مؤجرها حان

ويجب ان تتعامل معه بمنتهى الطافة والأدب

والصبر الغير منتهي حتى يرضا عنها......

تباً انها ليست بمزاج لكل تلك السخافات فالينظر

نظرة ويرحل...... اصلا المكان خالي من الزبائن

باستثناء الطلبات التي ستعدها أليوم والتي

تاتيها عبر الإنترنت....

تنحنح عاصم بخشونة وهو يطلع عليها بعيون كالصقر........

قلبت شهد حدقتيها بملل وقد اتتها رغبة غريبة في مناكفة مؤجرها.......مسكت شهد الهاتف وصبت اهتمامها عليه وهي تقول بحنق......

"مش عايزين النهاردة....... لسه مطبخناش.... عدي علينا نبقا نشوفلك اي حاجة تاكلها....."

ابتسم عاصم وهو يجاري حديثها وقد تقدم منها وجلس على المقعد المقابل لها.....

"خسارة مع اني ميت من الجوع.....مكلتش من إمبارح..... "

مطت شهد شفتيها قائلة باسى..... "ياحرام......"

رفعت شهد عيناها الجميلة إليه.......فابتسم عاصم

لأول مرة بصدق وقد ازداد وسامة بعد ان لانت شفتيه الصلبة.......

"مش كده...... انا برضو بقولهم ياحرام......."

خفق قلب شهد فعادت تنظر للهاتف بخجل

افترسها بعد نظراته الذكورية الكاسحة....

نظر عاصم للمكان الهادئ من حوله ثم عاد

إليها قائلاً بسخرية......

"اي اخبار الشغل....شايفكم بتهش دبان النهاردة..

تحبي انفعكم......اهو اساهم باي حاجة.... عشان متفضليش زعلانه كده..... "

رفعت شهد عيناها عليه معقبة على اخر

جملة.....

"مين قال اني زعلانه عشان الشغل؟......."

سأل دون تفكير.... "امال زعلانه من إيه......"

رفعت حاجبٍ عابساً......"نعم....."

تغاضى عن نظراتها المتعجبة والوجه العابس

ونظر للمكان مجدداً قائلاً بثقة.......

"انتي بطريقه دي مش هتعرفي تدفعي الايجار

آخر الشهر....."

زاد العبوس عليها وهي تقول بتعجب....

"معداش من الشهر غير خمس ايام ياستاذ

عاصم !!...."

نظر لها عاصم مستنكراً هذا القب

الثقيل......

"مابلاش استاذ دي عشان مش قادر أبلعها منك...."

قطبت حاجباها وهي تساله

بقنوط....

"تحب أقولك إيه...... يامعلم عاصم......"

رد بإبتسامة اجمل من السابقة....قد سحرتها

لبرهة مما جعلها تخفض عينيها.....

"خليها عاصم بس..... إحنا من سن بعض تقريباً..."

سريعاً رفعت عينيها اليه كرصاصة طائشة

وهي تساله بصدمة......

"من سن بعض ؟!..... ليه انت عندك كام سنة...."

أراد ان يغذي فضولة

فاجابها.....

"تمانيه وتلاتين......وانتي....."

نهضت شهد من مكانها واتجهت إلا اللوحة

الورقية وظلت تمسح الاشياء التي كتبت

عليها أمس..........ثم اجابت بتهرب.....

"مش لازم تعرف........بس انت أكبر مني..."

سألها عاصم بفضول....... "بكام سنه يعني......"

أدارت شهد وجهها إليه قائلة بترفع....

"كلك نظر........"

ادعى التفكير وهو يقول بلؤم..... "سنتين........"

ابتسمت شهد بخفة وهي تعود لتجلس أمامه

على نفس المقعد.......

"قديمة....برضو مش هقولك عندي كام سنة....."

سالها عاصم وعيناه تتبسم تشاركها

الابتسامه....

"ليه مش بتحبوا تقوله......"

توترت حدقتي شهد لكن سريعاً ردت بانف

مرفوع بتعالي....

"عشان....عشان السن اللي في البطاقة ده

مجرد رقم بنسبالنا........"

اوما عاصم بتفهم......وهو يعيد السؤال......

"وجهة نظر.........بس انا عايز اعرف عندك

كام سنة......."

ضيقت عيناها في خطٍ عابساً..

وقالت....

"ليه هو سني كمان ممكن يعملك مشاكل...."

"بتتريقي........"رجع بظهره للخلف وهو يأسرها بنظرات الصقور........

اومات براسها متمتمه بخفوت......

"بصراحه آآه....انت انسان غريب ياستاذ عاصم...."

"أستاذ....."زم شفتاه مستاءاً ثم حثها على

المتابعة.....

"ماشي......غريب إزاي ياستاذه شهد؟......."

تبسمت وهي تخبره بصراحة.....

"يعني من أول يوم شوفتك فيه وانا حساك

عدو المرأه......."

وضع ساق على اخرى وهو يمط شفتيه قائلاً

بصلف.......

"وليه الاحساس يانسه شهد....انا عدو المرأة

فعلاً..."

رفعت وجهها المشدوه اليه أكثر

وهتفت بصدمة....

"اي دا.........اي دا بجد......"

ضحك عاصم....ضحكة رجولية خافته....له اثر

جميل على النفس....مبهجة.....تشع خشونة

وهيبة.......فقال موضحاً وجهة نظرة.....

"بهزر.....يعني انا من وجهت نظري ان الست ملهاش غير بيت جوزها....وقبل جوزها ليها بيت أهلها....

لكن الشغل والبهدله ميلقوش بيها....الست لازم

تكون مسئولة من حد...... مينفعش تشيل

مسؤولية نفسها..... لانها في نهاية ست...... "

سالته شهد مباشرةً....

"انت عندك اخوات بنات......."

اوما براسه وهو يجيبها بمنتهى السلاسة وقد

تناسى الإثنين ما خلفهما من اعمال عليهم

القيام بها......

"عندي واحده.......متجوزه وعايشة برا......"

سالته شهد بفضول..... "مش بتشتغل........."

رد ببساطه متفاخراً........

"لا... معاها شهادة ومتعلمه كويس....بس قاعده في البيت وبتربي عيالها وواخده بالها من جوزها......."

لم تكن لديها رغبة في الجدال معه أكثر..... فأغلقت الموضوع قائلة.......... "كويس....."

انعقد حاجبي عاصم بحنق......

"اي هو اللي كويس.......انتي شيفاني معقد؟.... "

ردت بالامبالاة.... "في الحالتين ترجعلك......."

ارتفع حاجب عاصم وتشدق سريعاً

باعجاب....فتلك كانت جملته أمس......

"برافو بتحفظي بسرعة......"

اكتفت بايماءة بسيطه وهي تبتسم.....مما جعله ينظر اليها أكثر يتأملها بشكلاً مفضوح.....يكشف عن اعجابه

بشكلها..... بعزمها في العمل.....بمناكفتها البسيطه

معه....اعجب بهدوءها الواضح.....وحزنها الدفين جذبه.....ابتسامتها التلقائية ابهرت حواسه.....كلما

تبسمت بعفوية شعر بشيءٍ يدغدغ قلبه......

نشلته شهد من شروده

قائلة.....

"اوعى تكون بتشبه عليا....."

هتف عاصم دون تفكير.....

"شكلك مرهق.........عن إمبارح......"

رفعت حاجبها مندهشة......

"ماشاءالله عندك قوة ملحظة.......بس دا

سؤال ولا معلومة........"

أومأ براسه وهو ينهض..... "لا معلومة......."

نهضت شهد خلفه سائلة

بغباء......"على فين؟......"

لوى عاصم فمه بتعجب...... "على المحل...."

شعرت بالحرج من نظراته الثاقبة عليها فقالت بسرعة......

"تحب اعملك فطار........احنا عملنا منيو صغير كده للفطار بيبدأ الساعة تمانية وبينتهي حداشر...."

رد عاصم ممتنع بالباقة.....

"تسلم إيدك بس انا فطرت قبل ماجي...."

اومات براسها وهي تتحسس عنقها بشكلاً

تلقائيّ يعبر عن حرجها وتسرعها....

فأراد عاصم ان يهون عليها فقال قبل خروجه

بمنتهى الفتور......

"صباحك زي الورد......سلام....."

خرج امام عينيها التي تموج بمشاعر مستجدة تختبرها مع مؤجرها الغليظ.........

.......................................................................

استيقظت في وقت متأخر من الصباح وكالعادة ذهب

سلطان للورشة باكراً دون ان يوقظها....

خرجت من غرفة الأطفال.... التي تقيم بها من يوم

ان تخطت قدميها هذا المكان.......

تثأبت وهي تذهب الى المطبخ وتفتح المبرد لترتشف القليل من المياة الغازية..... عادة سيئة باتت عندها منذ الصغر ان تتناول وتشرب كل ماهو مضر

بصحة ....حتى اصبحت اختيارتها أكثر

تهاوناً وضرراً !.......

انعقد حاجباها وهي تنتبه لكيس أسود موضوع على رخامة المطبخ.......

اتجهت اليه تتفحصه لكن قبل ان تفتحه وجدت ورقة صغيرة ملقي فوقه باهمال...فتحت الورقة وقرات ما بها.......

(اطبخي الأكل ده.......عايز إرجع الاقيه على

السفرة......)

زمت داليدا شفتيها وامتقع وجهها.... شاعره بالغضب

والاستياء من هذا المخلوق الهمجي قليل الذوق...

والذي ابتلتها الأيام به ليكن تكفير عن خطاؤها

الوحيد الذي ارتكبته في هفوة الحب أولاً.....

فتحت الكيس لترى ما به......

فجحظت عينيها سريعاً بعد رؤية مابه....ثم

تمتمت بعدم رضا...والغضب تفاقم داخلها....

"بط !!..........انا هطبخ بط......لا دا بيحلم.... "

جزت داليدا على أسنانها وهي تخرج من المطبخ عائده لغرفتها لتبحث عن هاتفها بمنتهى العصبية.......وعندما لمحت الهاتف التقطت

إياه سريعاً واجرت اتصال به........وانتظرت

وهي متخصرة بتشنج واقفه على غير هدى

وكانها تقف على جمار مشتعلة........

فتح سلطان الخط وهو يهمهم بعدم رضا

وبقلة ذوق.......

(نعم عايزة إيه اخلصي......)

عبس وجه داليدا وفغرت شفتيها قائلة

بعبوس....

"الناس بتقول الو....سلام عليكم.. صباح الخير....

مش عايزة إيه اخلصي......."

جلس سلطان على مقعداً بقلب ورشة الخشب

ومسح حبات العرق من فوق جبينه وهو

يجيب بسخرية......

(صباح الخير بليل ؟! الساعة بقت واحده يامراتي..

هو انتي لسه صاحيه ولا إيه ؟!..)

اومات داليدا ببساطه وهي تجلس على حافة الفراش...... "ااه لسه صاحية......."

5=ج 2=تشدق باستنكار.......

(لسه صاحيه آآه......ماحنا لو بنام بدري.....هنقوم

بدري نشوف اللي ورانا.......)

سألته داليدا باستخفاف....

"واي بقا هو اللي ورايا......"

أجاب سلطان بضجر......(انك تفطريني مثلاً......)

هتفت داليدا بتعجب.......

"انت بتنزل الساعة سبعة عايزني اصحى الساعة سابعة......دا انا بنام ستة أصلاً !....."

ضرب سلطان بكف يده على ركبته قائلاً

بسخط......

(بسم الله ماشاء الله....هي دي الجوازة اللي تشرح القلب فعلاً........)

ضحكت داليدا دون صوت فوجدته يشدد على السؤال بملل منها.......

(اخلصي متصلة ليه......)

تبرمت شفتيها بحنق من معاملة البهائم

تلك........فقالت ببرود.....

"أكيد مش متصلة عشان احب فيكي....."

رد باسلوبٍ اشد بروده......

(وحتى لو عشان كده...انا مليش في محن التلفونات.......)

تشدقت بدهشة...... "محن ؟!....."

زفر بقلة صبر.... مكرر السؤال بعدها بحدة.....

(اخلصي ياداليدا....انا عندي شغل ومش فاضي

للدلع ده.......)

كانت ستتحدث داليدا لولا سماع صوت امرأه

صدر عبر الهاتف.... على الطرف الآخر كانت تتحدث

الى سلطان بنبرة مائعة لا تفهم هدفها إلا أمرأه مثلها......

(ياسطا... ياسطا سلطان....جرالك اي ياسطا السفرة اللي اتفقنا عليها خلصت ولا لسه......"

تغيرت نبرة صوته مائة وثمانين درجة عن ماكان

يتحدث بها معها....مما جعلها تجفل لبرهة

وهي تسمعه يقول للمرأه بمنتهى الباقة....

"اديني يومين ياست البنات وهتكون خلصه

بعون الله........."

هتفت المرأة على الناحية الآخرى

بتغنج.......

(ماشي ياسطا وانا هستناك....قصدي هستنا السفرة لحسان انا بقالي اسبوعين باكل على الارض....)

بمنتهى الطف والوداعه قال......

(وانا ميخلصنيش ياست البنات...... عينيا حاضر.......يومين بظبط وهتلاقيها عندك.......)

ثم خشن صوته وهو يعود للتحدث إليها

عبر الهاتف بجزع .....

(اخلصي ياداليد.......عشان مش فاضي.....)

برمت داليدا شفتيها هازئة.....

"واضح انك مش فاضي....... واضح أوي...."

رد سلطان بغلاظة......

(الحمدلله انك واخده بالك ها عايزة إيه.....)

هتفت داليدا بنفاذ صبر من بين شفتيها الشبه

مطبقتين....

"هو اي اللي عايزة إيه...مين الوليه المايعه اللي

كانت عماله تتسهوك عليك دي......."

رد مختصراً ببرود ازعجها

بشدة......

(دي ام دنيا.........بتسألي ليه؟......)

ضيقت داليدا عينيها بخطٍ مستقيمٍ حاد.... وهي تساله بيقين.......

"ام دنيا....مش دي اللي لسه مطلقه من كام شهر....

ومعاها عيله........ وكانت عينيها منك زمان......"

ابتسم بسخرية سوداء واجاب بسلاسة

تجلط الدم...

(عليكي نور...........هي بشحمها ولحمها......اللي

عنيها مني من زمان......)

هتفت بحدة......

"وبتكلمك ليه بقا ان شا الله....."

زفر مستاءاً منها وهو يقول بملل.....

(شغل زي مانتي سامعه....وبلاش تحققي معايا كتير عشان ميخصكيش......)

قالت داليدا بحمائية ومشاعر كالطوفان تعصف

داخل صدرها المشتعل......

"لا يخصني....لانك جوزي قدام الناس على الأقل ولازم تحترمني وتراعي شعوري......."

برم سلطان شفتيه بتعجباً.......

(وهو في حد دسلك على طرف هو انتي صاحيه تقولي شكل للبيع.......)

نهضت من مكانها وهي تهدج من شدة غضبها

وغيظها منه.....

"انا اللي بقول شكل للبيع ولا انت اللي شاري بط عشان تحرق دمي على الصبح......"

قطب سلطان حاجباه عابساً.....

(بط ؟!.....هي بطايه واحده يتيمه وعايزك تطبخيها...

إيه كفرت.....آآه يعني هو دا السبب اللي خلاكي ترني عليا......)

قالت محتدة ودماء تفور في عروقها....

"امال هرن عليك عشان ايه....عشان أسمع قلة ادب ومايعه على الصبح........"

لم تجد منه رد بل ظل صامتاً على الخط...مما جعلها تسحب نفساً طويلاً قائلة من بعده بعناد.....

"انا متصله بس بيك عشان اقولك اني مش هطبخ حاجة...ماشي انا مبحبش البط ولا بحب اطبخه سامع........."

لم يكن لديه طاقة او وقت للجدال معها

فهي مزالت كطفلة العنيدة المدللة.....وهو يكره

هذا النوع من النساء....وقد ابتلى بها وانتهى

الأمر...

(تمام ارمي البطه....وانا هاخد بعضي وروح

اكل الأكله اللي نفسي فيها في اي مطعم......ارتاحتي.....)

سالته داليدا بضيق....

"يعني اي هتروح مطعم......."

قال سلطان بتهكم......

(يعني هروح مطعم....طالما انتي خايبه وملكيش

غير في المكرونة......اللي انا مبحبهاش أصلاً...)

شهقت داليدا بعد تلك الإهانة الاذعة فقالت

بدفاع......

"خد في بالك انا مش خيبه....انا بعرف اطبخ

كل حاجة......."

ابتسم ابتسامة ساخرة.....واردف......

(فين ده ياشيف شربيني....انا من ساعة متجوزتك...

مشوفتش غير المكرونة.......جميع انواع

المكرونات شوفتها على إيدك......)

"ودي حاجة قليله..... دا يثبتلك اني شاطره في المطبخ.......وعشان اثبتلك اني شاطره في المطبخ

هطبخلك البطايه النهاردة.....على شوية رز بشعرية

وصنية بطاطس في الفرن.....هبهرك......"قالتها داليدا بحمائية وهي تعزم النية على التحدي....واثبات انه مخطئ في حقها.......

تمتم سلطان وهو غير متفائلاً.......

(هبهرك !!!..... ربنا يستر.....متاكده انك هتعرفي تطبخي البطاية ؟.....)

"متاكده ياسلطان........سلام......"قالتها سريعاً ثم اغلقت الخط في وجهه......

بعد ان أغلقت الخط اتجهت إلى الحمام لتغتسل وتحضر شيءٍ سريعاً لتاكله.......ثم بعدها نظفة

الشقة التنظيف اليومي.....واعدت لنفسها كوب من النسكافية وجلست تقلب في الهاتف عبر منصة اليوتيوب تبحث عن وصفات جيدة للطعام الذي

ستعده.......

فهي بالفعل لا تفقه شيءٍ في الطهي إلا المكرونة وذلك لانها تحبها....لطالما كانت في بيت والدها المدلله ياتيها الطعام على الفراش من صنع

يدي امها....التي لم تدلل أحد اكثر منها لانها

أصغر أخواتها.....

ويبدو ان وقت الدلال والطعام الجاهز على السرير

انتهى للأبد....وستعد هي بنفسها ما يشتهي زوجها

توسعت ابتسامة داليدا وهي ترى ان الوصفات غاية

في السهولة وممكن ان تطهو الطعام بشكلاً جيد خصوصاً (البطة)....

وضعت داليدا الكوب على الطاولة الزجاجية أمامها

ثم اتجهت الى المطبخ بمنتهى النشاط والحماسية

لتطبخ.....

بعد مدة....أثناء الطهي والاندماج.... صدح هاتفها باتصال منه......زمت داليدا شفتيها وهي تضع السماعة في اذانها بتبرم فهو فالعادة لا يجري

اتصال بها أبداً دوماً تكون هي المبادرة بذلك...

"ايوا ياسلطان......"

اتى صوته هادئ لطيف وهو

يسالها.....

(بتعملي إيه يادودا.....)

تبسمت شفتيها بسعادة...اشتاقت لهذا الدلال...كان في سابق لا يناديها إلا به.....عندما كانت بنسبة له

ابنة عمه التي كبرت على يداه وبين احضانه........

تبسمت مجيبة بفخر....... "بطبخ طبعاً......"

سالها بشك........(مكرونة....)

قالت داليدا بجزل....."احنا اتفقنا....... البطاية....."

قال سلطان بمزاح......

(ربنا يستر....... انا خايف على البطاية منك....)

ضحكت دون صوت وقالت وهي تقشر

البطاطس بجوار رخامة المطبخ......

"متقلقش..... انت هتيجي إمتى....."

ابتسم سلطان على الناحية الاخرى لأول مرة

تهتم بموعد قدومه........

(لسه بدري........... المهم انتي بتعملي إيه.....)

ردت بمنتهى الراحة.....

"سلقت البطاية... و... وبقطع البطاطس اللي

هعملها صنية........"

(مم....... ماشي انا معطلك.......)

ابتسمت وكان الصدع الذي حدث في علاقتهما

لم يغير ما كان بينهما سابقاً.....من علاقة ودودة

بين ابناء العم......

"اي فاضي...... وعايز ترغي........"

رد بحياء......(يعني..... شوية.....)

همهمت وهي تساله.... "مم...... عايز تقول إيه......"

سالها سلطان سريعاً....

(ليه لما قولتلك هروح اكل في المطعم.. رجعتي في كلامك وقولتي خلاص هطبخها.....)

قالت داليدا بثبات....

"عشان اثبتلك اني بعرف اطبخ......"

لم ترضيه تلك الاجابة البديهية فقال...

(واي تاني......)

تهربت من السؤال بـ...... "مفيش حاجة تانيه...."

ناداها سلطان بجدية......(دودا.....)

زفرة داليدا وهي تستسلم للاجابة الصادقة

داخلها....

"عشان صعبت عليا.... وحسيت اني قليلة الذوق

معاك...ارتحت.... "

رد سلطان بخشونة......

(ممم.... لا انا متعود على قلة ذوقك من وانتي

قد كده..........)

تبرمت داليدا بتهكم....

"كل اللي بينا خمستاشر سنة......"

علق سلطان باستفهام.....

(ومالك بتقوليهم وكانهم خمستاشر يوم.....)

اجابة باستهانه..... "لانها مش هتفرق....."

اخبرها بوقاحة......

(معايا انا هتفرق.... دانتي يامه عملتيها عليا.....)

هتفت داليدا منزعجة..... "سلطاااان....."

ادعى البراءة قائلاً......

(آي ده....... هو لسه الحوار ده بيضايقك.....)

قالت بقنوط..... "آه....."

قلدها بشكلاً مستفز (آآآه......).....ثم استرد الحديث مشاكساً.........( بس ريحة الأكل حلو أوي......)

فتحت صنبور الماء وقالت مقتضبة.......

"يسلام......"

أخبرها بمكر الثعالب......

(فكريني المرة الجاية اجيب كوارع وبمبمار تعملهوملي.......)

قفلت الصنبور بعصبية معقبة....

"زودتها يابن عمي......."

رد سلطان بتملق......

(ومالوا يادودا......عندك كام سلطان......)

ضحكة بخفوت وقالت بخجل....

"هو واحد..... ومطلع عيني......"

رد بصوت مهتدج......(عقبال مطلع روحك......)

اتسعت عيناها بارتياع.....وقالت

"ياساتر........سبني عشان مش فضيالك....."

قال هو أيضاً بملل....(ولا انا... هحب فيكي يعني......)

رفعت وجهها مشدوهة....وقالت بقنوط.....

"على فكرة ياسلطان انت اللي رانن عليا....."

اخبرها بصراحة....

(انا رنيت اطمن.....خفت تولعي في المطبخ...)

سالته داليدا بحماقة...... "خايف على المطبخ......"

اجابها بخشونة.....

(لا وانتي الصدقة... اللي جوا المطبخ......)

اضافت بغباء.... بعد تفكير !!.....

"المواعين ؟!......"

ضحك سلطان عليها معقباً بسخرية....

(دا انتي لقطه........ سلام ياهبلة.....)

صاحت بحدة...... "بس متقولش هبلة....."

(سلام يادودا............)انساب صوته الهادئ الرائق عبر سماعة الهاتف ثم اغلق الخط بعدها.......

فتنهدت داليدا تنهيدة غريبة عليها عميقة حارة جداً ومستاءه......وكانها تشعر بالفراغ والملل بعد إغلاق الخط......تابعت مجدداً طهي الطعام لحين عودته ليلاً..........

........................................................................

كانت تدندن بسعادة وهي تحمل الاطباق بين يداها

وتضعها على السفرة........ثم وقفت تنظر للسفرة المتكاملة بفخر....فقد اعدت الاصناف على اكمل

وجه.....ومذاقهما فوق الممتاز بنسبة لطهية

مبتدئه......

ادارة داليدا راسها ناحية الباب بعد سماع صوت شخشخت المفاتيح.......

وسريعاً ظهر سلطان من خلف الباب يحمل كيس صغير بين يده.......

رفع عيناه اليها وابتسم قائلاً......

"سلام عليكم....."

ردت داليدا بحماسية......

"وعليكم السلام........اغسل إيدك يلا وتعالى كُل

قبل مالاكل يبرد......."

تقدم من السفرة ونظر للاصناف الموضوعه عليها فكانت رائحتها شهية والشكل يسيل لعاب

الجائع......

عاد سلطان لعينيها وقدم لها الكيس

قائلاً بفتور......

"خدي دا....... حاجات عشانك....."

"عشاني.... اي ده...." تفحصت مابداخل الكيس بفضول....." جيلي كولا......مصاصة.....ونوتيلا...."

"مش الحاجات دي انتي بتحبيها..... ولا كبرنا...."

قالها سلطان وهو يحاول التقاط الكيس...

ابعدت الكيس عن مرمى يداه....هاتفه

بنفي.....

"ابعد إيدك......كبرنا إيه........انا لسه نونه......"

ابتسم سلطان وهو يهز راسه

مستاءاً.......

"طب يانونه........هغير هدومي اوجي......"

"متتأخرش لحسان الأكل يبرد........"قالتها داليدا وهي تخرج أحد اكياس حلوى الجيلاتين وتأكل منها

بسعادة طفولية......

بعد مدة جلسا الإثنين على مائدة الطعام وبدا ياكلا بصمت فانتبه سلطان بانها لا تأكل إلا من الارز والبطاطس ولم تمد يدها وتأخذ قطعة من البطة

الذي قسمها امامها منذ للحظات......

"اي رأيك في الأكل......."

قطعت داليدا هذا الصمت بسؤالها المتلهف......

فاجابها سلطان وهو ينظر لعيناها السوداء

البراقة...... وكانت تجلس بالقرب منه........

"الأكل حلو.......كنت متخيل حاجة تانية......."

بهزه من راسها سألته...... "زي إيه مثلاً......"

رد وهو ياخذ معلقة من البطاطس ويضعها على

طبق الأرز أمامه.......

"يعني الرز ني.... البطاطس محروقة.....البطه مشنوقة........"

جحظت عينا داليدا بدهشة....... "ياساتر....."

اجاب سلطان مبتسماً.....

"الحمدلله ربنا ستر.....وطلع الأكل حلو......"

همهمت داليدا وهي تقلب في طبقها....

"مم....كويس بالف هنا......."

انتبه سلطان مجدداً بانها تختصر الطعام على

الارز والبطاطس فقط... فعقب مستغرباً........

"هو انتي ليه مبتكليش من البطه......"

قالت داليدا وهي تمضغ الطعام على

مهل....

"انا مبحبش البط......."

سألها سلطان عابساً.... "وانتي جربتيها قبل كده......"

"بصراحة لا بس........."قاطعها سلطان وهو يمد

يده لها بقطعة صغيرة من لحم البطة......

"طالما مجربتيش يبقا متحكميش....افتحي بؤك....."

نظرت داليدا لوجهه القريب منها بشدة ولقطعة اللحم الصغيرة التي بين أصابعه....فتمتمت

بتردد وقلبها يعصف بجنون........

"سلطان قولتلك مش بحبه......."

بصوتٍ عذبٍ يسحر ترجاها.....

"الحته دي بس لو طعمها وحش خلاص......"

فتحت فمها امام عيناه الراجية.....وهمسته قد

سلبت عقلها للحظة........عندما اغلقت فمها وبدأت تمضغ بقطعة اللحم وعيناها اسيرة لعيناه سألها بهدوء......... "اي رأيك......."

اومات براسها برضا وهي تنزع عيناها نزعاً

من مقلتاه........ "طعمها مش وحش........"

ابتسم سلطان برضا اكبر وهو يعطيها قطعة كبيرة

من البطه في طبقها قائلاً بأمر......

"مش قولتلك.... يلا كلي دي كلها......انتي ممدتيش ايدك فيها من ساعة ما قعدنا......"

توسعت عينا داليدا بدهشة معقبة....

"كل دي....انت كده بتزغطني......"

نظر سلطان لطبقه

واجابها.....

"ومالوا عندنا كام دودا........"

ابتسمت داليدا بجزل والسعادة تشرق صدرها المظلم

ياليته يظل هكذأ معها رائق هادئ حبوب......تخشى ان ينقلب ويعود لعهده وحشاً..... قاسياً.....فظٍ....

.......................................................................

تشير الساعة للواحدة صباحاً.....لم تنم حتى الآن

تجلس على الفراش تضم ساقيها الى صدرها تبتسم

طارة وتلعب بشعرها طاره أخرى......منذ ثلاث ساعات وهي تحاول النوم ولا تعرف......ربما عشاء البط والارز

كان أصعب من ان يهضم في ثلاث ساعات؟!...يحتاج

اكثر من هذا......

شعرت بالملل من تلك الجلسة الكئيبة في غرفتها.... مسكت الهاتف فوجدته فصل شحنة...فزفرت وهي تنهض خارجة من الغرفة تبحث عن شاحن في

غرفة الصالون.......

قبل ذاك الوقت كان سلطان يستلقي على الفراش

وعيناه الشاردة معلقة على سقف الغرفة... تائه في ملكوت آخر...... عن عينيها السوداء المشعة بالشقاوة حين تضحك ، عن فرحتها بكيس الحلوى كطفلة صغيرة لم تتجازو الخامسة.... عن عادتها الغريبة في سماع الأغاني وهي تغسل الاطباق.... وعن شرب المشروبات الغازية بعد تناول الطعام...... عن ضحكاتها الرنانة بالانوثة الفاتنة.... عن مشيتها المائلة لراقصة تقدم عرضاً مغرياً.... عن داليدا.... عن طفلته التي كبرت على يداه.... وتشاء الأقدار ان تكن زوجته بعد فعلتها الفادحة...... والتي تصد له هو بمنتهى الشهامة حتى يحافظ عليها ويكبح جموح المراهقة بداخلها....

شعر انه يختنق في هذه الغرفة...تعب من التفكير

بها يريد ان يشتم القليل من الهواء النقي في الشرفة المتواجدة في غرفة الصالون.......

نهض من مكانه وارتدى التيشرت وخرج من الغرف

كانت غرفة النوم وغرفة الاطفال التي تقيم فيها داليدا بجوار بعضهما وحينما فتح البابان طل الاثنين

معاً في نفس الوقت مما جعلهما ينظروا لبعضهما لبرهة باستغراب والتعجب يعلو وجوههم المجهده من كثرة التفكير......

قطع سلطان الصمت سائلاً... "انتي راحه فين......"

اجابت داليدا وهي تحرك حاجبيها

بشقاوة....

"هجيب الشاحن عشان التلفون فاصل..... وانت؟...."

ابتسم بعد حركتها الشقية واجاب.....

"هشم شوية هوا في البلكونة......"

تحسست داليدا بطنها المسطحة من فوق منامتها

ثم مطت شفتيها معقبة..........

"واضح ان الاكله كانت تقيله اوي.... انا مش

عارفة أنام......."

رد سلطان بفتور...... "ولا أنا......"

توسعت عينيها بانتشاء وقالت مقترحة......

"طب بقولك ايه.... عندي فكرة اي رأيك... نتفرج

على فيلم لذيذ كده وكوميدي......"

اوما سلطان مستحسناً الفكرة....فقالت داليدا

بعفرته وهي تبتعد....

"طب انا هصب ببيبسي تشرب......"

رفض قائلاً..... "لا...... عايز شاي...."

اومات براسها مبتعدة....فقال سلطان ممتعضاً...

"متنسيش السكر زي كل مرة......."

إدراة داليدا راسها عابسة.......

"اي الاحراج ده....... هحط سكر خلاص....شغلنا

فيلم بقا يلا......"

هز سلطان راسه باسى ثم أبتعد لصالون حتى يشغل

فيلم كما طلبت.......

بعد دقائق دخلت داليدا غرفة الصالون فوجدت الاضاءه مخفضة والفيلم مزال في البداية وكان سلطان يجلس ممدد الساقين على الاريكة

الكبيرة وعلى ساقة غطاء خفيف قد جلبه

من الغرفة......

جلست داليدا بجواره وهي تمسك كوب المياة

الغازية وترتشف منه على مهل......وعيناها معلقة

باهتمام على شاشة التلفاز الكبيرة......

حانت من سلطان نظرة جانبية إليها وهي تشاهد باستمتاع وترتشف من الكوب بتلذذ......

وفجأة في سهوة مراقبته لها وجدها تضحك

ضحكة أنثوية رنانة عالية تشع اغراء ليس له مثيل وفجأه نظرت اليه ورفعت كفها في الهواء وهي تضحك بقوة وتنظر لعيناه منتظرة......

فعقد سلطان حاجباه لثواني ثم مد كفه لها فضربت

داليدا كفه بكفها كنوع من المشاركة الودوده والمرحة...وتلك الحركة لا تحدث إلا مع الراجل وبعضهم !!........وليس مع زوجته....التي من المفترض ان تكون انثى رقيقة.......

قالت داليدا ضاحكة وهي تضع الكوب

جانباً....

"فظيع بيموتني ضحك بجد.......شوفت قاله إيه..."

هز سلطان راسه بنعم وهو ينظر اليها بقوة تسير عيناه بنهم على خطوط وجهها الجميل.. على

ضحكتها الرنانة.... وشفتيها التي تتحرك متحدثة

إليه بإبتسامة ثابته.......

جميلة عندما تبتسم....عندما تضحك...تمرح......جميلة

في الفرح... وكانها هي الفرح.......ولا تراه إلا من خلالها هي........

عادة الكرة اكثر من مرة كلما اتى مشهد كوميدي او

حديث مضحك بين الأبطال...تضحك بقوة وتمد يدها له فيعطيها كفه دون إنتظار أكثر وقد اعتاد حركتها العفوية حتى بات ينتظر المشاهد التي تُضحكها

حتى يلامس كفها وهي تصفع يده برقة..........

اثناء مشاهدتهما للفيلم والاندماج به أتى مشهد رومانسياً في الفيلم فبدأت عيون الأبطال تلمع

ووجوههم تقترب من بعضها حتى قبل البطل

البطلة بمنتهى الرقة والحب......

ادارة داليدا وجهها نحو سلطان ونظرة لعيناه

هامسة بخجل.....

"البطل دا قليل الأدب......."

قرب سلطان وجهه منها هو أيضاً وسألها...

وكانوا الاثنين يجلسا بجانب بعضهما على

نفس الاريكة وساقيهما ممدده امامهما..........

"ليه يعني..... دي خلاص بقت مراته......."

سالته ببراءة وعيناها تعانق

عيناه بخجل....

"هما.......هما المتجوزين بيعملوا كده....."

أومأ براسه وهو يلفح صفحة وجهها

الحمراء بانفاسة الساخنة.....

"واكتر من كده......."

اغمضت داليدا عيناها وهي تشعر انه يقترب أكثر

من الازم وقد شعرت ان شفتيه قاربت على لمس

شفتيها مما جعلها تنزل رأسها للأسفل بارتباك

وترتاح على كتفه هامسة وهي تبتلع ريقها بصعوبة......

"انا سقعانه..... سقعانه أوي....."

زفر سلطان شاعراً بانه ابتلع جمار ملتهبة مستقرة

في صدره الذي توهج كعيناه....... أغمض عيناه

وهو يسحب الغطاء اكثر على اجسادهما ثم ضمها

لاحضانه برفق لتستقر داليدا على صدره النابض بقوة......ثم اغمضت عينيها بتعب وهي تشعر

أخيراً برغبة قوية بالنوم بين ذراعيه........

بعد نصف ساعة..... حملها سلطان على ذراعيه متجه بها الى غرفة النوم التي تبيت بها......

فتح سلطان الباب ونظر إليها فكانت ذاهبة في سبات عميق وتدفن وجهها في صدره.... متمتمه

بين الحلم واليقظة......

"سبني أكمل الفيلم......."

اخبرها سلطان بإبتسامة

مستاءة....

"الفيلم خلص من بدري ياداليدا......"

وضعها على الفراش فغمغمت داليدا وهي

توليه ظهرها لتنام على جانبها.......

"وحبته.............قولي حبت جوزها......"

عاد سلطان مبتسماً ودثرها تحت الاغطية

مجيباً....

"حبته........حبته ياداليدا......."

كان سيبتعد عائداً الى غرفته لكنه انتبه لشيءٍ ما أسفل مؤخرة عنقها.... انحنى يلمس هذا القلب الذهبي المكور......فحاول تحريكه قليلاً من اسفلها

حتى لا يجرحها او يزعجها في نومها.....

لكن قبل ان يحركه قاده الفضول لفتح القلب

الذهبي ورؤية ما به....وبالفعل فتحه وكان عبارة

عن قلب مقسوم لنصفين يحتوي كلٍ منهم على صورتين الصورة الاولى لها........... والثانية.......

الثانية كانت لحبيبها السابق......عادل......

ورغم انها زوجة لرجلاً آخر مزالت وافيه في حبها لسابق ولا زالت تحمل صورُ في سلسالاً قريب من قلبها !!........

......................................................................

ليلاً كان يستلقي على الفراش يقلب في الهاتف عبر مواقع التواصل الإجتماعي.....(الفيسبوك..) وجدها

كالعادة تنشر منشور خاص بممثل كوري وسيم..... تتابع مسلسلاً له.......دخل على التعليقات فوجدها

تتغزل هي وصديقتها في جماله واطلالته الساحرة

وكانوا يناكفا بعضهن بطفولية.......

فابتسم وهو يتفحص صفحتها الشخصية مجدداً كم

مرة يدخل الى هنا ولا يعرف لماذا هو هنا؟!... كل مرة يشعر بتطفل نحوها فيدخل صفحتها باحثاً عن شيءٍ

لا يعرفه....ويطول البحث والتراقب حتى يقف امام صورها الشخصية فيطيل التأمل وتطيل حيرته

معها......

جميلة ملامحها تشع بالقوة... بالشقاوة....بالبراءة

وعينيها الفيروزية جذابة تضوي كالمصابيح

الكهربائيه...... تجذب... تخطف... تربك....حقاً

الصمت في حرم الجمال جمالاً.....

اتسعت ابتسامة سليم حتى ضحك وهو يتذكر

عزومتها الفاشلة للمطعم الشعبي.. ثم تليها الفئران أسفل الطاوله ثم زعرها و وقوفها أعلى الطاولة مرتعبة ثم انقباض ملامحها عندما رات الفئران

تدخل مطبخ المطعم الذي كانت تكتب فيه شعراً

منذ دقائق.....

حتى شعورها بالاستياء والحرج منه بعد هذا الموقف المخزي كان أمراً جميل....العزومة لم تكن سيئه كما ظنت بل ان الموقف جعله يضحك من قلبه ويبتهج

رغم الغرابة والتقزز الى ان الموقف كان فكاهي

بدل حالته المزاجية للأفضل.....

حتى عندما اثر على ان يطعمها في مكان آخر...كانت جلسة رائعة تحدث معها في أشياء عديدة وشعر

معها بالالفة لأول مرة......

......................................................................

عندما وصلت السيارة ترجلت كيان منها فاطار

الهواء خصلات شعرها وهي تنظر لعربة الكبيرة

تقدم وجبات سريعة يعمل عليها شباب جامعي

كانت العربة تقف في قلب حديقة عامة كانت عربة كبيرة ملونة مرتبة تقدم شطائر من البرجر وبعض أنواع البيتزا السريعة........

كان أمام العربة يوجد عدت مقاعد وطاولات صغيرة فأتخذ سليم مقعداً وامامه كيان جلست وظلت تتابع المكان والحركة الهادئة به ورائحة الشطائر الشهية......حتى المنظر الطبيعي

والنسيم المنعش أعطى نجمة إضافية للمكان

سالها سليم وهو ينظر لها

باهتمام....

(اي رايك في المكان.... عجبك.....)

اومات كيان ناشدة....(تحفة... حلو اوي......)

ضيق عيناه بلؤم......(احسن من ام ناني....)

عضت كيان على باطن شفتيها.....

(ما خلاص بقا ياستاذ متحرجناش......)

اتى النادل اليهما ماسكا ورقة صغيرة يكتب

عليها طلباتهما في حين سأل بتهذيب...

(طلبات حضراتكم......)

توترت حدقتي كيان قليلاً وهي تنظر لسليم فهي

لا تعرف شيءٍ هنا.... فابتسم سليم باتزان طالباً

من النادل وجبته المعتادة وطلب لها المثل....

تابعت كيان ابتعاد النادل وسالته

بهمساً....

(شكلك بتيجي هنا كتير....)

رد مختصراً.......(مش علطول......)

نظرة كيان أسفل الطاولة بشتكيك.....

سالها سليم بحاجب معقود

(في فيران تاني ولا إيه.....)

رفعت عينيها اليه بحرج وقالت بنبرة مرتجفة

قليلاً......

(زيادة تأكيد من ساعة اللي حصل وانا جسمي بيقشعر....... حسى انهم واقفين على كتفي...)

نفضت كتفيها بتشكيك....

طمئنها سليم بلطف...

(لا مفيش حاجة.... اطمني....)

قالت كيان بتنهيدة أسى.........

(كده كدا انا موعوده بيهم ماما بتقولي ان يوم

ما تولدت بكام يوم دخلت الاوضة عشان تبص عليا لاقت فارين بيلفوا حوليه......)

رفع سليم حاجبٍ......(بجد....)

اكدت كيان بابتسامة متهكمه.....

(ااه والله.... كانوا داخلين من منور بيتنا... وأول ماشافوا ماما خرجه من المنور المفتوح... ماما حمدت ربنا انهم معضونيش او كلوني.... اصلهم كانوا كبار أوي.....)مالت عليه وقالت ببحة

سرية...

(وتقريبا والله أعلم كان بيتعركوا مع بعض عشان

يشوفوا مين اللي هيدوق الأول....)

ارتفع حاجبي سليم وكبح ضحكته ثم

سالها بتسلية ذكورية....

(وانتي عرفتي منين ؟....)

هزت كتفيها قائلة بعفوية....

(حاجة بالعقل كده ياستاذ.....)

أومأ سليم قائلاً.....

(آآه....هي مامتك ميته من زمان.......)

اتى النادل ووضع امامهما شطائر البرجر والبطاطس المقرمشة وكوبين من العصائر الطازجة...ثم انصرف بعدها....فتساءلت كيان بتوجس.......

(عرفت منين ان ماما ميته؟....)

رد سليم ببساطه.....

(من على الفيس عندك.......)

اومات كيان مجيبة....

(ميته من وانا عندي خستاشر سنه.....)

سالها سليم بفضول.....(كنتي بتحبيها.....)

برمت شفتيها وهي تاخذ اصبع من البطاطس وتاكله......(هو في حد بيكره أمه......)

هز راسه وهو يتناول من الشطيرة بمنتهى

الحرص والاناقة......

(مش قصدي...قصدي كنتي متعلقه بيها....)

بدأت كيان بالاكل كذلك وهي تندمج معه في الحديث.....

(جداً....كانت كل حاجة في حياتي هي وحمزة

وشهد أخواتي......)

سالها سليم بفضول....(وباباكي هو ميت.......)

غيمة من الكأبة استوطنتها للحظة قبل ان

تقول بلا تعبير......

(لا عايش....بس مش زي ماما.......انا متعلقه بيها أكتر.....)

اندمج سليم كذلك في الحديث وشعر انه يريد ان

يهدم حاجز بينهما.....حتى ان لم تتطلب هي منه..

فهو يشعر انه يريد ان يبوح بالقليل معها....

فشاركها الحديث والحزن في نبرة أجش

حزينة....

(انا كمان كانت امي غالية عندي جداً ومتعلق بيها أوي لما تعبت قبل ما تموت مكنتش عارف اعمل إيه....قعدت ادعي وصلي وترجى ربنا بدموع انها ترجعلي من تاني وتخف....حتى بابا كنت كل يوم بسمعه وهو بيصلي قيام الليل وبيدعلها بدموع انها تخف...كان بيحبها أوي.......وكانت هالة بنسباله هي الحياة والحياة بنسباله هي هالة.......لحد دلوقتي عايش على ذكراه.....وفات اكتر من خمستاشر سنة...)

ضحكة كيان هازئة وهي تبتلع اللقمة

بصعوبة......

(ابويا بعد ما امي ماتت بتلات ايام كان

متجوز.....)

تشدق سليم ذاهلاً......(معقول....)

اخرجت كيان نفساً مقهوراً وهي توضح

بمرارة...

(اصل الرجالة نوعين...نوع زي المستشار مصطفى والدك....ونوع زي والدي عثمان الدسوقي...)

نظر لها سليم طويلاً قبل ان يقول

مفكراً....

(شكلكم مش متفاهمين مفيش بنت بتكلم كده

عن أبوها....إلا لو كان بينكم مشكلة......)

توسعت عينا كيان وحركت شفتيها للأسفل

كوجهٍ حزين ساخر وهي تخبره بسخط.....

(مشكلة !!...قول مشاكل... نصايب ...حروب...)

نظر لها سليم بتعجب فهزت كيان راسها متابعة

بعد ان توقفت عن الأكل.......

(انت محظوظ ياستاذ سليم واضح من كلامك ان باباك حنين وبيحبك......وأكيد لما بتضيق بيك

الدنيا بتروح تكلم معاه تترمي قي حضنه تعيط... تضحك معاه......أكيد باباك عارف انت بتحب ايه وبتكره إيه....اكيد المستشار يهمه راحتك وسعادتك.....وبيسعى يوفرلك ده من وانت

صغير حتى بعد موت مامتك......)

غامت عينيها في الحزن وهي تسترد حديثها

بمرارة.....

(لكن انا......الحياة بنسبالي عبارة عن حمزة وشهد

انا معرفش الحنان ولا الحب غير معاهم.....احساس

صعب اني اوصل لسن الاربعة وعشرين وعمري ما عرفت حضن الاب ده عامل ازاي....ولا حتى حنان الاب والاهتمام والسند والامان بيبقا إزاي.....)

تأثر سليم بحديثها وألمه قلبه بعد رؤية

الدموع تتكون في مقلتيها الفيروزية الحزينة

ليجدها تضيف بصوتٍ خافت......

(تعرف ياستاذ... اليتيم بيبقا معروف انه يتيم وأحياناً بيلاقي اللي يحن عليه لانه يتيم....لكن المحروم مش متشاف لان الحرمان مش بيتشاف بيتحس ومين هيحس بيه غيرك......)

نظر لها سليم بقوة والصمت ساد بينهما

فأضافت بابتسامة فاترة.......

(تعيش يتيم احسن ما تعيش محروم.....)

ثم مسحت عينيها قبل ان تنزل دموعها فقالت

بابتسامة عابسة والحرج يعلو وجهها

الحزين...

(انا حسى اني قولت حاجات مينفعش أقوله...

تقريباً انا لخصت حياتي في ربع ساعة.....صح..)

اوما سليم وهو يبتسم.....

(تقريباً.. بس دي حاجة كويسة انك تحكي....)

هزت كيان راسها وهي تعود للشطيرة تختبأ

خلفها مدعية الأكل بشهية مفتوحة.....

(لا كفاية فضايح كده....لحد كده انا هسكت أحسن.......)

اكتفى سليم بايماءة بسيطه فيكفي ما سمعه

اليوم منها.........

حل الصمت لعشر دقائق كانت كفيلة بان تريح اعصابها وتخفي احزانها في بؤرتها.......

واثناء ارتشاف العصير قالت كيان

بتردد...

(ممكن اسألك سؤال ياستاذ سليم....)

رفع سليم عيناه عليها قائلاً....(اسألي......)

قالت بتوجس وعينيها الشقية تستشف

اجابته....

(هو انت مش شايف انك انت وخطيبتك

مختلفين اوي عن بعض.......)

هتف بصدمة......(نعم.....)

اسبلت عينيها وحركت الشليمون بحرج

وهي تقول...

(انا آسفة اني بدخل في خصوصياتك...بس بجد

أنتوا الاتنين مختلفين......)

سألها بتهكم......(إزاي يعني....)

مالت على الطاولة بشقاوة حلوة تدغدغ قلبه أحياناً ثم قالت بهمساً سري.....

(بصراحة كلام في سرك يعني...أحياناً بدخل على البروفايل عندها وبلاقيها مشيره صور لذيذة ليها على البحر وبالبكيني ومع صحابها والدنيا لذيذة

معاها وشكلها روشه..... وانت؟!...)

نظر لها بتراقب.....(وانا إيه ؟!....)

امتقع وجه كيان واستردت الحديث

باقتضاب.....

(انت البروفايل بتاعك كئيب صورة واحده ليك وكام بوست مشيرة من جروب المحاماة....وبوست

بتعزي فيه واحد صاحبك.....بتعزيه في عمته

تقريباً.......)

ارتفع حاجبه بزهوٍ

ذكوري....

(دا انتي متابعة بقا....)

زاد امتعاضها وقالت بنفي نافرة.....

(لا والله دا هي مرة واحده دخلت فيها البروفايل بتاعك طلعت منه عندي ضيق تنفس...قولت

والله مانا داخله تاني......)

إصابة الاحباط فتمتم بحنق منها

(لدرجادي......)

اومات وهي تطرح السؤال مجدداً

بفضول...

(مردتش برضو على سؤالي ياستاذ مش شايف

انك مختلف أوي عن الانسة ايتن.......)

رد سليم بجفاء.....

(من امتى بنقيم الناس وانطباعتهم بصفحتهم

على الفيسبوك...)

رفعت كيان راسها بترفع.... وقالت بنزاهة...

(لا اسمحلي الموضوع مهم جداً وفعلاً بيجيب نتايج إيجابية.......عندك مثلاً واحده صاحبتي

كانت بتحب واحد ومكنتش عارفه تدخله من اي إتجاه...اصل الواد معقد وكاره الجواز والستات وده باين من البروفايل بتاعه تقوم تعمل إيه.......كلمتني...)

نظر لها بارتياب متمتماً....

(ربنا يستر......وعملتوا إيه؟....)

ابتسمت كيان بفخر واردفت بدهاء....

(اقترحت عليها تدخل تكلمه وتفتح معاه حوار

عن حقوق الراجل المهدوره في المجتمع وانهم

قد ايه مظلومين معانا.......وانهم نعمة في حياتنا

وقد إيه هما كائنات جميلة و لطيفة.......وفعلاً عملت كده وقعدت تحلو عليه......لحد مالواد

وقع وحبها...واتجوزها....)

ارتاب سليم منها وهتف باندهاش......

(انتي محتالة..... ويترى صاحبتك حفظت على حقوقه المهدورة ؟!!.....)

هزت كيان راسها بفخر قائلة بابتسامة

صفراء...

(طبعاً ياستاذ بدليل انه بياخذ كيس الزبالة معاه كل يوم قبل ماينزل....ومش بس كده دا بيرجع محمل في ايده طلبات البيت وكياس الفاكهة للأولاد

ماهي جبتله توأم......ما شاء الله عليهم

عفريت........)

(حسبي الله ونعم الوكيل.....) تمتم بها سليم وهو يخرج المحفظة من جيبه حتى يدفع ثمن الطعام

قبل المغادرة....

دافعت كيان عن جنسها ببراءة.....

(بتحسبن علينا ليه ياستاذ....طب والله مفيش اغلب مننا......دا احنا ملايكة.......)

قال سليم ساخراً وهو ينهض من مكانه....

(آآه مانا عارف....يلا بينا ياملاك الرحمة...اتاخرنا عن الشغل.......يلا..)

اخذت اصبع من البطاطس ووضعته في فمها

قائلة وهي تلحق به.....

(طيب متزقش بس البطاطس حلوة اوي...هبقا اجي اكل هنا كل يوم.......)

استقل مقعد القيادة قائلاً بغلاظة....

(كويس بس اوعي تجيبي فيرانك معاكي.....)

دلفت كيان بجواره متاففة بحنق

شديد.....

(مش هنخلص بقا.....الله يخربيتك يام ناني...)

.........................................................

فاق من شروده على اتصال من ايتن.....

أخيراً اتاه اتصال منها منذ اخر حديث بينهما وهو لا يعرف عنها شيءٍ وأثر على ان يبتعد ويتجاهلها حتى

تعطي له رداً قاطعاً عن علاقتهما وهو ان تكتمل

بالزواج او تنتهي وينفصلا للأبد.......

يتمنى ان تعود لرشدها وتعود إليه فهو لا يريد

الانفصال عنها...فبعد كل هذا الحب تتركه؟!....

فتح الخط وكان لديه رغبة قوية في سماع صوتها

الآن....فقالت بصوتها الناعم....

(أخيراً يابيبي.... عبرتني......)

قال سليم بكبت....

"معلش يأيتن كنت نايم ....عامله إيه....."

قالت ايتن بدلال......

(تمام......مش ناوي تفتح الباب بقا.....)

نظر سليم لباب غرفته المغلق بحيرة...

"باب؟......باب إيه ؟!!......"

قالت بانين مائع عبر الهاتف........

(انا على باب شقتك ياسليم افتح يابيبي.....رجلي وجعتني.......)

اتجه سليم سريعاً للخارج وفتح باب الشقة ليجدها امامه ترتمي في احضانه وتلصق شفتيها في شفتيه

في عرض سخياً منها وهي تقول بشوق حار....

"وحشتني......وحشتني يابيبي أوي......"

بادلها سليم القبلة بحرارة وهو يبث شوقه وحبه لها

فابتعدت ايتن عنه بدلال......

"باباك هنا......"

اخبرها وهو يطبع قبلة على

وجنتها.....

"برا....شويه وجاي.......تعالي ادخلي......"

اغلق الباب وسحب يدها للداخل فابتسمت ايتن بزهو وسعادة وهي تشعر انه لازال يعشقها وبين قبضة يدها ولم يفلت كما ظنت.........

جلست على الاريكة وهو بجوارها.....سالها بلهفة وعيناه تشع حبٍ.....

"ها يايتن....قررتي فرحنا هيكون امتى....."

اومات مبتسمة بجذل....

"قررت......كمان شهرين......"

تجهمت ملامحه سريعاً ليقول محبطاً.....

"شهرين؟!....انا قولت انك هتحددي كمان عشر ايام خمستاشر يوم.....مش كمان شهرين....."

قالت ايتن بحنق...

"انت مستعجل ليه ياسليم....مش كفاية اني وفقت نحدد معاد......."

شعر بسهم حاد يخترق صدره فقال

واجماً.....

"بجد كفاية....فعلاً كفاية دا انا لازم ابوس ايدي

وش وضهر انك وفقتي وعطفتي عليا........"

نهضت ايتن بضيق.... "سليم بلاش الطريقة دي...."

لحق بها ووقف امامها صائحاً

بغضب...

"انهي فيهم بظبط..... طرقتي ولا طرقتك......"

تاففت ايتن قائلة بترفع.....

"اكيد طرقتك اديني شهرين ارتب فيهم اموري.. انا عروسة ومش اي عروسة انا ايتن الشهاوي عارف

يعني ايه ايتن الشهاوي......"

سهم اخر اشد قسوة أصابه فعقب بابتسامة

هزيلة......

"انا كنت فاكر ان الترتيبات دي عشان انتي هتبقي

مرات سليم الجندي......"

عانقت وجهه بكفها مترجية......

"الاتنين ياحبيبي....ارجوك ياسليم متبوظش كل حاجة بينا قدم شوية تنازلات اشمعنا انا...."

سهم ثالث اشد شراسة إصابة...فعقب

بتعجب

"تنازلات ؟!!..... جوزنا بقا تنازلات بنسبالك...."

نفت ايتن موضحة.... "ياسليم مش قصدي...."

استفسر سليم بجفاء.....

"افهم بس انتي عيزانا نفضل كده.....نخرج نسهر

نقضيها تلفونات وخروجات......."

اولته ظهرها وهتفت ببساطه مجردة من

ثوب الحياء...

"إيه في الجواز هنعمله اكتر من كده... علاقة كاملة

انا عرضت عليك وانت رفضت......"

اشاح سليم وجهه وهو يشعر بتضخم في

صدره لا يعرف غضب ام تأثر بهذا العرض

السخي....فقال بغضب مكتوم....

"لان مينفعش...... انتي متخيله انتي بتقولي إيه...."

استدارت له ومسكت ذراعه هامسة بحب....

"متخيله..... انت أول راجل في حياتي.. وأول واحد

احبه والحاجة دي هتزود حبنا......"

أضاف قاطعاً..... "بالجواز يايتن....."

قالت باستهانه......

"مش هتفرق بيه او من غيره... الجواز نهاية الحب

وانا خايفه على حبنا ينتهي......"

ابعد يدها عنه صائحة بنفور من

تفكيرها.......

"حبنا ممكن ينتهي فعلاً لو فضل تفكيرك كده... "

اندفعت ايتن تقول بتهكم.....

"هو لما أكون انسانه متفتحه وواعيه زيادة اكون

مذنبة.... وخطية.... سوري..... مكنتش اعرف انك زيهم......."

امسك ذراعها قبل ان تبتعد وهتف بجدية...

"انا مليش دعوة بحد يايتن لكن انتي مش عارفه نهاية تفكيرك دا إيه.... لو واحد تاني غيري... كان زمانه شافك واحده......"

بتر جملته وهو يسحب نفساً عميقاً متابعٍ

برفق.....

"لكن انا عشان بحبك وعارفك كويس.. واثق انك

عرضتي عليا كده بدافع حبك ليا....... بس برضو غلط......غلط.... "

ترقرقت الدموع بعينيها الجريئة وهتفت

بحرقة.......

"قولتلك اننا مش شبه بعض تفكيرنا مش زي

بعض...... احنا مختلفين وده مخوفني....."

هتف سليم وهو يقربها منه....

"بس انا بحبك....."

رفعت راسها اليه ونزلت دموعها قائلة

بعذاب.....

"وانا كمان بحبك... بس انت مش قادر تفهمني..."

اوما سليم براسه ومسح دموعها مبتسماً

بحنان.......

"هحاول... هحاول... وزي مانتي قولتي لازم نقدم تنازلات..... وانا موافق على اننا نأجل فرحنا شهرين

كمان على ما تجهزي نفسك وتستعدي... بس بعد الشهرين....."

سألته..... "إيه....."

سحبها سليم لاحضانه هاسماً

بحرارة......

"مش هسيبك تبعدي عني لحظة......."

"سليم......."

ابتعد عنها برفق والتفت خلفه ليجد والده يقف

عند عتبة باب غرفة الصالون الواقفين بداخلها

وكان حاملاً بين يداه اكياس مليئة ببعض المستلزمات ، يبدو انه عاد من الخارج الآن...ومن نظراته الحانقة الغير راضية علم انه لم يحبذ

هذا التقارب بينهما خصوصاً بان ليس هناك

رابط شرعي بعد !!.........

"بابا...... ايتن لسه جايه من شوية.... كانت بتسأل عليك...... واصرت تستناك لحد ما تيجي....."

قالها سليم ولكز ايتن التي ابتسمت واقتربت منه تؤدي التحية بأحترام....... "اهلاً يأنكل......"

اوما مصطفى بابتسامة مغتصبة ثم نظر

الى سليم بتجهم....

"اهلاً يأيتن يابنتي...... نورتي البيت...هي الساعة

في ايدك كام دلوقتي ياسليم...."

فهم سليم مغزى سؤاله فرد وهو يحك في انفه

بحرج.... "حداشر....."

اوما مصطفى وهو يوزع نظراته عليهما باتهام

صريح ثم قال.....

"حداشر....ممم طيب.... مش واجب برضو تضايف خطيبتك معقول متشربهاش حاجة لحد دلوقتي....

دي بقت حداشر.... "

تنحنح سليم بحرج اكبر وهو يتجه الى

والده......

"آآه فاتتني دي يادرش..... ثواني وراجع....عنك

يادرش.... " حمل الاكياس عن والده وتجه بها

للمطبخ.........

دخل مصطفى غرفة الصالون وجلس على

الاريكة متمتماً بتجهم طفيف.......

"منورة يأيتن يابنتي.... وازاي باباكي ومامتك..."

قالت ايتن بوداعه مصطنعه.....

"دادي ومامي بخير..... بيسلموا على لحضرتك....."

اوما مصطفى مجيباً......

"الله يسلمهم....... نورتي الشقة......"

ردت مبتسمة..... "بنورك يأنكل......"

نظر مصطفى بسطوة......وهو يسألها.....

"سليم قالك انكوا هتعيشوا في الشقة دي مش

كده....."

ازدادت الوداعه على ملامحها متناقضة مع

عيونها الجريئة........

"متكلمناش لسه في التفاصيل دي... لكن اكيد معنديش مشكلة خالص أعيش مع حضرتك انا

عارفه قد إيه سليم بيحبك وميقدرش يستغنى

عنك وانا كمان مقدرش استغنى عن سليم ولا

عنك يأنكل ........"

اخرج مصطفى انفاسة براحه أكبر بعد هذا الرد

ليرد عليها بمحبة تمحي كل التجهم السابق منها

ومن ابنه.........

"ريحتي قلبي يأيتن.... يعني على كده حددتوا

معاد الفرح......."

اومات ايتن برقة......

"كمان شهرين على ما نلحق نجهز نفسنا...."

"على بركة الله........الف مبروك يابنتي.... "

ربت مصطفى على كتفها بسعادة حقيقية......

فردت ايتن بنفس الابتسامة الدبلوماسية.......

"الله يبارك فيك يأنكل......"

.....................................................................

طرقت على باب الغرفة برفق واستأذنت قبل الدخول...... "حمزة......حمزة.... "

"تعالي ياشهد...... انا صاحي......."

عندما سمعت صوت اخيها دلفت الى الغرفة المظلمة

فتأتأت بشفتيها بعدم رضا وهي تشعل الاضاءة....

"وطالما صاحي قاعد في الضلمة ليه......"

"عادي..... يمكن يجيلي نوم......" قالها حمزة وهو يجلس على الفراش ممدد الساقين ينفث من

سجارته بمنتهى القرف.......

جلست شهد على حافة الفراش أمامه تنظر اليه

بعدم رضا أكبر....ثم عقبت على كل مايحدث بحنق شديد......

"وهيجيلك نوم إزاي وانت بتحرق صدرك بالبتاعه دي.........هات ياحمزه... "

ابعد حمزة يده وهو يهتف بعصبية

مكتومه...

"شهد انا مش فايق لمحاضراتك دي....انا قرفان لوحدي........"

مطت شهد شفتيها بحزناً منه.......

"اخص عليك....لما اكون خايفه عليك اكون بديك محاضرات.......ماشي هعدهالك......قولي بقا معدتش

ليا عليا في المطعم النهاردة........"

رد حمزة بجزع.....

"انا مخرجتش من البيت من الصبح......"

"طب ليه...."سالته شهد بدهشة....

فهو بالعادة لا يفضل الجلوس في البيت....

فالطالما كان الشارع رفيق دربه منذ الصغر.....

رد حمزة باستهجان......

"مش عايز أخرج......مش عايز اشوف حد...."

عبست شهد قائلة بانزعاج......

"اللي بتعملوا في نفسك ده حرام.......محدش

بيموت من الحب......."

اطفاء حمزة السجارة في المنفضة قائلاً

بقرف....

"مش بنموت بس بنتكسر....بتسود الدنيا في عنينا...

بنحس انها النهاية......."

قاطعته شهد بجدية قائلة.......

"اديك قولت بنحس.....لكنها مش النهاية.....اسمعني ياحمزة.......الحب مش اهم حاجه ولا كمان من اساسيات الحياة......واللي باعك بيعه...... واشتري

نفسك وقلبك بداله........."

اسبل حمزة عيناه غير مقتنع.....فمن الذي يحكم

على مشاعر الحب.....شهد لم تقع في الحب يوماً

وليست لها تجارب سابقة.......سبعة وعشرون عام

كانت فيهم الفتاة الأكثر عملية وطموح.....تهتم

بما تريد... وما تريده هو الاستقلال بحياتها القادمة بعيداً عن عثمان الدسوقي.....وكنفه البارد.....

بعيداً عن القسوة بعيداً عن البيت التي شهدت جدرانه على اسواء حياة مرت بها في طفولتها

وفترة الصبا....وحتى الآن.......

شهد تحاول ترميم روحها العطبة....بالاحلام بالعمل

بحياة بعيدة عن الرجال وقسوتهم.....لذلك لم تقع

في الحب ولم تحاول ولم تريد اكتفت بنفسها

وماتريد فقط......لهذا أحياناً يحسدها فهو ذاق

من نفس الكأس لكنه لم يتعلم مثلها....لم يكن

أبداً منيع عن الحب بل وكانت لديه رغبة قوية

في تكوين أسرة يغمرها بالحنان ويكن نعم

السند والعون لها......

لكن الأحلام تناثرت أسفل اقدامه وجرحته...

والجرح غائر قاسي عجز عن الماشي والمواصلة بعده....

تابعت شهد وهي تلكزه في كتفه بخفة......

"صدقني ياعبيط... والله ولا تستاهل دمعة واحده

من عينك....نجلاء زيها زي بنات كتير ورجالة كمان كتير بيستنوا الفرصة الحلوة وأول ماتيجي بيمسكوا

فيها باديهم وسنانهم......وحتى لو هيفرطوا في ناس

قصادها.....هيعملوا كده لانها بنسبالهم فرصة العمر....."

رفع حمزة عيناه عليها فاضافت شهد بقوة ربما

يستمدها منها أحياناً حينما تلقيه الامواج

بقسوة لعندها.......

"فاللي ميبقاش عليك.....متبقاش عليه......."

رد حمزة بغضب مكبوت....والعجز يبرق

في عيناه العسلية.......

"مين قالك اني باقي عليها.......عليا الطلاق ما تلزمني........بس وجعاني......موجوع منها

ياختي......موجوع ياشهد......"

سحبته شهد لاحضانها وربتت على ظهره

قائلة بلطف حاني......

"سلامتك من الوجع ياقلب أختك......هتنسا والله ياحمزة بكرة تنسى......وهنفتكر الأيام دي انا وانت

ونقعد نضحك عليها كمان.....صدقني......."

أحياناً يشعر بانه ليس بأخٍ كبير لها يكبرها بثلاثة أعوام.........بل كثيراً يشعر بالعكس بانها هي الأكبر

بحنانها المفرط.....وتفهم والمراعيه لتقلباته المزاجية....لصبرها الفطري......لنقاء روحها وقلبها.....شهد ليست أخته فقط انها صديقته

الودودة الطيفة...امه الصغيرة الحنونة الواعية.....

شهد كل شيءٍ بنسبة له وهو أيضاً بنسبة لها شيءٍ كبير........

شهد وكيان العائلة بنسبة له..... يرى من خلالهما دفء العائلة والانتماء الاسري ورغم كل شيء

يحدث لثلاثتهم سيظلوا ممسكين بكف بعضهم

حتى نهاية العمر.......يتبع

دهب عطية

(تفاعل ⭐ الإستمرارية في التنزيل....)


6=السادس = ج1/

مرت الأيام بسرعة وبدأت تجهز لأفتتاح المطعم بشكلاً رسمي..... قد مر حوالي عشرة أيام على تواجدها في شارع الصاوي وفي مطعم(الشهد)

حانت من شهد نظرة على ساعة يدها فوجدتها

تشير للعاشرة إلا خمس دقائق.....

عضت على باطن شفتيها وهي تقلب في الإناء المرفوع على الموقد.....قلبها يدق بقوة...لا بل بشدة

كلما اقتربت الساعة من العاشرة صباحاً يحدث خلل

في كامل جسدها....واحمرار شديد في وجنتيها....

عدم التنفس بشكلاً منتظم...... التعرق المبالغ فيه.....وكانها تحتضر !!.......ومن شدة توترها وهذا الاضطراب المستجد عليها تخفق احيانا في الطهي

وهذه ليست عادتها أبداً بذات في العمل...

لدرجة ان (خلود) بدأت تلاحظ الأمر وتشكك في ان

حالتها تلك مرتبطه بزيارة( عاصم) اليومية والتي يواظب عليها في العاشرة صباحاً كما اتفق معهم....

صراحةٍ وجوده يربكها يخلق داخلها أشياء عديدة لا تفهمها بعد...... ورغم حنقها من تلك المشاعر التي

تجعلها كالبلهاء...... إلا انها تحبذها بشكلاً

او بأخر !!.......

ما بداخلها يصعب ان تفسره لنفسها حتى.... لكنها رغم كرهها لهذه المشاعر المستجدة إلا انها تحب ان

تستشعرها..... أمامه !!....

كيف ولماذا؟!.... لا تعرف... فقط هي ضائعة... ورؤية

هذا المؤجر الغليظ المتطفل عليها بشدة تريح ضياعها المؤقت......

مدت يدها لتجلب الملح وفي اللحظة التالية سمعت صوت الباب الزجاجي من الخارج يفتح وصوت نحنحات خشنة صادرة...فجن قلبها بجنون داخل صدرها ومعه شعرت بانتفاضة قوية تسير في

جسدها مما جعلها تخفق كالعادة وتقع علبة الملح

من على الرخامة قبل حتى ان تصل لها يدها.....

اتسعت عينا خلود التي كانت منشغله في التقطيع جوارها....... استدارت خلود تنظر  للعلبة الواقعة

أرضاً ونظرة لشهد التي مطت شفتيها بحنق والهدوء

البادي على ملامحها كان كالستار الساتر بما تشعر

به الآن..........

"جرالك اي ياشهد مالك بقالك كام يوم عالصبح في نفس المعاد يتوقعي حاجة يتبوظي حاجة...انتي

اتحسدتي ولا إيه......"

"شكلي كده........مش عارفه مالي......"اتجهت شهد لأحد الارفاف وهي تأخذ علبة ملح أخرى وتعود للموقد.......

سمعت خلود تنحنحات خشنة من الخارج..فعلمت

هي ايضاً صاحبها فقالت بملل وهي تعود لم

كانت تفعله....

"شكل اللي إسمه عاصم برا.......اطلعي زحلقيه زي

كل يوم عايزين نشوف مصالحنا......."

ابتلعت شهد ريقها وهي تضع القليل من الملح

في الاناء قائلة...... "اطلعيلو انتي ياخلود......"

استدارت لها خلود متعجبة..... "انا......"

اومات شهد براسها ببساطه.....

فاردفت خلود بحيرة....

"ازاي بس مانتي كل مرة انتي اللي بتطلعي ليه....."

مسكت شهد المعلقة وبدات في تقليب مدعية اللامبالاة.......

"اطلعي انتي المرادي انا زهقت..... وبعدين الاوردر

لازم يوصل في معاده......"

اقتربت منها خلود سائلة...

"طب ياشهد اقوله إيه......"

قالت شهد دون النظر إليها....

"ردي على قد السؤال ياخلود.... مش شغلانه...."

زمت خلود شفتيها للحظة ثم هتفت سريعاً.....

"طب قوليلي هو كان بيسألك في إيه كل يوم عشان أرد علطول ومتفجأش وقعد اتاهته قدامه...."

شردت شهد للحظات....عن ماذا كان يسألها كل يوم عن أشياء عديدة يختلق الاحاديث حتى تطول الجلسة....يتعمد اغاظتها بحديث سلبي عن المطعم

والعمل به.....ثم ترد عليه هي بمنتهى العنفوان الجميل.....وتشتعل عينيها بالعزم امام عيناه

القوية الشبيهة بسهام تود اخترقها......من شدة

صلابتها أمامه.....

أحياناً يمزح....وأحياناً يصمت....احيانا يتسمر امام

عينيها متاملاً بصمت.....وأحياناً ينهض فجأه مغادراً

دون مقدمات مسبقة.......وكانه يخشاها....او يخشى

شيءٍ لا تعرفه بعد ؟!..........

بللت شهد شفتيها ثم اجابت بمنتهى الهدوء

والثبات.......

"عن الشغل....يعني زي ماقولتلك قبل كده حاطتنا في دماغه مستنيه غلطه واحده.......فأكيد جاي عشان يشوف عملنا نصيبة زي ما متوقع ولا الأمور تمام زي كل يوم كده يعني....يلا اطلعي بقا خلينا نخلص ونرجع نكمل شغلنا..... بدل العطله دي......."

هزت خلود راسها عدت مرات وهي تتجه

للحوض لتغسل يداها.....

"خلاص خلاص طلعه.... كملي تقوير البتنجان والكوسة....... على ما رجع......."

قالت شهد بفتور...... "ماشي......."

جففت خلود يدها بالمناديل وهي تهتف بتذكر..

"شهد صحيح..... لو سال عليكي أقوله إيه......"

هزت شهد كتفيها وهي تغطي الإناء وتتجه الى

عمل خلود حتى تنهي المتبقي منه.......

"زي مانتي شايفه...... بطبخ...... مش فاضية...."

بالخارج وقف في صالة المطعم الكبيرة عيناه تكتسح المكان كالعادة باحثاً عنها..... لم يكن يوما شخصٍ مقدس للمواعيد الهامة........ لكن العاشرة صباحاً

أصبحت تشكل له بداية أليوم اشراقٍ..... رؤيتها

النظر لعينيها سماع صوتها الموسيقي....تأمل

صمتها الجلي....وعنفوان ملامحها الإبية.....كل

ما بها إبيٍ جميل.......

اغمض عيناه وهو يشتم روائح الاطعمة الشهية صباحاً والمُعدة من تحت يداها هي......سمفونية البهارات المختلطة المنبعثة من مطبخها الصغير....تجعل ممتلئ البطن جائع يشتهي

ما يشم !!.......

"أهلاً يامعلم عاصم ......."

فتح عيناه وهو يعود على أرض الواقع على صوت

غير متوقع الآن.....اين هي ؟!......

سحب نفساً عميقاً وهو ينظر الى المساعدة التي تعمل معها (خلود....)

توترت خلود من نظراته الثاقبة في اشارت على

أحد الطاولات قائلة بتردد.....

"اتفضل قعد......نورتنا......"

سألها عاصم بخشونة..... "فين شهد ياخلود........"

اهتزت حدقتي خلود وهي تتلعثم

قائلة......

"شهد........بتطبخ جوا......ايدها مش فاضية......

حضرتك عايزها في حاجة......قولي وانا

اوصلهالها.... "

كان سيتحدث عاصم لكن اوقفته خلود بحرج

وهي تبتعد...... "ثانية واحدة......ثانية... "

اتجهت خلود الى الباب الزجاجي حيثُ دخل من خلاله شابان.....رافقتهم خلود لأحد الطاولات واعطاتهم المنيو الخاص بوجبات الإفطار في

هذا الوقت......

فطلب الشابان بعد لحظات قصيرة ما يريدون.......فاستئذنت خلود عاصم بعينيها وهي تدلف للداخل حتى تقوم باعداد الطلبات........

لأول مرة يشعر بالحرج والغضب بسبب امرأة....هل

تخبره بصراحة انها ملت من هذه الزيارات المتكررة

والتي ليست لها اية داعي.....لم تكن هكذا أمس ولا

حتى قبل أمس...لم تعطي اي إشارات حتى يفهم

هذا.....لماذا اليوم بتحديد تتعامل معه بقلة

ذوق......

حانت منه نظرة على الحائط الزجاجي جانبه

فوجد نفسه عابس الملامح مكشر الانياب......صدره يعلو ويهبط من شدة الغضب.......والحنق منها........

جز على اسنانه واستدار مغادراً المكان لكنه توقف وهو يفتح الباب الزجاجي عندما سمع حديث

الشابان الجالسين خلف ظهره على أحد

الطاولات.......

"دلوقتي هتشوفها صاروخ.....صاروخ ياض يابوحة...

عسل...ولا عنيها...ولا شفايفها.......يسطا دا كفاية جسمها عمله شبه البنات اللي بنشوفهم على النت

الحلوين دول بالفلاتر.....هي بقا حلوة اوي بس

من غير فلتر.....اصلي..... "

اوما الشاب الاخر منسجم مع رفيقه في

الحديث......قائلاً بابتسامة لعوبة غامزاً.....

"انت هتقولي على الفلاتر دا انا اتهريت...شوقتني أشوف الطبيعي.......لو طلعت حلوة زي ما بتقول

كده هاجي كل يوم افطر هنا...وياصباح الطبيعة..."

قال الاول هامساً باعجاب.....

"الصراحة الاكل واللي بتعمله حاجة فاخر

من الآخر....."

غمز له الاخر بخبث....

"اتاريك بتيجي هنا كل يوم....."

ضحك الاول معترفاً باستياء......

"وحياتك لو عليا عايز اجي كل ثانية بس الفلوس مانت عارف....."ثم أشار سريعاً حين لمحها تخرج

من المطبخ حاملة طلباتهما........

"اهيه جت اهيه هي دي.....الشهد......"

تأملها الاخر بقوة وجرت عيناه على كل تفصيله بجسدها وهو يصرح باعجاب.......

"ايوووه.....دي عدت وصفك بمراحل.....انا مشفتش

حلاوة كده قبل كده.....دا شارع الصاوي طلع بيحدف

علينا موزز تحل من على حبل المشنقة...."

ابتسام الاول بزهوٍ..... "مش قولتلك....."

قال الاخر بعبث وهو يرقص حاجباه.....

"انا شابط في الشغله دي...انا هفطر هنا كل يوم

دا الفطار هنا طلع طِعم بشكل....."

اسكته الأول حينما اقتربت شهد

منه....

"اسكت يابوحة هتفضحنا....."

عندما خرجت تحمل صنية الافطار على يداها انتبهت

لوجود عاصم عند الباب الزجاجي المغلق يوليها ظهره.....لكنه استدار في لحظة خاطفة والقى

عليها نظرة قاتل يريد تمزيقها إرباً....... وقد

تحولت ملامحه على غير العادة لملامح

شيطانية مرعبة......

وقتها علمت ان خروجها الآن كان أكبر خطأ....فقد

ظنت انه رحل بعد ان اطمئن ان الأمور بخير

معهن......

لماذا كل هذا الغضب الذي يبعث الذعر لقلبها

الضعيف.......كان في تلك اللحظة كالبركان الهادئ يهدد باندلاع النيران من فوهة في اي وقت....

طاقة عنيفة سوداوية مرتسمه على محياه بوضوح وهو يراقبها عن بعد خطوات بعيون كالصقر الهائج  وهي تقترب بمنتهى الرشاقة من الطاولة التي كانت تتغزل في جسدها لفظياً بطريقة بذيئة.. بشكلاً اشعل النيران في صدره شاعراً برغبة قوية في تمزيقهما وتلذذ في تعذيبهما فقط لانهم تحدثا عن شيءٍ يخصه !!

متى كانت تخصه ؟!...مُستأجرة كغيرها....هل تعني له اكثر من مُستأجره يخشى ان توقعه في مشاكل

هو بغنى عنها.......

وهجت النيران في حدقتيه...وازداد سعير غضبها

وهو يراها تنحني قليلاً كي ترص الاطباق على الطاولة المستديرة.......وعيون الاوغاد تتربص لها.....تنهش بها دون رحمة او حياء......

فانتفخت أوداجه بعروق حمراء....بينما جسده بدأ ينتفض من هول الغضب.......وهو يقترب من

الطاولة لا ينوي خيراً بعد ما رأى....

قال الشاب الذي يدُعى( بوحة)

"بجد تسلم إيدك الأكل شكله وريحته يفتحوا النفس......."

إبتسمت شهد بعملية وهي تستدير

مبتعدة... "بالف هنا...."

"استني......."مسكها الشاب من يدها فجأه....فاتسعت

عينا شهد بقوة ممتزجة بالغضب....فحاولت سحب يدها من بين يده القابضة عليها......صائحة.....

"إيدي....... انت اتجننت......"

وقبل ان يتفوه الشاب بكلمة كان قد تركها بعد ان

اصابته لكمة اسفل عيناه صادرة من قبضة يد

كبيرة قوية كالفولاذ الصلب.......

اتسعت عينا شهد بزعر وهي تنظر الى عاصم الذي سحبها بقوة خلف ظهره وكانه الدرع الحامي

لها !....

"قوم ياحيلتها منك ليه مفيش طفح هنا...."

هدر صوته بشكلاً جهوري مخيف وهو يسحب

الإثنين  من ملابسهما بيداه الأثنين....ناظراً

لكلاً منهم نظرات تدفنهم إحياء من شدة

ظلامها المخيف......

هتف الشاب الأول بارتعاد.....

"احنا منقصدش يامعلم عاصم....اقسم بالله بوحة ما يقصد......."

احتدت نظرات عاصم وهو يهدر بازدراء....

"متملاش بوقك بالله يالا....انتوا ناوينها من ساعة ما دخلتم......ولا فكرني اطرش ومسمعتش كلامكم..."

حاول الشاب الاخر تقبيل يده وهو يرتجف بخوف

قائلا برجاء....

"حقك علينا يامعلم عاصم غلطه ومش هتتكرر.."

أومأ عاصم براسه وبعينين غير متهاونتين

قال بشرٍ......

"ماهي مش هتكرر...عارفين ليه عشان انا مش بس

لو لمحتكم قدام المطعم ده تاني ...دا انا لو لمحتكم

بصدفة بس معاديين الشارع ده هقطع رجليكم واكسر ايديكم........أيدك الحلوة اللي بتمدها على حاجات غيرك......."لوى ذراع المدعو بوحة...

والذي صرخ متألماً راجياً اياه.......

"آآااه....سامحني يامعلم عاصم...مكناش نعرف انها تبعك........"

اتسعت عينا شهد وشعرت بالغضب اكثر وهي ترى

عاصم يتركه مؤكداً المعلومة بصوتٍ قوي......

"الحمدلله ان المعلومة وصلت.....سكتك خضرة

منك ليه........"

خرج الاثنين سريعاً من المكان ناكسين الرأس

بذل.....

استدر عاصم اليها يرمقها بغضب ويبدو ان هناك وصلة من التوبيخ بانتظارها.....لكنه بدلاً من ان

يجدها ناكسة الرأس مثلهم تنتظر التقريع منه

وجدها تواجهة بغضب أكبر ولم تلبث الا

وصاحت بعنفوان.......

"اي اللي انت عملته ده....بتدخل ليه انت شايفني ناقصة ايد ولا رجل عشان تدافع عني...وثواني

ثواني....هو إيه اللي تخصك....انا مخصش حد

تمام....ومستحيل ابقى تحت رحمة راجل

ساامع....."

بمنتهى الهدوء رغم الغضب الذي مزال جلي

على وجهه......

"أهدي.......انا عملت اللي المفروض اي واحد في

مكاني هيعملوا......"

صاحت بحنق شديد.....

"بس انا متطلبتش مساعدتك......"

التوى ثغره وهو يقول بسخرية سوداء....

"وانا مش هستنا لما تطلبي......اللي بيجري في عروقي  ده دم مش ماية بسكر......"

تناثر الغضب على ملامحها أكثر مع هذا الرد

المستفز.......

"ميخصنيش اي اللي بيجري في عروقك...انا اللي يخصني اني مخصكش....سامع انا مخصش حد..."

مط شفتيه وهو يومأ براسه بمنتهى

الثبات......

"عرفنا......انك حرة نفسك....عايزة تقولي

إيه كمان......"

هاجت اكثر وازداد بريق الغضب في

عسليتاها.....

"اي الأسلوب ده انت عايز تعصبني....."

ارتفع حاجبه وهو ينظر لها بتعجب من أول رأسها

حتى أخمص قدميها........

"انتي كل ده ومش متعصبة !!.......دا انتي صوتك اعلى من صوتي......"

جنت كلما تذكرت انها صرح بانها

ملكاً له.....

"اعلي صوتي زي مانا عايزة.....انت مالك....انا...

اخصك باي حق تقول كده......انت عايز الناس

تقول عليا إيه........"

نظر عاصم لساعة معصمه بملل متمتماً دون

النظر إليها....

"الموضوع خد اكبر من حجمه....وانا عندي شغل ومش فاضي....وانتي كمان مش فاضية زي ما خلود قالت......"

نظر عاصم لخلود الواقفة متسعة الأعين عند اطار باب المطبخ تتابع ما يحدث منذ بداية لكمة عاصم للشاب....

تركها عاصم واقفه مكانها واتجه للباب لكن قبل ان

تصل يده لمقبض الباب الزجاجي وقفت شهد امامه

تصيح بجنون وقد تقابلت اعينهما لأول مرة

بشكلاً عاصفٍ....وقد زالت قشرة الهدوء أخيراً

من عليها ورأى الجانب المخفي من شخصيتها.....الاشد حرارة وحيوية.....من الهدوء

الذي رغم اعجابة به الا انه كان يزعجه أحياناً

ويشعر انه حاجز تتعمد وضعه بين الجميع......ولا يعلم حتى الآن لِمَ تتعمد التعايش بهذا القناع البارد.......

"لا فاضية.......ولازم تسمع الكلام ده كويس أوي....."

ادعى الملل وهو يأسر عينيها عمداً......

"اتفضلي بس وطي صوتك......لاني مبحبش الصوت العالي......"

تمردت عليه قائلة.... "دا صوتي اذا كان عجبك....."

هز راسه غاضباً وهو يحرك راسه كي

تبتعد.....

"يبقا مش هسمع لانه مش عجبني..ابعدي ياشهد... "

هتفت من بين انفاسها الغاضبة....

"لا هتسمع.....انا مش محتاجة مساعدتك...لأ تدافع عني ولا حتى تحميني لاني أقدر أعمل ده لوحدي...

اخر حاجة انا مخصكش.....ومستحيل اخصك

سامع......"

نظر لها عاصم طويلاً الى ان سألها بهدوء.....

"خلصتي كلامك......"

اومات برأسها بوجهٍ احمر من شدة الانفعال.....

فقال عاصم دون ان تحيد عيناه عن وجهها....

"ابعدي......."

ابتعدت بالفعل عن الباب فخرج امام عيناها الغاضبة........

بعدها اقتربت منها خلود تلامس كتفها وهي

تقول بعتاب.....

"ليه عملتي كده ياشهد....انا شايفه ان الراجل مغلطش.....دا رباهم وجبلك حقك منهم....."

لم ترد عليها شهد بل ظلت عيناها معلقة على الباب

الذي خرج منه عاصم.....فأمتقع وجه خلود قائلة

بضيق......

"الواد ده  من الأول نظراته ليكي مكنتش مريحاني... لا وجايب صاحبه كمان الحمدلله ان المعلم عاصم علمهم الأدب......بس انتي غلطي جامد معاه.... دا بدل ماتشكريه..... "

انزعجت شهد من الحديث فنظرة لخلود

لتقول بتهكم.....

"اشكره على ايه......عمايله دي هتخلق ليا مشاكل

مع حمزة وابويا....دا غير شارع الصاوي والناس

اللي فيه..."

قالت خلود بتفكير....

"مشاكل اي بس....المعلم عاصم دغري وملوش في الاوع....وبصراحة بقا انا حسى...انه معجب بيكي

مشفتيش ضرب الواد إزاي لما مسك إيدك...."

صاحت شهد بوجهٍ مكفهر......

"اتكتمي ياخلود....انا لا عايزة احب ولا اتحب....

انا عايزة أشتغل......واقف على رجلي.....ومحتجش

لمخلوق......"

لكزتها خلود وهي تتشدق بصدمة.....

"ياهبلة حد يرفس النعمة....دا عاصم الصاوي....دا الشارع مكتوب على اسم اجداده....دا غير املاكه

و.... "

"خلود خلصنا يلا عشان نكمل شغلنا......"تركتها شهد واتجهت الى المطبخ للتتابع عملها محاولة السيطرة

على اعصابها ونسيان الأمر برُمته.....واخمد ضميرها

عن ردة فعلها المبالغ فيها معه......

........................................................................

في المساء.......

اخرجت تنهيدة بطيئة وهي تعود من شرودها على صوت حمزة اخيها الذي سحب كرسياً وجلس بجوارها سائلا اياها بشك.......

"مالك ياشهد سرحانه وساكته  كدا ليه.... وكله سد

الحنق !!..... من ساعة مادخلت وانتي على وضع ده....هو في حاجة حصلت... في حد ضايقك؟.... "

رفعت شهد عينيها على عينا اخيها الذي ضاقت في خطٍ خطر  منتظر ردها.....هزت رأسها سريعاً

بنفي..

"هيكون مالي بس ياحمزة....مفيش حاجة......"

اعاد السؤال مجدداً بالحاح.....

"إزاي مفيش حاجة.........هو انا هتهوه عنك...."

زفرة بجزع وهي تشيح بوجهها للناحية الأخرى...فتمتم حمزة بيقين......

"لا في حاجة.... وكبيرة كمان في إيه؟......"

مسك ذقنها وادارها اليه....

فنظرة شهد اليه قليلاً تفكر ماذا تقول....

هي عابسة غاضبة منذ الصباح بسبب شخصٍ واحد تكن له ثلاثة مشاعر متضاربة مخنقة الأول شعور بالذنب من صراخها في وجهه بعد دفاعه عنها....

والثاني الغضب من هذا الدين الذي لفه حول عنقها......فهي بغنى عن ديون من اغراب مستجدين وعابرين في حياتها .......

والثالث حنق شديد يقف كالغصة في حلقها عندما أوضح امام الشابان بانها تخصه ؟!....

الأمر يزعجها بشكلاً يفوق الوصف...وكان بعد تلك الجملة أصبحت عارية دون شيءٍ يسترها...تخشى ان تخرج من باب المطعم فيشير الناس عليها بانها المرأة

الخاصة بـ عاصم الصاوي !.......

اغمضت عينيها لثوانٍ بغضب ثم فتحت اياهما واختلقت حديثاً من الهواء قائلة......

"مفيش حاجة تقلق ياحمزة....انا بس حسى ان

الشغل في المطعم مش جايب همه......."

انعقد حاجبي حمزة عابساً.....واردف...

"مش جايب همه؟!.... متأكده؟..... يعني انا شايف

ان البداية حلوة مش وحشة.... وشوية شوية هتعملي زبون... انتي يعني لسه مكملتيش

أسبوعين في المكان......."

سألته بفتور...... "انت شايف كده....."

أومأ حمزة وهو يطمئنها برفق.....

"الصبر ياشهد...كل حاجة بتيجي بصبر....وبعدين

متخفيش من فلوس الإيجار انا هسددهالك اخر

الشهر من معايا......"

هزت شهد راسها مسرعة بالحديث.....

"مين جاب بس سيرة الإيجار...انا معايا فلوس الحمدلله وهقدر ادفع في المعاد.....الحمدلله الاوردرات اللي بتطلع بتغطي مصاريفي واجرت

بشير وخلود....وبشيل منها كمان جزء للإيجار....."

قطب حمزة جبينه قائلاً....

"طب مالدنيا تمام اهيه لي التشأم بقا...."

استلمت دفة الحوار فقالت بصدق....

"مش تشأم ياحمزة....مانت شايف أهوه....مفيش زبون

بيدخل المطعم إلا بطلوع الروح.........لو سالتني النهاردة دخلك كام زبون هقولك أربعة بالعدد والمطعم مفتوح من الساعة تمانية الصبح

ودلوقتي الساعة بقت حداشر بليل....."

ابتسم حمزة وهو يبث بها الأمل.....

"كلوا بالصبر ياشوشو....مش هتطلعي السلم مرة واحده معروفة واحدة.... واحدة........عشان نحس بطعم النجاح ولا إيه......."

تبسمت شهد وهي تنظر اليه بحنان....

"عندك حق....قولي بقا انت اي اخبارك......عامل

ايه في شغلك......"

سحب سلسلة المفاتيح من أعلى الطاولة وعبث

بها وهو يجيب......

"اديني شغال هروح فين....من موقف لموقف ومن نقلة للنقلة......."

اقترحت شهد بعيون لامعة.....

"ماتفكك من شغلانة السواقة دي وتعالى اشتغل معايا...."

عقب وهو يمط شفتيه هازئاً......

"اجي اشتغل معاكي.....انتي لسه قايله انك قاعده

طول النهار بتهشي دبان......"

ضحكت شهد ساخرة كذلك....

"واي فيها نهش دبان سوا....."

رد حمزة بملل ...... "مبعرفش اهش دبان......"

ضربت كفه الممسك بسلسلة المفاتيح وقالت

بجدية......

"بكلم بجد....تعالى نبدأ سوا وان شاء الله ننجح سوا...."

هز حمزة راسه وهو يجيب بحيادية.....

"مانا لو غاوي هقولك آمين...لكن انا مليش في الطبخ

والجو ده....انا احب السواقة الشوارع  الجري على

الرصيف جمب البحر........"

نظروا لبعضهما بصمت وكان الحديث انتهى هنا....

اقتربت خلود منهما قائلة.....

"يلا بينا ياشهد مش هتمشي معانا....."

اومات شهد وهي تنهض وكذلك حمزة.....

"آه يلا.....روحي انتي مع بشير....وانا وحمزة هنروح سوا بعربيته......."

عبس وجه حمزة قائلاً بمزاح.....

"حاسس انك بتستغليني وبتجبيني بليل مخصوص عشان اوصلك......"

ضحكت شهد وهو تعانق ذراعه متدلله

عليه.......

"لازم تكون متأكد اني بستغلك....انا أطول اركب عربية جمب القمر ده كله...... "قرصت وجنته فابعد يدها بحنق فهو يكره تلك الحركة منها وبذات امام

أحد..

تمتما حمزة بزهوٍ دون النظر إليها......

"عندك حق احتمال كمان يحسدوكي اول ما يشوفوكي قاعده جمبي...."

فغرت شهد شفتيها وهي تلكزه بضيق....

محدثة خلود بسخرية.......

"بذمتك ياخلود شوفتي تواضع كده قبل كده....."

ضحكت خلود معها قائلة..... "بصراحة مشفتش....."

......................................................................

بعد دقائق وصلت سيارة حمزة أسفل البنية التي يقطنا بها......انتبهت شهد وهي تخرج من السيارة

الى سيارة أبيها الفارهة والتي تصف جانباً.........

"واضح ان ابوك فوق......"

خرج حمزة كذلك من السيارة مرحب بسخرية....

"ياهلا وسهلاً بالمشاكل والنكد اللي انا بغنى عنهم......"

اتجهت شهد للسيارة الفارهة ووقفت امامها

بعيون شاردة وهي تخبر اخيها بحزن.....

"فاكر يوم ما اشترى العربية دي...."

أومأ حمزة متذكراً وهو يسحب انفاسة بعصبية

مكتومة.....

"كانت مجزره بيني وبينه.......راح يشتري عربية واحنا التلاته متمرمطين من موصلة للتانية......دا غير ان البيت وقتها مكنش فيه غير عشرين جني ولما طلبنا منه فلوس قالنا اكله نفسكم وتكفله بنفسكم

انا معدش معايا فلوس لحد تاني......"

تابعت شهد بسخرية مريرة.....

"على اساس انه كان بيدينا اولاني.....ما طول عمرنا بناكل الفتافيت من بعده......ربنا يسامحه......."

لم يرد حمزة بل ظل ينظر للسيارة بصمت مبهم....

فادارة شهد وجهها اليه قائلة برجاء.......

"يلا بينا نطلع....وعشان خاطري ياحمزة بلاش تشد معاه زي كل مره هي لقمة هناكلها وكل واحد فينا هيدخل اوضته ويدار ما دخلك الشر........"

التوى فك حمزة بتشنج.....

"الشر قاعد فوق.....ومستنينا ياشهد......"

اتسعت عينيها بحنق...... "حمزة....."

نظر حمزة لما خلفها وقد اتسعت عيناه وشلت حواسه ووهجت حدقتيه فجأه.....فبلعت شهد

ريقها وهي تنظر خلفها لترى نجلاء ووالدتها

يخرجا من العمارة متجهين الى سيارة الرجل

الذي اشتبك معه حمزة منذ أيام....

قد سلمت عليه نجلاء بخجل وهو اتكأ على يدها

بوقاحة وهو ينظر باتجاه حمزة.....مبتسماً نحوه

بشكلاً دنيء أشعل صدر حمزة الذي خطى خطوة للأمام ولحسن الحظ انها لاحظت هذا التهور

فمنعت إياه هاتفه بهمساً....

"حمزة احنا قولنا إيه.....سيبها لحال سبيلها راحت للي شبها......اعقل مضحكهاش عليك....بلاش تضحكهم عليك اعقل......."

نظر لاخته بعينين قويتين..... شاخصتين بريق إجرامهم يتزايد مع مرور الوقت......

"يلا بينا.....يلا......."

قالتها شهد وهي تسحبه من ذراعه الى مدخل

العمارة تارك خلفه جزءاً من قلبة يحترق بعد رؤيتها مع غيرة سعيدة راضية..... وقد اختارت بإرداتها كما اخبرته سابقاً بمنتهى النذالة بانها باعت لمن دفع أكثر !....

.......................................................................

عندما صعد للشقة دلف لغرفته وأغلق بابه عليه

منفرد بنفسه قليلاً بعد رؤيتها برفقة غيره والبسمة تعلو ملامحها الجميلة جمال مخادع كالصنارة التي تلتقط الصيدة الرابحة بعد طول إنتظار.......

جلس على حافة الفراش بتثاقل وهو ويشعر بتضخم حاد في صدره من شدة الانفعال والغضب.....

ولسعة حارقة اصابة حدقتاه مسح عيناه سريعاً

وهو يفتح الدرج المجاور للسرير باحثاً عن

منديلاً ورقياً...... لكن وقعت عيناه الحمراء

على البوم صور صغير خاص به......

التقط الالبوم وفتحه وبدأ يشاهد العديد من الصور التي جمعت بينهما في خلال عامين مضوا....كانت

بهم الوعود راسخه في قلوبهما قبل أعينهما...توعدا

بالكثير ولم يحققا إلا القليل وأكبر الوعود بينهما

انتهت قبل ان تبدأ........

قام سريعاً باخراج كل الصور الخاصة بها والصور التي تجمعهم معاً على مدار عامين.....كانوا عامين زائفين بعد مرورهم اكتشف الحقيقية الموجعة.....

كان مجرد اسطبل لعامين مجرد اسطبل والفارس الحقيقي اتى واخذها منه ببساطه......

سحب سلة القمامة الموضوعة جواره واخرج الولاعة

واتكأ عليها وقرب صورة نجلاء من شعلة النار الصغيرة فأكلتها بقوة وتغذت على بقاياها.....

القاها حمزة في سلة القمامة واخذ الصور التي تجمعهم وبدأ في احراقها ورؤيتها واحده تلو

الأخرى وهم ينتهون متحولون الى رماد الباقي

منه في سلة المهملات.......

لم يشعر براحة أبداً وهو يحرق صورها كم ظن.... بالعكس شعر ان قلبه هو من يحترق وليست

الصور...... وكانه أحرق قلبه بدلاً من إحراق

ما تبقى منها.....

طرق رقيق على الباب يليه صوت كيان

وهي تناديه قائلة.....

"حمزة العشا...... العشا اتحط......"

رد حمزة سريعاً بامتناع..... "مش عايز اكل......."

فتحت كيان الباب ووقفت عند عتبت الباب

ناظرة اليه وهي تقول.......

"بس أبوك مستنيك على السفرة... وهو اللي قالي اناديك........هتيجي صح.... "

بعد لحظات أومأ لها برأسه بملامح حجرية...

"جاي وراكي....."

انعقد حاجباها وهو تحرك انفها يميناً ويساراً تتأكد

مما تشمه......ثم عقبت.....

"حمزة هي اي الريحة دي...... هو انت بتولع في إيه........"

اجابها وعيناه على سلة المهملات....

"شوية أوراق مش مهمين......."

نظرة كيان الى ما ينظر ثم اومات براسها

دون اهتمام......

"آآه طيب بسرعه بقا متتأخرش أبوك مستنيك..."

خرجت كيان واغلقت الباب خلفها.....

...................................................................

تجمع الجميع على سفرة الطعام الأب على رأس الطاولة والاخوة الثلاثة يجلسوا على الصف اليمين

بجوار بعضهم.......

مضغ عثمان الطعام وهو ينظر اليهم بعيون كالذئب

الماكر المنتظر الانقضاض على فريسته في أضعف

حالتها........

تنحنح عثمان ملفت الانتباه من حوله...وبالفعل نظرة

أجْوَاز العيون الثلاثة إليه وكلاً منهم يحمل شعوراً

مختلف عن الآخر...وكانت أعينهم كالستار المكشوف يكشف الكثير دون البوح.....

دخل عثمان في صلب الحديث بنبرة خشنة صارمة.......

"اللي حصل في العمارة من كام يوم ده حقيقي...

ولا افترى عليكم.... "

بلعت شهد ريقها واطرقت براسها بتردد محاولة استجماع شتاتها سريعاً.....

لم يرد حمزة بل اكتفى بالصمت....وكذلك فعلت كيان وهي تدعي سراً ان يمر اليوم دون كوارث وعدم اختلاق مشاكل كما يفعل معهم دوماً........

"اتكتمتوا ليه ردوا عليا.......اي اللي هببتوا ده.."

ضرب عثمان على الطاولة بقوة صائحاً بهذة

الكلمات بغضب أسود...مما جعل شهد وكيان

ينتفضا معاً بخوف رافعين رؤوسهم إليه اما حمزة فجز على اسنانه يمنع نفسه بالقوة من التهور فمهما كان هذا الرجل والده !!....

وزع نظراته عليهما بجمود حتى استقرت على

حمزة فازداد غضبة سائلاً......

"إيه هتفضلوا تبصه لبعض كتير....انت اتعركت مع

زفتت الطين حماتك.....شتمتها وجرست بنتها في العمارة......"

هتفت شهد بدفاع عنه...

"محصلش يابابا حمزة أ......"

اخرسها بنظرة واحده تعرفها جيداً ثم هدر

بقوة اخافتها.......

"اتكتمي.....انتي كمان قليتي ادبك عليها وبدل

ما تحلي وقفتي مع اخوكي....ولا عال مخلف

بلطجيه صيع واقفين يتعاركوا....ناقص تطلعوا

المواص من بوقكم...... "

تدخلت كيان متحدثه بحمائية.....

"بس شهد مقلتش ادابها عليها.....دا هي اللي شتمت شهد وقعدت تعايرها بمرضها وبسنها والجواز...."

أومأ عثمان بمنتهى القسوة وهو يرمق ابنته

بقرف.........

"عندها حق..... ماهو اللي بيته من قزاز...ميحدفش الناس بطوب......."

نظرة له كيان بغضب ممزوج بالكرة....واكتفت شهد بصمت دون تعبير موحد في عينيها المنكسرة.....

صاح حمزة بانفعال عليه......

"انت بتكلم على أساس ان انت وهما زي السمنه على العسل....ايش حال مكنتش راضي زمان تيجي معايا عشان اخطبها  وسبتني أروح لوحدي...."

هز عثمان راسه وهو يؤكد على الحديث مضيف

بزهوٍ......

"عشان النسب ده ميشرفش... مش هيليق بأسمي... انا يوم ما أجوزكم لازم اكون راضي عن الجوازة.... ومش بعيد اختارها بنفسي.....ومش هختار أقل

مننا لا دا انا هختار الأعلى مننا اللي يشدكم

لفوق مش يسحبكم لتحت......."

تدخلت كيان بوجهٍ ممتقع......

"هو مينفعش نعترض على كلامك زي ما علمتنا... بس الزمن اللي بتكلم عنه ده انتهى خلاص....دلوقتي احنا

كبرنا واللي زينا بيختار بنفسه......... "

رفع عثمان حاجبه بمكر واشار بعيناه على

حمزة هازئاً.....

"مش في قانون عثمان الدسوقي....والجدع يتحداني.....بصوا لاخوكم كويس.....هتعرفوا ان

اللي بيقف قصادي مش بيوصل لاي حاجة....."

التوى فك حمزة بسخرية مريرة.....

"مش مصدق انك شمتان فيا........مش مصدق...انت

بجد ابونا ولا كدا وكده......"

احتدت نظرات عثمان بشدة واحمر وجهه وفارت الدماء بعروقة فرفع كفه كي يصفعه.......

صاحت الفتاتان معاً بزعر وهما ينهضان عن مقاعدهن بهلع...

"بااااااابااااااا......"

في لحظة خاطفة التقط حمزة يد والده قبل الوصول لصدغة وقد واجهه بعيون أشد قسوة وغضب.....

"قولتلك مية مرة اني كبرت على الضرب...وبقيت اعرف اقف قصادك.....ورد القلم اتنين......."

اتسعت عينا عثمان بدهشة ناظراً اليه بعدم تصديق.....فاضاف حمزة ببرود وهو يترك يده...

"بس انا مش هعمل كده عشان صلة الدم....اللي

انت متعرفهاش......."

"حمزة........"نادته شهد وهي تمسك ذراعه كي

يبتعد عن هنا....

بينما صاح عثمان بكراهية......

"اخرج برا بيتي مش هتقعد فيه.......برااا......اخرج

برا... "

نزع حمزة ذراعه من بين يدي أخته....ثم اتجه الى غرفته سريعاً قائلاً بكرهٍ شديد.....

"عارف عشان كده حضرت شنطتي.....هدخل اخدها واغور.....اشبع بالبيت وبالعمارتين اشبع بالفلوس وبالعربية......أشبع بكل حاجة وسيبنا احنا نسف

في التراب ويطلع ميتنا عشان نكسب القرش...

عيش انت وسيبنا احنا نموت بالبطيء....."

خرج من الغرفة وتابع بحرقة......

" زي امي ما ماتت من كتر المرض وقلة العلاج.....

اللي بفلوسة كنت مقضيها مع كل واحده شوية وسيبتنا معاها ننحط في الصخر عشان نلحقها.......وبرضو ملحقنهاش......"

اتجه الى باب الشقة فركضت شهد وكيان

خلفه قائلين معاً برجاء.....وهما يتعلقوا في

ذراعيه من الناحيتين......

"حمزة........خليك بالله عليك..بلاش تمشي......."

سحب حمزة نفساً غاضباً بصعوبة وهو يهمس

لهن قبل ان يفتح الباب......

"ادخلوا اوضتكم وقفلوا عليكوا.....أول ما يمشي هاجي...........سلام......."

خرج واغلق الباب خلفه بقوة....فنظر الفتيات الى بعضهن ثم لابيهم الذي مزال يجلس مكانه على

رأس الطاولة بسطوةٍ قاسية ونظرات

كفيلة ببث الرعب في اجسادهن.....كان ينظر

للباب المغلق بقوة وبملامح حادة مكفهرة....

....................................................................

على البحر ليلاً وبين الامواج الثائرة والهواء الطلق

البارد القى الصنارة وظل ينتظر بعينين شاردتين

معلقتين على سطح البحر الحالك......سابح بذكراه إليها....كيف كسرة قشرة الهدوء التي تتحل بها أمامه....لمجرد انهُ نسبها إليه !!...

لا تخص أحد ؟!....

تسللت ابتسامة خائنة من بين شفتيه المتصلبة

وقد لانت قليلاً.....

كيف لها ان تتمرد على هذا المسمى الخاص.... كثيرات يتمنون ان ترتبط اسمائهن بعائلة الصاوي بشكلاً او بأخر.....

إلا هي رأى في عينيها رفضٍ أزعجه.... لم يحبذه

بل غضب من هذا الرفض.....فقد خدش كبرياء لم يمسسه احد سواها !!.....

كيف للطباخة ذات عيون عسلية الجميلة بان ترفضة وكيف ينزعج من ردها وكأنه قصد التدخل حتى يعلن ملكيته الحصرية نحوها !!.....

هل بهذه السرعة تسللت إليه ونالت من قلبه.... كيف فعلت وهو الذي ظن انه بنى حِصناً منيعاً من الحب ، وقد اتخذ هدنة سلام أبدي عن حروب الحب ومآسيها.....

اشتدت عصا الصنارة في يداه ، ففاق من شروده وهو يحاول سحبها عليه لكنها كانت ثقيلة و السمكة كانت عنيدة تأبى الخروج من البحر تحاول الفكاك بعد ان أكلة الطُعم ؟!....

لكنه كان أشد عناداً منها وسحب الصنارة لعنده وبعد نزاع دام لدقائق رفع الصنارة فوجدها فارغة !.....

قد هربت بعد ان أكلت الطُعم ؟!...

.......................................................................

صباحاً في المطعم كانت تقوم بتنظيف صالة المطعم تحاول اشغال نفسها بشيءٍ وهمي..... متجاهلة بأنها تقوم بهذا مع اقتراب الساعة للعاشرة صباحاً.......

هل تنتظرة ؟!....

هي بأنتظاره فقط كي تعتذر له عن ما بدر منها أمس...فهي اندفعت بشدة أمس وصرخت في وجهه بدون وجهة حق.....وظهرت امامه كفتاة سوقية تختلق المشاكل......


6=السادس =ج 2/

وهي عكس ذلك.......فقط في غضبها تكسر كل الحواجز داخلها وتندفع فجأه بشكلاً يزعجها من نفسها...

خرجت خلود من المطبخ وهي تمسك ورقة

بين يداها قائلة وهي تنظر الى شهد.....

"شهد انا كتبت الطلبات اللي احنا محتجانها النهاردة...."

اقتربت خلود من شهد واعطاتها الورقة والقلم

قائلة....

"رجعي انتي برضو عليهم وشوفي لو ناقصين

حاجة......"

اخذت شهد منها الورقة وهي تستريح على المقعد ناظرة الى الورقة بتركيز شديد بينما يفتح الباب الزجاجي ويدلف رجل تفوح منه رائحة سجائر غريبة....ومنظره يبعث عدم الراحة في النفس.....

خصوصاً بهذه الندبات العميقة والكثيرة في وجهه وعنقه وذراعيه المكشوفة......وحتى الوشوم به

تشعرها بالتقيؤ........

رفعت شهد عيناها عليه وظلت تراقب نظراته على المطعم ثم عليهن لتسمعه يقول بابتهاج غريب......

"صلاة النبي أحسن....دا المكان نور من تاني لا

وشكل القشيه بقت معدن........"

غمغمت خلود بقرف وهي تراقب نظراته على

المكان ثم عليهن......

"اصطبحنا وصبح الملك لله....كانت نقصاك بقا...."

سمعتها شهد فهمست لها متسائلة...

"مين دا ياخلود....."

امتقع وجه خلود وهي تقول بشفاه مقلوبة

بازدراء.....

"دا مرعي الجن.......تقدري تقولي كده دا واحد من ضمن ولاد الحرام اللي كانت امك بتدعيلك ان يكفيكي شرهم........ "

هزت شهد راسها وهي تعود بنظر إليه.... "فهمت.......وعايز إيه......"

"اللي زي دول بيعوزا إيه......غير ياخدوا.... ياخدوا وبس...... "امتعضت خلود اكثر وهي تراه يقترب منهم.....وعلى شفاه إبتسامة مبتذلة.....

قال مرعي مبتسماً بلؤم وهو ينظر الى

شهد ومد يده لها.......

"اهلاً.... اهلاً....بالست شهد....مش شهد برضو......"

نظرت شهد لكفه المفرود امامها ثم الى عيناه

الماكرة وقالت بحدة......

"نعم............ عايز إيه......"

نظر مرعي لكفه المعلق في الهواء ثم إليها....وعندما لم يجد منها أية استجابة سحب كفه بحرج وحك

في شعره قائلاً........

"اي معاملت مرات الاب ديه....ماشي مقبولة

منك....... لمؤخذه انا جاي اكل... واخد القبيض......."

هتفت شهد بتعجب...

"نعم ؟!.... يعني اي القبيض ده......"

حك مرعي ابهام اصبعه بالسبابة امام عينيها

الحانقة واردف .......

"المعلوم الفلوس اللي باخدها عرقي انا ورجالتي....."

أشار على ثلاثة رجال ينتظروه بالخارج...ليسوا

أقل منه بالوصف......بل من نفس العينة.....

"عرقك في اي بظبط انا مش فاهمه حاجة...."

احتدت نظرات شهد عليه....فقال مرعي

بتبجح.......

"افهمك انا بحميكي وبحمي مكانك......"

لوت شفتيها هازئة... "بتحميني من اي بظبط......"

رد مرعي سريعاً.... "من ولاد الحرام......"

امتعضت شفتيها وهي تقول

ببرود....

"شكراً انا مستغنيه عن الحماية دي....."

رفع مرعي كفيه معاً وقد ظهرت بوادر الإزعاج

على وجهه........

"لا لا كده هزعل متقوللها حاجة ياخلود مانتي

قديمه هنا...."

لكزتها خلود باضطراب بعد

نظراته.....

"ادفعي ياشهد وتقي شره......."

هز مرعي راسه وهو يبتسم بشر...

"جدعه ياخوخا.... اسمعي كلامها وادفعي بسوكات......عشان مزعلش....."

تخصرت شهد بتحدي..... "ولو مدفعتش......"

رفع مرعي حاجبه واخبرها بملامح تنذر

بالشر والتوعد.....

"يبقا انتي عايزه تخسريني....ولو خسرتيني

هتخسري نفسك والمكان اللي وقفه فيه......."

بلعت شهد ريقها وهي تقول بصوتٍ

اجوف...

"المكان ده بتاع عاصم الصاوي ولو عرف انك......"

قاطعها مرعي بعينين تقدحان شراراً.....

"الله انتي هتهدديني بيه ولا إيه.....انا مبتهددش ولو وقفتي قصادي هتزعلي.....كل اللي على صفك بيدفع  تمن حمايتي ليه انا ورجلتي ومفيش حد قدر يعترض......"

تدخلت خلود ومسكت ذراعها قائلة...

"تعالي ياشهد معايا....."

عاندت شهد وهي تنظر اليه بغضب هائل.....

"سبيني ياخلود دا مفكر البلد مفهاش قانون جاي يبلطج عليا  وعلى خلق الله....لو محدش وقفلك انا هقفلك....."

احتدت نظرات مرعي....

"الله دا انتي مصممه بقا....."

ترجته خلود وهي تربت على صدرها.....

"لا يامرعي هي لا مصممه ولا حاجة....دقيقتين بس

ياخويا وهنرجعولك......."

سحبت خلود جانباً فصاحت شهد بتشنج.....

"انتي بتبعديني لي ياخلود انتي موفقة على الكلام ده...دا عايز ياكل شقانا.......بلبطجة وفردت الصدر....

هو وشوية الصيع اللي وقفين برا....."

قالت خلود بوعي وجد ......

"متقفيش قدام القطر ياشهد وفي الآخر تقولي هو اللي داسني.....مرعي مش سهل وبتاع مشاكل وبيدور عليها بملقاط....دا غير انه رد سجون وواخد على كده...انتي مش شايفه وشه ودراعه مفيش حته

فيها سليمه من كتر المصايب اللي بيعملها ....

فبلاش تجيبي لنفسك مشاكل انتي بغنى عنها......اديلوا الملمين وريحينا..... "

هاجت شهد من بين اسنانها بعدم

رضا......

"دي فلوسي تعبي وتعبك....ادهاله إزاي بس....."

قالت خلود بهمساً......

"زي الناس ربنا هيفرجها ادهاله وريحينا من شره....."

هتفت شهد من بين انفاسها العالية....

"ياخلود....."

قاطعتها خلود متابعة بتحذير.....

"اسمعي كلامي ياشهد انا قلبي عليكي....انا

اشتغلت في شارع الصاوي قبل كده وعارفة نظامه إيه......وفي شارع الصاوي الكل بيمشي جمب

الحيط وبيتجنب المشاكل......ولازم تعملي كده......"

ضربت شهد كفٍ بأخر وهي تهتف متعجبة....

"انا عايزه افهم بس.....عايزة أفهم... عاصم الصاوي وكبار الشارع هنا عارفين ان اللي اسمه مرعي ده بيمص في دم الغلابه هنا عشان  ياكل ويشرب هو ورجلته......"

قالت خلود بتذكر......

"محدش يعرف.....بس عاصم متعارك معاه قبل كده وقامت بينهم مجزرة كبيرة في الشارع لو هتلاحظي ان مرعي وشه متخيط من ناحية اليمين البشله دي بقا.....عاصم الصاوي اللي عملهاله......ولولا مسعد الصاوي عمه اللي وقف الحرب دي كان في واحد فيهم هيموت......"

انعقد حاجبي شهد وتساءلت...

"لدرجادي.......واي السبب......"

لوت خلود شفتيها وقالت....

"السبب ان مرعي قل ادبة و ضرب ست كبيرة فرشة بخضار في الشارع......وعاصم كان معدي بعربيته وشاف اللي حصل فمسكوا في بعض........قمت المجزرة بعدها.....ومهدتيش غير لما أدخل الكبار وحلوها........لكن أكيد النفوس لسه شايلة فبلاش تكوني انتي السبب وتقومي الحرب تاني

بينهم........اديلوا اللي هو عوزه خلينا نتقي شر......"

اكتفت شهد بصمت وهي تنظر إليها.....فتابعت

خلود وهي تربت على كتفها بخوف......

"اسمعي الكلام ياشهد بعد كل اللي حكيتوا ولسه معنده.......خافي حتى على حمزة......"

انتفض قلب شهد وهي تنظر الى خلود التي هزت راسها وهي تنظر ناحية مرعي الذي يراقبهن بعينين شيطانيتين تشتعل كلما زاد عنادها....فجزت شهد على اسنانها وهي تشعر بانها مجبرة على ذلك...حتى

تبعد المشاكل عنها والاذى عن اخيها......فإن علم حتماً

سيكسر رأس هذا الضبع الجائع.........

سحبت نفساً مضطرب ثم ابتعدت عن خلود ذاهبة إليه سائلة إياه بتهكم.....

"عايز كام......"

ابتسم مرعي ببشاعة وهو يحك كفيه

ببعضهم قائلاً بطمع......

"حلو...... شكلك اقتنعتي.......انا عايز يعني

حوالي....."

زمت شفتيها وهي تنظر الى خلود التي هزت

راسها تترجاها ان تدفع كي تنتهي تلك القصة

على خير ......

اتكأت شهد على اسنانها وهي تضع يدها في جيب المريول.......وتخرج المبلغ المطلوب اعطته له

قائلة بحنق شديد......

"ممكن بقا توريني عرض كتافك......عشان ورانا

شغل ومش فاضيين......"

مال برأسه قليلاً سائلا بصدمة....

"طب والغدا........."

زفرة شهد وهي تعقد ساعديها امام صدرها لتقول

ممتعضة....

"معندناش....لسه مطبخناش.....معاك الفلوس روح

كُل بيها في حته تانيه......"

تحسس مرعي صدره بخبثٍ قائلاً بتبجح وهو ينهال عليها بنظرات دنيئة......

"عداكي العيب....يبقا لينا غدوة عندك....قريب سلام

ياست.....شهد......"

خرج من المكان امام ابصارها المشدوهة من هذا الانسان الزج الحقير.....تمتمت خلود داعية بقهر

وهي تقترب لتقف جوارها.......

"حسبي الله ونعم الوكيل..... تصرفهم على مرضك يابعيد......"

اغمضت شهد عينيها وهي تأخذ انفاسها بتعب...

العمل في شارع الصاوي أصعب مما توقعت يوماً

ويبدو ان الاستقلال والاكتفاء بذات أصعب من

قسوة ابيها عليها......

......................................................................

تسير العجلات على الرصيف بسرعة وتنعكس الشمس على وجهها الأبيض وعينيها الفيروزية

وبفعل النسيم تطير خصلات شعرها البنية

للخلف بموجاتٍ هائجة........كملامحها العابسة

وعينيها الغاضبة......

نظرة للافتة الشارع الانيق الذي يقطن به استاذها

المبجل..... فقد طلب منها ان تحضر له ملف قضية

مهمة قد نساه في مكتبة أمس.....ولان اليوم أجازة

رسمية طلب ان تحضره هي له !!.......

لا بأس ان تخرج هي من البيت في يوم اجازتها ثم

الى المكتب ثم إليه الجحة المقنعة الذي قالها

انها الأقرب إلى المكتب..... ولم يضع في الحسبان

انها فتاة..... لكن لا يجوز الاعتراض فهذا أستاذها المبجل.....عديم الإحساس والدم !!......

اوقفت الدراجة الهوائية الخاصة بها أمام البنية الماكث بها.......ثم ترجلت منها.....

واتجهت الى بواب العمارة سائلة بهدوء.....

"ممكن اعرف شقة المستشار مصطفى الجندي

الدور الكام......"

نهض البواب مجيباً وهو ينظر

اليها بتراقب....

"الرابع مين حضرتك......"

ردت كيان وهي تعدل حقيبتها فوق

كتفها....

"سكرتيرة مكتب المحامي سليم الجندي......"

أومأ البواب بتفهم مشيراً على مدخل

العمارة....

"اه هي الشقة اللي في الدور الرابع على إيدك اليمين

هتلاقي يافته مكتوب عليها اسم المستشار....."

لوحت كيان بكفها شاكرة... "تمام....شكراً ياذوق....."

استقلّت المصعد صاعدة للطابق الرابع.....

بعد لحظات وصلت الطابق الرابع فخرجت من المصعد واتجهت الى الجهة اليمنى....... وسريعاً

رأت الافته المشيرة للمستشار مصطفى الجندي

والد المبجل......

سحبت نفساً عميقاً ونظفت حلقها بنحنحات خشنة ثم عدلت الحقيبة و اتكأت على جرس الباب....

وانتظرت....

فُتح الباب بعد ثواني وظهر من خلفه رجلاً وسيم

في عمر والدها تقريباً لكن هيهات بينه وبين والدها

الرجل كان وسيم  ، وقور الشكل يشع وجهه بشاشة وطيبة من زمن ولى..... كان يشبه سليم الى حد

ما فخمنت سريعاً ان هذا هو المستشار... لم تراه

من قبل تعرفه بالاسم فقط لكن تصادف هكذآ

لم يحدث....

ابتسمت كيان بتلقائية وحركت رأسها وهي

تقول برقة....

"اهلاً ياعمو......"

انعقد حاجبي مصطفى ولانت ملامحه بعد رؤية هذه الجميلة الصغيرة........ صاحبة العيون الفيروزية المتلألئة.....

"اهلاً وسهلاً......."

عندما صمت منتظر ان تتابع اضافت كيان بوجها متخضباً بالحمرة......

"انا كيان........ اللي شغاله في مكتب المحامي سليم ابن حضرتك......"

ابتسم مصطفى وانشد باعجاب.......

"كيان..... اسمك جميل......غريب اوي الواد سليم ده إزاي مقليش انه بيدرب محاميه زي القمر كده

عنده......"

ازداد احمرار وجهها واطرقت برأسها قائلة

"شكراً ياعمو......" ثم رفعت رأسها وهي تخرج

الملف من حقيبتها......

"استاذ سليم كان طالب مني ملف قضية نساها

على مكتبه امبارح...... تقدر حضرتك تدهوله....."

رد مصطفى بفتور.....

"سليم مش موجود خرج....بس هو شوية وهيجي... ادخلي استنيه جوا.... اهو حتى تريحي رجلك شوية وتشربي حاجة معايا......"

رفضت كيان..... "لا.. لا ياعمو.....شكراً......"

عبس وجه مصطفى قائلاً.....

"خايفه من إيه دا انا زي باباكي....عمتاً هسيب

الباب مفتوح عشان تطمني......"

بررت كيان قائلة..... "مش قصدي ياعمو بس......"

قاطعها وهو يبتعد عن الباب......

"بطلي رغي بقا... وادخلي مش هنفضل نتكلم

على الباب....."

وفي اثناء طريقة للمطبخ سألها.....

"ها ياكيان قوليلي تشربي شاي ولا نسكافية...

ولا أقولك عندي هوت شوكلت يجنن أعملك........"

سألت بأستغراب......

"هوت شوكلت ؟! لا ياعمو شكراً......"

ابتسم مصطفى وتوقف وهو يلتفت ناظراً

إليها.......

"مستغربة ليه هالة مكنتش بتشرب غيره....."

تسمرت كيان مكانها تنظر اليه بصمت فاضاف

بإبتسامة فاترة......

"آآه هالة دي تبقي مراتي........ الله يرحمها....."

"الله يرحمها......." تمتمت بها كيان وهي تراه

يبتعد في أحد الأركان.....

خطت خطواتها بحرص إتجاه الصالون المفتوح امامها وقد تركت الباب مفتوح كما اقترح.....

سارت بحذاءها الرياضي الأبيض على الأرض المصقولة الامعة.......وبدت عينيها تتمعن من المكان

حولها.......شقة أنيقة فارهة والفرش منمق مختار بعناية....وكل قطعة تدل على ذوق أنثوي رائع فني

لأبعد حد......

إبتسمت كيان وحانت منها نظرة على طاولة خشبية

يوضع عليها عدت براويز لصور قديمة.......واخرى حديثة.......

بعض الصور خاصة بسليم وهو طفل في أحضان

والدته (هالة) تناولت كيان  الصورة بيدها وظلت

تتأملها بإعجاب....أمرأه جميلة تشع حبٍ وحنان

أنيقة ذكية نظرة عينيها دافئة حانية........لهم حق

ان يحزنوا لفراقها.....فمن يراها للمرة الاولى يقع

في حبها ماذا عنهما عاشوا معها تحت سقف واحد كأسرة واحدة مترابطه لسنوات طويلة وفجأه

اخذها الموت منهم........

وضعت الصورة جانباً ونظرة لصورة اخرى كانت لسليم بسترة التخرج.... كان أصغر أجمل أكثر

برائة من الآن..... وبدون لحية........

ضحكت كيان وهي وتضع يدها على فمها ثم وضعت

البرواز مكانه ونظرت للصورة الأخرى كانت تجمعه

مع والديه وهو في عمر المراهقة.....كان شكله مختلف هنا ويبدو انه كأن شقي ومشاغب.. لكنها لم تغفل

عن ابتسامته المتسعة ولمعة عيناه البراقة بالفرح

لمجرد انه بين ذراعي والديه........

كما هو جميل عندما يبتسم.......

اتى صوت مصطفى من خلفها وهو يضع صنية

المشروبات الدافئة......

"في ألبوم صور في درج اليمين خديه وتفرجي

على الصور براحتك......."

وضعت كيان البرواز في مكانه بحرصٍ شديد

ثم استدارت اليه بحرج...

"انا اسفة ياعمو.... بس الصور شدتني......"

جلس مصطفى على الاريكة قائلاً بود...

"وفيها إيه.... انا بتكلم بجد في ألبوم صور عندك خديه واتفرجي عليه.... في صور اكتر من دي...."

هزت كيان راسها وهي تتقدم وتجلس جواره

تاركه مسافة بسيطه بينهما ثم قالت باعجاب

وهي تنظر نحو الصور........

"لا ملوش لزوم..... بس طنط هالة جميلة اوي..

وواضح كمان ان سليم كان متعلق بيها أوي...."

لانت عينا مصطفى بالحنين...وهو يخبرها

بحزن.......

"فوق ما تتصوري........هالة كانت عند سليم

الدنيا ومافيها.....وهي كمان كانت بتحبه أوي...

لدرجة اني كنت بغير منه ساعات......أصلي

مكنتش أحب حد يشاركني فيها..... وكنت رافض الخلفة عشان متتشغلش عني بالولد اللي هتجيبه.... "

اتسعت عينا كيان بدهشة وهي

تضحك باستمتاع....

"لدرجادي كنت بتحبها......"

اخرج مصطفى تنهيدة حارة مليئة بالحب

والعواطف الخاصة بحبيبته هالة... وحكى اليها

بمنتهى الاريحية المطلقة.......

"كانت حب عمري هالة كانت أول ست أحبها....حبتها

من وهي في المدرسة...كانت في ثانوية اخوها كان صاحبي.......كنت خايف أقولها بحبك كنت أكبر منها

بخمس سنين......ويوم ماتخرجت اتشجعت وروحت قولتلها اني بحبك.....راحت ضربتني بالقلم وجريت

على بيتها وهي بتعيط....واخوها في نفس اليوم جه

كسر عضمي......"

ارتفع حاجب كيان بصدمة..... "إيه ده... لدرجادي....."

قال مصطفى بمزاح......

"واضح ان كلمة بحبك عندهم شتيمة....."

ضحكت كيان بقوة ومن شدة الخجل وضعت

يدها على فمها فشاركها مصطفى الضحك......

ثم أضاف بعد برهة من الصمت.....

"بس بعد كده فهمته اني عايز اخطبها وأول

ماشتغل وجيب الشقة هتجوزها...وفعلاً كنت قد الوعد وبعد الخطوبة بسنة اتجوزتها......وعشنا

في الشقة دي.....هي مكنتش كده...هي كانت

بسيطه وهي اللي حلتها وادتها قيمتها......وبعد

كام سنة جه سليم......ونور حياتنا.....وقوى علاقتنا

اكتر من الأول...... "

لانت ملامح كيان بتأثر وتمتمت

بحرج.....

"تعيش وتفتكر ياعمو.....ربنا يرحمها......."

مسح مصطفى طرف عيناه سريعاً ثم نظر

إليها وارتسمت علامات الجدية على ملامحه

قائلاً........

"المهم انتي قعدتي تدحلبيني بالكلام...وانا لحد دلوقتي مسألتكيش....."

عبست كيان بتساؤل...... "على اي ياعمو........"

رفع حاجب وانزل الآخر قائلاً بجدية مبالغ

بها...

"دي عنيكي ولا عدسات......"

ابتسمت كيان واطرقت برأسها بخجل.....

"لا عنيا والله......"

هو أيضاً أبتسم مشيراً برفق....

"طب يلا اشربي الهوت شوكلت ده

لحسان يبرد..."

مسكت كيان الكوب وارتشفت منه القليل

فسألها مصطفى بهدوء......

"قوليلي ياكيان اي اخبار شغلك مع سليم

مرتاحة معاه....."

من أعلى حافة الكوب نظرة إليه بتردد...ثم انزلت الكوب وقالت عابسة.....

"بما انك كنت صريح معايا انا كمان مش هكدب عليك.....بصراحة ابنك مطلع عيني في الشغل..

ولكانه مستعبدني....."

اندهش مصطفى قائلاً....

"ياساتر ؟!!...سليم ابني يعمل كده......"

وضعت الكوب على الطاولة ثم قالت مستهجنة...

"وأكتر.....هنروح بعيد ليه أهوه النهاردة اجازتي وانا أصلاً معروف يوم اجازتي بنام لحد العصر..صحاني الساعة تسعة قال إيه روحي هاتي المكتب وهاتيلي الملف اللي نسيتوا فيه.......طب ياستاذ ما تروح انت

" انتي اقرب ياكيان....هاتي بس وهستناكي تحت العمارة هاخده منك.......واديني انا اللي قعده

في شقته مستنياه........"

تدخل صوتٍ رجولي في الحديث قائلاً

بجزع......

"ماشاءالله بتشتكي مني للمستشار كمان...."

رفعت كيان عينيها على باب الصالون المفتوح لتجد سليم امامها بكامل اناقته المعتادة يرتدي قميص أسود وبنطال يماثلة كانا في غاية الروعة عليه

برزا جسده الرياضي الصلب....وقامة طول

الجذابة.....مع هذا الشعر الأسود الغزير ولحيته

المنمقة......

تذكرت صورته بسترة التخرج ووجهه بدون لحية...

فكبحت ضحكتها بسعال وهي تنهض عن الاريكة

متهربة من نظراته المتربصة لها عن أقل حركة

تصدر منها لآن !!...

لم يتحرك والده من مكانه بل قال موبخاً وهو

ينظر إليه......

"كويس انك جيت إيه اللي بتعملوا في البنت ده ياولد....مش عيب تخرجها من بيتها بالشكل ده

كنت هتغلب يعني لو كنت روحت جبت ملفك

بالعربية بدل ما تبهدله بالشكل ده......"

رد على والده بصوتٍ بارد يبعث في الاوصال

رجفة مرهقة......

"بابا لو سمحت.......متدخلش في شغلي..وبعدين الانسة كيان بتقوم بشغلها......"

ثم عاد لعينيها عندما نظرة اليه فقال

بتهكم....

"وبعدين مضايقه ليه أوي كده اني صحيتك بدري..

دا انا حتى بساعدك تلحقي معادك مع نائل...."

بملامح مشدوهة تمتمت كيان وهي تنظر اليه

بعدم فهم...... "نائل ؟!....."

تحدث سليم بتملك واضح والغيرة تشع من عيناه القاتمة......

"مش المفروض انك خارجة مع صحابك النهاردة

وفي الكومنات نائل قال انه هيكون موجود

معاكم...."

نظر له مصطفى بصدمة....وهو لا يفهم شيءٍ..هل

مايراه في عينا ابنه حقيقي !....ام انه يتوهم !...

لم تستوعب بعد ماذا يريد لذا سألت ببلاها..

"إيه........ مش فاهمه......."

مد سليم يده بملل وبملامح حجرية قال....

"متغيريش الموضوع هاتي الملف..... خليني

أشتغل عليه وقدم المذكرة......."

اخرجت كيان الملف واعطاته له.....فوزع مصطفى النظرات عليهما يشك......ثم نهض قائلاً......

"انا هروح احضرلكم الفطار......."

رفضت كيان سريعاً وهي تحمل حقيبتها على

كتفها.....

"لا لا ياعمو..... انا لازم امشي...... انا اتأخرت...."

اصر مصطفى قائلاً.....

"لا يابنتي.... لازم تفطري معانا....."

قال سليم بفظاظة....

"سيبها يابابا.......وراها معاد مهم......"

بلعت كيان الغصة المختنقة في حلقها....وهي تؤكد

على حديثه..... "ايوا ياعمو....... انا فعلاً هتأخر......"

هز مصطفى راسه بتفهم ثم أشار لابنه بأمر....

"طب وصلها بعربيتك ياسليم....."

قالت كيان بعفوية وهي تسير لخارج

غرفة الصالون.......

"لا ياعمو... مفيش داعي..... عزيزة تحت...."

سألها مصطفى بتعجب....

"مين عزيزة.... دي أختك......"

صدر من سليم ضحكة خافته جعلتها تتوقف وهي تنظر اليه بحنق شديد....ثم نظرة الى والده

موضحة....

"لا دي العجلة بتاعتي......"ثم زمت شفتيها

الشهيتين بتزمر نحوه.....

" على فكرة مفهاش حاجة تضحك....."

ابتسم مصطفى وهو يرمق ابنه بعتاب....

"سيبك منه ياكيان.. هو لما بيحب حد... بيحب

يكون محور اهتمامه مش العكس......."

نظر سليم لوالده بعدم فهم....ليجد والده يودع

كيان قائلاً برفق.....

"شرفتينا ياكيان ولو اني كان نفسي تفطري معايا

وتقوليلي رايك في اكلي......"

بادلته السلام باليد وهي تتحول الى تويتي

الطيف قائلة برقة......

"تسلم إيدك باين من الهوت شوكلت انك استاذ في الطبخ مش بس في القانون.......سعيدة اني اتعرفت على حضرتك ياعمو......"

ربت مصطفى بكفه الحر على يدها

قائلاً بمحبة...

"وانا اكتر ياحبيبة عموو......"

تجازوت سليم متجاهلة وداعه فقال امراً

وهو يلحق بها.....

"استني هوصلك....."

وقفت عند باب الشقة

قائلة....

"مش هينفع عزيزة تحت....."

تافف بملل قائلاً... "هوصلك لحد تحت..... يلا......"

تابع مصطفى خروجهما من باب الشقة امام

عيناه....فتمتم بحيرة بعد اغلاق الباب.....

"اي اللي بتعملوا دا ياسليم........ الإتنين !!...."

وقفا امام المصعد منتظرين وصوله فحانت من سليم

نظرة شاملة عليها.....بشعرها المموج الطليق والذي تتركه هكذا أحياناً حينما تكون في مزاج سيء

غير قابل لمسك مكوة الشعر.......

ثم انحدرت عيناه على الكنزة الصيفية البيضاء المطبع عليها قلوب حمراء صغيرة.....ثم للبنطال الجينز بساقيه الواسعة........ثم للحذاء الأبيض الرياضي....

كم هي جميلة دون تكاليف زائدة....رائعة بأقل

شيءٍ......بساطتها تكمن في الانجذاب نحوها

هل ستقابل نائل بكامل اناقتها....حتماً ستبدأ

الاستعداد لهذه المقابلة.....بأفضل شيءٍ لديها..

ان كانت هكذآ وجميلة تسحر العين....كيف ان

تأنقت ماذا  سيحدث لقلب نائل.......وقلب كل

من تمر عليه هذه الجنية الصغيرة الشقية....

فيروزية العينين.....جميلة القوام.....

فتح باب المصعد فدلفت كيان للداخل قائلة

بامتناع.....

"ملوش لازمة توصلني لحد تحت...انا عارفة

السكة....."

تجاهل حديثها واستقل المصعد جوارها ثم اتكأ على

الزر فأغلق المصعد ابوابه.......

فظلت كيان واقفة مكانها بتحفظ تنظر للائحة

الأرقام المضيئة أمامها....وهو فعل المثل جوارها

لكن عيناه كانت تراقبها بين الحين والاخر في الخفاء....

حتى بدأ المصعد يهتز قليلاً والانوار تنطفئ

وتنير.......

فأتسعت عينا كيان بزعر وارتجف جسده بهلع

وهي تمسك ذراعه بتلقائية قائلة بتلعثم

من شدة الخوف.....

"ا...استاذ سليم.....الاسانسير هيقع......الاسانسير..."

مسك سليم يداها الاثنين بين كفيه واتكأ عليهم

قائلاً برفق وهو يطمئنها بثبات يحسد عليه....

"اهدي ياكيان هو ساعات بيعمل كده...وبيرجع يشتغل تاني عادي....أهدي......."

جف حلقها وهي تقول بقلبٍ مرتجف.....

"انا خايفه.....انا عندي فوبية أصلاً من الاماكن

المغلقة.......هو احنا هنموت....هو النور بيعمل

كدا ليه.....هو.....هو ملبوس......."نظرت للأعلى

بهلع....

فقال سليم بنفي...ومزال يمسك يداها بقوة...

"لا مش ملبوس.....أهدي....اقولك غمضي عينك...."

اهتزت حدقتيها وتمتمت بخوف....

"أغمض عيني ليه هو بيقع بجد......"

بث سليم الطمأنينة لقلبها الضعيف بصوتٍ

حاني........

"شوية وهيرجع يشتغل تاني....غمضي عينك لو خايفه........ومتقلقيش انا جمبك......"

اومات كيان برأسها وهي تغمض عينيها بقوة

شاعرة بالدوار والاختناق في لحظة

واحده.......

"متسبنيش ها.........انا خايفه......."

هي من اتكأت على يداه تلك المرة باجتياح....فهز

رأسه قائلاً برفق.....

"أهدي.......اهدي ياكيان انا جمبك......"

مع لمسة يداها شعر بشيءٍ غريب حلو.... وخَطِر...

شعور لم يختبرهُ مع ايتن......مالى في لحظة خاطفة عليها وفي سهوة اللحظة لامس انفه شعرها البندقي

المموج....... والعبق به كان مميز......مما جعله يغمض عيناه مستشعر بهذه الذة الحلوة... الخطِرة..... الفريدة

من نوعها.........

هدئ المصعد وانفتح بعد الوصول للطابق الارضي

فأبتعد سليم عنها.....وترك يداها قائلاً بعينين

ذأبه......"وصلنا ياكيان....."

فتحت كيان عينيها ونظرت لباب المصعد المفتوح

فخرجت منه بخطوات شبه متعثرة وهي تضع

يدها على رأسها...

فمسك سليم ذراعها قائلاً بقلق.....

"انتي كويسة......"

نزعت كيان ذراعها برفق قائلة بامتنان.....

"الحمدلله.... دوخه بسيطه من هزت الاسانسير....."

نظرت للمصعد بعد خروجها بزمجرة....

"لازم تعملولوا صيانة.... دا ممكن حد يموت

جواه......"

رافقها سليم للخارج وهو يعقب

باستخفاف...

"انتي اللي قلبك ضعيف....."

نظرت اليه بذهول.....

"يسلام يعني انت مخفتش......"

أومأ برأسه وهو يسير معها واضع يده بجيب

بنطالة....فقالت مستهجنة......

"ااه واضح انك واخد على كده....الحمدلله اني مش سكنه هنا كان زماني مدفونه من زمان......"

لم يرد بل ابتسم....ثم وصلا معاً للدراجة

الهوائيّة الخاصة بها...

فنظر سليم للدراجة بعدم استحسان.....

"متاكده انك هتعرفي تروحي بالعجلة دي... انتي

بتقولي انك دايخة....."

استقلت الدراجة ببساطة ووضعت قدميها على الدواسات قائلة.......

"لا الدوخة راحت الحمدلله..... انا بقيت احسن...

شكراً ياستاذ......."ثم حركت الدواسات بحركة

دائرية وبدأت الدراجة بالتحرك في الاتجاه

المعاكس له......

فظلت عيناه تلاحقها حتى اختفت عن مرمى ابصاره.......

.......................................................................

شعور غريب ملازم لها بعد عودتها....لساعات طويلة

تحاول الهروب من هذا الشعور المتموج بين ثنايا قلبها.....

هل تخضع للمراقبة والتجسس المستمر من قِبل

رجل مرتبط وعلى وشك الزواج بأخرى...وهو في الأساس استاذها.....ولماذا يضعها تحت المراقبة.....ويتابع تحركات حياتها الشخصية...

بكل هذه الدقة.......

لا تفهم شيئاً.....وقد بدأت بعضٍ من المشاعر الخائنة

تستوطن قلبها وتنتهك عذرية مشاعرها

الخاصة......

لمست يداه القوية على يداها.... كيف سمحت له بمسك يداها بهذا الشكل... ليست من النوع المحب للتقارب بالجنس الآخر....لطالما كرهتهم لانهم أشباه عثمان الدسوقي !!.....

يكرهون الحب.....يكرهون النساء........

المرأة بنسبة للرجال أداة متعة......آلة لأنجاز

المهام المتراكمة عليهم.......وكيس ملاكمة

عند الغضب !!......

لم تشعر بالأمان أبداً نحوهم......باستثناء اخيها

فهو كان يشكل السند والحماية لها منذ الصغر

هو أفضل من رأت من جنس آدم....ربما لانه

اخيها...

لا تعرف لكن تلك المشاعر المذبذبة تُخيفها من

نفسها......تتمنى ان لا يكون صحيح ما تشعر

به وما تراه بعيناه وتكذبة متغاضية عنه

بغباء.....

فإن كان صحيح هنيئاً لها بالعذاب....فهي لن

تأخذ دور امها مكسورة الجناح......ستصل لرتبة

الأعلى.....التي يوماً ما كانت تستحقرها !!....

"انتي هتفضلي سرحانه كده كتير...في اي ياكيان بقلنا ساعة بنكلمك....."

فاقت من شرودها على صوت صديقتها فنظرة

اليها بانتباه....."بتقولي حاجة يا يارا........"

تاففت صديقتها بملل وهي توزع نظراتها عليها

هي ونائل المشارك الجالسة والذي عيناه كانت

معلقة على كيان من بداية دخولها النادي.....

قالت يارا بمزاح ثقيل.....

"بقول صباح الخير بليل.......اي يابنتي روحتي فين

احنا خارجين نفك شويه ونفرفش...ونفصل من مود

الشغل الكئيب........ولا اي يا روميو.....ماتقول حاجة لچوليت.... "نظرة لنائل بغمزة ماكرة....

فلاحظت كيان سريعاً لذا علقت

منزعجة....

"يارا بلاش الهزار السخيف ده لحسان أقوم امشي....."

وضعت يارا يدها على فمها وهي تكبح

ضحكات عابثة......

"خلاص خلاص سكت... انتي لسه بتقفشي....."

أخذ نائل دفة الحديث قائلاً بملاطفة....

"لو ماقفشتش متبقاش كوكي....."ثم

نظر لكيان قائلاً بالباقة.....

"انا هروح اجبلك آيس كريم.....بالمانجا زي مابتحبيه......."

"وانا يانائل باللمون...."قالتها يارا وهي تلكز

صديقتها بهمسٍ....

"طب والله بيحبك حني عليه بقا....."

تاففت كيان بملل وهي تخبرها

بوجوم....

"يارا....خلصنا....انا لا عايزة أحب ولا اتجوز...انا هفضل كده سنجل...."

هتفت يارا بصدمة تليها حسرة......

"سنجل !!.....حد يلاقي واحد دايب فيه دوب كده ويسيبوا....ونبي انتي خايبة......ومعقدة... "

اومات كيان بوجوم....وهي تمسك هاتفها وتعبث

به......

"عندك حق انا معقدة...وعشان انا معقدة عايزة افضل سنجل كده عشان متعبهوش هو او غيره....."

ثم قالت وهي ترفع الهاتف أمامها.....

"انا هنزل صورة على الاستوري......."ثم سألت

صديقتها وهي تحاول ان تتخذ وضعية

جديدة اكثر تلقائية ولطافة.......

"شكلي حلو......"

قالت يارا باستفزاز..... "قمر ياچوليت......"

"رخمة......"قالتها كيان وهي تخرج لسانها بشكلاً

طفولي نال اعجاب يارا فاقترحت ضاحكة.....

"نزلي الاستوري وانتي مطلعه لسانك أحلى...."

اعجبتها الفكرة فنفذت قائلة...

"طب والله لعمل كده......"

بعد ان التقاط الصورة رفعتها على الاستوري الخاص بالفيس.....ولم تمر الثواني إلا ودخلت عليها لتجد

سليم الجندي أول من رأها....وهذا كان أمراً نادراً

بنسبة لها.......فتمتمت ذاهلة.......

"اي ده....."

سألتها يارا بفضول....... "في إيه....."

هزت كيان رأسها وهي تبتلع ريقها

بتوتر..... "لا...... ولا حاجة......."

......................................................................

لم تصدق ما تراه عينيها...... لم تتوقع أبداً هذا العدد

الهائل الموجود بقلب صالة المطعم... يعج المكان بكثير من الزبائن الذين اتوا لحضور إفتتاح المطعم

ولان الخصم اليوم كان خمسون بالمئة على جميع الوجبات المسجلة في المنيو اتى الجميع للاستفادة من هذا العرض...

وتفاجأ الكثير من مذاق المأكولات الشهية......واتفق الأغلبية على الحضور الى هنا... من لذة الطعام

والطعم المميز.... ونظافة المكان.......والطباخة

الجميلة التي تتجلى منها ابتسامة تشرق

اليوم سرور وهناء........

كانت تعمل بكل جهد في المطبخ... وقد استعانت ببعض الفتيات للعمل معها..... فهم لا يختلفون

عن خلود في المطبخ.... فكانوا طاهيات

ممتازات.....ومنجزات في العمل.... لذا

ساعدوا كثيراً في تلبيت طلبات الزبائن في

وقتٍ قياسي..........

اتتها طلبات كثيرة في هذا اليوم....فقد أعلنت عبر الإنترنت عن الافتتاح والخصومات الرائعة...وتهاتف

الكثير عليها.... لدرجة ان الهاتف لم يتوقف دقيقة واحده عن الإتصال..... باستثناء الرسائل عبر

الإنترنت.....

ساعدها حمزة كثيراً في توصيل الطلبات بسيارته ومن جانب آخر كان يوصل بشير كذلك... حتى كيان

لم تتركها ساعدت في طهي وسارت حسب تعليمات أختها..... لم تصدق ان تبدأ العمل والتجهيزات فجراً حتى قرب السادسة مساءاً....... واقفة على قدميها

لم تجلس أبداً.........

تشعر ان قدماها متورمة من شدة التعب.... والصداع

يتفاقم برأسها من شدة الضجيج ومن كثرة ارتداء السماعة الطبية لساعات طويلة.....

بدأت الأجواء تهدأ قليلاً رغم ان المطعم مزال يعج بالزبائن لكنهم بدأ يسيرون مع الموكب أخيراً...دون

ركضٍ.......

زفرة شهد بتعب وهي تمسح حبات العرق عن جبينها

ناظرة نحو كيان التي تسوي الدجاج في الفرن....

"كيان انا هروح اغسل وشي.... شوية ورجعه...."

القت كيان عليها نظرة مشفقة وهي تقول

بحنان.......

"ارتاحي شوية ياشهد..... انتي منمتيش من إمبارح بليل واقفه على رجلك......ارتاحي وانا مع البنات ولو في اي حاجة هنادي عليكي......"

رفضت شهد بتزمت قائلة.....

"ارتاح اي بس ياكيان مينفعش النهاردة مفيش راحة....لازم اخلص واطلع حاجة كويسة لزبون...دي فرصتي عشان اعمل زبون للمكان......انا بقالي اكتر من اسبوعين بهش دبان....... "

انهت حديثها واتجهت الى الحمام الخاص بهم

بعيداً ومستقل عن صالة المطعم والضجيج....

مرت خمسة أيام على آخر يوم رأته فيه.... لم يتردد

على المطعم مرة أخرى....... ظلت تنتظرة كل يوم

في العاشرة صباحا لكنه لا يأتي...... تشعر بأنها

تفتقد شيءٍ في هذه الساعة تحديداً... وعندما لا تحصل على غايتها.... تغضب وتنهر نفسها... وتصب

بغضها عليه دون ان يدري ؟!.....

وكل هذا في الخفاء....فخارجياً هي في أوج

هدوءها وثباتها دون رؤياه !..........

ماذا يحدث لها.....لماذا تتولد هذه الرغبة الغريبة في رؤية مؤجرها الغليظ؟....وهي التي كانت من فترة قصيرة تبغض هذه الزيارات المتكررة...والمقيدة

لحريتها في العمل ؟!.....

ربما لأنها تريد الإعتذار منه....اي انها اكتشفت انها

أخطأت في حقه...وقللت من شأنه امام خلود.....

وهو لا يستحق كل هذا....فقد ساعدها من باب

الشهامة ليس إلا........

تريد الاعتذار بشدة..... ورغبة مجنونة تلاحقها منذ البارحة ليلاً بأن تذهب إليه وتعتذر... وتوضح له

سبب انفعالها المبالغ.....

بلعت ريقها وتخلصت من السماعة ووضعتها جانباً...

ثم فتحت صنبور المياة وبدأت تلطم وجهها بالماء

بقوة كي تفيق للعمل وساعات المتبقية به...وكي تمحى أيضاً قطرات الماء البارد وجع رأسها ولو قليل........

تعبت.......ومزالت الحياة تستنزف كل طاقة داخلها

في سبيل النجاة بعيداً عن براثن عثمان الدسوقي

جففت وجهها بالمنديل الورقي....ثم وضعت السماعة

مجدداً بحرص........

خرجت من الحمام متجهة الى صالة المطعم حيثُ الزبائن فاوقفتها خلود وهي تمسك يدها وتتنحى

بها جانباً.....

"شهد.........ياشهد......."

نظرت لها شهد بتعجب... "اي ياخلود في حاجة......"

ابتسمت خلود وهي تشير للمرأة التي وصلوا

إليها......

"ستهم جايه تباركلك......ست أحلام.....صاحبة المكتبة اللي جمبك ......"

تأملت شهد المرأة فكانت أمرأه ترتدي عباءة سوداء وغطاء رأس يماثلها يبدوا انها في  الاربعون من عمرها ملامحها عادية لكنها تشع قوة وكبرياء

...وعينيها خبيرتين قويتين.......وكانها تعرف كل شيء دون حديث ؟!....

ابتسمت شهد مرحبة بها وهي تمد لها

يدها....

"آآه خدت بالي منها...فيه كام رواية شدتني...شكلي

هبقا اجي ازورك قريب....."

بادلتها أحلام سلام يدها وهي تخبرها بابتسامة

رزينة.......

"تنوري ياقلبي.......انا حبيت أتعرف عليكي بعد كلام خلود عنك......اصل انا احب الست الجدعة اللي تفوت

في الحديد وهو سُخن ومتقولش آآي......"

قالت خلود معتذرة.....

"طب هسبكم انا تكملوا كلامكم....واروح اشوف البنات في المطبخ......"

عندما ابتعدت خلود قالت شهد بحيادية.....

"مش لدرجادي.....الشغل مش للرجالة بس.....احنا

كمان يحقلنا نشتغل... ونعتمد على نفسنا..... "

اكدت احلام بمزاح مُر.......

"عندك حق..... دانا بعتمد على نفسي من وانا قد كده........"

رحبت بها شهد مجدداً بلباقة......

"ربنا يقويكي....طب اتفضلي اشربي حاجة....او اجبلك حاجة تكليها... دوقي اكلنا ان شآء الله

يعجبك....."

رفضت أحلام قائلة وهي تعدل غطاء

رأسها.....

"بكرة ناكل ياست شهد هنروح من بعض فين....يلا افوتك بعافية...." ثم مالت قليلاً عليها هامسة

بنبرة مبهمة........

"بقولك صحيح..... خدي بالك من نفسك......"

قالت شهد سريعاً..... "قصدك مين..... مرعي ......"

هزت أحلام رأسها وقالت بخفوت....

"ياريت هنقول مقدور عليه هيسكت بقرشين....

انا قصدي على اللي هتنفسيهم قريب في اكل عيشهم......... فتك بعافية.... "

لحقت بها شهد خطوتين ونادتها....

"استني يامدام أحلام......."

استدارت احلام لها قائلة بجدية وصدق....

"انا معرفش حاجة.... لكن دي نصيحة جدعانه مني

ليكي لاني على قديمو هنا... وعارفة شارع الصاوي على إيه........."

عندما ذهبت أحلام....تاففت شهد بصوتٍ

عالٍ وتمتمت.......

"هو انا لحقت أتنفس......وبعدين الرزق ده بتاع ربنا..... " اغمضت عينيها بقوة وهي ترفع رأسها

للأعلى وغمغمت........

"يارب هلاقيها من مرعي.... ولا من عاصم..... ولا من

اللي بتقول عليهم دول....... يارب دانا حتى ملحقتش أفرح.......وبعدين بقا...... "

"انتي بتكلمي نفسك ياشهد......"

إدارة شهد وجهها لاختها مجيبة ببساطه...

"شكلي كده....."

اقتربت منها كيان بقلق.....

"ليه.... اي اللي حصل....."

قالت شهد باستياء.....

"تقريباً مش مكتوبلي أفرح ياكيان...."

عانقتها كيان من خصرها ومالت على كتفها

قائلة بمحبة.......

"ليه ياشوشو... دا انتي المفروض تكوني طايرة

من الفرحة مشروعك بدأ يطرح......وبكرة تلعب

معاكي وتفتحي بدل الفرع اتنين وتلاته.....اتفائلي

انتي بس..... "

اخرجت شهد نفساً ثقيلاً على قلبها

وقالت....

"مفيش حاجة سهلة ياكيان بذات في المكان

ده....."

ابتعدت عنها كيان ونظر لعينيها مجدداً بقلق

أكبر....

"اي اللي حصل ياشهد....اتكلمي علطول.... "

لوت شهد شفتيها واجاباتها بقلة

حيلة......

"لو عارفه هقولك انا ذات نفسي مش فاهمه...."

هزت كيان رأسها بجزع......

"لا دا شكل قلة النوم اثرت على مخك.... ارتاحي شوية لحد ما شوف الطواجن اللي في الفرن....."

سالتها شهد بتردد.....

"كيان هو حمزة لسه مجاش....

" لسه......"

لحقت بها شهد قائلة.... "طب انا جايه معاكي......."

عندما دخلت كيان المطبخ وسط الطاهيات الجدد

بدأت بسكب بعض الوصفات في علب

التقديم......فسالتها كيان بحيرة......

"في إيه ياشهد... الأكل ده لمين......."

ردت شهد بهدوء وهي تغلق العلب

بحرص...

"دا...... دا اوردر....."

تساءلت كيان مجدداً......

"واخده بالي.... بس لمين بقا....."

قالت وهي تتحاشى النظر اليها....

"عاصم الصاوي......."

نظر الجميع لها بتعجب من ضمنهن خلود التي ابتسمت في الخفاء بخبث...

"إااايه....."

رفعت شهد عينيها الى أختها وقالت بثبات

وهي تضع العلب في الاكياس على مهل......

"عاصم الصاوي اللي ماجرة منه المطعم طالب

اوردر هوصله ليه....."

قالت خلود بلؤم......

"بنفسك ؟!.....ما حد من البنات يبعته ليه.....او

ينادي حد من صبيانة ياخده منك......"

بلعت شهد ريقها وهي تقول.....

"لا انا هبعته......عشان هتكلم معاه في موضوع مهم......."

سالتها كيان بفضول...... "موضوع إيه......."

"بعدين ياكيان.....شوية وجاية......"ثم نظرة

لخلود قبل ان ترحل قائلة.......

"خلود خدي بالك ها......"

ردت خلود مبتسمة برفق....

"متقلقيش..... كانك موجودة........."

وبعد ان خطت خطوتين تذكرت شيءٍ هام.....

لذا وضعت الاكياس على الرخامة وقالت بعجلة

"شكلي نسيت السماعة في الحمام...."

اتجهت الى الحمام سريعاً واغلقت الباب عليها تختبأ

من العيون المتربصة بها......اخذت نفساً عميقاً طويلاً

مرتجفاً خلف الباب المغلق..... ثم اتجهت الى المرآة المعلقة في الحائط.........وبدأت تمرر يدها على شعرها...وعلى الخصلات القصيرة التي تغطي

جبهتها البيضاء.....

تتأمل عينيها العسلية... قسمات وجهها....شفتيها الوردية.....تكتشف جانباً من جمالها الآن......جانب

اهملت النظر إليه......منذ ان فقدت اذنها

اليمنى !......

مالذي تغير اليوم ؟!  ......

لم تكن تنظر للمرآة هكذا يوماً.....كانت النظرة دوماً

عابرة....وأحياناً مؤلمة....عندما تنفرد بنفسها داخل

الحمام..... وتبكي.........

ابتعدت سريعاً عن المرآة وكان افعى سامة لدغتها

ماذا اصابها لماذا تتصرف كالفتيات المدللات.....

فالتذهب إليه وتعتذر....ثم ترحل....وتريح ضميرها

وينتهي التفكير به.....

...................................................................



6=السادس= ج 3= معلش البارت طويل /

لأول مرة تخطو بقدميها مكان عمله.....محل المصوغات والمجوهرات الباهظة.......

تحركت حدقتاها العسلية على المكان الفخم الانيق

من حولها...... المرصع بالذهب في كل مكان....باشكال

والوان مختلفة......كان للمكان عطر مختلف...غريب

وكأن للثراء رائحة لا يكتشفها إلا المحروم ؟!....

أسبلت اهدابها بحرج عندما سألها أحد العمال

الواقفين خلف الطاولة الزجاجية الممتدة

الفاصلة بينهم وبين الزبائن.......

"اومرك يانسة.....عايزة حاجة معينة اجبهالك....."

خانتها الإبتسامة عنوة عنها فابتسمت.....بعد سؤال الصبي....فهي لا تمتلك في جيبها حتى ثمن جرام واحد من الذهب ؟!....

بللت شفتيها وازدردت ريقها قائلة  بهدوء....

"انا مش جايه أشتري....انا جاية أشوف صاحب المحل.....عاصم الصاوي......."

انعقد حاجبي الصبي في تعجب لكن سريعاً

خرج من مكانه.....قائلاً بترحيب....

"المعلم عاصم الصاوي....هو فوق.......إتفضلي....."

رفعت شهد عينيها على السلم الحديدي الأنيق الموصل للدور الثاني الخاص بمكتب عاصم

وورشة عملة الصغيرة.......

صعدت شهد خلف الصبي تلامس السور الحديدي

الأسود المنقوش بورود باللون الذهبي....المكان

ينطق فخامة وثراء.......وكل شيء مختار

بعناية ومتناسق......حتى المجوهرات فاخرة

لم ترى يوماً في جمالها ولو بالصدفة........

لهذا دوماً يتردد على هذا المكان أناس من مستويات

تنطق ثراء ورقي.....فمن يقدر على ثمن قطعة من هنا تسواي آلاف الجنيهات وأكثر .......

بلعت ريقها عند الوصول اليه في الدور الثاني

كان يجلس خلف مكتبة الخشبي الامع على

مقعده الوثير...

جالسا بمنتهى الراحة يضع امامه ميزان صغير

يوزن قطع من الذهب عليه....ويسجل في

دفتره........

عندما أنتبه لهما رفع عيناه عليها...ورغم ذلك لم تتحرك عضلة في ملامحه الحجرية بل عيناه

اندهشتا قليلاً ثم عادتا لطبيعتهما القاسية...

ظلت واقفه مكانها وبين يدها كيس الطعام الذي التقطُ بعيناه الحادة اثناء نظراته القوية المقيمة

لها من أول رأسها حتى اخمص قدميها في بضع

ثواني.........

كانت ترتدي تنورة طويلة كحلية اللون ضيقه

قليلاً واعلاها كنزة صيفيه باكمام طويلة من

اللون الهافان......تربط شعرها الاسود الناعم

بربطة أنيقة للخلف.....وتخفي جبهتها كالعادة

بخصلاتها الناعمة القصيرة..........

داهم انفه رائحة عطرها المسكر......فتضخم صدره بمشاعر مبهمة....وذابت عيناه...وخفق قلبه.......

ومجدداً عيناها العسلية سلبتا عقله !....

تسمرا الإثنين معاً وتعانقت العيون بألق

مستجد......

حتى قطع الصمت  والنظرات الصبي الذي

وجه الحديث الى عاصم.......

"الانسة طلبت تشوفك يامعلم  عاصم...وانا طلعتها......"

"انزل على شغلك........"قالها عاصم وهي يدير وجهه الى الخزنة ليضع قطع الذهب بها ويغلقها.....ثم

اغلق الدفتر ووضعه جانباً..... والقى الميزان في الدرج.....

مشيراً بعدها إليها بان تقترب وهو ينهض

ويشرف عليها بقامة طولة المربكة.... والهيبة

التي تتجلى منه بالفطرة فتتعب اعصابها

المشدودة الان في حضوره.....

لهُ هيبة تتعب....... ونظرة كصقر تشقي......وصوت

يرتجف معهُ قلبها..........

"نورتي المكان......."قالها وعيناه القوية تنهال من مرآى عينيها.......وكأنه أشتاق ؟!.......

مجدداً ازدردت ريقها وبدون تراجع تقدمت لعند مكتبه ووقفت...فمد يده لها وعيناه تأسرها بقوة.....بدت أمامه كأرنب مزعور.......يبدو انها

ندمت بعد فوات الأوان......

أنتظر لحظات اكثر من المعتاد حتى شك....انها لن تسلم عليه.....لكنها فعلت بيد ترتجف......

اختفت يدها الصغير في كفه الكبير.....

وعند الملامسة شعر عاصم برجفة جميلة تسري

على بشرة يده......لأول مرة يسلم على أمرأه

فترتجف بين يده بخجل أعجبه....

اتضح خجلها اكثر عندما سارت الحمرة لوجنتيها حتى أصبحت كالطماطم الناضجة..ومن شدة الارتباك قد سحبت يدها سريعاً من بين كفه الكبير ومسحتها في يدها الأخرى !!........

لم يعقب رغم تعجبه من حركتها بل ايضاً لانت

شفتيه الصلبة قليلاً وهو يشير لها بالجلوس

قائلاً......

"اقعدي ياشهد.........وقفه ليه......."

جلست وهي مطرقة براسها قليلاً....عابسة بشدة.....

رفع حاجباه قليلاً وهو يرمقها باستفهام....وحتى

يقطع الصمت سألها بلؤم......

"في حاجة عجباكي في المحل...تحبي تشتريها..."

هل يسخر منها ؟!......

رفعت راسها وزاد العبوس....فازداد تأمله حتى اربكها

فهربت من عيناه قائلة بفتور......

"صعب.......صعب اشتري من هنا......"

ارتفع حاجباه...... ثم سالها حائراً.......

"ليه.... البضاعة اللي في المحل مش عجباكي......"

عضت على شفتيها لثانيتين فقط مرتبة الحديث

في رأسها ثم تركتها وقالت بصعوبة .........

"بالعكس......كل حاجة جميلة....ربنا يزيدك.....بس

انا مش جايه عشان كده......"

نظرت اليه فوجدته ينظر اليها بصمت

ودون تعبير سألها.......

"امال جاية عشان إيه....."

رمشت عدت مرات ثم عادت لعيناه المتراقبة

وقالت......

"جاية اعتذر........يعني انا اسفة على اللي

حصل.....في اخر مرة.....انا كانت اعصابي

تعبانه وللأسف مقدرتش اسيطر على

نفسي وتعصبت عليك......."

سالها سؤال محدد وعيناه تلاحقها بتوهج

مستجد.... "وليه كانت اعصابك تعبانه......"

رفعت وجهها مشدوهة........ "نعم........"

لم تجد منه إلا صمت ونظرات تحاول اختراق خصوصيتها.......فقالت هاربة من عيناه........

"ضغط في الشغل........."

لم تجد أيضاً رداً فقالت بتلعثم.......

"النهاردة الافتتاح.......و........"

قاطعها بـ...... "مبروك........."

اومات براسها بحرج...... "الله يبارك فيك......."

ثم سالته بعسليتاها الصافية........

"لسه زعلان........"

أذأبت قلبه بعينيها......فرد بخشونة.....

"حصل خير.........اي اللي انت جيباه ده....."

نظر للاكياس الموضوعه على المكتب والتي

تفوح منها رائحة الطعام الشهي......سمفونية

البهارات الخاصة بها تتلاعب الان بأنفه تغريه

كما تغريه صاحبة العيون العسلية بنقاءها

الفطري......... ورجفتها العذراء......

ردت شهد سريعاً بصوتها الموسيقي.....

"دا.....دا اكل من المطعم عملاه بأيدي...وحبيت ادوقك.......يمكن تغير فكرتك عن المطاعم وتبقى زبونا......."

عندما ابتسمت اليه بادلها البسمة بمشاكسة

وعلق......... "رشوة يعني......"

اتسعت ابتسامتها الحلوة...... فظهر صفاء اسنانها البيضاء وهي تجيب......"سميها عربون محبة......."

بمناغشة سألها......

"على ضمنتك........ولا هبات في المستشفى النهاردة........"

ارتسمت الصدمة على محياها فضحكة بعدم

تصديق وقالت....

"بعد الشر.......متقلقش....انا براعي ضميري اوي

في شغلي........وكل حاجة معموله بنضافة وبما

يرضي الله......."

اوما عاصم وهو ينهال من جمال

عينيها البراقة.....

"تمام........يبقا تاكلي معايا......."

ضمت حاجباها معاً بدهشة...... "اكل معاك......"

اكتفى بهز رأسه....فقالت شهد بامتناع......

"يعني......المطعم وكده.....وانا لازم أمشي......."

قال عاصم بغلاظة......

"مانتي هتاكلي معايا....عشان لو في اي حاجة نبقا في الهوا سوا....ولا إيه......."

برمت شهد شفتيها بعد جملته وقالت.....

"تعرف اني مش بحب الناس الموسوسه......"

رد عليها بجدية فظة....... "بكرة تحبيهم........"

فغرت شفتيها بتعجب...... "هااا......"

تافف بانزعاج مهدداً اياها........

"هتاكلي ولا تاخدي الكياس زي ما جبتيها....."

لاح الذهول في عينيها فقالت بعدم

تصديق......

"اي ده..........انا حسى انك بتهددني......"

رد عاصم بتبجح.......

"وليه الاحساس.....انا فعلاً بهددك.....عايزني

اكون زبونك بساهل كده..."

نهضت من مكانها بعنفوان والاستياء يطل من عسليتاها الجميلة.........

"واضح انك هتكون زبون صعب اوي وهتتعبنا

معاك.......بس ماشي انا هاكل من الأكل عشان

اثبتلك انُ مفهوش اي حاجة......"

"ممكن تفضي المكان ده.......وتساعدني....."قالتها

وهي تنظر للاشياء الموجوده على سطح المكتب....

فنهض عاصم عن مقعده كذلك....وساعد في إفصاح

مكاناً لطعامها.....فبدات بمنتهى الهمه والنشاط باخراج علب الطعام ورصها امامهما....

ففاحت رائحة الأكل في المكان......وكانت شهية لدرجة سالت لعابة.....وشعر بالجوع بعد رؤية

الطعام.........

قالت شهد مبتسمة.....

"يلا....اتفضل دوق.....وبلاش تجملني اتفقنا......"

ثم غمغمت بسخرية.....

( مع اني عارفه ان اللي زيك...صعب يجملوا.....)

سألها عاصم وهو يعود لمقعده جالساً

"بتقولي حاجة......"

هزت راسها بحرج...... "لا بالف هنا......."

أشار لها بان تجلس قبل ان يمد يده في اي

شيء......

"طب يلا قعدي........عشان يبقا أول عيش وملح بينا........."

"ان شاءلله ميبقاش الأخير......."قالتها وهي تقصد

شيءٍ معين.......وهو فهم شيءٍ آخر.....لذا ابتسم

وهو يسمي الله ويبدأ بالاكل........

وهي معه...تأكل لكن بحرج...فالاول مرة تشارك

الاكل مع اغراب........

ذأب الطعام في فمه بحلاوة وكانه صنع من الشهد كما سمته.....كان لذيذ شهي.....تتراقص الاطعمة

على لسانه والبهارات تعزف لحناً موحداً....

وبمجرد ان تناول معلقة واحده رغبا في أخذ معلقتين وثلاثة حتى يعرف خباياها...

وكلما اكل يكتشف لحناً اشد جمالاً من سابقة

فيضيع في سمفونية متعددة الاتجاهات....

فلا يعرف خباياها ولا تكتفي معدته بل تطلب

المزيد بنهم......

راقبته شهد من أسفل رموشها......يتناول الطعام بشهية مفتوحة.......ويظهر بوضوح استمتاعه..

وتلذذه من مذاق الأكل........ويبدو انه نال

اعجابه.....أخيراً......

لم تعقب شهد بل بدأت تاكل بصمت او تتظاهر

بذلك وهي تراقبه بسعادة وقد توغل لجسدها

شعور جميل دافئاً.... لأول مرة يستقر و يستوطن قلبها ؟!.....

..................................................................

يرى في عينيها العسلية البراقة حياةٍ كاملة...لكن للحياة خبايا مظلمة لا تُرى بالعين المجردة.....

جميلة هي في كل حالتها فعندما تصمت.....تصمت بكبرياء مشبع بالرقي.......وعندما تتبسم.....تشرق الحياة فجأة دون مقدمات.....وعندما تنظر اليه يذوب القلب دون همسات.....وعند الحديث تتسابق الكلمات على اللسان........ويكن للحديث مذاق كالشهد مابين الاندماج والاستمتاع.......

"تسلم إيدك ياشهد......."

قالها عاصم وهو يرتشف القليل من الماء

بعد ان انهى طعامه واكل اكثر من المعتاد

قالت شهد وهي تغلق العلب الشبه فارغة

وتضعها في الاكياس......ثم سحبت منديلا

معطراً وجففت يدها قائلة.......

"بالف هنا..... الحمدلله انه عجبك...."

رد عاصم مشاكساً.....

"شكلي هكون زبون عندك......"

ادعت السعادة قائلة.... "يامساهل........أخيراً..... "

ضحك وهو يراقبها تضع الاكياس في سلة

المهملات جانباً...ثم عادت اليه وقالت

بحرج....

"انا لازم امشي عشان اتأخرت......."

قال عاصم بلهفة لم يقدر على

اخفاؤها.....

"طب قبل ماتمشي.....سبيلي رقمك......"

سالته مشدوهة النظرات...... "نعم....."

اخبرها عاصم بخشونة جادة.....

"نعم اي ياشهد افرضي حصلي حاجة بليل....استنجد بمين غيرك....مش انتي اللي عملا الاكل ده....."

فغرت شفتاها للحظات ثم عقبت بتبرم.....

"على فكرة انا سياحة وفنادق مش طب......وبعدين

الأكل مفهوش حاجه......انت لسه واكل....."

هز عاصم كتفه ببراءة.....

"اديكي قولتي لسه واكل....يعني الله اعلم كمان ساعة هكون فين........."

ضربت شهد كف باخر متاففة بجزع.....

"لا حول ولا قوة إلا بالله.....حقيقي انا مبحبش اتعامل مع الناس الموسوسه......."

رد عاصم  بصلابة امراً......

"بكرة تتعودي......هاتي الرقم عشان لو حصل حاجة أكلمك......"

قالت بوجوم.....

"مع ان مش هيحصل حاجة باذن الله...بس

ماشي.... "

اخرجت من جيب سترتها ورقة صغيرة.......

"دا الكارت بتاع المطعم...رقمي اهوه

لو حصلك أي حاجة كلمني....."

سألها بتعجب....... "كارت......."

اومات ببساطه...... "ااه كارت......"

سالها بحماقة وهو ياخذه

منها.....

"اي حد بيطلب الرقم بتديلوا الكارت......."

بنفس السلاسة اجابت....

"آه عادي...... مش شغل......"

اوما بوجوم...... "آآه...... شغل........."

قالت شهد مبتسمة...... "طب عن إذنك......."

"استني......"تسمرت مكانها منتظرة لتجده يخرج

مبلغ مالي من جيبه ويقدمه لها بصمت......

فسالته بحيرة......

"اي ده......."

رد عاصم بهدوء..... "تمن الاكل اللي كلته......"

صححت بحنق مكتوم..... "قصدك اللي كلناه......"

بعينين قويتين في النظر وبالهجة جادة

قال.......

"وانتي هتسمي المعلقتين اللي كلتيهم دول أكل...

محدش كل الاكل دا غيري... "

سالته بانزعج أمتزج بالعتاب....

"عشان كده هتدفع......."

رد عاصم وعيناه تسير على ملامحها

بنهم.....

"لو كنا اكلنا سوا....برضو كنت هدفع......"

"ليه....."

رد بجدية...... "عشان دا الصح....."

تاففت شهد وهي تخبره بحزن.....

"انت كده بتشتمني.....انا مش جايه لحد هنا عشان اخد فلوس....وبعدين مفيش حد بيتعزم على الأكل

بيدفع.......مش قولتلك قبل اي حاجة اعتبره عربون محبة...."

لم تتهاون عيناه وهو يخبرها بأمر....

"خدي الفلوس ياشهد....."

"لا....عن إذنك..........اتاخرت عليهم......."اطرقت

براسها ثم ابتعدت بخطوات مستقيمة.....هابطه درجات السلم ثم اختفت عن مرمى عيناه........

فمسك عاصم البطاقة مجدداً ونظر اليها قليلاً.......ثم

بعد لحظات تناول هاتفه وسجل الرقم بأسم كتبته

أصابعه قبل ان يلفظه لسانه....

"ست الحُسن.........."

دهب عطية

(تفاعل ⭐الإستمرارية في التنزيل.....)

(معلومة بسيطة...الموعيد كل سبت تمام لكن لو البارت خلص بدري عن كده بنزله طبعاً مش بتأخر

لكن اساسي احنا كل سبت......الناس اللي شايفه انه قليل وبننسى الأحداث.... مع احترامي ليكم بس دي ظروفي من أيام غمرة وطبعاً ممكن  تستنوا لما الرواية تخلص خالص وتبدأوا تقرأوها كاملة......

دمتم بخير ياحبايبي واتمنى البارت ينال

اعجبكم ❤


تكملة الرواية من هناااااا


تعليقات

التنقل السريع