القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية الحب أولا الفصل الاول والثاني والثالث والرابع بقلم دهب عطيه

 


رواية الحب أولا الفصل الاول والثاني والثالث والرابع بقلم دهب عطيه 




رواية الحب أولا الفصل الاول والثاني والثالث والرابع بقلم دهب عطيه 




1=الاول/ الجزء الاول = ج 1=

في مدينة ساحلية ومنطقة قريبة من البحر تحمل رائحة البحر المالح ونسيمة العطر المنعش.....

وفي قلب منتجع راقي دلفت شابة جميلة من الباب الرئيسي بعد ان سمح لها عمال الأمن بدخول....

خطت خطواتها بثبات يلوح منه الأنوثة والرقة...

بثوبها الهفّاف والذي يتأرجح حول ساقاها بجمالاً

طويل ومحتشم كاخلاقها.....جميل ومرح كروحها

يحمل اللون الأزرق كالبحر رفيق عالمها وونيس

وحدتها دوماً.....

رمشت بعينيها وهي تنظر للشارع على الجهة اليمنى

فالتقطت عينيها العسلية الامعة اسم صاحب الفيلا.......

تبسمت شفتيها الوردية وهي تعكس الاتجاه يميناً

ثم خطت بحذاءها الأبيض بنفس الخطوات

الثابته كعسكري مكلف بمهمة جادة للغاية.......

عندما وصلت للفيلا وقفت امام بابها الحديدي

الكبير وحانت منها نظرة على الاكياس بين يداها والتي تحمل شعار (الشهد...) وأيضاً تفوح منها

رائحة طيبة لاشهى أنواع الطعام والتي تم

اعدادها في المنزل على يد طاهية مبدعة لديها تقنيات عالية في الطبخ وحس مذاقي رائع مما

جعلها تتميز عن غيرها وقد جعلت لاطباقها

روح وطعم مختلف يحبه كل من تذوقه.....

ارجعت خصلة من شعرها الأسود القصير خلف

اذانها ثم انتظرت بعد ان اطرقت على الباب

الحديدي لتجد بعد دقيقتين جهاز الإرسال

الصوتي المعلق على الحائط جوارها يبعث

صوت لامرأة جادة قالت بتساؤل....

"مين برا........"

اقتربت من الجهاز واجابتها بهدوء......

"انا شهد يامدام نيفين الأوردر اللي حضرتك

طلبتيه جاهز معايا........"

ردت المرأة بصوتٍ اهدى قليلاً......

"اوه شهد في معادك مظبوط...... على فكره

ال order المرة اللي فاتت كان هايل عجب كل صحباتي وادتهم رقمك كمان......."

ابتسمت شهد وقالت بامتنان....

"شكراً يامدام..... يارب دايما اكون عند حسن ظنك......."

ردت المرأة مختصرة.....

"أكيد ياشهد....... هبعتلك الشغالة تاخد منك

الحاجة والحساب معاها طبعاً ......."

ابتعدت شهد عن الجهاز باستحياء...... الوقوف خلف الأبواب الكبيرة والانتظار شيء غير مستحب داخلها لكن الكسب ولقمة العيش دافع قوي للقبول بأشياء

كثيرة كانت تراها في السابق مستحيلة.........

الثواني كانت عشر دقائق كاملة ومع ذلك صبرها يفوق الحد فهي تعودت على استعلاء بعض البشر

من تلك الطبقة المخملية........القليل فقط هو من

يكن رحيم بها وبامثالها......

اتى صبي المكوى ووقف جوارها وكان شاب في السابعة عشر يدعى (حمودة...)تعرفه جيداً فهي

تاتي لهنا كثيراً فلديها زبائن في هذا التجمع

الراقي.....

حك الصبي في شعره وهو يحمل الملابس على اليد الاخرى وقال عابثاً.......

"لسه مفتحتش.........."

"لسه مستنيه.......الأكل هيبرد......"قالتها بوجوم وهي ترفع الاكياس قليلاً.....

رفع الصبي حاجبٍ وقال بتهكم......

"خديلك نص ساعة....على ما حد يعبرنا......انا

مرة قعدت ساعة إلا ربع قدام الباب وبعد دا كله معجبهاش كوي الهدوم ورجعتني بيهم فقام

المعلم بتاعي خصملي اليوم كله...واتهمني اني

بتمرقع في السكه..... وان انا اللي كرمشت الهدوم......"

سحبت شهد نفساً طويلاً ثم طيبة خاطره

قائلة......

"معلش ياحمودة هنعمل اي اكل العيش بقا......."

نظر الصبي للاكياس قائلاً بعيون تلمع

بالفضول..

"كلوا محصل بعضو ياشهد.... المهم انتي جيبالها

اي ريحة الأكل حلو اوي......."

إبتسمت شهد وهي تسأله بإبتسامة جميلة...

"ليه جوعت........"

ضحك الصبي وقال وهو يشعر

بالجوع.....

"بصراحة ريحة اكلك تجوع........."

فتح الباب بعد تلك الجملة وخرجت الخادمة معتذرة لشهد عن التأخير ثم أخذت منها أكياس الطعام واعطاتها المال مع اكرامية لا بأس بها.... ثم أخذت

الملابس المكويه أيضاً واعطت الصبي حسابة

واغلقت الباب......

"استنى رايح فين......."

ألتفت الصبي لشهد فوجدها تقترب منه وتقطع المسافة البسيطه بينهما ثم اخرجت من

حقيبتها علبة صغير وقالت برفق وهي

تقدمها له..

"دي وجبه بسيطه كنت جيبهالك معايا وقولت

ادهالك بعد ما وصل الأوردر لمدام نيفين......

وكويس اني شوفتك....... "

ارتسمت الدهشة على وجه الصبي الذي أشار

على نفسه بعدم تصديق وكأنه حصل على

شيءٍ عظيم..... "ليا انا ياشهد......."

"ايوا ليك هجيب لاعز منك يعني.......خد...."

وضعتها في يداه ثم قالت قبل ان تغادر بمرح طفيف...

"المرة الجاية عيزاك تقولي بصراحة الأكل عجبك

ولا لا.........اوعى تجملني.......سلام.. "

لوحت له بيدها ثم ابتعدت بخطواتها المميزة...... فتأملها الصبي عند ابتعادها فكانت جميلة كنسمة معطرة........ كوردة متفتحة..... كمياة صافية.......

بعد ان خرجت من المنتجع اخرجت المبلغ الذي اخدته من الخادمة وبدأت في العد سريعاً قبل

وضعه في الحقيبة....

وأثناء سيرها جوار المطاعم والمحلات الفاخرة سار

خلفها شخصاً عيناه كانت معلقة على الأموال بين يداها.... بينما هي تخطو غافلة عنه وعن مخططه السريع كان هو يتقدم ويقترب أكثر من الازم حتى حانت اللحظة الحاسمة والاسرع من رمشة الجفون

خطف المال من بين يداها في لحظة وركض اللص أمامها كالبرق.......

انصدمت شهد وتجمدت مكانها لثانية..لثانية فقط وعندما راته يركض وسيبتعد عن مرمى ابصارها ركضت خلفه بكل قوتها وهي تصيح باستغاثه

لمن حولها....

في اللحظة التالية وصل اللص لأخر الشارع ركضاً وهي خلفه وعندما اقتربت منه وجدته يستقل

دراجة بخارية خلف شخصاً صائحاً عليه بقوة......

"أطلع يالا......."

سأله الثاني بغباء..... "عملت اي ياحباية........"

صاح اللص بغضب.....

"اطلع ياحمار مش وقته....... بسرعة......."

انطلق بالدراجة البخارية سريعاً امام عينيها المصعوقة بالصدمة..... فوقفت مكانها تأخذ

انفاسها الهادرة بصعوبة وهي تنحني على ركبتيها بتعب......وعنوة عنها لمعة عينيها بالدموع......

فكل تعبها طوال اليوم ذهبا هباءاً........والاموال

التي اشترت بها الطعام صباحاً ذهبت معهم.........

اغمضت عينيها بتعب وعجز......فنزلت دمعتين بانسياب حزين على وجنتيها... والحسرة مذاق

مُر في حلقها.......

......................................................................

وعلى الأرض تدور العجلات بسرعة بفعل قدميها الصغيرة البيضاء والتي تتكأ بهما على دواسات الدراجة الهوائيه بسرعة محاولة الوصول لمقر عملها القريب من البحر.....

طار شعرها البندقي المموج حول وجهها.... ارجعت الخصلات للخلف بحنق حتى ترى الطريق أمامها

تمتمت بغيظٍ.....

"مش لو كنت فردتك بالمكوى كان احسلي من منظر المتسولين ده....كله من سهر إمبارح...... اشربي بقا ياكيان.......اشربي..."

مطت شفتيها الحمراء المكتنزة ونظرة للدراجة الهوائيه أثناء قيادتها......

"سامحيني ياعزيزة ياختي انا عارفه اني بضغط عليكي الفترة دي........."

عندما رفعت عينيها الفيروزي انتبهت للسيارة

القادمة عليها فاتكأت على الفرامل سريعاً

وكذلك فعل سائق السيارة أمامها ولكن حصل

تصادم يكاد لا يذكر ولا يشكل خطراً.....ولكن كالعادة اندفعت بعصبية ونزلت من على الدراجة..... واتجهت الى السائق بكل اندفاع وعنف......

فخرج السائق بمنتهى الحنق كذلك وكان رجل في اوائل الأربعين من عمره ممتلاء الجسد اصلع

الراس ملامحه تنذر بالمقت من كل شيءٍ

حوله.......

جزت كيان على اسنانها وهي تلوح بيداها

صائحة بتشنج.....

"هو انت اعمى...... انت اعمى يعني أفهم بس....لا

شايفني ولا شايف عزيزة......."

ارتفع حاجب الرجل بارتياع مردداً....

"عزيزة !!......"

قالت كيان بتهكم......

"العجلة اللي كنت هتهرسني انا وهي تحت عربيتك....."

صاح السائق بتبجح......

"ماهو انتي اللي ماشيه مش مفتحه.... مفكره

نفسك ركبه مرسيدس......."

ازدادت سرعة تنفسها بعد ان اهانها هي ودراجتها الغالية...... فقالت بغضب وهي تقرب راسها منه بتهديد.......

"دي عندي احسن من المرسيدس ياخفيف..... وبعدين إيه اللي مش مفتحه دي.... ها... عاميه انا... عاميه.."

صاح السائق بانزعاج......

"أيوا عاميه هتخوفوني بشويه دول ايوا عاميه..."

توسعت عينا كيان ورفعت كفها في وجهه

وسالته بعصبية.....

"والله طب دول كام........... دول كام......"

ارتعد الرجل منها واردف بصدمة....

"انتي مجنونه ولا إيه......"

لوحت بكفها المفرود مجدداً بتصميم.....

"بقولك دول كام......"

بلع الرجل ريقه بخوف مجيباً...... "خمسه....."

مسكته من ياقة قميصه وقالت بحنون....

"لا دول اتنين..... اتنين.... شوفت مين فينا اللي

اعمى شوفت........"

صاح الرجل باستغاثة ممن حوله وهو يحاول

التحرر منها....

"الحقوني الحقوني ياناس ياهوووو...... ابعدوا المجنونه دي عني......."

كانت كيان تحاول القفز عليه وضربه بجبهتها

وهو تقول بغضب.......

"مش بتعرفوا تسوقوا بتركبوا عربيات ليه....ليه... "

وجدت يد قوية كالفولاذ تسحبها من ذراعها

وتبعدها عن الرجل.......

"بتعلمي اي يا كيان.....انتي اجننتي.... "

توسعت عينيها ووقع قلبها في قدميها وقد

جف حلقها وهي تبرر المهزله الذي يراها الان

منها.......

"استاذ سليم..... ولا حاجة ياستاذ.... دا دا... دا

سوء تفاهم وتحل......"

صاح السائق بتألم وهو يمسك رأسه....

"متحلش يابيه....."

خبطت كيان ساق السائق بتحذير فصحح

بخوف منها.....

"اتحل يابيه........اتحل... " ثم نظر السائق اليها واعتذر مضيفاً....

" انا غلطان حقك عليا ياست كيان انتي وعزيزة......"

"عزيزة !!...... عزيزة مين......"رددها سليم بصدمة وهو ينظر حوله باحث عن تلك العزيزة !!.....

وعندما لم يجد أحد نظر إليها بضيق

قائلاً....

"ممكن افهم اي اللي بيحصل....."

قالت كيان سريعاً وهي تهرب من نظراته

القوية العميقة....

"ولا حاجة ياستاذ سوء تفاهم.... وتحل والله...

مش كده ياسطا......."

أومأ السائق بغل مكبوت....

"آآه اتحل...... ينفع أمشي ياساتذة......."

"طبعاً طبعاً......"قالتها كيان وهي تنظرت

الى سليم بوداعه........

"بعد إذنك ياستاذ هوسع مكان ليه......"

ثم اتجهت سريعاً الى الدراجة وركنتها جانباً...ثم استقلّ السائق سيارته و انطلق بها سريعاً وهو

يدعي عليها بصوتٍ عالٍ.....فقالت كيان ببراءة

امام سليم الواقف مشدوهاً مما يحدث.....

"الله يسامحك ياسطا........الله يهديك......مش

هقول اكتر من كده.... "

حانت منها نظرة على سليم وقالت

بمسكنة....

"شوفت ادي اخرة المعروف بيدعي عليا....."

انعقد حاجبي سليم وهو ينظر لها بقوة وتبدالا النظرات لبرهة ثم قطع الصمت صوته القاتم

العميق كملامحه وهيئتها......

"ورايا على مكتب........."

قالت سريعاً دون تفكير.... "في ديلك ياستاذ......."

اتسعت عينا سليم..... فسعلت بقوة وهي

تقول بتصحيح...

"ورا حضرتك اتفضل......"

سحب سليم نفساً طويلاً وهو يلقي عليها نظرة استياء وغضب......

عندما اختفى بداخل العمارة التي حصل الشجار بالقرب منها لسوء حظها كالعادة......اتجهت بدراجتها

لعند بواب العمارة واخرجت ورقة نقدية وقدمتها

له وهي تقول بتملق.......

"عم عوض ياعسل.......خد بالك من عزيزة......لحد

اخر النهار......."

قال الرجل وهو ينهض عن مقعده....

"في عنيا ياستاذة كيان..... بس قوليلي ياستاذة كلمتي الأستاذ سليم عن القضية بتاعت أخويا قدري...."

انعقد حاجبيها بعدم تذكر.....وسالته

بتشتت....

"قضية !!....قضية اي فكرني القضايا كتير......"

لاح الاستياء في صوت عوض.....

"ايوه ياست كيان دا انا مكلمك من أسبوع على قضية النفقه اللي مرات اخويا رفعاها عليه....."

ارجعت رأسها للخلف بتذكر ثم قالت بجدية...

"آآه...... افتكرت..... طب بص بقا انا من رأيي الشخصي كمحاميه لسه تحت التدريب يعني....

قول لاخوك يتقي الله في مراته وعياله ويديها حقها......وعاشرهن بالمعروف ياعم عوض.... "

زفر الرجل قائلاً بعجز....

"ياستاذه كيان أخويا محلتوش حاجة والله...."

اخبرته كيان بهدوء......

"يبقا يحاول يصلح اللي بينهم عشان خاطر عياله... ولو انت أخوه بجد بلاش تشجعه على خراب بيته

حاول تصلح بينهم... صدقني مفيش حاجة في دنيا ملهاش حل........"

هز عوض رأسه باستحسان......

"هحاول ياستاذه كيان.......ربنا يقدم اللي فيه

الخير....."

"ماشي ياعم عوض........صباحك عسل ياراجل ياطيب..... "رفعت يدها بتحية عسكرية ورحلت

واستقلت المصعد للدرو الثالث حيثُ مكتب

المحامي المعروف (سليم الجندي...)

ارجعت شعرها المموج للخلف بحنق ثم سحبت نفساً

عميقاً امام باب مكتبه ومن ثم اطرقت على الباب

وبيدها وهي حاملة صنية القهوة ككل صباح منذ

ان توظفت لهنا منذ ستة أشهر كسكرتيرة خاصة به وأيضاً محامية حديثة التخرج تكتسب خبرة منه

قبل ان تمسك قضايا بمفردها......

خطوة وأخرى وثانية والصنية ترتجف بين يداها لمجرد دخولها مكتبه.... له تأثير قوي عليها... لم

تهاب أحداً يوماً في حياتها...لكنها تهاب أستاذها

الوسيم.........هذا الجذاب بطوله الفارع وجسده

القوي الرياضي......شعره الحالك الناعم بشرته

البرونزيه ملامحه الرجولية المبهمة الجذابة.......

عميقة عيناه قاتمة لكن ساحرة ككل شيءٍ به...

خلف المكتب كان يجلس سليم يلاحقها بعيناه

القوية وهو يراها تخطو خطواتها بتردد وخوف

ورجفة يداها تصل للصنية الممسكه بها.....

تاملها لبرهة بصمت مبهم.....شابة جميلة مجتهدة

منذ ان عملت هنا وهي تتقدم في العمل وتستوعب سريعاً المهام المكلفة بها....سهلت عليه الكثير

حتى بات يعتمد عليها في معظم عمله.......

حتى رؤيتها في الصباح وكل يوم أمر اعتاد عليه...

فإن كانت ذكيه وطموحة هي أيضاً جميلة على نحو خاص.......بيضاء البشرة متوردة الوجنتين الممتلئتين

قليلاً والمستفزتين جداً.......عينيها من اللون

الفيروزي ، مُضيئة بشكلاً مبهر....ملامحها انثوية صغيرة...... جسدها متناسق بمنحنيات ممتلاءه قليلاً عن المعتاد....

ترتدي دوماً بشكلاً مرتب ورائع تهتم بمظهرها

شكلها إنتقاء ملابسها.....شابة جميلة في كل

شيء مبهرة......عاد لسانها الطويل وجنانها

الفطري..... عنفوانها الجامح......تلك القصيرة

الصغيرة صاحبة العيون المضيئة والوجنتين المتوردتين الممتلئتين تحمل طاقة رهيبة في

افساد جمالها ورقتها الظاهريه........

تحدث سليم أخيراً معقباً على اهتزاز الصنية

بين يداها......

"اللي يشوفك وانتي ماسكه الصنية كده.....

مايصدقش إنك كنتي قلبه على عبدو موته

في الشارع......."

وضعت الصنية جواره وانتصبت في وقفتها

قائلة بمسكنة.......

"على فكرة انت ظلمني ياستاذ......الراجل كان

هيفرمني انا والعجله تحت عربيته........"

رد بفظاظة وهو يمسك فنجان القهوة

ويرتشف منه بتلذذ........

"اهو هنكون خلصنا منك انتي والعجله اللي

قرفانه بيها........."

رفعت حاجبيها بانفعال وصدمة......

"الله......طب وعزيزة مالها......هو اللي غلطان......

مش عارف يسوق..... "

وضع الفنجان جانباً وهتف مستاءاً....

"انتي هتجننيني ياكيان......"

قالت كيان سريعاً...... "سلمتك ياستاذ......."

رفع عيناه القوية عليها وانحنى في جلسته

ساند ذراعيه على سطح المكتب ثم سالها

بجدية.....

"هسألك سؤال وتجوبيني عليه بصراحة...هو

المرتب اللي انا بدهولك مش بيكفيكي......"

اندهشت فسالته....

"ليه بتقول كده ياستاذ......."

لم يحيد عيناه عنها بل رد بوجوم.....

"بقولك كده عشان شايفك راحه جايه بالعجلة بتاعتك....مش معاكي تمن الموصلات يعني

عرفيني...ازودك ورايح دماغي..... "

رفعت كيان راسها بكبرياء قائلة.....

"فشر......معايا الخير كله....بس برضو مستغناش

عن عزيزة أبداً........"

"كده كتير عليا......"هز راسه بضيق وهو يشعر انه يهدر الوقت معها هباءاً......عاد لعينيها الفيروزي

البراقة....تلك العيون التي يعجز امامهم بشكلاً

مؤقت فقط لانهم يلمعان دوماً بشكلاً غريب

ككشافات السيارة !!........تنحنح بخشونة

سائلاً.........

"خلينا في المهم..... انتي جايه متأخر ليه....."

فوجئت بالسؤال فتوسعت عينيها وتلعثمت

قائلة......

"أصل... أصل.... أصل ياستاذ.... راحت عليا نومه.."

"والسبب...."هزه بسيطه من راسه ونظرة من

عيناه جعلتها ترتبك اكثر من الازم

لذا توقف عقلها فجأه بعجز ماذا تقول له كُنت

اشاهد مسلسل كوري وانهيت الحلقات الأخيرة

فجراً !!.....

قطع سليم الصمت قائلاً بخشونة....

"مستني ردك........الاجابة صعبه لدرجادي...ولا لسه مألفتيش كدبة......."

هزت كتفيها وقالت بشجاعة......

"وهكدب ليه بس......مفيش أسباب...نمت بدري صحيت متأخر.......نصيب...."

ضرب على سطح المكتب فجأه قائلاً

بصرامة....

"الكلام دا مش عندي ياكيان....اول وآخر مرة سامعه........"

هزت راسها بالموافقة دون تعقيب......

ثم أشار لها بيده قائلاً بأمر.....

"هاتيلي ملفات القضايا اللي هنشتغل عليها النهاردة........"

اومات بانصياع...... "تمام........"

اوقفها سريعاً قائلاً بتذكر.......

"استني.....أيتن شويه وجايه......أول ما تيجي دخليها........سامعه......."

"حاضر........"استدارت وهي تتمتم بشفتي

ملتويه بقرف....

"عنينا للاستاذ وخطيبته........"

.....................................................................

كانت تحني راسها على الملفات جوارها تدرس عدة

قضايا بهم كما أمرها استاذها......كي يختبر روح المحامية داخلها ويعرف رأيها فيهما والحل لكلا

منهم.........

سمعت صوت خطوات تقترب منها لحذاء انثوي بكعب عالٍ يقرع الأرض بصلف وخلاء.......

وصلت رائحة عطرها القوية لعندها فشعرت بالاختناق وهي ترفع رماديتاها إليها...

فوجدت ( ايتن الشهاوي..)خطيبة استاذها

المحامي (سليم الجندي....)

كانت أمرأه يافعة الطول والجمال كعارضات الأزياء

تماما شعرها أسود قصير جداً يشبه قصة شعر الرجال .....

كانت ترتدي بنطال أسود ضيق جداً يبرز ساقاها النحيفة وعليه كنزة بيضاء يليها سترة سوداء....

كانت تضع زينة منمقة وأيضاً اقراط رائعة في اذانها وهذا القرط الامع الذي تثقبه في جانب انفها......

جديد هذا عليها...... ماذا يجب ان تعقب عند

رؤية هذا.....

"روش أوي ده......."

انتبهت ايتن لما قالته فوقفت مكانها مبتسمة

بزهو قبل ان تسألها بصلف......

"مرسي ياكيان.......... قوليلي سليم جوا......."

نهضت كيان واشارة على باب المكتب المغلق

قائلة بتهذيب........

"آآه ومستني حضرتك........ اتفضلي ادخلي....."

اطرقت بكعبها العالٍ للدخل كنغمة تشع تعالي

وغرور..... اغلقت الباب خلفها واتجهت اليه

فكان يجلس خلف مكتبه منهمك بين ملفات

القضايا المتراكمة لكن حينما اشتم رائحة

عطرها رفع عيناه القوية عليها.....

فابتسمت ايتن بدلال وهي تلف حول المكتب

بتملك حتى تصل إليه......

"هاي ياحبيبي وحشتني........" جلست على ساقيه

بتغنج وتعلقت بعنقه طابعه قبلة سطحية

على شفتيه الغليظة...

"وحشتني اوي..... إزاي متجيش البارتي بتاع

كاندي صاحبتي.......كلهم سألوا عليك.... "

عانق خصرها المنحوت بكفيه قائلاً بملل....

"انتي عارفه ان الامه بتخنقني....وبذات صحابك حوارتهم كلها تافهة......"

اندهشت ايتن معقبة......

"اخص عليك ياسليم.........احنا تافهين......."

اجاب بهدوء.... "انا قولت صحابك يايتن...."

هزت رأسها وهي تلامس ياقة قميصة

بتافف.....

"وانا وهما إيه.....وبعدين انت اللي قافل اوي على نفسك ياسولي......حبيبي المفروض تفك كده

وتعشلك يومين........ولا إيه......"

رفع حاجبٍ ونظر لعيناها الحانقة

بسخط....

"اليومين اللي اعشهم اني كل شويه اتنطت بين حفلة للتانيه......ومن بلد لا بلد......واصرف من فلوس بابي وركب عربية واخدها هدية من مامي....."

قالت بزهو وهي تنظر إليه بتعجب.....

"وفيها إيه هو انت اقل من اللي بيعملوا كده

دا انت ابن المستشار مصطفى الجندي.........."

نظر لعينيها بقوة قائلاً دون مواربة......

"انتي عارفه انا بحب إيه يا ايتن ومع ذلك بتقوحي معايا......بقلنا سنتين مع بعض ولي بنعيدوا بنزيده...

ولحد دلوقتي مردتيش عليا في موضوع جوزنا

اللي كل شويه بتأجليه..."

"وبعدين معاك ياسليم...."نهضت مبتعده عنه

بانزعاج.....لم يتحرك من مكانه بل قال برجاء

مجدداً من خلف ظهرها........

"حددي معاد يا أيتن.....مش كفاية سنتين خطوبة..."

استدارت اليه قائلة بعناد.......

"لا مش كفاية....لسه شوية احنا محتاجين ناخد على بعض اكتر نفهم بعض نتقق......."

انعقد حاجباه مردداً باستنكار.....

"وكل ده معملنهوش يا ايتن.....بتكلمي كاننا اغراب

عن بعض......"

انحنى كتفيها قليلاً كعلامة عن التردد والخوف

من تلك الخطوة التي ستاخذ منحنى آخر

بينهما....

"احيانا بحس بده....احنا مختلفين عن بعض جداً

ياسليم....."

نهض سليم من مكانها واقترب منها محيط خصرها

بيداه مقربها منه وهو يقول بصوتٍ أجش حنون....

"ودا ممكن يأثر على اللي بينا....خصوصاً اني بحبك

وانتي كمان بتحبيني واي حاجة تانيه نقدر نحلها......"

مدت ايتن يدها ولامست وجنته ولحيته

بحب قائلة بدلال......

"أجل الموضوع ده شوي ياسليم لو سمحت....

متبوظش الوقت اللي هنقضيه سوا........"

اخرج نفساً متأثر بقربها فلامس شعرها

القصير الناعم......

"هاجله النهاردة.... بس أكيد هنتكلم تاني....."

ابتسمت بسعادة قائلة بعيون ماكرة.....

"أوكي.... بقولك اي مش واخد بالك من حاجة

جديدة في وشي........"

صب تركيزة على وجهها اكثر وعندما لمح شيءٍ

يلمع في جانب انفها......سألها وهو يلامسه

بفضول.....

"اي اللي في مناخيرك ده......"

ضحكت وهي تبعد أصابعه قائلة بابتهاج.....

" دا Piercing عملته امبارح قبل ما روح البارتي .... اي رأيك....... "

"مش حلو يا ايتن..... مش حلو خالص......" قالها

وهو يبتعد عنها جالساً خلف مكتبه........

لاحت الصدمة على وجهها ...

"اخص عليك ياسليم....... دا كل صحابي اتجننه

عليه دا حتى شادي ناوي يعمله......."

لوى سليم شفتيه ممتعضاً معقباً.....

"مبروك عقبال مايخرم ودانه......والحلق هيكون

هدية مني ليه...... "

تاففت بحنق وقد لمعة عينيها بالاعجاب نحو

ابن خالتها وصديق الطفولة.......

"أوف ياسليم عليك....انت مبتحبش شادي لي بس.......دا حتى جنتل مان و لذيذ ودمه خفيف.... "

سخر سليم بخشونة.....

"وانا تقيل وبلدي مش كده....."

هزت راسها بنفي......

"أكيد مقصدش كده........"

عندما لم تجد رداً منه....اقتربت منه مجدداً

وجلست على ساقه واحاطت عنقه بيداها

ثم مالت عليه تداعب انفه بانفها قائلة

بصوتٍ ناعم يفوح منه اغراء العالم.....

" سليم ياحبيبي أرجوك متبوظش الساعة اللي هقعدها معاك في الجدال والخناق...بليز خلينا

رايقين شويه....... بليز ياسليم......."

أومأ براسه بملامح جامدة وهو ينظر لشفتيها لبرهة قبل ان يميل عليها ويلتهم اياها بجوع...........

.......................................................................

ارجعت ظهرها للخلف وهي تزفر بتعب.....

انتهت ساعات العمل أخيراً وعليها الذهاب لكن يجب انتظار استاذها بالأول..... فعليها الخروج بعده كما يجب........

بالفعل بعد لحظات فتح سليم باب مكتبه وبكامل اناقته بالحلة السوداء الانيقة..... أغلق زر السترة بيد

والاخرى يحمل بها حقيبته السوداء....رفع عيناه

القوية عليها.....فنهضت كيان باحترام وهي

تبتسم بالباقة..........

تلك الإبتسامة منها تشع دفء يتخلل داخله دون استئذان..........نفض الأفكار وهو ينظر لرماديتها

البراقة........

"خلصتي شغلك ياكيان......."

قالت كيان بحماسية......

"ايوا ياستاذ خلصته........تحب تبص عليه....."

أردف سليم بخشونة محذراً.......

"خليها بكرة الصبح.....عايز اجي القيكي على مكتبك

مش بتتعركي في الشارع........"

اغتصبت الإبتسامة وهي تقول بمرح

زائف....

"قلبك أبيض ياستاذ....غلطه ومش هتكرر......"

"اتمنى.........سلام......."أنصرف سليم سريعاً من

امامها لوت كيان شفتيها قائلة بنزق.....

" مكنش تاخير نص ساعة ده اللي هتقعد تعيد

وتزيد فيه........ "

لملمت اشياؤها وخرجت من المكتب مغلقة الباب خلفها وعندما وصلت للأسفل اخذت دراجتها

الهوائيه من جوار البواب واستقلت بها وقادتها

امام عيناه التي تراقبها من خلف أطار السيارة الامامي.........

...................................................................

وصلت بالدراجة لحي سكني شبه شعبي ولكن أرقى

واهدى من الأحياء الشعبية المعروفة.... فكان الحى

عبارة عن مباني ممتدة انيقة تقبع جوار بعضها بشكلاً

منمق.......... هناك محلات وحركة حيه في المكان واناس كذلك لكن أهدى والوضع يكاد يكون مقبول

لا تنفر منه عكس الأحياء الشعبية الأخرى........

تركت دراجتها بالاسفل عند بواب العمارة واتجهت

الى المصعد فاوقفها البواب قائلاً بتردد....

"مينفعش تركبي الاسانسير ياست كيان......"

توقفت كيان متسائلة......

"لي بقا ياعم همام هو لسه بايظ ؟!......"

اجابها البواب مختصراً الوضع........

"لا اتصلح لكن انتوا مدفعتوش تمن الصيانه زي ماعملوا سكان العمارة وابوكي عثمان بيه قال مش هيدفع ومش عايز اسانسيرات........ ومتاخذنيش ياست كيان قوانين العمارة بتمشي على الكل...."

زفرة كيان باسى ثم نظرة للسلم الممتد أمامها...الشقة

في الدور السابع.....هل ستصعد كل هذا.......تمتمت

بصوتٍ حانق كاره.......

"لي بس كده حرام عليك......."

لم يسمعها البواب جيداً لذا سألها....

"بتقولي حاجة ياست كيان....."

نظرة كيان إليه لبرهة ثم هزت راسها بنفي قبل ان تبتعد متجهة الى السلم بضيق كي تبدأ رحلت الصعود للدور السابع..........

"مستغناش ياعم همام عن إذنك........"

عند الوصول للشقة أخيراً بعد رحلة طويلة شاقة توازن تعب اليوم في مكتب المحماة....... اطرقت

على الباب وهي تقول بصوتٍ متعب......

"افتحي ياشهد.... افتحي روحي بتطلع....."

فتحت شهد الباب بعيون حمراء ووجه شاحب قليلاً...... ونظرة لاختها بقلق... وبحنان الام الفطري

التي اكتسبت إياه مع مرور السنوات في رعايتهما

اقتربت منها بقلق.....

"مالك ياحبيبتي انتي تعبانه......."

دخلت كيان وجلست على أقرب مقعد وهي تأخذ

انفاسها.......

"نَفسي اتقطع من طلوع السلم.......هو هنا...." سالتها

كيان بتوجس.........

هزت شهد راسه دون تعقيب.......فسالت كيان مجدداً...

"طب وحمزة........"

اتجهت شهد للمطبخ قائلة......

"زمانه جاي من الشغل........نص ساعة وهيكون هنا

وهنتغدى كلنا......"

لحقت بها كيان وهي تقول بحنق....

"سيبك من الغدى دلوقتي انتي عرفتي ان البواب منعنا نستعمل الاسانسير زي بقيت سكان العمارة... "

قلبت شهد الحساء وهي تقول بهدوء.....

"البواب مالوا ياكيان.....صحاب العمارة شارطين بده......."

قالت كيان بانفعال....

"واحنا بقا ملناش شقة في العمارة دي......"

غطت شهد الإناء ونظرة لاختها قائلة ببال

طويل....

"اديكي قولتي شقه....نص العمارة ليها ملاك والنص التاني بتاعهم........وبعدين دي تاني مرة الاسانسير يعطل وابوكي ميرضاش يدفع للصيانة.... "

لوت كيان شفتيها بمقت.......

"اللي يشوف حالنا ده ميصدقش ان ابوكي صاحب أملاك.......عمارتين على البحر بصف محلات كبير....

لا وسايب كل واحد فينا يتكفل بنفسه من اكل لشرب للبس لمعيشة...... انا مش عارفه طالما رامي طوبتنا اوي كده جبنا الدنيا ليه...... "

قالت شهد بصوتٍ هادئ يخفي الكثير من

الوجع....

"نصيبنا نيجي الدنيا ونبقى...... ولاد عثمان الدسوقي..."ثم نظرة لاختها وقالت بحسرة......

"تعرفي انا كنت ناويه إدفع صيانة الاسانسير لهمام

وانا رجعه... بس للأسف فلوس الاوردر اتسرقت مني

مسافة ما طلعت من الكمبوند........"

جحظت عينا كيان معقبة بصدمة....

"أحيه......بجد اتسرقت.......مين اللي سرقها... "

اخذت شهد نفساً مرتجف.... وقالت بعجز......

"واحد معرفوش.....قصير كده ورفيع واسمر....خطف مني الفلوس وجري من قدامي ركب مكنه ورا واحد وهرب ملحقتش امسكه.........."

"والله انتي خايبه........"

نظرة شهد لاختها الصغرى بعجز......

"خايبه في اي بس ياكيان بقولك خطف

الفلوس مني في غمضة عين وجري........"

اخبرتها كيان بجدية.......

"مانا عارفه انه خطفها....حد قالك انه هيستأذن...

الخيبة انك تعدي مبلغ زي ده في الشارع...يابنتي

الناس جعانه وبتاكل في بعضها.....اسأليني انا....

انا الست شهور اللي اشتغلتهم في مكتب سليم الجندي شوفت صورة تانيه للناس....الناس

التعبانه بجد ياشهد...."

اسبلت شهد جفنيها وهي تصبر نفسها قائلة.....

"اللي يشوف بلاوي الناس تهون عليه بلوته....يمكن

زعلت شويه على الفلوس بس حمدت ربنا اني

كويسه وان طمع في الفلوس مش فيه......."

"عشان حمار في حد ياخد الفلوس ويسيب

الشهد......."تعلقت كيان في عنق اختها من

الخلف بمشاكسة.......

"بس يبكاشة انتي......تعالي في حضني..... "قالتها وهي تديرها اليها ثم عانقتها ومسدت

على شعرها وهي تسالها بحنان......

"شكلك مضايقه.... مالك في حاجه حصلت ضايقتك النهاردة........"

زمت كيان شفتيها في احضان اختها

عابسة....

"ولا حاجة...... تعب كل يوم.......كالعادة الرجل الغامض بسلامته تعبني بطلباته.... قهوة ياكيان

ملف القضية الفلانيه ياكيان...... هنطلع على

المحكمة ياكيان..... صوري الورق دا وهاتيه ياكيان.... كيان........ كيان..... لحد ما دماغي ورمت......"

ضربتها شهد على رأسها......

"ماهو الشغل كده ياهبلة أمال عايزة تقعدي متعمليش حاجة........"

رفعت كيان رأسها وابتعدت عن أحضان اختها

قائلة بصوتٍ حالم.........

"وفيها اي لما قعد ومعملش حاجة طب دانا إمبارح اتفرجت على حتة مسلسل كوري البطل كان صاحب شركة كل اللي بيعمله طول المسلسل يزعق للرايح والجاي... ويوم ما ربنا يهديه ويفتح ملف ونقول هيشتغل أهوه أخيراً........ تدخل البطلة ويتلهي فيها........."

ضحكت شهد بدهشة قائلة..... "والله انتي هبلة المسلسلات الكوري لحست مخك......."

لمعة عينا كيان بتمني.....

"نفسي اتجوز واحد كوري واستقر هناك....."

قالت شهد بتأثر....... "وتسبيني انا وميزو........"

صاحت كيان بتملك.....

"امال اسيب قرة عيني....... انتي عبيطه....."

ضربتها شهد على ذراعها قائلة بتوبيخ.....

"آه يام لسان طويل ادخلي غيري هدومك على ماخوكي يجي خلينا نتغدى......."

ضحكت كيان وهي تتجه لغرفتها ولكنها وقفت

عند الباب وهي تحك في شعرها سائلة....

"تفتكري ياشهد ابوكي هيجي على الغدى......."

قالت شهد وهي تجلس على المقعد....

"تقريباً هيبات عندها النهاردة........."

زفرة كيان بارتياح.....

"أحسن وجوده في البيت بيتعب اعصابي......"

صاحت شهد بتحذير..... "كيااااااان......"

رفعت كيان حاجب متمرد وعلقت

هازئة...

"آه ياشهد كمية التسامح والسلام اللي جواكي مخليني احقد عليكي.... معقول بتدفعي عنه بعد

كل اللي عمله فينا......."

هربت شهد من عينا اختها مبرره الوضع......

"انا مش بدافع بس الاحترام واجب..... ومهما كان

لازم نحط في الاعتبار ان ده أبونا........"

"آآه زي ماهو حط في الاعتبار كده ان احنا ولاده..."

تمردها كان ظاهري جداً مع كل كلمة تنطق بها وللأسف كانت على حق لذا صمتت شهد دون

تعقيب فقالت كيان بقسوة بعد ان ساد الصمت بينهن........

"سكتي ليه.... انتي بدفعي عن شخص رصيده

خلص جوانا من زمان........."

أغلقت الباب خلفها....... فنزلت دموع شهد بتعب من

حرب الكره والعتاب المقام بهذا البيت والتي بطلها

واحد فقط (أبيها....).......تشعر أحياناً بالعجز اليأس.....

العجز من تغيير الواقع......اليأس في إدخال

الأوان الحياة والبهجة الى قلوب أصابتها

شيخوخة الصبى !........

........................................................................

صناعة الاشياء بيدك شيءٍ حِرفي يحمل حس فنان

مبدع.... يلامس بأصابعه الذهب فيشكلها قطع من الحلي باشكال واحجام مختلفة ورغم عمقها واختلافها عن المتداول مميزة......والأحجار الكريمة الباهظة بالوانها البراقة واشكالها المختلفة تضاف بدقة لكل تصميم يرسمه على الورق...........

يشعر ببعض الراحة وهو يقوم بهذا العمل في

ورشته الصغيرة والتي تجاور بيت العائلة

الكبير.....

التجارة في الحلي والمجوهرات مهنة العائلة الاساسيه والتي اوصلتهما لهذا المستوى فمن

يوم ان وعى على الدنيا وهو جده الصائغ

(صابر الصاوي) وابيه وعمه أدار الأملاك من

بعده لكن لم يكن أحد منهم يهوى صناعة الحلي والمجوهرات كأبيهم..... ربما اجبروا على إدارة محلات الذهب فقط لأنها ذهب وليست رمال

ليديروا وجههم عنها !.....

ام هو فأحب تلك الحِرفة وتعلمها من جدة قبل وفاته

وطور من نفسه فأصبح يجيد ويبتكر أكثر من جده.. حتى أصبح له زبائن من أعلى الطبقات التي يتعاملوا

معها منذ زمن تطلب أعماله بالاسم.......

مسح الخاتم بالمنديل الورقي ونظر له بدقة عالية يشعر انه ينقصه شيء لكن توقف عقله فجأه

وعجز عن فهم الناقص فيه......

حانت منه نظرة على ساعة معصمه فوجدها تشير لرابعة عصراً ربما عليه الذهاب لشارع ( الصاوي)

ليبدأ التجول بين المحلات التي يملكاها والآخرى

المستأجرة منهم........فمشاكل شارع الصاوي لا تنتهي

خصوصاً ان صف المحلات من الجانبين اغلبه ملكاً للعائلة إلا عدد قليل فقط ملك لاناس آخرين تم

بيعه من قِبَلهم...........

وقف امام المرآة الكبيرة الموضوعه بالورشة ناظراً

إليها وهو يهندم سترة الحلة السوداء......متأملاً

نفسه لبرهة......

كان رجل وسيم للغاية في اواخر الثلاثينات من

عمرة قد بدات تظهر بعض الشعيرات الفضيه

في شعره الحالك.......

كان طوله يتجاوز الستة أقدام رشيق الجسد وله

بنية رياضية قوية تكشف عن رجولة طاغية.....

شعر أسود حالك مصففاً للخلف... برونزي اللون

بالحية حالكة كثيفة جذابة اما ملامحه فكانت

حادة مبهمة وعيناه السوداء قاتمة تحكي الكثير

عن مايجول بخاطره.....ويتعب ذهنه.......

طرق الباب عليه ودخل بعدها شابٍ وسيم في

عمر التاسعة عشر.........لا يتشبها قط بل كان

غربي الملامح رغم انه شرقي ابٍ عن جد.....

لكنه شبيه أمه فعيناه زرقاء وشعره اشقر مراوغ عابث خفيف الظل........ابن عمه الصغير والوحيد

(يزن الصاوي.....)

هذا الذي تربى امام عيناه وكبر لحظة باللحظة

بين يداه..........

شاكسه يزن قائلاً.....

"اي ياكينج رايح فين معاد غدى ده........أوعى تقول انك مش هتتغدى إلهام هانم مستنياك....."

أطبق على شفتيه في خطٍ مستقيم... وأحس بحلقه يلتوي وشعور هائل بالاختناق يتلبسه.......

اقترب منه يزن متسائلاً....

"ساكت ليه.........هتتغدى ولا......"

نظر له بطرف عيناه سائلاً...

"ولو متغدتش يعني......."

رد يزن بفرحة عارمة وعينان متسعتان......

"هاكل منابك معروفة........"

رد عليه ضاحكاً وهو يهز رأسه......

"مخلص على أكل البيت كله ومش مكفيك......ارحمنا..... "

اجابه يزن بتبرير جاد.....

"أعمل إيه بس بجوع بسرعة...وبعدين المجهود اللي بعمله في الچيم بيجوع......دا غير الدراسة....."

ارتفع حاجب الآخر مستنكراً وأضاف...

"الدراسة !!......ماشاء الله وياترى فاكر انت خدت

إيه في المحضرة إمبارح........."

ظل يزن يتفحص الأشياء من حوله وهو

يجيب....

"إمبارح.......لا دا بعيد أوي........لو كنت سألتني

بعد المحضرة علطول كنت قولتلك......"

"يزن........"

ابتسم يزن ولم يعقب بل قال بجوع....

"خلينا في المهم.....الغدى برد وامي مذنباني عشان خاطر سيتك........"

سأله الآخر باهتمام.....

"وعمي والحاجة نصرة فين........"

رد يزن بشفتي مقلوبة.......

"مستيينك برضو على السفرة.........ابسط ياعم الكل بيعملك ألف حساب إلا انا لو بت برا البيت عادي ولا هيسالو........"

"بس انا بسأل........"قالها وهو ينظر اليه بمشاكسة

فرد يزن مؤكداً بمحبة........

"أصلا مفيش حد مصبرني على العيشة معاهم

غيرك انت..... ونصرة قلبي........"

راتفع حاجبا الآخر وادعى الاندهاش معقباً

بسخرية......

"نصرة قلبك !!.....وانا أقول اتركنت على الرف

ليه اتاريك هاري الحاجه اشعارات فارغة...."

قال يزن بانف مرفوع كأثبات ملكية.......

"وهي جدتك لوحدك يعني...ماهي جدتي انا كمان......."

أشار له الآخر بكفه بان يخرج قبله حتى

يغلق باب الورشة.......

"اومرك ياستاذ يزن..... قدامي بقا خلينا ناكل

لقمة ونروح نشوف مصالحنا...."

"نازل شارع الصاوي النهاردة.......إمبارح مرحتش يعني طول النهار شغال في الورشة.... خلصت

الخاتم اللي قولتلي عليه ولا لسه........ "ساله يزن وهم يسيروا معاً في الحديقة الداخلية للبيت

يقطعا المسافة البسيطه بين المنزل وغرفة الورشة........

"يعني شبه خلصته........"

انعقد حاجبي يزن متسائلاًً.....

"ليه هو نقصه حاجة ولا إيه....."

رد عليه وهو يرفع عيناه للأمام بحيرة.....

"تقريباً....... بس لسه مش عارف......أول مرة

احتار كده..... "

سأله يزن ببراءة الأطفال....

"انت اتحسدت ولا إيه......"

أجاب الآخر وهو يضيق عيناه بشك...

"آآه شكلها عين زرقه ومدوره يلا... زي بعضو هعديها......"

جفلت ملامح يزن فرد سريعاً......

"اخص عليك ياكينج...... انا بقر...... بس عمري

ما حسد....."

رد عليه الآخر بابتسامة مناكفة....

"تصدق ظلمتك........."

عندما دخلا غرفة الطعام صاحت الجدة بتافف

والتي كانت تجلس على مقعد متحرك... ترتدي

عباءه بيضاء ووشاح يماثلها لوناً......أصبحت

الملابس البيضاء من أكثر الاشياء التي تتجه

إليها منذ ان حجة بيت الله مع زوجها الذي

مات في طريق العودة في احضانها......ومن

أحد اسباب تدهور صحتها وجلوسها على مقعد

متحرك فراق رفيق دربها.........

"اهلاً بيزن بيه........ وعاصم اللي مجوعنا....لسه بدريه المفروض اسمه غدى بس معاكم هيبقا عشا... "

نظرة إلهام لابنها يزن والذي يشبهها شكلاً سواء بالعيون الزرقاء او الشعر الاشقر كانت جميلة على نحو خاص مزالت صغيرة في منتصف الاربعين من عمرها تكبر عاصم بسبع سنوات فقط بينما يكبرها زوجها بعشر سنوات......حولت نظراتها الى عاصم

الذي انشغل في همس ابنها.......

لكز يزن كتف ابن عمه عاصم وغمز له قائلاً بمراوغة.....

"بص بقا وتعلم مني أصول التثبيت.....للستات

من فوق الستين وانت نازل..... "

أقترب يزن من الجدة مهللاً باعجاب مسرحي

أسعد قلبها فهذا الصبي بهجة البيت

وسعادتهُ........

"اقسم بالله يانصرة قلبي الغدى معاكي ميتشبع

منه قوليلي ليه........قولي ليه.... "

ضحكت الجدة سائلة...... "ليه يابكاش........"

"حلو ومسمسم زيك كده......"رد يزن وهو يقبل

يدها ثم رفع رأسه و تامل وجهها المجعد

منذهلاً.....

"بسم الله ماشاء الله عيني عليكي برده........اي الحلاوة دي...انتي حطه كريم تفتيح ولا إيه

وشك منور يانصرة.....الله أكبر..... "


1=الاول =الجزء الثانى =ج 2 =

ضربته نصرة على كفه بتوبيخ......

"انا مبحطش حاجة على وشي و انت عارف...."

رد يزن باعجاب وهو يشفط الهواء بفمه كعلامة

على الاندهش الاكبر......

"عارف.... عشان كده بكبر.... الله اكبر تاني اي ده...

لا إله إلا الله......الله اكبر......"

ضحك عاصم.....وكذلك إلهام والدته......

فرمقت نصرة الصبي بارتياع....

"في اي ياواد خضتني......."

قال يزن ملوحاً بتملق.....

"انتي خسيتي يانصرة قلبي.....خسيتي وبقيتي

غزال......طب والله بطل........"

ارتفع حاجب عاصم بصدمة مردداً.. "بطل !!......"

قالت إلهام بضحكة رقيعه.....

"متعلقش ياعاصم مانت عارف ألفاظه......."

أبعد عيناه عنها ممتنع عن الرد.........وركز على رد

الجدة نصرة والتي اتى بابتسامة مرضية وقالت

بسعادة طفلة........

"انا برضو حسيت النهاردة اني محلوه......"

أكد يزن بهز من رأسه.....

"جداً......عيني عليكي باردة يانصرة قلبي

النهاردة غير اي يوم...."

اشارت له الجدة بيدها ان ينحني ففعل

فقالت لها بهمساً.....

"تعرف انا ليه بحبك ياواد يايزن....."

رد يزن بمحبة...... "ليه ياقلب يزن........"

قالت نصرة بعيون تشع حنان وحنين لأيام دُفنت مع أصحابها ولم يبقى إلا ذكرى تحيا عليها حتى يحين إلقاء........

"بتفكرني بجدك صابر.... كان عسل زيك كده وبيحب

يفرحني حتى لو بالكدب........."

انصدم يزن فرفع راسه مستقيمٍ في

وقفته.....

"اخص عليكي يعني كل ده كان كدب..."

قالت نظرة بمحبة عمياء.....

"انت بكاش.........بس عمرك ماكنت كداب..... "

ابتسم يزن بزهو ورفع ابهامه مؤكداً....

"الله ينصرك على مين يعديكي هو دا التطبيل المظبوط........."

في تلك اللحظة دخل من باب غرفة الطعام...

رجل في منتصف الخمسين من عمره فارع الطول نحيف الجسد....وسيم الملامح خصوصاً بشعيرات الشيب التي غطت شعره ولحيته الكثيفه

انهُ(مسعد الصاوي)والد يزن وعم عاصم

نظر مسعد لابن أخيه معقباً دون رضا.....

"اي ياعاصم أخيراً طلعت من سجنك يومين بحالهم في الورشة.........انت غاوي وجع قلب مالبضاعة اللي بنطلبها بنجبها وبنعرضها في المحلات وبتبقا كويسه وتريندات كمان وماشيه في سوق ........اي لزمتها انك تعمل الحاجات دي بأيدك.... "

رد عاصم موضحاً وهو يتخذ مقعده جوار مقعد

جدته.......

"انت عارف اني بعمل بالطلب.......والخاتم اللي كنت سهران عليه كان برضو طلب زبونه مهمة عندي..."

جلس مسعد على رأس الطاولة وجواره أمه

وعاصم وعلى الناحية الأخرى زوجته إلهام

وابنهما يزن الذي انشغل في طعام

ياكل بنهم......

رد مسعد متعجباً من الأمر.....

"مش عارف أقولك إيه بس انت اللي فتحت على نفسك فتوحه........."

تدخلت نصرة بعدم رضا معقبة.......

"اي هي الفتوحه اللي فتحها يامسعد....دي حرفة أبوك اللي وصلتنا للي احنا فيه دلوقتي.......ولا خلاص من ساعة ما فتحت معرض العربيات انشغلت

بيه ورميت عليه الشغل كله ونسيت اصلنا.......دا شارع الصاوي يشهد بأسم وتاريخ أبوك واجداده

في تجارة الدهب......"

برئ مسعد نفسه موضحاً........

"انا مقولتش حاجة يامي.......وبعدين المعرض مالوا بس....مانا نص وقتي بقسمه بين المعرض وشارع الصاوي.......وبباشر الشغل مع عاصم أول بأول

دا مالنا برضو........"

قالت نصرة باقتضاب....

"لو بتخاف على مالك فعلاً كنت رعيته مش تدخل في تجارة تانيه وتسيب تجارتنا الاصليه.........."

تافف مسعد قائلاً باستهجان واضح......

"انتي عارفه ان مليش في تجارة الدهب.......مش لوني يام مسعد........"

هزت نصرة راسها بوجوم قائلة.....

"لكان لونك ولا لون اخوك الله يرحمه......الوحيد

اللي طالع لابوك وصاين اسمه وتجارته هو

عاصم....... وبكرة يبقا يزن.... "

اعترض يزن وهو يبتلع الطعام بصعوبة....

"لا ياتيته انتي فاهمه غلط ان في كلية طب...

يعني هتخرج دكتور مش صايغ......."

اقترحت الجدة متبسمة.......

"ومالوا الصبح تبقا في المستشفى وبليل مع عاصم في محلات الصاوي......"

زم يزن شفتيه...... "وليه الفرهدة دي بس....."

سالته الجدة بشك... "بتقول اي يايزن......"

ابتسم يزن بتصنع وهتف بنفاق........

"بقول الجاي احلى يانصرة قلبي.....انا معاكي في

اي حاجة..... "

أسبلت نصرة جفنيها وقلبت في الطعام امامها شاردة

ثم رفعت عينيها على الثلاث مقاعد الشاغرة والتي ظلت مكانها رغم هجر احبابها.......فعقبت شاردة

بشجن دفين.......

"بعد موت عبد الرحمن ومراته.......محدش هون عليا فرقهم غيرك انت ياعاصم..... واختك عُلا.... وبعد ما عُلا ربنا كرمها وجالها ابن الحلال اتجوزته وسفرت حسيت بفراغ وتعبت اوي بس اللي صبرني فرحتها وحبها لجوزها.......يمكن أكبر درس اتعلمته في

حياتي وفهمته مع الوقت.......ان الحياة بتمشي

رغم اللي ماتوا ولي بعدوا بتمشي......مش بتقف

غير جوانا احنا بس........ربنا يرحمهم.... وحشوني اوي.........."

رد عاصم بنظرات حزينة متأثرة......

"ربنا يرحمهم.... ويباركلنا فيكي ياحاجه......."

قالت نصرة بعطف وهي توزع نظراتها الحانية

عليهم بتساوي..........

"وفيك ياحبيبي...... وفيكم كلكم......كلوا ياولاد

بالف هنا......."

تدخلت إلهام في الحديث قائلة.....

"ربنا يباركلنا فيكي ياماما.......دانتي باركة البيت دا حتى رُفيدة بتحبك جداً.....دي لسه قافله معايا

حالاً و بتسلم عليكم كلكم......."

انهت الحديث بنظرة على عاصم الذي كان يأكل بصمت دون تعقيب..........ولكنه يفهم هذا التلميح

جيداً.......

نظرة نصرة لالهام وقالت بتأثر وهي تنظر الى

عاصم بحزن........

"سلميلي عليها يالهام.....ربنا يوفقها في حياتها...."

شعرت إلهام بالغيظ واحمر وجهها بحرج فلم تكن تنتظر هذا الرد من الجدة وكأن الباب أغلق بالفعل

ولم يكن موارب كما تظن هي واختها

رُفيدة..........

"بصراحة انا عزمتها على الغدى عندنا بكرة....دا

بعد اذنك طبعاً........"

جز عاصم على أسنانه وشعر بانفاسه تثقل فجأه....

قالت نصرة بتفهم وحنو.......

"ومالوا يابنتي تنور.........دي مهما كان أختك....وحقها تيجي وتشوفك في اي وقت.........."

"الحمدلله......"نهض عاصم واغلق أزرار سترته

وقد انتبه له الجميع خصوصاً إلهام التي تقرأ

كل ردود أفعاله الواضحة على وجهه.....

قالت نصرة بحاجب معقود.....

"قعد ياعاصم كمل اكلك يابني........"

قال عاصم بهدوء وهو يبعد المقعد من

خلفه.....

"شبعت ياحاجه الحمدلله....يدوب الحق شغلي...."

لم تضغط عليه في الالحاح بل قالت

بصوتٍ فاتر........

"وانت فطريقك لشارع الصاوي عدي على بازار

حكيم وهتلي منه الفازة اللي وصيته يعملهالي

من شهر فات........."

ابتسم عاصم قليلاً مع تذكر حبها للتحف

الأنتيكات الفرعونية واهتمامها بهما بمبالغة

وكانهم أولادها الصغار........

"حاضر هعدي عليه.........سلام عليكم......"

عندما غادر أمام عينيها رددت بصوتٍ خافض

يشع حبٍ وامتنان لوجوده معها.......

"طريق السلامه ياحبيبي.....طريقة السلامه

يابن الغالي..........."

فتحت إلهام هاتفها وارسلت رسالة في الخفاء محتواها كالاتي.......

(مش قولتلك لسه بيحبك وقريب أوي.....هيردك لعصمته........وبكرة تقولي إلهام اختي قالت.....)

........................................................................

هواء منعش مالح للبحر القريب من هنا.....و شمس تبدأ بالغروب بين السُحب.........العصرية في شارع الصاوي نهاراً أهدى وأفضل من الصباح لذا يفضل الخروج عصراً للتجول بين محلات الصاوي ملك العائلة وبين محلات الصاغه التي يديرها

بنفسه........

ضجيج هنا و زحام بسيط هناك.......محلات شاغرة واخرى تعج بزبائن...........هناك من يسير يحمل

هموم العالم على عاتقه وآخر يسير غير مبالي

بالحياة ومصائبها......فالديه ما يكفيه ليحيا

مرتاح البال............

صف سيارته جانباً وترجل منها بالحلة السوداء والنظارة المماثلة على عيناه........لديه طلة تخطف الانفاس وتجذب الأنظار طوله الفارع ووسامته الطاغية شعره شديد السواد واللحية المماثلة

والملائمة لملامحه الرجولية الوسيمة....

كل مابي عاصم الصاوي يحكي عنه......والكل هنا يهابه ليس خوفاً بل احتراماً لرجل أثبت للجميع

انهُ يستحق مكانة جدة يستحق ان يدير أعمال

العائلة......... يستحق ان يكون من آل الصاوي

أكبر تجار الذهب على مدار سنوات طويلة.....

دلف الى بازار حكيم قبل ان يصل لمحل الصاغة....

عندما رآه حكيم والذي كان يسحب من مبسم الارجيلة خلف مكتبة الصغير.....وكان رجل

بشوش وسيم في منتصف الأربعين من عمرة........هلل حكيم بمزاح عندما رآه........

"خطوة عزيزة يابن الغالي......زارنا النبي......"

"عليه أفضل الصلاة والسلام......عامل اي ياحكيم..."

قالها عاصم وهو يستريح على أحد المقاعد بالقرب منه.....

رد حكيم وهو يسحب من مبسم الارجيله بمزاج

رائق....

"الحمدلله بخير.....انت اي أخبارك...بقالك يومين

مش ظاهر يعني غطست فين......."

رد عاصم..... "هكون فين..... في الورشة......."

سأله حكيم بهدوء.....

"بتعمل شغل جديد.....مد له خرطوم الارجيله

"تاخد.. "اخدها عاصم منه وسحب منها القليل

ثم اعطاها له.....مجيباً.....

"آآه حاجة كده.........المهم الحاجه نصرة بعتاني

اخد الفازة اللي قالتلك عليها......."

مد حكيم يده واخذ فازة مغطاه بالورق....

واخبره وهو يفتح جزء منها ليراها معه....

"آآه عندي اهيه......حاجة كده إيه اورجينال

خالص.....اي رأيك... "

نظر عاصم اليه بالامبالاة......

"انت عارف اني مليش في التحف والكلام ده..."

عقب حكيم بسخط.....

"خايب........إزاي تكون فنان ومعندكش حس فني

ناحية الانتيكات دا فن يابنادم......"

رد عاصم ساخراً..... "سبنالك الفن يافنان........."

فابتسم حكيم وهو يلامس الفازة بيده

باعجاب......

"لا بكلمك بجد تعرف حبي للحاجات دي اكتر

من حبي لمرتاتي التلاته........."

ارتفع حاجب عاصم مشدوهاً....

"التلاته !!..... هما بقوا تلاته ياحكيم......."

رد الأخر بفخر عجيب.....

"وقريب هتجوز الرابعه.........احنا بنمشي

حسب الشرع ولا إيه....."

"ولا إيه......نهارك زي الفل.....انا هروح أشوف المحلات وراجع الدفاتر المتكومه عليا...."

قالها عاصم وهو ينوي المغادرة....لكن حكيم

اوقفه قائلاً...

"دفاتر إيه قعد بس.......جيبلك عروسة....."

لمعة عينا عاصم بتسلية

فسأله....

"عروسة !!......مين دي ......"

رد الاخر مبتهجاً..... "صاحبة المدام......."

ازدادت التسلية في نبرة صوت عاصم

فسأله بمكر.....

"انهي مدام فيهم........ماهما تلاته......"

كبر حكيم وهو يرفع اصابعه الخمسة في عينا

عاصم.......

"الله أكبر انت هتنق عليا ولا إيه.....صاحبة المدام التالته بس إيه فرسة....لولا انها صاحبة المدام انا كنت خلصت فيها بس انت عارفني محبش الخيانه

ولا الخاينين........"

ضحك عاصم وهو يهز رأسه هازئاً....

"لا إله إلا الله.....تصدق عيني دمعت من التقوى...."

شاركه حكيم الضحك مضيف بمزاح.....

"أمال ياجدع...........المهم قولت إيه......"

سحب منه عاصم مبسم الارجيله قائلاً وهو

ينفث دخانها في الهواء....... "تصدق بالله......."

رد حكيم بفضول...... "لا إله إلا الله....."

أردف عاصم واجماً.......

"انا بعد الطلاق نفسي اتسدت....وحاسس اني عايز اكمل اللي باقي من عمري في هدوء...وسلام....

بعيد عن نكد الستات وزنهم ......."

اخذ منه حكيم الارجيله قائلاً بحسرة......

"والله عندك حق انا برضو نفسي اعيش في هدوء وسلام بس هنعمل إيه الواحد بيكمل نص دينه..."

سأله عاصم بمزاح.....

"تكمل نص دينك بتلاته ياحكيم......."

رد حكيم نادماً...... "مانا قولت اكمله كله........."

تحشرجت الضحكة في حلق عاصم فخرجت

بسعال فقال وهو ينهض....

"يخربيت فقرك...........انا ماشي......"غادر عاصم

بعد ان ألقى التحية فقال حكيم بود.......

"ابقا عدي ياعصوم........."سحب حكيم

من الارجيله مضيفاً بشرود.....

"جدع الواد عاصم ده بس فقري.......ملوش حظ

في النسوان.......... "

......................................................................

يتخطى بالحذاء الأسود سلالم المبنى حتى وصل

للدور السادس فأخذ نفساً طويلاً وهو يرجع خصلات

شعره التي سقطت على جبهته من شدة نعومة شعره الأسود الغزير.......رفع عسليتاه الداكنه ذات لامعة الإجرامية بريق يجذب يقتل ويسرق القلوب...

كان مصوبها على باب الشقة في دور السادس...

تلك الشقة بها امراءه سارقة محتالة أخذت شيءٍ

صعب الإسترداد.......

بعد لحظة من تأمل الباب المغلق يأس من خروجها فتابع صعود السلالم للدور الأخير الذي يحمل لافته

(عثمان الدسوقي...)والده......

تخط ثلاث درجات بالعدد ووجد من تبسبس له

من الخلف بتردد......

ابتسم بمكر ودون النظر تابع في تخطي الدرج الرابعة.....ذادت الإلحاحية وكانها تنادي على قط

عنيد غبي لا يفهم.......

زفر مستاءاً من جبنها فالتفت إليها بحاجب

مرفوع قائلاً.......

"مش عيب نبسبس للاسد........."تقدم منها بذهو

وبوسامة تخطف قلبها متابع......

"راحت الهيبه...."

وقف امامها وكانت تقف امام فتحت باب شقتها بكامل اناقتها المعتادة ترتدي ثوب أسود طويل

مطبع عليه في كل جزء ثمرتان من الكرز......كانت

قصيرة بقوام غض ممتلاء قليلاً ملامحها أنثوية

رقيقه شعرها أسود ناعم به خصلات مصبوغة

باللون الاشقر.........

"جرالك اي ياحمزة..... بقالي ساعة بنادي عليك..."

اتى صوتها الحانق بتلك الجملة فرد حمزة

بتعجب.......

"بتنادي ولا بتبسبسي.... هو احنا بنسرق يانوجه

دا انتي خطيبتي يابت........"

حانت منها نظرة خلفها في قلب الردهة ثم عادت

إليه قائلة بارتياع.......

"أعمل اي بس امي جوا..... ولو شافتني وقفه معاك هتسمعني كلام ملوش لازمه فقولت ابسبسلك عشان متسمعناش........"

عند سيرة امها زفر وسأل بفظاظة....

"طب وعايزه إيه......."

انعقد حاجباها بدهشة......

"اي الرد الرخم دا ياميزو.... وانا اللي افتكرت إني واحشاك زي مانت وحشني......."

أجاب حمزة بصدق.......

"انتي وحشاني علطول يانجلاء.... بس سيرة أمك دي بتقفلني من اليوم كله.... انا بقالي سنتين مستحمل

كلامها واسلوبها......"

القت الوم قائلة.....

"لو كنت كلمت أبوك عن الشقه........"

قاطعها حمزة بزفرة استياء والعجز يلوح

بعيناه......

"مش راضي يانوجه.... قالي طالما خطبة من ورايا وعملت اللي في دماغك اتجدعن كده وجبلك شقه

برا........"

تحركت حدقتاها بذهول وهي تتمتم باسى على حالهما معاً..........

"لا حول ولا قوة إلا بالله.... ابوك ده هيشلني... يعني

يبقا صاحب عمارتين في انضف حته على البحر

الدور فيهم يجي أربع شقق مستخسر يديك

منهم شقة....... شقة واحده نتجوز فيها........"

أردف حمزة بصوتٍ كئيب...

"هو انا اللي هقولك.....مانتي عارفه اللي

فيها......."

طبطبت نجلاء بيدها على صدرها قائلة

برجاء.......

"طب ونبي.... ونبي حاول معاه تاني عشان خاطري ياحمزة......انا مش عارفه أقول لامي إيه...وبصراحه

بقا امي عندها حق انا مش أقل من اي واحده في عيلتنا اتجوزت في شقه ملك........"

أومأ برأسه بحنق.......

"سبيها على الله يانجلاء.....هتفرج... "ثم نظر

لها بخبث قائلاً.... "بس اي الحلويات دي..."

ضحكت بدلال وهي تمسك حافة الباب المفتوح جوارها....... "انت اللي عنيك حلوة والله......."

"بجد......." مالى عليها وهو يضحك فوضعت

يدها على صدره وابعدته قليلاً قائلة بدلال.....

"بس بقا......."

مالى مجدداً طامع في الأكثر...

"مفيش حاجة علينا يانوجتي......"

تلاشت الضحكة ودفعت إياه بقوة في

صدره مجدداً قائلة بحزم...

"ولا لينا.......... قولتلك امي جوا......."

لوى شفتيه باستياءاً.......

"على أساس ان لو امك مش جوا يعني هطول

حاجة منك....... بقالي سنتين خاطبك بمسك

إيدك بالصدفة....."

قالت نجلاء ببساطه.....

"كفاية عليك.... عايز إيه اكتر من كده......"

مسك يدها وقبلها قائلاً بمداعبة صريحة....

"حاجات كتير ياجميل......بس انت حن ياجن....."

سحبت يدها تخفي توهج وجنتيها وخفقات

قلبها العالي......

"حسى اني مخطوبة لحشاش.....غير أسلوبك

خليك رومانسي......"

سالها ببراءة...... "اقول اي يعني......"

قالت بدلال..... "قول اي حاجة حلوة ........"

"بحبك......في احلى من كده......"قرب راسه منها

فابتعدت نجلاء عنه ضاحكة بخجل...........فنظر له حمزة يتأمل جمال ضحكتها على وجهها المليح وصوتها الحامل بين الانوثة والرقة...

"بموت في ضحكتك........"

احنت رأسها بخجل وهي تقول بصوتٍ حلو

كحلاوة ضحكتها.........

"وانا والله.....بحب اشوفك وانت بتضحك ووانت بتهزر..........بحب انكشك...... انت عارف انا

بحبك قد إيه ياميزو.........."

"عارف يانوجتي...... بس الرومانسيه الكتير

دي خطر علينا....."قالها وعيناه تتوهج بجنون

مع كل حركة وضحكة وهمسة تصدر منها.....

فقالت نجلاء مبتسمة....

"خلاص نبقا نكمل كلمنا بليل في التلفون........"

اوما براسه وهو يقترب منها بلؤم.....

"موافق بعد الساعة اتناشر ......بس اي

ده........اي اللي على كِتفك ده...."

مالت تنظر على كتفها لتجده يطبع قبلة على

خدها الناعم اعطته صفعة خفيفة من هول

الصدمة.......فزمجر حمزة وهو يتحسس

وجنته.......

"يخربيتك امال لو كانت جت في الهدف كنتي عملتي إيه........"

رفعت يدها بشراسة... "كنت سودت عيشتك و..."

"هشش ولا كلمة انا سيبك على راحتك

بس بعد الجواز في حاجات كتير هتتغير وأولها........."مالى عليها هامساً بعدت

كلمات وقحة........فاصدرت نجلاء شاهقة عالية

على اثارها آتى صوت امها بتساؤل من داخل الغرفة......

"في اي يانجلاء......بتشهقي كد ليه يابت....."

عقب حمزة مشاكساً.....

"لو جدعه قوليلها.....بتشهقي على إيه......."

نظرة نجلاء لحمزة ثم للداخل.......ولحقت

نفسها سريعاً صائحة.......

"بشهق على الملوخية يامه......الملوخية......"

غمز لها حمزة بمراوغة وهو يمسك يدها البيضاء

يتفحصها بمكر ثم قبل اصابعها واحداً تلو

الآخر......

"سيدي على الملوخية..... وجمال الملوخية......."

سحبت يدها وهي تبعده عنها قائلة

بحنق....

"أبعد عني ياحمزة......هتفضحني....وامي

هتشوفك.... "

تحدث بتبجح قائلاً......

"ماتشوفني......انا قاري فاتحه وملبس دبل...."

عقدت ذراعيها امام صدرها.....

"وده بقا يديك الحق تقف معايا على باب الشقه..."

وضع يده في جيبه متحدياً إياها بقوة....

"دا يديني الحق.....اتغدى معاكم النهاردة......من الملوخية اللي شهقتي عليها......هو انتي فعلاً

هتعملي ملوخية......."رفع حاجبه بخبث..

فردت نجلاء بشفتي مقلوبه......

"مضطره أعملها عشان متشكش فيا.......اطلعلك طبق...."

اخرج يده من جيب البنطال وقال بمراوغة...

"مبحبهاش.........المهم انا طالع لحسان الشهقة

الجايه هتبقا مفقوصه أوي......وهتعرف ان

انا اللي على الباب..... "

قالت نجلاء متخصرة.....

"ودا مناك انها تشوفنا وتسمعني كلمتين

ملهمش لازمه...."

"عيب عليكي ....انا كده برضو....."القى عليها

نظرة عتاب لئيمه فقالت سريعاً......

"مش كده...... بس لو شافتنا هتعمل إيه......."

رفع كتفيه متحججاً..... "معرفكيش......"

"شوفت......."ضحك الاثنين سوياً بصوتٍ عالٍ فاتسعت أعينهما مع صوت الضحكات فوضع

كلا منهما يده على فمه والضحكة مستمرة

تشاركها أعينهما بلمعة حلوة كحلاوة حبهما.....

.....................................................................

فتح باب الشقة بالمفتاح فوجد أخته الصغرى( كيان) تحمل طبق الحساء بحرص وتسير بخطوات بطيئة

وعينيها مصوبها عليها حتى لا يقع على يداها....

وقد قالت فجأه بفزع......

"سخنه.. سخنه.....سخنه...سخنه.......حمزة هتقع

من ايدي....... هتقع من ايدي..... "

أغلق حمزة الباب سريعاً واتجه اليها وحمل عنها الطبق قائلاً باستهانه......

"هتفتحي بيت إزاي وانتي مش عارفه تشيلي

طبق شوربة !!........."

امتصت كيان ابهامها واستدارت عائده

للمطبخ.......

"سخنة أوي........اوووف....انا هروح اجيب طبق المحشي من جوا بقولك حطها على السفرة وغير هوا......انا هموت من الجوع وشهد مذنباني عشان خاطرك........"

سألها حمزة بنبرة مغبرة...."أبوكي هياكل معانا....."

"أبوك مش هنا عشان يأكل معانا.....عند مراته التانيه

مُهجة......"هزت كتفيها بميوعة ولؤم ثم دلفت للمطبخ سريعاً.........

عندما دخلت كيان للمطبخ اخبرت شهد التي

تضع الطعام في الاطباق......

"اخوكي جه........"

قالت شهد وهي تغلق الحلة بالغطاء......

"سامعه صوته.........يلا خدي طبق المحشي ده

على ماجيب اللحمة........"

"متنسيش اللمون......"قالتها كيان وهي تخرج من المطبخ.........

وضعت كيان الطبق وهي تصيح مهلله.....

"يلا ياميزو.....الأكل ياميزو....جُعنا ياميزو......."

خرج حمزة من الغرفة بملابسه السابقة.....فعقدت شهد حاجباها بتساؤل......

"ليه مغيرتش هتخرج تاني........"

رد وهو يسحب مقعداً ويجلس ورائحة الأكل

الشهي فتحت نفسه على الطعام....

"آآه مشوار كده......."

بدات كيان بالاكل وهي تسأله......

"اوعى يكون عواء...........مشويرك كلها بقت عواء وبقيت بتدخل في خناقات وحوارات ملكش فيها.."

لم ينظر لها حمزة بل اكل بنهم وهو يرد

ببرود....

"الحورات دي مش جديده عليكي....ولا انتي عشان بقيتي محاميه......بقيت خايفة على شكلك قدام الناس......."

تدخلت شهد بصوتٍ حاني......

"هي خايفه عليك ياحمزة....وانت كبرت على الكلام ده.....وفعلاً ملوش لازمه الحوارات دي كلها...."

رد حمزة بصوتٍ محتد قليلاً.....

"على أساس اني بختار الحوارات دي ماهي اللي بتجيلي لحد عندي......"

اعترضت كيان بدفاع.......

"المكروباص اللي شغال عليه والموقف اللي بتقف فيه مش توبك يابن الدسوقي......."

رد حمزة مزمجراً ممتنع عن النظر لعينيها.....

"معلش مكناش فالحين في التعليم زيك....فالشارع

اختارنا واحنا رضينا بيه......."

نظر لها تلك المرة بغضب.....

"اتحذفت بالاستيكه......عمايل ابوكي فيا......."

قالت شهد بصعوبة وهي تشعر بالاختناق

لمجرد انها ستدافع عن أبيها !!.......

"أبوك محرمكش من التعليم ولا هو اللي طلعك

من المدرسة........"

نظر لها حمزة واردف بنبرة تقطر مراراً......

"صح....بس حرمني من اني انام في فرشتي زي بقيت الخلق.....كنت ببات في الشارع اكتر ما ببات في سريري........سبونا نبلع اللقمه الله يرضا

عليكم......"

حاولت كيان تخفيف الجو المشحون بسببها

فقالت بمرح طفيف....

"خلاص متزقش.......كلمتين بنفضفض بيهم مع بعض..........المهم قبلت نوجة على السلم...."

رد بغلاظة....... "وانتي مالك......"

سالته بسماجة.....

"عادي يعني عايزه اعرف قولتلها إيه......."

كرر حمزة الرد بقلة تهذيب....

"وانتي مالك برضو....... ومال اللي جابك......."

ارتفع حاجب شهد بصدمة...... "حمزة......"

مطت كيان شفتيها بقرف قائلة....

"قليل الذوق.....انا هركز في المحشي احسن....."

"حشي وانتي ساكته......."ثم التفت لشهد قائلاً

بمناغشة.......

"خليني انا مع الرايق الهادي ده......مالك لونك مخطوف ليه حد زعلك......اوعى يكون كيمو..."

صاحت كيان بغيظٍ وهي تضرب قدمه بقوة من

أسفل الطاولة........ "اسمي كيان.......... كياااان......"

ضحكت شهد ثم قالت برحاء....

"متقفلهاش بقا ياحمزة.......وسبها تاكل......."

"بجد مالك......."سالها مجدداً...

"باختصار شديد اتسرقت........"قالتها كيان وهي تمضغ الطعام.......

فلاح الاستياء على وجه شهد ونظرة لها

بعتاب...

"مين سرقك........وسرق إيه بظبط......."

ردت شهد وهي تقلب في طعامها وقد فقدة الشهية

على سيرة السرقة.......

"فلوس أوردر كنت عملاها....وصلته ناحية (***)..

ووانا بعد الفلوس لقيت واحد نتشهم مني وطلع يجري جريت وراه لقيت ركب مكنه ورا صاحبه

وكل اللي عرفته ان اسمه حبايه...... ودا الاسم

اللي نداه بيه صاحبه لما ركب وراه......."

ارتفع حاجب حمزة مذهولاً......

"حبايه !!.....شكله إيه....قصير كده واسمراني...

ورفيع......."

اومات شهد مشدوهة.....

"أيوا تقريباً.......انت تعرفوا........"

جز حمزة على أسنانه قائلاً.....

"دا من الساحة........أبن ال.........لما أشوفه بس...."

قالت كيان بسخرية....

"على ما تشوفه يكون صرفهم......."

رد حمزة وهو يرتشف من كوب الماء جواره.....

"ما اللي زي دول ملهمش مكان ولا أهل..... مش

هعتر فيه غير في الساحة....... "

قالت شهد باستهانه وهي تفتح مجال اخر

للحديث......

"بلاش تتعب نفسك وتدخل في مشاكل ملهاش

لازمة ربنا يعوض عليا.......خليني اكلمك في المهم....انت عارف اني خريجة سياحة وفنادق.....

و بقالي خمس سنين بشتغل في مطاعم الفنادق وغيرها......دا غير شغلي في البيت جمعت مبلغ كويس وناويه اقرب من حلمي واخد خطوة

واحده لقدام....هو اني أأجار مطعم باسمي.........."

ضيق حمزة عيناه العسلية وهو ينظر لها

بشك......

"هو انا ليه حاسس ان المقدمه الطويلة دي وراها مصيبه.... انتي مش بتيجي تستشيري حد في

حاجة غير لما تكون في حاجه معصلجه معاكي

.... ادخلي في المفيد..... لقيتي المطعم ولا عايزني اكلم سمسار والأهم معاكي فلوس فعلاً ولا هتغرقينا... انا ممكن اساعدك بالفلوس اللي شايلها للجواز.... ولم تفرج نبقا نقسط......."

هزت شهد رأسها وهي تخبره باختصار

شديد....

"لا محتاجه سمسار ولا محتاجه فلوس مستوره الحمدلله...بصراحه العقبة بس اللي قدامي ان

المطعم اللي عيزاها... في شارع الصاوي........."

رد حمزة بحيرة وهو يفكر معها بصوتٍ

عالٍ....

"مطعم مين ده........مفيش في شارع الصاوي مطاعم اغلبه بتوع الصاغه منهم محلين صاغه تبع عيلة الصاوي واحد في اول الشارع وتاني في اخره.....

وبازار حكيم.... وقهوة مينا النصراني........ومكتبة أحلام........ وكام سوبر ماركة......على كام محل هدوم.....فين المطاعم......"

ردت شهد بلهفة وعيون تلمع......

"مطعم الجمال........كان فتحه جمب مكتبة أحلام

المطعم ده اتوضب وفتحه من أربع شهور فاتوا ولما ملقاش زباين وخسر..... فسخ عقد الإيجار مع عاصم الصاوي.......وساب المطعم........والمطعم دلوقتي مقفول ومعروض للإيجار.... "

سالها حمزة بغيرة......

"وانتي عرفتي الكلام دا منين....بتنزلي شارع الصاوي ولا إيه........."

هزت شهد رأسها مجيبة....

"لا خلود قالتلي......جوزها حكالها مانت عرفوا بشير........."

اوما حمزة بتذكر....

"عرفوا.........هما ناوين يشتغلوا معاكي......"

اردفت شهد....

"ان شاء الله.....بس مقولتش اي رأيك......"

قلب حمزة في الحساء أمامه قائلاً

"مكنتش اعرف ان حلمك تفتحي مطعم في

شارع الصاوي........"

حولت كيان بصرها لاختها تتابع ردها....فقالت شهد

طامحة.........

"انت عارف ان حلمي اكبر من كده...وانا قولتلك انها أول خطوة..........بس محتاجه اعرف رأيك بما انك رجلك في المكان اكتر مني.......اي رأيك....."

رد حمزة وهو يقلب الامر برمته في

راسه.....

"هو حلو وشارع الصاوي معروف والمكان كويس ومش شعبي خالص.....الرِجل فيه حلوة في الراحه

والجايه.......المكان ليه زباين ومن كل الطبقات والكل يعرفوا.......والاحسن من ده كله ان المطعم مش هيكلفك غير العده بتاعتك......والايجار مقدور عليه.....مكان تاني ممكن يحتاج توضيب...

والجمال زي مابتقولي وضب وظبط فيه

على حسه....... بس......."

انكمشت ملامح شهد باستياء.... "بس إيه........."

رد حمزة ببساطه...

"نص شارع الصاوي بمحلاته ملك لعيلة الصاوي.....وعاصم الصاوي مبيأجرش لحريم...."

تدخلت كيان في الحديث بتعنت....

"لي بقا مانت لسه قايل المطعم جمب مكتبة احلام.......هي أحلام دي راجل......."

زم حمزة شفتيه مجيباً ببساطه.....

"أحلام دي ورثه المكتبة اباً عن جد....يعني ملكها...

افهم ياكيمو.......عاصم مبيحبش يسلم املاكه لحريم عشان لو حصلت مشكله كده ولا كده هو اللي هيدبس عشان المكان بأسمه........"

قالت شهد بتعجب....

"واي بس المشاكل اللي هتحصل ياحمزة....انا راحه اشتغل ولا راحه احارب......."

قال حمزة بتشأم......

"شارع الصاوي مشاكلة كتير........ومظنش ان

مطعمك هياكل هناك.............. "

دافعت عنها كيان بمحبة...

"ليه شاكك في شطارة اختك.......عيب عليك دا

انت بتاكل من تحت ايديها كل يوم........وتشهد بحلاوة اكلها..... وطعمته..... "

أومأ حمزة براسه موافقاً.....

"أكل اختك لا يُعلى عليه....بس احتمال كبير يفشل مشروعها زي الجمال......"

لوحت كيان بيدها بتعنت......

"جمال مين ياعم صلي على النبي....أختك بعون آلله

هتخلي الجمال بذات نفسه يشتري من مطعمها..."

حاولت شهد معه برجاء......

"حمزة الله يرضا عليك بلاش تعقدني....واقف معايا

وساعدني أكتب عقد إيجار لمدة سنة مع اللي اسمه عاصم ده......."

هز حمزة راسه مصمماً...

"مستحيل قولتلك مش بيأجر لحريم......."

تدخلت كيان مقترحه....

"خلاص أجر انت المطعم بأسمك.....وهي

تشتغل فيه..."

هتفت شهد سريعاً باستحسان للفكرة...

"حلوة اوي الفكرة دي.... وانا معنديش مشكلة

يبقا العقد باسمك........"

انعقد حاجبي حمزة مفكراً.......

"يسلام ولما يعرف اننا اشتغلناه.......هيكون شكلي إيه قدامه......."

حاولت شهد الالحاح باستعطاف....

"مين بس اللي هيقوله....لما يسألك قوله بتشتغل معايا......وانت اكيد هتيجي وتروح عليا مش

هتسبني كده لحد ماخد على المكان والناس اللي فيه....."

زفر حمزة مصمماً برفض....

"الحوار مش هيمشي كده ياشهد......"

تدخلت كيان بعناد.......

"امال هيمشي ازاي ياحمزة...على فكرة بقا انت اللي مش عايز تساعدها تاخد أول خطوة وتقرب من حلمها..."

أشار حمزة على نفسه ذاهلاً......

"انا......من امتى وانا بقف قصاد حلم حد فيكم او حتى شغله......." نظر حمزة لاخته بعطف أخوي وشعور العجز يخنق حلقه....

" انتي عارفه ياشهد لو ايدي طايلة كنت اشتريتلك أحسن مطعم فيكي ياسكندرية وعلى البحر كمان....."

ابتسمت شهد وربطت على كتف اخيها دون

تعليق.....فقالت كيان بغيرة.......

"يسلام....... وانا بقا كنت هتديني......."

"اديكي في سنانك......."ضحك حمزة لاغاظتها

فوجد ملامح كيان انكمشت فمد يده وقرص

وجنتها بمحبة قائلاً......

"اللي تطلبيه لو نجمة من السما هجبهالك....انا

عندي كام كيان........."

لمعة عينا كيان بتمني.......

"تعرف انا نفسي افتح مكتب محاماه واشتغل

بأسمي زي سليم الجندي اللي شغاله عنده ده......."

شاركها حمزة احلامه قائلاً......

"وانا كنت هفتح مشروع واشتغل حُر نفسي واشتري شقه....شقه إيه بيت كبير بجنينه حلوة كده ونعيش فيها كلنا واتجوز نجلاء.......ونرتاح بقا...... "

قالت شهد بسخرية....

"محتاجين مصباح علاء الدين........"

لوت كيان شفتيها قائلة بواقعية....

"او ان ابوكي يحن علينا ويفك الكيس شويه....

ويحاول يدينا اي حاجة من ورث ماما......"

أردف حمزة هازئاً بمرارة......

"ورث امك والعمارتين اللي يملكهم وحاجات كتير اوي عايزين نعرف مصيرهم إيه واحنا محتاجين

ليهم بالشكل ده.........."

"لو يموت هنرتاح..........."قالتها كيان بقسوة

وهي تنهض عن مقعدها......

فنظر حمزة الى أخته وهي كذلك فأخبرها بإبتسامة

ساخرة مُرة كمرارة الكلمة التي القتها اختهما

الصغرى قبل ان تبتعد.........

"وصلنا لليوم اللي بقا في حد فينا بيتمنى موته....

وحد تاني تعب من وجوده......وحد تاني....."

اكملت شهد عنه بصوت مرير......

"حد تاني انكسر على ايده....فاختار السكوت....."

مسك يدها شاعراً بالوجع والشفقة نحوها منذ

هذا الحادث المشئوم......

"محدش يقدر يكسرك ......احنا جمبك......"

كانت تود البكاء لكنها قاومت تلك الرغبة

بابتسامة هادئة.......

"وده اللي مطمني.....أنسى......المهم هتتفق مع

عاصم الصاوي وتمضي عقد الإيجار بأسمك......."

لم يجد إلا الموافقة وتلبية طلبها فالأول

مرة منذ سنوات تطلب منه شيءٍ مهماً

وبهذ الالحاح الشديد......

"ان شآء آلله اشوفه الأول عايز يأجرة ولا لا.....وبعدين الباقي هيجي واحده واحده.... "

نهضت شهد عن المقعد تشكره بامتنان

وسعادة...

"ربنا يخليك ليا ياحمزة.......فرحة قلبي انت

احسن اخ في الدنيا.........."

نهض حمزة كذلك واخذها في احضانه

قائلاً بحنو....

"وانتي احن اخت في الدنيا كلها......."

خرجت كيان من الحمام فوجدتهما يتعانقا

فقالت بنباهة.....

"اي ده شكلكم اتفقتوا........."

اومات شهد بإبتسامة واسعة...فركضت كيان

اليهما قائلة بابتهاج.......

"مبرووك ياشوشو.......خدوني في حضنكم انا كمان....."انضمت اليهم وتعانقا ثلاثتهما معاً...

كانا الأختين كلاً منهم ترتاح على كتف حمزة بينما

يربت هو على كتفهن بحنان اخوي.........

لم تكن يوماً الحياة عادلة مع واحداً منهم فكل شخصاً اذاق الصعب والصبر في كأس واحد

وكلاً منهم حكمت الحياة عليه بسير في طريق

يختلف عن الآخر ورغم ذلك كان ترابطهما وحبهما

والمساندة والاخوة فوق كل شيءٍ.......واهم من

اي شيء........فأصبح( الحب أولاً ) رغم الصعوبات وعواقب الطريق.............

......................................................................

بعد ساعة كان يرتشف حمزة من كوب الشاي وهو يشاهد أخبار أليوم عبر التلفاز تشاركه الجلسة

شقيقتيه.....وكانت شهد منشغلة في تفحص احد مجلات الطهي الغربي وكيان تعبث في هاتفها

بملل........

طرق غليظ على باب الشقة جعل شهد تنتفض برهبه خلقت داخلها كفطرة لا تزول إلا بالموت !!........

فنظرت كيان لاخيها قائلة بدهشة.....

"أبوك ده......"

" أكيد هقوم افتحله........."قالها حمزة بجفاء

وهو ينهض عن الاريكة متجه الى الباب.......

فالقت شهد بالمجلة على الطاولة وعلقت عينيها العسلية على باب الغرفة التي خرج منها حمزة ولم تلبث الثواني إلا وسمعت صوت ابيها الجهوري يسب في حمزة بالعن الكلمات ويهين شرف امهما التي من المفترض انها زوجته.........

قفز الفتيات متجاهان الى اخيهما بسرعة.....فوجدا ابيهما ( عثمان الدسوقي) يمسك في ياقة قميص

حمزة ويحاول خنقه وهو يلصقه في الحائط بمنتهى الغل والقسوة..... عثمان الذي تخطى الشيب شعره فأصبح في منتصف الخمسون من عمرهُ ، ومعها

كثرة اخطاؤه وافعاله المخزيه عند اولاده الثلاته......فأصبح لا يعني لهما الى عزرائيل الدنيا يزهق آلروح ويعذبها دون ان تفارق الجسد......

هذا الرجل الذي ازدادت غلطاته وقساوته وجمود قلبه عليهما فأصبحت (كيان) تتمنى موته و (حمزة..)

يمقت عليه و(شهد..)رهبتها منه تزهق روحها بالبطيء !!........

تدخلا الفتيات سريعاً يحاولا فض الاشتباك بينهم.. فصرخ عثمان بكرهاً وهو يمسك ياقة قميص حمزة بعنف يدفعه ظهره في الحائط خلفه بقوة......

"انا يالا تفضحني وتشتكيني لسامي السماك......"

تحدث حمزة وهو يحاول الافلات من بين يداه

القوية......

"انا مفضحكتش انا قولتله يكلمك...... يكلمك

تديني شقه اتجوز فيها من اي عمارة من العمارتين اللي عندك او تساعدني بمبلغ صغير ولما ربنا يفرجها عليا هرجعهولك........."

هتف عثمان بصوتٍ بشع......

"منين ياصايع.... من المكروباص الخربان اللي

شغال عليه ولا من قعدتك مع الصيع في

الساحة......."أضاف وهو يدفعه في الحائط

بقوة.....هاتفاً بمنتهى البرود.....

"وبعدين انا حُر ياخي في فلوسي وعماراتي....

اديك منهم ليه....... ما تصرف..... تتجوز ولا

ان شا الله ما عنك ما تجنزت انا مالي........"

فارت دماء حمزة فصاح هائجاً....

"خلاص اديني ورث امي اللي لهفته منا......."

وقع قلب الفتيات وهم ينظران للبعضهن برهبة

من القادم....فضحك عثمان ساخراً وهو يدفع

ابنه للحائط من جديد محدثة بتوعد........

"هاهااو...... هي أمك كمان ليها ورث عندي.... أسمع يالا عايز تقعد في البيت ده تقعد بادبك غير كده قسماً بالله أسود عيشتك وبلغ عنك الحكومه وقول عنك إرهابي وساعتها مش هتشوف النور تاني....

ولا حد هيعرفلك طريق..... "

صاح حمزة بغضب وبرقة عيناه بالدموع دون ان تسقط من حدقتيه...........

"انت اي ياخي شيطان هو انا مش ابنك... احنا مش ولادك.........ارحمنا ودينا حقنا....... ولا ناوي تكتب العمارتين لمراتك التانيه........"

تحدث عثمان بتشفي وهو ينظر له ثم

للفتيات بنفس القسوة والجحود......

"لو حكمت هعملها عشان اقهركم انتوا التلاته ولا اخلي واحد فيكم يتهنى بفلوسي ياولاد كريمة...."

صاح حمزة مزمجراً بكره.....

"وطالما انت كارهنا اوي كده.... جبتنا للدنيا ليه.....

ها ليه... "

اخبره عثمان باشمئزاز.......

"غلطة أمك ياخويا..... كانت طمعانه فيا زيكم كده بظبط فقالت تربطني بالعيال........عرفت جيت الدنيا

إزاي ياصايع........"

"انا عايز حقي.... عايز حقي....دا ميرضيش ربنا...."

اندفع الغضب داخل حمزة مرة واحده فدفع والده قوة بعيداً عنه......حينها اتسعت عينا عثمان وهو يتقدم منه بملامح تنذر بالخطر....

"انت بتزقني يابن ال****......."

اشتبكا الإثنين في بعضهم بقوة كالاعداء فتدخلت الفتيات بالدموع والصراخ.......

فصرخ عثمان وهو يحاول اخراجه من الشقة....

"اطلع برا بيتي.....مش هتقعد فيه تاني....ارجع للشارع اللي جاي منه......أطلع برا يابن ال****..."

سالت الدماء من انف حمزة من شدة الصراخ والضغط النفسي.......مسكت شهد ذراع أبيها

وهي تبكي تترجاه بقوة ان يتركه....

"بالله عليك سيبوا.... هيبات فين دلوقتي.....

سيبوا بالله عليك......."

برق لها عثمان بعيناه بشر وتوعد تلك النظرة التي تحفظها جيداً وتذكرها باسواء يوم عاشته.....وتليها

ايام اسواء منها........

"سيبي دراعي........."دفع يدها بقوة وصفعها

على وجنتها بقوة..... فشهقت كيان وتسمر حمزة مكانة بعد سماع الصفعة التي تلقتها شهد دون

ذنباً....

تراجعت شهد خطوتين للخلف وأول شيءٍ بدات تلمسه للتأكد من وجوده كانت السماعة الطبية في أذنها اليمنى تثبتها بعد ان تحركت قليلاً.........ثم تحسست وجنتها المتوهجة آثار الصفعة القوية

التي تركت علامات لاصابعه الأربعة الغليظة.........

نزلت دموعها وفي اللحظة التالية ربط عقلها

بين الصفعة الحالية وصوت صفعات وصرخات

تحفظها اكثر من إسمها حادث مشئوم جعلها

تفقد أذنها اليمنى.......وتفقد معهُ روحها

النابضة...........وتفقد كل ما ينتمي للحياة

بداخلها........

مسح حمزة أنفه بظهر يده وهتف بانكسار

لأجلهن من بين انفاسه اللهثة بغضب.......

"انا همشي.....بس ملكش دعوة بيهم.....همشي......"

لم يكتفي عثمان بهذا الرد بل فتح الباب ودفعه للخارج واغلق الباب في وجهه بمنتهى القسوة

والجحود..........

استدار الى الفتيات كجبل شامخ قوي

صلب بالقسوة والجمود........وصرخ فيهن

بغضب.........

"كل واحده تغور على اوضتها........مش عايز

اشوف وش حد فيكم....... "

انكست كيان راسها وهي تبكي ودخلت غرفتها

سريعاً مغلقة الباب عليها بقوة..... وكذلك تحركت شهد نحو غرفتها لكن بخطوات بطيئة ميته

فاوقفها صوت عثمان الذي أخبرها بمنتهى

السادية والتشفي......

"بلاش تقفي قدامي تاني.....حافظي على نفسك لحسان المرة الجايه تخسري ودنك التانيه......

ساعتها هتعنسي بحق وحقيقي........ ومش

هتلاقي حد يبصلك....... "

اغمضت عينيها بقوة وقد انتفض جسدها من

مكانه حينما سمعت باب الشقة يغلق مجدداً

وأخيراً رحل عزرائيل حياتها......رحل مؤقتاً !!....

.يتبع

(تفاعل ⭐ للاستمراريه......دهب عطية......


2= الثانى = الجزء الاول= ج 1= في الساحة.... هذا المكان الذي كان يلجأ إليه كثيراً

او دائماً كلما طرد من البيت في فترة المراهقة...

واليوم عاد يلجأ إليه وهو في عمر الثلاثون !!...

غريبة الحياة معه كالعواصف الهائجة... تقذفه يميناً ويسار وهو معها تارك نفسه لها كفيلة بنجاةُ

او هلاكة.....من يعرف؟!.....

نظر للساحة من حولة فكان شارع كبير ممتد قديم الطراز والبيوت به صامدة شامخة تشهد على قرون

عجاف مرت عليها وعلى أصحابها......شارع يحمل رائحة البحر المالح الممزوج برائحة الرصيف الذي

يسير عليه الآن........يحمل رائحة البن المحمص

موسيقى قديمة لصوت مغني شاجن......شاجن

كقلبه........واحساسه يحمل العزلة....كالذي يحياها

الآن وهو يسير في حي يُدعى الساحة........

أثناء سيره في المكان المظلم والبارد في هذا الوقت من الليل سمع صوت يعرفه جيداً......

فتقدم من مكان الضجيج في أحد ازقة الشارع

الكبير.........

فوجد ثلاث رجال يجلسا أمام باب منزل صغير...

راقب ما يحدث........

كان يوجد امام الثلاثة كروت كوتشينه ومبلغ من الأموال...... أوراق بمائة.......... وضع احد الثلاث

الكارت الأخير صائحاً بمكر.......

"كده الواد يقُش.........والفلوس دي حلالي....."

مط صاحب الأموال فمه وتحدث بحنق....

"اصبر ياعمنا....... افهم الواد ده جه منين.... انت بتغش........"

تحدث الثالث متضامن مع الأول.....

"بيغش إيه ماهو بيلعب زيه زيك ولا عشان كسبك هتقعد تعيط وتولول زي النسوان......."

تحدث الأول بلؤم..... "شكله رجع في كلامه.........."

رد عليه الآخر كالبغبغان متضامناً معه.......

"حتى لو رجع في كلامه دا حقك ياصاحبي.... هو

شُغل عيال بقا ولا إيه....... إحنا بنلعب على فلوس

من زمان وهو أول واحد عارف بده......"

نظر الأول للخاسر بينهم وقال بلؤم واضح

وفرحة الفوز تسيطر عليه.....

"يمكن زعلان عشان المبلغ اللي خسروا اكبر من الأول.... متعوضه ياحبايه مع بعضينا ياصاحبي...

يمكن المرة الجايه تقش انت بالواد......."

ثم رفع الأول يداه نحو الأموال ولكن قبل ان

يلمسهم وجد يد رابعة غريبة تخترق المكان

وتلم اوراق النقود بل وتبدأ بعد المبلغ

بمنتهى التبجح !......

رفع ثلاثتهم اعينهم على حمزة الذي انعقد

حاجبيه وسال (حباية..)عابساً.....

"الفلوس اللي سرقتها كانوا كام يالا......"

رد حبايه وهو ينهض من مكانه مندهشاً....

"الف جني .......هو فيه إيه.........انت مالك ومال الفلوس دي......."

رفع حمزة عيناه ذات بريق الاجرام المشع

منها ورد بجمود.........

"تخصني.... ونقصين مية جني........جبت بيها

إيه....."

رد المدعو حباية بصعوبة...... "حشيش........"

ارتفع حاجب حمزة وتحدث باستهجان.....

"حبيبي !...... جايب بشقى واحده ست حشيش.....

انت مِلت امك إيه.... بتسرق عشان تصرف على

كيفك....... والباقي تطيره في القمار........"

تحدث حباية هاكماً.....

"وانت مالك هي كانت من بقية عيلتك......"

وقف الاول امام حمزة بتهور قائلاً

بغضب.....

"بقولكم إيه.... الحوار ده ميكلش معايا... الفلوس

دي بتاعتي وتخصني......."

ابعد حمزة يده الشاب قائلاً...

"بتاعتك إزاي يا رياسه......هو اي كلام وسلام...."

زمجر الشاب قائلاً.....

"لا مش اي كلام انا كسبتهم منه......"

عقب حمزة ساخراً.....

"يعني كسبتهم مع طارق علام.... الفلوس دي مسروقة ياخفيف وهترجع لصحابها......"

"ياعم انا صاحبها هات الفلوس وتكل على الله

بقا...."دفعه الشاب بقوة فوقع حمزة أرضاً.........

جز حمزة على أسنانه وهو ينهض من مكانه

وتأتأ بشفتيه باسى وهو ينفض ملابسه من

الغبار قائلاً بمنتهى الهدوء المريب.......

"كده.......... كده كرمشت القميص كده......."

اقترب حمزة منه وهو يهندم ملابسه قائلاً

بنزق.....

"لسه هغسل بقا وكوي....والله عيب.....عيب

علينا وآلله..."

وقبل ان يدرك الشاب من اين تاتي اللكمة كان قد سدد له حمزة اربعة لكمات في وجهه ثم بطنه

واسفل الحزام فوقع أرضاً متألماً.......هجم

رفيقة الآخر على حمزة ولكمة أسفل فمه

مرتين فنزف الدماء سريعاً ثم بدأ يدافع حمزة

عن نفسه وسدد له عدد من الكمات وركلات

لا بأس بها......حتى ركض الاثنين امامه

كالفئران بجبن......

مسح حمزة فمه وهو ينظر للمدعو حباية بشرٍ

خطير....فبلع حباية ريقه بخوف قائلاً.....

"أقسم بالله ماعرف ان اللي سرقتها تخصك لا من بعيد ولا من قريب....لو عايز الفلوس هي بقت في جيبك خلاص واذا كان على المية جنية......خد حتة

الحشيشه اللي معايا...ولا أقولك استنى اطلع بكره

انط على اي سبوبه وجبلك فلوسك....."

علق حمزة بقرف....

"سبوبه اللي هي سرقة تاني......."أومأ له بتأكيد

فزفر حمزة باستياء قائلاً بسخط.....

"لا حلال عليك الحشيش والمية مسامح فيه بس اقسم بالله لو اتكررت النمرة دي معايا او مع اي

حد تبعي هتزعل........وهتزعل بالجامد كمان.. "

تسمر حباية قليلاً وبدأ يحك في شعره المجعد

سائلا بغباء.......

"طب مانا اعرف الناس اللي تبعك إزاي لمؤخذه... انا بسرق بالبركة........ على الله يعني........"

جز حمزة على أسنانه منزعجاً وهو يقول

بحدة...

"الله يحرقك ياخي......غور من وشي.......ناقص

تقولي بصلي الفجر ودعي ان ربنا يسترها معايا

وطلع اسرق في الخلق.........غور يالا متفورش

دمي.... "

غادر حباية سريعاً من أمامه.......فراقبه حمزة

وهو يبتعد شاعراً بصدره يضيق وروحه تنفر من حاله.....فمن هو ليعطي عظة لهذا او غيرة........

لم يكن يوماً قديس في قلب الساحة أو خارجها.....

فلماذا الآن يفرد جناح الملاك بتلك الطريقة

فجأه وجد من يضع يده على كتفه استدار سريعاً

اليه وعلى وشك الهجوم......فصاح صديقة يرفع يداه.....

"سلطان.....اوعى تتهور........"

ضحك حمزة سريعاً وربت على كتف صديق....

فقال سلطان ساخراً......

"اي الرعب ده ولا كانك عليك طار......"

اخبره حمزة بمزاح......

"لسه ضارب عيال هايفه......افتكرتك حد منهم...."

أشار سلطان على حجمه الضخم وطولة

الفارع........

"هايفه وبالحجم ده........دا انت اعمى بقا......"

سحبه سلطان خارجين من الزقاق الى الشارع الرئيسي.....

"تعالى معايا نقعد على القهوة شوية....شكلك

متعارك مع أبوك........"

رد حمزة ساخراً..... "هتعارك مع مين غيروا........."

"لسه قلبه محنش........"ساله صديقة وهم يجلسا

امام ورشة خشب..........

"هو اللي زي ده عنده قلب........"قالها حمزة وهو ينظر أمامه بفرغ كئيب........ربت سلطان على

ركبته قائلاً برفق........

"روق بس بكرة تروق وتحلى......ماقولتلك تعالى أشتغل معايا... ما ورشة الخشب اهيه موجودة

....وانت صنايعي شاطر ياحمزة وايدك تتلف بالحرير...والله انت مستهون بالصنعة اللي في إيدك دي تكسبك دهب.... اديك شايف الحمدلله من وراها ربنا فتح عليا.....ولو حطيت إيدك في ايدي مين عالم....... يمكن الورشة تبقا مصنع........اي رأيك......"

التوى شفتي حمزة بنزق....

"حلتي اي عشان ادهولك ياسلطان....."

رد سلطان بتصميم.......

"صنعتك.....صنعتك ياجدع انا مش عايز

غيرها...... فكر بس..... "

هز حمزة راسه رافضاً.....

"لا مش عايز خليني زي مانا......"

تعجب سلطان من رده..... فعلق....

"من موقف لموقف ياحمزة ومن عركه للتانية....... جرالك إيه يابن النآس........."

"معرفش ومش عايز أعرف.....وقفل بقا على السيرة دي انا مش ناقص.....المهم اي اخبار الجواز......"

غمز له حمزة حتى يغير مجرى الحديث.... فرد سلطان بنبرة فاترة......

"الجواز.....كويس الحمدلله.....انت عارف... انها

بنت عمي ونصيبي........"

استغرب حمزة هذا الوضع الجديد فعلق......

"الغريبة انها عمرها ماكانت في بالك....دا انت كنت بتقول عليها عيله....لما كان بيجلها اي عريس...."

وكانه يزيد الهم على قلبه وهو يبرر وضعهما

الحالي.........

"مالفرق اللي مابينا أكتر من عشر سنين....داليدا عندها يدوب عشرين سنة وصاحبك عدى التلاتين.... فكانت بنسبالي صغيرة......." تمتم داخله بحسرة.....

"صغيرة !!......."

انعقد حاجبي حمزة سائلاً......

"شكلك مخبي عني حاجة مالك ياسلطان....."

هز سلطان راسه مبتسماً....

"ولا حاجة ياصاحبي....خلينا نشرب كوبية الشاي...

وطلع رايح في مكانك......."

"لا انا هنام في الورشة......."نظر حمزة للورشة التي تقبع خلفهم ....سأله سلطان بغرابة.......

"لي كده ياجدع ماوضتك موجودة فوق السطح....."

"قولتلك هنام هنا.........."رفض بحرج حتى لا يمر على شقة صديقة فالبيت الذي اتخذ منه غرفة

يلجأ اليها عندما يطرده والده.....كانت اساساً

بيت عائلة صديقة ........ولم يكن لائقاً

الصعود الآن........

"دماغك نشفة وهتتعبني.....على العموم هعدي عليك من النجمة....هصلي الفجر وانزل افتح الورشة....."

قالها وهو ينهض عن مقعده.........ثم أضاف...

"آآه هنزلك صنية العشا......."

امتنع حمزة سريعاً.....

"لا مش عايز.....مليش نفس........"

"متبقاش غشيم انت في بيت أخوك...."لكزه

سلطان بعتاب ثم اضاف قبل ان يرحل........

"نورت الساحة من تاني يانمس......"

........................................................................

بعد مدة دخل سلطان شقته الجديد والتي اتخذها في بيت العائلة الكبير منذ شهر تقريباً وهو يعيش

بها مع زوجته..........(داليدا.....)

عندما إطمئن على حمزة واغلق الورشة عليه صعد

لهنا لياخذ قسط من الراحة.....فمنذ الثامنة صباحاً

وهو في الأسفل بداخل الورشة يعمل ويصنع

اثاثات منزليه بالخشب.......

سحب نفساً عميقاً وهو يدخل الشقة ويغلق الباب

خلفه.......أول شيءٍ علق في أنفه عطر الجوري

الناعم التي تستعمل دوماً سواء عطراً خاص بها

او غسول استحمام..........

سمع صوت خرير الماء ياتي من الحمام المغلق...

فخمن انها تأخذ حماماً دافئاً....فدخل غرفة النوم

واشعل الضوء ومزال عطرها في كل مكان يطارده

من يوم يومها وهي تخطف الأنظار من حولها تثير

اهتمام الجميع.....حتى الآن يشعر انه ضيف في بيتٍ

يحمل رائحتها وروحها الحلوة !! .........

التقطت عيناه القاتمة ملابسها على الفرش المرتب

فعقد حاجباه عابساً....أخبرها مرراً وتكرراً....ان ارتداء

الملابس يكن في الحمام لا في غرفة النوم !!....

ارجع شعره للخلف بيده الحرة وباليد الأخرى عثعث في الملابس فكانت عبارة عن قطعتين داخليتين

من اللون الأصفر !!......ومنامة قطنية رقيقة للنوم......

ما علق معه أكثر الطاقم الداخلي الصغير شديد الانوثة والاغراء فظل ينظر إليه قليلاً......وفي لحظة ترك الملابس من يده وهو يبتلع ريقه بصعوبة شاعراً بمزيج ساخن يصب في عروقة فجأة.......

ماذا به ؟!.....منذ متى وتلك الصغيرة تحرك مشاعره

لم يكن في الحسبان يوماً التقرب منها باي شكلاً

كان........لكن بسبب فعلتها المشينة رضخ

لحسبات العقل وتزوج منها حتى يلم ماتبقى

من شرف العائلة والتي كانت تسعى بسذاجة

لوضع رؤوس الجميع بالوحل بعد فعلتها الفاضحة.........

أغمض عينيه بغضب كلما تذكر ما رآه.....ففي

خلال أسبوعين كان متزوج بها...وان كان سأله أحد قبل الاسبوعين هل مر على عقلك طيفها في صورة زوجة....سيسخر منه ويضحك موضح له انها بمثابة أخت صغرى له......اخت صغرى فقط ؟!.....

"سلطان !! ....."

صوتها الرقيق العذب انساب من خلف ظهره وكانت ملابسها مبعثره على الفراش بشكلاً مريب وقد راتها

جيداً لذا بلعت ريقها بحرج وهي تساله بغباء...

"انت جيت......."

بصوت خالي من اي مرح أجاب....

"انتي شايفه إيه........."

استدار لها ناظراً اليها بقوة فوجدها كما توقع تلف جسدها بمنشفة تبرز نصف ساقاها البيضاء ومن الأعلى كتفها وجزء من ظهرها.......كانت داليدا صغيرة جميلة امام بنيته القوية وجسده

الضخم عصفورة صغيرة.......

فكانت نحيفة لكن تشع انوثه......هادئة شكلاً لكن

بنظرة تخطف القلوب وتثير الاهتمام من حولها.....ملامحها تشع انوثة ولطافة الأطفال

لكنها انثى خبيثة عنيدة لأبعد حد..........شعرها

كثيف بني فاتح ناعم كالشلال لكن ماكر يغري للاقتراب منه وان فعلت ستغرق دون رجعه

مع صاحبته ؟!....

كل ما بها له مظهر خارجي رائع جذاب لكن عند الاقتراب يكن الضرر بالغ وغالباً يترك أثر على

المتضرر منه.........وهو لن يفعل........

سحب ملابسها سريعاً من على الفراش وكورها

بيده والقاها في وجهها فجأه قائلاً بحنق....

"مية مرة قولتلك تلبسي هدومك في الحمام

انتي مش عيشه لوحدك......."

مسكت الملابس وكبحت صرخة تمرد وهي تقول بصعوبة......

"آسفه مكنتش أعرف انك جاي دلوقتي... افتكرتك هتقعد مع صاحبك........."

قال سلطان بنظرة واجمة....

"روحي غيري يا داليدا...اي هتفضلي وقفه كده كتير...."

احمرت وجنتيها بقوة غيظٍ وخجلاً منه...فغادرت سريعاً للحمام لترتدي ملابسها.........

اخرج زفرة حارة وهو يتخلص من التيشرت الذي يرتديه فأصبح عاري الصدر بالبنطال فقط جلس على الفراش وهو محتار من أمره منذ متى وهو يشعر معها بتلك المشاعر..... منذ ان تزوج منها و أغلق

الباب عليهما وبدأت تطارده أفكار غريبة عن من

كان يتمنى ان يسلمها لزوجها بنفسه !........

شهر تغير الحال وانقلب كل شيءٍ راساً على عقب

فبات يراها بصورة أخرى... غير ابنة العم الصغيرة

الشقية التي اعتاد عليها على مدى سنوات

عمرها العشرون.......

"تحب احضر العشا......."

ها هو صوتها حينما تتوتر او تشعر بالحرج ياتي مهزوز بشكلاً ملحوظ...... أبتسم داخله....يثير

خوفها هكذا... وتثير هي غضبه عندما يراها

بمنشفة الحمام ؟!......

شعرت داليدا بالحنق منه...الأمر أصبح مكشوف ويتعمده....لماذا يجلس أمامها بهذا الشكل...

ألا يرى ان الوضع غير لائق للجلوس بكل هذه الاريحية....لما تعتاد على الأمر وهو من اول يوم

لهم وهو عاري... عاري......لا يعرف من ملابس البيت

الا بنطال او شورت.....والحمدلله انهُ يعرفهم...

زفرة وهي تشعر بعدم الراحة لهذا الوضع...خصوصاً

انه لم يرد بل ظل صامتاً شارداً....فظنت انه لا يسمعها

فقررت بصوتٍ أعلى......

"سلطان احط العشا......."

"لا........"رد مختصر ازعجها.....فقالت بانفعال...

"وطالما انت مش ناوي تتعشى......مقولتش

ليه........"

رد سلطان هازئاً.... "واي بقا عندك جديد غير المكرونه......"

انتفخت اوداجها مزمجرة....

"انت بتتريق انا......انا اشطر واحده في بيتنا

بتعمل مكرونه......."

رد بملل..... "بس انا مبحبش المكرونه........."

قالت داليدا بنزق.......

"عشان كده معظم الوقت بتاكل عند مرات عمي تحت......."

رد بطريقة مستفزة لأي زوجة......

"مفيش حد يقدر يستغنى عن اكل امه...حتى لو أتجوز........."

عقدت ذراعيها امام صدرها قائله

ببرود...

"تمام عندك حق.......يبقا اريح نفسي انا بقا

وبطل اطبخ خالص....."

عاند معها قائلاً بخشونة.......

"لا هتطبخي بس حاجة غير المكرونه........ساعتها

هاكل معاكي وهبطل اكل عند أمي......."

"دا كرم كبير منك يابن عمي......."عندما لم تجد منه رداً...تغيرت نبرة صوتها للوداعة وهي تقول.....

"ممكن اطلب منك طلب......"

اوما براسه بملل دون رد مريح........فقالت

بتراقب......

"ممكن تبطل تقفل الباب عليا وانت خارج....."

رد ببساطه.... "مضمنكيش........"

مؤلم هذا الرد يشعرها وكأنها......اغمضت عينيها

بقوة فهي من اوصلت نفسها لهنا......وخذلت ثقة

الجميع.........فتحت عينيها ونظرة اليه فقابلها

بعيناه القاتمة القاسية......فبلعت ريقها قائلة

بجدية أكبر........

"انا بتكلم بجد....بلاش تقفل الباب بكره عليا....."

"ليه بقا هتروحي فين......."اقترب منها بهذا الشكل

الذي أشعل وجنتها واصاب خفقات قلبها بالخلل....

وقف امامها فبلعت ريقها وهي ترفع عينيها السوداء

الامعة على ملامحه الوسيمة وعيناه المشتعلة

بومض تحفظة كاسمها تماماً.........

"كيان جايه تزرني بكره...ومش معقول هعرف افتحلها وانت قافل الباب عليا بالمفتاح......."

صمت سلطان ولم يبدي ردت فعل فقالت داليدا باصرار.......

"ساكت ليا مش كفاية بقالي شهر مشفتش الشارع.....واهلك عايشين تحتنا ومش بنزلهم غير

كل جمعة معاك.......حتى صحابي هتمنعني اشوفهم ويشوفني....."

لوى سلطان شفتيه وسألها بجمود....

"ويترى انا بعمل دا كله فيكي من فراغ...انتي ناسيه عملتك السوده....اللي خلتني انا وانتي هنا....."

اتسعت عينيها وصاحت بكبرياء......

"بس انا مقولتلكش تجوزني........انت اللي طلبتني

من أبويا..."

فجأه مسك فكها واتكأ عليه بين يده القوية

مجبرها على رفع عينيها إليه بينما يقرب

جسدها الغض منه اكثر حتى تاوهت بوجع وهي تسند كفها على صدره العاري محاولة الابتعاد عنه.....فهتف سلطان بقوة اخافتها......

"مش حبن فيكي لا.....دا عشان انا الوحيد اللي هقدر احكم عليكي وادبك بعد عملتك السودة.......ولا ناسيه انا جايبك منين لم هربتي......."

بدأت تدفعه اكثر وهي تقول بتألم.....

"سلطان انت بتوجعني.......سبني... "

سحبها اكثر لعنده ويده تقبض وجنتيها من

الناحيتين بقوة.....فقال بمنتهى السادية.....

"خفي بجاحه اللي زيك المفروض تحط عينها في الأرض طول عمرها....مش تقف تبجح وتكلم وكان

ليها حق عندي...........وانا اللي جاي عليها...."

بدات تضربه في صدره بقبضتها

صارخة....

"سبني حرام عليك......سبني.... "

تركها سلطان وهو يقول بمنتهى التجبر.......وعيناه

تحيطها بنظرة مزرية......

"اسمعي انتي هنا مش حُره.....هنا مش هتمشي على كيفك زي ما كنتي بتعملي في بيتكم....هنا انتي في بيتي تمشي على كيفي انا وبشروطي انا......وان معجبكيش الكلام اشربي من البحر........"

"بكرهك........بكرهك......"انفجرت باكية كالاطفال

وهي تصيح بغضب.........فرد هو بفم ملوي

بتعجب.....

"حوش انا اللي دايب في دباديبك......امشي يابت على اوضتك........أمشي........"

برطمت وهي تبتعد......

"كانت جوزاه سوده ومنيله........"

هتف سلطان من خلفها.......

"على دماغك.........كلمة كمان ياداليدا وهمسح

بيكي بلاط الشقة........."

وقفت امام باب غرفة الأطفال صائحة بتعنت....

"والله ما تقدر......."أغلقت الباب سريعاً عندما

وجدته يقترب منها........

زفر سلطان وهو يشعر بفوران داخله الأول غضب

والأخر احتياج........والإثنين خلقوا داخله بسببها

هي.....هي فقط.........

......................................................................

بداخل مكتب المحاماة الخاص به دلف من الباب صباحاً ككل يوماً بالحلة العملية والحقيبة الرسمية

بوسامته المعهودة وطلته المريبة !!....

رفع عيناه القوية عليها فوجدها تجلس خلف مكتبها الصغير شاردة حزينة ومع ذلك تحمل بين يداها

كوب من النسكافيه ترتشف منه بتمهل.....

ما جذب انتباهه هو لون الكوب وشكله المنفرد...

فكان الكوب من اللون الكناري عليه رسمة لعيون

فيروزية وفم كالمنقار أصفر...... تشبه الرسمة طائر

الكناري اللطيف والذي جسد خيالياً في أحد برامج الكرتون القديمة بـشخصية (تويتي....)

على حسب تذكره كان الطائر لطيف محبوب مظهره

الخارجي يشع براءة وظرافة..... لكن عندما يبدأ أحد بالاقتراب من قفصه محاول نزع السلام داخله...يظهر

الوجه العدائي له ويتحول مئة وثمانياً درجة....

من (تويتي اللطيف.....) الى (تويتي الشرس...)

وعجباً كيان تشبه الشخصية جداً !......

اهتزت شفتيه في شبه ابتسامة هادئة وهو يتامل صمتها الحزين وشرودها الغريب.....ومعه يتأمل ملابسها أليوم........كانت ترتدي بنطال أسود

عليه سترة عمليه بيضاء....تكوي شعرها البندقي اليوم ليكن حريري ناعم وقد لمته للخلف في

ربطة عملية تليق بمكان العمل.........

بشرتها البيضاء ناضره لم تضع عليها شيءٍ فقط اكتفت بالكحل لعيونها الفيروزية البراقة.... وملمع

شفاه لشفتيها الورديه الصغيرة......

انعقد حاجبي سليم اثناء مراقبته لها فقد بدأت

تخرج شهقة صغيرة خانقة من بين شفتيها...ثم سالت دمعتان ساخنتان على وجنتيها......تعبر عن حزن لا يراه إلا قلبها........

عند تلك النقطه شعر انه غير مرتاح لرؤية دموعها...

عليه ان يعترف انه يكره دموع النساء ويضعف

امام انكسرهن ولو حتى على أتفه الأسباب...وهذا

بسبب فترة عاشها في مراهقته كانت بها الدموع

اكثر من الضحكات......لذلك الحزن يزعجه حتى

وإن كان في عيون الغير.........

تنحنح حتى ينبهها بوجوده......فانتبهت له كيان سريعاً فمسحت دموعها سريعاً وهي تنهض قائلة

بارتباك.......

"استاذ سليم.....آسفه مخدتش بالي انك جيت...

دقايق والقهوة تكون على مكتبك......"

تحركت تدلف للمطبخ لتعد القهوة....ولكن عندما سارت بجواره اوقفها دون ان يلمسها......

"في حاجة مضيقاكي ياكيان.......لي الدموع دي...."

مسحت عيونها مجدداً تخفي آثار البكى....واجابت

"مفيش حاجة ياستاذ....عيني وجعاني شويه عشان كده بتدمع.......ثواني والقهوة تكون عندك... "

امتنع سليم وهو يتحرك للمكتب.....

"مش عايز قهوة حضري نفسك عشان نزلين المحكمة دلوقتي عندنا جلسة لقضية شكري السمنودي....هاتي ملفه وتعالي ورايا........ "

اومات براسها وهي تجده يدلف لمكتبه مغلق الباب

خلفه.........فزفرة بارتياح وهو تنهر نفسها بحنق....

اتجهت للمكتب وفتحت الدرج لاخرج الملف لتجد هاتفها يرن انتفخت اوداجها واحمر وجهها وهي تفتحها بمنتهى الغضب.....

"وأخيراً ست داليدا اتكرمت علينا وفتحت تلفونها........"

سالتها داليدا عابسة...( في اي ياكيان مالك......)

قالت كيان بانفعال عبر الهاتف.....

"مالي إيه.... انا هموت من القلق طول الليل...وعماله أرن عليكي وتلفونك مقفول......"

اخبرتها داليدا بنبرة معتذرة......

(كان فاصل شحن والله......في حاجة مهمه......طمنيني...)

قالت كيان بقلق.....

"انتي اللي طمنيني حمزة عندكم....."

وضعت داليدا يدها على صدرها تتنفس بارتياح

قبل ان تهتف بجزع.......

(ياشيخه وقعتي قلبي....أكيد عندنا.......معروفه حمزة

لما يحب يبعد او يحصله مشكله بينزل الساحة.....

هو هنا كان بايت في ورشة سلطان....وحالياً بيفطروا

تحت عند مرات عمي.....كله تمام متقلقيش....)

زفرة براحة وهي تقول لها.....

"الحمدلله ريحتي قلبي.......اصلي برن عليه مبيردش عليا....... حتى شهد قلقانه عليه.....هبقا اتصل بيها اطمنها......"

ردت الأخرى بفتور.....

(متكبريش الموضوع مش أول مرة يعني... المهم هتيجي امتى أنا مستنياكي.... والحمدلله سلطان

فك الحظر النهاردة ومقفلش عليا بالمفتاح... عشان

قولتله انك جايه.......)

"هشوف......"قالتها كيان وهي تنظر في الملف بين يداها.......

فصاحت داليدا بحزن دفين.......

"مفيش حاجة اسمها هتشوفي ياكيان تخلصي

شغل وتيجي.... الساحة مش بعيده يعني دا موصلة وهتكوني هنا........انا هموت من الملل ياكيان...

انتي متعرفيش الشهر ده مر عليا إزاي وانا

معاه......انا ولا كاني في سجن..... وهو على بابه... "

المها قلبها لأجل صديقتها فقالت لها برفق......

"خلاص ياداليدا هجيلك..... بس أخلص شغل

مع ابو الهول ده الأول...........يلا باي......."

اغلقت كيان الهاتف واتجهت الى المكتب تحمل

الملف بين يداها........

وعندما دخلت المكتب وجدت سليم يولي ظهره لها

في مقعده الدوار ويتحدث عبر الهاتف الى حبيبته

(ايتن الشهاوي.....)بصوتٍ عذب حنون لامس قلبها لوهلة.......

"وانا كمان ياحبيبتي....هعدي عليكي أكيد...ونتغدى سوا كمان............تمام ياروحي بااي......."

عندما استدار بالمقعد وجد كيان تقف في منتصف

المكتب متسمرة أمامه.....يبدو انها سمعت جزء من المحادثه....لذا تنحنح سليم بخشونة امراً

بصلابة.....

"هاتي الملف اللي في ايدك وتعالي......."

اومات براسها وهي تلوي شفتيها بعدم رضا...مقبول ان تكون رومانسي مع المرأه التي تحبها.....لكن غير

مقبول معاملة الناس وكانهم عبيد لديك.......

جلست كيان على المقعد اثناء تفحص سليم للملف...

وظلت تراقبه باهتمام فعندما يعمل يكن اكثر جاذبية

وابهاراً......

"اي اكتر قضية حسيتي انها سهله من ضمن القضايا اللي قولتلك تدرسيها كويس......."

انتبهت كيان بسؤاله فقالت دون مقدمات......

"قضية الموظفه اللي قتلت مديرها الغتت حستها حنينه كده وفيها ثنة طبطبه على البشريه........."

رفع سليم راسه يتحداها بعيناه.....

"قصدك المديره.....اللي اتقتلت ست... مش راجل...."

توترت كيان فاضافت.....

"ااه المديره........مخدتش بالي انها ست...... "

تحدث سليم بشك.......

"إزاي مخدتيش بالك في اعتراف الجانيه قالت انها كانت بتغير منها بسبب صباع روچ.....مع ان القضية ليها إبعاد أخرى..........لكن أكيد مفيش راجل بيحط روچ.... "

"لا الشهادة لله لا....بس لما بيتقفوشوا بيبقا

الروچ......فا......."تنحنحت كيان عندما احتدت

نظرات سليم عليها بقوة اخرستها..... فقالت تلك المرة بجدية وحرج......

"بصراحة انا بجود من عندي.....انا مفتحتش الملف ده بذات إمبارح.....حصلت ظروف عندي منعتني

اسهر عليه........"

"هي نفس الظروف اللي خلتك تعيطي......."

نظرت اليه كيان بتعجب فأشاح سليم بوجهه

وهو ينهر نفسه لماذا يشعر برغبة فضولية

بمعرفة سبب بكاؤها......

نهض سليم من مكانه مغلق زر سترته قائلاً

بخشونة.......

"يلا بينا........عشان نلحق الجلسة بدري....."

.......................................................................

عندما وصلا للمحكمة جلسا في غرفة الاستراحة

للمحامين........وبدأ بمراجعة الملف........وقد كلف

سليم كيان بمهمة تصوير الأوراق كالعادة !.....

فذهبت عند مكينة التصوير منتظره دورها

خلف شخصاً ما.........قالت بهدوء.....

"قدامك كتير ياستاذ........"

"مش كتير يانسه......."التفت الشاب

لها وعندما ابصرها تهللت اساريره قائلاً

بدهشة..."اي ده موكا....."

اتسعت إبتسامة كيان وسلمت عليه

بحرارة...

"نائل هاااي.......عامل إيه.....عاش من شافك....."

تحدث نائل معاتباً.......

"وحشاني والله...اي يابنتي من ساعة التخرج وانتي لا حس ولا خبر........دا حتى انتي مش في شات الشلة........"

ارتفع حاجبها بغرابة قائلة.......

"هما عملوا شات.....الاندال.......محدش بعتلي يعني......."

اخرج نائل هاتفه..... "ابعتلك حالاً هاتي رقمك........"

"هات اسجله أنا......."اخذت الهاتف وهي تساله بابتهاج.......

"واي الاخبار......بتدرب عند مين الفترة دي......"

قوس نائل فمه مجيب.... "عند الدكتور خليل......"

رفعت كيان شفتها العلية باستهجان

معلقة....

"ياساتر....ملقتش غيرو....دا كان مشربنا المُر

في شليمون.....الله يحرق ايامه......."

هز نائل راسه بقلة حيلة....

"هعمل إيه بس ياموكا....اهو كله بيعدي......وانتي شغاله فين......."

اجابت....... "عند سليم الجندي......"

أبتسم نائل مهللاً.......

"يابنت اللعيبه دا انتي عديتي.......سليم دا اشهر

من نار على العلم......حظك من السما......"

حركت كيان شفتيها يميناً ويساراً بحسرة

قائلة.......

"ولا من السما ولا نيلة....دا انا بقالي ست شهور شغاله مرمطون عنده اسكت يانائل دا انا اتبهدلت

بعد الجامعة اخر بهدلة........."

قال نائل بنبرة ساخرة.....

"واضح أنهم بيصعبوها علينا عشان لم نوصل ونبقا زيهم نصعبها على غيرنا........"

طوحت كيان بيدها كلأرجوحة.....

"ولفي بينا يادنيا........وزي ما بندعي عليهم

هيجي اللي يدعي علينا......"

ضحك نائل... "اقسم بالله وحشتني خفة دمك......."

لمعة عينا كيان بومض الحنين لايام الجامعة

ولمت الاصدقاء فاقترحت......

"والله وانت والشلة كلها......ماتيجي في يوم

نظبط في الشات خروجة حلوة كده......."

وافق نائل سريعاً....

"ياريت اهو نفصل فيه مرمطة الأسبوع......"

"واضح اني قطعت الجو الجميل بينكم...بس دا وقت

شغل وقضايا وناس اروحهم متعلقه في رقبتنا....مش وقت تعارف ومقابلات خالص........ولا إيه...... "

كان صوته حانق خشن غير متفاهم بالمرة خصوصاً

عندما استدارت اليه كيان تنظر لعيناه موضحه

سريعاً بحرج.......

"ولا إيه......حضرتك فهمت غلط......دا نائل......."

"بجد اهلاً يا نائل......."سلم عليه ببرود فابتسم نائل

وهو يسلم عليه بحرارة....فترك سليم يده ونظر لها

سائلاً ببرود......"نائل مين بقا......."

ردت كيان بتوجس منه......

"كان زميلي في الجامعه من دفعتي...بقالنا كتير مشفناش بعض....وشوفته هنا بصدفة......."

سالها بنظرة مستهينة.... "كويس........وبعدين......."

سالت بحيرة...... "وبعدين اي حضرتك......"

حرك عيناه بملل قبل ان يعود إليها قائلاً

بنفاذ صبر......

"مش هتصوري الورق خلينا نشوف اشغلنا........"

ارتبكت من هذا الهجوم فسالت زميلها سريعاً....

"آه خلصت يا نائل........"

رد نائل سريعاً بعد ان لاحظ توتر الاجواء بينهما.... "ايوا ياموكا.....قصدي كيان.....خلصت ياكيان....."

اخذ اوراقه سريعاً والقى التحية ورحل......

"عن اذنكم........"

ارتفع حاجب سليم وسألها بملامح تنذر بالخطر..... "موكا........ في المحكمة موكا !!....."

ردت كيان بطيبة وعيناها معلقه على المكان

الذي خرج منه نائل.......

"غصب عنه لسانه واخد عليها...... طيب اوي

نائل ده أطيب خلق الله.......والله...... "

اوما سليم ببرود هازئاً....

"فعلاً من كتر طيبته جسمي قشعر......."

اومات براسها بشرود..... "مش كده ونبي......"

اخرسها بصرامة امراً بغلاظة.....

"هشش........صوري الورق وتعالي ورايا......."

ابتعد في لمح البصر كما اتى...فتمتمت كيان

بتبرم.......

"هو اي اصل ده...... "

بعد الانتهاء من أعمال المحكمة خرجت كيان بصحبة

سليم للسيارة الخاصة به وفتحت الباب لتجلس بحواره..........ولكن صوت رجولي اوقفها قبل ان تبتعد......

استدارت تنظر الى نائل صديقها والذي اقترب منها

وفي يده كيس صغير يفوح منه رائحة للمعجنات الساخنة الشهية.......

"جبتلك حاجة بسيطه تاكليها.......انتي بقالك خمس ساعات بتلفي في المحكمة من هنا لهناك......"

اخذتها كيان منه وهو تبتلع ريقها فرائحة

فتحت شهيتها على التهام ما بها.......

"كتر خيرك تعرف اني مفطرتش أصلا......."

اوما نائل وهو يخبرها بصوتٍ منخفض.....

"الله يكون في عونك...... عذرتك.... حقيقي طلع الدكتور خليل أرحم منه بكتير......."

"عشان تعرف..... اني معايا النسخة الاصلية..."

ضحكت كيان وشاركها نائل الضحك.... فاطلق سليم بوق السيارة عالياً حتى تنتبه انه يقف بسيارة في نصف الشارع.........

قبل ان تبتعد اخبرته... "هبقا اكلمك...........باي......"

لوحت بيدها وهي تستقل السيارة جوار مقعد

سليم فلوح لها نائل بمحبة ثم عاد للمحكمة.......

وضعت كيان كيس المعجنات على حجرها ثم رفعت عينيها على النافذة تراقب الطريق الراكض أمامها

بينما هو يراقبها بضيق هي والكيس الصغير على حجرها والذي علم بهوايته من الرائحة.....

لماذا يشعر بالحنق....من امراً كهذا....من المفترض ان يكون لها حبيب... صديق.....لماذا يشعر بالانزعاج عندما اقترب منها هذا الازج .....

هل نسى ان هذا الشعور من حق واحده فقط في حياته (ايتن..)حبيبته وزوجته المستقبلية....

ربما ما بدخله فسره انهُ تقليل منها وعدم إحترام

له....... فهذا وقت عمل ليس وقتٍ للحب والتعارف

وأكيد هذا ما يزعجه الآن.......

انتبهت كيان بانه غير مسار الطريق للمكتب....

فادارت راسها اليه تسأله باستغراب.......

"على فين ياستاذ.... دا مش طريق المكتب......."

رد سليم دون النظر اليها......

"انا مش فاضي للمكتب النهاردة.... عندي معاد مهم...

هنكمل شغلنا بكره في المكتب اهم حاجة اننا خلصنا مشاوير المحكمة........"

اومات كيان باستحسان.....

"تمام........طب ممكن تنزلني على أول الشارع.... "

تابع سليم بمنتهى الهدوء قائلاً.....

"قوليلي عايزه تروحي فين وانا اوصلك......"

هزت كيان رأسها قائلة.....

"لا مشواري مش على سكتك..... انا راحة الساحة... اي موصلة من على السكه هدخلني جوا....."

تساءل سليم....... "بيتكم في الساحة؟........"

"لا دا بيت واحده صاحبتي راحه ازورها......" اشارت

له سريعاً قبل ان يبتعد اكثر عن المكان التي ستنزل

فيه.......

" ايوا هنا ياستاذ........ شكراً........ "

اوقف سليم السيارة ففتحت كيان الباب وهي

تشكره بلطف...... فقال سليم بفتور......

"خدي بالك من نفسك......"

ضيقت كيان عينيها في خطٍ مستقيم عابساً

وهي توليه ظهرها..... ولم تعقب وقد ادعت

الصم...... ثم اغلقت الباب بعد خروجها........

فانطلق سليم بالسيارة سريعاً......

داعب الهواء البارد وجنتي كيان واطار خصلات شعرها البندقية... وخط من الصقيع قد تخلل اطرافها

فقربت السترة اكثر لاحضانها..... وهي تشير بيدها لأول سيارة أجرة ستنزل شارع الساحة.....

.......................................................................

أوقف السيارة أمام مجمع سكني راقي.... يقطن في أحد العماير بداخل شقة فارهة اثاثاً وشكلاً تحمل

لافتة مجاروة للباب بأسم

(المستشار / مصطفى الجندي...)

دخل سليم بعد ان فتح الباب بالمفتاح فوجد المكان

هادئاً والانوار خافته باستثناء نور المطبخ الذي ينير

الردهة وأيضاً هناك وصوت قوي مفعم بالاحساس يذاع عبر الراديو لأحد حفلات الست ام كلثوم.......

اتجه سليم الى المطبخ ووجهه ينير بابتسامة صادقة حانيه لا تخرج إلا للمستشار فقط.........

وجد والده يقف يعد الطعام وهو يرتدي مريول المطبخ ويدندن ببال رائق خلف الست..... ويده

تتحرك كالمايسترو يعزف لحن متناغم على الطعام.........

يتذكر سليم جيداً ان أباه تعلم الطهي فقط بعد ان تزوج أمه........ وتعلمه لأنه كان مغرم بها وهي مغرمه بالطهي فكان يشاركها معظم يومها والذي كان اكثره

في المطبخ هذا ؟!......

يحيي الأب الان ذكراها بعد وفاتها يدخل يطهو وهو يسمع الست كما كانت تفعل رفيقة عمره وحبيبته

(هالة)........

"آآه ياريق......... اي الروقان دا كله......."

قالها سليم بمناكفه......ودون ان بستدير له أبيه

قال مبتسماً.........."انت جيت يامتر......."

رد سليم وهو يدلف للمطبخ.......

"من عشر دقايق...... من أول مابدات الست تقول..."

"واي رأيك....." سأله والده وهو يفتح باب الفرن....فاجابه سليم........

"مانت عارفني سميع قديم....."

ضحك والده موضحاً........

"مش قصدي على كده...اي رأيك في الروايح دي...."

انعقد حاجبي سليم يتبع حاسة

الشم قائلاً......."بطاطس دي......."

اوما والده وهو يخرج صنية البطاطس من الفرن

ثم يضعها على الطاولة المستديرة بقلب المطبخ الشاسع.........

"صنية بطاطس بالفراخ..... ورز بشعرية انما

إيه.... رهيبه........"

تحسس سليم بطنه المسطحه

معتذراً.....

"جوعتني.............والله بس للأسف......."

رفع مصطفى حاجبه.....

"إيه...........للاسف دي واكل ولا ايه......."

هز سليم راسه وهو يتخذ مقعداً امام الطاولة....

"لا بس عازم ايتن على الغدى برا......."

اتجه والده للموقد ليرى الأرز......

"طب ماتتغدوا معايا هنا وكملوا سهرتكم برا....."

التوت شفتيه قليلاً فيما يشبه ابتسامة

ساخرة......واجاب وهو ينظر لصنية البطاطس......

"مش هترضا.......اصل انت عارف انها هيلثي اوي...

وصنية البطاطس المفحفحه دي مش هتيجي معاها سكه........"

رد مصطفى بنبرة مستهينة......

"قطعت برزقها........بس خد في بالك.....الصنية

دي هترجع مش هتلاقيها......"

نظر له سليم بدهشة..... "هتاكلها كلها يادرش......"

تحدث مصطفى ببساطه وهو يطفئ الموقد....

"لا هبعت الباقي للبواب......حرام اركنها في التلاجة

وانا وانت مبنكلش حاجة بايته......"

نظر له سليم بطرف عيناه قائلا بمزاح.......

"انا فاهمك كويس ياسيادة المستشار.....انت

بتضغط عليا عشان......اشاركك الجريمة دي

وقعد اكل معاك......"

اوما مصطفى بجدية رغم ان عيناه

ابتسمت......وهو يقول......

"كويس انك فاهم يامتر....غير هدومك وتعالى اتغدى معايا الجريمة حلاوتها في لمتها....... وبعد ما تخلص

ابقى الحق الهيلثي مع خطبتك اهوه اعتبره عشا..........عشا خفيف........"

بعد قليل على الطعام بدأ......ياكلوا بصمت وهدوء....

على الأنوار الخافته......فمزال المستشار ينزعج من الاضاءه العالية والضجيج........والاشياء الغير منظمة......من يصدق ان هذه الشقة لم تدخلها

أمرأه منذ سبعة عشر عاماً كاملاً.......

سبعة عشر عاماً هذا الرجل عاش أب وام لابنه... كان ينظف يرتب يكوي ويطهو ويعمل.... مستقل بحياته

مستقل بابنه وحب زوجته وذكراها الخالدة في

قلبه وعقله........

لم يتغير شيءٍ في الشقة بالعكس كل شيءٍ بمكانه

كما وضعته (هالة...)يرتب ويعيدهُ ينظف ويعيدهُ

محتفظ بكل اغراضها في غرفة مفتاحها معه هو وحده........سريرها خزانة ملابسها صورها زينتها

لوحاتها الفنية....وادوات الرسم الخاص بها...كل

شيءٍ خاص بها وضعه في غرفة انيقة مرتبه لا يدخلها سواه........ويرفض المبيات بها حتى لا

تفقد عبقها الياسميني الخاصه بحبيبته.........

كيف أحب والده أمه بهذا الشكل ؟!...وكيف يحيا

على ذكراها حتى الآن ؟!...والده عملة نادرة وهو محظوظ أنه ابنه....

لكن حتى هو منكسر وحزين لفراق أمه الحبيبة

(هالة) كانت نسمة معطرة بالياسمين.....افتقدها

وهو صبي في عمر السابعة عشر....وعاشت قبلها ثلاث سنوات تصارع المرض.....لم يكن أحد

جوارها سواء زوجها مصطفى........ورغم الدموع والألم كانت تبتسم.......كانت تصبر ابنها وزوجها

بانها عائده اليهم بالشفاء.......وانها ستنتصر في

تلك المحنة وهم جوارها......

لكن يشاء الله ان تموت بعد صراع دام لثلاث سنوات ورغم الدموع....كانت تبتسم لهم ببشاشة وطيبة وتبعث الطمأنينة في قلوبهم المرتعبه حتى صدقوا انها ستشفى وتعود للمنزل يوماً لكن الموت كان اسرع من صبرها وأمالها........فرحلت للأبد..........

سأل مصطفى ابنه..... "اي اخبار شغلك......."

رد سليم......"الحمدلله كله تمام......."

ساله والده..... "كلمت ايتن في موضوع الجواز......."

رد سليم قبل ان يضع المعلقة بفمه.....

"لسه هكلمها......."

اخفى حزنه خلف نبرة هادئة وهو يسأله

بصعوبة ....

"وناوي تعيش معايا....ولا في شقه اللي اشترتها...."

اوما سليم بجدية.......

"أكيد هعيش معاك الشقه حاجة رمزية بس..مصيري احتاجها في يوم من الأيام......."

ساله مصطفى بشك.... "ويترى خطبتك موافقة......"

رد سليم وهو يقطع قطعة من الدجاج بالسكينة والشوكة قبل ان ياكلها.......

"لسه مكلمتهاش......بس أكيد هتوافق.....هي عارفه اني مقدرش اسيبك لوحدك......"

تحدث مصطفى بصوتٍ حاني.....

"لو موفقتش بلاش تضغط عليها......لانها من حقها برضو تعيش في مكان لوحدها......ويبقا ليها خصوصيتها......."


3=الثالث = ج1=

وضعت نجلاء الاطباق على السفرة ونادت على أمها

وهي تتخذ مقعداً امام الطعام......

"يلا ياما الفلافل هتبرد........."

خرجت والدتها وهي تضع الهاتف على اذنها.... وتتبسم باتساعٍ للمتصل قائلة وهي تقترب من

ابنتها متخذه مقعد جوارها......

"طبعاً ياسامح.... تنور ياحبيبي.....هستناك... دا نجلاء حتى هتموت وتشوفك....."برمت نجلاء شفتيها وهي

تغمس اللقمة في طبق الفول..........

ضحكت والدتها بانتشاء متابعة...

" امال مش ابن خالتها....... يوصل ياحبيبي...... طريق السلامة......." اغلقت والدتها الهاتف

ونظرة اليها قائلة بجذل......

"سامح ابن خالتك جاي يتغدى عندنا النهاردة... اعملي بزيادة........"

سحبت نجلاء نفساً عميقاً واخرجته بمنتهى

الحنق معقبة بازدراء.........

"ابن خالتي !!... على فكرة ياما هو ابن خالتك انتي

مش انا.......... وبعدين هو كل شوية ينطلنا ماهو كان هنا من يومين........"

وضعت والدتها اللقمة بفمها ومضغتها على مهل

وهي تجيب بلؤم النسوة........

"ومالوا يجي تاني وتالت مش قربينا وبيطمن علينا...مانتي عارفه اننا مقطوعين من شجرة من

بعد موت ابوكي الله يرحمه....... "

نظرت لها نجلاء بطرف عينيها وهي تسابقها

دهاءاً.....

"امه..... انا فهمه دماغك كويس أوي.....بس اللي

في دماغك ده مش هيحصل...... انا مخطوبة

وبحب خطيبي ومستحيل اسيبه لو انطبقت

السما على الأرض........"

لوحت والدتها بيدها مستهينة بالأمر......

"ياشيخه اتنيلي هي دي خطوبة.... دا مش عارف يجبلك شقة لحد دلوقتي.... يابت دا بقالوا سنتين خطبك ومشفناش منه لابيض ولا أسود.... دا حتى المواسم مبيجبهاش....... بلا نيله......."

انعقد حاجبي نجلاء بغضب......

"مواسم !!.... مواسم إيه ياما.... دا بدل ما تقوليلنا

تعالوا عيشوا معايا في الشقة لحد ماربنا يفرجها..."

شهقة أمها بصدمة وجحظت عينيها بشكلاً

مرعب.........

"إاااااايه ياختي......تعيشوا معايا........ طمعانه فيا يانجلاء طمعانه في شقه اللي سبهلنا ابوكي... بصه لحتة الشقة دي وسيبه عماير ابوه اللي عالبحر

بطلوا دا وسمعوا ده... "

دافعت عنه نجلاء بحمائية.......

"مش هنخلص بقا من ام العمارتين اللي ملكيش سيره غيرهم........ ارحميني ياما... حمزة هيعمل ايه يعني ما ابوه اللي مش موافق........"

لوت امها شفتيها مرددة......

"ان شآء الله ما عنوا ما وافق... مش مشكلتي ولا مشكلتك........"

جفلت نجلاء سائلة.... "يعني إيه ؟!......"

ردت امها بمكر.......

"يعني تفركشي ياختي وتشوفي نصيبك في حته تانيه...."

هزت نجلاء رأسها سريعاً.....

"مقدرش ياما دا انا روحي فيه......بحبه ياما.... "

هزت امها راسها ساخرة.......

"ها شوف البت........ الحب ياختي لا بياكل ولا بيشرب....... ولا هو أهم حاجة.........

أهم حاجة راجل .... راجل شريكي وعايزك يحترمك

ويلبي طلباتك..... وواحده واحده هتحبيه....."

تذبذبت كالعادة امام حديث أمها فقالت

بتردد...... "وافرضي مشيت وراكي ومحبتوش......"

إبتسمت امها بانتصار......فمن كثرة التقريع عن أمر

الخطبة والمدة الطويلة التي قضت منها ولم يحدث

فيها شيءٍ إلا الأعذار من خطيبها......بدأت ابنتها تلين لهذا الحديث...... وقريباً ستكتشف ان هذا الارتباط

لن يجلب لها إلا الخسائر.......ويبدو انها ستقتنع بهذا في أقرب وقت..... هناك مثل يقال

(الزن على الأذان آمر من السحر...)

وهي تمشي على الوصفه بحذافيرها ولن تغلب مع ابنتها فهي تحفظها اكثر من نفسها........

"مش هتخسري حاجة....... بالعكس هتكسبي أولها شقه بأسمك... فلوس في حسابك في البنك... وحتتين صيغه تحطيهم في دراعتك وتتعيئي

بيهم كده قدام الناس....."

حركت أمها أساورها الذهب المعلقة في ذراعيها مضيفه وهي تلكز ابنتها في كتفها....

" يابت فكري في مصلحتك دا انا أمك وادرى بكل ده.....دا اتمنالك الخير ياهبلة...... وصدقيني سامح موافق على كل شروطك بس انتي قولي آآه........"

كانت شاردة اثناء حديث أمها......الشبية بفحيح افعى تبخ سمها..........لكن عند نطق اسم هذا الازج....

انتفضت واقفة وقد دوى جرس الانذار

داخلها فجأه...........

"سامح مين.... وااه إيه..... لا طبعاً انا بقولك افرضي

لكن انا عمري ما سيب حمزة لو اي بالذي مقدرش بقولك بحبه........"

نهضت أمها بحنق....ثم تقدمت منها تربت على كتفها بغضب واستهزاء........

"بتحبيه طيب ياختي خليكي غرقانه في حبه لحد

ما نفسك يروح وتفطسي معاه....... وساعتها هتقولي ياريتني........"

رمشت نجلاء بعينيها بتردد وهي تبتلع ريقها

قائلة.....

"متلعبيش في دماغي ياما..... كلامك ده ولا هز

شعره مني انا لسه بحب حمزة وعيزاه........"

ابتسمت امها بغل وهي تقول بحنق شديد.....

"طيب ياختي ربنا يهني سعيد بسعيدة...."ثم

ابتعدت عنها خطوتين قائلة بقوة........

"بس انا برضو لسه عند كلامي....ياخد شقتين من عمارة ابوه ويفتحهم على بعض...ويكتبهم بأسمك

ياما كده يانفضها سيره......."

صاحت نجلاء من خلفها بتشنج....

"انتي كده بتعجزيه ياما....... حرام عليكي......"

توقفت والدتها واستدارت لها قائلة بصوتٍ

جهوري......يفوح منه التسلط والقوة.....

"حرام عليا لو مش في مقدرته ينفذ شروطنا....لكن

دا يقدر ينفذ وأكتر من كده كمان.....لكن انا اللي مبحبش الطمع وطلبت حقك....مهرك ياموكوسة....اللي عايزه تتنزلي عنه لجل

(بحبه ياما)....."

ثم تابعت سيرها لغرفتها متمتمه بسخرية.......

" قال حب قال بلا قلة ادب وقيمة.....اربي انا وكبر عشان في الآخر تيجي تقعد معايا هي وجوزها.... ناقص أصرف عليكم بالمرة.......ماهي تكيه بقا...."

عضت نجلاء على اظافرها بغيظاً وهي تشعر بنفسها على حافة الضياع....فحديث امها كالسياط على قلبها..... يجلدها بلا رحمة.....أمها محقة......يجب ان تتزوج زيجة مرتاحة مادياً.......لماذا لا يوجد توافق

بين الحب والمال.........من معه الحب يصعب عليه الوصول للمال....ومن معه المال.......ربما يصل للحب

كما قالت امها ؟!......

هزت رأسها وهي تتنهد بعذاب...بماذا تفكر....هل عزمت النيه حقاً على ترك حمزة......لأجل سامح ؟!.......

اتجهت نجلاء الى غرفتها تجري اتصال به....لعل سماع صوته يريح هواجس عقلها قليلاً.....ويخفف

نبضات قلبها المرتعبه.....

......................................................................

"منشية........ منشيه.......منشية....." صاح بصوتٍ جهوري امام المكروباص الذي يعمل عليه......

وبداخل أحد المواقف المخصصه لسيارات الاجرة

الكبيرة..... يقف بين السيارات.......ياخذ دوره بعد

مدة من إنتظار زملاؤه ........

رفع حمزة عيناه للسماء الشمس حارقة أليوم.. يتصبب وجهه عرقاً...... اتجه الى مقعد القيادة وسحب منديلاً ومسح وجهه به وهو يصيح

بصوتٍ عالٍ........

"منشيه.......سموحة..........منشية... "

اتجه اليه أحد السائقين الذي سيحمل

الركاب بعدهُ وسأله......

"فضلك يامه ياحمزة......."

رد حمزة بفتور....... "نافرين........ونبي يا ذكي..

هاتلي كوباية شاي من جلجل لحد ما ربك

يرزق...... "

اوما له الآخر بود..... "عنيا ياصاحبي........"

اتت سيدة ومعها ابنتها تساله بفتور.....

"منشية ياسطا........"

"منشية يامي........ توكلنا على الله........" أومأ لها حمزة وهو يفتح باب سيارته محتل المقعد قائلاً لزميله من عبر نافذة السيارة...."

"كنسل على الشاي دلوقتي يازيكو.... لم ارجع بقا.........."

"حبيبي ياعمنا.........." اعطى للرجل ورقة من المال قبل ان يتحرك بسيارته....... فأيضاً لموقف السيارات نسبة مع كل حمولة يقوم بها السائق....تمتم

حمزة بقرف....

"حار ونار في جتتكم......... هون يارب......."

صدح هاتفه في تلك الاوقات ففتح الخط ووضع السماعه في اذانه قائلا.......

"اي يانوجه........عامله إيه "

(الحمدلله انت فين ياحمزة.......)

رد وهو يحرك عجلات القيادة......

"هكون فين في الشغل من صباحية ربنا.....اي دنيا عندك......."

(زي ماهي........حمزة.......انا بحبك أوي....)

مط شفتيه وانعقد حاجبيه معقباً.....

"متحلاش الحوارات دي غير وانا في الشغل....."

ضحكت نجلاء قائلة.....

(انت مكسوف ترد عليا ياميزو.......)

"هكسف من إيه.......بس مش وقته....لما أروح هكلمك..........يابن ال***"صاح حمزة وهو يتفادى الاصطدام في سيارة ملاكي........سائقها يلعب على الطريق غير مبالي بارواح الناس من خلفه........

(مين دا اللي بتشتمه ياحمزة.......)

"اقفلي دلوقتي......."اغلق الهاتف معها وخرج من السيارة بعدما توقف سائق السيارة الفارهة

أمامه......

صاحت أحد السيدات من السيارة......

"خلاص يابني حصل خير....متعملش عقلك بعقلة...."

ثم قال أحد الرجال أيضاً....

"ايوا يابني بلاش مشاكل.....انت معاك ناس......"

لم يستمع لأحد خصوصاً عندما خرج السائق من السيارة وكان شاب في منتصف العشرون...يرتدي ملابس عصريه وسلاسل طويلة حول عنقه....وحتى قصة شعره تنفر منها النفس كملامحه تماماً.......

"هو انت مش شايف اعمى ولا إيه......"

قالها حمزة بغضب....فرد عليه الشاب

باستفزاز........

"لا مش شايف اللي ورايا.....بشوف اللي

قدامي بس........"

ارتفع حاجب حمزة وهو يشير على مرايات

السيارة الجانبيتين.......

"امال دول اي لزمتهم ياحبيبي....هي ماما لما اشترتهالك مقلتلكش ان دول بيخلوك تبص على العربيات اللي جايه من وراك......."

تحدث الشاب بمزاح ثقيل....

"لا مقالتش...........أصلا دي هدية من دادي......."

ابتسم حمزة قائلاً ببرود.......

"ياحبيب دادي..... وطالما انت ميح اوي كده...

مجبتش سواق ليه يسوقهالك........"

"وانت مال اهلك........."قالها الشاب بملل.......

فاقترب منه حمزة.....وقد لمع بريق الاجرام في

عيناه العسلية........فقال بصوتٍ هادئ....هدوء

ما قبل العاصفة...........

"طب ولي ياحبيب دادي الغلط ده... هما مقلولكش

ان كده كخه........كخه ياااااالا......."دفعه حمزة بيده ثم بركلة قوية من قدمه كسر المرآة الجانبية.....

ثم استدار متجه لسيارته......

فصاح الشاب قائلاً بعصبية كالمرأه المغلوب

على أمرها........

"انت اتجننت انت مش عارف انا ابن مين........"

لم يلتفت له حمزة بل هز رأسه هازئاً.......

"ابن دادي ومامي.....عرفنا........سلملي عليهم...

وقولهم المرة الجايه نجيب هدايا عدله شويه....."

ثم استقلّ حمزة السيارة وإدار محركها.... ثم

انطلق بها وعندما مر عليه أخبره بتوعد.......

"أمشي عدل......... لحسان المرة الجايه مش

هتلاقي حته فيها سليمه.........."

عندما سارت السيارة مبتعده عنه.....تدخلت أحد

السيدات معقبة على حمزة بلوم........

"مكنش ليه داعيه يابني اللي انت عملته لحسان يأذيك........"

رد عليها حمزة وهو يركز في الطريق

أمامه......

"احنا ما بنجيش على حد ياحاجة.......كل حوادث الطرق بتحصل بسبب عيال فاقده زي دي........لسه

من قريب واحد زيه دايس على واحده معديه الطريق هي وبنتها الصغيرة.......قوليلي اللي زي

ده فين دلوقتي...هقولك في بيته........مبتش ليله

واحد في الحجز.....هما ادفنوا تحت التراب

وحقهم راح........ وهو عايش ولا على باله......... "

تمتم جميع الركاب بحسرة......

"حسبي الله ونعم الوكيل..... ربنا ينتقم منهم......."

قال حمزة في سره وهو ينظر للطريق

أمامه.......... "وعند الله تجتمع الخصوم........."

........................................................................

في المساء استقل الاسانسير وصولاً للدور السادس

ثم أخرج هاتفه من جيبه مجري أتصل بها وهو

يستند بظهره على سور السلم.......

عندما فتحت الخط سريعاً قال حمزة بصوتٍ

عابساً.......

"معقول تنسي معاد استرحتي....انتي مش في

البيت ولا إيه......."

اتى صوتها متردد وهي تسأله......

(لا إزاي في البيت....مخدتش بالي ان الساعة جت أربعة.......)

قال حمزة بملل وهو ينظر لسلم الممتد

بالاسفل......

"طب أفتحي انا واقف على الباب......خليني اسلم عليكي......وأشوفك قبل ماطلع اريح شوية ونزل

وردية بليل.... "

(آآه هفتح.....هفتح ثواني........)مجدداً كان صوتها يثير الريبة قبل اغلاق المكالمة......

ولم تمر الثواني إلا وفتحت باب الشقة وكالعادة طلتها خطفت قلبه لكن ملامحها وعيناها الزائغة

جعلته يهز راسه متسائلاً بقلق........

"مالك يانجلاء....... وشك مخطوف كده ليه......"

"ولا حاجة......" هزت راسها وهي تنظر في صالة البيت خلفها مما جعله يسألها بشك

"هو في حد جوا ولا إيه......"

وقبل ان تتفوه بحرف اتى صوت امها من غرفة الصالون متهللاً بحفاوة.........

"قهوة سامح يانوجة........."

ارتفع جاجبي حمزة وتبسم بشر وتلك الامعة الاجرامية ومضها أربك نجلاء عندما ابعدها

هو عن الباب مدعي المزاح..........

"قهوة سامح يانوجة ؟!.... حبيبي.......وسعي

كده يانوجتي.... "

عندما تخطاها داخلاً الشقة دخلت خلفه قائلة

بقلب ينتفض خوفاً........

"حمزة.......استنى بس هفهمك......."

لم يعطي لحديثها اعتبار.....بل اقتحم الصالون بملامح هادئة.... بعينان عسليتان مشتعلتان........

"سلام عليكم........"

قالها وهو يوزع انظاره على الجالسين دون

تبسم...

فقلبت والدتها شفتيها وهي ترد السلام بصعوبة...

"عليكم السلام......أهلا ياحمزة........"

جلس حمزة على الاريكة وكانه يمتلك البيت ومافيه........ "أهلا بحماتي.......وحشاني........."

ردت والدتها باقتضاب...... "متشفش وحش........."

"اكتر من كده......."أشار بعيناه عليهما.....

فاحمر وجه والدتها وكذلك هذا السامح...والذي كان يقاربه سناً.......لكن ملامحه المغلفة بالهدوء تبعث

الريبة في النفس........فهو ممن يدعونا المثالية بشكلاً

مبالغ فيجعلك تفكر مرتين قبل حتى ان تمد يدك للسلام عليه...........

"خير ياحمزة....مش بعادتك يعني تيجي دلوقتي..."

رد حمزة وهو ينظر لسامح بشرٍ......

"جاي اشوف خطبتي......عندك مانع ياسامح......"

هتف سامح بارتباك...... "انا متكلمتش......."

"بحسب........"تمتم بها حمزة.....

فقالت امها بتهكم.....

"هو مش المفروض تديني خبر قبل ما تيجي....."

قطب حمزة جبينه قائلاً....

"هو سامح اداكي خبر قبل مايجي......"

ردت منزعجة...."سامح قاربنا....."

رد ببساطه....... "وانا خطيبها........"

"حكم......"مصمصت بشفتيها ساخرة وهي تبعد انظارها عنه.......

دخلت نجلاء عليهم حاملة قهوة سامح ثم وضعتها أمامه قائلة بصعوبة بعدما لمحة نظرات حمزة

القوية عليها....... "القهوة......."

سحب حمزة الصنية بمنتهى التبجح من أمامه

وحمل فنجان القهوة ثم احتسى منه القليل

وبعدها انزله ونظر لنجلاء قائلاً بمداعبة

جميلة......... "تسلم إيدك ياخطيبتي......"

إبتسمت نجلاء وطأطأت براسها بخجل......

فلوت والدتها شفتيها بتبرم صائحة فيها.......

"انجري يابت ادخلي اوضتك..... بل قلة آدب......"

احتدت نظرات حمزة قائلاً لها بتعجب.....

"جرا اي ياحماتي.....مفيش إحترام ليا.... هتدخل اوضتها لما انا جيت ومن شوية كان.."ثم قلد

صوتها متابع......" فين قهوة سامح يانوجة........"

لوحت امها بيدها باستهجان......

"بقولك اي يابن الناس متخدنيش في دوكه.... احنا اتفقنا مفيش زيارات ولا مقابلات ولا حتى تلفونات غير لما تجيب الشقة وتكتبها بأسم البت ياما كده يامفيش جواز........ واعتبر الخطوبة ملغية.... "

"خطوبة اي اللي مغلية..... بنتك تلزمني...... تخصني

ولا انتي لقيتي اللي يشيل......." نظر لسامح بقوة

متوعداً إيه......

فلم يعره الاخر اهتمام وترك حرية الرد لوالدتها

التي قالت بتكبر واضح......

"والله انا بنتي الف مين يتمناها.......وكل الناس الي جتلها رهن أشار من صبعي واي حاجة هطلبها

هتكون مجابه......."

استشاط حمزة غضباً......

"هو احنا هنغني على بعض ناس مين اللي اتقدمتلها.....ماكل المنطقة عارفه ان بنتك

تخصني.....مين بقا اللي فكر يعمل راسه

براسي......"

نظر لسامح بقوة فبلع سامح ريقه وهو

يقول بجبن.....

"انا من رأيي استئذان انا.......وحل انت

الموضوع دا بينكم........"

اوقفته والدتها برفق......

"جرالك اي ياسامح..... قعد يابني........" ثم

نظرة لحمزة قائلة بتزمت......

"كلامنا خلص ياحمزة..... وزي ما تفقنا مهر بنتي شقه باسمها...........وقدامك مهلة شهر بعضها تعالى خد حاجاتك واعتبر الخطوبة ملغية.....وربنا يعوض علينا بقا في السنتين اللي وقفت حال البت فيهم...."

نهض حمزة وعيناه تشتعل غضباً من هذا

الحديث المستجد.......

"يعني هي بقت كده ياحماتي........بتبيعي بنتك

للي يدفع اكتر........"

قلبت حدقتيها بملل وقالت.... "شرفة ياحمزة.........."

اوما حمزة براسه وملامحه تنذر بالشر...قائلاً

وهو يشير على الباب المفتوح.......

"ماشي...........بس طلاق من بنتك اللي جوا دي..

ماهحلكم غير بمزاجي.....مش بمزاجك انتي......"

خرج سريعاً من امامهما بخطوات غاضبة......

بينما اتسعت عينا سامح معقباً بصدمة.....

"طلاق ؟!........هو اتجوزها امتى انتي مش

قولتيلي انها خطوبة بس........."

لوحت امها باستهانه قائلة.....

"دا اي كلام.........سيبك منه........اشرب قهوتك... "

مر من أمامها سريعاً فلحقت به تنادي عليه

بقوة....

"حمزة......... حمزة استنى........ياحمزة... "لم يعرها

اهتماما بل غير طريقة نازلاً درجات السلم بدل

من الصعود لشقة والده........

عادت نجلاء راكضة للصالون صارخة في أمها

وهي تبكي....

"حرام عليكي ياما ليه عملتي كده بس...قولتلك

بحبه....... بحبه وعيزاه........."

وبختها أمها بقوة وهي تنهر نفسها

بغضب صائحة......

"اخرسي يامقصوفة الرقبة......بتحبي في إيه...دا صايع.......دا كان بيعيش في الشارع اكتر من

بيتهم.....بس الغلطه مش غلطتك....انا...انا اللي

وفقت في الاول وربطك بواحد صايع زي

ده......بس انا هصلح ده كل هصلح الشبكة السوده

دي قبل ما الفاس تقع في رأس..........هصلحها......"

تضامن معها سامح قائلاً.....

"انتي صح......انتي صح يابنة خالتي.....هو دا

الكلام المظبوط......."

نزلت دموع نجلاء وهي تنظر اليهم بحرقة

قلب........

"حرام عليكم.....حرام عليكم بقولكم بحبه......

بحبه ياناس........"ركضت لغرفتها وهي تصيح بتلك الكلمات ثم القت نفسها على الفراش تدفن رأسها به باكية.......

......................................................................

وضِعت الاطباق امامهما..... فنظر سليم لحصة الطعام الموضوعه في طبقة والتي كانت اصناف من الخضار

المطبوخ بشكلاً صحي كما تفضل إيتن.........

بدات ايتن بالاكل وهي تسأله بلهفة....

"ها يابيبي قولت إيه......."

بدأ سليم بالاكل وهو يسالها بعدم إهتمام

"في إيه بظبط......"

انعقد حاجبيها قائلة بدلال......

"في إيه؟!.... بيبي انا بقالي ساعة بكلمك عن الويك اند اللي هقضيه مع صحابي في شرم......."

رد سليم وهو يمضغ الطعام

بصعوبة......

"انتي كنتي هناك الشهر اللي فات......"

تاففت ايتن معقبة بملل........

"اديك قولت من شهر..... بجد يابيبي الايام بقت مملة أوي خصوصاً ساعات الشغل الطويلة......"

التوى ثغر سليم بتعقيب ساخط........

"ساعات الشغل الطويلة ؟!.... انتي شغاله في إدارة شركة الشهاوي مظنش ان الشهاوي باشا حاطت على

بنته في الشغل......."

ردت ايتن بتعالي وهي تقطع الطعام بالسكين

والشوكة...........

"نو....... بابي ميعملهاش لانه عارف طاقتي في الشغل وعارف اني بزهق بسرعة..........."

اكتفى بهمهمة بسيطة..... "ممم......... كويس......."

ابتسمت ايتن قائلة بحماسية....

"ها اي رايك تيجي معانا شرم هتنبسط اوي يابيبي........ صدقني........"

رفض سليم بتساؤل........

"مش هينفع.......... عندي شغل..... هو انتي هتقضي الويك اند ده مع مين........"

ردت بفتور.....

"مع كاندي ولي لي..... وشادي........."

ارتفعت انظار سليم عليها بتهكم......

"شادي ؟!.... هو شادي ده مورهوش شغلانه غير السرمحة ورا الستات........."

لاح الاستهجان على ملامح ايتن فهتفت

منزعجة.....

"سرمحه ؟! اي الالفاظ الوكل دي........بيبي لو سمحت بلاش الالفاظ دي.... وبعدين شادي مش غريب دا ابن خالتي ومتربين سوا.........."

احتقن وجه سليم بالغضب فترك الطعام

وسالها بحدة والغيرة تفور دماؤه.....

"ااه متربين سوا.........طب ممكن اعرف ردك إيه في

فرحنا اللي عمال يتأجل باعذار فارغة........."

زفرة ايتن قائلة.......

"اعذار فارغة ؟!...... جرالك اي ياسليم..... احنا خارجين نغير جوا ولا نتخانق سوا........."

تحدث سليم بنفاذ صبر.....

"ايتن انا تعبت من المماطلة دي....... انا عايز رد

بااه او لأ........."

اهتزت حدقتيها بتردد وهي تسأله....

"وان قولت نأجل شوية......."

رد رداً قاطعاً.... "يبقا انتي كده بتنهي اللي بينا......"

قالت مشدوهةٍ..... "لدرجادي......"

زفر سليم بثقل وهو يحاول ان يهدأ من انفعاله

عليها...... ثم مد يده على سطح الطاولة وسحب

يدها يتكأ عليها بخفة قائلاً بنبرة أهدى

قليلاً......بينما عيناه تأسر عينيها الضائعة منه......

"ايتن...... لازم تفهمي اني محتاجك جمبي اكتر من

اي وقت فات..... العمر بيتسرق مننا يايتن... وانا محتاج اعيش معاكي اللي باقي من عمري.....

حبيبتي انا راجل وليه احتيجاتي....ومش معقول

هنفضل مقضينها تجاوزات كده مع بعض.....بهدف

انك بتصبريني عن حرماني منك........انا شايف ان مفيش حاجة تمنعنا عن الجواز.....امورنا المادية تمام... بحبك وانتي بتحبيني.... وبقالنا سنتين مع بعض وفهمين بعض كويس...... "

سحبت يدها من بين يده قائلة بنفي......

"بس إحنا مختلفين عن بعض جداً...........مش

قادرين نوصل لبعض ياسليم........."

شعر سليم بالاحباط حينما سحبت يدها...ورغم هذا

الشعور البارد كمشاعر حبها معه.....أوضح بصبرٍ.....

"احنا مش أول اتنين نبقا مختلفين عن بعض...في زينا كتير في الاول بتبقا صعبة بس مع الوقت بيتعوده...... وبالحب كل شيء بيتحل......"

هربت من عيناه قائلة.... "اديني فرصة أفكر........"

تافف سليم بحنق شديد........

"وهو كل ده لسه مفكرتيش يايتن.... الموضوع مش جديد عليكي......... انتي بقالك سنتين بتفكري فيه........."

هزت ايضاً رأسها بملل.........

"يوووه بقا ياسليم انت مستعجل كده ليه مقولتلك سبني أفكر ......."

نهض سليم فجأه من مكانه متحدثاً بالهجة شديدة

التزمت.........

"تمام.......فكري براحتك........وهستنا منك مكالمة تحددي فيها معاد الفرح....."

اتسعت عينا ايتن بدهشة أكبر......

"مش معقول......سليم انت بتكلم بجد......."

"انا عمري ما هزرت في الموضوع ده يايتن....هستنا

مكالمتك.........."أخرج عدت اوراق ووضعهم على الطاولة.....ثم ارتدى نظارته السوداء وخرج من المكان

باكمله تحت انظارها المشدوهة منه ومن اصراره المبالغ تلك الفترة في إتمام الزيجة.......

.......................................................................

عندما دخل الشقة كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة

وقد نام والده مباكراً كالعادة....فهو مزال شخصاً

قيادي نشيط يمشي كعقارب الساعة...... ينام في

وقتاً معين ويستيقظ باكراً.........لم يتغير شيءٍ

حتى بعدما أخذ معاش مبكراً مزال

كما هو.......(المستشار/مصطفى الجندي......)

بدل سليم ملابسه باخرى مريحة.....ثم ألقى جسده على الفراش يعبث في هاتفه عبر مواقع التواصل الاجتماعي.......

فأول شيءٍ قابله صورة تغير الملف الشخص

الخاص بحساب كيان.........

اتكأ على الصورة بفضول فوضحت أمامه أكثر...فظل لبرهة يتأملها........كانت صورة متخذه لها على

سهوة دون النظر الى الكاميرا.. فكانت تجلس على أريكة منزلية......وتقضم قطعة من الدونتس !.....

صورة عفوية حلوة........تنطق بالجمال....ويبدو ان من التقطت الصورة لها تعرف جيداً في اي زاوية تزيد صاحبة الصورة حُسن...........

اتكأ على زر الإعجاب الأزرق......ثم تجاوز الصورة متفحصٍ المستجد.........

(شيل الايك الأزرق ياستاذ.......إحنا مش بنشحت...)

أبتسم بل اتسعت الإبتسامة حتى ضحك.....ولم يصدق ان هناك شيء قادر على ان يضحكه بعد مقابلته بأيتن........

دخل على الرسائل عبر المسنجر.....ثم أرسل لها بصلف.......

"مش عجبك الايك......دا مش بيتعمل لاي حد....."

أرسلت بفتور......(كنت افضل ريأكت لاف........)

أرسل بغلاظة يستفزها.......

"دا لو كنت حبيت الصورة....بس انا شايفها عادية..."

أرسلت كيان بوجهاً مصدوم.......

(معقول......داليدا عمرها ماصورتني صورة وحشة...)

خمن وهو يرسل....

"مين داليدا......اللي كنتي عندها النهاردة... "

(آآه.......... صاحبتي......)ارسلت مجدداً

بشك......

(هو انت قصدك اني مش حلوة في الصورة....)

كتب بثبات......

"انا قولت عادية........في فرق......."

ارسلت هي بتزمر طفولي.......

(هي وجهة نظر....بس كل اللي عندي على البروفيل.....قالوا أنها حلو أوي.......انت

الوحيد اللي حطيت لايك أزرق........)

ابتسم وهو يسالها بتسلية.....

"اي مشكلتك مع الايك........."

ردت بتزمر أكبر....

(رخم اوي.....مش بحبه.......غيروا......)

"لا....."أرسلها بغلاظة.....وحينما لم يجد منها رد

ضحك وهو يرسل لها بتسلط........

"ليه صاحيه لحد دلوقتي.......مش المفروض تكوني قدامي بكرة الساعة تمانيه........"

ارسلت بتردد.....

(بصراحة دا السبب اللي خلاني أكلمك.......بصراحة

ان عايزه اخد أجازة بكرة...........)

سألها بفضول...... "في حاجة عندك......."

اخذت وقتها في الإرسال....لكنه انتظرها دون ان

يمل او يكل.....بل وظلت تلك البسمة المتسلية مرسومة على محياه...........

(آآه يعني اختي اجرت مكان كده وناويه تفتحه مطعم.....فمحتاجه تظبط أمورها...وتشوف الدنيا هتمشي إزاي في المكان ده........فبستأذنك هاخد الخميس والجمعة أجازة.....يعني عشان اكون معاها

ومسبهاش لوحدها...........)

أرسل بتفهم........

"تمام ياكيان......انا موافق على الإجازة.....ربنا يوفقها......."

ارسلت بامتنان......

(شكراً ياستاذ.....مش عارفه أقولك إيه......)

"متقوليش حاجة تصبحي على خير......."

خرج سريعاً دون إنتظار رد.........ثم أغلق الهاتف

بعدها ونظر لسقف الغرفة بصمت مفكراً في قرار

ايتن الأخير.....هل ستحدد معاد الزفاف.....ام ستنهي

مابينهما في لحظة تمرد.....والأهم هل سيتركها بعد

كل هذا الحب........

ابتسم وسط ملامح متحجرة....بسمة تخص صاحبة العيون الفيروزية الشقية البراقة....... وتزمرها الطفولي على أتفه الأسباب........

"تويتي......."

تمتم بها وهو يغمض عيناه مستسلماً لنوماً عميق كان عقله بحاجة له بعد دوامة مرهقة من الأفكار........

.....................................................................

دلف لداخل الشقة واغلق الباب خلفه زفر بتعب

وهو يشعر ان عظام جسده كلها غير ثابته في

مكانها من شدة الاجهاد فأليوم كان العمل مرهق....وقد خرج عدت مرات يلبي طلبات زبائن معظمهم عرسان اقترب موعد زفافهم........ويحتاجاً لغرف نوم وطاقم صالون مفصل بمواصفات

معينة.....

وهو بفضل الله أولا ثم مجهودة وحبه للحِرفة والتي ورثها عن والده (عبد القادر....)أصبح له زبائن عدة يطلبوا عمله بالاسم......فان كان نجار محترف....هو ايضاً يراعي ضميرة في عمله وتلك نقطة تضاف في صيت حرفته..........

جلس على أقرب كرسي قابله في الردهة وهو يرخي اعصابه مرجع ظهره للخلف وعيناه القوية تتحرك يميناً ويساراً باحثه عنها.......

لكنه لم يجدها وكأنها تبخرت......رغم انه واثق أنها لم تخرج بسبب اغلاقه للباب بالمفتاح قبل خروجة...وكذلك هي ليست من محبي النوم مبكراً...

فهي الليل لديها نهار....... ونهار لليل.............

انعقد حاجبيه وهو يشعر بحركة مريبة بالمطبخ...

وبعض الاواني تضرب بعضها مسببه له المزيد من الآرق والصداع.....فتمتم بحنق وهو ينهض من مكانه...

"بترزعي في ايه يازفته انتي.....مابراحه......."

قالها وهو يدلف للمطبخ لتتسع عيناه بدهشة وقد

فغر فمه لبرهة من هول ما يراه.........

تلك الداليد.......لا تنتمي للبشر بتاتاً...........لأول مرة

يراى امرأة تغسل الأواني وهي ترقص !!......

هل جنت؟!....

كانت ترتدي ثوب قصير من اللون الازرق مطبع ببعض آلورود الصفراء.........يبرز ساقيها البيضاء النحيلة...

وخصرها المنحوت........وقدها الغض الانثوي..........

شعرها تلمه على شكل ذيل حصان مربوط بوشاح حريري أصفر اللون........

كانت تضع سماعة الهاتف في اذنيها وتتمايل على الاوتار الصاخبة ويداها معلقة في حوض الغسيل

تقوم بمهمة غسل الأواني والتي تصدر ضجيج

مزعج......ولم تبالي بكل هذا فكانت في عالم

آخر........ جسدها النحيل شديد الانوثة يتحرك

على ايقاع غير محدد...

لا تعرف ان كانت ترقص شرقي ام غربي...صراحة الوضع كان مريب.....رغم انها ماهرة في الرقص

وقد شاهد عرض بسيط لها في خطبته السابقة

إلا أنها الان تتلوى كالثعابين....وكأنها تتبع نهج

معين جنوني طالما انها بمفردها ولا أحد معها

أحياناً الإنسان يتصرف مع حالة بتلقائية تعجز عن

فهمها......لكنها تظل تلقائية خاصه بين المرء وحالة

ولا يشاركهُ اي مخلوق.....

أبتسم سلطان بسخرية وهو يميل براسه للناحية الأخرى....اي شيطان تلبسه وهو يطلب يدها

للزواج.....

عندما استدارت داليدا اثناء فقرة الرقص المريبة

تلك ،وجدت سلطان امامها يحدق بها بقرف

فصرخت تلقائيّاً صرخة المفجوع....وكانت أعلى

من المتوقع........

لذا تقدم منها سلطان سريعاً وكمم فمها بكفه الكبير

وباليد الأخرى خلع السماعة من اذنيها والقاها أرضا

باهمال........

"اخرسي..... إيه شوفتي عفريت......."

اتسعت عيون داليدا وهي تنظر إليه بتراقب

قوي ومزالت يده تغطي نصف وجهها باستثناء

العيون السوداوية المضيئة بالحياة.........

زم سلطان شفتيه بسخط قائلاً.....

"خايفه من إيه........ دا انت تخوفي بلد........"

نظرة إليه بحنق شديد ولم تعقب...... بل انتظرت ان يفك هذا القيد القوي لكنه لم يفعل.... بل ظلوا على حالهما هي واقفه أمامه تكاد تكن في احضانه بينما هو يحيط خصرها بيد والاخرى تكمكم فمها.........

نظر إليها بحدة جعلت قلبها يخفق بجنون وبدات تهمهم من أسفل يده بتململ شديد.......

فتركها بدفعه قوية جعلتها تترنح للخلف

فصاحت....



3= الثالث= الجزء الثانى = ج2="مابراحه هتوقعني........."استقامت واقفه

تنظر إليه بضيق فقال سلطان

"أول وأخر مرة تحطي الزفته دي في ودنك....."

تخصرت بتمرد معقبة.....

"كمان الهاند فري بقا ممنوع......."

نظر لها نظرة مستهينة شملتها ثم اردف

موبخاً....

"مانتي لو بتستعملي الحاجة بالعقل مش هيبقا ممنوع.....انا بقالي نص ساعة داخل من باب الشقة حسيتي بوجودي....... بالعكس دا انتي ولا هنا... لا وأيه..... اول ماشوفتيني رقعتي بصوت........ "

قالت ببراءة...... "اتخضيت.........."

رد مستهيناً...... "معقول انا بخض اوي كده......."

اشارة اليه باصبعها بتحذلق......

"طبعاً انت مش شايف حجمك........."

اوما براسه ببرود.....

"آآه شايفه......حضريلي الغد انا جعان........"

اهتزت حدقتيها فهتفت مندهشة......

"جعان.....جعان إزاي انت مكلتش عند مرات عمي...."

وضح الأمر بصعوبة من بين أسنانه المطبق

عليهم......

"لا مكلتش.....انا طول النهار برا الورشة وساعة ما رجعت زي مانتي شايفه راجع نص الليل.......فأكيد

مش هصحيها عشان تغرفلي......انتي رحتي فين

حطيلي أكل........."

اجابة بفتور....... "بس مفيش أكل........"

ارتفع حاجبٍ غير متهاون......

"إيه..........يعني اي مفيش أكل.........."

اخفضت راسها وقالت بحرج......

"يعني لما كيان جت طبخت مكرونة بالسجق....و

وكلناها.....كلها....وانا عارفه انك مبتحبش المكرونه

فمرضتش اشلك حاجة........"

"طب انا جعان دلوقتي اكل إيه.........."سالها بعيون عابسة فاشارة هي على المبرد ببساطه.......

"كل اي حاجة التلاجة عندك....."

التوى فمه قائلا..... "والله وانتي اي لزمتك......"

ارتفع حاجبي داليدا.....

"قصدك إيه بقا........انا خدامه عندك.."

صاح سلطان بنفاذ صبر.......

" حاجه زي كده.....اعمليلي أطفح...... جعااااان... "

تململت داليدا بجزع.......

"تعالى كلني..... ما خلاص عرفنا انك جعااان أصبر......خلاص هعملك مكرونة.........."

امتنع باستهجان كطفل متزمر.....

"هو انتي اي حكايتك مع المكرونة........قولتلك مبحبهاش.........اعمليلي اي حاجة خفيفة من التلاجة...."

"صبرني يارب......."قالتها بزفرة وهي تتجه

للمبرد.....

وعندما استدارت تفتح المبرد مسك سلطان

طرف الوشاح الحريري وهو يقول.....

"متنسيش الشـ......."عندما ادارة رأسها إليه انسحب

الوشاح بفعل يده المتعلقة به فانسدل شعرها البني

الكثيف حتى غطى ظهرها ونصف وجهها وهي تنظر إليه بضيق.........

"عجبك كده.......اربط شعري بالاسكارف تاني

عشان ايدي مش فاضيه........"

قالتها وهي تغلق باب المبرد بركلة من قدمها بينما يداها الأثنين تحمل الجبن والبيض......

"ااايه......."

تاففت داليدا بانزعاج واضح وقالت

برجاء.......

"خلص ياسلطان لما بسيبوا كده بيزولني......اربطه بالله عليك.....مانت اللي فكيته.........متعرفش تكلمني من غير ما ترفع إيدك.......انا بسمع على فكرة....."

زفر سلطان وهو يقف خلفها....فكانت تقف امام الرخامة تفرغ الجبنة في طبق........

انحنى سلطان ارضاً يجلب الوشاح الحريري الملقى

اسفلة......وعندما امسكه انتصب واقفاً...ناظراً الى شعرها البني الكثيف....كثافة ونعومة وطول

ينافس أجمل شلالات العالم في عيناه........

"خلص بقا ياسلطان........."قالتها بتزمر وقد

اتسخت يدها بماء الجبنة.......

فمد يداه ومسك شعرها برفق.......وبدأ بربطه

بالوشاح الأصفر الطويل......محاول أنهى الأمر

سريعاً......لكن تلك النعومة والرائحة الزكية التي

تفوح منه جعلاه متسمر مكانه كالابلة خلفها...

و قلبه وجسده يعيشان خلل الآن لأول مرة

يستشعر به........

أبعد يده سريعاً بعد ان انتهى باعجوبة من ربطه...

ثم ابتعد خارجاً من المطبخ وهو يخبرها بصوتٍ

متحشرج..........

"هغير هدومي على ما تخلصي........"

"اديني عشر دقايق........." قالتها وهي تتحرك عند الموقد غافلة عن ما اصبه.........

بعد دقائق وضعت الطعام أمامه على السفرة الصغيرة المربعة.........وصاحت منادية.....

"الاكل ياسلطان......"

سحبت مقعداً وجلست واخذت رغيف خبز ووضعته

امامها.....خرج سلطان من الغرفة بعد ان بدل ملابسه

بأخرى مريحة.........اتخذ مقعداً وسحب رغيف خبز سائلاً بفظاظة.......

"هو انتي هتاكلي........"

"آآه......جعانه.......ليه........"

كانت ملهية في الطعام وهي تجيب عليه فرد

هو بفتور......

"عادي اصلك قولتي انك اتغديت مع صاحبتي....."

وضعت داليدا اللقمة بفمها وهي ترد

باختصار...

"مانا اتغديت فعلاً لكن دا عشا......عشا خفيف......"

اوما براسه وبدا بالاكل دون تعقيب فسالته

فجأه....

"بس اي رايك في الأكل........"

نظر سلطان للاطباق بتعجب.......

"رايي في إيه بظبط....دي كلها جبن ومعلبات من التلاجة....."

"يسلام وبيض العيون........"اشارة داليدا على الطبق ممتعضة من قلة تقديره....

فرد ممتعضاً هو الاخر....... "ناقص ملح........."

"والله طب ماتكلوش بقا طالما ناقص ملح....."

سحبت الطبق لعندها........

فمسكه سلطان من الطرف الأخر قبل ان

يتحرك أكثر......

"طالما اتحط قدامي يبقا هاكله....سيبي الطبق...."

سحبته بعناد قائلة.....

"بس انا مرضاش تاكل حاجة مش عجباك......"

"متقلقيش انا واخد على كده......."

سهم اخر من سهامه النارية أصأب قلبها

بجرح اخر ......ان كان يراها بهذ الشكل لماذا

تزوجها...... كي يحرق المتبقي من روحها؟!......

عندما ساد الصمت بينهما وتوقفت داليدا عن

الأكل تحدث سلطان بخشونة.....

"بكرة الجمعة....وكلنا معزومين تحت عند امي

وابويا واخواتي البنات هيجوا بجوزهم وعيالهم وهيكونوا موجودين طول اليوم في البيت تحت.........عايزك تلبسي حاجة واسعة وتلفي

الطرحة عدل..........وحسك عينك صوتك يعلى في الكلام...... وضحكة الرقاصين دي تكتميها خالص واحنا تحت......"

تاففت داليدا بحنق شديد......

"انا ضحكتي مش ضحكة رقاصين

ياسلطان......وقولتلك الاسبوع اللي فات اني

مكنتش لوحدي بضحك.....أختك وبنتها كان

بيضحكوا معايا.... "

اوما براسه وهو يرد باللهجة شديدة

الخطورة.....

"والله على اساس اني معرفش ضحكتك يادليدا....

دا انا اطلعها من وسط الف......مشاكلي معاكي زمان

اغلبها بسبب ضحكتك وصوتك العالي...ومشيتك في الشارع.......وشكلنا هنرجع نعيد ونزيد تاني...."

ضربت داليدا على الطاولة بقبضة يدها الصغيرة......وهي تنظر اليه بصدمة........

"يادي النيلة.......ومالها بقا مشيتي......مانا

بمشي عادي........."

رد وهو يغمس اللقمة في الجبنة وياكلها

مردداً......

"بنسبالي انا مش عادي......ماشيه مايعه زي صاحبتها........."

شهقت داليدا مشدوهة من تعقيبة.....

"أحترم نفسك ياسلطان انا مسمحلكش........."

رفع عيناه عليها قائلاً بصلابة......

"مش مستني إذنك في الكلام........انا اتكلم زي مانا عايز....وطالما في حاجات فيكي مش عجباني...يبقا

واجب عليكي تغيريها......."

جزت على اسنانها متحدثة....

"حلو اوي انا مستعده أغير اللي مش عجبك...ضحكة الرقاصين...... ومشيتي المايعة......."

قاطعها مضيفاً....... "وصوتك العالي........."

احمر وجهها من شدة الغيظ.......

"كمان انت جيت في جمل....وصوتي العالي....المهم

انت بقا هتتغير زيي........"

قطب جبينه عابساً.....

"أتغير ؟!.......في اي بظبط........"

نظرة اليه داليدا وقالت بقهر.......

"في حاجات كتير..... أولها معاملتك ليا......"

التوى ثغره في إبتسامة ساخرة.......

"سبحان الله....وليكي عين كمان تعلقي على

معاملتي ليكي..........بعد كل اللي عملتيه.........."

هزت راسها وهي تنكر الخطأ

بتعنت.....

"انا مغلطش..........انت اللـ..........."

نهض من مكانه سريعاً وكان حية لدغته ثم

سحب ذراعها بقوة بين قبضته وعندما نهضت

تواجه غضبه الأسود هسهس بنبرة مهيبة امام

وجهها الذي شُحب في لحظة امامه.........

"كلمة كمان.....اقسم بالله لو زدتي عن كلمة

كمان...... مش هيطلع عليكي النهار سليمة........."

ازدردت داليدا ريقها بخوف....وهي تشعر باصابعه

تغرز في جلدها تكاد تهشم عظامها.........نظرت اليه بارتعاد واضح وهي ترجع رأسها للخلف بخوف

من ان يبطشها بيده.....

فكانت عيناه تتوهج بناراً حارقة...ترعب ناظرها....

فكه متشنج.....وانفاسه غير منتظمة وكانه يصارع شياطين غضبه........ام ملامحة فكانت متصلبة

وكانه على وشك ان يفسك دماؤها بيده الآن......

لكن نظرة الخوف من عينيها ورجاء الخفي جعلاه يترك ذراعها باعجوبة... دفعها بعيداً عنه.......ثم اتجه هو الى غرفة النوم مغلق الباب خلفة بقوة جعلت جسدها ينتفض من مكانه.......

......................................................................

دفع الباب الزجاجي ودلف للداخل بمنتهى العنجهية والتسلط...... مصدر صوتٍ يعرف عنه.... كالسلاسل فضية معلقه في عنقه... كرائحة المخدرات التي

تفوح من فمه الشهواني.... كزمجرة الذئاب التي يزمجرها ليرعب اصحاب القلوب الضعيفة....

كانت توليه ظهرها تصور أوراق على مكينة التصوير

لكن عندما احست بوجوده جزت على اسنانها.... متمته بغضب.......

"اصتبحنا وصبح الملك لله...... افندم......"

تحسس صدره بلؤم وعيناه تنهم في جسدها

المخفي تحت عباءة سوداء فضفاضة.....

"القوبيض.........بتاع كل أسبوع ياستهم........"

التفت له أمرأه في اوئل الاربعون من عمرها

أمرأه جميلة بعيون سوداء كحيلة وبشرة

خمرية وملامح أنثوية رغم بساطتها جذابة

على نحو جيد.......صاحت أحلام متاففة....

"اللهم طولك ياروح...........جرالك اي يامرعي......

احنا لسه مستفتحناش بمليم واحد......."

تحدث المدعو مرعي بضيق.....

"الله هو انا كل ماجي اخد منك المعلوم تعمليلي

فيها الشويتين بتوعك.....قبي بالقوبيض ياحلام

لحسان اكسر المكتبة دي على دماغك......"

توسعت عينيها بحنق......

"يعني إيه....... هو شغل بلطجة......"

زمجر عابساً....

"لا ياختي مش شغل بلطجه انا باخد اجرتي

تعبي.... شقاي....."

شهقت أحلام بتعجب قائلة.....

"تعبك وشقاك....تكونش مشركني المكتبة وانا مدرياشي......."

دار بعيناه للحظة على هذا المحل القديم الضيق

الذي يحتوي على الكثير من الكتب وروايات المتنوعة وبعض المستلزمات المدرسية الأخرى وايضاً بعض الدمة اللطيفة للأطفال........

مط شفتيه معقباً باستنكار.......

"اشركك....يعني يوم ماشركك اشارك في شوية كراكيب....."

هزت أحلام راسها مخرجة تنهيده مثقلة...ثم رفعت عيناها قائلة بتعجل.........

"شوية الكراكيب دول كنز بنسبالي....خلصنا عايز

كام وتحل عن سمايه........"

رد بتبجح....... "زي كل مرة......"

"حسبي الله ونعم وكيل......"تمتمت بها وهي تفتح الدرج لتبدأ بعد المبلغ الذي يريده.......

رد عليها مرعي باقتضاب.....

"في الظالم ياختي.....انا باخد عرقي.....عارفه يعني إيه....يعني بحميكي من ولاد الحرام والبلطجيه...

انتي وكل الغلابة اللي في شارع الصاوي......"

ابتسمت احلام بقهر وهي تقول بغضب

مكتوم....

"آآه مانت مش قادر غير على الغلابة.......اما اللي زي

عاصم الصاوي وحكيم ومينا النصراني...خط أحمر

هما وكل اللي زيهم.....لكن تيجي تضحك وتستغفل مين بقا....الناس الغلابانه اللي زيي....وزي البايعين اللي بيسترزقه من المكان......."

رد وهو يعد الاموال

بطمع.....

"كل دول انا بحميهم......."

هزت أحلام راسها بعصبية.....

"من مين....منك ولا من شوية الصيع اللي ماشين معاك.........روح يامرعي.......ربنا يهديك......ويرحمنا منك..... "

اوما براسه وهو يضع المال في جيبه......

"ماشي ياستهم.....بس قبل ماروح.....عايز استفتسر

عن حاجة......"نظرة له احلام بحنق....

" متعرفيش مين اللي أجر مطعم الجمال......"

قالت احلام بكراهية.....

"قصدك مطعم الصاوي اللي كان مأجره الجمال....معرفش وميخصنيش.....وتكل على

الله بقا خلينا نشوف أكل عشنا.........."

تمتم مرعي بمكر......

"مصيري اعرف......واهوه زيادة الخير خيرين...."

اندفع الباب الزجاجي ودخلت منه فتاة مراهقة سألت احلام بلهفة.....

"أحلام الرواية اللي طلبتها منك وصلت......"

قالت احلام مبتسمة ببشاشة.....

"لسه وصله من ربع ساعة استني هجبهالك......"

ثم ضربت على الطاولة الزجاجية الطويلة والتي

كانت كالحاجز بينها وبين الزبائن......

"طريقك أخضر يامرعي.......عايزين نشوف اشغلنا..."

القت عليه نظرة حانقة وهي تتجه لأحد الرفوف وتسحب منه الكتاب.....

........................................................................

"أسمع مني يابني دي سهرة متتفوتش......"هتف بها

حكيم وهو ينظر لعاصم الجالس جواره يسحب من مبسم الارجيلة بداخل قهوة (مينا النصراني) صديقهم الثالث.......صداقة ثلاثية نشأت منذ زمن

في شارع الصاوي منذ بداية دخول عاصم لتجارة الذهب وادارة أملاك العائلة......

رد عاصم ممتنع وهو ينفث الدخان في

الهواء....

"حلال عليك........مش عايز........"

هتف حكيم محاولاً اقناعة.....

"صدقني مش هنشرب....... معسل بس......."

رد عاصم متحججاً.......

"مش عايز انا مليش في السهر....انا لازم انام

بدري...... "

هتف مينا والذي كان يكبر عاصم بعدة اعوام

لكنه متزوج ولديه أولاد............

"ليه عندك مدرسة الصبح........"

ضحك عاصم ببرود قائلاً وهو يشير على رأس مينا......

"اي السكر ده...... تصدق ياحكيم بقا دمه خفيف

لم القرعة بانت........"

رد مينا وهو يتحسس راسه بجزع.....

"قعدوا فكروني بقا......كله من الجواز وشيل

الهم عقبالكم........."

اتسعت عينا عاصم بدهشة وهو ينظر لحكيم

بمناكفة........قائلاً بمناغشة......

"معقول الجواز يعمل كده.... بسم الله ماشاء الله.. عندك حكيم اهوه ناوي يتجوز الرابعة وشعر صدره

طالع برا القميص...... لا وايه راجل رياضي......"

مط حكيم شفتيه مزمجراً......

"قعد نق ياعاصم.....نق........نق لحد ماطلقهم التلاته

بالتلاته......."

رد مينا ضاحكاً.....

"حلو....... واهو تغيرهم كلهم مرة واحده......"

غمز عاصم لحكيم.....

"مش بقولك.......خلت دمه خفيف....."

رد مينا وهو يتحسس راسه مجدداً.....

"بكرة ازرعو وصبغ كمان......"

ساله حكيم بلؤم.....

"وام رانيا عارفه بالكلام ده ولا هنلاقيك تاني

يوم متقطع حتة في التلاجة......"

هتف عاصم بمناكفة نحوه.....

"المفروض انت اللي تخاف على نفسك لحسان التلاته يتفقه عليك...... وتتسلم تسليم اهالي...."

رفع حكيم راسه للاعلى بصلف.....

"فشر....... انا التلاته اللي عندي ميتخلعوش

من مكانهم..... "

"ربنا يزيد ويبارك ياسيدي.... إلا قولي ياعاصم مش ناوي تعملها تاني....." نظر مينا لعاصم.....

الذي بدوره سأل...... "هي إيه ؟!......"

ضيق مينا عيناه مردداً.......

"الجواز ياحلو........ الجواز.... قبل ماحكيم يخلص على ستات الكوكب........"

ارتشف حكيم من قهوته مردداً بأسى....

"ياريت بس دول كتير اوي وانا مش ملاحق...."

رد عاصم بدوره....

"لا انا كده ملك زماني....... مرتاح اخر راحة... "

رد حكيم متعجباً.....

"في حد يرتاح وهو بعيد عنهم......."

اوما مينا وهو يبوح لأصدقائه بمحبة.........

"عندك حق والله ياحكيم...... طب دا انا مرة ام رانيا زعلت مني وسابت البيت وراحت عند اهلها قعدت اسبوع ضايع من غيرها.........ومقدرتش على

بعدها........وروحت اراضيها علطول......."

لكز حكيم عاصم بتوبيخ وهو ينظر لمينا

مضيفاً بحرارة........

"ياسيدي شايف الحب......ياعديم الحب....وانا برضو يامينا ياخويا مرة زعلت من مراتي الأولى.....ام العيال

مانت عارفني بعزها....ضربة معاها خناقه جاامده...

فزعلت وسبتلي البيت....زعلت اوي وتاثرت فروحت

بايت في البيت التاني...ومراتي التانيه مقصرتش

والله هوونت عليا جامد.......اصلي كنت زعلان أوي منها.........."

"اهم حاجة ان الزعل راح........"قالها عاصم بغمزة..

اوما حكيم بمزاح.....

"هو راح بس سبلي جراح........يلا الواحد بيشقى وبيتعب عشان مين ماعشان اللي حوليه......"

ردد عاصم الجملة الشائكة بينهم....

"ياسلام.... على الانسانية والحب.... تصدق ياعندليب زمانك........ عيني دمعت من التقوى.........."

ردد حكيم بتوعد........

"بكرة تبقا انت كمان عندليب عصرك....وساعتها ههريك تريقه......بس تقع بس وانا مش هسمي عليك......."

ساله عاصم بلؤم... "اقع في إيه بظبط........."

قال حكيم بصوتٍ عذب ملحن على اوتار

الكلمات....

"هو في غيره الحب.......دا احلى وقعه الانسان بيقعها

هي وقعت الحب....اسالني انا انا وقعت تالت مرات

وناوي اجرب الوقعه الرابعة........"

هز مينا راسه وهو يجذب وجه عاصم اليه

قائلاً بجدية.....

"سيبك منه ياعاصم.....الحب ده بيجي مرة واحده في الحياة وهي وقعه واحده.....لم بيجي اللانسان بيكون الأهم الأول والأخير........بيكون كل حاجة بنسباله وأول حاجة بيفكر فيها... الحب وحبيبته... "

شعر بالملل من هذه الجلسة الشاعرية فنهض

قائلاً بسخرية ناظراً اليهم معاً.......

"لا انا مش قاعد مع مينا وحكيم......انا قاعد مع

مغني وملحن........انا راجع اشوف اكل عيشي سلام ....."

........................................................................

دخلت سيارة بنصف نقل شارع الصاوي محملة ببعض

المعدات الخاصة بالمطعم الجديد والذي سيتم التجهيز له من اليوم بعد ان تم كتابة عقد الإيجار

وتسجيلة رسمياً في شهر العقاري........

باسم حمزة الدسوقي.....

لفح الهواء وجه شهد فاطار خصلاتها القصيرة والتي

تغطي جبهتها...... فابتسمت شهد وهي تستنشق اكبر قدر من رائحة البحر الممزوجة بشارع الصاوي واناسه البسطاء............

لكزتها صديقتها خلود والتي تجلس بجوارها وعلى الجانب الآخر في مقعد القيادة يجلس زوجها بشير.......

"سرحان في اي ياجميل........"

ابعدت عينيها العسلية عن نافذة السيارة التي

تنظر من خلالها ونظرة الى خلود مجيبة

ببساطه....

"في المكان.......والشارع اللي هيبقا بيتنا التاني....

تفتكري المشروع هينجح هنا....."

قطبت خلود جبينها قائلة بتعجب......

"وليه بقا مينجحش هنا.... اي حاجة فيها اكل

ناجحة بعون الله..... ولا انتي عندك شك......"

نظرة شهد للنافذة مجدداً قائلة بتفكير.....

"مفيش شك من ناحية شغلي... اللي قلقني المكان الناس اللي هنشوفهم وهنتعامل معاهم....... انتي عارفه ان شارع الصاوي بنسبالي زيه زي اي شارع بجيب طلباتي منه وبروح.... وطبعاً مبدخلهوش غير كل فين وفين....... يعني مش عارفه ناسه......"

تدخل بشير زوج خلود في الحديث

قائلاً....

"متقلقيش ياست شهد..... احنا معاكي....وواحده واحده هتتعملي....... وبعدين لو عايزة تنزلي السوق

يبقا لازمن تختلطي بده وده...... ولا اي ياخلود......"

لكز زوجته فاومات خلود برأسها قائلة بجدية...

"معلوم ياخويا...... وبعدين متقلقيش من حاجة انا وبشير اشتغلنا في شارع الصاوي قبل كده...... مش قولتلك ان إحنا كنا واقفين بعربية فول وفلافل

قبل كده..... يعني نعرف ناس فيه........ ويعرفونا..."

لم تعقب شهد بل اومات برأسه مكتفيه بالصمت وهي تشاهد الشارع والمحلات الراكضة أمامها.... فسمعت

بشير يسألها بفتور.....

"هو حمزة مجاش معانا ليه لمؤخذة.... بما ان يعني هو اللي مأجر المكان من عاصم الصاوي... مش كان المفروض يجي برضو.... عشان الراجل ميشكش في حاجة......."

عادت شهد اليه قائلة بنبرة عادية........

"حمزة هيجي ورانا..... هيخلص بس نقلة الركاب اللي معاه وهيحصلنا...... وبعدين مالو عاصم الصاوي لو سالني هقول اني اخته وهشتغل معاه في

المطعم......."

أوقف بشير سيارة النصف نقل أمام المطعم والذي كان بجوار مكتبة أحلام وعلى الجهة الاخرى محل قديم مغلق بجوار المحل صاغة كبيرة وفخمة

الشكل ملكاً لــ آل الصاوي والذي يديرها

عاصم..... فكان أكبر محل صاغة في الشارع

يتكون من طابقين الاول والثاني.........وكله

يحتوي على افخم أنواع واشكال الحلي لجميع الاذواق الشعبية والعريقة...

ترجلت شهد من السيارة وكذلك بشير وخلود.... ثم

نزل من السيارة النصف نقل رجلين من العمال...

الذين سيتكلفوا بحملوة المعدات الخاصة

بالمطعم......

اخرجت شهد المفتاح من جيب تنورتها الطويلة

واتجهت لبوابة المطعم المغلقة......فمنعها بشير

قائلاً بحرج......

"عنك ياست شهد........"

امتنعت شهد قائلة.....

"لا خليك يابشير انا عايزه افتحه بنفسي...."

اوما لها وهو يفصح لها المجال كي تتقدم..... اتجهت

الى المطعم وانحنت تفتح البوابة الاولى......بسعادة

وقلب يشرق بالأمل......

لكن صوت جهوري اتى من ماضي مظلم دوى في

أذان عليلة.........

(وانتي فاكرة انك هتعرفي تحققي حاجة بنفسك واحده زيك آخرها تتجوز وتربي عيالها.....والطبيخ

اللي فكراه هيوصلك للعالمية نهايته معاكي في مطبخ بيتك........كفاية عبط.......وهبل.... انتي

مش هتعرفي تحققي حاجة بنفسك فوقي....)

انتفض جسدها فجأه ووقع المفتاح من يدها..فنظر بشير لزوجته بتساؤل والتي تقدمت بدورها منها وانحنت تسالها بقلق.......

"شهد انتي كويسة......مالك....."

نظرت شهد لها بعسليتان محربتان للوجع والماضي

بكل ما تمتلكه من قوة.........ثم هزت راسها وهي تلتقط المفتاح وتفتح القفل بحزم.......

"انا كويسة..........كويسة ياخلود........"

ساعدا الرجال في رفع الباب الجرار للاعلى ثم بمدالية المفاتيح الأخرى وضعت المفتاح الثاني

في الباب الزجاجي الأخير........

فاتى صوتها الحزين من بعيد في حوار كان هادم للذات..........

(لي مصمم تكسرني..... ليه بتقلل من اي حاجة بحبها.......المفروض انك أبويا..... المفروض

انك تدعمني تقف جمبي.... وتصدق حلمي...)

صاح عثمان حينها بمنتهى القسوة مقلل منها بمنتهى الجمود

(حلمك اهبل وتافه....... والشهادة والخبرة اللي بتكلميني عنها متوصلكيش لحاجة.... اخرتك في

مطبخ بيتك...... فعقلي وبلاش تطمعي في اكتر

من كده........)

تمتمت حينها بابتسامة مريرة.......

(أول مرة اعرف ان اللي بيحلم بيكون طماع....)

دفعت الباب الزجاجي بقوة ودلفت الى المطعم والذي سيكون أول درجة تتخطاها في حلمها.......تطلعت

شهد في المكان من حولها.......

كان مطعم كبير وشاسع......هناك جزء للطاولات والمقاعد.....بداخله باب يوصل للمكان الخاص

بالطهي.....ومكان منفرد للمراحيض الخاصة بالزبائن.........كان جيد لا بأس به....يبدوا انه

سيكون بداية جيدة لها ولن تنساه......

هللت خلود بسعادة وهو تمسك كتف شهد.....

"المكان حلو اوي ياشهد وكبير ومتأسس

صح......"

قالتها وهي تركض للابواب المغلقة تتفحص المطبخ

المخصص للطهي والمراحيض....... وحقاً كان المكان جيد ونظيف يبعث الراحة في النفس.....

صاح بشير قائلاً بحماس للعمال الواقفين جواره.....

"يلا يارجالة ندخل الحاجات اللي في العربية جوا.. عشان نبدأ نظبط المكان........"

استدارت اليه شهد قائلة بابتسامة جميلة.....

"بشير متنساش جردل الدهان....... عايزة اغير

لون الحيطه ديه......."

اشارت الى الركن الخاص بزبائن قائلة.....

"عايز يكون في تغير في شكل المكان.....عشان الزبون يحس انه بيدخلوا لاول مرة..... "

"تمام....هجبهولك حالاً.........."

اخرجت شهد تنهيدة حارة حماسية وهي تخلع السترة من عليها وتلقيها على أحد المقاعد ثم ربطت

شعرها على شكل كعكة فوضوية جميلة وارجعت

قليلاً خصلات الغرة المغطيه جبهتها..........

فابتسمت خلود متقدمة منها بجذل......

"واضح انه هيبقا يوم طويل بس جميل......مش مصدقه ان بقا عندنا مطعم.... دلوقتي بقا هنطلع الأوردرات باسم (مطعم الشهد) واحنا حطين

رجل على رجل....... "

اتسعت ابتسامة شهد حالمة معقبة.....

"د انا عملت اليافته مخصوص عشان اعلقها لما نخلص........"

"اليافته هتنور شارع الصاوي أصلا....ربنا يحققلك كل احلامك ياشوشو.......انتي تستهلي كل خير... "عانقتها

خلود بعد تلك الكلمات فربتت شهد على ظهرها وعسليتاها البراقة متعلقة في المكان بأمل جديد.....

........................................................................

دلف الصبي الذي يعمل عند عاصم الصاوي في محل الصاغة........

"عم عاصم.......عم عاصم........"

رفع عاصم عيناه على الصبي الذي ياخذ انفاسه بصعوبة وكانه خرج من سباق للتو......

"في اي يارجب....مالك......في حاجة حصلت عندكم......"

هز الصبي رأسه وهو يقول لاهثاً....

"لا ياعم عاصم لكن في حاجة شوفتها وعايز

اقولك عليها........."

"حاجة اي يارجب خلص عشان مش فاضي..."

قالها عاصم وهو يوزن قطعة من الحلي على

ميزان صغير وهو يجلس باريحية خلف

مكتبه الفخم.......

فقال الصبي واشياً بهمساً.....

"المطعم اللي انت اجارته ياعم عاصم....صحابه جم وفتحوه.....وبينزلوا حاجاتهم فيه......"

رد عاصم بملل وهو يوزن قطعة

أخرى.....

"طب وفيها إيه.....مالمطعم اتأجر ليهم... "

هتف الصبي موضحاً.......

"فيها ان الراجل اللي آجره منك مش معاهم.....وان اللي فتحت المحل واحده ست......."

"واحده ست ؟!........"رفع عيناه عليه بقوة.....

فقال الولد واشياً......

"هما اتنين ستات وسواق العربية...بس اللي فتحت المكان واحده ست شكلها صاحبة المكان......"

نهض عاصم قائلاً بحدة.....

"صاحبة المكان إزاي انا مأجره لواحد مش واحده........."

"خليك هنا.......انا رايح أشوف في إيه...

ومين دي..."

أمر الصبي واتجه يتخطى الإدراج بشموخ ووقار

نازلاً للاسفل ومنه على باب الخروج.......متجه

الى هذا المطعم وهو يشم رائحة الخداع

والكذب وان حدث هذا فعلاً......فلن يرحم

حكيم فهو من جلب هذا النصاب إليه.....

........................................................................

سندت السلم على الحائط ثم تسلقت درجات السلم وهي تمسك بين يدها دلو الطلاء وعندما وصلت لأخر السلم وضعت الدلو فوقه..وغمست الفرشاة في الدهان الأزرق الفاتح.... أحد درجات لون البحر المفضل لديها....

ثم بدأت في دهن الحائط وهي تدندن بصوتٍ خافت مع اغنية تصدر من هاتف خلود........

صاحت خلود اليها من الأسفل.....

"ياشهد انزلي متتعبيش نفسك..... بشير هيطلع

يدهنه مكانك لحسان تقعي......."

ردت شهد مبتسمة وهي تمشي الفرشاة على الحائط

بسعادة شاعره براحة غريبة بمجرد ان غيرت

لون الحائط بأخر جديد.......

"متقلقيش انا تمام ومرتاحه كده...... المهم الرجالة خلصت......."

قالتها خلود وهي تتجه للمطبخ مجدداً....

"آآه فاضل حاجات بسيطه......"

دلف عاصم للمكان فوجد الرجال يحملوا

الأغراض للداخل وصوت موسيقى يدوي في

المكان برقي......

دار بحدقتيه حول المكان ليجد من تقف أعلى السلم توليه ظهرها تدهن الحائط... ترتدي تنورة واسعة كحلية اللون عليها كنزة علوية بيضاء ملتصقة قليلاً عليها.......لم يرى وجهها فقط شعر أسود ناعم مربوط على شكل كعكة.........

التفت شهد سريعاً خلفها عندما شعرت انها تحت

المراقبة....فالتقط عاصم حدقتين باهداب

طويلة كثيفة سوداء يذوب بداخلهم الشهد

الحلو....

وقتها علم مالذي كان ينقص الخاتم؟......

حجر الكهرمان.... كتلك العيون التي يراها الآن

تضوي بقوة !!.......

تسمرت أعينهما للحظة وكان الكون توقف لثواني فقط ثواني كانت الموسيقي بها تدوي من

حولهما....

(شيء من بعيد ناداني و أول ما ناداني

جرالي ما جرالي....شيء من بعيد ناداني و

أول ما ناداني جرالي ما جرالي...دا مش

بايدي يابااا.......)

لحظات وشعرت ببلاهة الموقف وهي معلقة في الأعلى تنظر اليه بصمت دون سؤال او توضيح....

هي على علم انهُ (عاصم الصاوي) لن تتوه عنه.....فالطالما كانت تتردد على الشارع وتراه

بصدفة بشكلاً عابر.....لكن للحق لم تكن قريبة

منه بهذا الشكل لذا رأيته اربكتها قليلاً خصوصاً ان حمزة ليس هنا......والكلام التي كانت تخطط لقوله ضاع من عقلها فجأه عندما تصادفت به.......

نزلت شهد سريعاً درجات السلم وهي تشعر بالحرج والتوتر من مواجهة هذا الموقف...... وقفت جوار السلم وكأنها تنتظره هو كي يتقدم ويبدأ في السؤال......

ففعل عاصم وتقدم منها وعيناه القاتم تكاد تخترق

عسليتاها المهتزة بارتباك..... سائلاً إياها بصوتٍ خشن..... "انتي مين؟......."

وصلت رجفة غريبة من نوعها على جسدها وقلبها...ورغم ذلك ردت بمنتهى الثبات امام

هذا الضخم الوسيم....صاحب الهيبة المزعزعة

لثبات المرء.........

"شهد............شهد الدسوقي.....اخت حمزة......."

دخل أحد العمال مع بشير يحملوا شيءٍ كالوح الخشبي والذي ارتطم عن طريق الخطأ بالسلم الخشبي المجاور لها فاهتز من الأعلى دلو الطلاء....فانكمشت شهد بفزع......لتجد من

يسحب ذراعيها بقوة بعيداً لأحد الأركان.......

وينسكب الطلاء في اللحظة التالية مكانها....

(ناداني من يميني...... ولسة بيناديني

بيقولي حصليني على بلد العجايب

ناداني من شمالي قال يا ام المهر غالي

تعالي قوام تعالي خدي من الحب نايب......)

سحبت نفساً لرئتيها بصعوبة وهي تفتح عينيها بدهشة بعد ان شعرت بظهرها يرتطم بالحائط

الصلب خلفها......

وعندما ابصرت الوضع شهقت شهقة مكتومة...فكان عاصم يقف أمامها كالحاجز المانع وهو يمسك ذراعيها بقوة المتها والغريب انه لم يكن ينظر اليها بل كان ينظر للدلو الذي انسكب ارضاً مكانها.....

تأملت ملامحه الرجولية لثواني معدودة فكان رجل مهيب الملامح وقور الشكل ووسيم بشكلاً خاص.....فارع الطول يصل لستة اقدام ضخم

البنية ببشرة برونزية ولحية حالكة تلمع بشكلاً مذهل......

ابتلعت ريقها وهي تشعر بتوتر من هذا الوضع الذي لم يمر عليه الى ثواني كطرفة عين..........وقد

استدار لها عاصم يسالها بفتور وهو يبعد يداه

عنها بحياء ذكوري.....

"انتي كويسة........."

"آآه الحمدلله محصلش حاجة...... جت سليمة....."قالتها شهد بنبرة مرتجفة وهي تسعل بحرج...وقد أحمر وجهها

كحبة طماطم بعد هذا الموقف المحرج........

اقتربت منها خلود الذي خرجت للتو من المطبخ.....

"شهد انتي كويسة مالك اي اللي حصل.....واي اللي وقع جردل البوهيه كده...."

ردت شهد بحرج أكبر بعد ان لاحظت نظرات عاصم

القوية عليها.......

"حصل خير ياخلود انا تمام........."ثم تنحنحت قائلة

"خلود ممكن تجبيلي شوية ماية......."

فهمت خلود سريعاً نظرات صديقتها فاومات

برأسها بطاعة...

"عيني هجبهالك حالاً......."

ثم عندما اقتربت خلود من زوجها اشارة له بعيناها ان يتابع عمله هو والرجال..........ففهم الآخر وترك لهم

مساحة للحديث وهو يشير للرجال ان يتبعوه

للخارج.......

تنحنحت شهد وهي تشير لعاصم لأحد الأركان النظيفة كي يجلس على المقعد ويستريح.......

"اتفضل.....معلش يعني ملحقتش أعرفك على نفسي...بس بسيطه....انا شهد.....شهد الدسوقي...

اخت حمزة.... اللي آجر منك المطعم من كام يوم........"

نظر عاصم للأرض ثم لها سائلاً بخشونة.....

"فهمت.....بس اللي مش فاهمه انتي بتعملي اي هنا...يعني انا فاكر اني اجرة المطعم لاخوكي.....

مش ليكي....."

ازدردت ريقها وهي تنظر اليه بهدوء مجيبة

بمواربة......

"وانا مقولتش ان انا اللي اجرته.....يعني......انا هشتغل مع حمزة اخويا.....لاني فاهمه في المجال

ده اكتر منه..."

شم رائحة الكذب في صوتها....وراى ألق الكذب

في عسليتاها الجذابة.........فعقب باستهجان.......

"غريبة....وهو اي اللي يدخله في مجال هو مش فاهمة...بالعكس دا اخته هي اللي فاهمه فيه......

انتوا بتلعبوا بيا ولا إيه؟!....... "

شعرت شهد بالحنق يتفاقم داخلها فهتفت بأخر ماتبقى من الصبر لها........

"وهنلعب بيك ليه......هو انت مش ملاحظ ياستاذ عاصم انك مدي الموضوع أكبر من حجمه........يعني اخويا آجر منك المحل واستعان بمساعدتي.....اي الغلط في ده...."

احتدت نظرات عاصم عليها مزمجراً......

"الغلط انه مجاش معايا دغري.....ومقالش ان

المطعم ده مأجره عشانك......."

صممت شهد على رأيها قائلة بكبرياء....

"مقولنا مش عشاني احنا هنشتغل فيه احنا الإتنين.....وبعدين اي مشكلتك اذا كان متأجر بأسمي

او بأسمه.........."نظرة اليه بتساؤل.....

فاجاب بمنتهى الجمود المحمل بعنصرية الرجال

نحو المرأة العاملة الطموحة..........

"ببساطه لاني مبمضيش عقود إيجار مع حريم...منعاً للوش......ووقف الحال.... "

اتسعت نظرات شهد وهتفت بحمائية.......

"وش ووقف حال ؟!.....ازاي يعني هي الست لم تحب تشتغل وتثبت نفسها يبقا ناويه على مشاكل....وبعدين حضرتك مش شايف ان تفكيرك قديم شوية....اي مبمضيش عقود ايجار مع حريم...... مش فهماك

يعني هو احنا جربه مثلا........"

هتف عاصم نافياً........

"حاشى لله متقولنيش كلام مقولتهوش يامدام شهد...."

هتفت بغيظٍ ملحوظ.... "انسه........انسه شهد........"

لماذا غمرته الراحة فابتسم قائلاً بترحيب

طفيف........

"أهلا تشرفنا............ تشرفنا يانسة شهد........"

خفق قلبها فجأه فابعدت عينيها عنه قائلة

بجدية....

"خلينا نرجع لكلمنا......حضرتك مش مرحب بوجودي....."

عبس وجهه بتساؤل..... "مش فاهم........"

همست تسأله وبرائتها تطل من عينيها.....

"يعني مش عايزني امسك المشروع مع اخويا... كده المشروع ممكن يقع........يرضيك ؟.... "

نظر عاصم لعيناها الراجية....ولمعة الشهد الصافي

تبرق بجمال في حدقتيها اسما على مسمى.....لم

تكن فقط عينيها الجميلة بل ملامحها حسناء أبية.....وقسمات وجهها صغيرة انثوية.....قصيرة القامة لكن تكوين جسدها يشع أنوثة ناعمة........ رائحتها طيبة تبعث الراحة في النفس كرؤيتها تماماً......هيئتها توحي انها فتاه في الثامنة عشر.........مع انه واثق انها أكبر من ذلك.......

عندما انتبهت شهد لنظراته الغير متهاونة معها وزفرة التي اخرجها وهو شارد في النظر اليها والذي لم ينتبه لها حتى بل هي من راتها.....وقررت ان تتماسك بأخر حل لديها.......وقالت بنبرة رغم انها كانت حاسمة إلا انه كانت رقيقة ناعمة بالفطرة جعلته يتبسم رغماً عنه...............

"بص بلاش تنفخ انا ممكن اضمنلك اني هكون زي النسمة في شارع الصاوي....... مش هتسمعلي صوت ولا هيبقا في اي مشاكل من ناحيتي........ ولو حصل اي حاجة فأكيد ليا كبير اللي هو حمزة تقدر تكلمه في اي حاجة مش عجباك بخصوص تعاملي في الشارع هنا..."

ثم غيرت تعبير وجهها بشكلاً صارم

أعجبه لوهلة........

"لكن بنسبة لشغلي فهيكون خط أحمر بنسبالك....

لانه يخصني انا......وطالما مفيش مشاكل من حوليه

يبقا مش هتدخل فيه قولت إيه........"

لم يعقب بل ظل يأسرها بنظراته القوية....

فتغيرت نظراتها لرجاء قائلة بتساؤل......

"ليه ساكت........."

نهض عاصم قائلاً بحدة.......

"لازم اشوف بعيني الأول.....وساعتها هقرر

يا تفضلي....... هفسخ عقد الإيجار اللي بينا........."

اتسعت عيناها بصدمة وهي تقفز من مقعدها واقفه

امامه........

"تفسخ عقد الايجار ازاي يعني......هو كلام عيال....."

احتدت نظراته بشكلاً ارعبها لبرهة حتى فاجأها

برد القاطع وهو يوليها ظهره......

"قولي الكلام ده لاخوكي مش ليا....وبعدين

احمدي ربنا إني اديتك فرصة بعد الفيلم اللي

عملتوا عليا......"

عندما لم يجد تعليقاً منها توقف عن السير وادار

راسه إليها قائلاً.......

"ولو عايزة تفضلي في المكان ده.....اثبتيلي انك تقدري تشتغلي في شارع الصاوي ......ومشروعك ينجح كمان فيه......."

"هينجح......"صاحت امام عيناه بعزم....

اوما براسه مبتسم ابتسامة خاليه من التعبير....

ثم قال قبل ان يغادر......

"ليكي عندي هدية حلوة لو نجح.....سلام يانسة شهد...."

القت شهد جسدها على المقعد وهي تزفر بتعب

شاعره براحة بعدما حاولت السيطرة عن الوضع

لكن التحدي صعب.....بمثابة رهن خفي بينهما...

وهي على علم ان قبل ان يقيم عاصم الصاوي بينها

الرهان كانت تقيمه هي بينها وبين نفسها.......

فالا بأس من عدت رهانات نهايتها واحده...النجاح..

ربما يزيد عزمها أكثر....من يعلم.....

اقتربت منها خلود هي وبشير

متسائلين.....

"عملتي اي ياشهد....قولتيلوا إيه......."

زمت شفتيها باستياء قائلة....

"قولتلوا اللي مفروض اقوله.....بس مصدقش...

وواضح انه هيركز معايا اوي عشان لو حصل اي

مشاكل معايا او مني....هيقطع عقد الإيجار.....

وهيقولي بسلامة....."

قالت خلود بحنق....

"فكك منه....هتيجي منين المشاكل...احنا جايين نشتغل مش نتعارك......"

تاففت شهد....

"والله... قولتله كده بس مصدقش......."

اخبرتها خلود بتذكر.......

"على فكرة انا شوفت مكروباص حمزة داخل

علينا.......وكيان ركبه جمبه......"

توترت شهد وهي تنبه عليهم بعجلة.....

"حمزة....طب بقولكم....بلاش تجيبوا سيرة

ان عاصم الصاوي كان هنا......"

تدخل بشير...... "ماهو لازم يعرف ياشهد....."

هزت شهد راسها برفض موضحة.....

"يعرف اي بس يابشير....الراجل اتكلم معايا كلمتين وخلصنا.....وادينا اتفقنا.........او تقريباً اتفقنا....المهم

بلاش حمزة يعرف......عشان ميرحلوش ويشدوا قصاد بعض........."

اومات لها خلود متفهمة......

"ايوا عندك حق......بشير مش هيقوله ولا انا......اطمني......."اوما بشير على مضض...

فقالت شهد بهدوء....

"طب يلا نشوف شغلنا........"

"من غيرنا......."قالتها كيان وهي تدلف المكان

حاملة بين يداها أكياس كثيرة وحمزة خلفها

يحمل عدد لا بأس به.....

اتجهت اليها شهد بلهفة قائلة....

"كيان وأخيراً جيتي....كنتي بتعملي اي دا كله..."

"كنت بشتري هدية المطعم الجديد....كام قطعة ديكور هتعمل شغل عالي في المكان........"وضعت

كيان الأغراض جانباً......

"تعبتي نفسك......ليه....واي اللي انت جايبه دا ياستاذ......."نظرة شهد لحمزة بابتسامة حلوة...

فقال حمزة بمرح.....وهو يضع الاكياس جانباً...

"زيها هدية المطعم....كام فوطة مطبخ على كام مفارش على طقم سكاكين وتوابل وللي زي

منه......."

شعرت بالحنق منهم فهم يتصرفوا

كالاغراب معها......

"آآه منك ياحمزة........كان اي لزمته بس مانا

جيبه كل حاجة ......"

رد حمزة وهو يعانق كتفها بإبتسامة

اخوية تشع فخر بها....... "زيادة الخير خيرين......."

تفقدت كيان المكان بعينيها سريعاً

ثم قالت بابتسامة جميلة محبة.......

"بس المطعم حلو اوي ياشهد......طلع احلى من اللي في خيالي....... "

قالت شهد بجذل......

"ولسه ياكوكي... لما يتفرش....وكل حاجة تبقا في مكانها..."

شمرت كيان عن ساعديها قائلة بحماسية وهي

تنظر لهما معاً......

"طب ومستنيه إيه....يلا نخلص حاجة حاجة.....ولا

اي ياميزو.... "

غمز حمزة لاخته شهد قائلاً....

"انا مستني الرياسة يأمر بس......"

غمرة السعادة شهد فقالت مبتسمة.....

"الامر لله واحده.....خلينا نعمل سوا حاجة حاجة..."

اومات كيان براسها وهي تفتح حقيبتها وتخرج

قبعة من الصوف باللون الأحمر......

"قشطه أوي.....اربط شعري بقا والبس الايس كاب

ده عشان التراب......"

ابتسم حمزة مشاكساً إياها....

"لا حلوه ياكيمو...... دماغ شغالة ما بتنمش......"

"امال إيه وجبتلك انت وشهد واحد....نفس اللون..."

قالتها وهي تلقي الكاب الصوف عليه فالتقطه

حمزة قائلاً بتزمر.....

"جيباه أحمر.........انتي عارفة اني زملكاوي....."

هتفت كيان بملل.......

"هو احنا رايحين الإستاد....البس وانت ساكت..."

ثم نظرة لاختها قائلة بالطافة.....

"شهد عايزاني اعمل إيه.... "

قالت شهد وهي ترتدي الكاب الصوفي....

"هكمل دهان الحيطه دي وبعدين نكنس المكان ونسيقه....وبشير وخلود بيظبطه المطبخ جوا..."

قالت كيان بطاقة رهيبة......

"اوكيه انا عمتاً بحب الألوان أوي....حمزة يطلع

يدهن من فوق وانا وانتي من تحت وهننجز....."

كانا الثلاثة شعلة من الطاقة الحب التعاون.....دهنا الحائط معاً وسط مزاح ثقيل وغليظ من حمزة

الذي افسد ملابسهم بالدهان الذي كان يقطر

عليهم منه بالفرشاة من الأعلى.......ورغم ذلك كان الفتيات يضحكا بصخب عالي......مستمتعين بتلك

اللحظات معاً.....سعيدين بأول خطوة تاخذها

اختهما......ويتمنوا لها الأفضل....كما يتمنوا جميعاً

المواصلة والنجاح بعيداً عن كنف عثمان

الدسوقي وقساوة قلبه......

لكن بالصبر ربما يتحقق الاستقلال.....ونصنع الحياة

السوية يوماً لنا ولمن نحب ؟!.......

كان آخر شيءٍ يجب ان يوضع هو الافته على المطعم من الخارج.......

وقفت شهد بالخارج امام المطعم ترى العمال يرفعا

الافته للأعلى ويثبتا اياها بمنتهى الحرص.....والتي كانت تحمل بالخط العريض (مطعم الشهد...)

ابتسمت شهد بسعادة وهي تتأمل اللوحة بمنتهى الرضا رافعة معها أحلام وطموحات ستسعى لتحقيقها........

احاطت كيان ذراع شهد وسندت رأسها على كتف

أختها التي مزالت تنظر للوحة بعسليتاها المشعة بالفرح.....

"مبروك.......ياشهد....عقبال المطعم الكبير....."

شقت شفتي شهد ابتسامة جميلة وهي تقول

بتمني...."يارب......."

حانت منها نظرة جوارها لتجد من يقف امام

محل الصاغة يتحدث في الهاتف وعيناه القاتمة

تأسرها مجدداً بنظرة مختلفه تخترقها وكانها

تحاول التغلغل لاعماقها........

ابعدت شهد انظارها بتوتر......عائده للافته المعلقة

فتأملها عاصم لبرهة ثم عاد للافته ينظر الى الإسم

باستهانه !!.........

لا تستهين بأحلام إمرأة فربما وجدتها يوماً تقف على قمة أحلامك ؟!...........يتبع

دهب عطية

(تفاعل ⭐ الإستمرارية في التنزيل...


4=الرابع=ج1=

كانت تدور حول نفسها بسعادة طفلة في عمر الثامنة بثوب أبيض يدخل في طرف التنورة شريط

من اللون الأزرق كالبحر رفيقها.........تترك شعرها الناعم القصير يغطي آخر عنقها.......

(شهد..... شهد شوفي جبتلك إيه.......)

نظرة الى اخيها (حمزة) الذي يكبرها بثلاثة أعوام خطت عينيها في ابتسامة جميلة..... وبتسمت الشفاة

الصغيرة سائلة اياه وهي تلتقط عقد خرز جميل من اللون الأزرق.........مصنوع يدوياً....بسيط......لكن

اعجبها بشدة..........

(دا ليا انا ياحمزة........)

أومأ حمزة مبتسماً.....

(ايوا اشتريته من مصروفي..... حلووو.....)

اومات شهد بسعادة وهي تلامس اطراف

فستانها بفرحة اليتيم.......

(أوي........ بص دا لايق على الفستان الجديد.....)

حانت من حمزة نظرة على الفستان ثم عقب

بحنق شديد.........

(بس ده مش جديد انتي وخداه من بنت جارتنا....)

دارت شهد حول نفسها تتفحص الفستان قائلة

برضا تام........

(أيوا بس هي مبقتش عيزاه ودتهوني.... وماما كمان غسلته وحطت فيه الشريط الأزرق ده عشان يبان انه جديد...... هي مش هتعرفوا كده.......)

(ولا تعرفوا.......... تعالي البسك السلسلة........) فتح

العقد ونداها بعيناه ان تقترب........ففعلت وهي

تقول برقة........

(ماشي يلا عشان اوريها لماما.......)

(عارفه الهدية دي ليه........)سألها وهو يحاول قفل

العقد......فردت شهد بنباهة..........

(عارفه عشان غطيت عليك إمبارح....ومقولتش لبابا انك تحت بتلعب كورة..........قولتله انك في الحمام

والحمدلله انك وقتها جيت بسرعة ولحقت

نفسك.....)

انهى حمزة اغلق القفل الصغير وادارها اليه قائلاً

بجذل.......

(ودي بقا هدية جدعنتك معايا.... ولو حصل حاجة

زي دي نبهيني وشوريلي من الشباك ساعتها.....)

اومات براسها وهي تنبه عليه.......

(ماشي......... بس بلاش تتأخر تحت وبابا نايم... عشان بيزعقلي انا وماما جاامد......)

(وعد ياشوشو.... مش هتأخر........حلو اوي عليكي..)

قالها حمزة وهو ينظر للعقد......فلمست شهد الخرز

باناملها مؤكدة............

(جميل أوي انا حبيتوا........)

اقترح حمزة بملل....

(انا زهقان اي رايك نلعب استغمايه.......)

هتفت بسرعة........(يلا بينا.....)

خرجت والدتهما (كريمة..) من المطبخ تحمل صنية عليها القليل من الرز.......كانت امراة مكتنزة الجسد

بشوشة الوجه حنانها يطل من عينيها في صوتها الدافئ.....اماً كأي ام اصيلة تريد ان تعيش لأجل احبابها تريد ان تفني عمرها وصحتها لأجل راحة

أولادها وزوجها......

نبهت صغارها بنبرة مجهدة....

(بلاش ياحمزة.... جري وتنطيط في الشقة أبوك

على وصول.......)

ترجاها حمزة وهو يمسك بيد أخته كي تتقدم

معه......

(شويه صغيرين ياماما.... عشر دقايق بس........)

اومات كريمة امام رجاء اعينهما......

(ماشي العبوا في الصالة بلاش الاوض... وبذات أوضة ابوكم سامعين......) اتجهت للمطبخ سريعاً

تتابع نضج الطعام على الموقد......

(انت اللي فيها.....) صاحت شهد بها بشقاوة وهي تشير له على الحائط كي يعد خلفه.....

فاومأ حمزة الصغير براسه ببساطة...... فهو من عشاق

البحث عن الأشياء المفقودة........ ليس من هواي التخبئ خلف الأبواب او تحت الطاولات..... يحب

الظهور....... النظر في العيون بجرأة دون جبن

او اختفاء.....

وضع حمزة ذراعه على الحائط ودفن وجهه بها

قائلاً بصوتٍ مشاكس لطيف.......

(خلاويص.... اجيب البوليس....... عشرة... عشرين..)

ضحكت شهد وهي تبحث عن شيءٍ جديد تختبئ

خلفه..... ظلت تدور حلو نفسها فكل الإمكان مكشوفه

لدى حمزة......تريد الاختباء في مكان لن يتوقعها

فيه......

اتت عينيها على غرفة أبيها المغلق بابها....إبتسمت

ولمعة الفكرة في عينيها دون ان تحسب لشيء....

وضعت يدها على المقبض وفتحت الباب ببطئ

حتى لا يسمعها حمزة الملهي في العد بصوتٍ عالٍ.........

عندما دخلت واغلقت الباب أول شيءٍ اختبأت

خلفه سريعاً كان المقعد الخشبي المتأرجح....

الخاص بوالدها......والذي لا يسمح لأحد

بالاقتراب منه....ان صح القول فكل شيءٍ ملك

لعثمان الدسوقي لا يلمسه شخصاً غيره......حتى

ان كانوا أولاده وزوجته !.....حتى الغرفة ممنوع دخولها إلا بإذن منه.......وحتى زوجته كريمة

تستأذن قبل دخولها !!.......

ليس فقط لانها غرفته سبباً آخر أهم انها بها أوراق واموال لا يفضل ان يطلع عليهم أحد سواه.......

حبست شهد انفاسها وهي تضحك خلف المقعد سامعه صوت حمزة من الخارج يبحث عنها بشقاوة

ثم لحظات وتزمر.....واخرى ومل.....والاخيرة نادى

عليها بحنق....ان تظهر وكفاها مزاح فقد

فقد الأمل في ايجادها.........واحبط للأسف........

ابتسمت شهد بانتصار وخرجت من خلف المقعد

ولكن صوت شخشخت مفاتيح أبيها وفتح الباب بعدها جعل قلبها يسقط صريعاً وقد اختبأت خلف

المقعد مجدداً........ ترتجف من الرعب.......

عزرائيل حياتها آتى.....سيقبض روحها الآن.....أنه عندما يطيح ضرباً على جسدها الصغير يفضل خنقها أكثر بيده الكبرى...كـ...كـقطة تقع بين يدي من لا يرحم..........

يفضل تعذيبها وهي تترجاه باكية ان يتركها تعيش.........لكنه لا يفعل....لا يفعل إلا عندما يشعر

ان روحها تنسحب من جسدها بالفعل...وفي آخر

لحظة يطلق سراحها....واعداً إياها بالموت

القريب.......

(في ايه وقف كده ليه......وفين امك واختك......)

سمعت هذا السؤال القوي يصدر من أبيها بالخارج

فارتجف جسدها بفزع...... خصوصاً ان حمزة لا

يعرف بأي غرفة هي.......وبالفعل كان يتمنى ان تكون أخته تختبأ في اي مكان إلا غرفة والده.......ان كان حتى الحمام سيكون العقاب أهون...........

(شهد في الحمام........)لا يعرف بماذا يجيب...لكن هذا

ما وصل له فقالها وهو يتصبب عرقاً.......

فضيق عثمان عيناه في خطٍ مستقيم قاسٍ وهو ينظر للحمام ليجد كريمة تخرج منه وهي توزع الانظار بينهما غافلة.......

(انت جيت ياعثمان........)

تافف عثمان بقرف وكانه ينظر لكومة قمامة تفوح منها رائحة قذرة..........مع ان العكس.....تلك المرأه

كانت أمرأه نظيفة جميلة......بسيطه بساطه تبعث

الراحة في النفس لا تصيب  بالنفور  كما يفعل

هو كلما رآها........

شعورها بعد تلك النظرة الباردة والزفرة المشمئزة

اضاف على جراح قلبها ملح فازدادت لهيباً

وتضاعف الالم.....لكن تحملت كالعادة دون

تعقيب وقالت بنفساً راضية.......

(حمدالله على سلامتك هحضرلك الحمام.......

وهجهز الاكل علطول.....)

صاح عثمان سائلاً....

(استني عندك.......بنتك فين......)

ردت كريمة غافلة......

(كيان نايمه...........معاد نومها.........)

تافف بجزع مكرراً السؤال بوضوح......

(مش قصدي على الصغيرة فين الكبيرة..........)

درات حدقتيها بينهم قائلة بقلق.....

(كانت.....كانت هنا.....فين اختك ياحمزة.........)نظرة لابنها الذي هتف بخوف........

(هنا....... كنا بنلعب....وهي أكيد مستخبية في اوضتنا......)

كان سيبتعد حمزة يبحث عنها في الغرف المغلقة

لكن ابيه منعه ومسكه من اذانه يقرصها بقوة

صائحاً بانفاس كريهة ونظرات خطرة.......

(بتلعبوا هنا....انا مش قولت مية مرة بطلو لعب وتنطيط انتوا إيه شياطين.......)

صاح حمزة وبدأ يبكي بخوف.......

(اخر مرة يابابا مش هتتكرر تاني......)

(ايوا عيط زي النسوان....نداب زي اللي جابتك.....)

القاه بقوة حتى ارتطم جسده النحيل أرضا

فمسح حمزة دموعه بحزن وانكسار شاعراً

بناراً تكوي قلبه وجسده بعد هذه الكلمات السامة.......المعتادة منه........

وقف عثمان في منتصف الصالة بطوله الفارع وبجسده الصلب هادراً  بصوتٍ عالٍ ينادي عليها............

(شاااااااااااااااااااهـــد...........شاااااااااااااااااااهـــد..)

ارتجف جسدها الصغير بخوف وظلت تدعي

وتترجى الله بدموع وشهقات المكتومة.... ان يخفيها عن عيناه....ألا يجدها....ان يقل حجمها وتكن بجحم النملة ولا يراها.....او ان يخلق لها جنحات فتطير وتهرب تهاجر مع الطيور المهاجرة لأبعد مكاناً.....

مكاناً خالي من عثمان الدسوقي....من العزرائيل....

فُتح الباب الذي كان يفصل بينها وبينه....وظهرت

ساق عثمان من خلال بنطاله الأسود....فبلعت ريقها

وهي تراه من خلال الفتحات الخشبية الصغيرة

الموجوده في المقعد التي تختبئ خلفه..... ازدردت ريقها وهي تراه ينادي عليها بصوتٍ يفوح منه

القسوة وتوعد..........

ومع ذلك لم تجرؤ على الرد او الظهور..... خوفها كان أكبر......... تعلم ماذا سيحدث لها ان ظهرت.... لذلك

لن تجازف قط.......

عندما غفلت وشردت في خوفها صرخت.... صرخة قوية وكأن اصابها مس.......لتجد نفسها معلقة بين يداه بقسوة قابض في اللحظة التالية على  عنقها......بمنتهى السادية والوحشية........

(يابنت ال***..... بتلعبي معايا يا****.....)

سبها باقذع الكلمات.... تمس شرف أمها.... وتمسها

هي كطفله لا تعرف من الحياة إلا اللعب والضحك...

ويسعد قلبها البريء فستان مستهلك !!.......

حاولت الافلات منه وهي تتأرجح بقدميها شاعرها

بروحها تنسحب ببطء......مستغيثة بصوتٍ ضعيف

مختنق......

غلت الدماء في عروق حمزة الصغير وهو يراها

تموت امامه بهذا الشكل المخزي..... فصرخ حمزة

في أبيه بتمرد صبي تعب من حياة العبودية

التي يحياها هو وشقيقته و أمه.......

القاها عثمان على الفراش بقوة واتجه الى حمزة الذي يصرخ فيه ويدعي عليه........ أراد ان يعلم الإثنين درسٍ لا يُنسى....... فاتجه الى أبسط الحلول بنسبة له......

فك عثمان حزام بنطالة من حول خصره ورفعه

عليهما وظل ينقله بينهما بمنتهى القسوة.........

مرة يجلدها على ساقيها فتصرخ مستغيثة اللاشيء

ثم يرفع الحزام مرة أخرى ويضرب وجهها به

حتى تصمت !!....وللعجب تصرخ بوجع وتحاول

تقبيل يده طالبة العفو حتى يتركها....لكنه يرفض ويجلدها مرة واثنين وثلاثة......يأدبها حتى تصمت ولا تصرخ في وجهه وهي تجلد بعنف ؟!!.......

كان خسيس......قاسي.... وحش.....عديم

المشاعر........فاقد الإنسانية....... ينهال عليهما دون

أية شعور بالذنب..... وكانه ينفث عن غضبه من خلالهما........

اتسخ الفستان الجميل بقطرات دماؤها وتمزق

العقد الذي احبته فوقع أسفل قدميها ومن

كثرة الضرب والبكاء شعرت بشيء دافئ

ينساب من بين قدميها.....

نظرة للأسفل بعيون باكية وجسد ينتفض من هول الوجع....لتجد نفسها تتبول دون شعور منها..........

فنظر لها والدها بقرف وابتعد....ولم يتوقف عن سبها ونعتها بالقذارة.........

الحياة قاسية....لكن الاكثر قساوة....ان ترى قسوة

الحياة من خلال عائلتك.......ان تعيش الرعب في كنفك الدافئ..........أقصد البارد...........

......................................................................

في الصباح الباكر ترجلت من سيارة الاجرة....

امام أرض المقابر.....

نظرة للمكان من حولها.... تقريباً اتت في بداية

شروق الشمس....... كان المكان هادئ والهواء باسط......

رائحة القبور غريبة.... تبعث شيءٍ مفجع في

النفس....هنا ترى عن قرب ما تظنه انت انه سيأتي بعد عمراً طويل..........

الموت ؟!!

الكثير هنا فارق احباءه........منهم من مات نتيجة جوع.....او مرض....او قهر.........والاغلب مات وهو يسعى ان يعيش حياة ميسورة........

هنا من آتى حامل أثقالاً على ظهره.....وعكسه اتى خفيف الحمل يرى مقعده في الجنة..........

النهاية الحتمية هنا...

مهم انكرت او تناست.....ومع ذلك هي كالبشر

غريزتها الفطرية تجعلها ترى العمر فرصة تتماشى

مع الحياة.....يمكن ان تحقق رغباتها واحلامها

دون ان تؤذي أحد.........

الأحلام ليست من المحرمات كما يخبرها والدها...

قال يوماً ان الأحلام محرمة على النساء......وان الحلم الوحيد المسموح لهن هو الزواج وانجاب

الأطفال.....

نظرة للسماء بعينين ضائعتين متسائلة داخلها بحيرة.........

كلٍ منا له حق ان يحلم.....وان كانت الأحلام محرمة على النساء ما كان خيالهن وصل للأفاق ؟!.....

سحبت نفساً بارداً وسارت بين المقابر....تلقي السلام

بهمساً احترماً للموته........حتى وصلت لقبر والدتها

(كريمة)وقفت امام القبر والقت السلام وقرأت

الفاتحة......ثم تسمرت مكانها  تنظر للقبر بحزن

ووجع....وكأنها مزالت تدرك ان امها ماتت وتركتها

منذ سنوات طويلة.........

"وحشتني......بقالي اسبوعين مجتلكيش....أكيد وحشتك وانتي اوي والله......متزعليش مني....

انتي عارفه انا مش بيبعدني عنك غير الشديد القوي........."

نزلت دموعها فمسحتها وهي تبتسم بمحبة

مستأنفة...

"عايزه احكيلك عن الحاجات اللي حصلت معايا الفترة دي........أجرة المطعم اللي حكتلك عنه...

اللي في شارع الصاوي....بس بنتك لازم يطلعلها

عفريت العلبة....والعفريت المرادي......عاصم

الصاوي صاحب المطعم ويعتبر مالك نص شارع

الصاوي....اللي بأسم عيلته......المهم ياستي حطني

في دماغه وناوي يوقفلي على الوحدة...ولو حصل اي حاجة هيقولي بسلامة........كل ده لانه مش بيحب يتعامل مع الستات في الشغل.....شوفتي تخلف

اكتر من كده...... ما علينا...بنتك قدها.....يعني اللي

تعيش سبعة وعشرين سنة مع عثمان الدسوقي...قادرة تتخطى وتتعامل مع اي راجل......هتفرج وبكرة يعرف اني مش جايه

غير عشان اشتغل وثبت رجلي في المكان......"

ارجعت خصله من شعرها للخلف وهي تقول ضاحكة.......

"كيان كانت ناوي تجيلك معايا بس الشغل خدها...

لسه زي ماهي مجنونه وشقية.......ومش بتبطل شتيمة في المحامي اللي شغاله عنده.....واضح

انه مطلع عينها.....بس مش قادره تفهم لحد

دلوقتي ان ده العادي.........وشعار اجددنا

بيقول........مش هتوصل غير لم يتمسح بيك البلاط......وانت وشطارتك بقا...... "

صمتت قليلاً ولاح الحزن في عينيها وصوتها فبدأت

تخبر امها بحيرة.....

"حمزة بقاله كام يوم مش مظبوط......متعصب دايما

وبيتنرفز من أقل حاجة......مش طايق نفسه...ودا معناه انه ياما متعارك مع نجلاء خطبته ياما مع امها.......نفسي اساعده اوي ياماما...بس ما باليد

حيلة الفلوس اللي كانت معايا مكنتش هتساعد

حتى في تمن أوضة على السطوح.......وانتي كمان

عرفاه نفسه عزيزة.......حتى لو اللي بتساعده دي أخته........"

عدلت حقيبتها على كتفها قائلة بكبت.....

"طولت عليكي في الكلام.....هسيبك دلوقتي...ووعد

هجيلك في اقرب وقت احكيلك فيه عن الشغل في شارع الصاوي....دا اذا كملت وسبني الصايغ في حالي....."

"سلام ياحبيبتي......."انسحبت مبتعدة عن المقبرة

ببطء كنسيم يداعب أوراق الشجر....

.....................................................................

حياتك كفيلم سينمائي مقدر لك ان تعيش دور البطولة.........تحدد انت البداية والنهاية...واترك

الحبكة الدرامية مفاجأة حصرية لك وحدك...

ففي النهاية هي اختياراتك ونتائجها.... وهو فيلمك

وانت البطل.... والمشاهد..... الناقد....والداعم........

فلا تنفي أحلامك.....ولا تلغي كيانك......

فتحت باب المطعم باكراً.....انه أول يوم عمل.....

ستبدا اليوم بفرش الطاولات.....بمسح ارضية المطعم

واشعال اعواد البخور برائحة المسك والعنبر.....

شغلت الراديو على الإذاعة الدينية.......سمعت بعض اللقاءات الدينية المتداول فيها الأسئلة المعتادة..

آخر شيء تبقى هو الطهي....وهذا أفضل شيء تقوم

به......وسط الخضراوات التوابل والبهارات المحمصة

سمفونية تسلطن الرأس.......النار تفعل العجب.....

يقولون ان حلاوة الحب هو الجنون والاشتعال الذاتي........ وليس العكس...

وهي ومقلاتها المفضلة يشتعلا على الموقد

والخضراوات وتوابل يتراقصا بسعادة كسعادة

طاهية ماهرة تعرف كيف تبرز النكهات

باحترافية فنان......

تقدمت منها خلود تنظر للمقلاة وهي تشم رائحة

الطعام الشهي.......فانشدت باعجاب......

"سيدي ياسيدي على الروايح......الله... الله....طالع لمين الاوردر ده........"

قالت شهد وهي ترش القليل من الملح

وتقلب بمعلقة الخشب....

"لمدام لارا........لازم نوصله على الساعة اتناشر

الضهر عندها عزومة.......بس اي رايك.... "

ردت خلود وهي تعود وتقطع الطماطم.....

"رايي في إيه الجواب باين من عنوانه الريحة تهبل........"

بعد مدة....قالت شهد وهي منهكه في الطهي.....

"خلود حضريلي مقدير السويسرول بالفراولة اللي

عملناه قبل كده لمدام لارا......اصلها طلبته تاني

مع الاوردر ده.....حضريها قبل مانسى... خلينا

نكسب وقت...... "

"عيني........."ثم انحنت خلود تجلب الاشياء

الذي اشتروها أمس وقالت وهي تستقيم واقفه.....

"على فكرة بشير زمانه جاي ومعاه ورق الدعاية

اللي طلبتيه للمطعم........."

اومات شهد مبتسمة......

"كويس اوي........نعمل إعلان قبل الافتتاح....."

قالت خلود بحماسية مفرطة.....

"وأول ما أوراق الإعلان تيجي هخلي بشير يأجر

كام عيل كده ويوزعوا في كذا مكان....وهنكتب

الخصومات خسمين في المية يوم الافتتاح....

وانا واثقه بعون الله اللي هياكل عندنا يوم

الافتتاح.... هايجي مرة واتنين وعشرة وهيبقا زبونا......"

قالت شهد....... "ان شاء الله........."

.......................................................................

بعد مدة.......بقلب ردهة المطعم التي يتم استقبال الزبائن بها...... علقت لوح ورقي أبيض..... ستدوي عليه الملاحظات الهامة...... الخاصة بقوانين المكان تجنباً للمشاكل وعدم الاحراج كذلك لأحد.........

نظرة شهد للوح الورقي وبين اصابعها القلم الأسود

انحنت تكتب شيءٍ ما....لكن توقفت سريعاً وخفق قلبها بفزع عندما سمعت نحنحة رجولية خشنة

تاتي بالقرب من الباب.........

استدارت تنظر الى أول زبون للمطعم......لكن

سرعان ما ارتفع حاجباها معاً مرددة بذهول......

"استاذ عاصم؟!........اهلاً اتفضل........"

تنحنح مجدداً بخشونة لها هيبة كحضوره تماماً...

تقدم منها وعيناه تأسرها كالعادة...... تخترقها بشكلاً

يزعجها....... هل ينظر في عيون للناس بهذا الشكل المريب و........ والوقح........

بلعت ريقها وهي تحاول الهروب من مرمى

عيناه مرحبه بلطف......

"نورت المكان.........اتفضل........"

كانت ملامحه متحجرة وعيناه هادئتين وهو يخبرها

بتسلط ازعجها.........

"انا مش جاي اضايف.....انا جاي اشوف الشغل ماشي إزاي....خصوصاً انه يعتبر أول يوم ليكي......."

ماهذا الهراء......ماذا يعني بأول يوم.....هل هو أول

يوم لها بروضة فاتى يطمئن......لا تحب عبث

الرجال وحتى ان كان صاحب المطعم التي

استأجرته منه........

دار عاصم بعيناه حول المكان متمتماً بفتور.....

"كويس.....المكان بقا احسن شوية......بس لو مكنتيش غيرتي لون الحيطه دي....كان هيبقا أحسن......."

قالت شهد مختصرة......

"كان لازم اغيرها عشان احس بتجديد......"

هز عاصم راسه قائلاً باستهانه.....

"آآه.......يلا اهي فلوس بتترمي على الأرض....الجمال

عمل اكتر من كده وفي الاخر طلع من المكان خسران......"

اتسعت عينا شهد بصدمة وعندما وجدته جاد

في حديثه تمتمت منزعجة دون النظر له......

"يافتاح ياعليم يارزاق ياكريم.......حقيقي....في ناس

وجودها معانا مهم........بيدونا طاقة ايجابية كده..."

وضع عاصم يداه في جيب بنطالة وتحدث

بغطرسة وهو يهز راسه وكانه معه كل

الحق...

"انا واقعي يانسه لا سلبي ولا اجابي....ومع ذلك هتفضلي تحت عيني انتي وشغلك لحد ما أطمن

من ناحيتك.....ساعتها هيكون قدامك السنة اللي مكتوبة في عقد الإيجار......."

تساءلت مقتضبة.....

"افهم من كده انك هتزرني كتير ؟!......."

اوما عاصم بمنتهى السلاسة......

"كل يوم زي دلوقتي الساعة عشرة......في

مشكلة عندك......"

اتكأت على اسنانها قائلة بقنوط........

"لا طبعاً....دا مكانك.....بس لازم اكتبها عندي...

عشان منساش......"

فتحت غطاء القلم امام عيناه الهادئة بمنتهى العصبية واتجهت الى اللوحة وكتبت بعصبية مكتومة تكاد تسمع صوت القلم وهو يحك في

اللوحة الورقيه ........

(زيارات صاحب المطعم ستبدأ يومياً الساعة

عشرة.........)

أبتسم عاصم بتسلية وهو يشعر بشيءٍ رطب حلو كالشهد يصب على قلبه....... يشرق صباحة ويجعله مختلفاً عن اي يومٍ مر عليه......ربما يجب ان يواظب على هذه الزيارة الصباحية فهي ستفرق معه جداً.........

"ممكن تديني القلم......."

طلبه البسيط جعلها تجفل وتنظر للوحة مجدداً تقرأ ما عليها خوفاً من ان تكون قد اخطأت في شيء او خانها تعبيرها وشتمت إياه كما فعلت في سرها

وهي تكتب........

"ها..... القلم....."

اوما براسه وهو يلاعبها بصوت الهادى والملامحه الصخرية......

"ايوا القلم.........هاتيه........."

بللت شفتيها بتردد ثم مدت القلم....اخذه عاصم وبجوار الجملة كتب......

(صباحاً.........)

نظرة شهد للكلمة وابتسمت....البسمة كانت تخص

الجملة الطويلة والتي كانت متوازنة حتى اتت كلمة

(صباحاً...)والتي كانت متناقضة مع خطها.....فقد

كتبها بالرقعة بخطٍ جميل اعجبها وغارت منه للحظة....

يبدو انه يجيد الرسم.......تبرهن بهذا......

"افهم بقا بتضحكي على إيه........"

سألها فتلاشت البسمة بتدريج مجيبه ببساطه...

"أبداً خطك عجبني.......اصلي مكنتش بحب اكتب بالرقعة........يعني كنت بستصعبها..... بس ماشاء

الله شكلك مش بتكتب غير بيها....."

ردد عاصم وهو يستريح على احد

المقاعد..... "تعوود........"

بعد رؤيته يجلس شعرت شهد بالحنق فهي يجب

ان تتابع عملها وتنهي الطلبات في معادها

خلود وحدها لن تلاحق على شيء......يجب ان

تباشر العمل........

ماذا ستفعل ستصبر قليلاً ربما ينصرف

الآن اقتربت منه قائلة......

"تحب اعملك شاي.... ولا تتغدى........"

نظر عاصم لها عن قرب..... بخصلاتها السوداء الناعمة القصيرة والتي تغطي جبهتها ... شعرها معقود للخلف تضع شريط أبيض فوق رأسها........ترتدي مريول المطبخ يغطي  فستانها المشمشي الطويل......

عاد لعينيها ملامحها الصغيرة الانثوية ورغم جمالها الأخذ الانجذاب الاكبر كان لعسليتاها البراقتان كبركتان من العسل الصافي تنادي الجائع.....

ينافسا لمعة الذهب...... وحجر الكهرمان.......لم يرى عيون جميلتين بديعتين جذابتين ساحرتين..........

كعيناها هي......

حتى الآن يسأل نفسه لماذا اتى......ولماذا سيواظب على المجيء لهنا كل يوماً في الصباح.......

عقب عاصم أخيراً على سؤالها بتعجب.......

"مش عايز شاي.......لكن غدى إيه اللي هتغداها

الساعة عشرة ؟!!......."

جلست شهد في المقعد المقابل له بحنق مخفي عن الأعين.....

"يعني عادي.....الاوردر اللي هطلعه كمان ساعتين

صحابه هيتغدو الساعة اتناشر......"

(كن حسيسا وابتعد لنرى اكل عيشنا يا هذا....)

ابتسم عاصم واخفض انظاره......عيونها قالتها...

العيون العسلية صريحة وشفافة لأبعد حد.....

أراد ان يتحدث معها أكثر....ولا يعرف لماذا تلح عليه تلك الرغبة الغريبة تجاه امرأه.......

"جايز....بس انا كده كدا.....مبحبش اكل من الشارع...

اكل المطاعم.... انتي عارفه مش بيراعوا ضميرهم في الشغل......."

قالت شهد بحمائية واضحة.......

"بس انا غيرهم......انا نضيفه جداً في شغلي...تقدر

تدخل المطبخ وتشوف بنفسك......."

رد عاصم بغلاظة.....

"ما الاهتمام ده بيبقا في الاول بس......."


تكملة الرواية من هنااااااااا





تعليقات

التنقل السريع