القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية عريس قيد الرفض( بين الرفض والقدر)الفصل التاسع وعشرون 29بقلم عفاف شريف

التنقل السريع


    رواية عريس قيد الرفض( بين الرفض والقدر)الفصل التاسع وعشرون 29بقلم عفاف شريف 





    رواية عريس قيد الرفض( بين الرفض والقدر)الفصل التاسع وعشرون 29بقلم عفاف شريف 




    #عريس_قيد_الرفض

    #بين_الرفض_والقدر

    الفصل التاسع والعشرون 🦋 

    ❈-❈-❈


    "واتضح أن ألم الأحباب أقسى من آلامنا،

    تحرق أرواحنا،

    وتدعس آمالًا وأحلامًا شهدنا اغتيالها بكل قسوة.

    فنقف عاجزين، مشتتين،

    راغبين في حرقهم أحياء، علّها تخفف أثر الخذلان.

    لذا، فالعين بالعين،

    والغدر لا يستحق سوى الموت،

    فخنجر الخيانة خسيس،

    ومن خان مرة، سيخون ألفًا.

    وها أنت ذا، خسرتَ حربًا لم يكن يجب أن تخوضها.


    من نارٍ ورماد،

    ستخرج لك عنقاء جديدة،

    ستحرقك حيًا.

    وأهلًا بك في واقعٍ لم تكن تتوقع أن تراه…

    وستراه."

    ❈-❈-❈

    حامل.

    كانت حامل.

    وأُجهِضت.


    كيف يمكن أن تصبح الكلمات بتلك القسوة والبشاعة؟

    كسياطٍ تهبط على قلبه، تضربه بكل غدرٍ وخِسّة.

    كيف له أن يتعرّض لكل هذا الألم دفعةً واحدة؟

    ألمٌ قادرٌ على قتله ألف مرة، وأقسى مما قد يتخيّل.

    ابنته وقُرّة عينه.

    ابنته الصغيرة.

    ابنته.

    كان يكرّرها بداخله مرارًا وتكرارًا، شاعرًا بالاختناق.

    اختناقٌ يقتله.

    غضب.

    وسخط.

    الكثير منه.

    وإن كان شعوره لا يُوصَف بألف كلمة.


    مدّ يده يشدّ على يد تميم، الذي تمسّك به بقلق وذعر، خوفًا من سقوطه من هول ما استمعوا إليه.

    لكن، أيّ سقوط؟

    أيّ سقوطٍ وابنته بحاجةٍ له؟

    لذلك، لا وقت للسقوط.

    لا وقت سوى أن يفهم، ليقدر على الرد كما يجب.

    التفت ينظر إلى تميم بنظرةٍ مختلفة؛

    غاضبة، مشتعلة، مريرة، بها كلّ المشاعر القاسية التي يمكن أن يتخيّلها.

    ورغم حزنها، كانت قويّة، تأبى أن تستسلم للسقوط،

    قبل أن يعيد نظره إلى الطبيب، قائلًا بحزم:

    ـعايز أعرف حالتها بالضبط.

    كل حاجة، ولو سمحت، متخبيش عنّي أيّ معلومة، مهما كانت بسيطة.


    شدّ تميم على يده بقوّة، يدعمه.

    وقد بدأ الطبيب بالحديث بالفعل، موضحًا لهم الوضع بدقّة، قائلًا بهدوء: أنا عارف إن ممكن اللي هقوله يكون قاسي وتقيل جدًا عليكم، كأهل إنكم تتقبّلوه،

    بس المريضة جاية في حالة حرجة، والإصابات كثيرة،

    عشان كده أنا مش حابب تتخضّوا من كمية الإصابات أو وصفي ليها،

    لكن لازم أوضح كل حاجة بحيث يكون عندكم علم بكل شيء.


    أغمض مدحت عيناه،

    وعِبَارته لا تتوقّف عن الهبوط.

    لا يُدرِك كيف له أن يتحمّل.

    كيف له أن يسمع كل هذا؟

    أيّ قوة قد يمتلكها بعد هذا الحديث؟

    لكن، إذا كانت هي بكل تلك القوة على المحاربة للتمسك بالحياة،

    لن يخذلها هو في حمايتها.

    لذلك، فتح عيناه، قائلًا بوَهن: اتفضل يا دكتور، سامعك.


    ابتسم له الطبيب بشفقة، وتابع قائلًا: زي ما بلّغت حضرتك،

    فقدان حمل في الأسبوع التاسع، توأم.

    وده حصل، زي ما وضّحت لحضرتك، بسبب ضرب عنيف أدى لنزيفٍ وإجهاض.


    لحظة صمت، ثم تابع بترقّب:للأسف، كمان في إصابات خارجية، كدمات شديدة ومتعدّدة في عدّة أماكن في جسمها:

    زي الوجه، الرقبة، الصدر، والبطن.


    صمتٌ تامّ عمّ مجددًا،

    حتى إنّه أشفق وقلق أن يحدث لوالدها شيءٌ مما سيقوله،

    لكن مُجبر، غير مُخيّر،

    وهو يُكمِل بأسف: واتّضح إن في إصابات داخلية، كسور في الأضلاع،

    الضلع السادس والسابع بالجهة اليسرى.

    وللأسف الشديد، في اشتباه إن يكون حصل ارتجاج في المخ.


    شهقاتٌ باكية.

    وعيونٌ حمراء حدّ الاحتراق.

    صوت أنفاسٍ عالية.

    ودقّات قلوب كادت أن تتوقّف.

    كان مشهدًا قاسيًا بكل ما للكلمة من معنى.


    لكن تابع بعملية: حصل كدمات داخلية حوالين الكبد والطحال،

    بس الحمد لله، مفيش تمزّق عضوي لحد دلوقتي.


    كان يشرح لهم الوضع بدقّة وعمليّة،

    والجميع يتابعه بوجوهٍ شاحبة مصدومة،

    كمن تلقّى صفعة قوية على وجهه شوّشت له الرؤية،

    بل أدّت إلى أن فقدها من شدّة قوتها.


    كانت سلوى تبكي بقوّة، كاتمةً شهقاتها،

    تكاد تسقط أرضًا من شدة ألمها على آلاء،

    متخيّلة ما حدث لها بقلبٍ ملتاع،

    متخيّلة كل لحظة، كل شيء.

    وفي تلك اللحظة،

    جلست على المقعد بوَهن، خشية من الوقوع،

    مستمعةً بألمٍ لكل ما ينطق به.


    أما تميم، فكان كمن انفصل عن عالمهم،

    وعقله يدور دون توقّف،

    يفكّر ويفكّر.

    ماذا حدث؟

    وكيف حدث؟

    إجهاض.

    وكسور.

    وكدمات.

    شقيقته.

    آلاء.

    تعرّضت لكل هذا،

    كل هذا الألم.

    وأين كان هو؟

    كان غافلًا، مهملًا.

    كيف له أن يتجاهل كل تلك الإشارات؟


    أغمض عيناه، مانعًا دمعةً حارقة أرادت أن تتحرر،

    وهو يقف جامدًا، عاجزًا، غير قادر على فعل أي شيء،

    وهي ملقاة في الداخل،

    قد يخسرها في أي لحظة،

    بعد أن تعرّضت لكل هذا،

    وكل هذا بسبب إهماله.


    كان مدحت يُناظره بشفقة،

    وصدره يصعد ويهبط من شدّة غضبه وصعوبة ما استمعوا إليه.

    حتى الطبيب كان يراقبهم بعيونٍ آسفة،

    لكنه كان مُجبَرًا على المتابعة، قائلًا بأسى حقيقي: للأسف، في شبهة، وقوية كمان، في تعرّض المريضة لعنفٍ جسديّ متعمّد.

    علامات الإصابات بتدلّ إن الموضوع كان ضرب عنيف وبشدة.

    طبعًا، المستشفى بلّغت الشرطة المختصة، والعنف الأسري، عشان تاخد الإجراءات القانونية اللازمة.

    بس طبعًا، مفيش أي حاجة هتتم غير لما المريضة تفوق،

    وتكون قادرة تشارك اللي حصل.


    تحرّك تميم، غير قادر على التقاط أنفاسه،

    غير قادر على الاستماع للمزيد.

    روحه تحترق.

    وعقله يكاد يتوقّف،

    شاعرًا بالاختناق.

    بالألم.

    الكثير منه.


    والكلمات لا تتوقّف،

    لا تتوقّف أبدًا.

    ما زالت تتردّد، مرارًا وتكرارًا


    عنف.

    ضرب.

    كسور.


    شقيقته.

    شقيقته تعرّضت لكل هذا.

    من مَن؟

    من مَن؟


    رااااامي...

    قالها بهسيسٍ مرعب،

    كان ليُحرِقه حيًّا إن كان أمامه،

    وقد قبض على يده بقوة، حتى ابيضّت مفاصله،

    وهو يسمع الطبيب يتابع ويوضّح لهم:

     طبعًا، الوضع هيكون صعب الفترة الجاية على مدام آلاء.

    غير الألم الجسدي اللي هيأخذ وقت طويل، وهيمتدّ لشهور للتعافي،

    هي لازم، وضروري جدًا، تتعرض على متخصص نفسي،

    عشان تقدر تتخطّى فقدانها لجنينين،

    وتتخطّى الحادثة اللي حصلت.

    وطبعًا، دعمكم ليها في المقام الأول،

    والأهم من ده كله، إنها تشعر بالأمان.

    وإن شاء الله، أول ما تقوم بالسلامة،

    ونتطمن على استقرار وضعها تمامًا،

    هاجي أتناقش معاكم المراحل اللي هتمر بيها لحد ما تبقى بخير وتخرج بالسلامة.


    الحمد لله على سلامتها.


    وغادر.

    غادر، تاركًا إيّاهم في حالٍ غير الذي كان.

    حالٍ أشدّ وطأة، وأضيق صدرًا، وأقسى وقعًا.

    كأنّهم ذاقوا الموت وهم أحياء.

    كأنّ شيئًا فيهم احترق ولم يُطفأ.

    كأنّ روائح الرماد تسكن صدورهم،

    وأنين الحريق لا يزال عالقًا في جدرانهم.


    ❈-❈-❈

    ما أن غادر الطبيب، حتى سارع تميم بالانحناء نحو سلوي الباكية بانهيار قائلاً بغضب وعيناه تقدح شررًا: إيه اللي حصل؟

    إزاي وصلت للوضع ده؟

    احكيلي.

    وتابع بتأكيد وحزم وعيناه لا تترك عينيها: كل حاجة... كل حاجة!

    قالها وقد بدأ يفقد أعصابه.

    ورغم انهيارها التام، كان يجب أن تنطق وتخبرهم بكل شيء.

    فما فعله ذلك الوضيع يستحق ما تراه في عين أخيها الآن.

    يستحق الهلاك.

    ❈-❈-❈

    ورغم ارتجافها، بدأت بالحديث وقلبها ينبض بعنف خوفًا وألمًا.

    رفعت يدها تمسح وجهها وهي تردف بتلعثم: وهي في المطار جالها رسائل من رقم غريب... رسائل كثير وصور وفيديوهات.

    عقد تميم حاجبيه متسائلاً بترقب: "لمين؟"

    وتابع بالإجابة: "لرامي."

    حركت رأسها تؤمئ له بسرعة وعيناها لا تكف عن ذرف الدموع، قبل أن تتابع: كلها وهو بيخونها.

    خيانة...

    شقيقته هو تتعرض للخيانة!

    ومن من؟

    من من وضعوها أمانةً لديه؟

    من كان بمثابة أخٍ وصديقٍ لهم؟

    أعاد رأسه ينظر لسلوي قائلاً بجمود وصبر نافذ: وبعدين؟

    نظرت له بشفقة حقيقة، وعيناها تجول على مدحت المستمع في الخلف وقد هده الإرهاق.

    فوضع رأسه بين كفيه مستمتعًا بوهنٍ وقهر.

    لتتابع: جتلي البيت... سابت الولاد وأصرت إنها تروح تواجهه بنفسها الأول قبل ما حد يدخل.

    "غبية!"

    قالها بغضب شديد.

    "غبية هي وحمقاء."

    ذهبت بنفسها له، 

    إلا أن سلوي صاحت بألم: مجروحة... كانت ضايعة... قلبها مكسور مليون حتة... في حضنها أربع عيال وقدامها راجل خسيس ميستهلش... خانها وكسر قلبها.

    كتمت بكائها وهي تتابع بصدق: حاولت أمنعها والله... والله حاولت... بس هي رفضت.


    وبعدين لما اتأخرت، فضلت اتصل عليها، وبعد مكالمات كثيرة، ردت وقالت لي كلمة واحدة:

    'الحقيني.'"

    أغمض تميم عيناه، يشعر بنارٍ... نارٍ تحرقه.

    يا الله... ما هذا الشعور؟

    ما هذا الألم؟

    فتح عيناه ناظرًا إليها لتتابع:لما روحت، لقيت في تجمع عند الشقة... اكتشفت إنهم سمعوا صريخ... وطلبوا البوليس... ووقتها كسروا الباب.

    وصمتت...

    صمت ثقيل...

    قبل أن تلفظ نهاية الحكاية: دخلت، لقيتها سايحة في دمها... والباقي زي ما أنت عرفت.

    أراد التفاصيل...

    وحصل عليها...

    والتفاصيل تذبحه.

    وهنا...

    كان الصمت الأكبر.

    صمتت هي...

    وصمت هو...

    حتى أبيه لم ينطق بحرف.

    وكان الحدث قد أصبح أشد قسوة وبشاعة من أن يُنطق.

    وبداخل عيناه هو...

    كان قد أصبح آخر...

    آخر احترقت روحه باحتراق أحبته...

    وسيحرق هو الأخضر واليابس...

    فالعين بالعين...

    والسن بالسن...

    والبادي خاسر.


    ❈-❈-❈

    شعور التجمد

    أتعرِفه؟

    أن تشعر أن قدمك قد ثبتت بها مسامير حادة بغدر ووحشية،

    فصرخت ألمًا وغضبًا،

    غير قادر على الحراك،

    متألمًا وبشدة.

    هكذا حدث معه،

    وإن كان يظن أن ما مر من ألم كان سيئًا،

    فما رآه كان أسوأ،

    كان بكل ما مر.


    فتح الباب، تبعه خروج فراش متحرك،

    ترقد فيه هي بلا حول لها ولا قوة.

    ركض كل من سلوي وأبيه نحوها بلهفة،

    سلوي التي بكت حتى اكتفت وهي تراها أمامها بتلك الحالة المزرية،

    ومدحت الذي توقف محله لوهلة يهمس بصدمة: "يا الله".

    كان يقف بوجه شاحب متسع العينين، ودموعه قد تحررت دون أن يمنعها.

    جسده يترجف، وعقله لا يصدق.

    لا، لا، هذه ليست ابنته.

    كيف لتلك الجثة الهامدة أن تكون نفسها ابنته آلاء؟

    تحركت قدماه يسير ببطء نحو فراشها،

    قبل أن يمد يده يمسك يدها بأصابع مرتجفة مقهورة،

    وقلبه يتفتت إلى ألف قطعة وهو يراها أمامه هكذا.

    ولسانه لم يتوقف عن ترديد: اللهم أجرني في مصيبتي،

    اللهم أجرني في مصيبتي،

    رحمتك يا رب،

    رحمتك يا رب.

    قالها وقد شعر بنفسه غير قادر على الحراك.


    أما هو، فكان آخر.

    كان كما لم يكن من قبل،

    وهو يتطلع لتلك الراقدة.

    فهذه لم تكن آلاء التي يعرفها.

    كانت...

    كانت هزيلة شاحبة منهكة،

    محاطة بالأجهزة والضمادات،

    مغطاة بالكدمات حتى اختفت ملامح وجهها البريئة.

    لم تكن آلاء.

    لم تكن تلك الزهرة المشعة،

    بل أخرى ذابلة،

    كانت أخرى مشوهة بقبضة يد حقيرة.

    كأنه ضربها حتى آلمته يديه.

    تلك التي...

    دهسها،

    ضربها،

    وضعها في هذا الفراش المقيت.

    سيدعسه،

    وسيسحقه،

    ويضعه هو في قبر،

    ويستحق.


    ❈-❈-❈


    تحرك مدحت خلف الفراش بلهفة رغم وهنه،

    تتبعه سلوي التي استوقفها قائلًا بجمود وهو يمد يده لها: عايز الموبايل بتاعها.

    نظرت له بإرهاق شديد،

    قبل أن تمد يدها المرتجفة تخرج الهاتف من حقيبتها،

    تضعه في يده،

    وتلتف تتبع مدحت بصمت.

    أما هو فقد كان كما هو،

    يقلب الهاتف بين يديه،

    وعيناه تقدح شرا وهو يراه ملوثًا بدمائها،

    دماء شقيقته.

    كيف يجب أن يكون شعوره في تلك اللحظة؟

    غاضب،

    ساخط،

    ناقم.

    وماذا تكون تلك المشاعر مقارنة بشعوره؟

    كان يحمل بداخله في تلك اللحظة كل معاني الغضب التي يمكن أن توصف،

    لأنه وببساطة كان يحترق.

    فتح الهاتف وكان له كلمة مرور،

    كلمة مرور يعرفها جيدًا،

    كررتها أمامه مرارًا وتكرارًا حتى حفظها عن ظهر قلب.

    تحركت أصابعه يسجلها،

    فقد كانت تاريخ زواجها برامي،

    زوجها السابق منذ هذه اللحظة.

    ❈-❈-❈

    استقرت في غرفتها.

    ما زالت فاقدة للوعي كما هي، دون حراك.

    تحركت سلوي بشفقة، تشير لمدحت الشاحب على المقعد ليجلس.

    وبالفعل جلس، ليس لرغبته، بل لعدم قدرته على الوقوف أبداً في تلك اللحظة،

    حيث لم تعد قدماه قادرة على حمله.

    واقترب من يد ابنته المتصلة بالمحلول، مردداً بمرارة:سامحيني، سامحيني إني مكنتش موجود أحميكي،

    سامحيني يا حبيبتي.

    وتابع، وهو يرفع يدها يقبلها وعيناه تنطق بالكثير من الوعود: وعد مني، أجبلك حقك، وعد.

    ❈-❈-❈

    يجلس على أحد المقاعد أمام غرفتها،

    لا يقوى على الدخول، لا يريد، يشعر بالمرارة،

    الخذلان، الندم، التقصير، بالعجز والذنب،

    الكثير والكثير، والغضب كان أكثرهم وهو يشاهد ما أرسل لها.

    صورة صورة، ومقطع مقطع.

    وعيناه كانت حكاية أخرى،

    كانت مشتعلة، وكان الغضب أصبح كلمة قليلة على ما يمر به.

    أفاق على يد والده وهو يربت على ظهره.

    شدد على الهاتف بقوة، يغلقه،

    قبل أن يرفع رأسه قائلاً بهدوء عكس ما بداخله: أنت كويس؟.

    إلا أن مدحت كان يعلم ما يشعر به ابنه،

    فآلاء بالنسبة لتميم تعني الكثير.

    هي لم تكن فقط مجرد شقيقة،

    كانت أم وصديقة ورفيقة، كانت الكثير.

    لذا جلس بجانبه قائلاً بإرهاق: هنعمل إيه؟.

    صمت تميم لوهلة،

    قبل أن يلتفت له قائلاً بحسم:مش هنعمل، هعمل.

    الموضوع ده عندي أنا.

    عقد مدحت حاجبيه برفض تام،

    ونطق غاضباً: ليه؟ أبوها مات ولا عاجز؟

    أنت فاكر إنّي عشان كبرت مقدر أجيب حق بنتي؟

    لا، ده أنا أقدر أجيب حقها، وانت عارف.

    ومن عين اكبر كبير ،

    إلا أن تميم كان يراقبه بصمت،

    قبل أن يقول:ممكن تستهدي بالله.

    الله يديك الصحة ويباركلنا فيك.

    أنا عارفه، لا ومتأكد إنك تقدر تجيبه تحت رجلها.

    بس أنا عايزها لما تفوق تلاقيك أول واحد جنبها،

    ماسك إيدها.

    عايزك تحتويها.

    محدش غيرك هيقدر يخفف عنها.

    أنت ضهرنا وسندنا يا بابا.

    وصمت مرة أخرى،

    قبل أن يتابع بغضب ثقيل: مينفعش إيدك تتوسخ بواحد زي ده.

    حق آلاء هيجي،

    بس معلش يا بابا.

    سبني أنا أجيبه بطريقتي.

    كان مدحت يناظره بخوف،

    لم يكن منه بل عليه.

    كانت عيناه تميم تطلق شرراً،

    حقداً وغضباً أعمى،

    قد يحرقه إذا أفلت من بين يديه.

    لذا مد يد سريعاً يمسك يده قائلاً بخوف:

    "تميم".

    إلا أن الآخر تنهد مردداً بمرارة:

    "أوعدك.

    كله هيعدي،

    وهنرجع بآلاء وولادها في حضنها لحضننا،

    وحقها متاخد.

    قالها بثقة.

    مدحت بتذكر وقلق: "الولاد؟".

    طمأنه تميم قائلاً برفق: عند صاحبة آلاء.

    أنا بعد ما كنت مش هبلغ حسام وأمير،

    مضطر أبلغ حد فيهم موقتاً.

    لازم حد يكون معاك هنا.

    هز مدحت رأسه مؤيداً، إلا أن أخبره بتحذير:

    ملك لا يا تميم.

    وتحرك عائداً لغرفة ابنته.

    أما تميم فقد رفع هاتفه،

    يطلب حسام.

    يجب أن يتواجد،

    فهو لديه ما هو أهم في تلك اللحظة

    أن يجد رامي.

    ❈-❈-❈

    مُسْتَلْقٍ على فراشه، ينظر للسقف بشرود بات يلازمه منذ ذلك اليوم.

    نقل عينيه نحوها، كانت غافية تضم شمس بحنان، بعد أن هجرها حضنه، وابتعد عنها لأول مرة منذ زواجهما.

    استلقى وأولاها ظهره، بعدما كان لا يغفل إلا وهي بين أحضانه.

    كان يشعر بصدمتها من ابتعاده، لكن ما زاد ضيق صدره، هو صمتها، وتحركها تُغادر الغرفة.

    لُوهلة ظنها تُعاقبه، لكن عودتها بالصغيرة، تضمها لصدرها لِـيناما سويًّا، كانت صفعة له.

    وظلت هكذا، حتى استمع إلى صوت انتظام أنفاسها وقت غفت.

    غفت وظل هو كما هو، لم يطرق النوم جفونه، يُراقبهم مبتعدًا عنهم بكل قسوة.

    لكن ماذا يفعل؟

    كيف يحيا معها وهي تسير خلف أمها بهذا الشكل؟

    كيف تفعل ما تفعلة ؟

    كيف تُخفي هذا عنه؟

    فقط، يا ليتها تُشاركه.

    تنهيدة متعبة، تبعها رنين هاتفه.

    انتفض من مَحله ينظر للساعة، ولم يسمح لنفسه بالكثير من الأسئلة، وهو يتحرك من الفراش يبحث عن الهاتف،

    والذي لم يُوقِظه وحده، بل أفاقت حور التي انتفضت هي الأخرى، تنظر له قائلة بقلق:

    مين اللي بيتصل؟

    لم يرد عليها، وهو يخرج وهي خلفه، مُلتقطًا هاتفه، وقد أشار إلى اتصال تميم.

    رفع الهاتف سريعًا قائلًا بصوت مبحوح:

     إنتو كويسين؟

    قالها بسرعة وقد بدأ الخوف يتسلل إلى قلبه، تحديدًا منذ حادثة تميم الأخيرة، أصبح الخوف يُلازمهم برهبة.

    صمت تميم لُوهلة، لا يعرف كيف يُخبره، لكنه نطق في النهاية قائلًا بكبت: آلاء في المستشفى.

    – إيه؟

    نطقها حسام بصدمة وعدم فهم، ليتابع تميم بحزم: اسمعني يا حسام، آلاء في المستشفى... جنب بيتها في...

    وأنا محتاجك تيجي في أسرع وقت على هنا.

    بابا مش كويس، وأنا مش هقدر أتحرك وأسيبه.

    وكمان الولاد مع صاحبة آلاء، ومش هينفع يفضلوا هناك أكتر من كده.

    وتابع بضيق: وأنا مش هآمن حد عليهم.

    تعالى يا حسام، أنا محتاجك هنا.

    إلا أن حسام كان قد بدأ يتنفس بسرعة وغضب، قائلًا: حصل إيه يا تميم؟

    أغمض الآخر عينيه، يعلم أنه لا مفر، سيعرف، سيعرف...

    لذا فتح فمه قائلًا باختصار:  رامي ضرب آلاء، وكانت حامل، وأجهضت، ووضعها للأسف مش مبشر، لأنها اتعرضت لضرب عنيف.

    – رااااامي؟

    قالها بعنف، جعل تميم يصيح فيه بتحذير:

    حسام!

    إياك تعمل أي حاجة!

    إياك!

    حساب رامي عندي أنا.

    تيجي على هنا، أبوك محتاجك، وآلاء كمان.

    رامي حسابه معايا، ومحدش هيتدخل نهائي.

    أظن كلامي مفهوم.

    قالها بحزم وأمر.

    ورغم غليان قلب حسام، إلا أنه في تلك اللحظة، كان يثق أن حق آلاء سيأتي،

    بأقسى مما قد يتخيله أحدهم.

    رامي الحقير قد أخرج الوحش، ويجب عليه أن يتحمل عواقب أفعاله.

    ❈-❈-❈

    أغلق الهاتف قبل أن يُلقي به أرضًا بقوة،

    وحور خلفه تقف، متسعة العينين، لا تفهم شيئًا، سوى أن الأمر سيئ،

    أسوأ مما تظن حتى.

    اقتربت منه بحذر، وهي تمد يدها تلامس معصمه، تهمس بخفوت:  حسام؟

    التفت ينظر لها بتفاجؤ كأنه نسي وجودها، تحديدًا وهو يلاحظ علامات الذعر على وجهها.

    زفر بضيق، وهو يُقربها منه، يضمها إلى صدره بقوة، حتى شعرت بضغط على ظهرها، لكنها لم تهتم أبدًا،

    بل ضمته هي الأخرى بحنان وافتقاد، قبل أن تهمس بخوف: حصل إيه يا حسام؟

    في إيه؟

    تميم قالك إيه؟

    أسند رأسه على رأسها، شاعرًا بالغضب، الكثير منه، وهو لم يفهم كل ما حدث بعد.

    لذا أخرجها من بين أحضانه، قائلًا: آلاء أجهضت.

    وضعت يدها على فمها بصدمة، قبل أن تقول بعدم فهم: هي كانت حامل؟

    أومأ لها بصمت وكآبة.

    لتدفع نفسها مرة أخرى بين أحضانه، قائلة بمواساة: الله يرحمهم يا حبيبي، ويصبرها.

    ربت على خصلاتها بصمت، قبل أن يقول بشرود: أنا لازم أسافر، هاحجز على أول طيارة.

    ابتعدت عنه، قائلة بسرعة: أيوة، طبعًا.

    هاروح أجهز الشنط، لازم نكون جنبها كلنا.

    كان يُناظرها بحزن، قبل أن يردد باستغراب: إنتي هتيجي معايا؟

    أومأت له بسرعة، قائلة بتأكيد: أيوة، طبعًا.

    لازم كلنا نكون جنبها.

    يلا يا حسام احجز التذاكر، وأنا هاروح أجهز نفسي والشنط.

    آلاء محتاجانا.

    وغادرت من أمامه، ووقف هو خلفها،

    ورغم حرقة قلبه على شقيقته،

    ابتسم بحزن وُأسى،

    وقلبه يصرخ به

    ربما هناك أمل.

    ❈-❈-❈

    أنهى الاتصال مع حسام،

    وهو يقلب الهاتف بين يديه بصمت وجمود،

    مفكّرًا في القادم.

    لم يكن يومًا من أصحاب استخدام النفوذ،

    لكن واتضح الآن أنه قد حان وقته.


    وبعد ثوانٍ معدودة،

    كان يرفع هاتفه على أذنه،

    يهاتف أحدهم،

    وما إن أجابه حتى ردّ بدون مقدمات:

    "محتاج مساعدتك.

    رامي... عايزك تلاقيه،

    بس قبل ما البوليس يلاقيه،

    يعني في أسرع وقت ممكن، عايزه قدّامي،

    وبين إيديا.

    وكانت الإجابة بأسرع مما هو تخيّل:

    "في ظرف كام ساعة هيكون قدّام عينك."

    وأغلق.


    التف تميم، يتحرك بخطوات بطيئة،

    حتى وقف أمام غرفة شقيقته،

    قبل أن تصله إحدى المكالمات المنتظرة.

    ردّ قائلًا بصبر نافد: عرفت إيه عن الرقم؟

    وكانت الإجابة قذرة كما توقّع: ملفها مليان يا تميم،

    معبّي مصايب،

    رقّاصة في ملهى ليلي معروف هنا،

    هي مشهورة بالموضوع ده،

    كل فترة مع راجل، تاخد اللي وراه واللي قدّامه،

    تفضحه وتخرب بيته،

    وتختفي فترة وترجع وهكذا،

    وطبعًا المغفّلين كتير،

    وعلى قفا من يشيل.


    ازدادت  قسوة عيناه، قبل أن يردّ بجمود:

    حلو أوي،

    جت لقضاها.

    وتابع بمكر: "خليني أقولك بقى هتعمل إيه."


    وقد كان.

    فتميم قرّر إنهاء الحفلة مبكّرًا،

    وكش ملك في أقرب وقت.


    ❈-❈-❈

    يندسُّ الظلام وتشرق الأنوار،

    لتحل الشمس مشرقه تنير القلوب قبل البيوت،

    وتعلن للجميع ككل يوم

    ببداية نهاية الأمس وبداية اليوم.

    يحمل كل منا غصّة يتمنى أن تزول بزوال اليوم،

    وخذلان يمحي كغروب الشمس.

    حدث أم لم يحدث،

    ثق أنه مع كل إشراقة شمس يوم جديد

    دائمًا هناك الجديد.

    ❈-❈-❈

    خرجت من غرفتها تركض سريعًا،

    تهبط الدرج بسرعة ولهفة،

    حتى وصلت إلى غرفة الطعام تلهث بعنف.

    رفعت صفية رأسها تنظر إلى آسيا باستغراب،

    فهي لا تستيقظ مبكرًا في مثل هذا الوقت أبدًا.

    ارتفع حاجبها وهي تراها تقترب برقة تقبّلها،

    قبلة محت تعجبها،

    قبل أن تسرع لتقبل شوكت الذي أهداها ابتسامة هادئة قبل أن يعود لتناول فطوره بصمت.

    صمت أصبح مزعجًا خانقًا ثقيلًا ومرهقًا.

    رفعت الشوكة تضعها في فمها،

    إلا أنها توقفت

    وهي ترى آسيا تنظر لشوكت قبل أن تردد بخجل وابتسامة مشعة لتلفت انتباهه: أؤنكل؟

    رفع رأسه ينظر إليها بصمت منتظرًا أن تتابع.

    ولم تتأخر هي،


    بل بدأت حديثها قائلة بثقة:حضرتك عارف طبعًا أنا كنت شاطرة في الدراسة.

    هز رأسه مؤيدًا،

    لتكمل بابتسامة كانت تتسع أكثر: وإني أخذت خبرة كافية تأهلني أنزل لسوق العمل.

    أيد حديثها مرة أخرى

    تحت أنظار صفية التي بدأت بالفعل في تجميع صورة عن القادم.

    وبالفعل،

    اقتربت منه آسيا تردد بدلال ورقة: أنا عايزة أشتغل في الشركة معاكم.

    عقد شوكت حاجبيه

    وهي تتابع بحماس وثقة: أنت عارف قد إيه أنا هضيف للشركة.

    إلا أن شوكت تساءل باستغراب: "شغل؟"

    وتلفت ينظر نحو صفية قائلاً: اللي أعرفه أنك هنا في زيارة،

    إزاي بتخططي لشغل؟

    وصمت قبل أن يتابع: كلامك معناه أنك قررتِ تستقري هنا.

    وفي تلك اللحظة اتسعت ابتسامتها أكثر

    حتى شملت كل وجهها،

    وهي تنقل نظرها نحو صفية المصدومة وهي تستمع إلى تلك المعلومة لأول مرة،

    قبل أن تقول بتأكيد: أيوة يا أونكل،

    أنا خلاص قررت أستقر هنا،

    عشان كده عايزة موافقة حضرتك

    أني أنضم ليكم.

    وتابعت بتملق وثقة: أنت مش متخيل أنا هستفاد قد إيه من خبرتك وذكائك.

    مش بس كده،

    حضرتك هستفاد من مهندسة قوية وذكية وشاطرة جدًا زيي.

    يعني بمعنى أصح،

    الطرفين هيستفادوا.

    أنا هشتغل في شركة من أهم الشركات في البلد،

    وحضرتك هيزيد ليك حد بقوتي.

    إيه رأيك يا أونكل في كلامي؟

    ابتسم لها شوكت بصمت وإعجاب،

    كانت قوية، مصرّة، واثقة من نفسها بشدة،

    قبل أن يلتقط منديلًا يمسح فمه،

    قائلًا بتروي: اديني وقت أفكر يا آسيا،

    وهرد عليكِ.

    وتحرك مغادرًا الغرفة بهدوء

    تحت نظرات آسيا السعيدة،

    وصفيّة التي تناظرها بغضب.

    ❈-❈-❈

    تحركت من محلها تمسك يد صفية الصامتة،

    تتوجه بها نحو الحديقة،

    قائلة بهدوء وهي تجلس وتشير لها بالجلوس:

    ينفع متزعليش قبل ما تسمعيني.

    خلينا نتكلم لو سمحتي.

    جلست صفية تنظر نحوها بحزم أمومي،

    لتردها لها هي بابتسامة طفولية،

    قبل أن تقول بدلال: صافي،

    أرجوكي اسمعيني الأول.

    هزّت صفية ساقها بنفاذ صبر قبل أن ترد: تمام،

    سمعاكي.

    اتفضلي، قوليلي إيه اللي خلاكي تقرري فجأة إنك هتستقري هنا؟

    ومش كده وبس،

    لا وعايزة تشتغلي في الشركة.

    وأنا آخر من يعلم!

    قالتها بلوم وحزن شديد: أنا كنت بعتبر نفسي أمك."

    سارعت آسيا تقترب منها تمسك يدها قائلة بقوة وصدق حقيقي: إنتِ أمي،

    أنا معرفتش أم غيرك،

    إنتِ أمي يا صافي.

    أنا مشفتش ماما الله يرحمها،

    فأنتِ أمي ومحدش أغلى منك أبدًا.

    ابتسمت لها صفية بحب وحنان،

    هي ابنتها بالفعل حتى ولم لم تنجبها.

    هي ابنتها الأولى،

    قرة عينها،

    وفرحتها،

    إلا أنها رفضت تمامًا أن تنصاع لتلك المشاعر،

    وهي تردد بإصرار: ليه غيرتي قرارك فجأة؟

    أنا من زمان بطلب منك إنك تيجي هنا،

    وبترفضي عشان هناك أفضل،

    وعشان تكوني جنب بابا.

    إيه اللي اختلف؟

    إيه اللي جد دلوقتي؟

    قابلها صمت آسيا،

    وصمت آسيا تتبعه صدمات لا حصر لها.

    لذا تابعتها وهي تفرك يدها،

    قبل أن ترفع عيناها تنظر لها بعيون لامعة قائلة:أنا بحب يا عمتو،

    أنا بحب تميم.

    أغمضت صفية عينيها قائلة بصدمه: آسيا!

    إلا أنها قاطعتها قائلة بتأكيد: صدقيني يا عمتو،

    أنا ماكنتش متخيلة إني ممكن أضحي بحياتي ومستقبلي هناك عشان خاطر أي حد،

    بس...

    بس...

    أنا عايزة ده.

    عايزة ده من كل قلبي وعقلي.

    ناظرتها صفية بصمت قبل أن ترد بجمود:

    "تميم."

    تميم كان هيتجوز فريدة.

    إلا أن آسيا قاطعتها بسرعة وحدّة وغيرة:

    كان!

    كان يا عمتو،

    وهو نفس كان مجبور عليها.

    يعني لا كان بيحبها ولا كان عايزها أصلاً.

    والموضوع انتهى وكل واحد شاف حياته.

    وتابعت بحزم: وفريدة اتجوزت خلاص.

    يعني الموضوع منتهي بنسبة ليها.

    كان مجرد غلطة من الأهل وانتهت يا عمتو.

    يعني تميم دلوقتي من حقي أنا.

    وأنا اللي أعجبت بيه وحبيته،

    وأنا اللي هخده.

    قالتها بحزم وإصرار وتحدي.


    تجهمت ملامح صفية تشعر بالتشتت والحيرة،

    هناك أمر خاطئ،

    كانت تطالع آسيا بعيون متفحصة إصرارها الغير طبيعي،

    لكن لم تكن أول مرة ترى إصرار آسيا.

    كانت دائمًا ما تضع خططها صوب عينيها،

    وفي النهاية ودائمًا تكون النهاية لصالحها.

    لكن تلك المرة

    الهدف ليس شيء،

    الهدف تميم.

    وتميم كان سيصبح زوج فريدة،

    حتى وإن لم يكن.

    فقد كان له أن يكون.

    لهذا وفي تلك المرة

    هي من كان تحيا في صراع

    بين ما تريد آسيا

    وبين هذا التوتر والخوف بداخلها.

    كانت آسيا تراقب عمتها بدقة،

    ترى حيرتها،

    تشتتها، خوفها.

    لكن لا، لا!

    لن تسمح،

    لن تسمح أبدًا.

    لذا اقتربت منها أكثر تحتضنها قائلة برجاء ودموع ظهرت وهي ترى هدفها يبتعد عن مرمى يديها بقسوة:أرجوكي ساعديني يا عمتو.

    مش إنتِ بتحبيني

    قالتها بتساؤل وترقب رغم علمها بالإجابة،

    وتابعت تذكرها: وكنتِ دائمًا تقولي،

    أمتى تشوفيني مستقرة وبحب وبتحب مع شخص يستاهلني،

    وتشوفي ولادي.

    تميم هيكون أب رائع لولادي،

    تميم هو الشخص اللي يستاهلني يا عمتو.

    مش إنتِ عايزة تشوفيني سعيدة؟

    صح؟

    قالتها بالحاح وإصرار،

    جعل صفية تناظرها بعيون ذائغة حائرة.

    وهناك ألف إشارة تخبرها بالتراجع،

    إلا أنها وكالعادة فيما يخص آسيا،

    ترضخ.

    لذا أومأت لها بصمت،

    لتتابع آسيا بلهفة: هتساعديني يا عمتو صح؟ هتساعديني؟

    وإن كان السكوت علامة الرضا

    فقد سكتت،

    حتى وإن لم ترضَ.

    ❈-❈-❈

    خبر الساعة

    إغلاق الملهى الليلي... بشكل مفاجئ،

    حيث أعلنت الجهات المختصة صباح اليوم عن إغلاق الملهى الليلي الشهير بعد أن تأكدت من وجود مخالفات أمنية وإدارية.

    وأشارت المصادر أن القرار جاء للحفاظ على النظام العام، تحديدًا بعد أن تم القبض على أحد الرقاصات وقد تبين أنها تقوم بالعديد من الأعمال المشبوهة والاحتيال.


    إبتسامة هادئة ارتسمت على فمه، وهو يقرأ الخبر ببطء شديد، مستمعًا ومتشفيًا.


    سقط أول حجر

    ❈-❈-❈

    مكالمة صباحية أيقظتها من نومها المتعب بعد ليلة طويلة مع لوزة وصغارها.

    تحركت متململة، تكتم الصوت بغيظ من قليل الذوق هذا،

    وحاولت أن تعود للنوم، إلا أن الرنين لم يتوقف.

    وكانت سارة.

    فتحت المكالمة بمظهر ناعس وشعر مبعثر،

    تنظر لتلك التي تناظرها بقرف.

    وقبل أن تنطق، كانت الأخرى تردد بتوبيخ: مش أنا رنيت؟ يبقى تصحي. قومي يلا وريني عيال لوزة.

    هزت فريدة رأسها بيأس،

    وغمغمت بنعاس: خليكي هنا هغسل وشي وأجي.

    وغادرت الغرفة تاركة الهاتف على الفراش.

    وسارة تحدث نفسها بملل.

    دقائق وأتت تحمل الهاتف،

    متوجهة نحو الغرفة الأخرى حيث تجلس لوزة وصغارها.

    وما إن دلفت حتى ظهرت على وجهها ابتسامة دافئة وهي ترقب تحرك لوزة حول صغارها،

    قبل أن ترقد من جديد لكي ترضعهم.

    كانوا صغارًا وعيونهم مغلقة بعد.

    لقد بحثت عن هذا الأمر ليتضح أنه ما زال هناك وقت، من سبع إلى عشر أيام.

    لذا تحركت ببطء تنبه لوزة لها.

    قبل أن تجلس بجانبهم وتغير وضع الهاتف لتكن الصورة تظهر لوزة وصغارها.

    ضحكت سارة بحماس قائلة بحنان: الله، بسم الله ما شاء الله تبارك الله. حلوين أوي يا فريدة، صغيرين أوي، بس كيوت.

    قربي الموبايل عايزة أشوفهم من قريب.

    وبالفعل قربت الهاتف لتراهم عن قرب،

    وهي تغمغم بحماس وحنان: جمال أوي، ما شاء الله، ما شاء الله.

    وتابعت متسائلة: اخترتي الأسماء؟

    أجابتها فريدة بحب: أيوة اخترت خلاص الأسماء، بس لسه محدش يعرفها.

    "قوليلي قوليلي," رددتها سارة بحماس.


    اتسعت ابتسامة فريدة وهي تجيبها بخفوت، مشيرة لهم واحدًا تلو الآخر:

    "لوليتا، بندق، سكر، وده رومي."

    قالتها بحنان وهي تمس الصغير،

    وتابعت بتوضيح: الحقيقة أنا معرفش هم ولاد ولا بنات، وحتى عمر معرفش.

    فعشان كده اخترت أسماء محايدة.

    حلوين صح؟

    أكدت لها سارة بسعادة: حلوين أوي. مبارك عليكي يا روحي. عقبالك!

    قالتها مشاكسه.

    ضحكت فريدة،

    وهي تتحرك تعيد تشغيل القرآن بعد أن انتهت الرقية،

    وهي تطمئن على الصغار من بعيد.

    لقد قرأت أنه يُفضل أن لا تلامس الصغار كثيرًا لكي لا توتر الأم،

    وهي تحاول أن تبحث وتفهم أكبر قدر من المعلومات عنهم.

    ابتسمت وهي ترى لوزة قد بدأت بإرضاعهم.

    تحركت لتتأكد من دفء المكان ونظافته.

    لقد نقلتها أمس لتنظف المكان جيدًا،

    وتعيدها مرة أخرى على شرشف مختلف حتى يجف الآخر.

    ووقفت تراقبهم وهي تهمس بخفوت وسعادة: كل حاجة زي الفل.

    ودلوقتي بقى يا ست سارة، تعالي معايا وأنا بحضر الفطار, قالتها وهي تحمل الهاتف وتخرج متوجهة للمطبخ

    لتحظى بوقتها الخاص.

    وقت لم يعد ملكها منذ تلك اللحظة،

    وسيشاركها أحدهم عما قريب.

    ❈-❈-❈

    وضعت الهاتف على الحامل الخاص به،

    وهي تتحرك في المطبخ تثرثر مع سارة عن ما حدث أمس.

    أخرجت البيض والجبن،

    ووقفت تكسر البيضات.

    لكن فجأة توقفت.

    ابتعدت عن الطبق بسرعة،

    تشعر بغثيان مفاجئ.

    تبعه ركضها بسرعة من أمام سارة إلى الحمام،

    تفرغ كل ما في معدتها بقوة وعنف،

    لتجلس بعدها على الأرض شاعرة بالأرض تدور بها ومن حولها،

    حتى أنها خشيت أن تقف فتسقط.

    وبعد القليل، تحركت لتغسل وجهها بقوة،

    تحاول التقاط أنفاسها،

    قبل أن تتحرك وهي تستمع إلى صوت سارة القلق يسألها عما حدث.

    أجابتها بصوت مبحوح: استني هغير هدومي وأجي.

    وأسرعت نحو غرفتها،

    تبدل ملابسها بأخرى نظيفة،

    مكونة من بنطال بيتي وسترة قد بدت ضيقة على غير العادة.

    لكنها لم تهتم أبدًا،

    وهي تعود للمطبخ حيث سارة التي صاحت بقلق: حصل إيه يا بنتي؟ مالك؟

    إلا أن فريدة لم ترد عليها،

    وهي تسرع بإبعاد طبق البيض،

    فقد عاد الغثيان حتى كادت أن تتقيأ مجددًا.

    وما إن انتهت حتى نثرت المعطر ليغطي على تلك الرائحة المزعجة.

    وتحركت أمام سارة تخرج علبة العصير لتهدئ معدتها،

    قبل أن تقول: مش عارفة،

    فجأة ريحة البيض قلبت معدتي،

    وحسيت إني مش طايقة ريحتها.

    عقدت سارة حاجبها وهي تردد باستغراب: هي دي أول مرة؟

    هزت فريدة رأسها قائلة بتأكيد: أول مرة في البيض،

    بس معرفش مالي،

    بقالي فترة معدتي مش بتتقبل حاجات كثيرة.

    حتى عمر قلتله امبارح ميحطش البرفيوم بتاعه عشان ضايقني جامد.

    كانت تتحدث بهدوء، تخبرها عن كل التغيرات التي تحدث لها،

    وسارة تقابلها بالصمت وناظرها يرتكز على شيء آخر.

    شيء لفت نظرها لأول مرة،

    قبل أن تسألها بخفوت وبطيء شديد: هي جتلك آخر مرة إمتى يا فريدة؟

    توقف يد فريدة عن البحث عن اليانسون،

    وهي تلتفت ببطء تنظر لسارة،

    والأخرى تناظرها بتساؤل

    جعلها ترتجف.

    والسؤال يتكرر:

    متى كانت المرة الأخيرة؟

    والإجابة

    صادمة.

    لم تأتها منذ تزوجت.

    ❈-❈-❈

    دوار مفاجئ يلفها،

    لتجلس بسرعة على المقعد وعقلها  يدور في كل اتجاه.

    وسارة تجمدت هي الأخرى.

    وكان وقع الخبر مفاجئًا أكثر مما يجب.


    "فريدة..."

    همست بها سارة بخفوت،

    لتنظر لها ببطء ووجه شاحب،

    وعيون قد لمعت دون أي مقدمات.

    فتحت فمها تحاول الحديث،

    لكنها لم تقدر.

    فرددت سارة بهدوء: "فريدة،

    إنتِ ممكن تكوني حامل.

    وتابعت بترقب: ليه كل التغيرات دي؟

    محتطتش قدامك احتمال الحمل؟

    يعني الغثيان، التعب المستمر،

    حتى شكلك شوية متغير.

    رفعت فريدة عيناها تردد بشرود: حامل؟

    كانت سارة تناظرها بعيون حنونة،

    قبل أن تقول بتأكيد: أيوة يا حبيبتي.

    وتابعت بنصيحة: قومي ابعتي  أطلبي تست من الصيدلية،

    يلا اطلبي كذا واحد،

    وأنا هنا هستني تطمنيني.

    تمام؟

    أومأت لها فريدة بصمت،

    وهي تغلق،

    تتحرك من محلها تطلب من الصيدلية

    أن ترسل لها اختبارات حمل.

    وكانت الفكرة في حد ذاتها

    قد بعثت بداخلها رعشة.

    رعشة خائفة.

    ❈-❈-❈

    السكون التام يحاوطها،

    وكانها انفصلت عن كل شيء.

    ووقفت عند لحظة واحدة،

    لحظة صادمة.


    كانت تجلس على حافة المغطس تهز ساقها بتوتر شديد ووجه شاحب متعرق،

    وقد بدأت دموعها تهبط وحدها دون توقف.

    تنظر نحو اختبار الحمل بجانبها،

    بجسد مرتجف فعليًا،

    تشعر بالدوار والرعب.

    أبعدت عيناها بعيدًا عنه بتوتر،

    وهي ترفع يدها تربت على قلبها الثائر.

    كانت نبضات قلبها متسارعة،

    خائفة،

    متوترة،

    لكن

    لكن هناك شعور آخر،

    كلمحة ضوء وسط الظلام،

    وهج منير.

    كانت رغم كل تلك المشاعر،

    كانت

    سعيدة.

    جمع من المشاعر المتناقضة التي لا تفهمها.

    كانت تجلس تشيح وجهها بعيدًا عنه،

    في ترقب أن يمر الوقت،

    والهاتف بين يدها تضغط عليه بقوة من شدة توترها.

    مكالمة هاتفية قطعت كل هذا،

    وهي ترى رقمًا غير مسجل.

    رفعت الهاتف على أذنها بارتباك،

    كانها تحاول أن تبعد نفسها وتلهي ذاتها،

    وهي تستمتع إلى المتحدث بهدوء:

    مدام فريدة شوكت

    أيوة، أنا. تفضل.

    وما حدث تاليًا كان صادمًا،

    وهي تستمع إلى المتحدث وهو يردد بهدوء:

    أنا... من شركة...

    حبينا نبلغ حضرتك إنك اتقبلتي معانا في الشركة،

    منتظرين حضرتك يوم...

    كان يثرثر لدقيقة،

    أنهتها هي بشكر.

    لقد قبلت في الوظيفة.

    وفي نفس اللحظة، أعلنت الساعة عن مرور الوقت أخيرًا.

    حركت عيناها ببطء شديد،

    تعيدها نحو الاختبار،

    تحمله بيد مرتجفة.

    قبل أن تتسع عيناها،

    وقد سمحت بهبوط دموعها.

    وهي ترى أمامها

    خط.


    اثنان.


    خطان.


    أنها...

    أنها...


    حامل.


    صغير حل أهلاً،

    ليقلب الموازين

    الضلع الثالث.

    ❈-❈-❈

    مرت الساعات ببطء، ببطء أكثر مما أراد، وكانت اللحظات تزداد ثقلًا. تحرك نحو أبيه الجالس بصمت كئيب، يرفض حتى الحديث. فالاء لم تفق بعد. أخبرهم الطبيب أن الأمر قد يستغرق من عدة ساعات إلى أربع وعشرون ساعة، لذا ها هم في الانتظار.


    جلس بجانبه وهو يراه يضع رأسه بين يديه بقلة حيلة. رفع تميم رأسه يكتم تلك الدمعه الخائنة. لا وقت لضعفه، ليأخذ حقها. وحينها سيسمح لنفسه بكل شيء، لكن بين أحضانها، فقط ليأخذ حقها، ليضمها برضا.


    وبالفعل، رفع يده الأخرى يمسح عينيه، قبل أن يمد يده يعطيه شطيرة صغيرة قائلاً بهدوء: "بابا". 

    رفع مدحت رأسه ينظر له بعينيه الحمراء المنهكة، يهز الآخر رأسه رافضًا. قابله هو بحزم قائلاً: مينفعش، مينفعش يا بابا. لازم تكون قوي.


    وتابع برجاء: لو سمحت، عشان خاطرها هي.


    إلا أن مدحت لم يمد يده وهمس بانكسار: أختك يا تميم، أختك اتكسرت.


    إلا أن تميم ردد بثقة وحزم: ما عاش ولا كان، اللي يمسها. وبما أنه مسها...

     وصمت. صمت مخيف مهيب. صمت علمه مدحت جيدًا.


    قبل أن يرفع رأسه يشاهد ركض حسام من نهاية الممر خلفه، حور تحمل الصغيرة شمس. وقف مدحت ينظر لاقترابه، وقد بطأت خطواته ومظهره وحالته يرثى لهما. وما إن وصل حتى ألقي بنفسه بين أحضان أبيه يواسيه قبل نفسه، وتميم يراقبهم بعين جامدة.


    أزاحها مقتربًا من حور يحمل الصغيرة التي استقبلته بابتسامة، وبادلها إياه بأخرى صادقة منذ بداية اليوم. وهو يحيي حور التي نظرت له بشفقة. كان واهنًا متعبًا. كان مبعثرًا كما لم تره من قبل. يضم الصغيرة كأنه يستمد منها الأمان.


    التفت حسام يناظر تميم بصمت، قبل أن يفتح ذراعه الفارغ له. فأصبح يضمه وابنته. ومدحت ينظر لهم بابتسامة حزينة متعبة. فعائلته قوية مهما حدث، مهما حدث.


    ❈-❈-❈


    تحرك تميم مغادرًا المكان، يترك أبيه وأخيه بجانب الاء.

     بعد أن غادرت حور وشمس مع سلوي للذهاب للأطفال، وتبعهم الحراس للانتقال من منزل سلوي لمنزل آخر، ليس منزل الاء السابق، بل آخر خاص به هو، وبه أيضًا كاميرات مراقبة لزيادة الاطمئنان. 

    لكن واحدًا فقط من يمكنه المراقبة، وهو حسام فقط، احترامًا لخصوصية زوجته.


    وقف مكانه ينظر أمامه بصمت وجمود. صمت بداخله بركان ثائر، سيحرق كل شيء أمامه، لكن بهدوء، هدوء يقتل ببطء. سيأخذ كل شيء. سيجرده من كل ما امتلكه بفضلها.


    وبالفعل، أتته الأخبار واحدة تلو الأخرى

     الشقة أغلقت، السيارة حصل عليها، وأخيرًا...


     العمل. وعلى سيرة العمل، أتاه الاتصال الخاص به.

     تم طرده. سقط... واحد... اثنان... ثلاثة. 

    خسر كل شيء. نزع منه كل شيء.


    وتبقى شيء واحد لم يُنزع منه، 

    فقط ليحصل عليه، ولم يدم طويلًا.


    ❈-❈-❈

    ما إن أسدل الليلُ ستائره،

    حتى أتاه الخبرُ اليقين،

    وجملةٌ انتظرها كثيرًا

    "رامي معايا يا تميم."


    "احنا في ....... على الطريق ........

    مخزن ......"


    "أنا جاي."

    قالها وأغلق،

    قبل أن يلتفت،

    عائدًا يقف، ينظر حيث ترقد آلاء،

    يحفر صورتها بعقله،

    لكي يقتصّ لها،

    على مهل،

    وبضميرٍ منقطع النظير.


    ❈-❈-❈


    هل أصبح الطريق طويلًا؟

    أم فقط هو من يستثقل الدقائق واللحظات؟

    كان قد غادر المشفى بعد أن ترك رسالة نصية لحسام،

    لا يريد أن يتبعه أحد،

    يريد أن يذهب وحده.


    نصف ساعة

    كان يعدّ دقائقها،

    حتى وصل أخيرًا.

    أوقف سيارته، يُناظر المخزن أمامه بسكون،

    قبل أن يظهر ويقف أمامه من يُناظره بصمتٍ ماثلًا،

    قبل أن يتحرك أخيرًا،

    مترجلًا منها،

    يتحرك ببطءٍ ورزانة،

    يقف أمامه،

    ينظر كلٌّ منهم للآخر،

    بعينيْ كلٍّ منهم قوة،

    قوة غضب.


    إلا أن الواقف أمامه كان مختلفًا،

    كان قويًّا بدرجةٍ مخيفة، بدهاءٍ ومكرٍ وشر،

    كان غاضبًا في كل الأحوال،

    فلا وقت لغير هذا عنده.


    ابتسامة هادئة اجتاحت فم تميم،

    وهو يردد بتعجب: معتصم الحارثي،

    جايلي بنفسه؟


    وكانت الإجابة صادمة: "جاي أتفرّج على العرض، شكله هيعجبني، وأشارك فيه."


    ❈-❈-❈


    هو فين؟

    سؤال، إجابته

    كانت بصريرٍ مزعج أصدره الباب وقد فُتح، وظهر من خلفه الخسيس،

    يجلس على مقعدٍ متهالك،

    مُقيد،

    مَعصوب العينين،

    بحالٍ يُرثى له.

    وكم نال هذا المشهد رضاه.


    خطى بخطواتٍ بطيئة،

    يلتف حوله، ينظر له بدقة.

    هذا الوغد،

    هو نفسه زوج شقيقته،

    وأبٌ لأربع جواهر لم يُقدّر قيمتهم.

    هذا هو نفسه من خان وغدر،

    هو نفسه من تناسى وغفل،

    هو نفسه من ظنّ أنه سيهرب.

    وها هو، ككلبٍ أجرب، مُلقى أمامه.


    التفت برأسه، ينظر إلى معتصم،

    وقد أعطى الإشارة لرجاله،

    وفي ثوانٍ كان رامي يستيقظ بفعل سطلٍ من الماء المثلج،

    وقد أزالوا الرباط من فوق عينيه،

    ليقابله وجه تميم،

    وعيناه تحكي ما هو قادم.


    ❈-❈-❈


    انتفض رامي، يحاول التحرر،

    الصراخ،

    فعل أي شيء،

    أي شيء،

    سوى الوقوع بين يدي تميم في تلك اللحظة.

    لكن، هيهات.

    إلى أين يا عزيزي؟

    لقد وقعت، وانتهى الأمر.

    فأنت هالك، لا محالة.


    صرخ برعبٍ، وهو يلتف حوله، يحاول معرفة أين هو: لو عملتلي أي حاجة، هتروح في ستين داهية!

    "تو تو تو..."

    قالها تميم بانزعاج،

    ثم أضاف بملل: عندي صداع رهيب.

    وحمل مقعدًا بجانبه، يضعه بالمقلوب بعنف أمام رامي،

    قبل أن يجلس عليه، يميل برأسه، ينظر له بصمت.

    صمتٌ كان أقوى من ألف صفعة،

    صمتٌ مخيف ومهيب.


    ❈-❈-❈


    أحضر له أحد الرجال قهوة،

    وجلس يرتشفها بصمت، وهو يتحدث بهدوء:

    بس تعرف يا رامي،

    أنا كل يوم بكتشف إن كُثرة العطاء تُعلّم الإنسان الغباء.

    صح يا معتصم؟

    قالها وهو يلتفت لمعتصم، المستند على الباب، يراقب ما يحدث بابتسامةٍ رزينة.

    أومأ له الآخر، يُجاريه،

    ليعود تميم ينظر لرامي، قائلًا بإشارة:

    شفت؟

    غريب أوي، صح؟

    يعني لما ربنا يديك زوجة، وأولاد، وبيت، و... و...

    وتضحي بده كله عشان شوية تراب؟"


    وصمت،

    قبل أن يميل نحوه، متابعًا بشر:

    بتضحي بالماس عشان التراب يا رامي؟

    أُخص عليك.

    قد إيه انت حمار!

    ثم تابع بتوبيخٍ لنفسه: كده الحمار يزعل مني.


    وتحرّك من مكانه، يزيح المقعد بقدمه قليلًا،

    وهو يُلقي بفنجان القهوة الورقي في السلة،

    وهو يعيد نظره لرامي،

    يتأمله،

    قبل أن يرفع أصابعه، قائلًا وهو يعدّ:

    خنتها،

    قهرتها،

    ضربتها،

    أجهضتها.


    عقد رامي حاجبيه بعدم فهم، وقد توترت ملامحه أكثر، وشحب وجهه،

    ليهز تميم رأسه بتأكيد:

    أيوه، بالضبط.

    هو اللي وصلك.

    كانت حامل في توأم،

    ولما إنت ضربتها، أجهضت.

    قالها بهسيسٍ شرير وغاضب.


    "وأخيرًا، سبتها ومشيت بكل خِسّة."

    قالها وهو يتحرك، يخلع سترته، يُلقيها جانبًا،

    وقد بدأ في طيّ أكمام قميصه.


    وهنا، صمت،

    سكن،

    فنظراته كانت كافية.


    وحينها، تأكد رامي أنه لن يرى من الألوان

    سوى الأسود منها،

    الأسود القاتم.


    وقد بدأت الحفلة

    بان خلع له كتفه،

    وكانت تلك البداية.


    ❈-❈-❈

    يتبع...

    تكملة الرواية من هناااااااا 

    لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

    بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

    متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

    الرواية كامله من هناااااااااا

    مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

    تعليقات