القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية شيخ في محراب قلبى الفصل الخامس وعشرون والسادس وعشرون بقلم رحمه نبيل

التنقل السريع

     



    رواية شيخ في محراب قلبى الفصل الخامس وعشرون والسادس وعشرون بقلم رحمه نبيل 





    رواية شيخ في محراب قلبى الفصل الخامس وعشرون والسادس وعشرون بقلم رحمه نبيل 



    كان لا يعي بأي شيء حوله سواها هي فقط ...تلك التي تستوطن أحضانه ومن قبلها قلبه ...كان يضمها وهو يشعر بالجوع يكاد يفتت قلبه يتذكر حديثها السابق عن انفصالهما ...


    بينما هي كانت فقط تكتفي بأحضانه عن الكون كله متسائلة كيف تصبح حياتك غريبة بدون شخص ما بعدما كان ذلك الشخص غريبًا عن حياتك .


    " عايزة تسبيني يا فاطمة ؟؟؟ " 


    كان سؤالا معاتبا خرج منه دون وعي يود فقط أن يتأكد أنها لن تكرر الأمر مجددا أو تنطق بتلك الكلمات التي قتلته مرة أخرى ....


    رفعت فاطمة عينها له وهي تحاول ألا تبكي مجددا فيكفيها بكاءًا حتى اليوم يكفيها ضعفا وخذلانا ....


    " احيانا بتمنى إني كنت اتجوزت الراجل اللي بابا جابه ولا اني اتجوزتك يا زكريا وعذبتك معايا واحيانا مش بقدر اتخيل ازاي كان ممكن تكمل حياتي من غيرك ...مش عارفة انا عايزة ايه بس كل اللي عايزاه إني أفضل كده يا زكريا في حضنك دايما مهما قولتلك ابعد اوعك تبعد ارجوك متسبنيش يا زكريا " 


    تنهد زكريا وهو يضمها إليه بحنان يدرك ذلك الصراع داخلها جيدا يعلم بما تفكر ويعلم ما تشعر، ويا ليته كان له سلطة على عقلها لمحى تلك الأفكار ويا ليته يملك حكم على قلبها لأخذ منها أحزانها كلها، لكن كل ما يمكنه فعله الآن هو أن يحاول القصاص لها وبعد ذلك سيعمل على بناء ذكريات أخرى سعيدة له معها ......


    قطع كل ذلك صوت رشدي الذي تنحنح وهو ينظر حوله للجميع المستمتع بما يحدث ...رفع زكريا نظره لرشدي بحنق شديد وقد استوعب الان أين هما ؟؟


    اقتربت ماسة من رشدي وهي تجفف دموعها متحدثة بغيظ شديد :


    " جرا ايه يا اخ انت ؟؟؟ ازاي تقطع لحظة رومانسية زي دي ؟؟؟ولا هو عشان إنت ملكش فيها فمش مقدر " 


    ابتسم لها رشدي بعدم تصديق لما تقول ثم أشار لنفسه باستنكار هادرا :


    " انا ؟؟؟ انا مليش في الرومانسية ؟؟؟ طب خلي حد غيرك يقول كده طيب " 


    نظرت له ماسة بملامح ممتعضة لا تنسى ما قام به معها البارحة  ثم هتفت بغيظ شديد : 


    " لا تكونش مفكر الكلمتين اللي بتقولهم دول رومانسية ؟؟؟ " 


    شهق رشدي وهو يعود بجذعه العلوي للخلف هاتفا بردح كالنساء :


    " نعم يا ختي ؟؟؟ كلمتين ؟؟؟ كل اللي عملته من وقت ما اتصيت في نظري واتجوزتك من سنين كلمتين ؟؟؟ ليه كنت بقول كل سنتين حرف ولا ايه ؟؟؟؟"


    هز هادي رأسه بشفقة :


    " لا حول ولا قوة إلا بالله يابني ده انا لسه كاتب كتابي على اختك وخلاص اجتزت مرحلة الاحضان ...ده انت بعيد اوي " 


    نظر له رشدي بشر كبير يزجره بعينه :


    " اسكت انت حسابك معايا بعدين عشان الاحضان دي ...وانتِ حاضر لما نرجع البيت هوريكِ الكلمتين " 


    اشاحت ماسة بيدها بعدم اهتمام وهي تتذمر منه :


    " يا عم بقى انتم مفكرين نفسكم بتعرفوا تتكلموا ؟؟؟ بص زكريا كان بيعاكس فاطمة بالفصحى ازاي ؟؟؟ انا عايزة واحد يكلمني فصحى ويقولي فديتك روحي يا روح الفؤاد " 


    نظر الشابان لزكريا بملامح جامدة ليرفع زكريا حاجبه بمعنى " ماذا ؟؟" 


    زفر رشدي ثم اقترب من ماسة قليلا وهو يهمس لها بنبرة حنونة بشدة :


    " عايزة فصحى يا ماستي وحد يقولك روح الفؤاد  ؟؟ " 


    هزت ماسة رأسها بنعم وهي تربع ذراعيها لصدرها تدعي الغضب لتسمع بعدها تلك النبرة المغرية الحنونة التي خرجت من فم رشدي :


    " اذهبي للجحيم يا روح الفؤاد " 


    أنهى رشدي حديث وهو يشير لكلا من زكريا وهادي أن يتبعوه ثم خرج دون أن ينظر نظرة واحدة حتى لماسة التي تجمدت في ارضها من حديثه تفتح فمها بصدمة كبيرة لا تصدق كيف خدعها ذلك المحتال بنبرته الحنونة وهي من أغمضت عينها استعدادا لحديثه المعسول ...


    راقبت ماسة خروج زكريا وهادي خلف رشدي لتمد اصبعها في الهواء تشير به نحو الاتجاه الذي خرج منه رشدي صارخة بحنق شديد :


    " تبًا لك " 


    صمتت قليلا تتنفس بحدة ثم صرخت مجددا وهي تمد عنقها لعل صوتها يصل لرشدي الذي انطلقت ضحكاته في الخارج عليها :


    " لتتعفن في الجحيم يا رشدي يا ابن اسماء "


    ضحكت شيماء بشدة على ماسة بعدما كانت تبكي منذ قليل لتتوقف عن الضحك حينما وصلتها همسة هادي قبل أن يخرج :


    " وأنتِ  يا دبدوبتي اذهبي لأمي لحين انتهي حسنا ؟؟؟ "


    نظرت شيماء بيلاهة في أعقاب هادي وهي تبتسم بدون وعي ...


    وبمجرد رحيل الثلاثة التفتت كلا من ماسة وشيماء بسرعة وتحفز لفاطمة التي مسحت دموعها وهي تقول بغباء :


    " ايه ؟؟ بتبصوا كده ليه ؟؟؟" 


    ________________________


    زفر زكريا بضيق وهو ينظر لرشدي جواره بينما هادي كان يجلس جوار السائق متجهين صوب المكان الذي أخبر جمال رشدي عنه ...


    " ايه مالك !؟؟؟ من وقت ما خرجنا وإنت بتبصلي بصات مش مظبوطة ...معجب ولا حاجة ؟؟ "


    كان هذا حديث زكريا الحانق من نظرات رشدي المشتعلة ليصرخ به رشدي بضيق وهو يضرب كتفه بغيظ :


    " عجبك كده ؟؟؟ اديها شبطت في كلامك ...اكلمها ازاي بعد كده ؟؟ "


    لم يفهم زكريا شيء من حديث رشدي ليسمع بعدها صوت هادي وهو يحدثه ببسمة غبية من الامام :


    " بقولك يا زكريا يا حبيب اخوك عايزك تكتبلي كام جملة من اللي بتقولهم لفاطمة دول في ورقة صغير ة كده اثبت بيهم البت شيماء " 


    لوى زكريا شفتيه بحنق وهو ينظر من النافذة جواره ثم تحدث وهو يمسح وجهه بضيق :


    " جمال مقالكش عايزك ليه ؟؟؟"


    هز رشدي رأسه بوجع وقد كان يحاول ابعاد افكار زكريا عن الأمر حتى لا يفكر به ويحزن ...فمزاحه منذ قليل لم يكن سوى لصرف انتباهه عن الأمر، لكن يبدو أن زكريا قد أدرك ذلك بالفعل ....


    " معرفش ...هو قالي عايزكم في حاجة مهمة " 


    تحدث زكريا بقلق شديد وشك :


    " انت متأكد يا رشدي من جمال ده ؟؟؟ قصدي يعني مش ممكن يكون بيخدعنا ويحمي اخوه ؟؟"


    هز رشدي رأسه برفض لحديث زكريا ثم تحدث بنبرة واثقة :


    " لا يمكن انا واثق في جمال زي ما بثق فيك وفي هادي كده ...رغم عدد مرات تعاملي القليلة معاه ..بس مين ميعرفش جمال الاباصيري ؟؟؟ ده معروف جدا ومعروف شدته على أي حد بيرتكب غلط حتى لو كان الحد ده أبوه نفسه ....الراجل ده اساسا مظلوم في مكانه ده والله ...المفروض يكون في كتيبة قوات خاصة " 


    هز زكريا رأسه وهو يغمض عينه يرجع برأسه للخلف مغمضا عينه بوجع مفكرا في طريقة لإسعاد فاطمة .....


    _________________________


    كان يجلس على مقعد بطريقة عكسية يراقب في الكاميرات أمامه أخيه وهو يحاول التحرر من قيده يحاسب نفسه ويجلدها بقسوة متسائلا أين أخطأ مع أخيه ليصل لتلك المرحلة ؟؟؟ هو ظنه مجرد طائش يتصرف برعونة وعدم مسئولية، لكن أن يصل به الامر لاغتصاب فتاة بتخطيط مسبق هذا ابدا ما لا يقبله ولا يغفره .


    سقطت دمعه من عيون جمال وهو يتنهد ناظرا للسقف فوقه يحاول التحكم في غصته حتى لا ينهار ...فهو على وشك فقد أخيه الذي تخلى عن كل شيء لأجله سابقا :


    " اه " 


    تأوه صغير خرج منه محملا بوجع عميق وهو ينظر حوله يحاول الاستيقاظ من هذا الكابوس :


    " ليه كده يا مصطفى ليه ؟؟؟ ليه توصلنا لهنا ؟؟" 


    أنهى حديثه وهو يبكي بضعف فمهما فعل يظل أخيه الصغير الذي حمله على كفوفه بعد ولادته مباشرة وهو يركض به في أرجاء المنزل صارخا أنه أصبح لديه اخ كرفاقه وأنه لن يكون وحيدا ابدا كما ظن ...بل سيكون دائما مع أخيه الصغير ..


    بكى جمال وعلت شهقاته وهو يهمس بوجع  :


    " يا رتني كنت حبستك في البيت ومطلعتكش منه ابدا ولا اني اوصل اللحظة دي ...يا رتني كنت منعتك من السفر ومنعتك من صاحبك ده " 


    مسح دموعه وهو يتأوه بوجع مدركا جيدا أنه مهما بلغ وجعه فلن يصل لوجع تلك الفتاة التي سلبها أخيه ورفيقه حياتها لذا لا تراجع فيما قرره ابدا ...أخيه سينال عقابه بالطريقة التي يختارها زكريا ...هو فقط أحضره لهنا وسيتركه له ليقتص لنفسه ويطفأ نيران قلبه _ رغم تيقنه أن لا شيء سيفعل _ وبعدها هو سيعاقبه بطريقته الخاصة ...بالقانون ..نعم سيسلم أخيه بعدما يجمع الأدلة ضده وهذا اقل ما يمكنه فعله وما يمليه عليه ضميره وانسانيته ....


    _____________________________


    كان يمسك بيدها وكأنها ستهرب منه بأي لحظة وللحق هي كانت ستفعل ذلك _ على الاقل في رأسها كانت تفكر في ذلك _ ...زفرت بثينة للمرة التي لا تعلم عددها وهي تجلس جوار فرانسو في أحد المكاتب الخاصة بمحامي ما يتحدث معه لمدة طويلة إصابتها بالملل حقا وهو يرفض حتى ترك يدها لذا صاحت بنزق كبير :


    " فرانسو ..." 


    واه لو تعلم ما فعلت للتو بنطقها لاسمه لأول مرة بهذا الشكل لذا ابعد أنظاره عن المحامي وهو يمنحها كامل تركيزه يسألها بعينه عما تريد لتتحدث هي بضيق شديد 


    " ممكن تسيب ايدي ؟؟؟ "


    وكأنها أخبرته أن يتمسك بها أكثر حيث شعرت بيده تشدد التمسك بيدها بعناد شديد كطفل تطلب والدته أن يتركها قليلا وهو يهز رأسه برفض متحدثا بشك :


    " عايزة حاجة ؟؟" 


    " الحمام ...عايزة ادخل الحمام لو سمحت ممكن ؟؟" 


    كانت تتحدث بنبرة منزعجة وبسمة سمجة ليترك هو يدها على الفور بحرج شديد ثم هو رأسه بإيجاب وهو يشير لخارج المكتب :


    " اخر الطرقة على اليمين هتلاقي باب لونه اسود هو ده الحمام " 


    هزت رأسها بضيق شديد وهي تنهض تاركة إياه وعينه تتابعها حتى خرجت من الباب ثم انتبه على حديث المحامي وهو يحاول جذب انتباهه مجددا ...


    " هل نعود لحديثنا ؟؟؟ "


    ابعد فرانسو عينيه من على الباب بصعوبة وهو يعود للحديث معه صارفا انتباهه عن تلك التي استمرت في تعذيبه لسنوات طويلة والآن تكمل م

    هذا بمهارة منقطعة النظير و دون حتى أن تشعر .....


    سارت في الممر وهي تمسح وجهها بعنف شديد تشعر هذه الأيام أن روحها تائهة لا تعلم ماذا تفعل ...شعور التيه والرتابة قد تلبسها لم تعد تنبهر بشيء ولا تعجب بشيء فهي كلما أحبت شيء فقدته ...وهذا ترك غصة في قلبها لن تزول بسهولة ...


    " ما بكِ انتبهي كدتِ تدهسين قدمي ....." 


    خرجت بثينة من شرودها على صوت صراخ جوارها ...رفعت عينها ببطء تنظر لصاحب ذلك الصوت الرقيق هامسة بسخرية في نفسها أن فتيات هذه الدولة لهن نفس الصوت ونفس الرقة تقريبا ...وبعد النظر لصاحب الصوت علمت أنهن يملكن نفس الشكل والمظهر والقوام أيضا ما هذا الملل حقا ؟؟؟ هل هن مستنسخات !؟؟؟ 


    رغم كل الصراخ الذي خرج من الفتاة إلا أن بثينة هزت رأسها باعتذار صامت مقتضب وتركتها تقف كالبلهاء بارضها ثم تحركت جهة المرحاض متجاهلة كلماتها والتي تراهن أنها سبات نابية ...


    تقدمت تلك السيدة بغضب شديد بعدما انتهت من صب جام غضبها على الهواء بعد رحيل تلك الوقحة ....لتدخل مكتب المحامي دون أن تستأذن حتى من السكرتير ...استدرات جميع الرؤوس لذلك الزائر الغير مرغوب به أبدا ....


    " انظروا من لدينا هنا ؟؟؟فرانسو العزيز " 


    استدار فرانسو وهو يعلم جيدا صاحب الصوت بملامح جامدة وهو يقول ببرود شديد :


    " ماريانا ...." 


    ____________________


    راقبت فاطمة ملامح الهلع التي ارتسمت على وجه كلُّ من ماسة و شيماء بعدما انتهت من قص حكايتها وذلك بعد إصرار كبير من ماسة لمعرفة سبب انهيارها المتكرر ...


    كانت شيماء تشعر بأن جسدها ينتفض رعبا مما سمعته رغم أن فاطمة لن تتطرق لشيء ابدا او اي تفاصيل قد تسبب لها الانهيار مجددا، بل إنها اختصرت الأمر بجملة واحدة كانت أكثر من كافية لتصعق من أمامها 


    " وانا صغيرة اتعرضت لاغتـــ.صاب " 


    قد تبدو للبعض جملة باردة بعض الشيء أو لا مبالية بوقع هكذا جملة على النفوس، لكن فاطمة لم تجد داعٍ للبكاء وغيره فهي سبق وبكت كثيرا وانهارت أكثر والان قد تلبد قلبها من كثرة الاحزان وايضا يكفيها معرفة أن زكريا معها وجوارها ليهدأ ذلك القلب ....


    " فاطمة ...." 


    توقفت ماسة عن التحدث وهي ترى بسمة فاطمة الموجوعة :


    " بلاش يا ماسة صدقيني بلاش مواسات لاني مش بحبها والله أو بتقبلها الا من زكريا "


    انهت حديثها بمزاح شديد تحاول اخراج الفتاتين من تلك الصدمة فهي لا تود أن تتحول جلستهم للبكاء والمواساة وغيرها ..لتجد فجأة شيماء تنفجر في البكاء وهي تضمها بشدة مربتة على ظهرها لا تعلم السبب لكنها ابتسمت وهي تهدأ شيماء وكأنها هي الموجوعة ....


    بينما ماسة بكت دون اخراج صوت بل فقط بعض الدموع التي تتساقط من عينيها لتتحدث بعدها بصوت ابح قليلا بسبب كتمها لانفعالاتها :


    " أنتِ...أنتِ عارفة اللي عمل كده ؟؟؟؟؟" 


    ____________________


    نهض من مكانه بعد ساعة تقريبا كان يوبخ بها نفسه ويلعن أخيه ويترحم على صغيره الذي تلوث بأفعال قذرة ...شعور خانق تلبسه في تلك الساعة وكم كان ممتنا لصوت الجرس الذي أخرجه من كل ذلك الظلام الذي أحاط به نفسه.....


    فتح جمال الباب بهدوء داعيا الجميع للدخول دون حتى محاولة مسح اثار دموعه ....أشفق رشدي بشدة على حالة جمال تلك لا يعلم كيف يواسيه فهذا أخيه بحق الله، لكن هو من جنى على نفسه ....


    بينما زكريا لم يهتز قلبه حتى لرؤية اثار الدموع على وجهه بل لم يشفق عليه لثانية، كلما تذكر بكاء ونحيب فاطمة وانهيارها ازدادت قسوة قلبه دون ذرة شفقة على أحد و قد نجح ذلك الحقير مصطفى في إخراج الجانب السيء الذي كان يجاهد لاخفائه ...


    أشار جمال لهم أن يتبعوه يسير بهم صوب غرفة الضيوف فهذه هي شقته الخاصة في إحدى البنايات التي كانت تحت الانشاء تقريبا ...


    " خير يا جمال باشا ؟؟ كلمتني وقولتلي اجي بسرعة فيه حاجة ؟؟؟" 


    هز جمال رأسه وهو يجلس بارهاق شديد مشيرا لهم بالجلوس يجيب على سؤال رشدي :


    " ايوة يا رشدي ...انا ..انا نفذت وعدي وجبتلكم جمال لغاية هنا تاخدوا حقكم منه وبعدها انا هعرف ازاي اخليه ياخد جزاته بالقانون "


    نظر له زكريا بشك كبير لا يصدق أن هناك من يمكنه التضحية بأخيه هكذا، لكن ما لا يعرفه أن جمال تحمل الكثير من تصرفات أخيه وحاول إعادة صقله مجددا بعدما تشوهت روحه، لكنه فشل مرارا وتكرارا متيقنا أن أخيه كان قضيته الوحيدة الخاسرة


    " طب والواد التاني ده ؟؟؟" 


    أخرجه سؤال هادي من شروده ليرفع نظره له وهو يتنهد بضيق :


    " جمال ....انا هعرف اخليه ينزل مصر و...."


    " ينزل مصر ؟؟؟ وهو برة مصر اساسا ؟؟؟ " 


    كان سؤالا غاضبا من  زكريا ليبدأ جمال في قص ما يعرفه :


    " اللي اعرفه إن جمال سافر برة من كام سنة واتعين في شركة هناك ومن وقتها وهو على اتصال بمصطفى وكمان أعتقد أن مصطفى كان المفروض يحصله " 


    هز زكريا رأسه ثم نهض وهو يقول بنبرة مرعبة :


    " طب هو فين مصطفى دلوقتي ؟؟؟" 


    نهض جمال ثم أشار له باتباعه لإحدى الغرف والتي والتي عندما فتحها وجدها تغرق في الظلام ليشير لإحدى الزوايا متحدثا بجمود ليس وكأنه يتحدث عن أخيه :


    " خلصوا اللي عايزين تعملوه " 


    أنهى حديثه تاركا الثلاث شباب يدلفون للغرفة بملامح مرعبة اخفتها الظلمة التي تحيط بهم ببراعة شديدة .....


    كان يجلس في إحدى اركان ذلك المكان الفسيح وبشدة حتى رأى نور يخترق تلك الظلمة وظلال عديدة تقف أمام الباب لكنه وبسبب بعده في أحد الأركان لم يستطع أن يتبين من ذلك القادم لكنه وداخل قلبه قد بدأ يدرك تماما من أتى به ولماذا ؟


    ثوانٍ وسمع صوت الباب يُغلق آخذا معه النور الذي جاء به منذ قليل وساد بعد ذلك صمت طويل لم يقطعه سوى خطوات اقدام اخذت تقترب منه 

    ورغم كل ما تلبسه من خوف في تلك اللحظة إلا أنه برع وبشدة في إخراج صوته ثابتا :


    " مين ؟؟؟انت مين وعايز ايه مني ؟؟؟"


    وكان الرد على سؤاله لكمة عنيفة جعلت رأسه تكاد تسقط من على كتفه يتأوه بشدة منها ...


    كان زكريا يتنفس بعنف لا يكتفي من تلك اللكمة بل تقدم مجددا وهو يضربه أكثر منفسا عن جزء صغير من الجحيم الذي يسكن قلبه وهو يتذكر همسات فاطمة المرتعبة يتذكر ارتجاف جسدها وهي تقص عليه ما حدث يتذكر خوفها من رؤيته وكل ذلك لا يزيده سوى عنفا أكثر جعل رفيقيه يتعجبون ذلك الواقف فلم يكن زكريا يوما من محبين العنف وإن كان غضبه مدمرا لكنه يوما لم يرفع يده على أحد والان يرون أمامهم شخص آخر يحركه غضبه ويعميه انتقامه ...


    كام زكريا يضرب غير مباليا بصرخات مصطفى التي كادت تصم الآذان وهو يصرخ في الشخص الذي يضربه سابا إياه بأبشع الألفاظ ...


    توقف زكريا واخيرا عن ضربه وهو يتنفس بعنف شديد يشعر بغضب يزداد اشتعالا أكثر واكثر ولا يقل ولو بمقدار ذرة واحدة ....وفي تلك اللحظة التي توقف فيها زكريا عن ضرب مصطفى كان رشدي يستلم منه زمام الأمور ضاربا إياه بعنف منتقما لرفيقه ولزوجته وهادي أيضا الذي اندفع يشارك رشدي في ضربه بغضب وغيظ يكاد ينفجر داخله .....


    في الخارج كان يجلس بجمود على إحدى الارائك يستمع لصوت صراخ أخيه الذي كان يجاهد دائما لسماع ضحكاته ...صغيره اللطيف الذي خطى اول خطواته وهو يمسك بيده الان يسير في طريق نهايته نحو الهاوية بعدما أضحى مسخًا ...


    ______________________


    " أرى انك ما زلت تتذكرني يا عزيزي ...." 


    ابتسم فرانسو بسخرية كبيرة وهو يتجاهلها متحدثا للمحامي :


    " ما الذي أتى بهذه هنا ؟؟؟" 


    " هذه تحمل أسمًا يا فرانسو لذا لا داعي لصلافتك تلك "


    استدار لها فرانسو من جديد وهو مازال يجلس بكل برود :


    " حقا ؟؟ وانا لست مهتما بهذه حتى اكلف نفسي عناء تذكر اسمها الذي محوته منذ سنين طويلة "


    أطلقت ماريانا تأوها مصطنعا وهي تضع يدها على قلبها بخفة :


    " يا لك من قاسٍ يا رجل لقد كسرت قلبي لتوك " 


    لم يكد يجيبها حتى سمع طرقا على الباب أعقبه دخول بثنة التي رمقت ماريانا بتعجب شديد تتساءل سبب وجودها هنا لتسمع صوت فرانسو وهو يدعوها للاقتراب ...ورغم تعجبها إلا أنها اقتربت منه ببطء لتجد يده تسحبها جواره مقبلا خدها بحنان شديد :


    " هل انتهيتِ جميلتي ؟؟؟"


    لم تفهم بثينة شيء من حديثه لتتحدث ماريانا بحنق شديد وهي ترمق تلك الفتاة من أعلى لاسفل :


    "  لا تقل لي أنك تعرف تلك الوقحة فرانسو ..ستصيبني بخيبة أملٍ شديدة في ذوقك يا رجل " 


    تحدثت بثينة لا تفهم النظرات حولها ولا نبرات الحديث لكنها خمنت شيئا واحدا أن تلك التي تقف أمامهم بوقاحة منقطعة النظير ليست سوى زوجته السابقة :


    " هي دي بقى الحيزبونة مراتك ؟؟؟" 


    فتح فرانسو عينه بصدمة من حديثها لكن ما صدمة أكثر هو صوت ماريانا الذي خرج مستنكرا على حديث زوجته :


    " شو ؟؟؟ مرته ؟؟؟؟ " 


    اغمض فرانسو عينه بغيظ شديد وقد أوشكت خدعته على الانكشاف ...للحق لم يتوقع أن تنكشف بهذه السهولة لولا مجئ تلك " الحيزبونة " كما تقول بثينة والتي لم تكن سوى زوجة صديقه المرحوم التي أتى ليقتنص منها ابن رفيقه قبل أن تفسده تماما   ......


    _____________________________


    " يا ابن ال ***** " 


    شهقت فاطمة بعنف لا تصدق تلك السبة التي خرجت للتو من فم ماسة مستنكرة تماما أن تخرج من فم فتاة :


    " ماسة ...ايه الكلام اللي قولتيه ده عيب مينفعش يخرج من بنت ولا من اي شخص اساسا "


    نظرت ماسة بغيظ شديد لفاطمة تشعل أنها تحترق من الداخل كما لو أن هناك من أوقد نارا بها ثم تركها تتحول لرماد :


    " انا ...انا اساسا محستش بنفسي بس والله لو شوفته قدامي لـ... "


    صمتت ماسة فجأة ثم تحدثت سريعا :


    " هو حد يعرف بالحوار ده ؟؟؟ قصدي زكريا يعني يعرف أن مصطفى هو اللي عمل كده ؟؟؟ " 


    هزت فاطمة رأسها بنعم وهي لا تفهم سبب هذا السؤال لنرى بعدها بسمة واسعة ترتسم على وجه ماسة وهي تقول بتشفي :


    " كده نقدر نوزع قرص على روحه " 


    انهت حديثها وهي تنتبه لشيماء التي كانت شاردة بشكل مخيف لتضرب كتفها بغيظ :


    " فيه ايه يا زفتة أنتِ كمان ؟؟؟ " 


    "انا كنت هتجوزه لولا هادي ؟؟؟ " 


    انهت شيماء حديثها لا تستوعب الأمر ابدا ... أن تصبح زوجة لهكذا رجل إن صح تسميته بهذا اللقب 


    ضحكت ماسة بسخرية وهي تتحدث لها :


    " لا يا ختي اصل اخوكِ هو اللي جايبه اساسا " 


    " جايبة ؟؟ ازاااا........" 


    قاطع كلمة كلمة شيماء صوت صرخات عالية يأتي من أسفل النافذة الخاصة بفاطمة تحركت ماسة صوب النافذة تنظر منها بتعجب لهذه الصرخات لتجد هناك شاب يقف أمام فرج متبجحا وجواره سيدة أخرى تصرخ كالمجنانين بشكل مريع ...


    تحركت ماسة بسرعة ترفع حجابها وهي تتحرك للخارج هاتفة :


    " ده شكله الواد قليل الرباية ابن فرج رجع تاني " 


    انهت حديثها وهي تخرج من الغرفة سريعا وخلفها كلا من شيماء وفاطمة لا تفهمان ما يحدث ........


    _______________________


    ضحكات عالية انطلقت من فمه وهو ينظر حوله للظلام المحيط وكأن ما يحدث ليس سوى مقلبا من أصدقاءه ....


    "مفكرين إني هخاف من جو الافلام ده ؟؟ تبقوا مغفلين ."


    لم يظهر أحد عقب كلماته لذا استمر في الحديث عله يستفزهم ليخرجوا وقد بدأ يتعب من كثرة الضربات التي تلقاها من أشخاص حتى لم يبصر وجوههم ولكنه عرف جيدا من يكونوا :


    "ياريت بس وانتم جايين تكونوا جبتوا حريم معاكم لاحسن القعدة هتبقى ناشفة اوي .."


    أنهى حديثه وهو يطلق ضحكات صاخبة رغم وجع فكة الذي كان شبه متأكد من أنه كُسر :


    "يعني ماسة ممكن تطري القعدة هي وشيماء إنما مرات الشيخ بلاش لاحسن بقت قديمة وانا بحب اااااااا...."


    لم يكمل كلماته بسبب الركلة التي تلقاها بعنف شديد شعر بسبها أن رقبته قد كُسرت ليُخرج واخيرا صرخة هزت جدران المكان بسبب قوة الضربة ...استدار ببطء وهو يحاول ألا يسقط مغشيا عليه من قوة الركلة لينظر في وجه ذلك الذي ضربه وسرعان ما اتسعت عينه بصدمة كبيرة وارتجف جسده وهو يراه يقف أمامه ينظر له بغضب جحيمي علم منه أن هذه ليست سوى بداية نهايته والتي تمنى أن تكون قريبة بعد رؤيته لتلك النظرات ..........


    "محدش هيخلص عليك غيري يا ***"


    ابتلع مصطفى ريقه وهو يهتف بارتجاف وهو يميز صوت أخيه رغم ضعف الإضاءة في المكان، لكن مجرد طيفه هنا كفيل بإصابته بالفزع..لا يصدق أن الأمر وصل لأخيه وهو من ظن أنه سيتمكن من انهاءه بعيدا عنه كما يفعل كل مرة ...


    " جمال ...انت ...انا مش ...دول هما اللي جايبني هنا وبـ...."


    " انا اللي جايبك يا مصطفى " 


    فتح مصطفى عينه بصدمة كبيرة وهو يستمع لحديث أخيه لا يصدق أنه هو من أوقعه وسلمه لهؤلاء :


    " انت ؟؟؟ انت يا جمال اللي سلمتني ليهم ؟؟؟ ده انا اخوك " 


    " انت واطي يا مصطفى وانا ميشرفنيش واحد زيك يبقى اخويا ....بعدين ايه مفكرني هداري عليك ده انت حتى اكتر واحد عارفني " 


    شعر مصطفى بالخطر والان فقط احس بفداحة ما حدث له وبأنه لن ينجو تلك المرة بنفسه ...أوليس أكثر من يعرف أخيه كما قال :


    " طيب هتعملوا ايه يعني ؟؟ محدش عندي أي دليل " 


    انطلقت ضحكات جمال وهو ينظر لأخيه ثم اقترب منه هامسا :


    " كده يا مصطفى يا حبيبي معندكش ثقة في اخوك ؟؟؟ بس عموما خليني اطمنك واقولك إن الدليل معايا مش باقي بس غير الكلب التاني يجي هنا ووقتها اقدر انفذ اللي في دماغي "


    أنهى حديثه وهو ينظر للجميع أن يخرجوا معه ويكفي اليوم حتى لا يموت متجاهلا صرخات أخيه التي علت من خلفهم وهو يحاول استعطافه : 


    " جمال لا متعملش كده ...يا جمال انا اخوك يا جمال ....يا جمــــــال " 


    اختفى صوت مصطفى وخفت بعد غلق الباب....استدار رشدي لجمال وهو يسأله بجدية :


    " هتجيب التاني ازاي ؟؟؟ "


    ابتسم جمال بخبث وهو ينظر لزكريا ثم قال لهم :


    " هقولكم........" 


    ________________________


    " بقى كده يا أبا ؟؟؟ تجيب شوية بلطجية ليا ؟؟؟ وريني بقى هيعملوا ليك ايه ؟؟؟ " 


    أنهى ابن فرج الحديث وهو يشير لبعض الرجال الذين أحاطوا بهم ليصرخ في الجميع :


    " هما فين اللي كانوا عاملين نفسهم رجالة وبيتكاتروا عليا ؟؟؟ ...الاستاذ اللي عامل نفسه شيخ وهو عيل *** اساسا والاتنين اللي معاه " 


    ارتعش فرج يدعو الله ألا يأتي أحد فهو لا يريد أن يتأذى أحد بسببه  ..اقترب ببطء من زوجة ابنه التي أصرت على القدوم مع زوجها هذه المرة :


    " يا بنتي ما يصحش كده ؟؟؟ خدي جوزك وارجعوا بيتكم وانا اللي هجيلكم واللي عايزينه هعمله بس بلاش مشاكل " 


    نظرت له السيدة بحنق شديد :


    " يعني ايه ؟؟؟ عايز ابنك يسيب اللي ضربوه كده من غير ما ياخد حقه ؟؟؟ ليه مخلف نسوان ولا ايه يا أبا ؟؟؟"


    " ايه اللي بيحصل هنا ؟؟؟" 


    التفت الجميع لذلك الصوت والذي كان صوت فاطمة وهي تنظر لهم بشر وهناك نيران داخلها بعدما سمعت حديث ذلك الرجل والذي علمت جيدا أنه يقصد به زكريا :


    " فيه ايه ؟؟؟ وايه البلطجية اللي جايبها دي ؟؟؟"


    كانت توجه حديثها لذلك الرجل بغضب شديد وهي تقف جوار فرج بينما ماسة كانت تأخذ وضع استعداد في انتظار كلمة واحدة لتخرج كل غضبها فيهم ....


    نظر الرجل لفاطمة من أعلى لاسفل نظرة جعلت داخلها يشتعل أكثر وهي تتذكر نظرات هؤلاء القذرين ليزداد غضبها وهي تهتف في وجهه :


    " بتبص على ايه ؟؟؟ عينك في الأرض يا حيوان " 


    رفع الرجل نظره لها ثم قال بسخرية كبيرة :


    " ايه هما استخبوا وبعتوا حريم ليا ولا ايه ؟؟ "


    " ما انت عارف بقى مينفعش الرجالة يدخلوا في خناقة مع الحريم زي ما قولت عشان محدش يغلطهم " 


    التفت الرجل صوب ماسة التي كانت تتحدث ببسمة باردة وهي ترتقب منه

    حركة واحدة حتى تنشب باظافرها في وجهه مستنكرة وبشدة ذلك الهدوء الغريب الذي يتخذه رجال المكان منهجا فهن لم يتدخلن إلا حينما رأوا ذلك التخاذل الغريب ...


    تقدم لؤي يدفع الجميع من أمامه حينما ركض إليه فتى صغير يخبره بتشاجر زوجة الشيخ زكريا مع أحد الرجال ...


    انطلق لؤي لفاطمة بتحفز يسألها :


    " في ايه يا فاطمة حد عملك حاجة ؟؟"


    تنحت فاطمة جانبا احتراما لوالد زوجها وهي تشير للرجل متحدثة بحنق :


    " الاستاذ ده جايب شوية بلطجية وجايين يعلوا صوتهم على فرج وعمال يقل أدبه على زكريا " 


    انهت كلامها وهي ترمي له بنظرة حاقدة لينظر لؤي صوب الرجل وهو يشير بعينيه لفاطمة بأخذ الفتيات والصعود :


    " اطلعي أنتِ وماسة وشيماء دلوقتي "


    ثم نظر للشاب وهو يتحدث له بهدوء :


    " فيه ايه يابني ؟؟؟ هو كل ما تلاقي نفسك فاضي تيجي تعمل مشاكل هنا ؟؟؟" 


    " بقولك ايه يا عم الحج متدخلش ....انا ليا حق هنا وجاي اخده " 


    تحركت فاطمة للأعلى تنفذ حديث لؤي حتى لا يغضب منها زكريا إذا علم بتدخلها ذلك بينما ماسة كانت تغلي خلفها من الغضب تود لو ترى أحد أمامها فتخرج غضبها فيه كله ....


    " ايوة زي ما بقولك كده يا هادي جه تحت وقعد يزعق ويقول هو فين الاستاذ اللي عامل نفسه فندام ده ..بيلقح عليك يعني، وعمال يضرب في خلق الله " 


    نظرت ماسة لشيماء وهي تبتسم بسخرية عليها ...


    دخلن الثلاثة لمنزل فاطمة ثم اتجهوا للنافذة سريعا وهن يشاهدون ما يحدث ....


    " هو قال كده ؟؟؟ ليلة أهله مش معدية ...سرع يا عم إنت ودوس بنزين " 


    كان هذا حديث هادي وهو يصيح في السائق جواره بحنق وجواره رفيقيه ولا احد يفهم ما به ....


    " ايوة زي ما بقولك يا هادي وكمان صح ده جايب معاه بلطجية كتير اوي يعني خلي بالك " 


    ابتسم هادي على تلك الدبدوبة وهو يهتف بمزاح :


    " يعني الف واجي من اخر الحارة ولا اتنكر؟؟؟؟" 


    لوت شيماء فمها بحنق شديد وهي تهتف بصوت مغتاظ :


    " تصدق بالله انت ظريف اساسا وانا اللي كنت عايزة أحذرك عشان ميعملش ليك عاهة مستديرة ".


    سخر هادي من حديثها وهو يردد كلمتها 


    " مستديرة ؟؟؟ ليه هتعارك مع بَرجل ؟؟؟ اقفلي يا شيماء اقفلي خليني اشوف الدنيا " 


    أنهى حديثه وهو ينظر للمرآة مرردا بنبرة مازحة :


    " اتمنى متكنوش فرغتوا طاقتكم في مصطفى عشان عندكم طالعة كبيرة ................." 


    _______________________


    ن♥️شيخ_في_محراب_قلبي

    السادس_والعشرين


    ‏"أمَّا ⁦ السَّفينةُ ⁩ 

    ‏وأمَّا الغُلامُ

    ‏وأمَّا الجِدَارُ 

    ‏اللهمَّ صبراً على ما لم نُحِطْ به خُبراً" ❤


    صلوا على النبي ❤️


    ______________


    تقدمت السيارة واقتربت من حدود الحارة التي يقطن بها الشباب ليهتف هادي مشيرا بيده للسائق ..


    " بس وقف هنا تسلم ...انزلوا يلا " 


    نظر كلا من زكريا ورشدي لبعضهما البعض لا يفهمان شيئا من حديث هادي فهو أخبرهما بحدوث شجار دون توضيح أسباب أو مع من سيتم الشجار والان جعلهم يهبطون في بداية الحارة ...يبدو أنه واخيرا قد جن هادي .


    نظر هادي للسيارة وهي ترحل من أمامهم ثم بعدها استدار لأصدقائه وهو ينفخ صدره بشكل مثير للضحك ذكّر رشدي بيوم قلدته شيماء يسير بطريقة مضحكة وهو يقول بجدية وقوة :


    " ورايا يا رجالة عشان فيه شوية حشرات مزعجة في الحارة " 


    أنهى حديثه وهو يتحرك من أمامهم نافخا صدره وخلفه زكريا ورشدي يضحكان بشدة عليه ظانين أنه يمزح لا أكثر، لكن حينما اقتربوا من المنطقة التي تقع منازلهم بها ورأوا ذلك الكم من الأشخاص يقفون وهم يحملون عصيّ خشبية توقف هادي فجأة وهو ينظر لهم بصدمة هاتفا بصوت مسموع للاثنان :


    " مقالتليش أنهم كتير كده ؟؟؟ يا واطية يا شيماء " 


    تنحنح وهو يعتدل في وقفته وينظر خلفه لاصدقاءه متحدثا بجدية مضحكة :


    " تقريبا كده نسيت موبايلي في العربية ...هروح الحق السواق قبل ما يطمع فيه والبركة فيكم بقى " 


    أنهى حديثه وهو يكاد يستدير خارجا من الحارة كلها لولا يد رشدي التي امسكت بثيابه من الخلف هاتفا بسخرية وهو يرمق يده :


    " مساء الفل يا حبيبي التليفون في ايدك .....تعالى بس ده انت حتى البركة بتاعتنا " 


    أنهى حديثه وهو يسير متغلغلا لداخل المنطقة وجواره زكريا جاذبا بيده هادي الذي كان ينظر حوله للرجال هامسا :


    " ماشي يا شيماء والله لاوريكِ عمالة تحميني من غير ما تحذريني ....شكلك هتلبسي الاسود قبل ما تلبسي الابيض " 


    توقف رشدي وهو ينظر لما يحدث حيث كان لؤي يتحدث بحدة كبيرة مع أحد الشباب الذي لم يتضح له هيئته من ظهره ..


    " بابا فيه ايه ؟؟؟"


    كانت هذه الكلمات تنطلق من فم زكريا والتي التفت الشاب على إثرها وهو يبتسم بسمة مقيتة متحدثا بخبث شديد :


    " واخيرا نورتوا ؟؟ده احنا مستنين من بدري يا راجل " 


    نظر له زكريا بتعجب مصطنع وهو يشير له ولرفاقه :


    " احنا ؟؟؟ والله ما نعرف ولا حد بلغنا انك مستنينا ..." 


    " معلش ما احنا برضو اللي جينا من غير معاد " 


    أنهى الرجل حديثه وهو يشير للرجال بيده ليرفع الجميع ما يحمل بيده مشهرا إياه في وجه الشباب ليهمس هادي في اذن رشدي :


    " شوف الجمدان رفع بس صباعه قاموا رفعوا العصيان في وشنا ...يلا بقى يا رشدي ارفع المسدس في وشهم وخليهم يمشوا " 


    ابتسم رشدي بسخرية كبيرة وهو ينظر لهادي ثم قال بحنق :


    " مكانش يتعز يا حبيبي بس مش هينفع " 


    " ليه المسدس فاصل شحن ولا ايه مش فاهم ؟؟؟" 


    زفر رشدي بحنق شديد وهو ينظر بغيظ لذلك الأحمق متمتما :


    " مش فاهم اللي خلاك محامي ده كان بيفكر في ايه ؟؟؟ يا ذكي لو عملت كده يبقى اسمها ترهيب العامة ..اني اشهر مسدسي في مكان عام ده ممكن اتكدر بسببه الا طبعا لو مسألة حياة أو موت " 


    لم يكد هادي يجيبه حتى قاطعه ابن فرج وهو يصرخ بغضب في وجه زكريا وقد بدا أنه كان يتحدث معه في أمر ما مما أغضب الشاب بشدة :


    " انتم مستنين ايه هاتولي العيال دي زاحفة " 


    نظر هادي حوله وهو يرى الجميع يهجم عليهم بسرعة كبيرة لدرجة لم يستوعب الامر بسرعة حتى سمع صرخة رشدي به ليبدأ في صد بعض الضربات من هؤلاء الرجال، لكن وبسبب أن بعض هؤلاء الرجال يحملون عصيّ كان الأمر صعب قليلا.


    كانت الفتيات تشاهدن الامر من الأعلى وقد ازدادت حدة الأجواء والجميع في ترقب لما يحدث خاصة بعد تدخل شباب من الحارة لمساندة زكريا وأصدقاءه بسبب لؤي الذي ركض وأحضرهم عندما رأى أن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة ....


    كان زكريا يضرب بغضب كل من يأتي أمامه مفكرا بسخرية أنه يضرب ويستخدم العنف للمرة الثانية في يومه وهو من كان يأبى حتى أن يرفع يده على أحد سابقا لكن هذه هي الحياة إن إتخذت السلام سبيلا، اجبرتك على أخذ المهانة شعارا  .....


    سقط هادي ارضا وهو يتأوه بعنف بسبب ضربة أحدهم على ذراعه بعصا بعنف شديد ..لتعلو صرخاته في الأجواء لكنها ضاعت بين الصرخات الأخرى والسباب والأصوات الغاضبة، نهض هادي بغضب شديد وهو يركض بغيظ صوب ذلك الرجل الذي ضربه ليطيح به ارضا بعدما اندفع آخذا إياه في عناق ثم سقط به ارضا وبعدها انقض عليه بعنف .....


    كان رشدي يحاول أن يصد جميع الضربات التي توجه له فكلما أراد أن يخرج هاتفه محدثا وحدته للمجئ يجد أن هناك أحد ما ينقض عليه ...


    كانت كلا من شيماء وفاطمة تمسكان ماسة بصعوبة عن الهبوط للاسفل فهي كلما رأت أحدهم يقترب من رشدي كانت تصيح بعنف شديد تحذره وكأنه يستمع لها، وإذا رأت أحدهم يضربه أو يوجه له شيء تظل تطلق بعض اللعنات وهي تكاد تقفز من النافذة تنقض عليه وتقطعه بأسنانها ...


    ___________________


    هبط من سيارته بهدوء شديد وهو يتوقف بها على بعد مناسب من ذلك الشجار الذي يحدث امامه ويبدو أنه مشتعل وبشدة ...خلع نظارته الشمسية وهو يغلق باب سيارته متقدما من الشجار ينظر به بتعجب شديد ليلمح زكريا ورشدي وهادي...فقط هم من تعرف عليهم، وببرود شديد يُحسد عليه تقدم صوب القهوة وهو يجلس على أحد المقاعد واضعا نظارته على الطاولة بهدوء وهو ينظر للصبي الذي يقف جواره يترقب الشجار بحماس شديد :


    " لو سمحت كوباية قهوة سادة " 


    استدار صبي القهوة بتعجب لذلك الصوت جواره ليلمح رجلا يبدو غريبا عن المكان بثيابه التي لا تحمل ولو ذرة غبار عليها وشعره المرتب بشدة


    " نعم ؟؟؟" 


    تحدث جمال بعدم فهم لكلمة الصبي :


    " نعم ايه ؟؟؟ بقولك عايز قهوة سادة " 


    أشار الصبي صوب الشجار الذي كان في أوج اشتغاله في تلك اللحظة والذي يقبع أمام القهوة بخطوات فقط وكأنه يخبره " أي قهوة تلك في وسط الحرب هل أصبت بالعمى ؟؟؟" 


    لكن جمال لم يهتم بل ابعد نظره عن الصبي وهو يراقب ما يحدث امامه باستماع شديد لطالما احب المشاهدة من بعيد دون أن يزعج نفسه ..حسنا هو اتى لسبب وسوف يقوم به ثم يرحل بهدوء دون أن يزعج نفسه بهكذا أمور سخيفة، لكن رغم ذلك كان رحيم وحنون لدرجة أنه أخرج هاتفه واتصل بوحدته للمجئ هنا وتوقف تلك الحرب الغبية بين هؤلاء الشباب المزعجين ....


    ______________________


    كان هناك اثنين يمسكان بهادي وآخر يضربه بعنف شديد ليبصق هادي بعض الدماء في وجهه وهو يصرخ بغيظ ومزاح في غير وقته : 


    " ايه يا رشدي يا حبيبي مش ده حياة أو موت ؟؟؟ ولا تحبني اتقطع بانيه الاول عشان توقف الدنيا هنا ؟؟؟" 


    لم ينتبه رشدي لحديث هادي وقد كان منشغلا بأحد الشباب في يده بينما زكريا ركض صوب هادي وامسك الشخص الذي يضربه من الخلف وهو يلف ذراعيه حول رقبته على وشك خنقه وقد وصل زكريا لأقصى مراحل غضبه .....


    ومن الاعلى كانت جميع النساء تقف في الشرفات تطلق الصرخات التي لا تفيد، لكنها كانت تضفي بعض الإثارة للأجواء ...وعلى إحدى النوافذ كانت الفتيات يشاهدن ما يحدث بعجز كبير حتى صرخت ماسة بغضب شديد وهي ترى أحدهم يضرب رشدي بعنف :


    " اه يا زبالة يا تربية ......"


    توقفت عن الحديث فجأة وقد خطرت في بالها فكرة ما لتنظر بسرعة لفاطمة التي كانت تبكي على زكريا جاذبة إياها من ذراعها تهزها بحنق :


    " بت بطلي زن وقوليلي عندكم خرطوم هنا ؟؟؟ "


    نظرت لها فاطمة من بين دموعها بعدم فهم 


    " خرطوم ؟؟؟"


    هزت ماسة رأسها وهي تشرح لها ما تريد بالتحديد متجاهلة شيماء التي كانت تصرخ جوارهم بسبب رؤيتها لكل ما يحدث :


    " ايوة الخرطوم اللي بنوصله بالماية ده " 


    هزت فاطمة رأسها بتشوش لا تفهم مقصد ماسة من كل ذلك :


    " ايوة بس ليه ؟؟؟" 


    ابتسمت ماسة بخبث وهي تتحدث :


    " اتفرجتي على فيلم الباشا تلميذ ؟؟؟" 


    نظرت فاطمة بغباء شديد لماسة لا تفهم فيما تفكر أو ماذا تقصد وما مناسبة ذلك الفيلم الان في وسط تلك الحرب، لكن رغم ذلك هزت رأسها بنعم لتبتسم لها ماسة وهي تقول باستمتاع :


    " حلو اوي ايه رأيك نعيد مشهد الفرح ؟؟؟" 


    ________________________


    كان الصبي يقف جوار طاولته وهو يراقبه كيف يحتسي قهوته بكل برود غير آبها بكل ما يحدث حوله لكن فجأة على صوت الصراخ واقترب منهم وبدأت بعض الاشياء تتطاير ...تحرك الصبي للداخل سريعا وقد قرر أن يتابع من الداخل تاركا إياه يجلس مكانه بلا أي ردة فعل حتى فجأة سقط أحدهم على الطاولة التي كانت تجاوره كاسرا إياه ...


    نظر جمال ارضا لنظارته التي كُسرت بأسف شديد وهو ينحني للرجل الذي كان يتأوه بعنف شديد بسبب سقوطه العنيف على الطاولة متحدثا بحزن شديد :


    " تعرف ان بيطلع عيني عشان الاقي ماركة النضارة دي ؟؟؟"


    رفع الرجل نظره بتعجب لذلك الصوت وهو يتأوه ليهز جمال رأسه بقلة حيلة ثم وفي ثواني كانت لكمته تصطدم في وجه الرجل ثم نهض متجها صوب الشجار :


    " حظك انك تعبان دلوقتي والا كنت اخدت منك حقها تالت ومتلت بس ربنا يعينك على اللي انت فيه " 


    أنهى حديثه وهو يقف في منتصف الشجار ثم انحنى قليلا ومد يده نازعا أحد الرجال بعنف وقد كان منكبا فوق اخر يضربه بعنف والذي لم يكن سوى زكريا ...نزع جمال الرجل من فوق زكريا وبعدها ضربه برأسه بشدة ثم مد يده لزكريا الذي رفع عينه له ثوانٍ قبل أن يمسك بيده وينهض ليتحدث جمال :


    " مفيش داعي للشكر احنا اخوات " 


    ضحك زكريا ضحكة صغيرة مع هزة بسيطة من رأسه بلا معنى تقريبا تاركا إياه وهو يتجه صوب رشدي يمد له يد العون بعدما تكالب عليه البعض طارحين إياه ارضا .....


    نظر جمال حوله بملل ثم كاد يعود صوب مقعده مجددا لولا تلك اللكمة التي سقطت على وجهه مانعة إياه من الأمر ...اعتدل جمال في وقفته وهو ينظر للشخص الذي ضربه متحدثا وهو يرد له اللكمة بأشد منها :


    " مش معنى اني سامحت في النضارة ابقى طيب "


    ______________________


    تحركت صوب النافذة وهي تحمل خرطوم الماء مبتسمة بشر وكلا من شيماء وفاطمة يرمقونها بعدم فهم لتقف ماسة أمام النافذة مباشرة وهي تقول بخبث :


    " ثوانٍ والفرح ده كله يتلم "


    انهت حديثها تزامنا مع تدفق المياة بعنف شديد من الخرطوم والذي سقط بشكل عنيف على الجميع بسبب ارتفاع الطابق الذي تقذف منه المياة ولشدة الضغط في الخرطوم والذي كان مخصصا للحرائق........


    كان الجميع مندمجين فيما يحدث وفي الشجار حتى فجأة شعروا بمياة عنيفة تتساقط على رؤوسهم مسقطة اياهم ارضا ....


    وبعدما كانت حربا طاحنة أصبح المكان اشبه بلعبة مائية وقد كانت ماسة تضرب بالخرطوم جميع رجال ابن فرج بغضب وغل كبير وبالطبع نال زكريا والرفاق البعض من ضربات ماسة ....


    ابتسم هادي وهو يرى الرجال يتساقطون بحدة مما يحدث ضاحكا وهو يلاحظ الفاعل :


    " طب والله البت ماسة دي بميت راجل " 


    أنهى كلمته ببسمة واسعة وهو ينظر لثيابه التي ابتلت بعض الشيء  لكن وقبل أن يتحدث بكلمة إضافية كان الخرطوم يوجه لوجهه بعنف شديد ليسقط ارضا وماسة تصرخ بغضب من الاعلى بصوت لم يصل لهم :


    " عمالة اقولك اوعى من وشي وانت مش بتسمع " 


    أسقطت ماسة هادي بغيظ شديد غير مهتمة به لتصل لأحد الرجال خلفه وتسقطه هو الآخر ...


    انطلقت ضحكات رشدي العنيفة على هادي لا يتحمل مظهره فهو فتح فمه وكان وشك التحدث ليجد دفعات عنيفة من المياة تصطدم في وجهه مسطقة إياه ارضا 


    انحنى رشدي على ركبتيه يضحك بعنف على هادي وهو يستمع لصوت سيارات الشرطة التي ملئت المكان ...وما كاد يتوقف عن الضحك حتى شعر بدفقات عنيفة من المياة تصطدم به بإصرار شديد ليسقط ارضا بعنف شديد ولم يستطع النهوض فكلما حاول النهوض اسقطته ماسة مجددا بكل حقد شديد متذكرة صراخه في وجهها وما فعله معها لتضربه بعنف بالماية متجاهلة نظرات الغضب التي وجهها لها ....


    ضحك كلا من زكريا وجمال الذي لم يتحمل الأمر وايضا هادي الذي كان ينهض بصعوبة بسبب المياة أسفله وأيضا بسبب ضحكاته على رشدي 


    " تبًا لبرودك يا رشـــدي "


    كانت ماسة تصرخ بتلك الكلمات وهي تضربه بالمياة وهو يصرخ بها أنه سيقتلها عندما تقع تحت يده ....


    " هوريــــــكِ يا مــــاسة بس اصبري عليا " 


    لتجيبه هي بكلماته التي سبق وحطم بها آمالها سابقا :


    " اذهب للجحيم " 


    أنهت كلماتها وهي توجه المياة لجميع الشباب متحدثة بكلمات لم تعبر حدود النافذة  :


    " ليذهب جميع الرجـــ.ال للجحيم " 


    سقط الجميع ارضا بسبب المياة ليعلو صوت جمال حانقا وهو يتوعد الفاعل.....


    فجأة وفي وسط كل ذلك توقفت المياة عن التدفق لتنظر ماسة بشر خلفها صارخة :


    " ايه اللي قفل الماية ؟؟؟" 


    تحدثت فاطمة والتي كانت لا ترضى ابدا عن تصرفها :


    " الماية قطعت يا قلبي .....منيرة هتتعصب اوي من فاتورة الماية اخر الشهر "


    نظرت ماسة للنافذة بشر وهي تهمس :


    " وزارة الريّ انقذتك من ايدي يا رشدي والا مكنتش خرجت من تحت الماية غير وانت بايش " 


    في الاسفل كان رشدي في أوج غضبه من تصرفات ماسة الصبيانية متوعدا لها برد قاطع لوضع حد لها فهي قد تمادت كثيرا فيما تفعله فهي ليست طفلة في النهاية لتقوم بمثل هذه التصرفات ...نظر حوله ليجد زكريا يجلس ارضا في وسط الوحل الذي نتج من تلاحم ذرات المياة بالأرض الرملية اسفلهم ...كان يجلس بلا اهتمام لأي شيء وجواره هادي الذي يتنفس بعنف شديد بعد هذه المعركة الطاحنة ......


    تسطح زكريا على الأرض دون الاهتمام لشيء وهو يتنفس بعنف شديد فقد نفس للتو الكثير من غضبه في ضرب هؤلاء الرجال يغمض عينه ومازال صدره يعلو ويهبط بعنف .....


    بينما الجميع ينظر له بعدم فهم لتصرفاته فهو يستلقي في بركة من الوحل الان، لكن زكريا كان ابعد ما يكون عن عالمهم الان بل كان هناك في عالمه هو ومعها هي فقط يفكر إلى متى ...إلى متى سيستمر هذا الوجع ؟؟؟؟


    _____________________


    نظرت ماسة حولها لتلك النظرات المستائة ....


    " فيه ايه منك ليها بتبصوا عليا كده ليه ؟؟؟" 


    نهضت فاطمة من فراشها وهي تتجه صوب ماسة صارخة بغضب شديد لتصرفاتها تلك :


    " أنتِ ايه يابنتي مش طبيعي اللي بتعمليه ده أنتِ مش بتحسي بنفسك وأنتِ بتعملي المصيبة ولا ايه انا مش فهماكِ " 


    تراجعت ماسة في الفراش سريعا وبخوف من صراخ فاطمة والتي فاجئتها بالأمر تماما لتردد بريبة من نظراتها :


    " بتزعقي ليه انا كنت بساعدهم " 


    أخرجت فاطمة صوتا ساخرا من حنجرتها وهي تنظر لشيماء مشيرة لماسة بمعنى " انظري لقد ظلمناها فهي كانت تساعدهم فقط " 


    ضحكت شيماء ضحكة صغيرة وهي تنظر لماسة بضيق :


    " وبالنسبة للدوش الاخير اللي نزل على دماغهم ده كان مساعدة ؟؟؟" 


    " لا انتقام " 


    وفي ثوانٍ دون أن تعي الأمر كانت فاطمة تنقض بغضب شديد على ماسة صارخة بها وهي تحاول خنقها :


    " وزكريا ماله بانتقامك  ؟؟؟ الواد بهدلتيه منك لله " 


    حاولت ماسة ابعاد يدها وهي ترى جنونها لتصرخ بحنق :


    " اه قولي كده بقى الموضوع كله انك خايفة على حبيب القلب مش مضايقة من تصرفاتي ...عموما يا روحي آخرها واحدة بنادول ويكون زي الفل " 


    _________________________________


    " لك شو يا رفيق ....لتكون مفهمها إني مرتك ؟؟ إذا كان هيك فأنا ماني ممانعة خصوصا إنك بتعرفني بحبك كتير " 


    أنهت حديثها وهي غير واعية للقنبلة التي القتها منذ قليل بين الجميع تاركة بثينة في حالة صدمة وغباء مفاجئ تحاول جاهدة أن تربط الأمور ببعضها وتعلم ما يجري حولها فهي أصبحت تائة حقا ....بينما كان فرانسو لا يرفع عينه من عليها يرتقب أي تعبير في وجهها ...


    " اوبس الظاهر إني خربتا ع الاخير مو هيك ؟؟؟ " 


    جز فرانسو على أسنانه بغضب شديد وهو ينظر لها صارخا بها أن تتوقف، لكن وقبل أن ينطق كلمة كان جسده كله يتيبس برعب تحت لمسات بثينة التي تحركت له دون أن يشعر وضمت نفسها له بحب كاد يظنه حقيقة وهي تنظر للفتاة هامسة ببسمة غير مهتمة ابدا :


    " لا يا قلبي متخافيش مفيش حاجة اتخربت ...ده بس فرانسو حبيبي كان بيختبر غيرتي عليه ..."


    انهت حديثها وهي ترفع عينها لفرانسو تربت على ذقنه بحنان :


    " بس هو عارف اني بحبه ومكانش لازم يعمل كده " 


    حسنا الان بدأ يخاف فعليا من هذا التهديد الذي سمعه للتو، ابتلع ريقه بخوف وهو ينظر أمامه لماريانا التي قلبت عينها بملل ثم عادت للتحدث باللكنة الفرنسية :


    " حسنا لننتهي من هذا الأمر المزعج ....لقد أخبرتك سابقا فرانسو شرطي الوحيد للتخلي عن ابني لك " 


    مسح فرانسو وجهه وهو يرمقها بغيظ :


    " وانا أخبرتك سابقا ماريانا أنني سآخذه منكِ ودون أن انفذ شرطك الغبي" 


    ابتسمت ماريانا بألم وهي تنظر لتلك التي تتعلق بذراعه متحدثة بنبرة متألمة :


    " لأجل تلك الفتاة أليس كذلك ؟؟؟ هذه هي الفتاة التي رفضت زواجك مني سابقا لأجلها وهي نفسها التي كنت تحدث محمد عنها صحيح ؟؟؟" 


    اشتدت قبضة فرانسو حول بثينة دون أن يشعر وهو يردد بصوت مرعب :


    " هذه ...تكون زوجتي ماريانا ونعم هذه هي التي رفضت زواجك لأجلها وماذا فعلتي أنتِ ؟؟؟ ذهبتي وتزوجتي بصديقي بكل وقاحة " 


    ابتسمت ماريانا بصعوبة و قد سقطت دموعها على حديثه ..حسنا ليست هذه المرة الأولى التي تسمع بها كلماته، ولكنها هذه المرة أدركت جديا أن لا فرصة أمامها معه فهو تزوج وانتهى الأمر ...سقطت دموعها أكثر بسبب ما ترى وهذا الحب الذي يسكن عيون فرانسو ....وفجأة حدث مشهد لم يتوقعه أو يتخيله فرانسو و لو حتى في أكثر أحلامه جنونا ...بثينة اقتربت من ماريانا وجذبتها لاحضانها مربتة على ظهرها بحنان شديد لتنفجر ماريانا دون شعور في أحضانها تبكي ما اضاعته في حياتها بغبائها تبكي بشدة ايام اضاعتها رفقة زوجها الراحل لأجل حب واهي ...لكم نظلم انفسنا بسبب حب غبي !!!


    لم تفهم بثينة معظم حديثهما لكنها استطاعت فهم بعض الكلمات التي تتذكرها جيدا من فترة دراستها وخمنت أن تلك الفتاة أحبت زوجها وعكس ما توقعت هي أن تفعل يوما بمن أحبت زوجها كانت تتجه صوبها وتضمها بحنان في عناق احتاجت هي له سابقا ولم تجده....احتاجت أن يضمها أحدهم في بكائها هكذا ولم تجد ...مع كل خسارة اشعرتها بأنها غير مرغوبة كانت تحتاج أن يضمها أحدهم مخبرا إياها أنها مرغوبة وأن هناك من يحبها هذا فقط ما كانت تحتاجه وكانت تقاتل لأجله، لكن لا أحد فعل ذلك بل كانت هي من تلعق جروحها بنفسها بعيدا عن الجميع حتى تخرج لهم بمظهر القوية ...


    ودون شعور كانت تبكي في أحضان ماريانا وهي تهمس لها بحنان :


    " فيه ناس كتير بيحبوكِ ...ناس كتير عايزاكِ ...أنتِ مش لوحدك " 


    وكأنها كانت تقول هذه الكلمات لبثينة الصغيرة التي كُسرت في طفولتها مع اول خسارة لها تطمئنها أن هناك من يهتم بأمرها في هذا العالم ...


    صدم فرانسو بما يحدث امامه وازدادت صدمته وهو يستمع لحديث زوجته ليتأكد أن بثينة تعاني من مشاكل نفسية عويصة مشاكل في الثقة في الاخرين مشاكل في خوفها من فكرة أن لا أحد يرغب بها ...


    بكت ماريانا وهي تتعجب حالتها تلك ثم همست لبثينة بحزن شديد بلهجة مصرية تعلمتها من رفقتها لفرانسو من سنين طويلة :


    " ما بقاش ليا حد هنا ...كلهم سابوني ومشيوا  " 


    همسات لها بثينة بحنان مقدرة حالتها جيدا. ..ومن يتفهمها أكثر منها :


    " باقيلك الطفل ...باقيلك ابنك اتمسكي بيه لان هو اللي هيكون رفيقك في الدنيا و سندك بعدين " 


    صدم فرانسو من حديثها ذلك ليجدها تبتعد عن ماريانا وهي تمسح دموعها مرددة وهي تنظر له برجاء لأول مرة توجهه له :


    " هو ينفع نسيب الطفل مع أمه يا فرانسو ؟؟؟ بلاش تحرمها من اخر حاجة ممكن تحسسها إن فيه حد معتمد عليها في حياته أو تحرمها من اخر حد ممكن يحبها في الدنيا ارجوك " 


    سقطت دموع ماريانا وهي تتحدث بما لم تتوقع يوما أن تتحدثه :


    " ابوس ايدك يا فرانسو وافق وسيبلي الطفل المحكمة لو شافت ظروفي وقارنتها بظروفك اكيد هتديك انت الحضانة ارجوك ده اخر شخص باقي ليا  ...." 


    توقف فرانسو ينظر للفتاتين بعدم فهم ..لا يعلم ماذا يقول ولكنه نظر للمحامي الذي لم يتحدث منذ بداية تلك الجلسة الغريبة :


    " موافق اسيبلك الطفل بس بشرط ...." 


    ____________________________________


    توقفت الفتيات عن الحديث بسبب سماعهن لصوت في الخارج عالي قليلا ...نظر الجميع في الغرفة لبعضهم البعض وفي ثوانٍ كانوا يركضون للخارج ينظرون من فتحة الباب الصغيرة على ما يحدث في الممر الذي يفصل بين شقة فاطمة والخاصة بهادي....


    في الخارج كان الجميع يقف بثيابه المتسخة وبشدة أمام باب هادي بعدما أدرك الاخير أنه نسي أخذ مفتاحه صباحا قبل خروجه والان الجميع يقف بعدما أدركوا أن والدته أيضا ليست بالداخل ...


    أشار جمال لنفسه بضيق شديد :


    " انا كده هاخد برد وكمان الطينة بهدلت جسمي كله خلصوني " 


    نظر له زكريا بحنق ثم أشار له هو ورفاقه بحنق أشد منه :


    " والله كلنا كده يا استاذ عشان قولتلكم تعالوا عندي "


    زفر رشدي بضيق شديد وهو ينظر لهادي :


    " طب هي امك مش بتحطه تحط المشاية أو في سلة الزبالة او اي حتة  ؟؟؟" 


    نظر هادي له بتفكير ثم قال بعد صمت قصير :


    " لا بس تقريبا بتحطه عند الست منيرة مرة عملتها وسابته هناك " 


    أنهى حديثه وهو يتحرك صوب الباب لتبتعد الفتيات بفزع عنه وكأنه سيراهم ثوانٍ وصدحت خبطات هادي على الباب ...كادت فاطمة تجيب إلا أن ماسة منعتها من ذلك فهي إن أجابت ستفتح لهم الباب وهي وقتها لن تضمن ردة فعل رشدي....


    نظرت فاطمة لماسة بغيظ شديد أن تتركها فــ بالفعل والدة هادي تركت المفتاح عندهم وهي لا تدع لها فرصة لتقول ذلك....


    " نفسك لو طلع هنفخك " 


    تحدث رشدي في الخارج بضيق شديد وهو يعلم افعال ماسة :


    " مش هيفتحوا خلينا نروح عند زكريا وخلاص " 


    أنهى حديثه وهو يتحرك صوب الدرج الذي يجاور باب فاطمة والذي عادت ماسة للالتصاق به مجددا لترى حركة رشدي التي قام بها قبل أن يهبط الدرج حيث مرر يده بالقرب من رقبته على هيئة سكين وكأنه يشير لها بأنه سيقتلها متوعدا لها يعلم أنها تراه . 


    تحرك الجميع خلف رشدي الذي كان يغلي من الغضب بسبب تصرفات ماسة متوعدا لها بالجحيم على يده ....


    تحرك الأربعة بهيئتهم التي تشبه هيئة بعض الصبية بعد انتهائهم من اللعب في الطمي ....


    " بس إنت لبسك هيطلع صغير عليا يا زكريا " 


    نظر زكريا لهادي وهو يصعد الدرج بحنق شديد 


    " عشان خمسة سنتي فرق ؟؟؟ مش مشكلة البس البنطلون أقصر شوية مش هيحصل حاجة ...الدور والباقي على جمال باشا " 


    نظر جمال لنفسه فهو يعد أكثرهم طول هنا لكنه حقا لا يهتم بالأمر كل ما يهمه هو أن يزيل كل تلك الأوساخ عنه وفقط .....


    بعد انتظار ثوانٍ فُتح الباب ليطل منه وجه وداد التي فتحت عينها بصدمة مما ترى لكنها على عكس المتوقع لم تعلق ابدا بل تنحت جانبا بكل هدوء سامحة لهم بالمرور ليهمس جمال بإعجاب :


    " ماشاء الله الست الوالدة شكلها متفهمة جدا ...دي مقالتش كلمة واحدة" 


    ابتلع زكريا ريقه بريبة من تلك المقابلة وهو يهمس :


    " ادعي بس ميكونش اللي في بالي صح لان لو كان صح وقتها هتشوف تفهم الست الوالدة اللي على حق " 


    دخل الأربعة للصالة يحاولون فهم كلمات زكريا الذي اتسعت ابتسامته وهو  يرى والده يجلس على الأريكة في البهو يرتدي جلبابه القصير المعتاد يفرد ذراعيه على الأريكة وكأنه يرتدي افخم البذلات وهو ينظر لهم ببسمة ملوحا بيده :


    " اهلا يا شباب ...الماية جميلة جوا، ادخلوا خدوا شاور وتعالوا يلا " 


    ضحك زكريا وهو يمسح وجهه بعدم تصديق وكأن والديه يختاران الوقت المناسب كل مرة للشجار .....أشار زكريا لوضع والده المريب والذي جعل الجميع يفتح فمه بصدمة كبيرة :


    " وهذه اعزائي نبذة صغيرة فقط عن تفاهم والدتي والآن الحقوا بي لتروا إلى أي مدى قد يصل تفهمها  " 


    ثم نظر لهادي وهو يتحدث بسخرية : 


    " مكانش عاجبك أن اللبس يبقى اقصر ٥ سنتي ؟؟؟ ده انت هتلبس دلوقتي لبس كله على بعضه ٥ سنتي عشان تبقى تتبتر على النعمة " 


    ___________________________


    " بت أنتِ بطلي بصاتك دي عشان مبقتش بطيقها...."


    ابتسمت فاطمة بغيظ وهي تمسح وجهها بضيق :


    " يعني أنتِ مشوفتيش كانوا عاملين ازاي ؟؟؟ كده هياخدوا برد ...بس ازاي لازم الأستاذة تنفذ اللي في بالها " 


    " ريحي نفسك يا فاطمة عشان هي مش هتحس ولو بسنتي ذنب  " 


    كان هذا حديث شيماء الحانق والتي لم تكن سعيدة أيضا بما فعلته ماسة، لكن وكأن ماسة لا تهتم للأمر فقد كانت تتسطح على الفراش بعدم، ليعم صمت طويل بعض الشيء في المكان قطعه صرخة ماسة فجأة وهي تهتف ببسمة مخيفة :


    " ايه رأيكم نلعب لعبة الثقة ؟؟" 


    " لعبة ايه يا ختي ؟؟ ثقة ؟؟؟ ومعاكِ أنتِ ؟؟؟ده الواحد يعد صوابعه بعد ما يسلم عليكِ " 


    تجاهلت ماسة حديث شيماء وهي تبدأ في شرح لعبتها التي ابتكرتها الآن :


    " لا هتكون بينا وبين الشباب "


    اعتدلت فاطمة أكثر في جلستها وهي تنتبه لحديث ماسة التي استمرت في وصف لعبتها الغبية :


    " دلوقتي كلنا ما شاء الله بقينا مرتبطات صح ؟؟" 


    هزت الفتاتان الرأس بإيجاب لتكمل ماسة بخبث :


    " فلة اوي كل واحدة هتتصل بجوزها وتقوله أنها مش عايزة تكمل في الجواز ده ونشوف ردة فعل كل واحد فيهم هنتسلى اوي " 


    وافرضي صدقوا ؟؟؟" 


    نظرت ماسة بحنق لفاطمة وهي تتحدث بريبة لتجيبها بسخافة 


    " مين بيتكلم جولييت ؟؟؟ اكيد روميو مش هيسيبك يا روحي اللي المفروض تخاف هنا هي انا لان تقريبا رشدي تكة مني ومش بعيد يصدق ويرمي يمين الطلاق عليا ...ها معايا ؟؟؟" 


    ورغم جنون الفكرة إلا أن شيماء تحمست وبشدة للامر لذا وافقت سريعا متلهفة لسماع رد هادي عليها، لكن فاطمة كانت عكسها غير متحمسة للأمر فهي أخبرت زكريا بهذا الأمر بالفعل منذ ساعات وكان رده واضحا وقتها لكن إصرار ماسة عليها جعلها ترضخ للامر وهي تردد بشك :


    " بس هما الباقيين مش ممكن يسمعوا لو واحدة كلمت جوزها ؟؟" 


    ابتسمت ماسة بخبث وهو تهتف :


    " ودي برضو حلها عندي " 


    ___________________________


    تنحنح وهو يعتدل في جلسته على مقعده وكأنه يجلس على جمر يرى جميع الانظار توجه إليه بشكل مرعب وكأنهم على وشك حرقه حيا ....


    اجلى زكريا حلقه وهو يتحدث بخجل مما فعلته والدته بهم :


    " لا بس الجلاليب دي شكلها جميل عليكم والله ..مش كده يا لؤي ؟؟" 


    رفع لؤي عينه ينظر للشباب وقد ارتدوا جلابيب قصيرة بعد أن جردتهم وداد من ثيابهم المتسخة تاركة اياهم ليعطيهم لؤي بعضا من العباءات القصيرة التي اعتاد هو وزكريا ارتداءها ...


    " اخر شياكة والله خصوصا الوجه الجديد " 


    أنهى لؤي حديثه وهو يشير بعينه لذلك الذي يتوسط أحد المقاعد وعينه تطلق شرارا على زكريا ..ابتسم زكريا بغباء وهو يبتلع ريقه بخجل شديد :


    " منورنا يا جمال باشا والله " 


    ابتسم جمال وهو ينظر لنفسه وتلك العباءة القصيرة الغبية يتذكر ما اوصلهم لهذه اللحظة :


    " منورة بيكم يا خويا ....منورة بيكم يا ضنايا " 


    ابتسم زكريا وهو ينظر لهادي و رشدي حيث كان الاثنان يرمقونه بحنق شديد ليردد هادي بغيظ شديد :


    " والله امك دي ست مفترية....وانا اللي فكرتها طيبة " 


    لوى زكريا شفتيه بغيظ وهو يردد :


    " هادي لو سمحت انت عارف ان امي ست مفيش في طيبة قلبها ...هو بس لؤي اللي بيعصبها وبيخرج اسوء ما فيها و....." 


    توقف زكريا عن الحديث وهو يرى والدته تخرج من غرفتها وهي تحمل ورقة كبيرة مكتوب عليها بحروف عملاقة :


    " اطلع إنت وصحابك برة البيت عشان هنفض "


    خرجت ضحكة ساخرة من فم رشدي وهو ينظر لهيئته يتخيل نفسيه وهو يخرج بهذا الشكل في الشارع ليتحدث زكريا بصوت عالي وحنق :


    " ايه يا ست أنتِ ده ؟؟؟؟ ده أنتِ مفترية والله ......" 


    احمرت عين وداد بغضب وهي تلقي الورقة التي تحملها ارضا ثم دخلت للغرفة وعادت وهي تحمل ورقة أخرى خطت عليها 


    " انا مفتريه يا عديم الربايه " 


    نظر زكريا للورقة بجدية وهو يهتف بحنق وقد نسيّ وضعه وما كان يتناقش به منذ ثوانٍ :


    " اولا يا امي بعتذر على كلمة مفترية انا بهزر وأنتِ عارفة...بس معلش بعد كدة ابقى اكتبي مفترية بالتاء المربوطة وليست الهاء ...وكمان الرباية نفس الأمر بالتاء وليست الهاء ...وفي الاخر حطي علامة استفهام بما انك بتسألي " 


    وضع هادي يده على ذقنه مفكرا :


    " و دي نديها كام في الاملاء يا استاذ زكريا ؟؟؟" 


    تحدث زكريا بجدية كبيرة :


    " سبعة من عشرة ومش اكتر من كده ده إذا تغاضينا عن الخط و ..." 


    قاطع حديثه صراخ هادي الذي نفذ صبره من صديقه هذا :


    " انت ياض دماغك دي فيها ايه ؟؟؟ "


    " عقل " 


    كانت إجابة بسيطة من زكريا أثارت غضب هادي أكثر لينقض عليه هادي يخنقه بغضب شديد :


    " يا غبي يا غبي هنشل يا رب هنشل ...امك عايزة تطردنا بجلابيات فوق الركبة برة البيت وإنت واقف تصحح في الخطأ يا متخلف يا غبي يا يا " 


    توقف هادي لا يجد وصف لما يحدث ليبعده رشدي عن زكريا الذي تحدث بحنق :


    " وايه يعني ما انا ياما خرجت بيها " 


    " وانا يعني ينفع أخرج بيها ؟؟؟" 


    التفت زكريا لجمال الذي كان يظهر على ملامحه عدم تصديق لما يحدث حوله لا يعلم كيف طاوعهم من البداية وارتدى هذا الشيء ..


    فكر زكريا قليلا قبل أن يبتسم فجأة وهو يقول لهم :


    " لقيتها ...." 


    _______________


    تحرك الأربعة بخفة خلف بعضهم البعض وهم يغطون الجزء الأسفل منهم بالجرائد متحركين صوب منزل رشدي وكلا منهم يغطي على الذي خلفه حسب الطول فكان جمال يتقدمهم وخلفه هادي ثم رشدي واخيرا زكريا الذي كان أقلهم طولا بفارق القليل فقط من السنتيمترات عنهم ....


    كان جمال يتحرك وهو لا يستوعب ما يفعله الان بحق الله هو في أكثر خيالاته جموحا لم يتوقع أن يمر بشيء كهذا كان فقط يراه في الأفلام الكوميدية وكان وقته يراه سخيفا ....


    كان الأربعة ينظرون حولهم جيدا حتى لا يجذبون الأنظار، لكن في منتصف الطريق وصل لهم صوت عالي ينادي على جمال ويبدو أنه أحد الرجال الذين جاءوا ضمن دورية الشرطة التي طلبها هو :


    " جمال باشا ...يا جمال باشا " 


    فتح جمال عينه بصدمة ليرفع الجريدة ودون وعي يغطي بها وجهه ناسيا أن جزءه السفلي من قبل الركبة بقليل عاري تماما الا من شراب اسود قصير وحذائه .


    رأى هادي ما حدث لتصدح ضحكاته في المكان وهو يرى تخبط جمال بين أن يغطي قدمه ويغطي وجهه...ليفاجئه جمال وهو يجذب الجريدة التي يحملها ثم بعدها ترك الصف الذي صنعوه وركض بسرعة لمنزل رشدي والذي كانوا على قرب منه تاركا النصف الاسفل لهادي عاري لكنه لم يهتم بل كان مستمر في الضحك ...ركض الجميع تتبعهم ضحكات هادي العالية التي كادت تزهق أنفاسه تحت أنظار العسكري المتعجب والذي كان يتساءل إن كان هذا جمال أم أنه أخطأ ؟؟؟؟


    صعد الاربع على الدرج بسرعة وهم يتنفسون بعنف حتى وصلوا الطابق الخاص بمنزل رشدي وبعدها سقطوا جميعا ارضا وهو يتنفسون بعنف بينما هادي كان يمسك معدته وهو يضحك بصخب من بين أنفاسه اللاهثة ليضربه جمال بحنق شديد مغتاظا من ضحكاته ...


    بالنظر لمظهر هادي وضحكاته ومظهرهم انفجر كلا من رشدي وزكريا في الضحك ليصرخ رشدي من بين ضحكاته :


    " الحمدلله يارب مطلبتش القسم بتاعي الحمدلله " 


    نظر لهم جمال بحنق شديد يراقب ضحكاتهم تلك حتى ضحك دون وعي يشاركهم ذلك لا يصدق ما مر به منذ ثوانٍ لينفجر في الضحك أكثر وهو يتذكر مظهرهم ......


    _________________________


    عاد للمنزل وفتح الباب يتنحي جانبا ليسمح لها بالمرور ...دخلت بثينة للمنزل وهي لا تزال لا تستوعب الأمر لتهتف سريعا :


    " يعني احنا هنقضي شهر هنا ؟؟؟" 


    هز فرانسو رأسه وهو يلقي المفاتيح على الطاولة ثم ألقى جسده بعدها على الأريكة :


    " ايوة ده شرطي عشان اتأكد أنها بتعامل ابنها كويس وأنها بدأت ترجع عن طريقها وكمان عشان اطمن على المشروع اللي هعمله ليها "


    تنفست بثنية لحظة وهي لا تتخيل استمرار الأمر أكثر فهي كانت تظن أن الأمر سيستغرق ايام ثم تعود بابنه الذي اتضح أنه ابن رفيقه السوري والذي مات قبل أن ينعم باحضانه ليصمم هو على أخذه من والدته الفاسدة ويربيه بنفسه واستعمل تلك الحجة الغبية ليقنعها بسرعة الزواج .

    تحركت صوب الغرفة دون كلمة إضافية تاركة إياه ينظر في اعقابها يفكر كيف يبدأ معها العلاج ليوقفها فجأة وهو ينهض :


    " بثينة ...." 


    توقفت فجأة وهي تنظر له بترقب ليبتسم لها بسمة جميلة حنونة لا تشبه ابدا تلك التي كان يمطرها بها قبل الزواج :


    " ايه رأيك نعمل سوا باستا أو بيتزا ؟؟ انا جعان اوي " 


    مظهره وهو يطلب منها أن تصنع معه بعض الطعام جعلها تتخيله كما لو أنه طفل بملامحه الجميلة تلك وما كادت تفتح فمها للحديث حتى وجدته يجذبها بسرعة المطبخ وهو يصرخ بسعادة كبيرة :


    " تعالي هعلمك سر الباستا بتاعتي ....."


    _______________________


    كان الأربعة يجلسون واخيرا على فراش رشدي بعد أن بدلوا ثيابهم بثياب أخرى من عند رشدي وجلسوا وهم يتحدثون عن سبب مجئ جمال والذي بادر بالحديث :


    " جمال هيوصل مصر بكرة "


    نظر له الجميع بلهفة فخطته نجحت وبشكل أسرع فهو حرص على أخذ هاتف أخيه واغلقه وهذا ليس من عادته ابدا ليقلق جمال( رفيق مصطفى )  وبشدة على مصطفى، ثم اتصل عليه هو يسأله عن مصطفى ليخبره جمال كذبا ان مصطفى تعرض لحادثة خطيرة ليسارع جمال ( رفيق مصطفى ) باخباره أنه سيأتي على اول طائرة لمصر ...


    ابتسم زكريا براحة شديدة وهو يرى تلك اللحظة قد اقتربت واخيرا اللحظة التي سيأثر فيها لزوجته وحبيبته....


    وعلى ذكر حبيبته خرج زكريا والجميع من شرودهم على صوت رنين هاتف زكريا وهو يصدح في المكان ....

    رفع زكريا هاتفه لترتسم ابتسامة كبيرة وهو يرى اسمها ينير شاشته لذا تحرك بعيدا عنهم قليلا وهو يستأذن للإجابة على زوجته ...


    "السلام عليكم " 


    ابتلعت فاطمة ريقها وهي تنظر حولها لماسة وشيماء حيث كانت تفتح المكبر ليصل صوته للجميع :


    " عليكم السلام..... زكريا معلش ممكن تبعد لو فيه حد جنبك عشان عايزاك في حاجة ضروري " 


    ارتاب زكريا من الأمر ومن صوتها والذي ظهره له قلق :


    " انا بعيد اساسا ...فيه ايه يا فاطمة قلقتيني ؟؟؟ صوتك ماله " 


    نظرت فاطمة لماسة لا ترغب في تنفيذ هذه اللعبة الغبية، لكن ماسة زجرتها بغضب فهي وقع عليها الاختيار لتكون اول واحدة ... لتتحدث فاطمة بسرعة وقبل أن تخونها شجاعتها :


    " زكريا احنا لازم ننفصل.............." 


    دمتم سالمين  ♥️


    تكملة الرواية من هناااااااا 

    لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

    بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

    متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

    الرواية كامله  من هناااااااااا

    مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

    مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا




    تعليقات