رواية فراشة في سك العقرب الجزء الثاني (حب أعمى)الفصل الرابع 4 بقلم ناهد خالد حصريه
رواية فراشة في سك العقرب الجزء الثاني (حب أعمى)الفصل الرابع 4 بقلم ناهد خالد حصريه
الفصل الرابع من الجزء الثاني...
فراشه في سكّ العقرب...
حب أعمى.. ناهد خالد..
" ما أصعب أن تحضنك عيني دون أن يفعل جسدي، وأن يحبك قلبي دون أن ينطق لساني ،
أن يركض إليك عقلي راغبًا في البوح بالكثير وأنا في الحقيقة ما زلت ثابتًا في مكاني..
فلا الظروف تسمح ولا الوقت يناسب"
بعد ثلاث ساعات كانت قد استيقظت "فيروز" من نومها على صوت دقات فوق باب غرفتها، فنهضت تفرك عينيها بكسل سائلة عن هوية الطارق، لتعرف أنها" مستكه" فأذنت لها بالدخول، دلفت الأخرى وهي تقول:
_ أنا قلت اشوفك قبل ما أخلص وأروح..
سألت" فيروز "وهي تجلس فوق الفراش:
_ أنتِ الشفت بتاعك خلص؟
أومأت برأسها مجيبة:
_ ايوه فاضل نص ساعة وهمشي.
ثم نظرت إليها بفضول واضح وهي تسألها بأعين ضيقه:
_ هو أنتِ ايه اللي حصلك؟ ايه اللي خلاكِ صرختِ فجأه ووقعتِ كده؟
توترت نظرات "فيروز" وهي تبعدها عنها وتقول مبرره:
_ ما حصلش حاجه، أنا بس حسيت بضغط مع الصريخ الكتير و لما الزفته دي هجمت عليا فجأه فزعتني، وبيني وبينك بقى أنا اصلاً كنت بهرب من الحوار ده كله.
و "فيروز" لا تبين نِقاط ضعفها لأحد، فمستكة اليوم حليفتها ولكن في الغد لربما تصبح عدوتها، وعليهِ فلن تعطيها سلاحًا تستغله ضدها فيما بعد، وهذا ما علمه لها العمل في الشارع وسط مختلف البشر، ووسط أشخاص إن رأوك مهزوزًا سيقضون عليك بلا رحمة.
سألتها "مستكه" بتعجب:
_ بتهربي إزاي يعني؟
اجابت "فيروز" بثبات مصطنع:
_ يعني... حسيت إن الموضوع كده هيقلب عليا خصوصًا مع رجوع شاهين فجأه رغم إن ده مش ميعاد رجوعه خالص، وكمان لما جه شاف إن أنا اللي بضربها، ولما حب يسأل راح يسأل الحيزبونه اللي اسمها صفاء اللي هي أصلاً من حلفاء الصفرا التانيه، حسيت ان الدنيا هتعك على راسي فقلت اهرب من الموضوع بأي حاجه.
اتسعت أعين "مستكه" بصدمه وهي تسألها:
_ يعني أنتِ كنتِ بتمثلي؟
"لا حرج من بعض الكذب" هذا ما رددته "فيروز" في عقلها وهي تستكمل كذبتها على مستكه:
_ اه اومال يعني هكون وقعت ليه هو كان حد لمسني أصلاً!
حركت "مستكه" رأسها مقتنعه بحديثها وقالت:
_ وأنا برده قلت كده، استغربت قوي يعني ما حدش جه ناحيتك.
تمادت "فيروز" في كذبتها وهي تقول:
_ أنا بس حسيت إني في ضغط والدنيا قربت تتقلب عليا، فجه في دماغي الحوار ده فعملت نفسي اغمى عليا والحمد لله الموضوع عدى على خير.
سألتها "مستكه" مستنكرة:
_ وأنتِ تفتكري أن شاهين بيه مش هيفتح الموضوع تاني!
رفعت منكبيها جاهلة وهي تقول:
_ ما اعرفش بصراحه إذا كان هيفتحه ولا لأ، بس يعني حتى لو فتحوا أنا دلوقتي هديت وهقدر أفكر وأرد عليه كويس في أي حاجه هيوجهها ليا.
عقبت "مستكه" قائلة:
_ بس أنتِ لو عاوزه رأيي فأنتِ زودتيها قوي مع شدوى، بصراحه اللي في وضعك أصلاً ما ينفعش أنه يكسب عداوة حد، يا بنتي ده أنتِ المفروض كل اللي في البيت ده تاخديه تحت جناحاتك وتضميه لصفك، أنتِ أكيد مش ناقصه ناس تقلب عليكِ ويبدأوا يخططولك عشان يوقعوكِ في مشاكل، لأ ويركزوا معاكي وساعتها ممكن يكتشفوا اللي شاهين نفسه ما اكتشفوش، وهتبقى وقعتك سودا..
توترت "فيروز" وهي تنظر لها قائلة بضيق:
_ الله! أنتِ هتقلقيني ليه بقى.
ربطت "مسكته" بكفها على فخذ الأخرى وهي تجيبها:
_ أنا مش بقلقك.. أنا بقولك الصح، شدوى لو حطيتك في دماغها وبدأت تنبش وراكي أنتِ عندك كتير قوي اللي يوقعك، فأنا من رأيي تحاولي تتجنبيها على قد ما تقدري، وحتى لو عملت معاكي حاجه غلط اعملي نفسك مش سامعه، خلي الشغلانه السودا دي تعدي على خير.
حركت رأسها بمعنى أنها توافق على حديثها:
_ هحاول و ربنا يستر.
نهضت "مستكه" وهي تقول:
_ طيب همشي أنا بقى أروح ولما اجيلك بكره الصبح ابقي احكيلي لو في حاجه حصلت لما شاهين بيه يرجع.
ضحكت "فيروز" تسألها:
_ أنتِ ليه بتقولي بيه وهو مش موجود ومحدش سامعك!
ضحكت "مستكه" هي الأخرى وجعدت ملامحها بخوف مصطنع:
_ والله يا ختي ماعرف، الراجل ده له هيبة كده حتى لو مش موجود، اول ما اسمه بييجي قدام الواحد جتتي بتتلبش واحس إني عامله مصيبة والاقي نفسي بتكلم عليه بكل احترام، وبعدين عشان بردو لساني ميتعودش اقول اسمه من غير بيه واجي اغلط قدام ام اربعة وأربعين.. قصدي صفاء الحيزبونه زي ما قولتي من شوية.
ضحكت "فيروز" بشدة على طريقتها وحديثها، لتهز "مستكة" رأسها ضاحكة بقلة حيلة وتحركت خارجه من الغرفة تاركة "فيروز" تفكر جديًا في حديثها وفي كونها لابد وأن تتجنب "شدوى" قدر المستطاع كي لا تجلب لنفسها متاعب أخرى فلديها ما يكفي ويفيض!
******************
وفي تمام الثانية عشر منتصف الليل....
كانت سيارة "شاهين" تقف أمام فيلا "نصر العقاد" الأسم الذي ذاع صيته في مجال عملهم وأصبح من أهم وأكبر الأسماء التي يهابها الكثير ويضع لها ألف تقدير وحساب.
دلف "شاهين" لداخل الفيلا بعدما استقبله الخادم واجلسه في غرفة مكتب "نصر"، فجلس ينتظر قدومه حتى سمع صوت الباب يُفتح وبعدها يدلف هو، وهو يقول:
_ أهلاً يا شاهين نورت.
نهض "شاهين" ليقف قباله ويمد كفه يتصافحا بينما يقول بهدوءه المعتاد:
_ ده نورك يا نصر باشا.
كان ينظر إليه الآن وحديث "رأفت" يرن بأذنيهِ عن كونه قد حرم عليهِ وعلى ابنه مشاعر يهفو كليهما إليها، ورغم عنِاده مع "رأفت" وإخباره أنه بالعكس لا ينقصه شيء وولده كذلك، فهو الآن ينظر له بأعين تخفي الكثير من الشوق والحب، والرغبه في جذبه لأحضانه وبعدها يحدث ما يحدث فلا يهم، المهم أن يهدأ قلبه الذي يهفو إلى وليده وتهدأ ثورة مشاعره التي تحثه على الاقتراب دون حدود، لكنه تمالك نفسه وهو يقول
بعتاب ليس معتادًا بين رئيس العمل والمرؤوس:
_ ما جيتش يعني تزورني من وقت آخر مشكلة حصلت في المينا، وكأن زيارتك ليا ما بتكونش غير لمصلحة أو لو في كارثه حصلت في الشغل.
سحب "شاهين" كفه في هدوء وهو يقول مجيبًا:
_ لأ الحكاية مش كده، بس المره اللي فاتت لما جيت كان عشان انبهك إن في حد من رجالتنا خاين وبلغ الناس في المينا عن الشحنة، من بعدها وكان في كذا شحنة داخلين وأكيد سعادتك عارف بتاخد قد ايه ترتيبات ومجهود عشان تدخل وتوصل لمخازنا بسلام وتتوزع كمان، كل الحكايه إن الشغل كان كتير لكن أكيد حابب أزور سعادتك من غير ما يكون في مشاكل في الشغل.
استعاد "نصر" نفسه بصعوبة وهو يشير له للجلوس وجلس على الكرسي المقابل له تاركًا كرسي مكتبه فارغ، وهذا لا يحدث سوى مع "شاهين"، ابتسم له وهو يقول بإعجاب بشخصيته:
_ دبلوماسي أنتَ يا شاهين وده بيعجبني فيك، قلي بقى تشرب ايه الأول؟
وقبل أن يجيب "شاهين" كان "نصر" يرفع كفه وهو يقول مازحًا:
_ اتمنى تغير القهوة المظبوطة بتاعت كل مره.
مازحه "شاهين" في هدوء وهو يقول:
_ خلاص نخليها ساده.
ضحك "نصر" هازًا رأسه بيأس، قبل أن يقترح بلهفه وأمل في أن يوافق شاهين:
_ طب ايه رأيك اخليهم يحضروا العشاء على ما نخلص كلام؟
تحكم "شاهين" في مشاعر استغرابه وتعجبه من أفعال نصر معه، وسؤال واحد يتردد في ذهنه، هل الرجل الجالس أمامه بكل هذا التواضع والأريحية في التعامل؟ فتعامله بعيدًا تمامًا عن تعامل أي شخص في عملهم، ما بالك وهو صاحب العمل نفسه!
لكنه تجاوز استغرابه وهو يضع كفه على صدره في حركة شكر وقال:
_ تسلم يا باشا والله، بس أنا ما بتعشاش.
انعقد جبين "نصر" بإحباط وحاول معه مرة أخرى مبتسمًا:
_ طب يعني حتى مش هتكسر القاعده دي عشاني!
وجملته ازادت شاهين استغرابًا تجاوزه كسابقه،
وابتسم بدبلوماسيته واجاب:
_ معلش مش هقدر.. ممكن نخليها غدا المره الجايه إن شاء الله.
تنهد "نصر" باستسلام وهو يتخطى الموضوع كي لا يلفت نظر "شاهين" لشيء وقال:
_ طيب براحتك.. هطلبلك القهوه بتاعتك.
وبعد أن طلب قهوته المعتادة، نظر له وهو يسأله:
_ قولي لسه أخوك بينخور وراك ؟
حرك رأسه بلا مبالاة وهو يقول:
_ خليه يتسلى، هو كده كده مش هيوصل لحاجه.
ابتسم "نصر" في مكر وهو يسأله:
_ طب وحكاية البت اللي عندك في البيت هنعتبرها تسلية بردو؟
لم يتفاجئ "شاهين" ابدًا بالعكس رفع حاجبه الأيسر وهو يجيبه في ثقة:
_كنت متأكد إنك هيكون عندك خبر بيها، عمومًا اطمن ما تشغلش بالك، أنا ومازن بنلاعب بعض هو واخد الموضوع جد وانا اديني بتسلى، حاكم أنا بحب الألعاب دي قوي ... بتضيع وقتي وفي نفس الوقت بتحسسني بمتعه، متعة الانتصار بعد كل جولة...
ربط "نصر" على ركبته بكفه بقوة وهو يقول:
_ وأنا واثق فيك، عشان كده لحد دلوقتي أنا ما ادخلتش بأي طريقة مع أخوك، أنتَ عارف كويس إني لو ادخلت مش هيبقى في لعب بعدها، أنا مقبلش إن يبقى في شخص مهدد حياة راجل من رجالتي.
وجملته الأخيرة كانت تبريرًا لحدته التي لم يقصدها وتبديدًا لأي شكوك قد تُثار بداخل شاهين..
تجمدت ملامح "شاهين" لوهلة قبل أن يعقب:
_ مفيش داعي لتدخل سعادتك، الوضع تحت السيطرة.
هز رأسه مقتنعًا بحديثه وقال:
_ وأنا متأكد من ده، ده أنتَ العقرب.. بس بقلق لحبك لأخوك يخليك تسيبه يضيعك.
أُظلمت نظرات "شاهين" لتظهر عيناه الآن مقتبسة من أعين صاحب اسمه، فباتت تشبه أعين الصقر تمامًا الذي رأي عدو يقترب منه في استعداد لأذيته:
_ أنا بحبه اه، لكن مهما كان حبي له فأنا أكيد بحب نفسي أكتر ومش هسمحله يوقعني، بالمناسبة بما إن سعادتك مسبقش ليك التقابل معاه وجه لوجه، فأيه رأيك لو تشرفنا وتحضر حفلة عاملها بكره في فندق ****.
سأله مستغربًا:
_ بمناسبة ايه؟
_ الحفل السنوي لشركة العقرب، وغالبا كل رجال الأعمال هيكونوا موجودين.
هز رأسه مرتان ثم قال:
_ هشوف جدولي بكره لو مناسب هحضر أكيد.
وبداخله بالطبع سيحضر، فهو لن يضيع فرصة يرى فيها شاهين ليوم إضافي.
صمت لثواني ثم قال:
_ تمام خليني بقى اكلمك في اللي أنا طلبتك عشانه، في شوية تعديلات هتحصل الفتره الجاية في شغلنا لازم نتفق عليها عشان تبقى كل حاجه واضحه.
وبدأ يوضح له طبيعة التعديلات وأن سبب إجرائها هو زيادة أمان وحيطه أكثر، كي لا يستطيع أحد إدانتهم بشيء.
*************
بقصر العقرب..
كانت جالسه في غرفتها تتصفح مواقع التواصل الإجتماعي بملل حين أتتها رساله من أحد التطبيقات، لتنتفض جالسه فجأه وقد اتسعت عيناها بذهول حين أبصرت إسم صاحب الرساله والذي لم يكن سوى معاذ! فتحت الرسالة لتجد مضمونها
"الصورة اللي نزلتيها من شوية حلوة قوي بس لو تسمحيلي شايف إنها مش مناسبه تنزل على فيسبوك"
ظلت تنظر للرساله بتوتر بالغ واستغراب في نفس الوقت، فمعاذ لم يفعل هذا ابدًا من قبل، ولم يبعث لها برسالة أو حتى تعليق على أي منشور لها، هم فقط مجرد أصدقاء على تطبيق التواصل الاجتماعي فيسبوك ولكن لم يتم التواصل بينهما بأي طريقه كانت، وبعد عدة ثواني استطاعت أن تتمالك نفسها وردت سائله:
" وليه يعني ما ينفعش تنزل على فيسبوك! هو أنتَ شايف إن الصوره فيها حاجه مخله؟"
أتاتها رسالته سريعًا:
" أكيد مش قصدي كده، بس تطبيق الفيسبوك ده للناس كلها أي حد ممكن يشوف صورتك دي سواء بقى الشخص ده يعرفك او لأ، بصراحه دي حاجه مش كويسه خصوصًا البنات، يعني ولد ممكن يشوف الصوره دي صدفه حتى لو هو مش من أصدقائك ويقعد يتأمل فيها وفي تفاصيل جسمك فهي بصراحه شيء مش لذيذ"
ظلت تنظر لرسالته لبعض ثواني وهي تعيد قراءتها مرارًا وتكرارًا وشعرت بأنها اقتنعت بحديثه ولكنها أبت أن تظهر هذا فردت:
" احنا مش مطالبين إننا نتقيد بتصرفات الآخرين يعني، أنا مثلاً لو جت قدامي صورة شاب أنا ما اعرفوش صدفه أكيد مش هقف اتملى في ملامحه زي ما انتَ ما بتقول، لأن ده مش من حقي، لكن لو ده حد تاني عمله زي ما انتَ ما تقصد فأنا كشخص منزل صورة ليا مش ملام ابدًا"
" لا على فكره أنتي لما نزلتي صورتك على موقع فانتي عارفه كويس قوي أنه بابلك وأي حد يقدر يشوف الصوره دي، فانتي اللي مش من حقك تتحكمي في الناس مين يقف يتأمل الصورة ومين يعديها كأنه ما شافهاش، عارفه دي عامله زي إيه؟ سوري يعني لو التشبيه هيكون مبالغ أو فج شويه، بس انتي اكيد هتفهمي قصدي، ده بالظبط عامل زي واحده نزلت من بيتها لابسه بدلة رقص ولما كل الناس اللي في الشارع بصوا عليها قالت مش من حقهم انهم يبصوا، رغم ان هي اللي سمحت لهم بكده انها نازله في الشارع ما طلعتش على سطوح بيتهم مثلا! "
بعدما قرأت الرسالة شعرت بأن تشبيهه فج كما قال، فردت رافضه:
" أنت بتشبه إيه بأيه؟ أنا فاهمه إنك عاوز توصلي الرساله، بس لأ طبعًا ما ينفعش تشبه حاجه زي دي بأني أنزل صوره عادي على فيسبوك، يعني معنى كده إن أي حد بينزل صور على فيسبوك يبقى منزلها للعرض!"
" لأ طبعًا انا ما قلتش كده، بس لازم لما تيجي تنزلي صوره على تطبيق الناس كلها هتشوفها تراعي الصوره اللي هتنزل، يعني تكون مش مبينه ملامحك قوي، أو مش مبينه تفاصيلك، مش مبينه جسمك ودول أهم من الملامح على فكره، لأن على الأغلب ما حدش بيركز في صوره شافها في التايم لاين عشان ملامحها، يعني الملامح مش هي اللي بتلفت الانتباه"
فهمت قصده فردت بتحفز:
" طيب اللي منزلاها مالها ده حتى الصورة من بعيد وملامحي مش باينه قوي"
وأتتها رسالته التي جعلت حمرة الإحراج والخجل تضرب وجهها كأنه يجلس أمامها
" ما هو المشكله إنها مش مبينه الملامح بس مبينه حاجات تانيه بما إنها من بعيد"
وفورًا خرجت من تطبيق الرسائل لترى الصورة مرة أخرى وحين دققت بها فهمت قصده، فالصورة بالفعل تبين انحناءات جسدها بشكل واضح، خاصةً مع ذلك البنطال المجسم والكنزة القصيرة لحد ما وعارية الذراعين، ورغم أن هذه طريقة لبسها في الطبيعي وأن ما ترتديه في الصورة خرجت به للشارع ولعملها وألف عين رأتها، ولكن إن تكن صوره بين يديكَ تسمح لك بتفحص كل جزء بها فهو أمر مخالف لنظره عابره تلقيها وانتَ تمر بالجوار..
وفجأة وجدت نفسها تضغط على حذف الصوره وبعدها أغلقت الهاتف ووضعته بجوارها ووضعت كفها فوق قلبها حين اتتها رسالة أخيرة منه تتضمن كلمة واحدة
" شاطره"
ورغم أنها كلمة لا تعني أي شيء، ولا تثير أي مشاعر ، لكنها جعلت قلبها الأحمق يدق بشدة، فهو يهمه أمرها! ويراقب أفعالها حتى وإن لم يظهر في الصورة من قبل!
***************
يوم جديد يحمل بين طياته الكثير يحمل...
أحداث هادئة للبعض ..
أحداث مقلقه للبعض الآخر..
وأحداث كارثيه لبعضهم....
خرجت من غرفتها التي ظلت عاكفه بها اليوم السابق، فهي لم تخرج منها إلا مرتين ، أولهما حين أرادت تناول الطعام وكانت تعلم بأنه غير موجود في المنزل، والثانيه قرب منتصف الليل بعدما سمعت صوت سيارته تغادر المكان، وفي المرتين كانت حريصه على أن تسرع بما تريد فعله قبل أن يأتي، فهي لا تريد مواجهه معه رغم أنها تعلم أنها آتيه لا ريب، ولكنها تحاول تأجيلها بقدر استطاعتها.
وها هو اليوم لا مفر من المواجهة، فاضطرت أن تحضر الإفطار المقدس كي لا يفوتها مثل أمس وتحدث مشكلة جديدة، نزلت درجات السلم بعدما ارتدت بنطال من "الجينز" الأبيض وكنزة صيفية من اللون الأصفر تصل لبداية البنطال من قماش "الشيفون المبطن" وحذاء أبيض، وربطت شعرها من الأعلى تاركة الجزء المتبقي منه ينسدل على ظهرها، اقتربت وهي تلقي تحية الصباح بعدما وجدت الجميع حول الطاولة، وجلست دون أن ترفع نظرها لأيًا منهم، ولكنها بعد ثواني سمعت صوته يقول بنبرة جامدة أسرت خوفًا في عروقها:
_ بعد ما تخلصي فطار عاوزك في مكتبي.
وقبل أن ترفع نظرها له سمعت صوت "شدوى" الثائر:
_ يعني ايه عاوزها في مكتبك؟ أنتَ ناوي تحاسبها على اللي حصل امبارح بينك وبينها؟ اومال هتجيبلي حقي منها ازاي؟؟!
نظر لها بجانب عينيهِ بنظرة حتى قاسية وهو يقول:
_ أنتِ ليه بتتكلمي كأنك بريئه فعلاً! أنا لسه ما عرفتش ايه اللي حصل امبارح، ولا حددت مين اللي له حقه ومين اللي عليه.
لم تهدأ وهي تقول:
_ ايوه يعني بردو هتكلمها بينك وبين.....
قاطعها بحدة واضحة:
_ شدوى مش عاوز كلام في الموضوع، أنتِ مش هتعلميني اعمل إيه و ما اعملش إيه!
ابتسمت "فيروز" بشماتة وهي تضع وجهها في طبقها كي لا يلاحظ أحد ابتسامتها، وتدخلت "نورهان" وهي ترى الوضع يتصاعد بينهما:
_ خلاص يا شدوى اهدي ما يصحش كده تيم قاعد، وأنتَ يا شاهين هدي نفسك شويه.
نظر "شاهين" لتيم الذي ينظر إليهما في قلق ليمسد على ظهره بحنو، وهو يقول مبتسمًا:
_ ايه رأيك لو خلصت الساندوتش بتاعك كله هلعب معاك كوره.
تخلى الصغير عن قلقه من المشادة التي شاهدها للتو وهو يبتسم بفرحه قائلاً بحماس:
_ بجد هتلعب معايا؟ بقالنا كتير ما لعبناش كوره سوا.
عبث بكفه في شعر الصغير وهو يقول آسفًا:
_ معلش يا حبيبي الفترة اللي فاتت كان عندي شغل كتير، بس اوعدك لو خلصت الساندوتش بتاعك نلعب مع بعض كوره كتير لحد ما تزهق.
هز الصغير رأسه عدة مرات بحماس قبل أن يتوجه لإلتهام طعامه متحمسًا لاللعب مع والده فور انتهاءه.
تابع الجميع تناول الطعام في صمت تام حتى كان "شاهين" أول الناهضين وهو يقول مناديًا على "صفاء":
_ دخليلي قهوتي على المكتب.
ووجه حديثه لفيروز بعدها:
_ لما تخلصي أكلك حصليني.
ثم نظر لتيم الذي ينظر له بقلق من أن يكون قد رجع في وعده له وقال مبتسمًا:
_هخلص قهوتي واتكلم مع طنط فيروز شويه على ما تكون أنتَ خلصت أكلك عشان ناوي اقطعك جوال.
ابتسم الصغير ابتسامة واسعة وهو يومأ له بحماس، فانسحب "شاهين" من الأجواء تحت نظرة "فيروز" له المتعجبة كيف يبدل حاله بين ثانية وأخرى! فيتعامل بقوة وحزم وجدية ثم حنو مع الصغير! تنهدت بحيرة وحقًا "شاهين" هذا لغز كبير بالنسبة لها لم تستطع حل جزء فيه، حركت عيناها لتتقابل نظرتها مع "شدوى" التي تنظر لها بأعين تطق شرارًا ، فلم تستطع أن تفي بوعدها لمستكه بأن تتجنبها، والقت إليها ابتسامة مستفزة، كأنها تخبرها بألا تحلمي بالانتصار، فالغلبه دومًا ستكون لي وهذه أول جولة..
*********
انتهوا جميعًا من تناول الطعام، وكانت أخرهم "فيروز" لحضورها إياه متأخره عنهم، بعدما انتهت شربت كوب ماء كامل وهي تستعد لمواجهة العقرب الغاضب بالداخل، وأخذت نفس قوي تهدأ ذاتها كي تستطيع الرد على أي تهمة سيوجهها لها، نهضت عن الطاولة متجهة لمكتبه ولكنها لفت انتباهها جلوس "نورهان" على كرسي منزوي قليلاً يطل على الحديقة الخارجية، كانت ستتجاهلها لولا أنها سمعت شهقة بكاء خافتة تخرج منها، اتجهت لها لترى شاشة هاتفها وتحتله صورة شقيقها "مازن"، وضعت كفها فوق كتفها لتنتبه لها:
_ اللي يشوفك وأنتِ بتعيطي وباصة في التليفون يقول بتشوفي صورة حبيبك اللي افترقتي عنه مش أخوكِ.
مسحت "نورهان" دموعها وهي تقول:
_ أول مرة ابعد عن مازن المدة دي كلها، أول مرة اقعد كذا يوم من غير ما اشوفه، كان أخري يومين لو عنده مأمورية، حاسة إن في حاجة كبيرة اوي نقصاني.
نظرت "فيروز" للصورة بأعين لامعة وهي تقول:
_ حلوة اوي علاقتك بأخوكِ وحبك له ما شاء الله، وهو يستاهل حبك ده.
طالعتها "نورهان" لثواني بصمت، لتنتبه ل "نورهان" لنفسها فتبعد عيناها بتوتر عن الهاتف، ولكنها صُدمت حين سمعت "نورهان" تقول:
_ أنتِ حبيتي مازن؟
نظرت لها بتوتر واضح وهي تسألها:
_ ليه بتقولي كده؟
قالت "نورهان" بحيرة:
_ المفروض إنك بتحبي شاهين، ومازن وقع بينكوا، واستغل ده وقرب منك وكان هيتجوزك، لكن لما عرفتي الحقيقة سبتيه ورجعتي لشاهين.. لو محبتيش مازن مكنتيش هتقولي دلوقتي انه يستاهل حبي له، ولمعة عينك وأنتِ بتبصي لصورته بتقول إنك بتحبيه..
_أ... أنا.. مش..
قاطعتها "نورهان" وهي تقف أمامها ممسكة بكفيها تقول:
_ لو بتحبي مازن بلاش تعاندي نفسك وتبعدي عنه، هو اه غلط لما وقعك بينك أنتِ وشاهين، لكن كل إنسان منا بيغلط، وأنا شوفت حبه ليكي لما جابك ليا عشان تتعرفي عليا، لو بتحبيه بلاش توهمي نفسك إنك لسه بتحبي شاهين، مش شرط أصلاً تكوني لسه بتحبي شاهين، ممكن لما اتعاملتي مع مازن حبتيه واكتشفتي إنك نسيتي حبك لشاهين.. وده مش عيب ولا غلط، الغلط بجد لو استمريتي واهمة نفسك إنك بتحبي شاهين وعينك بتروح على مازن غصب عنك.
وحديثها كان يفعل الكثير في فيروز، فها هي "نورهان" من مجرد ثواني اكتشفت حبها لمازن ولاحظته، حبها التي كانت تدركه ولكنها تتأرجح أحيانًا من صدقه أو زيفه، والآن تأكدت أنه حقيقة مؤلمة، بالطبع مؤلمة فهي موقنة أنها لن تجني منه خيرًا.
طال صمتها حتى قالت:
_ أنا هروح اشوف شاهين.
وهربت منها تحت نظرات نورهان المشككة بأمرها والتي تدعي ألا تكون "فيروز" وقيعة جديدة بين اخويها..
************
فتحت باب المكتب ودلفت تنظر للمكتب لتجده فارغ، وفور تخطيها للباب وقبل أن تتفحص أرجاء المكان كانت تشهق بخوف وهي تجد من يجذبها ويدفعها بقوة لتستند على الباب الذي أُغلق بعنف جراء اصطدامها بهِ و"شاهين" يقف أمامها لا يفصله عنها سوى بضع سنتيمترات وملامحه غير مبشرة بخير أبدًا وقال بفحيح مرعب أثار الفزع فيها:
_ مجاوبتيش نورهان... بتحبي مازن؟
ارتفع تنفسها وعلى وجيب قلبها وهي تنظر له فقط بفزع وكأن لسانها قد عُقد...!
يتبع
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق