القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية زيغه الشيطان (اضواء مبعثرة)الفصل الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر بقلم فاطمة محمد وفاطمة سلطان

 


رواية زيغه الشيطان (اضواء مبعثرة)الفصل الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر بقلم فاطمة محمد وفاطمة سلطان






رواية زيغه الشيطان (اضواء مبعثرة)الفصل الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر بقلم فاطمة محمد وفاطمة سلطان




الفصل الخامس عشر من #زيغه_الشيطان

#أضواء_مبعثرة

بقلم فاطمة طه سلطان & فاطمة محمد.


_________


اذكروا الله.


_________


'سيصبح كل شيء على ما يرام ذات يوم , هذا هو أملنا .. أما أن نقول : إن كل شيء على ما يرام , فهذا هو الوهم.'

- فولتير.


_________


خرجت من حجرة المريض بعدما عاينت حالته واطمأنت على وضعه، خطت خطوة ...اثنان..وما لبثت تخطي الثالثة حتى وجدته يظهر أمامها من العدم بجلبابه، فتجمدت ملامحها وتصلب جسدها، متذكره ما فعله أمس…


صمت برهة ثم تحدث بصوت مترقب وعيناه معلقة بها:

عرفت أنك سألتي عليا وكنتي عايزة تكلميني فقولت اچيلك واشوفك عايزاني في إيه.


عضت على شفتيها من الداخل متحركة من أمامه، متلفظة بصوت شبه آمر:

-تعال ورايا.


مط شفتيه للأمام كابحًا غضبه من أسلوبها وطريقتها المتعجرفة معه…

ثم تحرك خلفها لاحقًا إياها لغرفتها الخاصة…


ولج الغرفة وأغلق الباب من خلفه متقدمًا من مكتبها الذي لم تجلس خلفه، والتفتت رامقة إياه بأعين تطلق شرار وعروق متشنجة:

-إيه اللي أنت عملته ده، ازاي يا بني آدم أنت تدبسني فيك وفي جوازة انا مش عايزاها أصلًا..


لم يتحمل كبح غضبه أكثر من ذلك، ونطق بعصبية مفرطة ويديه تلوح بالهواء:

-أومال عايزاني اعمل ايه عاد، ابوكي كان راكب دماغه، ومش موافق على الجواز غير لما تتچوزي أنتِ الأول، وعايزهم يستنوا سنتين كمان، وأنتِ عارفة أنه مينفعش نستنى هيقتلوهم لو عرفوا..


أغمضت عينيها بمرارة، فكلماته محقة وفعلته صائبة لكنها لا ترغب بالزواج به او بغيره… 


فتحت جفونها وسارت أمامه ذهابًا وإيابًا وهى تحك جبينها محاولة إيجاد حل لتلك المعضلة..


ظل يتابعها متابعًا تشنجها وتعبيراتها التي تتبدل من حين لآخر.


ثم تمتمت بخفوت وصل لمسامعه:

-أكيد كان هيبقى في حل تاني .. أكيد بس أنت اللي انسحبت من لسانك و


قاطعها مزمجرًا بها:

-ما تلمي لسانك أحسنلك، إيه مبتعرفيش تحترمي اللي قدامك..


-انا محترمة غصب عنك..


-أنا عملت الصح، ولو هو ده اللي أنتِ عايزاني فيه، فـ أنا غلطان عشان جيتلك… 


قال الأخيرة مندفعًا من أمامها بسرعة البرق، صافعًا الباب من خلفه تاركًا إياها تتآكل غيظًا..

لا تريده...ولا تريد الزواج منه.. 

حاولت أعصار عقلها لإيجاد حل، فلم تفلح، فكتمت صرخة أرادت التحرر، ثم تحدثت بغيظ وهى تضرب براحة يديها على مكتبها القابع امامها:

-منك لله يا أيمن منك لله، أنت وياسمين السبب…


__________


اليوم التالي…


كان يمدد أمجد على الفراش، فقد وصل بعد منتصف الليل..وصعد الى غرفته للراحة بعد طريق السفر الطويل وكانت صفية بأنتظاره وأصرت عليه بالا يذهب لزيارة أحد اليوم ويقضيه بينهم..


كما هاتف بتول وأخبرها بوصوله ولأول مرة لا تتصل به بنفسها لتعبر عن قلقها، ومع ذلك حاول ترك غروره وكبريائه جانبًا وقام هو بمحادثتها ولكن كانت محادثة جافة لم تستمر لخمس دقائق حتى…


هنا وتناهى له طرقات خافته على باب الغرفة فهتف بنبرة هادئة ولكنها عالية :

- ادخل..


دخلت رقية وهى تحمل الطعام، سارت خطوات تجاه الطاولة وقامت بترك الطعام وكانت على وشك الالتفاف والعودة ليأتيها صوته الحازم قائلا :

- ايه مفيش حمدلله على السلامة..


رمقته بغضب قائلة وهى تعقد ساعديها: 

- حمدلله على السلامة واديني جبتلك الاكل تحب افرشلك الأرض ورد كمان…


خرجت منه ضحكة ساخرة هاتفًا بسُخط: 

- دي الأصول برضو .. سمعت سمع خير أن رجلك خدت على الخروج وبقيتي تروحي وتيجي..


زفرت بضيق قائلة بنبرة عالية: 

- انا مش في سجن يا أمجد.. ثم كويس أنك جيت انا عايزة ورث أبويا اللي انتَ وماما مانعينه عني من غير وجه حق..


هتف أمجد بغضب بعد أن نهض من مكانه واقفًا أمامها:

- ورث مش هتاخدي يا رقية .. ثم انتِ عايزة ورث ليه علشان تاخدي الفلوس وتعملي اللي على هواكي .. فلوس مش هتاخدي وبعدين اقعدي مع معاذ وربيه أحسن…


قال كلماته الأخيرة بسخرية ليفتح جروح حاولت أن تضمدها لسنوات فهتفت بنبرة صارخة: 

- انتَ عارف أنه جه غصب عني مش بمزاجي .. فبلاش تريقه أحسن متفتحش في حاجات قديمة هتكون سبب في سواد ملوش أول من أخر الكل هيغرق فيه…


كانت أصواتهم عالية، لتصدع طرقات الباب مرة أخري ليهتف أمجد وهو ينظر في عيناها نظرة دبت الرعب في أوصالها ولكنها تصنعت التماسك: 

- ادخل..


دخل أكرم وبمجرد أن دخل خرجت رقية وكأنها قد وجدت طوق النجاة فهي تعلم أنها تحدثت بالكثير الذي من الممكن أن يجعله يفتك بها…


هتف أكرم بأستفسار: 

- صوتكم عالي وبتزعقوا ليه؟


- هيكون ليه يعني حرقة دم وخلاص..هو حرقة الدم لو سابتني هتروح لمين…


قالها أمجد بتهكم وكان ينظر لـ نقطة ما ولكن حينما نظر له وجد اثار دماء فهتف أمجد بقلق وهو يقترب منه :

- ايه الدم ده أنت متعور ؟


- اتخانقت مع صاحب الأرض تاني شوفته دمي غلي لما افتكرت أنه باع الارض لابن الدسوقي متحملتش الا ولقتنا بنخش في خناق لولا الناس اللي على القهوة..كان هيمد أيده أبن*** عليا تاني..


قال أكرم تلك الكلمات بغضب وسخط جامح، فهتف أمجد وهو يضيق عيناه بغضب فلم تقص والدته عليه هذا الجانب 

- مين ده اللي مد ايده على أكرم الشيمي وحاول يمدها تاني…


__________


كان نجم يجلس داخل مزرعة عائلته متحدثًا مع إحدى العمال، وكعادته في يده مقدمة الارجيلة، وينفث الدخان من فمه وتعبيرات وجهه ساخرة ويصيح مستهزءًا: 

- أه، يعني أنتَ عايز تقولي أن البقر محسود وبيموتوا لوحدهم مش كده ؟!!


كان العامل يقف بتوتر شديد، فكان على وشك التحدث فأشار له نجم بسبابته: 

- روح اتكلم في الموضوع ده مع محمود علشان حظك اني رايق النهاردة مش ناوي اتخانق مع حد…روح...


فذهب العامل تجاه غرفة محمود منصاعًا له، ليأتي ذلك الصبي ويظبط له حجر الارجيلة بناء على طلبه.. 

- ظبطها ياض عدل ايه ده غاويين تعكننوني ليه على الصبح…


- ظبطت كدة يا نجم بيه؟ 


- اه خلاص ظبطت يا صبري جدع، وبعدين روح ياض المدرسة وسيبك من ابوك ده هيجيبك ورا، أنا هفضل ألمك من المزارع كل ما اديله مهيتك واقوله قعد الواد الاقيه مسرحك في حته، شكلي هظبطه ظبطه يخليك تطلع دكتور فيها، روح اندهولي من جوا..


كان يتحدث بنبرة مرحة بعض الشيء ولكن حانقة على ذلك الرجل، فركض الصبي ثم جاء وأخبره ان والده سينهي العمل الذي في يده وسيأتي..


هنا واقتحم أمجد المزرعة بغضب مقتربًا منه والشرار يتطاير من عينيه، وخلفه يركض الغفير قائلا :

- اسف يا نجم بيه دخل غصب عني…


قهقهة نجم بسخرية شديدة ساحبًا من تلك الارجيلة نفسًا طويلا ثم نظر إلى أمجد متمتم ببرود: 

- الاه أمجد الشيمي مرة واحدة وفين في مزرعة عيلة النجم !!!! 


ثم نظر إلى صبري المتواجد بجانبه: 

- مش قولتلك مزاجي النهاردة مبسوط يا واد يا صبري شكلي كنت حاسس أني هشوف حد من عيلة الشيمي…


ركل أمجد الطاولة الصغيرة المتواجدة امام نجم بعصبية ومقط شديد فصاح به والغضب يأكل احشائه:

- بقى انتَ تخلي حته عيل ولا راح ولا جه يمد ايده على اخويا ده انا هطربقها فوق دماغك انتَ واللي خلفوك..


نهض نجم ووضع يده على صبري الذي قد تناثر الشاي الساخن على قدمه وفخذيه أثر ركل أمجد للطاولة، ثم حدثه بنبرة غامضة يغلفها حنق طفيف:

- انتَ كويس يا صبري؟؟ 


هز صبري راسه بايجاب ليقترب نجم ممسكًا بياقة أمجد بغضب جحيمي وأعين حادة:

- عارف يا امجد يا شيمي لو جيت وعملت شغل العربجة ده تاني قدامي، مش هقولك أني هطربقها على دماغ اللي خلفوك، لا قسمًا عظمًا هبعتك للي خلفك علشان شكله وحشك يلااا....وبتتلكك عشان حوار أخوك اللي بتجول عليه ده فات عليه ياما…


امسكه الاخر بغضب شديد من ياقته أيضًا واجتمع العاملين ولا احد يتجرأ أن يفصل بينهم؛ فهتف امجد بشراسة:

- انتَ اللي بدأت الشر عيلة الشيمي خط احمر وأقطع ايد اللي يمد أيده على أخويا انتَ فاهم….واحرق الدنيا كلها واقتلك.. 


- ما براحة يا سيادة المحامي، عيب الهمجية دي في حقك يا رجل القانون، اتلم يلا بدل ما ألمك... واخوك اللي أنت محموق عشانه ده لسه مطلعش من البيضا ومد ايده على واحد قد ابوه ويحمد ربنا ان ابنه ضربه بس والأرض بقت بتاعتي خلاص واعلى ما في خيلك اركبه وإياك تقرب من حاجة تخص عيلة النجم او يكون في مصلحة عيلة النجم .. 


تركه نجم دافعًا إياه فتحدث أمجد بكره وتحدي :

- ولو مركبتهوش يا نجم يا دسوقي هتعمل ايه، مش عيلة الشيمي اللي تتهدد بروح أمك….


- لو مركبتهوش يبقي أنتَ اللي عايز نرجعها دم وشوف دم مين اللي هيسيح وعندي أستعداد ننهي الهدنة ولو على الدم هيبقي للركب ... 


انتهى حديثه لاكمًا إياه في وجه بغل، فلم يستعيد أمجد وعيه من لكمته فأردف نجم بعتاب وخبث مستغلًا شعوره بالألم:

- وبعدين عيب عليك بوظت سمعة الصعايدة، كده تمد ايدك على حرمة وسط الفنانين دي أخلاق الصعايدة يا امجد والله اخص عليك…ابقى فكرني لو شوفتها تاني ابقى اقولها اننا مش كدة...وانها خدت العرة اللي فينا..


اقترب منه أمجد بتشنج ممسكًا به ورد له لكمته، فهو لم يتحمل أن يأتي بسيرة زوجته، ولم يهتم من أين علم :

- وانتَ مال أمك دي مراتي وأنا حر..


- الاه عيب عليك وبعدين تاني بطول لسانك 

أحنا معندناش راجل يمد ايده على مرة لا وسط الناس ولا من ورا الناس الا لو كان ناقص، ولا ايه يا ناقص؟؟ 


لكمه أمجد مرة اخرى ليركله نجم بقدمه، كادوا ان يفتكوا ببعض ليأتي عامر أخيرًا وفصل بينهم هو ومحمود.. 

كان محمود يمسك أمجد فصرخ امجد بصوت جهوري قائلا:

- اخرتك على ايدي يا ابن الدسوقي…


كان عامر يقف امام نجم ويحاول بقدر الامكان أن يصده بثقله وقوته حتى لا يقتل أمجد أو يفتك به... 

- هنشوف مين اللي هيسيح دم مين يا امجد الأول…


جاء شقيق أمجد ومعه بعض الحراس وحرصوا أن يأخذوه وبالفعل ذهب معهم جبرًا ولسانه لا يتوقف عن إطلاق السباب موجهًا إياها لـ نجم..


فهتف عامر بدهشة: 

- هو ايه اللي جابه هنا ده؟!


- جاي يقرفني عرفت جاي يعمل ايه يا انا يا هو ابن الشيمي ده، شكله وحشه ريحة الدم..وهنولهاله..واخرته على أيدي…


ثم وجه نجم حديثه إلى صبري البالغ من العمر أربعة عشر عامًا: 

- واد يا صبري متزعلش من اللي حصل  معلش اصل دخل علينا بهيمة…


________


هبطت بتول من غرفتها بعدما أخبرتها الخادمة بمجئ رفيقتها وجلوسها بالحديقة رفقة والدتها، سعدت لمجيئها ذلك، واقتربت منها مرحبة بها بحرارة محتضنة إياها: 

-عاملة إيه يا بوسي، وحشاني كتير. 


بادلتها بوسي احتضنها ذلك وقالت بحب: 

-والله أنتِ اكتر، اخبارك إيه، ومختفية لية كدة أنتِ وشهاب وساهر ورزان؟ 


جلست بتول وكذلك بوسي وداليا، وكادت تتفوه، فقاطعتها داليا متحدثة بتهكم: 

-هتطلع ازاي يا بوسي بعد اللي بيه جوزها عمله، ما كان قدامك وقدام الناس ازاي رفع أيده عليها و 


ابتلعت باقى حديثها وهى ترى نظرات ابنتها المشتعلة، فزفرت حانقة بينما دافعت صديقتها مغمغمة: 

-أكيد في سبب يا طنط، أمجد مش عبيط ولا مجنون عشان يعمل كدة من فراغ، اكيد في سوء تفاهم مش كدة يا بتول. 


اماءت لها بتول مبتسمة بأسف، ثم قالت مغيرة مجرى الحديث: 

-قوليلي مجبتيش ولادك معاكي ليه، وأحمد جوزك عامل إيه معاكي. 


-احمد بخير، بس أنتوا اللي مكنتوش هتبقوا كويسين لو جبت الولاد، بقوا شياطين يا بتول… 


رددت بوسي بتلك الكلمات بمرح طفيف، فرفعت بتول يديها على بطنها ومسدت عليها ثم تفوهت فجأءة مخبرة صديقتها بحملها: 

-أنا حامل يا بوسي. 


جحظت عين بوسي وصاحت بفرحة كبيرة: 

-بتهزري الف مبروك يا حبيبتي يتربى في عزكم.. 


-الله يبارك فيكي. 


وبعد مرور بعض الوقت…


كانت تجلس رفقة والدتها بعدما نهضت رفيقتها والجة المرحاض، فصاحت داليا بحنق: 

-صاحبتك دي رغاية اوي، مبطلتش رغي من ساعة ما قعدت.. 


تلفتت بتول حولها وقالت بأستنكار لأفعال والدتها: 

-بس يا ماما ايه اللي بتقوليه ده عيب. 


جاءت بوسي من الداخل وجلست مرة آخرى مسترسلة حديثها الذي لا يتنهي، فصاحت بتول مرة آخرى: 

-بوسي عندك مانع لو عملتي السيزون بتاع البرنامج السنة دي..


قطبت بوسي ما بين حاجبيها وقالت: 

-واعمله انا لية ده برنامجكك انتِ.. 


تنهدت بتول وقالت: 

-مش هينفع، أو مليش نفس مش عارفة بس مش عايزة اشتغل، عايزة اخد بريك بقى، ويمكن بعد ما أولد انزل من تاني الشغل… 


نهضت داليا بعصبية عن الطاولة وهى تصيح: 

-لا بقى ده أنتِ أتجننتي رسمي، والكلام معاكي مبقاش يجيب فايدة، انا هقوم بدل ما أنتِ عمالة تحرقي في دمي كدة..


_________


أنت بتجول إيه، ابن الشيمي مد يده على حفيدي أكده عيني عينك… 


هتف بها رضوان ضاربًا بعصاه أرضًا بتشنج وعصبية مفرطة… 


اماء له الغفير الواقف أمامه يخبره بما حدث اليوم بين نجم و أمجد..ثم استرسل حديثه: 

-أيوة جنابك، ومفيش حد فيكي يا بلد مبيتكلمش على الخناقة، واللي حصل بيناتهم… 


تكاظم غضب رضوان، فجز على أسنانه وقبضة يديه تشتد على العصاه التي بين يديه، وعيناه تقدح بالغضب والتوعد فما حدث لن يمر مرور الكرام…


تناهى لمسامعهم صوت احتكاك سيارة نجم رباعية الدفع … 


فتحرك الغفير من مكانه مقتربًا من الشرفة، يتأكد من وصوله، مزيحًا الستائر البيضاء بيده… 

وسرعان ما أكد حدسه: 

-أهو نجم بيه وصل …


نهض رضوان من مكانه مغادرًا مجلسه ذلك والغفير خلفه يلاحقه… 


ولج نجم المنزل فقابل أمامه توحيدة التي ما أن رآها حتى ضربت على صدرها مرددة بقلق: 

-يا مصيبتي إيه اللي عمل فيك أكدة يا نجم؟ 

مين اللي اتجرأ يمد يده عليك، عشان نجطعهاله… 


جاءت غرام على صوتها من المطبخ كذلك راضية مقتربين منه بقلق. 


بينما شهقت غرام خوفًا مقتربة منه بلهفة وخوف: 

-إيه ده مين اللي عمل فيك كدة ؟ 


أجابها نجم محاولًا إضفاء بعض المرح: 

-أنتوا بتعيدوا الكلام لية وأنت يا راضية مش هتسأليني أنتِ كمان مين اللي عمل فيا أكدة!! 


رفعت توحيدة قبضتها ضاربة أياه بخفة على صدره، معاتبة إياه: 

-أنت بتهزر، جولي مين؟ 


تنهد نجم تزامنًا مع قدوم رضوان وتقدمه منه، مرددًا بصوت جهوري والغضب يتملكه مسيطرًا على كل أنش به.. 

-ابن الشيمي لازم يتوجف عند حده، ويده اللي اتمدت عليك لازم تتجطع وإلا هيتمادى ويتمادى لحد ما الزمن يعيد نفسه، فاكر نجم ولا مش فاكر..


احتدت عين نجم وتبدلت نبرته لآخرى قاسية عالية بعدما نجح رضوان في إيصاله لذروة غضبه: 

-أنا عُمري ما نسيت، وأنت عارف أكدة كويس، وباللي عمله ابن الشيمي اكدة أعلن الحرب، وعليا وعلى أعدائي والدم هيرجع من تاني بس المرة دي على يدي...


قال الأخيرة مغادرًا الدوار مرة أخرى، أما رضوان فأتسعت بسمته فخورًا بما فعله… 


أما غرام فـ انتفض جسدها من صوته وحديثه الذي أتقنت من خلاله أنه سيقتل دون أن يرف له جفن…


___________


كان أمجد يجلس بجانب والدته، ممسكًا بكيس ثلج يضعه على تلك الكدمة ويجلس معهم اكرم الذي هتف متسائلًا:

- أحسن دلوقتي يا امجد ؟


هز امجد رأسه بايجاب فما يفرق معه ليست تلك الكدمات ولكن ما يفرق معه حديث ذلك النجم الذي لن يتخلص منه ابدا، فصاحت صفية بنبرة صارمة: 

- جولتلك متروحش يا أمجد، الموضوع خلص انتَ نشفت رأسك كان لازم خناقات ده احنا لما صدقنا الدنيا هديت ناقصين يابني مشاكل…


كاد امجد ان يقاطعها، ولكن جاء معاذ ذلك الصغير المشاكس الذي يفرض ذراعيه ويتجه إلى أحضان أكرم واحتضنه أكرم وقبل رأسه مداعبًا إياه…

بينما رمق امجد الصغير بنظرات مبهمة..ونهض من مكانه صاعدًا حجرته…


__________


في المساء…


توقفت يد نجم الذي عاد من الخارج عن فتح الباب عندما آتاه صوتها من الخلف هاتفة بأسمه… 


-نجم نجم… 


التفت برأسه ونصف جسده يناظرها بأستفسار عما تريده.. 


سحبت نفسًا عميقًا قبل أن يتلفظ لسانها بتوتر جلي لم تعرف كيف تبدأ الحديث معه وتخبره عما اعتراها من قلق من حديث جده اليوم: 

-أنت لسة صاحي !! 


ارتفع حاجبيه بأستهجان ورغم خروج كلماته بطريقة مريحة وساخرة ألا أن ملامح كانت باردة لا يظهر شيء من مشاعره: 

-لا نايم واللي واجف قدامك ده عفريتي ...خافي بجى..


لم تبتسم من مزاحه ذلك..فقط اكتفت بأبتلاع ريقها، متحدثة بتردد: 

-أنا عايزة أسألك سؤال ؟ 


اعتدل بكامل جسده، فمن الواضح أن حديثهم سيطول، خرج صوته يحثها على إلقاء ذلك السؤال على مسامعه: 

-اتكلمي سامعك … 


قطمت شفتيها قبل أن تجيب وتلقي ذلك السؤال الذي يتطلب شجاعة كبيرة وعينيها مثبته عليه: 

-هو أنت ممكن فعلا تقتل...يعني ممكن تقتل أي حد… 


توحشت تعابيره لأقصى درجة، وباتت شرسة وكأنه وحش يكاد يفتك من أمامه… 


ثم أجابها بصوت أجفل كامل بدنها: 

-آه يا بنت عمي، ممكن أقتل أي حد يدوسلي على طرف، أو يدوس لطرف لأي حد في عيلة النجم ويفكر بس يأذيهم…. 

مسمحش لحد يهوب من عيلتي طول ما أنا عايش وفيا نفس، ومش بس اكدة لا هخليه يجول حجي برقبتي، ولا أقولك مش هيلحق يجول أصلًا هيكون ودع الدنيا… 


أنهى كلماته تزامنًا مع تصبب وجهها عرقًا وتزايد ضربات قلبها… 

تتخيل رد فعله وما الذي سيفعله بـ أيمن إذا علم ما فعله… 

بل الأسوء ما الذي سيحدث بـ ياسمين .. 

سيقتلها لا محال!!! 

كانت تعابيرها وانفعالاتها تتبدل أثناء تفكيرها ذلك، فكان يراقبها بأعين كالصقر.. 

لا يغيب عنه تلك التغيرات… 


قست عيناه، عندما حاولت رسم بسمة خفيفة على وجهها مرددة بتوتر: 

-أنت أكيد بتهزر مش كدة يا نجم… 


أقترب بوجهه منها وانحنى للأمام قليلًا، متمتم بنبرة مخيفة غامضة دبت الرعب في أوصالها.. 

-أنا مبهزرش، بكلم جد الجد يا بنت عمي، ولو فكراني بهزر يبجى أنتِ لسة معرفتيش مين هو نجم…. 


ابتعد عنها ما أن أنهى كلماته تاركًا إياها بصدمتها فيه… 

قائلًا بنبرة هادئة : 

-ها خلصتي ولا لسة في أسئلة تانية؟ 


تنفست بعمق قبل أن تجيبه: 

-لا خلاص، تصبح على خير.. 


-وأنت من أهل الخير.. 


قالها وهو يصفق الباب بهدوء من خلفه.. 


ظلت هى واقفة مكانها وكلماته تتكرر على مسامعها، لحظات وكانت تحرك رأسها بقوة محاولة نفض تلك الحقيقة التي خرجت من فوه، مُصرة على تصديق ما رسمه عقلها لها.. 

فـ نجم ليس بقاتل ولن يقتل أحد من المؤكد أنه يمزح معها وقصد تخويفها فقط…


__________


دخلت ريما المنزل وهي تتحدث مع شهاب في الهاتف فقد كانت في المعرض اليوم واخبرت شهاب ان مها ستوصلها إلى المنزل...

- نعم يا شهاب عايز ايه ؟


هتف بنبرة ساخرة: 

- انتِ بتكلميني من مناخيرك كده ليه يابت!


-  انتَ جاي امتى وبطل رغي؟


- ملكيش فيه اجي وقت ما اجي، رخامة برخامة، حاسس اني متجوز واحد صاحبي..


كانت تحدثه وهي تصعد على الدرج وتتوجه ناحية غرفتها، فهتفت بنبرة حانقة :

- اهو بتتريق وترجع تزعل، يلا تعالي بقى.


فهتف شهاب قائلا بنبرة خبيثة: 

- للدرجاتي واحشك يا ريما، عدي من واحد لعشرة وتلاقيني حمامة قدامك..


- انتَ بتفسر الكلام على مزاجك يا شهاب، وبعدين انا بقول كده علشان مبحبش أقعد لوحدي ولسه مأخدتش على بيتكم لدرجة اني اقعد فيه لوحدي. 


- مش هتأخر انتِ كلتي مع مها ؟


- اه كلنا سوا ولسه موصلاني وماشية وحاليًا داخلة اخد شاور..


- عقبال ما ناخده سوا 


قاطعته بغضب وخجل شديد 

- واضح أن عمو بيسافر كتير من زمان ونسي يأدبك..


- شوفتي مش قولتلك الحكاية ساعة الكابوس وانتِ مصدقتنيش، ما بقولك ايه يا ريما وحياة عم ياسر وطنط رشا لتنتشليني من الضياع بقى وربيني..


- ماشي هفكر 

قالتها كلماتها بمرح فهتف الآخر بحماس شديد وعبث: 

- لا فيها ماشي وهفكر، لا الموضوع في غاية أني هسابق الزمن وهكون عندك..


- بطل رغي وتعالي انتَ اكلت ولا أعملك حاجة تأكلها ؟


- لا كلت يا ريما متتعبيش نفسك، بعدين شايلك وشايل أكلك لوقت عوزه..


- ماشي سلام مستنياك..


- سلام 


أغلقت الهاتف وهي تخلع سترتها، تتوجه ناحية الخزانة لتبحث عن شيء ترتديه ولا تدري ماذا ترتدي، هل ترتدي أحدي قمصانها التي لم ترتدي أي منهما منذ زواجهم، أم ترتدي منامتها بالوانهم الهادئة، والرسومات الكرتونية المتواجدة عليهم ..


شعرت بالتردد فتركتهم ودخلت إلى المرحاض فهي حينما تخرج ستختار ما تريده وترغب به..


_______ 


في الأسفل..


فتح شهاب الباب الداخلي للفيلا بهدوء شديد، فكان يحدثها وهو يقترب من البيت حتى يقوم برد أحدى مقالبها اليومية وروحها الخفيفة على القلب، إنسانة عجيبة جعلته لا يفكر إلا في إرضائها وطوال العمل تكن مكالماته واتصالاته لها، يطمئن انتهت من عملها او لا ..وماذا تفعل؟؟ 

كيف يسير يومها، ثم ينتهي الأمر بأن يذهب لاخذها ماعدا أيام قليلة تقوم صديقتها بايصالها ..


صعد على الدرج بخفة شديدة وجد باب الغرفة مفتوحًا وباب الحمام كذلك فلم تغلقه على الأغلب ولكنها لا تستطيع كشفه فدخل بخطوات هادئة تمامًا إلى غرفة الملابس حتى يقوم بفزعها..


خرجت ريما من المرحاض وهي تميل برأسها إلى الامام وتنظر إلى الأسفل وتجفف خصلات شعرها بالفوطة، دخلت غرفة الملابس وبمجرد أن رفعت رأسها للمرآة ووجدته يقف أمامها صرخت بفزعة شديدة، فصاح قائلا بسخرية: 

- الله يخربيت حنجرتك، طبلة ودني يا أمي مش كده، ده انا اللي ناوي أخضك واتفزعت من صوتك..


اخذت أنفاسها بصعوبة بالغة وتمتمت قائلة بتلعثم :

- منك لله يا شهاب، فزعتني والله..


- والله شهاب اللي مستقبله بيدمر ده انا اعصابي في ذمة الله وصحتي النفسية في ذمة الله، الله يخربيتك يا ريما علي اللي انتِ عملاه..


قال كلماته الأخيرة بسبب هيئتها التي تجعل أي شخص يفكر في التهامها، لا يدري ماذا يحدث معه ..


حتى أنه ايام خطبتهم لم يكن يراها بذلك الجمال وكأنها تمعن بتفاصيلها، فأردفت ريما بتوتر وعدم فهم فمازالت لم تدرك هيئتها بعد..

- ايه في ايه؟؟


- في أفكار قليلة الأدب اوي لسه جاية في دماغي حالا 


أخذ يقترب منها حتى حاصرها بينه وبين الحائط 

يستند بكفيه على الحائط محاوطًا إياها 

- الا قوليلي يا ريما؟


- خير وابعد يا شهاب بلاش استغلال..


- انا استغلالي أوي للاسف، سيبك من الاستغلال قوليلي أيه أخبار الكوابيس معاكِ الفترة دي مفيش كابوس كده ولا كده يخلينا نكوبس وكده بقى ولا ايه..


قال كلماته الاخيرة وهو يغمز لها بعينيه، فهتفت بلا مبالاة 

- نكوبس!! 

الفاظك بقت مش طبيعية يا شهاب؛ فين المدارس الـ International؟؟ 


- مش عارف فين 

قالها بهمس شديد وهو يمرر أبهامه على عنقها التي مازالت عليه بعض القطرات المائية 

فهتفت قائلة بنبرة خجولة: 

- أبعد يا شهاب عايزة ألبس بقى


- لا انتِ كده ميه ميه، مفيش كوابيس تاني؟؟ 

قوليلي الصراحة مهما كان الكابوس طويل هسمعك 


كان يتحدث بمرح شديد وما أن انتهى من كلماته اقترب ليقبل تلك الأماكن الرطبة ويشم رائحتها بشغف شديد، تعمقت قبلاته ليجعلها غير قادرة على أن ترفض شغفه وجنونه الذي يشعراها بأنها تعشق الشخص الصحيح.. 

تعمقت قبلاته ليترك علاماته على عنقها فهتفت ريما أسمه بضعف شديد ونبرة هادئة 

- ش .. شهاب 


ابتعد شهاب اخيرا بسبب نبرتها التي زادت شغف، فهتف بشوق شديد ورغبة تحتله يريدها أكثر من أي شيء لا يظن انه أراد امرأة بتلك الطريقة.. 

- ريما خلاص انا عايزك، كفايا دلع وخناقات، بجد مش عارف عملتي فيا أيه جننتيني، ولو مش حابة نكمل هبعد..


هزت رأسها برفض لفكرة بعده فهي تريده أيضًا فيكفي الحرب والعناد، وحينما وجدها توافق على اقترابه، فكيف تمثل قناع البرود واللامبالاة وهي تعشقه، إلى أين ستهرب إلى متى ستبعده ؟! 

تهللت أساريره بموافقتها، فاقترب مقبلًا شفتيها بنهم وشغف شديد لتبادله ريما بشغف كبير وعشق يكفيه طوال عمره ولن ينتهي، أخذت ريما تساعده في خلع سترة بدلته..واحد مكانها أرضًا..


ابتعد شهاب مستندا بجبهته على جبتها ويلتقطوا انفاسهم بصعوبة شديدة، هتفت ريما بلا وعي وكأنها قد فقدت عقلها، بنبرة خافتة:

- بحبك…


نظر لها شهاب بدهشة من إعترافها الصريح فهو قضى على أي محاولة أعتراض، اشعلت قلبه الذي لم يشعر بكم هذا الشغف من قبل.. 

- قوليها تاني يا ريما، عايز أسمعها تاني..


- بحبك يا شهاب..


لم تستكمل أي كلماتها، لتجد أن شهاب يعانقها بتملك رهيب رافعًا وحاملا أياها من فوق الارض، فيكفيه باعترافها الذي بمجرد ان قالته فقدته عقله، كلمة واحدة افقدته عقله بها يا لها من فتاة غريبة الاطوار…


وخلال ذلك عبثت يديها بأزراره، ومازال شهاب مستمرًا في تقبيلها وهي تبادله بحب والعاطفة بينهما في أوج حالاتها وأحداثها وضعها على الفراش ولم يكن في نيتها الابتعاد، فـ كلا منهما يريد الآخر وبشدة وأن اختلفت الطرق والتعبير…


__يتبع__



الفصل السادس عشر من #زيغه_الشيطان

#أضواء_مبعثرة

بقلم فاطمة محمد & فاطمة طه سلطان.


_______


اذكروا الله.


_______


لا نحب حين نختار، ولا نختار حين نحب.

عباس محمود العقاد.


________


صدح رنين هاتفه عاليًا، لم يستجيب له، فكان في عالمه الخاص بها، يريد امتلاكها بأكملها فحتى الآن لم يحصل على ما يريد ويتوق، فـ إستسلامها يجعله يفقد عقله… 

لم يتوقف رنين هاتفه، فـ ابتعدت عنه هامسة بخفوت: 

-التليفون يا شهاب.


أجابها بهمس مماثل من فرط مشاعره الثائرة مطوقًا وجهها براحة يديه:

-سبيه يرن… 


عاد يكمل ما يفعله، ثوانِ وكانت تبتعد عنه ثانية موقفة إياه مرة ثانية فهاتفه لا يتوقف عن الرنين، متحدثة بخجل: 

-رد الاول اكيد في حاجة مهمة، التليفون مبطلش رن، رد بقى.. 


ازدرد ريقه ونهض معتدلًا مخرجًا الهاتف من جيب بنطاله… 

توتر من هوية المتصل، فرفع عيناه يطالعها متمتم بنبرة حاول بها أخفاء توتره: 

-خليكي زي ما أنتِ هرد واجيلك إياكي تتحركي. 


ابتسمت له بخجل وراقبت مغادرته الحجرة…. 


خارج الغرفة...


وضع الهاتف على أذنيه مجيبًا عليها فقد قطعت تلك اللحظة التي كان يتوق لها: 

-ازيك يا دودي. 


ردت داليا على الفور، وصاحت بصوت يشوبه بعض العصبية: 

-ابوك فين يا شهاب، بتصل عليه تليفونه مقفول وانا محتاجه أوصله ضروري. 


قطب حاجبيه، وقال: 

-مش عارف بابا فين، بس م 


قاطعته قائلة: 

-انا مش لسة هدور عليه، وبما انك رديت يبقى أنت اللي هتساعدني يا شهاب. 


قلب عيناه مللًا نادمًا على انصياعه لـ ريما وإجابته على الهاتف، فلولا إلحاحها ذلك لكانت بين يديه الآن يبثها مشاعره تجاهها…


خرج صوته مكتومًا أثر غيظه: 

-خير إيه اللي حصل ؟


هتفت على الفور موضحة له ما تنوي ابنتها الحمقاء فعله : 

-بتول يا شهاب أتجننت رسمي، معرفش أمجد لاعب في دماغها ولا عامل ايه، بنتي أتجننت وبدمر مستقبلها، عايزة تسيب الشغل وفاتحت بوسي في الموضوع عشان تقدم مكانها السيزون ده. 


احتلته الدهشة وصاح بتساؤل: 

-ازاي يعني الكلام ده، ده برنامجها. 


-مش بقولك أتجننت. 


زفر زفره عنيفة ثم رفع يديه ومسح على وجهه، متمتم على مضض: 

-طيب وانا المفروض اعمل إيه، انا خلاص مليش دعوة بالحوارات دي، بابا هو اللي 


كاد يكمل لولا مقاطعتها له، صائحة: 

-ملكش دعوة ازاي يعني يا شهاب وبعدين قولتلك فهمي مبيردش.


أغمض عيناه لوهله، فـ تابعت بنبرة شبه مترجية: 

-عشان خاطري يا شهاب اتكلم معاها أقنعها متخليهاش تسيب الشغل، شغلها هو مستقبلها، وبعدين متقلقش أمجد مسافر يعني مفيش حاجة تمنع انكم تتقابلوا وتتكلموا. 


قضم شفتيه وصمت لبرهة مفكرًا في ريما القابعة بالحجرة، فلو فعل ما تريده داليا سيخسرها لا محال وهذا ما لا يرغب به، إذن سيطاوعها الآن ويهدء من روعها وغدًا سيتواصل مع والده حتى يحل هذا الموضوع بدلًا منه.. 


تنهد وهو يجيبها بهدوء كاذبًا: 

-ماشي مدام أمجد مسافر يبقى هكلم بتول بكرة عشان نتقابل.. 


اتسعت بسمة داليا و اردفت بأمتنان: 

-يعني مش عارفة اقولك إيه بجد. 


-متقوليش حاجة أنتِ عارفة بتول بالنسبالي إيه… 


أغلق معها، والتفت حتى يلج الحجرة مرة أخرى… لكنه تسمر مكانه...بل تجمد وهو يراها تقف أمامه كالصنم ومن الواضح أنها تابعت حديثه واستمعت له.. 

تحرك خطوة...أثنان..هاتفًا بأسمها: 

-ريما.. 


كاد يخطي الثالثة محاولًا التحدث وتبرير ذلك الموقف لها… 


لكنها رمقته بنظرة جعلته يتمنى وقتها أن تنشق الأرض وتبلعه ولا تنظر له بتلك الطريقة التي كانت توحي.. 

بالخذلان….الانكسار...وربما ندم. 

ندم على انجرافها خلف مشاعرها، معترفة له بحبها… 

حتى أنها لم تنتظر أن يبادرها هو بحقيقة مشاعره، وسبقته هى كالحمقاء… 


تساقطت الدموع على وجهها كحبات المطر… 

فلم يتحمل رؤية دموعها، و ردد اسمها مرة أخرى متأملًا أن تنصت له وتصدقه: 

-ريما والله والله العظيم ما كنت هكلمها ولا هقابلها انا بس كنت 


لم تسنح له بأستكمال حديثه الكاذب في نظرها، مندفعة لداخل الغرفة متبدله من تلك الضعيفة المصدومة لآخرى باتت أكثر قوة…قوة تكاد تكون مخيفة ولا يدري أحد بعواقبها...


لحقها وهو لا يكف عن التبرير، لا يريد خسارتها..بل لا يتحملها إذا صح القول.. 

-ريما صدقيني والله كنت بطاوع داليا بس عشان تقفل و 


التفتت له بلمح البصر صارخة بوجهه بصوت عالي و وجهه أحمر من شدة الغضب…. 

-أنت تخرس خالص مش عايزة اسمع صوتك، مش طايقة اشوفك قدامي، انا غلطانة أني حبيت واحد زيك..كداب...وغشاش… 

انا غلطانة، وهغلط اكتر لو فضلت قاعدة معاك هنا… 


هرولت تجاه خزانتها صاحبة حقيبتها كبيرة الحجم.. 

قذفتها على الفراش بعنفوان، وظلت تتحرك مجلبة ملابسها واضعة إياهم بعشوائية.. 


بينما هو كان لا يتحمل ما يراه.. 

يكذب ما تفعله وما تراه عيناه فهى لن تتركه بعدما تعلق بها واعتاد على وجودها في حياته، بل ومن المحتمل أنه لها عاشقًا.. 


لم تلملم جميع ملابسها، وضعت القليل، ثم انتشلت ما جاء بيديها و تحركت تجاه دورة المياة حتى تبدل ملابسها، صافعة الباب في وجهه… 


وقف أمام الباب في الخارج، قلبه يتمزق أشلاًء متحدث بهدوء يغلفة ترجي 

-طيب أنا آسف، آسف عشان جرحتك، وعشان رديت عليها، المفروض لما شوفت أنها هى مكنتش رديت، بس محبتش عشان متشكيش اني لسة حاسس بحاجة ناحية بتول، والله ما بقيت بفكر فيها حتى.. 


فتحت الباب رامقة إياه بنظرة حملت بين طياتها الكثير، ثم تحركت من أمامه فـ حاول إعاقة طريقها لكنها لم تسنح له دافعة إياه…


أغلقت الحقيبة وجذبتها من على الفراش، ثم حاولت جرها والتحرك صوب الباب، لكنه وقف أمامها كالسد المنيع، متحدث بنفي ورفض لرحيلها وتركه وحيدًا: 

-مش هسيبك تمشي يا ريما، مش هسيبك… 


توحشت عيناها وقسماتها مزمجرة فيه بشراسة: 

-مش بمزاجك سامع مش بمزاجك، وهطلقني، ولو مش بمزاجك غصب عنك وهخلعك.. 

أنت سامع…هخلعك…


لم يبالي بحديثها فقط اقترب وانحنى قليلًا محاولًا أخذ الحقيبة من يديها، فدفعته بقبضتها وعندما حاول تكرارها مرة ثانية تركت الحقيبة واندفعت تجاه (التسريحة) الموضوعة بمنتصف الحجرة، ملتقطة قنينة العطر الخاص به، قاذفة إياها بالخزانة صارخة بجنون… 

-أنا بكرهك، بكرهك، وعُمري ما هسامحك أنت سامع عُمري ما هسامحك يا شهاب. 


لم تكتفي بتلك الفعلة فقط… 

بل التقطت أخرى، ثم جاء دور اشياءها فلم تترد بتحطيمهم وتهشيمهم لعدة قطع… 


هوى قلبه بين قدميه خوفًا عليها، فلم تكن بحالتها الطبيعية… 

رفع يديه مستسلمًا امامها، محاولًا تهدئة روعها: 

-طيب خلاص خلاص، هسيبك تمشي بس هوصلك… 


صاحت بجنون: 

-لا مش بمزاجك يا شهاب. 


-افهمي الوقت متأخر مينفعش تمشي لوحدك في الوقت ده، مش أنتِ عايزة تمشي هسيبك تمشي وهوصلك مكان ما أنتِ عايزة يلا.. 


قالها بترجي، فردت بزمجرة قادمة من أعماق الجحيم: 

-قولت لا أنت مبتفهمش…


هنا وأدرك أن تلك الطريقة لا تنفع معها، فقال بعصبية واضحة: 

-طب اسمعي بقى لو عايزة تمشي من هنا انا اللي هوصلك ده لو حبة تمشي وتخلصي مني زي ما بتقولي غير كدة لا… 


حل صمت مريب بالحجرة، مكتفية بتصويبة بنظرات كارهة نامقة، ثم اماءت له بموافقة وهى تجلب حقيبتها لا تستطع تحمل رؤيته اكثر، تنهد براحة واقترب محاولًا جذب الحقيبة وحملها بدلًا عنها، لكنها ابت ذلك… 


وغادرت الحجرة وهى تجر الحقيبة… أما هو فلحق بها حتى يقم بأيصالها… 


استقلت في المقعد الخلفي للسيارة وحقيبتها جوارها، أما هو تركها تفعل ما تشاء مدركًا أن معها كامل الحق… 


صعد في مقعده المخصص بقلب متألم، فكان يظن بأن الليلة ستكن مثل الحُلم والحقيقة أنها باتت كابوسًا… 


رفع يديه وقام بتوجيه المرآة تجاهها، ثم اشعل محرك السيارة حتى يصلها لمنزل اهلها فـ آتاه صوتها الذي كان كالجليد مخبرة إياه بعنوان رفيقتها مها التي ستمكث برفقتها…. 


بعد مرور بعض الوقت…


توقفت سيارته أسفل منزل رفيقتها الذي ما أن تناهى له العنوان حتى تحرك قاصدًا إياه..


لم تتمهل، ساحبة الحقيبة مغادرة السيارة غير ملتفتة خلفها لذلك المتألم… 


ظل بالسيارة محاولًا التفكير بحل..


ثم اخرج هاتفه وجاء برقم والده، الذي أجابه بعد لحظات، فخرج صوت شهاب ضعيفًا: 

-تليفونك مقفول ليه يا بابا؟ 


انتبه فهمي لنبرة صوته فقال بترقب وقلب قلق على ابنه الوحيد: 

-مالك يا شهاب صوتك عامل كدة ليه أنت اتخانقت مع ريما ولا إيه..


أغمض شهاب عيناه تزامنًا مع عودته برأسه للخلف مريحًا إياها، ثم بدأ بقص ما حدث بينهم من شجار بسبب تلك المكالمة….


________


اليوم التالي…


يقبع أمجد بسيارته بمكان بعيدًا عن مدرستها لكنه يستطع من خلاله مراقبتها ينتظر خروجها...متلهفًا لرؤيتها..التي تشعره بأنها لاتزال على قيد الحياة...

رفع يداه ونظر بساعة معصمه فوجد أن ميعاد الانصراف قد حان وسيراها بعد ثوانِ فقط....

وبالفعل وقعت عينه عليها...وظل مثبتًا بصره عليها وكم تمنى الترجل والتحدث معها...

لكنها تظل آمال..وأحلام فقط!!!

لمعت عينه بدموع حبيسة...متألمة.. متذكرًا كلمات والدتها الراحلة..الذي سلبها منه عدوه اللدود....

-أنا مبحبكش يا أمجد...انساني بقى..انا ونجم هنجوز...انا بحبه هو....


هنا وانتفض جسده...وتشنج جسده متذكرًا رفضها له...وذهابها لأحضان الآخر....ضرب بكامل قوته على مقود السيارة من أمامه وصرخة مكتومة تخرج من فوه.....


________


- ادخل 


قالها عامر بسأم وهو يجلس على الأريكة المتواجدة في غرفته، فمنذ ساعة يقبع بغرفته ويأبى الخروج منها منذ معرفته بوجود هبة ابنة عمه في المنزل كما أنه يفكر في المكوث في المزرعة حتى يتأكد من ذهابها…


دخلت هبة بمجرد سماعها موافقته، ليهتف عامر متأففًا وهو ينهض من جلسته فكان يظن أنه شقيقه ليسلمه بعد الأوراق الخاصة بالعمل الذي أجبره عليه حتى يترك الجلوس مع أصدقائه..

- يا نهارك أسود.


- لا مهوا أحمر أهو يا عامر..


قالتها بدلال بعد ضحكة ساخرة خرجت منها وهي تشير إلى عبائتها الحمراء..


نهض ممسكًا بذراعها بانفعال 

- هو يا بنت **** .. هخلص منك أمتى ومن قرفك هو جوزك مش لامم خلقتك عننا ليه..


هتفت هبة بدلال وغنج وهي تحاول ملامسه عنقه بيدها الاخرى ساخره من كلماته:

- اصل قولتله سبني اروح ابارك للعريس..صحيح مين العروسة سمعت انها اخت خطيبة ايمن والله كويس جه حد فك العقدة كنا فاقدين الامل تتجوز بس غريبة معرفهاش..


- معلش الاشكال النضيفة اللي مش شبهك معدتش عليكي...


قالها بسخرية ثم هتف بغضب جامح 

- بجولك ايه يا هبة قسما بالله لو ما اتلميتي هوريكي اللي عمرك ما شوفتيه ولا هيهمني الدم وأنك بنت عمي ولا اراضيكي والكلام الماسخ اللي واكله عجل ابويا بيه..


دفعها خارج الغرفة ثم أغلق الباب في وجهها فهتفت هبة بسُخط:

- هوريك يا عامر انا وانتَ والزمن طويل.


________


هبطت غرام من الأعلى وهي تحمل كتابين و(كشكول) محاضراتها..

مستغلة ذهاب رضوان وتوحيدة لزيارة أحد الأقارب وأن راضية في عملها وكذلك نجم، وياسمين تجلس في غرفتها لا تخرج منها..


فوجدت سندس التي عادت منذ قليل من المدرسة تجلس على الاريكة بعدما ابدلت ملابسها وبجانبها بعض من الكتب المدرسية الخاصة بها مبعثرة وحقيبتها ملقية على الأرض بأهمال، فأخذت غرام تلك الحقيبة الملقاة ثم وضعتها بجانب سندس فهتفت سندس بحنق بمجرد رؤيتها، وبرزت عروقها وبشدة متذكرة كلمات صديقاتها اليوم عما  حدث لإحدى صديقتهم بمجرد زواج أبيها باخرى: 

- سيبي حاجتي زي ما هى، انا لو عايزة اشيلها من الأرض كنت شلتها مش مشلولة أنا…


- انتِ حماقية كده ليه يا سندس، سبحان الله اللي يشوفك بتكلمي نجم او بتكلمي أي حد في البيت غيري ميشوفش طريقتك معايا..


كانت غرام تتحدث بنبرة هادئة ومرحة لتجلس بجانبها، فهتفت سندس ببرود شديد:

- يمكن لاني مش عايزة اتعامل معاكي ولا عايزة اشوفك..


- ليه طلعت الاولى على الفصل، ولا باكل السندوتشات منك في الفسحة يا سندس…


كانت تتحدث بمرح ودعابة وتحاول الا تنزعج من حديثها فهي كانت تتوقعه من الأساس، لتمد يدها وتعبث في خصلات شعرها الفحمية والناعمة الغزيرة، فاستكملت حديثها وهي ترى قسمات وجهها على وشك الفتك بها:

- على فكرة مامتك كان شعرها حلو زيك، عارفة اني لما كنت باجي وهي لسه عايشة كنت بقولها اديني سر الخلطة علشان شعري يكون زيك…


رمقتها سندس باستغراب فهل هي تمدح في والدتها حقًا أم أنها هي من تتخيل، فهتفت بجمود أجادت صنعه :

- وانتِ ليه بتقوليلي كده ويعني انتِ بتحبيها مثلا..


- وهكرها ليه يا ام لسان..حسناء الله يرحمها كانت زي القمر ومكنش فيه منها…


- لو كنتي بتحبيها مكنتيش اتجوزتي بابا..


قالت كلماتها بانزعاج شديد وتذمر لتحاول غرام تكوين أجابة منطقية يمكن لعقلها أن يستوعبها، فتلك الفتاة ليست ساذجة كما كانت تظن في الماضي، فتنحنحت ثم هتفت بتفكير:

- ما انتِ كنتي بتكرهي جدتك..


- يا سلام انا عمري ما كرهت ستو توحيدة…


- لا مهوا ستو توحيدة مش أول واحده جدو رضوان يتجوزها، كان متجوز واحدة وربنا يرحمها ماتت واتجوز ستك توحيدة اللي انتِ بتحبي تنامي في حضنها..


- مدخلنيش في حاجات مفهمهاش علشان تتوهيني عن سؤالي..


تركت الكتاب والقلم لتعقد ساعديها، فهتقت غرام: 

- سندس انا بحبك وانتِ زي اختي الصغيرة، جوازي من نجم ميفرقش حاجة معاكي مش كنتي بتحبيني وبتحبي تقعدي معايا انا وياسمين، ايه اللي اتغير لما اتكتب كتابنا، الناس بتموت وتعيش ده حال الدنيا والحياة بتستمر وبعدين انا مش شيطانة وطالعلي قرون..


- مريم صاحبتي مرات أبوها بتضربها كل يوم، وبتيجي عنيها ورمة وجسمها ازرق من واحنا في ابتدائي وبسببها أبوها مبقاش يحبها..


هتفت غرام بنبرة حانية: 

- وانا مش شريرة للدرجاتي، اعتبريني اخت ليكي، ممكن نذاكر سوا وممكن تحكيلي اي حاجة حابه تتكلمي فيها؛ وبلاش تحكمي من كلام حد، مش المفروض تتعاملي معايا كويس ولو لقيتي تصرف مني وحش ساعتها بقى تزعلي وتاخدي جنب مني…


صمتت ثم هتفت بمرح شديد: 

- ولا اقولك روحي اشتكي ستو توحيدة لو عملتلك حاجة تزعلك وهتضربنا انا وانتِ..


لتبتسم سندس رغمًا عنها، فصاحت غرام بنبرة هادئة: 

- عرفت أنك بتشتكي من الانجليزي، وانا شاطرة فيه جدا وممكن اساعدك فيه، واهو يبقي بقدم السبت، وانتِ تقدمي الحد إيه رأيك..


نظرت لها بتفكير وهي تحاول أن توزن العرض في عقلها، فهتفت وهي تزم شفتيها:

- وأنا هقدملك الحد ازاي..


- تساعديني في تحضير الغدا قبل ما الكل يجي ونجية جوا معانا تساعدنا ونقولهم اننا عملنا الأكل إيه رأيك وممكن نجيب ياسمين كمان…


- خلاص هفكر..


قالتها بغرور فهتفت غرام بمرح: 

- تبًا لكي يا مغروره، ويلا ياستي طلعي كتابك وقوليلي ايه اللي عندك مشكلة فيه وانا هذاكرهولك وهذاكر محاضراتي ونعمل الاكل اتفقنا؟؟ 


ردت سندس والابتسامة ترتسم على ثغرها:

- اتفقنا ...


انتهوا غير مدركين بتواجد نجم الذي ابتسم متابعًا الموقف دون أن يجذب أنظارهم سعيدًا بحديث غرام واستجابة ابنته لها.….


_________


في مكان شديد العتمة عدا من تلك النجوم اللامعة التي تزين السماء الصافية….

مكان كان خالي كالصحراء...

كانت تقف في المنتصف تتلفت حولها بأعين تائهة بفستانها الأبيض محاولة إيجاده….


هتفت بأسمه بصوتها الناعم فالخوف من تلك العتمة وذلك الخلو يسيطر على كل أنش بها..

-أمجد...أمجد أنت فين؟؟؟ انا خايفة…


لم يآتيها جواب..فـ بدأت بالسير ببطء ورأسها لا تتوقف عن الالتفات حولها. 


ازدادت خفقاتها وهى تشعر بـ يد وضعت على كتفيها من الخلف. 


استدارت على الفور ظننًا بأنه هو، لكنها لم تجد أحد ولم تستطع رؤية شيء... 

ازدردت ريقها خوفًا….وتابعت بخفوت: 

-أنت فين يا أمجد انا خايفة أوي انت…


ما لبثت أن تنهي جملتها حتى وجدت ضوء ساطع يأتي من مكان بعيد لم تستطع تحديد مكانه أنار لها طريقها…


تسللتها الراحة نوعًا ما، ثم تابعت سيرها بحثًا عن زوجها.... 

ظلت هكذا بعض الوقت...وحيدة...ضعيفة...كل ما تتأمله هو أن يظهر أمامها ويرحلون من هذا المكان المخيف..


-بـتـول سـاعـدينـي.. 


توقفت عن السير مستمعة لصوته يناجيها ويطلب مساعدتها…

لم تفكر لحظة أخرى واسرعت بالخطى وهى تردد بصوت عالي وقلق وخوف على معشوقها لا يهمها بتلك اللحظة رهبتها من المكان فقط هو من شغل بالها: 

-أنت فين يا أمجد...أمجد...رد عليا…


ظلت تهرول..عينيها تجوب بالمكان بأنفاس لاهثة..متسارعة..

وأخيرًا استطاعت رؤية شيء... 

اقتربت من ذلك الشيء التي لم تستطع تحديده، وما أن تقدمت حتى وجدت ما يشابه بحيرة صغيرة ولكنها كانت عميقه... 

شيء ما يتحرك بها... 

اختلج قلبها وتباطأت حركتها..

هنا وظهرت يداه من تلك البحيرة ثم عقبها رأسه، محاولًا الخروج…


ارتعبت..لا تتذكر بأنها ذعرت من قبل لتلك الدرجة.. 

لم تتردد من الاقتراب منه ومحاولة إنقاذه.. 

ظلت تحاول وتحاول وتحاول... 

لكنها فشلت فشلًا ذريعًا أعاقها ابتعاده، قذفت في المياة وظلت تسبح علها تلحق به...وما أوقفها لون البحيرة الذي تبدل وبات أحمر اللون...ليصتبغ فستانها الأبيض ويصبح أحمر اللون !!!!!


شهقت بتول بفزع مستيقظة من نومها...بل من كابوسها ذلك مضيئة أنوار الحجرة…


شاعرة بحبيبات العرق التي تزين جبينها.. ودموعها الذي تتسابق على وجهها... 


رفعت يديها والتقطت هاتفها من جوارها، مقررة مهاتفة معشوقها بتلك اللحظة متناسية أي شيء قد بدر منه، مقررة مسامحته.... 


في الصعيد..


دخل أمجد المنزل والضيق يعتريه، مازال غاضبًا وبشدة من بتول ومن كل شيء ومن نجم أيضًا فخرج لعله يشعر بالراحة بمفرده…


صدع صوت هاتفه وهو يغلق الباب ليشعر بالقلق فمن سيتصل به الآن؟؟! هل هناك خطب ما؟؟! 

أخرج هاتفه من جيبه، ليجد أن المتصل بتول ليجيب عليها فورًا في نبرة قلقة ولهفة لم يستطع أخفاءها خوفًا من أن يكن قد أصابها مكروه 

- الو... بتول حصل حاجة انتِ كويسة ؟!


جاءه صوتها الضعيف وعلى ما يبدو أنها تبكي بشدة... 

-انا كويسة متخافش...قولي أنت كويس؟؟


-كويسة ازاي يا بتول، انتِ بتعيطي صوتك مش طبيعي في إيه متجننيش..


قال امجد كلماته بقلق شديد فصوتها لا يعبر عن خير ابدا فألمه ذلك الضعف الذي يتواجد في نبرتها وبكاءها بعيد عنه... 

‏فهتفت بتول بنبرة مشتاقة وقلقة والدموع تنهمر منها.. 

-أمجد أرجع أنا بحبك والله بحبك رغم كل حاجة، أمجد انتَ وحشتني وعايزاك تيجي حالا وأشوفك بأسرع وقت. 


لا يدري هل يجب أن يقلق من صوتها أم تهلل أساريره لاعترافها بأنها تشتاق له، فعلق بنبرة خافتة 

-انتِ كويسة طيب؟؟ بتعيطي ليه فهميني متقلقنيش ابوس ايدك..


-انا كويسة يا امجد..انتَ وحشتني وعايزاك جنبي مش قولت أنك هتيجي وأنك هتوحشني وانتَ مكدبتش تعال علشان خاطري..


‏هتف والابتسامة ترتسم على ثغره:

-جاي يا بتول، مينفعش تقولي لامجد وحشتني وميجيش، انا منمتش من امبارح وكنت صاحي ورغم كده صدقيني ما هنام وهجيلك علطول يا نور عيني، بطلي عياط بس…


‏أردفت بتول بنبرة خافتة وقلب مذعور: 

-حاضر أنا هستناك مش هنام يا امجد الا لما أشوفك…


__يتبع__



الفصل السابع عشر من #زيغه_الشيطان

#اضواء_مبعثرة 


بقلم (فاطمة محمد&فاطمة طه سلطان)

_______


اذكروا الله 

_______ 


"أنا الآن في أسوأ حالاتي فـ لا تخدعك ابتسامتي إنها مزيفة؛ ولا يخدعك اتزاني فـ إن كل شيء بي يميل."


- أحمد عطية


_____


في أحدي الشقق المتواجدة في المناطقة الراقية والجديدة، كانت ريما تجلس علي الفراش تبكي وبحرقة جرح كبير قد صدع في قلبها فلم تستطيع تضميد جرحها السابق، فمازالت لا تصدق ما فعله بها اعترفت بحبها له كالحمقاء.. 


وكانت علي وشك أن تسلم نفسها كما سلمت قلبها له من قبل، كانت بالنسبة له لحظة عابرة، رغبة لا أكثر وبالنسبة لها لحظة تمنتها معه العمر كله، ولكنه يقتل أمالها ويحطم قلبها بأبشع الطُرق مازالت في خاطرة ويريد أن يقابلها، مازالت بتول في عقله وقلبه أما هي سراب.... 


كانت تريد أن تموت أهون لها مما تشعر به الآن دخلت صديقتها مها وهي تحمل الطعام، ووضعته علي الطاولة وهتفت بنبرة حانية وهي تقترب منها

- اهدي يا ريما بقا، علشان خاطري انا معرفش أيه اللي حصل وانتِ من ساعة ما جيتي مش عايزة تتكلمي بس علشان خاطري بطلي عياط من ساعة ما جيتي وانتِ علي الحال ده 


حاولت التوقف عن البكاء ولكن بلا جدوي، هتفت ريما وهي تلطم علي خديها بانهيار 

- مش قادرة يا مها، مش عارفة ابطل أوجع في قلبي ولا عارفة أحكيلك ايه اللي حصل 


قالت تلك الكلمات بتلعثم شديد وتزداد شهقاتها، أخذتها مها في أحضانها وحاول تهدئتها بقدر الإمكان، فهناك جرح كبير في قلبها لا تستطيع تفاديه ولا حتي البوح به كيف تبوح بما يحدث معها 

- اهدي يا ريما، ومش عايزاكي تقولي ياستي حاجة  انا مش عايزة أعرف، كفايا انك تكوني كويسة وتهدي مفيش حاجة ملهاش حل 


هتفت ريما وهي تنظر لها بأعين غامضة صارخة بألم شديد 

- مفيش حاجة هتعدي يا مها، انا غبية يا مها،  كل مرة برخص من نفسي علشان بحبه، عايزة ابطل أحبه عايزة اكرهه يا مها، وحياة الكسرة اللي انا فيها لهطلعك يا شهاب يا فهمي من قلبي وهخرجك من حياتي كأنك مدخلتهاش 


احتضنتها صديقتها أكتر محاولة محاولات تبوء بالفشل بأن تهديها، قلم تكن ريما فتاة تبكي لتلك الدرجة، نعم منذ أن عرفتها وهي حساسة للغاية وتتألم لابسط الاشياء ولكن لاول مرة يحدث شيء يصيبها بالانهيار الي تلك الدرجة... 

________ 


«في صباح اليوم التالي» 


-في بيت عائلة الشيمي- 


أغلقت صفية الهاتف بغضب شديد وكانت تقف بجانبها سعاد، تلك المرأة التي تعمل منذ سنوات في بيتها؛ وتعتبر صديقة لها أيضًا 


فهتفت سعاد بتساؤل حينما لاحظت ملامح صفية التي تحولت تمامًا، فكانت تتحدث مع أمجد فحينما استيقظوا من النوم لم يجدوه في المنزل

- في ايه يا ست صفية أمجد بيه فين 


- هيكون فين عاد رايح عند المحروسة، جال عنده حاجات مهمة وكان لازم يمشي وطبعا ابني بيكدب رايح لبتول اللي كلت عجله وبعدته عن عيلته وناسه


تنهدت بانزعاج ثم استكملت حديثها بسخرية 

- وواكله عجله دلوجت أكتر من أي وجت تاني علشان حبلة يا سعاد


- الحمدلله انه بخير بدل ما قلبنا اتخلع 

قالتها سعاد بهدوء شديد وحاولت أن تقوم بتهدئتها ليحدث ما يعكس ما تريده، ففي نفس الوقت كان أكرم يهبط من علي الدرج وهو يجر حقيبة سفره


فهتفت صفية بحنق شديد وكأنها تشكو له

- شوفت اخوك يا اكرم، راح القاهرة 


هتف أكرم بلا مبالاة مجيبًا عليها فهي حتي لم تهتم لحقيبة سفرة سيظل أمجد هو الأهم

- ايه الجديد كان عندك أمل انه يسيب مكتبه وشغله ومراته ويقعد معاكي 


صاحت صفية بغضب شديد وهي كادت أن تنهض من مكانها سوي جسد سعاد الذي منعها

- ما تتكلم زين يا واد أنتَ 


- انا قولت الحقيقة يعني هو من امته كان قعد، وبعدين  مش ده امجد اللي بيجي يصلح كل حاجة وبيعمل اللي محدش بيعمله 

قال كلماته بغضب شديد فحاولت أن تهدأ حتي لا تغضبه أكثر مدركة غيرة أكرم من أمجد منذ الصغر، فهتفت بانزعاج وهي تري تلك الحقيبة 


- وايه ده انتَ رايح فين ان شاء الله 


فهتف اكرم وهو يجر حقيبته 

- كويس أنك اخدتي بالك اخيرا..رايح بورسعيد عن عمتو هقعد شوية واجي، لو في حاجة كلميني 


خرج بعد أن قال كلماته من البيت بأكمله، فهتفت صفية بغضب عقب خروجه 

- شوفتي يا سعاد، واحد متعلق بعمته وقاعدلي عندها علطول والتاني ماشي ورا مراته 


أردفت سعاد بخفوت حتي تخفف من انزعاجها 

- اهدي يا ست صفية هي دي أول مرة هما دي عادتهم والشباب كلهم كده صيتهم من دماغهم 

انطلقت ضحكة ساخرة منها، ثم هتفت بغضب حينما تذكرت نوم رقية حتي الان 


- اهو كلام، وبعدين اطلعي شوفي الهانم التالتة منزلتش ليه علشان الفطار، وله يعني هي جت عليها يمكن تكون هي كمان ناوية تسيب البيت وتمشي هو انا بقا ليا لزمة عند حد فيهم... 

_________


-داخل حجرة راضية-


صدح رنين هاتفها منبهًا إياها عن موعد استيقاظها وميعاد عملها... رفعت يديها مغلقة إياه، فهى لم تغفو مثل البشر فقد كان نومها متقطعًا... كيف يغلبها النوم وتنام بطريقة طبيعية وهى من تجبر على الزواج... وشقيقتها تحمل في احشاءها طفل أيمن الذي اذا علم والدها به سيقوم بقتلها لا محال 


فهي كانت دائمًا رافضة للزواج فهى تلك المرأة الطموحة التي تريد بأن تعليم وعمل المرأة أهم شيء في حياتها.. 


رفضت زيجات عديدة لأسباب واهية.. وها هى توضع أمام الأمر الواقع..عليها القبول لإنقاذ أختها.. 

نهضت من على الفراش والجة دورة المياة.. 

وقفت أمام المرآة القابعة فوق حوض الأغتسال... 

فتحت صنبور المياة وضمت كلتا يديها جامعه بعض المياة، ثم نثرتها على وجهها عدة مرات... 


انتهت مغلقة المياة ملتقطة المنشفة من جوارها وهى تطلع في انعكاسها بالمرآة، متحدثة بينها وبين نفسها: 

-لازم توافقي يا راضية مقدمكيش حل تاني، لو موافقتيش ابوكي مش هيتمم جوازة ياسمين وايمن الا بعد سنتين وساعتها اختك هتنكشف وهيقتولها، هى غلطت بس أنتِ مش هتتحملي تخسريها ولا أن ابوكي ونجم رأسهم تنزل 


تنهدت بقوة، ثم تركت المنشفة متخذة ذلك القرار والموافقة على تلك الزيجة واخبار والدها قبل الذهاب الي المستشفي.. 

_____ 

  

-في فيلا أمجد الشيمي- 


ولج أمجد البيت بعد أن فتحت له الخادمة بترحاب شديد، وأخبرها بأن يذهب احدهما لأخد الحقائب من سيارته، حينما دخل  وجد داليا تجلس وأمامها كوب من الشاي وبعض المعجنات التي تتناولها هي وبتول في الصباح وتتصفح أحدي المواقع علي هاتفها، فأردف امجد بابتسامة هادئة وهو يظهر له أسنانه 

- ايه النور ده؛ داليا هانم مرة واحدة هنا 


نظرت له داليا منتبه لذلك الصوت الذي يكفي لأن يصيبها بأنزعاج شديد، ليستكمل أمجد حديثه 

- صباح النور يا حماتي عاملة ايه 


أجابته علي مضض وهي تجز أسنانها أمام ابتسامته الواسعة فهي لم تتوقع أبدًا مجيئه الآن وبتلك السرعة

- صباح الخير يا أمجد، جيت يعني مكنتش اعرف أنك راجع بسرعة أوي كده 


- اهو علشان يبقي ليا نصيب أشوفك مش يمكن لو عرفتي كنتي تمشي ؟؟ 

ليضحك بمرح، ثم هتف بنبرة هادئة مستكملاً حديثه وهو يلعب علي استفزازها علي أكمل وجه 


- كفايا مشاكل يا حماتي، لو مش حبًا فيا فيكون علشان خاطر بتول واللي في بطنها انا مستني أبني وانتِ مستنية حفيدك احنا الاتنين مجبرين نحترم بعض علشان خاطر بتول واحنا الاتنين مصلحتنا واحدة 


هتفت داليا بسخرية مجيبة إياه 

- للاسف الشديد..كان يوم اسود يوم ما اتجبرت اتحملك 


- بتول فين علشان وحشاني أوي واوعي يا حماتي تمشي علشان انا جيت، مش برضو لو بتول شافتنا كلنا بناكل وقاعدين في هدوء نفسيتها هتكون أحلي 


قال كلماته بنبرة هادئة، فأجابت داليا عليه بسخرية 

- اه بتحب الخير اوي انتَ يا أمجد بتول في أوضتها


- ماشي، حماتي خدي دي 

ليرسل لها أمجد قبلة في الهواء بمرح شديد، ثم ذهب ليصعد علي الدرج بحماس شديد، فهتفت داليا بحنق وخفوت محدثة نفسها


- يا تناحة أمك يا شيخ 

فقد أفسد مخططها لن تستطيع بتول مقابلة شهاب وفي نفس الوقت مجبرة أنها ستعود إلي منزلها وتترك أبنتها معه، ستتناول الطعام معهما حتي تتحسن أبنتها فهي مدركة ما يُصيبها ثم تذهب.


-في الأعلي-


كانت بتول تجلس علي فراشها فهي لم تنم منذ استيقاظها من ذلك الكابوس تنتظر مجيئه كما وعدها، وبمجرد أن فتح أمجد الباب ورأته، نهضت فورًا راكضه له قائلة بسعادة وكأنها كانت تخشي عدم رؤيته مرة أخرى فأصابها ذلك المنام بالذعر... 

كان أمجد يغلق الباب لتأتي محتضنه أياه وبشدة أنفاسها عالية ولاهثة وخائفة، احتضنها أمجد بعمق شديد دافنًا وجهه في عنقها، يشم رائحتها  فتقتله ببعادها وهجرها له... 


رفع أياها حاملا أياها في أحضانه لحظات صمت عجيبة أصابتهما، ليتجه ناحية الفراش ليجلسها عليه، ويجلس هو جاثيًا علي ركبتيه أمامها قائلا وهو يمرر اصابعه علي شعرها 

- مالك يا بتول، مكالمتك كانت قلقاني اوي مش عايز أقولك انا جاي طول الطريق اعصابي عاملة ازاي، كلمة واحدة بس هي اللي كانت مصبراني هو انك مشتاقالي وعايزاني جنبك 


- خوفت يا أمجد خوفت رغم  زعلي منك خوفت.. حلمت بكابوس وحش أوي، عارفة اني زعلانة وعارفة كل حاجة بس كنت هموت لو مشوفتكش 


كانت تتحدث والدموع تنهمر منها ويقوم هو بدزره بمسحها

- بعد الشر عليكي يا بتول انا مقدرش أعيش من غيرك 


قال كلماته بحنو شديد، فامسك يدها الباردة، يقبلها وهو ينظر الي داخل عيناها وما تحمله من خوف وحب له مهما أنكرت 

- اسف يا قلب أمجد لو كنت زعلتك وتنقطع ايدي يا بتول لو اتمدت عليكي تاني انا ساعة غضبي مش بتحكم في نفسي بس انتِ عارفة أني بحبك، متزعليش مني يا حبيبتي 


قال كلماته وهو يرتفع قليلا مقبلًا ذقنها ليرتفع أكثر مقبلا وجنتيها، ثم قبل جبهتها 

فهتفت بتول بهمس وهي تنظر الي عيناه التي تعشقها وتقع أسيرتها لا تدري أي تعويذة قام بفعلها لها حتي تعشفه هكذا 

- مش زعلانة يا أمجد كفايا أنك قدامي وبخير دلوقتي 


- انا بعشقك يا بتول..انا مهووس بيكي 

قال تلك الكلمات وهو يهمس أمام شفتيها مائلًا عليها، أخذًا شفتيها في قبلة قوية يعبر لها عن مدي شوقه لها؛ وكيف جرحت كرامته وألمته حينما رفضته لتبادله مجبرة فهي بالفعل تشعر بالتخبط.. 


فهي غاضبة وحانقة عليه ولكنها تخشي فقدانه مازالت تشعر بالقلق؛ بادلته شغفه ليبتعد عنها فاتحًا أزرار قميصه بلهفة شديدة وهو ينظر لها فلمس منها القبول بسكونها ومبادلتها له ليخلع قميصه قاذفًا أياها بعيدًا ويعود مرة أخري لتقبيلها وبادلته بحب وعشق شديد وكأنها تناست كل شيء بمجرد رؤيته، وحاوطت عنقه تناسوا العالم لدقائق وتناسوا ما حدث


حتي دق الباب دقات خفيفة فابتعد عنها هاتفًا بسخرية مرح وخفوت 

- واضح اني اندمجت شوية ونسيت أن أمك هنا 


لتضحك بتول رغمًا عنها، فصاح أمجد قائلا ليسمعه من في الخارج 

- ايه 


جاءهم صوت الخادمة قائلة بنبرة عملية بعض الشيء

- الفطار جاهز يا أمجد بيه، مدام داليا خلتنا نحضره علشان حضرتك لسه واصل 


- ماشي قوليلها جايين 

قال أمجد كلماته علي مضض لتذهب الخادمة فأردف بانزعاج وهو يجز أسنانه 

- أحلي حاجة في حماتي خوفها عليا خلتهم يحضروا الفطار ليا مخصوص قد أيه بتفكر فيا .... 

  

____________ 


في المزرعة...في الصعيد 


وبعدما انتقت غرام فرسًا ابيض اللون...كي تمطيه بمفردها...كانت تقف بجواره..تفكر في طريقة لاستقلاله...

بينما امتطى نجم الفرس الخاص به والذي كان يتسم بسواد اللون مشابهًا عتمة الليل... فقرر أن يكفائها بسبب تقربها من ابنته في الفترة الاخيرة فخالفت توقعاته

صدح صوته الرجولي المحب إليها متمتم:

-يا مسهل الحال يارب...ما تركبي يا بنتي مش هتفضلي اليوم بحاله بتركبي في حصان...ده حصان...مش فيل... 


لوت فمها وتمتمت بسرها:

-والله ما في فيل غيرك.... 


ثم هتفت بصوت عالي:

-بقولك ايه انا مش عايزة اركب..أنا غيرت رأيي... 

ارتفع حاجبيه وصاح وهو يهبط من أعلى حصانه:


-لعب عيال ولا إيه... 


انتهى مقتربًا منها حاملًا إياها واضعًا إياها جبرًا فوق الحصان... صرخت غرام مرددة بخوف محاولة النزول:


-لا لا...مش عايزة..والله اصوت..والم عليك كل اللي في المزرعة...نزلني... 


التفت نجم حوله وردد بغلاظة متعمدة:

-هما فين اللي في المزرعة دول...ده مفيش غيري انا وأنتِ...انهاردة إجازة العمال... 


ابتلعت ريقها مدركة صدق كلماته فقالت مترجية شاعرة بالرهبة الشديدة:

-ورحمة حسناء يا نجم لتنزلني...نزلني... 

هنا وتبدلت قسماته ولاحت بذهنه بل تكررت أمام عيناه ذكرى شعر بأنه يعايشها من الجديد...

فلاحظت غرام حزنه...وصدمت من مساعدته إياها على الهبوط..


مخبرًا إياها بتراجعه عن الذهاب بجوله:

-يلا خلينا نرچع الدوار.... 

_____ 


-في المساء- 


-شوفت يا فهمي شهاب حكالك على اللي بتول ناوية عليه..بنتي خلاص اتجننت.. أمجد واكل دماغها ولعب في عقلها...مش كفاية انها وقفت قدامي وعندت معانا واتجوزته غصب عنا لا كمان ع 


كادت تسترسل تلقى كلماتها الحادة العنيفة التي تبين مدى كرهها وبغضها تجاه زوج ابنتها فتركتهم بعد الغداء وقامت بمهاتفة فهمي علي الفور .. هتف فهمي مجيبًا عليها بتلك الكلمات التي لم تلقي أعجابها:

-كفاية يا داليا..كرهك لـ امجد عميكي ومخليكي بدمري في بنتك وتجرحيها ومش بس كدة لا..أنتِ كمان بدمري حياة ابني ومراته...بسبب مكالمتك لـ شهاب حصل خلاف بين ريما وشهاب.. 


لانت ملامحها وتبدلت لأخرى مصدومة...فلم تتوقع أن تخرج تلك الكلمات من فوه هو..!!

من تولى رعاية ابنتها..واملاكهم...وكان أمينًا وخير اختيار من زوجها محمد..الذي تركهم أمانة لديه قبل وفاته... 


انتبه فهمي لتلك الصدمة التي تليح على قسماتها فعاد مبررًا وشيء من الندم يتغلله:

-أنا اسف يا داليا لو كلامي جرحك..بس لازم حد يفوقك..وتعرفي أن اللي بتعمله ده غلط..بنتك خلاص اتجوزت..ومبسوطة...سبيها بقى..وكمان شهاب..عايزك تخرجيه من حساباتك..لأن شهاب شال بتول من دماغه ومن قلبه...شهاب بيحب ريما يا داليا..يعني هو وبتول ملهمش اي فرصة مع بعض... 


عضت على شفتيها واراحت ظهرها على الاريكة كابحة حزنها الدفين..فلا يشعر أحد بها ؟؟ 

رفعت بصرها تطالعه وبعد ثوانِ من التفكير هتفت بحسم:

-حاضر يا فهمي مش هدخل شهاب في أي حاجة تخص بتول تاني...بس مقابل ده عايزاك تساعدني.. 


أنزوى ما بين حاجبيه وردد بترحيب:

-قوليلي اقدر اساعدك في ايه ؟ 


اخذت نفسًا عميقًا ثم صرحت:

-عايزة واحد يدور ورا امجد.. أنا متأكدة اني هلاقي وراه مصايب... 


نفخ فهمي بنفاذ صبر فمن الواضح أن حديثه لم يؤثر بها...فصاح معتذرًا:

-أنا اسف يا داليا بس 


قاطعته بحدة:

-مفيش آسف يا فهمي...بتول بنت اقرب صاحب ليك وسابها أمانه عندك ومن واجبك ناحيتها انك تساعدني..أنا متأكدة أننا هنعرف عنه بلاوي.....والبلاوي دي هى اللي هتخلي بتول تسيبه...


-حاضر يا داليا..هدورلك وراه..بس مش عشان أنا معاكي..لا عشان اوريكي واثبتلك انك ظلماه... 

_________ 


-ما كفايا يا شهاب انتَ قربت تخلص الازازه الله يخربيتك 


قال ساهر تلك الكلمات وهو يجلس بحانب شهاب في أحدي الملاهي الليلية التي كان يتعود الجلوس فيها مع صديقه، كان ساهر مستغرب من حالته فمنذ أشهر قد ترك تلك العادة وشرب الخمور، فما الذي جري له؟!! 


هتف شهاب بنبرة حاول جعلها هادئة 

- بقولك ايه انا جاي علشان اقعد لوحدي وقرفان من كل حاجة..وانتَ بسبب اصرارك قولتلك انا فين فمتقعدش تقرفني .. انا مش عيل اشرب زي ما اشرب


مؤسف شعوره بالشرود وفقدانه معرفة نفسه!! 

ريما استحوذت عليه بالفعل، لم يحزن حتي وقت زواج بتول بهذا القدر، لم يحزن علي شيء كما حزن علي تحطيم قلبها الذي بات متأكدًا بأنها ليست زوجة فقط..ليست زوجته التي يسعي لارضاءها بل تضخم الامر ويظن أنها أصبحت أكثر من ذلك، ولهذا السبب يشعر بهذا الألم!!! 


هتف ساهر وهو يحاول تغيير الموضوع حينما لاحظ حزن شهاب الذي يحاول اخفاءه ورُبما لا يريد قول السبب فلن يضغط عليه!! 

- طب صح البت رزان اختفت مرة واحدة ولا فيس ولا واتس ولا انستا .. سفر ايه اللي يعزلها عن العالم 


- بقولك ايه انا مش في دماغي حد كل واحد حر .. هي مش صغيرة ومسافرة مع جوزها كفايا بقا ادوش نفسي بالناس 


قال شهاب تلك الكلمات وهو يمسك الكأس مرة أخري بعد أن اضاف أخر ما تبقي في الزجاجة الذي أنهاها بالكامل فهتف ساهر ساخرًا 

- لا انتَ حالتك صعبة يا شهاب .. ده ابوك لو عرف باللي بتهببه ده هيعلقني معاك .... 

_____ 


كان نجم يجلس وحيدًا بغرفته...تحديدًا على ذلك المقعد المتواجد بمنتصف الحجرة....وبين يداه..قطعة من الملابس التي يتضح عليها انها تعود إلى صغار حديثي الولادة...


ضم تلك القطعة الى احضانة...مشددًا من التمسك بها... كأنه يهاب فقدانها مثلما فقد صاحبها...ابنه الصغير...الذي حُرم منه..ولم يسنح له أن يراه....

انهمرت الدموع من عيناه...كالمطر..لا تتوقف...ولا يكف قلبه عن التألم..لفقدانه....

رفع تلك القطعة من ثغره وقام بتقبيلها..وبكاءه يزداد تدريجيًا دون إرادته.....ورغمًا عنه..


وفجأة انفرج الباب وظهر من خلفه رضوان الذي كان يستفسر عن غياب حفيده...ومثلما توقع... وجده يجالس ذاته..ويحتضن ملابس ابنه المتوفي...

بدأ رضوان بالتقدم منه بعدما اطبق الباب...وعصاه تصدر صوتًا...فلم يتحرك نجم أو يتوقف بكاءه...


وقف أمامه رضوان ورغم تأثره بحالته إلا أنه حافظ على ثباته وقال:

-وبعدين وياك يا نچم لحد ميتى هتفضل أكده..ابنك الله يرحمه... أخرج من حالتك دي...مش كل فترة والتانية...الكآبة تمسك وتقعد تبكي كيف الحريم..معندناش رجاله تبكي...ارفع راسك وجوم اغسل وشك يلا.. 


أخذ نجم نفسه عنوة ونهض مختبًا بدورة المياة

______



تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله1 اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا



تعليقات

التنقل السريع