القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

روايه خطايا بريئه الفصل السادس والثلاثون والسابع والثلاثون بقلم الكاتبه ريم كريم



روايه خطايا بريئه الفصل السادس والثلاثون والسابع والثلاثون بقلم الكاتبه ريم كريم






روايه خطايا بريئه الفصل السادس والثلاثون والسابع والثلاثون بقلم الكاتبه ريم كريم



🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺        


     بقلم الكاتبه       ♥ ريم كريم ♥ 


السادس والثلاثون               


‏لا تؤذ قلباً رق لك يوماً

‏فلحظات الود لها عليك الف حق و حق !

-‏جلال الدين الرومي

---------------

حل الليل بقتامته عليه وهو يجلس مع "حامد" وخالها الأخر "سعيد" بعد رفضها وذلك الحوار المحتد الذي دار بينهم فكان شارد بملامح بائسة وكل كلمة تفوهت بها مازال طنينها بأذنه يتردد ويتردد حتى شعر أن رأسه يعج بها ألف ثورة طاحنة.

-رَوج يا وَلدي وربك هيدبرها    


قالها "سعيد" بطيبة وهو يناوله كوب من الشاي الساخن و يجاوره في جلسته على ذلك الحصير الخشن أمام داره المتواضع وامامهم حطب مشتعل تتأكله النيران مثل قلب صاحب الناعستين التي تفيض بالحزن...    


تناول "يامن" نفس عميق من ذلك العبق المميز الذي يفوح من الأراضي الزراعية ثم أخذ من يده الكوب وشكره بأدب في حين عقب "حامد" وهو يربت على كتفه:

-صلِ على النبي يا چوز بت عمتي الحريم كلاتهم ميچوش غير باللين راضيها بكلمتين حلوين وهي هترضى    


-عليه افضل الصلاة والسلام     


قالها بتنهيدة واستأنف بعدها:

-مش بنت عمتك اللي بترضى بكلمتين يا "حامد"..." نادين" زعلها صعب     


ليتدخل "سعيد" ببسمة طيبة:

-كيف أمها الله يرحمها تمام كانت "غالية" إكده لو زعلت مفيش حاچة تراضيها واصل    


رددوا سويًا بنفس واحد:

-الله يرحمها     


ليضيف "سعيد":

-خابر يا وَلدي كان معيچبهاش العچب وكل ما يتجدملها حد من رچالة البلد تطلع فيه الجطط الفاطسة لغاية ما بالصدفة "عادل" كان إهنه بيتفج مع واحد من المزارعين يشيعله خضار لمحل الوكل اللي كان حداكم في البندر...وشافها واتجدملها و وافجت طوالي وجتها كنت مستغرب و سألتها ليه ده بذات يا "غالية" اللي وفجتي عليه ردت علي بچملة لساتها في راسي للنهاردة 

جالتلي( الحُب مكتوب كيف الجدر تمام وكل روح بتنادي وليفها و روحي انجصمت وكانت ضايعة ولجتها وياه) وعشان إكده بجولك يا وَلدي مهتهملش روحك بعد ما لجتها     


تنهد تنهيدة مثقلة ورد بنبرة تفيض بمكنون قلبه الذي لم يغيره شيء:    


-انا مقدرش اسيبها تاني يا عم "سعيد" دي هي الروح لروحي    


اعتلى حاجب "حامد" وشاكسه بود ناصحًا:

-واه ما انت زين أهه وهتعرف تجول حديت حلو  وفره ليها يا حزين وجوم هِم روحلها وراضيها أني معرفش انت عملت إكده ليه ومش هسألك بس طالما غلطان وندمان إكده يبجى عملتك عِفشة ومش هينة عليها وغصب عنيك لازمًا تراضيها حتى لو چابت من الطين وحطت فوج راسك و مش عشان جالتلك كلمتين من جهرتها تخليك تفجد الأمل     


حانت منه بسمة هادئة وقال مستغربًا:

-هو أنت أزاي كده...انت متأكد أن "عبد الرحيم" ده ابوك     


قهقه "حامد" واجابه بخفة:

-تصدج أنا ذات نفسي بجول اني زرع شيطاني مهشبهش حد    


صحح "سعيد" بصدق:

-لع يا وَلدي أنت البذرة الطيبة في أرض بور ربنا يكملك بعجلك ويرضى عليك زي ما أنت بتخاف ربنا وبتراعيه في اهلك...وربنا يهدي ابوك ويزيح شيطانه عن راسه    


                                          


              

                    


ربت "حامد" على كتف عمه وقال ببسمة بشوشة طيبة:

-محدش بيختار ناسه ياعمي وربنا يعلم أني بحاول جَد إيه معاه...وبدعيله في كل صلاة وعندي أمل رَبنا يستچيب    


-رَبنا كريم يا وَلدي وجادر يهديه 

ويجبر بخاطرك     


-يارب يا عمي ويباركلنا في صحتك...    


تنهد "يامن" بأرتياح أكبر و نظر لهم وهو يتيقن أن رغم وجود اشخاص بسوء "عبد الرحيم" وغيره مازال يوجد اشخاص طيبون ينعمون بالرضا و لم يندثر بهم الخير ويخجل الشيطان من المساس بهم.

-واه ما تهِم يا حزين وعاود لمَرتك     


زفر هو حانقًا وقال:

-ابوك مش حابب وجودي يا "حامد" وهي منشفة راسها     


-خليك إهنه يا وَلدي اشيلك فوج راسي لغاية ميتصلح الحال    


عقب "حامد" بإصرار وهو يشعر بالحرج من أفعال ابيه:

-لع يا عمي دارنا مفتوحة ومكانه مع مرته وهو لازمنًا ياخد واچبه ودار ابوي دي مش داره لوحده ده داري انا كمان وهو واحد مننا ومرحب بيه في أي وجت ليوجه حديثه ل "يامن" معتذرًا:

-وإذا كان على الحديت الماسخ اللي جاله ابوي فأنا محجوجلك يا چوز بت عَمتي    


ربت "يامن" على كتفه بمعني أن لا بأس بينما عقب "سعيد" بأسى احزنهم معًا:

-الله يسامحه "عبد الرحيم" من يوم ما چابها البلد وهو مهيرضاش يسمحلها تچي تجعد في داري وحتى لو زورتها انا و"هانم" مرتي بيتنه واجف فوج روسنا مهيهملناش نشبع منيها ولا من ريحة "غالية"     


-اوعدك يا عم "سعيد" لو ربنا هداها وخرجت من بيته هبقى اجيبها زيارة تقعد معاك ...هي اصلًا شكلها حبت الجو هنا     


ابتسم "سعيد" ورحب بأقتراحه بسعادة عارمة بينما هو 

استأذن منه وعاد هو و"حامد" للمنزل وهو ينوي أن لا ييأس من محاولاته لأرضائها.

----------------

حاكت "مُحبة" واخبرتها بما حدث ليجن جنونها وتتوعد لتلك ال "دعاء" أشد الوعيد وها هي تقف على مقربة من قصر ابيها  بعدما أصر  أن يرافقها...    


أوقف محرك سيارة الأجرة التي يعمل عليها عن العمل وقال:

-يلا يا حلو وصلنا انزلي هنتمشى الحتة الصغيرة علشان مش هيرضو يدخلوني بالتاكس جوه     


نفخت هي أوداجها وهي تطالع القصر من جلستها وقالت متوجسة:    


-"حمود" انا خايفة بابي يفضل متمسك برفضه     


طمئنها هو بثقة وعينه يفيض منها الإصرار:

-مش هيأس ولا هستسلم وهعمل المستحيل علشان اخليه يوافق اهم حاجة تثقي فيا    


تنهدت هي وقالت بعيون تلمع بعشقه:

-أنا بثق فيكِ أكتر من نفسي يا "حمود"     


ابتسم هو وشجعها:

-طب يلا يا حلو انزلي مش هطمن غير لما اسلمك لأبوكِ وافهمه انه ظلمك واتسرع في الحكم عليا    


زفرت انفاسها بضيق وقالت بتشائم:

-وافرض مرضاش يسمعك    


-اتفائلي يا" ميرال" علشان خاطري وإن شاء الله خير أنا متعشم في كرم ربنا    


            


              

                    


-ونعم بالله 

قالتها بتنهيدة ثم تدلت من السيارة معه وسارت برفقته للقصر وإن اصبحت على بُعد خطوات من بوابته قالت بريبة:

-مش ملاحظ حاجة؟    


وجه نظراته لمرمى بصرها وأجابها مستغربًا:    


-القصر مضلم مش بعادة     


-وكمان مفيش حد عند البوابة يظهر انها مشت بتوع الأمن كمان     


جال المكان بعينه وهو يعقد حاجبيه متعجبًا:    


-ممكن!     


ابتلعت هي ريقها وهمست:

-انا مش مطمنة يا "حمود"وقلبي مقبوض تفتكر عملت كده علشان تطرد دادة "محبة" بس ولا بتخطط لحاجة تانية     


-مش عارف بس مرات ابوكِ مش سهلة ابدًا ومش قادر اتوقع حاجة    


-خليكِ جنبي انا خايفة    


طمئنها هو:

-انا جنبك يا حلو متقلقيش مفيش حاجة هتحصل ولازم باباكِ يعرف حقيقتها علشان يكسر سمها...    


ليتقدم عنها مشجعًا:    


-"ميرال" يلا مفيش حاجة بلاش قلق     


هزت رأسها وسايرت خطواته إلى الداخل وما وصلوا لباب القصر الداخلي زفرت هي حانقة واخبرته بنبرة ترتعش من القلق بعدما طرقت لعدة مرات ولم يفتح أحد:    


-مش معايا مفتاح لما خرجت مكنتش مركزة في حاجة تعالى ندخل من باب الجنينة اكيد مفتوح    


أومأ لها واتبعها وبالفعل وجدو الباب مفتوح على مصراعيه وإن دلفوا للداخل هرولت هي مُسرعة تتفقد ابيها بغرفته أما هو فأخذ يجول بعينه في محيط المكان بريبة شديدة حتى أتاه صوت أنين مكتوم يأتي من احد الغرف تقدم بتؤدة في حين كانت تهرول هي وتصيح أنها لم تجده ليؤشر "محمد" لها أن تصمت و يرهف السمع اكثر وهو يلصق اذنه بالباب ليسمع ذات الأنين مصحوب بصوت معافرة ليتأكد حدثه ويدور بعينه في المكان يبحث عن شيء يفي بالغرض وبالفعل تناول أحد التماثيل الفضية وقام بإدارة مقبض الباب وهي خلفه تتشبث بظهره وما أن فتحه وجد ابيها بين يدين شخصً ملثم يكمم فمه بيد وباليد الأخري سلاح ناري يصوبه على رأسه، صرخت "ميرال" بذعر وتوسلته قائلة و"محمد" يرفض اخراجها من خلف ظهره:

-بابي... ارجوك سيبه...سيبه بلاش تأذيه     


بينما "محمد" ثارت انفاسه وحاول مهادنته قائلًا وهو يضع التمثال الذي بيده ارضًا ويرفع يده يدعي استسلامه:    


-بلاش تأذيه خد اللي انت عايزه وأخرج محدش هيتعرضلك     


نفى الملثم برأسه وأشار بسلاحه لهم أن يبتعدوا عن طريقه، وبالفعل فعل "محمد" كما طلب وابتعد عن حيز الباب جاذبها معه ومع كل خطوة يتبعها خطوة من الملثم نحو الباب وهو يحاوط عنق "فاضل" بيد وباليد الأخرى يصوب سلاحه تارة نحو رأس "فاضل" وتارة اخرى نحو موقع "محمد" وإن وقف على اعتاب الباب قام بضرب "فاضل" اعلى رأسه بمؤخرة سلاحه ثم دفعه بعنف نحوهم ليتلقفوه هم ويسقطون معه على الأريكة التي خلفهم مباشرتًا لتصرخ "ميرال" ببكاء و بلهفة وهي تتفقد ابيها:    


            


              

                    


-بابي أنت كويس...     


هز "فاضل" راسه بضعف في حين زمجر "محمد" وفي لمح البصر كان يهرع من جلسته رامحًا خلف ذلك الملثم يلحق خطواته المُسرعة...التي قادته إلى ذات الباب الذي دخلوا منه    


ليقفز على ظهره مباغته وجاعله يتراجع بثقل جسده للوراء بضع خطوات كانت كفيلة ان تجعل "محمد" يتعلق بعنقه محاولًا إسقاطه ولكن الأخر انحنى وافلت ذاته وأشهر سلاحه نحوه وأطلق رصاصة لحُسن حظه لم تصيبه وقد أخطأ الملثم تصويبها وإن كاد يعيد الكره كان "محمد "دون تروي يركل يده يسقط السلاح عنها وينقض عليه يلكمه بعنف في وجهه جاعل الملثم يرتد بوقفته ويحاول لكم "محمد" ايضًا في حينها ولكن "محمد" كان يتفاداها و لم يأبه وانقض عليه بقلب من حديد حين حاول الهرب فقد رفسه بقوة بظهره جعلته يتأوه ويخر على ركبتيه يتمسك بظهره في حين ان" محمد "استغل الأمر لصالحه واندفع إليه يسطحه على الأرض مثبت جسده بكامل قوته اسفله ضاغط على رأسه زارعها بالأرض الصلبة حتى كاد يشعر الملثم بتحطيم جمجمته تحت قبضته وإن حاول التملص منه خبطها "محمد" بالأرض عدة خبطات قوية جعلت الآخر يصرخ متألمًا ويعلن استسلامه راجيًا اياه أن يكف عن ايذائه وبالفعل توقف "محمد" لاهثًا وصدره يعلو ويهبط في ثورة انفاس غاضبة يطلقها من بين اسنانه وهو يجذب يده بعنف ويكبلها بقبضته أمرًا "ميرال" التي كانت تقف ترتجف في زاوية بعيدة من شدة ذعرها:

-هاتي الإسكرڤ اللي على كتفك ده     


قالها بصوت جهوري جعلها تحله من حول عنقها وتهرول به إليه ليتناوله من يدها ويكبل يده التي يحكمها بين قبضته ثم يجعله يرتكز على ركبتيه تحت مضضه وينزع عنه الغطاء الذي يخفي وجهه    


ليتفاجأ هو يلعنه هادرًا بغيظ :    


-هو أنت يا شقيق وحياة الغالية ما هعتقك المرة دي غير لما اسلمك    


تعمد استخدام نفس اللقب الذي أطلقه عليه بالمرة السابقة حين غدروا به مما جعل "سنقر "يبتسم     


بسمة رغم إنهاكه إلا أن بسمته صدرت منه مليئة بالإجرام حين هسهس بأنفاس متقطعة بالكاد يستطيع تنظيمها:

-ايوة... انا يا شقيق وحظي الأسود وقعني معاك تاني علشان تعلم عليا وتكون آخرتي على أيدك    


حرك "محمد" رأسه وتسائل وهو ينحني لمستوى جلسته ويقبض على حاشية ملابسه بعنف:    


-مش هسألك مين اللي باعتك علشان انا متأكد انها هي    


ظل "سنقر" محتفظ بصمته لتحين من "محمد" بسمة تدل على نفاذ صبره ويصرخ قائلًا بكامل صوته الأجش الذي يقطر بالوعيد:

-كنت عارف أنك مش هتنطق بس وحياة امك من اول قلمين في التحقيقات وهتقر على كل حاجة... ليمرر يده بخصلاته البُنية ويتسائل وهو يجول بعينه في محيط المكان :    


-انت هنا لوحدك ولا معاك حد ...انطق    


جز "سنقر" على نواجذه واجابه بحقد من بين اسنانه المحطمة أثر لكماته السابقة حين غدر به من قبل:    


            


              

                    


-رجالتي اكيد فلسعو لما انت شرفت    


هز "محمد" رأسه تزامنًا مع اقترب "فاضل" مستند على "ميرال" واضعًا أحد يداه على مؤخرة رأسه التي مازالت تقطر بالدماء قائلًا بتعب وبنظرات مبهمة لم يتفهمها "محمد" في حينها:    


- انا بلغت دقايق ويبقوا هنا    


أومأ "محمد" بتفهم بينما لعن "سنقر" تحت انفاسه الغاضبة لاعنًا كل شيء واولهم حظه العسر الذي أوقعه في شر أعماله.

-----------

كانت العتمة تعم الغرفة معادا ضوء القمر الخافت الذي تتسربل إنارته من النافذة المفتوحة...أغلق الباب خلفة بروية وناعستيه تحاول إيجادها دون حاجته لإشعال الضوء...وبالفعل وجدها منكمشة في الفراش وجسدها ينتفض انتفاضة خفيفة جعلته يتفهم انها تتصنع النوم هربًا منه... توجه لزجاج النافذة واغلقه ثم اقترب من فراشها وتمدد بجوارها يطالع ظهرها الذي يواليه بنظرات مشتاقة تفيض بلهفته التي لم يتمكن من السيطرة عليها حين تحرك كالمغيب يحاوط خصرها جاذبها لصدره بحركة متملكة جعلتها تشهق متفاجئة وتحاول التملص من قبضته لولآ همسه بلوعة حارقة و أنفاس متثاقلة بجوار أُذنها بطريقة بعثرتها:

-أنا عارف انك متقدريش تكرهيني مهما عملت وبتعاندي نفسك...انتِ قولتيلي إني ليا رصيد عندك و وعدتيني مهما عملت هتسامحيني...أنا غلطت يا"نادين" لما رفضت اسمعك وبعدت عنك بس أنتِ صعبتيها عليا اوي وكان صعب اتقبل اللي حصل أنا كنت بتعذب اكتر منك علشان خاطر كل اللي كان بينا أدي لحياتنا فرصة تانية وصدقيني عمري ما هخذلك تاني     


اضطربت انفاسها وتهاوى قلبها حين لفحت انفاسه الساخنة جانب وجهها و انتابتها القشعريرة حين شعرت بيده تسير على طول ذراعها بحركة حانية مطمئنة كانت تذيبها بالسابق وتُسكن دقات قلبها، وعند تلك الفكرة التي تدفعها للاستسلام قاومته وانتفضت متلعثمة بأعصاب أتلفها هو بكل براعة:

-ابعد... عني     


قالتها وهي تهب من الفراش وتضيء نور الأباچور قبل أن تقف في مواجهته تتحدى ذاتها قبله وكأنها لا تأبه بحرف مما نطق، احتل العتاب ناعستيه و وقف مقابل لها قائلًا:

-مقدرش ابعد عنك تاني    


-لأ هتقدر يا "يامن" انا مبقتش عايزاك    


زمجر غاضبًا من إصرارها ثم جذبها إليه من خصرها بتملك شديد قائلًا بإصرار يفوق إصرارها وبنبرة لا تقبل الحياد أمام وجهها:

-مش هتحرك خطوة واحدة بعيد عنك ليرجوها بنظراته التي تفيض بمكنونها وهو يقترب بوجهه ببطء مميت منها:

-أنتِ الروح لروحي يا" نادين" أزاي عيزاني ابعد عنك انا كنت بموت في كل ثانية وانا بعيد... لتخفت نبرته ويهمس بخطورة بين شفاهها المنفرجة:

-وحشتيني...وحشتيني أوي وكل حاجة فيكِ وحشتني    


تهدجت انفاسها واغمضت عيناها وابتلعت غصة بحلقها وهي تشعر أن قدميها كالهلام لايستطيعوا حملها حتى أنها تشبثت بذراعيه وكادت تنساق خلف صرخات قلبها وإن كادت تتلاحم شفاههم كان لعقلها رأي أخر ورفض استسلامها فقد دفعها أن تعاند وتزيح بوجهها تحاول لملمت شتاتها والتخلص من سطوته عليها ولكن كيف وهي تشعر بملمس شفاهه على جلد عنقها ورعشة طفيفة تنتاب اوصالها أثر قُبلاته المحمومة التي أخذ ينثرها بشوق جارف ومتلهف على طول عنقها وحينها دق ناقوس عقلها وتململت بين يده هامسة بنبرة حاولت ادعاء ثباتها ولكنها صدرت منها خافتة، متقطعة، متأثرة؛ تدل على مدى هيمنته الطاغية عليها:

- مبقاش...ينفع    


            


              

                    


شدد أكثر على خصرها وهو مغيب بما يفعله ثم همس بنبرة متثاقلة مفعمة بالإثارة وهو يصعد بقبلاته لوجهها:     


-أنتِ مراتي...    


قالها وهو ينقض على شفاهها بقُبلة حارة متلهفة تنم عن نفاذ صبره و مدى اشتياقه لها...فلم يمحنها حتى حق الاعتراض وشعرت أنه يكاد يلتهمها من شدة نهمه بها، يتناوب على شفاهها بجنون وكأن ترياقه الوحيد يكمن بين رحيقها ولكن الأنكى من كل ذلك أنها كانت تشعر بملوحة غريبة في فمها ...لوهلة واحدة كادت تضعف وترق له و تبادله ولكنها قاومت وقاومت صرخات قلبها ورغبات جسدها الكامنة التي أججها هو... فبدون مقدمات كانت تدفعه عنها بكل ما أوتيت من قوة مهمهمة بصوت مرتعش و بأنفاس متلاحقة جعلته يتوقف بمضض عن ما يفعله: 

-مبقتش عايزاك    


اغمض عينه بقوة يعتصرها ثم مرر يده على وجهه يلعن تلك الدمعات التي حتى هي عصت كبريائه وتساقطت كي تعبر عن مدى اشتياقه لها...ثم قال وهو بالكاد ينظم أنفاسه ويتحكم في ثورة جسده:

-بلاش تصعبيها عليا وعليكِ وتصري على عنادك    


تمسكت موقع خافقها وكأنها ترجوه أن يلملم ما بعثره بها واجابته بنبرة مرتعشة تصر على عنادها:

-اللي اتخلى مرة يقدر يتخلى ألف مرة وأنت خذلتني     


شعر بنصل حاد ينغرس بصدره أثر حديثها ثم هدر بنبرة تحمل ندم حقيقي نابع من صميمه المنهك بعشقها:

-دي غلطة واحدة وكنت معذور ورغم ده رجعت وندمت... ليه مش عايزة تغفري!    


ابتلعت غصة مريرة كمر العلقم بحلقها وادعت الثبات وهي تطالع نظراته التي تقطر بلوعته وندمه الصادق كي تشفي غليلها ثم أصرت على رفضها قاصدة إيلامه أكثر وإذاقته مّر الرفض كما فعل معها:

-مش هغفر ولا هنسى ومتحاولش أنت انتهيت بالنسبالي...    


قالتها وهي تواليه ظهرها وتهرول نحو باب الغرفة تفتحه على مصراعيه صارخة به وهي تقاوم صرخات قلبها:

-اطلع برة وافهم أن مستحيل هيجمعنا مكان واحد انا وانت تاني    


زفر بقوة ومرر يده بخصلاته يشعر أنه سيفقد عقله من افعالها ثم غمغم بعصبية وهو يقترب بخطواته منها:    


-"نادين" متحرجنيش اكتر من كده أنتِ عارفة إن وجودي هنا خالك مش مرحب بيه اساسًا عايزاه يقول ايه لما يلاقيكِ بتطرديني من الأوضة    


اجابته ثائرة دون أن تعير موقفه الذي لا يحسد عليه أي اهمية:

-مش مشكلتي انا قولتلك ارجع مكان ما جيت انا مش عايزاك 

وزي ما ردتني لعصمتك هتطلقني غصب عنك يا "يامن"     


فاض به الكيل ولم يعد يملك زمام أعصابه فقد اخشوشنت نبرته واحتدت نظراته هادرًا بنبرة منفعلة نفضتها: 

-على جثتي يا "نادين" مش هطلقك ومش هخرج من البيت ده غير وأنتِ معايا     


ظلت محتفظة بثباتها ونفت برأسها وعقبت وهي تربع يدها على صدرها وتتحداه بنظراتها:

-أنت بتحلم وانا مش هخرج من البيت ده ولا عمري هبقى معاك تاني انا مش لعبه في ايد جنابك    


            


              

                    


تمسك بذراعها متحدث بغيظ وعينه تطلق شرارات غاضبة:

-انتِ عايزة تجننيني مش ده خالك اللي طول عمرك بتخافي منه وعارفة نواياه دلوقتي مش عايزة تخرجي من بيته حتى بعد ما كان هيغصبك تتجوزي ابنه    


نفضتت قبضته عنها وصرخت تعاند ذاتها وتدعي القوة وهي تلوح بيدها:

-مليش غيره وهما كل اهلي واللي ليا في الدنيا ولعلمك بقى انا مبقتش محتاجة لحمايتك انا اعرف احمي نفسي كويس ومفيش مخلوق يعرف يجبرني على حاجة حتى لو كان أنت     


شعر بدمائه الحامية تتدفق بعروقه وتتصاعد لرأسه ليكور قبضة يده بقوة كي يسيطر على اعصابه ويهدر معاتبًا وكأنه عقله يرفض الاستيعاب:    


-دلوقتي هما اللي ليكِ يا "نادين" طب وانا نسيتي أنا كنت إيه

للدرجة دي اختذلتي سنيني اللي كرستها علشانك...نسيتي أد ايه كنت بتهاون، وبسامح، وبتغاضى...نسيتي كل أفعالك وأخطائك في حقي وفي حق الست اللي ربتك...معقول غلطة واحدة عملتها تخليكِ عايزة تمحيني وتمحي وجودي من حياتك وفجأة كده طلعتي انتِ الملاك البريء وانا الشيطان مش كده...ردي عليا     


كانت تستمع له بعيون زائغة تنم عن زعزعت ثباتها فهو محق هي تعلم انها اخطأت سابقًا ولم تدعي البراءة كما يظن هو بل هي كل عتابها و ما يحرق قلبها أنه هجرها وثار لكرامته دون أن يستمع لأسبابها، ذلك ما كانت تنوي أن تتفوه به ولكن عقلها اَبى وعاند أفكارها حين أجابته بنبرة غير مبالية استفزته:

-أنت كنت بترضي ضميرك مش اكتر وبتنفذ وصية ابويا و دورك انتهى في حياتي 

واتفضل بقى انت فعلًا مش مرحب بيك هنا    


زمجر باهتياج وعروقه تنفر غاضبة:

-بتطرديني يا "نادين"     


اجابته بأهتياج يضاهي خاصته قاصدة إيلامه وتذكيره بما قهرها:

-ما أنت عملتها قبلي وقفلت البيت ورمتني في الشارع بشنطة هدومي ولا نسيت    


ابتلع غصة مخزية تكونت بفضل أفعاله المُتسرعة التي كان يظن أنه بها يثأر لكرامته وسيستطيع تخطيها و إخراجها من حياته ولكن خابت كافة توقعاته وكان حصاد فعلته أن روحه احترقت بعيد عن ظلالها واكتشف انه لم ينتقم سوى من ذاته ببعدها.    


فقد تهدلت معالمه وحاول تبرير فعلته لولآ انها صرخت من جديد وهي تؤشر بأصباعها للخارج وكأنها كانت تعرف ما ينوي قوله:

-بره و وفر اسبابك لنفسك علشان مفيش عذر هيبرر اللي عملته...    


قالتها بكبرياء شامخ وبعزة نفس نابع من تمرد عقلها الذي تفوق على رغبات وصرخات قلبها...مما جعله بالفعل ينصاع لها ويخطوا للخارج وقبل أن يبتعد خطوتين عن الباب أغلقته هي بقوة خلفه جعلته يلعن ذاته ألف مرة ويغرس أنامله بخصلاته بعصبية بالغة وهو يشعر أنه يكاد يفقد عقله وخاصةً حين رأى "عبد الرحيم" يقف امام باب غرفته ويعلو ثغره بسمة منتشية متشفية زادت من حنقه وجعلته بالفعل يخرج من البيت بخطوات غاضبة يجر معه اذيال الخيبة بفضلها.

-------------

صباح يومٍ جديد يحمل بين طياته الكثير لأبطالنا 

فقد احضرت أطفالها عند "ثريا" حسب الموعد المتفق كل أسبوع كي يراهم أبيهم وتعمدت الذهاب مبكرًا كي لا تتقابل معه وها هي "ثريا" تستقبلها بحفاوة كبيرة و ود أكبر قائلة وهي تقبل الأولاد: 

-اهلًا يا بنتي اتفضلي البيت نور و وحشتوني يا ولاد    


            


              

                    


اجابتها "رهف" بود مماثل وهي تدخل معها: 

-اهلًا بيكِ يا ماما طمنيني على صحتك وعلى "يامن" و"نادين"     


اجلستها "ثريا" واجابتها ببصيص أمل:

-ربنا هداه ورجع قالي انه راح لصاحبتها في الأول وعرف كل حاجة وقالي كمان انه ردها وراح علشان يجيبها من عند خالها لتتنهد بتثاقل وتضيف بقلب منقبض:

- بس انا قلقانة تلفوناتهم مقفولة وهي مكلمتنيش النهاردة زي كل يوم وقلبي مش مطمن    


ربتت "رهف" على يدها و واستها متفائلة:

-إن شاء الله خير وربنا هيجمع شملكم من تاني واكيد هيكلموكِ ويطمنوكِ متقلقيش    


-يارب يا بنتي...يارب    


لتبتسم "رهف" بود وتستأذن قائلة:

-انا لازم امشي يا ماما...عندي اجتماع مع عميل كمان ساعة و مش عايزة اتأخر    


هزت "ثريا" رأسها بتفهم بينما هي نهضت قائلة لأطفالها:

-متعملوش شقاوة وتتعبو تيتة "ثريا" لتخص ابنتها بنظراتها:

- وأنتِ يا "شيري" اوعي تبلي هدومك زي عوايدك وتلعبي بالماية    


اجابتها "شيري" بطاعة:

-حاضر مش هعلب بالماية بس قولي ل "شريف" يلعب معايا وميغلس عليا

اعترض "شريف":

-انا مش بغلس انتِ اللي مش بتعرفي تلعبي لعب الصبيان     


عقبت "رهف" على مناقرتهم بتوجيه جدي:

-خلاص يا ولاد وبعدين انا قولت ايه خليكم متفاهمين...لتوجه نظراتها لصغيرها وتستأنف:

- وانت يا "شريف" دي أختك حبيبتك متزعلهاش وألعب معاها

هز الصغير رأسه بطاعة بينما هي استأذنت من" ثريا" وغادرت وما أن كادت تصل لسيارتها وجدته أمامها بهيئة مبعثرة لم تعتاد أن يكون عليها...ابتلعت غصتها التي تتكون فور رؤيته ويتدفق معها الكثير من الذكريات المؤلمة التي لطالما حاولت وئدها...و تهربت بنظراتها ساحبة نظارتها الشمسية التي ترفعها على خصلاتها البندقية التي استعادت لونهم الأصلي و وضعتها على عيناها بكل ثقة دون أن تعيره أي اهمية اقتربت من السيارة وكادت تفتح بابها لولآ انه قال بنبرة ظهر العتاب جلي بها:

-للدرجة دي مش عايزة حتى تسلمي عليا يا "رهف"    


زفرت انفاسها والتفتت له قائلة بإقتضاب شديد:

-ازيك يا بشمهندس    


اجابها بملامح متهدلة وهو يقف أمامها يتأمل كل أنش بها بأعجاب شديد استشفته هي بكل وضوح من نظراته التى كانت تمر عليها ببطئ ابتدئاً من خصلاتها حتى طرف حذائها:

-وحشتيني يا "رهف" 

ومش كويس من غيركم وحاسس أن حاجات كتير نقصاني ليه مش عايزة تدينا فرصة تانية انا ندمت وعرفت قيمتك وقيمة أن ولادي يبقوا جنبي    


تنهدت هي ببرود أمام حديثه وصمدت قائلة دون أن تهتز بها إنملة:

-ولادك في أي وقت عايزهم جنبك هيكونوا لو عايز تاخدهم يباتوا أو يخرجوا معاك انا معنديش مشكلة ده حقك بس لو سمحت بلاش تتطرق للي فات ومتهيئلي أي كلام هتقوله مش هيغير حاجة، خلينا في دلوقتي والوضع الجديد لازم تتقبله وتتعايش معاه     


            


              

                    


نفى برأسه وأخبرها بأنهاك: 

-مش عارف يا "رهف" صدقيني... علشان خاطر الولاد اديني فرصة انا غلطت كتير في حقك بس والله ندمت    


ابتلعت غصتها واجابته بحقائق استوعبتها بعد نكبتها وهي تنزع نظارتها وتنظر بنصف عينه بكل ثقة وكأنها تود أن تثبت لذاتها قبله أنها تخطته ولم يعد له أي تأثير عليها:

-مش أنت لوحدك اللي غلطت أنا كمان كنت غبية ومسالمة ازيد من اللازم وكنت بتهاون في حقي وحق ولادي...لتخفت نبرتها وتزيح بوجهها تلملم خصلاتها بشيء من الارتباك وهي تضيف:

-كنت فاكرة إني بعمل الصح واللي مفروض أي واحدة تعمله علشان متخربش بيتها والحياة تمشي بس للأسف اكتشفت اني كنت بظلم نفسي وان تهاوني ده انت عمرك ما شوفته تضحية... لأ أنت افتكرته حق مكتسب ليك

فمتلومش نفسك انا كمان غلطت زيك بس الفرق بيني وبينك أنك رغم كسرك ليا إلا إني قويت ورجعت ل "رهف" القديمة اللي انت كنت بتحاول تمحيها بكل الطرق    


حاول هو الدفاع عن ذاته:

-لو قصدك على الشغل انا مكنش عندي مانع تشتغلي طالما مش هتقصري في بيتك او معايا    


تنهدت هي تنهيدة مثقلة واجابته بتلك الحقيقة التي يتعمد اخفائها:

- حتى لو كنت اشتغلت وقتها كنت هتحبطني وهتكره نجاحي انت كنت بتقولي كده علشان تبان أنك بتعمل اللي عليك لكن أنت بينك وبين نفسك كنت ضامني وعارف إني كان عندي اولويات تانية...بكل أسف وقتها كنت انا نفسي كنت فكراها تستحق... لتزفر أنفاسها دفعة واحدة وكأنها أزاحت حمل ثقيل عنها ثم تستأنف ببسمة ساخرة من ذاتها قبل أي شيء أخر وهي تهم بفتح باب سيارتها تنوي المغادرة:

-مش بقولك كنت غبية يا بشمهندس    


تمسك بذراعها يمنعها من الصعود للسيارة قائلًا بعتاب مضني وعينه تحاول استعطافها:

-للدرجة دي حبك ليا صنفتيه غباء...ظلت نظراتها ثابتة دون تأثر بحرف مما نطق وكأنها أرادت أن تؤكد له لتغيم عينه ويغمغم بنبرة مرتعشة نادمة:

-بس... أنا لسة... بحبك    


نمت بسمة ممزقة على ثغرها من تلك الكلمة التي لطالما لم تستشعرها منه وكانت تصدر حينها باردة دون مشاعر تذكر وكأنها نابعة من قلب الصقيع:

-انت عمرك ماحبيتني أنت اتجوزتني علشان لقيت فيا كل المقايس اللي تناسبك وحتى لو افترضنا أنك حبتني الحب مش كل حاجة وعمره ما كان مبرر لأخطائنا وفي حاجات كتير أوي أهم منه    


فرت دمعة من عيناه دون إرادة لا يعلم هل هي من شدة ندمه أم من صدق حديثها وفي الحالتين كان يدرك أنه بالفعل خسرها ولاسبيل من استعطافها:

-اتغيرتي اوي يا "رهف" كل حاجة فيكِ بقت مختلفة...انا مش مصدق أن دي أنتِ     


سحبت ذراعها من قبضته وقالت بصمود يخالف تلك الأعاصير بداخلها وذلك الانين الصادر من ذلك الجرح الغائر الذي لم يندمل بعد:

-لأ انا هي يا بشمهندس... و الفضل يرجع ليك...عن اذنك

ذلك آخر ما تفوهت به قبل أن تصعد لسيارتها أمام عيناه اللامعة بدمعها وهو لا يصدق أن تلك هي "رهف" خاصته التي فرط بها 

---------------

أما هي كانت تقطع الغرفة ذهابًا وايابًا طوال الليل ولم تغمض لها عين من شدة توترها وطول أنتظارها لذلك الخبر الذي طالما تمنته من كل قلبها كي تستولى على ثروته وتعوض بها تلك السنوات التي دفنت بها صباها معه. فقد حاكت الأمر وخططت لكل شيء 

حتى أنها من شدة سذاجتها ابتاعت العديد من الملابس السوداء كي تنعيه بها وتعبر عن إخلاصها...حانت منها بسمة مفعمة بالأمنيات وهي تتخيل الأمر بكل جحود دون لحظة ندم او شفقة واحدة وهنا تملك منها شيطانها أن لابد أن تنتظر بعض من الوقت كي تفكر بالخطوة التالية التي ستخص بها تلك الغبية التي مازالت تعيق جزء من أحلامها...طرق قوي على باب شقتها انتشلها من خضم افكارها السوداوية و جعلها تنتفض وتفر الدماء من وجهها وقبل أن تتوقع الأمر كان والدتها تقوم بفتح الباب ليظهر رجال الشرطة وقبل أن تتفوه بشيء كان الضابط يقول برسمية بعدما تأكد انها هي من والدتها:

- مدام "دعاء" اتفضلي معانا بهدوء ومن غير شوشرة    


نفت برأسها وقالت بتقطع وبنبرة ترتعش من شدة ذعرها:

- ليه انا معملتش حاجة     


-أنتِ متهمة بالتحريض على قتل جوزك     


لطمت والدتها صدرها وقالت متسرعة:

-يالهوي عملتي اللي في راسك يا "دعاء"

بينما هي كل ما شغلها هو:

-يعني "فاضل" مامتش

اجابها الضابط:

-لحسن حظه يامدام    


زاغت نظراتها وهي لاتصدق أن كل شيء ذهب هباءٍ بينما والدتها

اخذت تولول وتتفوه بالكثير الذي يدين ابنتها دون قصد من فجعتها:

-يبقى علشان كده جيتي وطردتي الخدم ....يالهوي تقتلي جوزك بعد كل اللي عمله علشانك حرام عليكِ يا بنتي ليه عملتي كده     


أما هي اخذت تنفي برأسها وتستنكر صارخة وهي تكتم فم والدتها:

-اسكتِ يا ماما اسكتِ انا معملتش حاجة هتوديني في داهية...لتوجه نظراتها لمن حولها وتستأنف بنبرة غير متزنة وهي تنفي برأسها تدعي البراءة:

-كدب....كدب انا معملتش حاجة ومش هروح معاكم في حتة... انا مش هتحرك من بيتنا أنا مظلومة "فاضل" مستحيل يصدق ويتخلى عني هو بيحبني...سيبونـــــــــــي    


لم يعيروا صراخها أي اهمية فقد 

سحبوها من ذراعها خلفهم كالماشية التي تنساق لنحرها تمامًا مثلما كان ينساق هو خلفها ولكن الفرق بينهم أنه كان مغيب بتأثيرها بينما هي قد وقعت بشر أعمالها.

-----------------

رأيكم يهمني يا قمرات لو سمحتم متبخلوش عليا بيه ❤   



🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺        


     بقلم الكاتبه       ♥ ريم كريم ♥


 السابع والثلاثون 


                                            

                                                  


"مؤلم أن تتصنع الابتعاد، وأنت من الشوق تكاد تنفجر."    


- جبران خليل جبران

-----------------

-إكده والله ما ليكِ حج واصل     


قالتها "قمر"وهي تدخل لها غرفتها وتجدها منكمشة بالفراش وساهمة في نقطة وهمية في الفراغ إلى ان استحوذت على انتباهها وردت عليها:    


-لأ ليا حق ومتدافعيش عنه    


-يا حَزينة ده الراچل كان هيتخرع عليكِ وجت ما كنتِ غميانه ده جطع جلبي وهو هيصرخ بأسمك وكان راسه وألف سيف يچيب حكيم عشان يطمن    


تنهدت متسائلة وهي تدعي البرود:

-هو فين؟    


- يهمك أمره بعد ما طردتيه بنص الليل    


رفعت نظراتها له وتشعر بالضيق مما فعلت فلم تغمض عيناها وظلت تفكر به وبكل كلمة نطق بها، فهي رغم عنادها تعلم انها مخطئة وخطئها فادح بالنسبة له، وكم كانت تتخوف من تبعات اخطائها وردود أفعاله نحوها ولكن تقسم أنها  لم تتوقع قط أن يتركها ويتخلى عنها  دون أن يعير أنه هو حصن أمانها و ملجأها الوحيد منذ صغرها فتعودت  تركض إليه حين تخطئ وهو بدوره يتفهمها ويتهاون مع أخطائها ويتغاضى عن أفعالها ويحاول بشتى الطرق احتوائها ولكن هي  لم تقدر وتمادت وظنت أنه يفعل شيء اعتيادي لا قيمة له بالنسبة لها ولكن ما حدث من توابع لذلك اليوم المشؤم جعلها تدرك أنها لا تنتمي لشيء في حياتها بقدر ما تنتمي إليه وحقًا ذلك ما اوجع قلبها انها اكتشفت ذلك مؤخرًا وقبل أن تحصد توابع اخطائها.

-واه مسهمة فإيه؟    


انتشلتها "قمر" من دوامة افكارها لتتلعثم مكررة بلهفة حاولت اخفائها:    


-هو بات فين يا "قمر"؟    


اعتلى حاجب "قمر" واجابتها:     


-مخبراش و محدش نضره من وجتها وشكله إكده يأس وعاود البندر  يشوف اشغاله     


ابتلعت ريقها بخوف وهبت من الفراش متسائلة بلهفة جعلت "قمر" تتعجب من حالها:    


-مشى...وسابني    


-واه مش أنتِ اللي محچرة راسك وعاوزة إكده    


نفت برأسها وهرولت من امامها تتفقد أمره وهي تكاد تموت رعبة كونه تركها مرة أخرى فقد بحثت عنه في كافة الغرف وحتى  ساحة البيت ولكن لم تجده لتخرج من الباب وتجول محيط المكان بعيون غائمة وأنفاس متلاحقة وقلب يلتوي بين ضلوعها يقصد إيلامها كونها لم تستمع لصرخاته وعصته في سبيل عنادها، لتقترب منها "قمر" متسائلة:    


-ملجتهوش     


نفت برأسها...لتخمن "قمر":    


-يمكن عاود صوح  ده حتى عربيته مش موچودة     


نفت برأسها ترفض تصديق الأمر ثم اخذت تعصر عقلها تفكر  أين من الممكن أن تجده وإن أتت تلك الفكرة برأسها سألت "قمر" :    


                                          


              

                    


-تعرفي توديني بيت خالي" سعيد "    


-ايوه اُمال بس هنعمل ايه هناك!    


-ممكن يكون عنده     


وهنا تهكمت" قمر" كي تسبر أغوارها:    


-ولو لجتيه هتعملي إيه؟هتجبري بخاطره!    


تأففت هي وراوغت بنفاذ صبر:

-لما ابقى الاقيه الأول ابقى افكر هعمل ايه يلا تعالي وصليني     


تنهدت "قمر" وسايرتها ولكن بعدما جلبت لها أحد عبائتها المصحوبة بغطاء الرأس وجعلتها ترتديها وحين فعلت اصطحبيتها  إلى هناك وما أن وصلوا اخذت تجول محيط البيت بعيناها على أمل ان تجده ولكن بلا فائدة وحينها قالت" قمر":

-مش هندج على الباب ولا إيه؟    


اجابتها بفطنة وهي تدلك جبهتها تشعر بذلك الدوار اللعين يداهمها :

- خالي الوقت ده اكيد في الأرض ومفيش حد هتلاقيه في البيت غير طنط "هانم" مراته واكيد "يامن" مش جوه في غياب خالي     


-ها صوح كيف فاتتني دي     


تحاملت على ذاتها وزفرت العديد من انفاسها ثم تقدمت بضع خطوات لتصل للأرض الزراعية لعلها تجده وحقًا كادت تموت قهرًا من حسرتها وتفقد الأمل لولآ صوته ذات النبرة المميزة الذي همس خلفها:    


-بتدوري على حاجة.    


اغمضت عيناها بأرتياح ونمت بسمة على ثغرها أخفتها سريعًا وهي تحاول جاهدة أن تلزم ثباتها ولا تشعره بما يعتريها، ثم استدارت لتتجمد بأرضها ويتلجم لسانها وهي تراه يقف أمامها بقفطان اسود حالك يضاهي بلونه لون شاربه الكثيف وذقنه التي جعلها تستطال تزين وجهه وتزيد من وسامة ملامحه الرجولية وتمنحه إطلالة طاغية لا تقاوم  ورغم انها لاحظتها بالأمس إلا انها لم تنتبه لمدى جاذبيتها  من شدة أنفعالها وكأن شيطانها لم يظهر لها سوى غضبها منه وذلك العتاب الذي كان يثقل قلبها.    


اعجبه صمتها واخذ ينظر لها نظرات دافئة مثل دفء الشمس التي تعكس نورها داخل بُنيتاه وتجعلها تبدو كسيل من الشوكولاته الذائبة التي تمنت أن تغرق بها وبلذتها في وقتها.      


-كل ده تفكير ده شكل الحاجة اللي بتدوري عليها دي غالية أوي عندك وهتزعلي لو ضاعت    


قالها بنبرة مبطنة  وهو يمط فمه كي يغيظها حين رأها ساهمة تجول بعيناها على تقاسيمه بنظرات يعلمها جيدًا ويعلم ما المغزى منها رغم عنادها التي استمرت عليه حين اجابته:    


-مش بدور على حاجة انا كنت جاية اشوف خالي بس يظهر انه مش هنا...تلعثمت وتلجلجت لأكثر من مرة وحتى انها تهربت بنظراتها منه كي لا يفتضح أمرها  لحين اتاها صوت "قمر" متسائلة بفرحة:    


-اخيرًا لاجتيه يا "نادين"     


زفرت بارتياح وغيرت مجرى الحديث كي تتستر على لهفتها:    


-لأ ملقتهوش شكله في الأرض     


جعدت "قمر" حاجبيها بعدم فهم فمن تقصده هي يقف أمامهم ولكن الأخرى استأنفت كي توضح لها:    


            


              

                    


-هسلم على طنط "هانم "وهبقى اجيله مرة تانية    


حانت منه بسمة عابرة وهو يتفهم ما تحاول فعله وقال ساخرًا وهو يشعلق حاجبيه ويضرب كف على آخر:    


-ياه على سوء النية ده انا كنت فاكرك جاية تطمني عليا     


اكتفت بالنفي برأسها وادعت أن أمره لا يعنيها بينما بداخلها  كانت  تشعر بالارتياح كونه مازال هنا وإن كادت ان تلتفت وتعود للمنزل كي ترى زوجة خالها كما أخبرته  منعها بقوله:

-طب ابقي كلمي امي طمنيها علشان تلفوني فاصل ومعيش شاحن، وبالمرة قوليلها انك مش راضية ترجعي معايا     


ردت هى بعناد تصر عليه رغم صرخات قلبها التي تتوسل لاستسلامها:     


-ايوة مش هرجع معاك يا "يامن "وعايز تمشي اتفضل محدش هيمنعك     


مرر يده على وجهه يستدعي اخر ذرة صبر بداخله ثم أجابها بنبرة واثقة:    


-مش همشي غير وانتِ معايا يا "نادين" ولو كنتِ أنتِ عنيدة أنا اعند منك واقدر اخدك بالعافية ومفيش حد هيقدر يمنعني فمضطرنيش لكده     


رفعت سبابتها بوجهه هادرة: 

-محدش يقدر يجبرني على حاجة أنا مش عيزاها وحتي لو كنت انت    


تمسك بسبابتها وانزلها ثم دثر يدها بين يده قائلًا بنظرات دافئة افتقدتها منه:

-اقدر يا "نادين" وانتِ عارفة كده كويس وطولة بالي عليكِ دي علشان بحبك ومقدرش اعيش من غيرك    


بعثرها كعادته وزعزع ثباتها فقد وهنت نظراتها وتأججت رغبة جسدها في أن ترتمي بين يديه وتعبر عن اشتياقها  لذلك الحصن الأمين الذي يشيده حولها ولكن لا سبيل من الجهاد ضد تمرد عقلها، فقد لملمت شتاتها و نزعت يدها من بين يده ثم لوحت بها بلامبالاة قائلة  قبل أن تفر هاربة من أمامه:

-بس أن اقدر اعيش من غيرك ولأخر مرة بقولك مبقتش عيزاك ولا حتى طايقة أبص في وشك    


خنجر مسموم انغرس بقلبه من إصرارها ورفضها له ورغم معرفته أنها تعاند لا أكثر إلا ان كسى الحُزن معالم وجهه وشعر أن قوة احتماله على وشك النفاذ  ليزفر انفاسه دفعة واحدة وتظل  نظراته معلقة على أثرها بملامح  يائسة متهدلة  إلى أن اتاه صوت" قمر "التي شَهدت على عنادها وعقبت مواسية:    


-هتكابر...وحياة رَبنا بتعشجك بس لساتها واخدة على خاطرها منك متجلجش بكره تروج    


حانت منه بسمة باهتة لم تمسس الحزن الذي يحتل عينه ثم قال كي يغير سير الحديث:    


-عايزة تقولي ل "حامد" حاجة انا هروحله     


هزت رأسها واخفت فمها بطرف شالها قائلة بحرج:    


-ايوة بالله عليكِ جوله مينساش الجلاب إلا لادد عليّ جوي ونفسي ريحاله    


تنهد هو وهز رأسه ثم غادر ليلحق ب"حامد" وخالها لتقول "قمر" بتعاطف قبل ان تلحق بها:

-رَبنا يحنن جلبها عليك يا حزين

----------------------

تمت التحقيقات الأولية وقد اعترف "سنقر "عليها كونها هي من حرضته على قتل "فاضل" وقد أخبرهم بمكيدتها فكانت تأمره أن يقوم بسرقة القصر كي يظن رجال الشرطة أنه حادث سرقة ولكن "محمد" الذي ادلى بشهادته ضدهم افسد الأمر على الأخير ومع ضغط رجال الشرطة على "دعاء" خرت بكل شيء وقصت عليهم  كيف يسرت الأمر ومن ساعدها  وبالفعل تم القبض على خادمتها ورجال "سنقر" الذين كانوا معه يومها.    


            


              

                    


وهاهو" فاضل "يجلس بمكتب أحد الضباط بعدما سمح له برؤيتها، لتدخل هي بملامح شاحبة تخالف تلك الهيئة الزاهية المتباهية التي كانت عليها و يجر بها إحد الأمناء كالخرقة البالية التي لانفع منها وحين رأته تهللت اساريرها وارتمت عليه قائلة:    


-"فاضل" انا كنت متأكده انك مش هتصدق أنا عارفة أنك بتحبني مش كده يا "فاضل"     


ابعدها عنه قائلًا:

-اخرسي خالص انتِ ليكِ عين تنكري عملتك السودة    


نفت برأسها وجثت تحت قدمه تود تقبيلها قائلة:

-سامحني يا "فاضل" وانا هعيش خدامة تحت رجلك انا غلطت والطمع كان عاميني حقك عليا     


رفسها بقدمه بعيدًا عنه وقال بصحوة بعدما انقشعت غشاوة عينه :

-للأسف مبقاش ينفع الندم يا "دعاء" انا بحمد ربنا أنه كشفك على حقيقتك قبل ما كنت خسرت بنتي وخسرت نفسي     


-اسمعني يا "فاضل" انا...    


حاولت الدفاع عن ذاتها  في محاولة بائسة منها كي تستعطفه ولكن قاطعها هو:

-انت طالق...طالق...طالق يا"دعاء"     


صرخت هي بهستيرية واخذت تهز برأسها ليستأنف هو كي يزيدها عليها:

-انا رجعت كل اللي كتبته بأسمك ليا بالتوكيل العام اللي كنتِ عاملاه علشان اخلص بيه إجراءات البيوتي سنتر بتاعك    


شهقت هي متفاجئة في حين هو رمقها مرة أخيرة بتشفي قائلًا:

-اظن حقي ورجعلي يا "دعاء" هانم انا طول عمري عارف أنك طماعة وهدفك الأول والأخير الفلوس وعلشان كده رفضت اخلف منك... وبصراحة مكنش فارق معايا طمعك  وكنت بعوضك بالفلوس وانا فاكر كده بملى عينك علشان متفكريش في فرق السن اللي بينا، لكن عمري ما توقعت أن طمعك يخليكِ تحاولي تقتليني....يا خسارة يا" دعاء" أنتِ طلعتِ حقيرة وقليلة الأصل ده أنا لو كنت مربي حيوان كان هيحن عليا ويصون العِشرة اكتر منك      


قالها بتهكم قبل أن يغادر تاركها تنفجر بالبكاء وتخور قدميها بها لتفترش الأرض صارخة بقهر تنعي ما اوصلت ذاتها له بسبب أطماعها.  

---------------

أما عنه فكان يجلس يسند جبهته على سطح مكتبه ينعي حاله كعادته حين هرول إليه أحد العاملين معه قائلًا:    


-"حسن" بيه في لجنة معاينة راحت الموقع واكتشفت أن المرحلة التانية مجهزش فيها حاجة وان مواد البناء زي ما هي وأن مدة تنفيذ العقد فاضلها كام يوم وتخلص والمستشار القانوني بتاعهم بلغني أنهم هيقاضوا حضرتك  وهيطلبوك بالشرط الجزائي     


حل رابطة عنقه وقال وهو يكوب رأسه بكفوف يده :    


-ده اللي كنت خايف منه يا "صلاح"     


-طب والعمل يا فندم احنا كده بنضيع والشركة بتنهار  ده حتى المشاريع البسيطة أصحابها سحبوها والعمال معظمهم  امتنعوا عن العمل علشان خاطر أجورهم المتأخرة والباقي منهم قدم استقالته وساب الشركة    


            


              

                    


مرر يده بين خصلاته الفحمية وقال بقلة حيلة:    


-مش عارف أعمل شقى عمري كله بيضيع قصاد عيني ده غير إني ممكن اتحبس كمان     


-حضرتك لازم تتصرف يا فندم     


هز "حسن" رأسه بضيق شديد  واخذ يفكر بشكل جدي بطريقة مجدية لحل أزمته

------------------

تعدت منتصف الليل حين كانت هي تبدل  قطعة القماش المبللة  فوق جبين ابنتها  و تكاد تموت رعبة  عليها فحرارة جسدها  لم تنخفض ورغم حدوث الأمر معها لمرات عديدة سابقًا واستطاعتها التعامل معه ولكنها لم تستطيع تماسك أعصابها كونها بمفردها لذلك لم تشعر بذاتها إلا وهي تلجأ لتلك الجارة طارقة على بابها وهي تأمل أن يكون بالعمل كي لا تلتقِ به ولكن عاندها حظها وفتح هو الباب يطالعها مستغربًا في حين تلعثمت هي واخذت تفرك بأناملها:

-آسفة إني خبطت في وقت متأخر زي ده...لتصمت لبرهة تستعيد رباط جأشها وتستأنف متسائلة:

-هي طنط صاحية كنت محتجاها    


لاحظ "نضال" توترها البادي عليها ولكنه تخوف من سؤالها تحسبًا لحديثها اللاذع لذلك أجابها بثبات:

-هصحيها استني ثوانِ    


-لأ خلاص انا هتصرف... شكرًا    


قالتها وهي مرتبكة وتواليه ظهرها تنوي النزول لشقتها مما أثار ريبته ودفعته نخوته في سؤالها:

-يا بشمهندسة استني لو محتاجة حاجة قوليلي يمكن اقدر اساعدك    


رفعت رماديتاها التي دومًا يحتلها حزن دفين إليه وهي تشعر بتردد عظيم اعجزها عن النطق    


بينما هو استشف التشتت بنظراتها و رغم عجرفتها السابقة معه إلا انه كان يرى بنظراتها شخصية أخرى أكثر هشاشة مما تدعي لم يتعود عليها وحقًا لا يعلم لمَ وخزه قلبه و اراد طمئنتها وإن كاد يتحدث خرجت "كريمة" متسائلة بلهفة بعدما ايقظها صوتهم:    


-خير يا بنتي    


تنهدت "رهف" واخبرتها بعيون راجية:

-معلش يا طنط البنت اللي بتساعدني اجازة النهاردة واتصلت بالصيدلية مش بيردو عليا و"شيري" تعبانة اوي  و"شريف" نايم وانا خايفة اسيبهم لوحدهم ممكن بس تقعدي معاهم عقبال ما أجيب علاج من أي صيدلية فاتحة    


زفر هو حانقًا من عنادها بينما ردت "كريمة":

-ألف سلامة عليها يا بنتي انا هنزل معاكِ    


اعترض هو طريقها:

-استني يا امي ليوجه نظراته ل "رهف" ويستأنف:    


-خليني ابص على البنت الأول     


نفت برأسها وعاندت وهي تشعر بالحرج من طلب مساعدته بعد فعلتها:

-انا عارفة العلاج اللي كان الدكتور بيكتبه ليها لما بتسخن هجبهولها والصبح هاخدها للدكتور بتاعها    


رد بتهكم وهو يضرب كف على آخر:

-ده على اساس إني تارزي مش دكتور يا بشمهندسة مش كده     


حاولت تبرير حرجها كي لا يتفهمها بشكل خاطئ:

-انت مش دكتور اطفال     


            


              

                    


تنهد و أجابها بثقة عارمة:

-هو صحيح مش تخصصي بس أقدر أعمل اللازم    


ابتلعت هي رمقها بحرج في حين هو أصر بنبرة لا تقبل النقاش:

-اتفضلي...قالها وهو يؤشر لها بيده بجدية ثم وجه نظراته لوالدته واستأنف:

- وانتِ كمان يا أمي اتفضلي انزلي معاها وانا هجيب شنطتي واحصلكم علشان اكشف على البنت     


أومأت والدته وربتت على ظهر "رهف" تطمئنها:    


-متقلقيش يا بنتي إن شاء الله خير...و"نضال" هيطمنك عليها    


هزت "رهف" رأسها وتدلت الدرج معها في طريق شقتها     


وبعد بعض الوقت قام هو بفحص الصغيرة وعمل اللازم لها حتى انه رفض نزول "رهف" لجلب الدواء  بذلك الوقت المتأخر و احضره بذاته وظل بجوار الصغيرة هو و والدته وبالطبع "رهف" إلى أن اطمئن عليها وحينها نظر نظرة عابرة داخل ساعة يده وقال موجه حديثه لوالدته:

-"كرملة" يلا نطلع الحرارة نزلت والبنت بقت احسن    


هزت والدته رأسها وهي بالكاد تفتح عيناها واجابته:    


-ماشي يا ابني     


لتوجه حديثها ل "رهف" التي تجلس بجوار ابنتها تحتضن يدها أثناء نومها:    


-عايزة حاجة يا بنتي     


هزت "رهف" رأسها وقالت بإمتنان عظيم وهي تنهض تودعها:

-ربنا يخليكِ يا طنط اسفة علشان تعبتك بس ملقتش حد الجأ ليه غيرك    


حانت منه بسمة عابرة من تعمدها استثناءه من حديثها في حين ردت "كريمة" بود وهي تربت على ذراعها:    


-الجيران لبعضيها يا بنتي وربنا يعلم أنا حبيتك أد ايه ربنا يديم المعروف    


ابتسمت هي بسمة هادئة جعلت نظراته تتجمد عليها لوهلة قبل أن تستأذن "كريمة"قائلة:    


-هسبقك يا "نضال" عن اذنك يا بنتي    


هز هو رأسه وكاد يلحق خطواتها إلا ان "رهف" همست بخجل وهي تفرك بيدها:

-شكرًا يادكتور تعبتك     


تنهد هو ونظر لها نظرة مطولة اخجلتها على الأخير وجعلتها تطرق رأسها حين قال بصوته الرخيم:

-مفيش تعب ولا حاجة يا بشمهندسة ألف سلامة عليها متقلقيش هتقوم الصبح احسن    


ابتسمت بهدوء وبكل تحفظ شكرته من جديد بنبرة تقطر بحرجها:    


-انا بكرر اسفي يا دكتور...بتمنى حضرتك تقبل اعتذاري...    


مسد منحدر أنفه و أجابها ببساطة  حتى يخفف من توتر الأجواء ولا يزيدها عليها:

-اعتذارك مقبول يا بشمهندسة ومعنديش مانع نعمل معاهدة سلام     


ابتسمت بسمة عابرة واطرقت برأسها بكل تحفظ ليضيف هو أثناء سيره للخارج:

-ياريت بعد كده بلاش تكرري علاج من نفسك من غير ما تستشيري دكتور     


هزت رأسها ليستأنف بعملية:

-ويفضل لو تشربيها سوايل دافية هتفيدها     


هزت رأسها من جديد وهي تتبع خطواته ليهمهم وشيء لعين بداخله يدفعه دفع للنظر لرماد عيناها:

-تصبحي على خير يا بشمهندسة    


            


              

                    


كانت تنوي محادثته بشأن عيادته ولكن حين ألتقطت نظراته ارتبكت وابتلعت ريقها بتوتر و اجابته بتحفظ وهي تتحاشى النظر له وتطرق برأسها بملامح لا تفسر بالمرة:  

-وحضرتك من اهله يا دكتور       


أومأ لها و ولاها ظهره صاعدًا لشقته وعلى ثغره بسمة عابرة  بمعنى لا فائدة من عنادها فهي تصر على التزامها برسميتها معه والاحتفاظ بتلك الكلمة التي يمقتها( حضرتك) ولسبب ما  وجد ذاته يتفهم كونها مازالت لا تريد أن تتخلى عن التكليف بينهم وحقًا لم يود أن يعقب أو يتطرق لأي مواضيع جانبية معها  حتى لا تتفهمه بشكل خاطئ كعادتها.

------------------

أما عن تلك التي مازالت تصر على عنادها فكانت طوال الليل تتقلب على فراشها  بعدم راحة وكأنه جمر مُشتعل يحرقها، تتوسل أن ينتهي الليل وينهي معه عذاب افكارها فلم تراه من حينها حتى انها توقعت أن يأتي كي يطمئن عليها ويلح كعادته كي تعود معه ولكنه لم يأتي  حتى ظنته يأس من وصالها بعد ذلك الحديث اللاذع الذي لم تعنيه قط  وها هي ما أن  اتى الصباح غادرت غرفتها و جلست على مائدة الطعام والقلق يحتل قلبها فماذا لو يأس حقًا وقرر تركها! حاولت نفض افكارها  والثبات على موقفها ولكنها وجدت ذاتها  متوترة بشدة  تؤرجح جسدها بحركة بسيطة غير متزنة ملازمة لها حين تشعر بالخوف… تحمحم " عبد الرحيم" وهو يجلس  بجوارها قائلًا بخبث مقيت:    


-كنك يا بت خيتي اوعاكِ تكوني لساتك واخدة على خاطرك    


توقفت عن هز جسدها وتعلقت عيناها به واجابته وهي تحاول جاهدة التمسك بثباتها:    


-انا كويسة … لتلتقط نظراته  المهتمة التي لم تصدقها يوم وتتسائل:    


-هو انت فعلًا كنت هتجبرني ياخالي    


نفى برأسه يدعي صدق نواياه وأجابها:      


-مش إچبار يا بتي انا جلبي عليكِ وخابر زين أنك مش واعية لمصلحتك عشان إكده كنت عاوز استرك واخلى معاكِ راچل يحافظ على مالك...هما مش بيجولو الخال وَالد وانا كيف ابوكِ ومن حجي أطمن عليكِ     


لم تقتنع بحديثه فهي تعلم ماذا يكمن خلفه هي ليست بتلك السذاجة التي يظنها فلولا عودة "يامن" وانقاذها من براثنه كانت لاتعلم ماذا سيحل بها وهنا تذكرت جملة' قمر" حين أخبرتها(أنتِ متعرفيش وش عمي الحجيجي ولا تعرفي يجدر على ايه) لذلك حاولت تشيد حصون مانعة لذاتها حتى تجعله يكف عن محاولاته:     


-انا مبقتش قاصر يا خالي وعارفة مصلحتي كويس ومش هسمح لحد يفرض عليا ولا يغصبني على حاجة     


ادعى  "عبد الرحيم "المسالمة قائلًا:    


-براحتك يا بت خيتي بس جوليلي ناوية على ايه ويا الغريب     


زاغت نظراتها واخذت تفرك بكفوف يدها من تحت الطاولة ولم تعلم بما تجيبه، لاحظت" قمر" التي انضمت لهم لتوها  ارتباكها وردت بالنيابة عنها:    


            


              

                    


-واه هتعاود مع چوزها يا عمي ودي عاوزة كلام    


زجرها "عبد الرحيم" بحدة:    


-جولت جبل إكده تسكري خشمك يا غراب البِين ...وبعدين ترچع وياه كيف وهي مش طايجة حتى تجعد في ريحه    


نكست "قمر" رأسها بحرج بينما ردت "نادين" :    


-انا بس اللي أقرر يا خالي ...ومحدش ليه الحق يدخل    


هنا تدخلت "ونيسة" التي أتت حاملة أحد الأطباق  و وضعتها على الطاولة وهي تنظر لها شذرًا:    


-شوف البت وبچاحتها احنا معندناش حريم تجدر تفتح خشمها بالحديت ده اتحشمي يا بت "غالية" واعملي حساب لوچود خالك وهيبته    


-انا عملة حساب ليه يا مرات خالي وإلا مكنتش لسة قاعدة في بيته لتوجه نظراتها ل "عبد الرحيم" وتستأنف:    


-بس يظهر انكم مضايقين مني ومش حابين وجودي وسطيكم    


هنا صرخ "عبد الرحيم "بحدة في زوجته:    


-معوزش اسمع حسك ده واصل     


-معتشترش غير عليّ روح شوف بت خايتك اللي كيف الفرسة الطايحة وكأن ملهاش كبير    


-لأخر مرة بحذرك اتكتمي     


تناوبت" نادين " نظراتها بينهم بينما حاول" عبد الرحيم" مسايرة الأمر:    


-انتِ فوج راسي يا بتي واللي هتشوري بيه هنفذه طوالي و وحياة وَلدي مهغصبك على حاچة...بس بجول طالما انتِ مش ريداه يبجى همليني اتصرف وعهد عليا اخليه يطلجك     


شحب وجهها ونفت برأسها بحركة بسيطة وإن كادت ترد دخل هو برفقة "حامد" الذي قال فور دخوله:    


-السلام عليكم يا أهل الدار     


تساءلت" قمر" وهي تنهض تنزع عنه عبائته:    


-اتأخرت ليه إكده يا" حامد"     


اجابها "حامد "بنظرات مشتاقة اخجلتها وبصوت خفيض للغاية لم يصل لأحد وهو يناولها لفافة كبيرة:    


-بجالي يوم بليلة هدور على الجلاب يا حبة الجلب    


تناولت من يده ببسمة واسعة اخفتها سريعًا بطرف شالها ثم همست بخجل:    


-رَبنا يخليك ليا يا "حامد" وميحرمنيش واصل من دخلتك عليّ اللي تشرح الجلب    


-خبر ايه منك ليها!    


قالها "عبد الرحيم" بصرامة نفضتهم معًا و جعلت "حامد" يتحمحم ويقول:    


-جاين يا ابوي ليوجه نظراته ل" يامن "ويستأنف مرحبًا:    


-تعال يا غالي الدار دارك    


في تلك الاثناء كانت نظراتهم متشابكة تتحاكى بالكثير وقد لاحظ هو من الوهلة الأولى شحوب وجهها ومن نظرات "عبد الرحيم "الكارهة له تفهم ما كان يدور بينهم لذلك قال وهو يوجه نظراته لها دون أن يعير "عبد الرحيم" أي اهمية:    


            


              

                    


-معلش يا "حامد" بس عايز مراتي في كلمتين    


رغم أنتفاضة دواخلها وذلك السلام الذي سَكن قلبها برؤيته إلا انها رفعت نظراتها له بشيء من التردد لولا انه تقدم من موضع جلستها و مال عليها جاذب يدها ينهضها وإن كاد يسحبها كي تسير معه جذبت يدها من خاصته وصرخ  صوت عقلها متمردًا:    


-سيبني أنت مبتفهمش قولتلك خلاص مش عايزاك ومبقاش في كلام بينا    


توحشت نظراته بطريقة اثارت ريبتها وجعلتها  تتراجع خطوتين بينما هو نفرت عروقه و كور قبضته بقوة كي يتحكم في زمام ذاته من طريقتها وعنادها التي لم تنفك من السير في منهجه، وقبل أن يتفوه بشيء    


اتاه صوت "عبد الرحيم" متهكمًا:    


-مجالتلك مش ريداك هي     


جصة أبو زيد هنتنا نزيد ونعيد فيها...همل البِنية وطلجها يا ساجع    


حانت منه بسمة مريبة تعلم هي ما سيحل بعدها ثم هدر وهو يرفع سبابته بتحذير قوي دون مهابة:    


-كلمة كمان مش هعمل اعتبار لحد وصدقني وقتها متلومش غير نفسك    


وقبل ان تستوعب حديثه كان يختصر المسافة بينهم التي صنعتها وينحني بجزعه ويحملها على كتفه كالجوال ثم دون أن يعير شهقاتها المتفاجئة أي اهمية واعتراضها كان يسير بها في طريق غرفتها التي تمكث بها تارك "عبد الرحيم "يتوعد له اشد الوعيد و" ونيسة "تلوي فمها يمينًا ويسارًا بعدم رضا ناعتتهم بقلة الحياء بينما "قمر" و"حامد" تناوبو النظرات بينهم وهم بالكاد يكتمون بسماتهم.  

------------------

-ماشي يا استاذ "صلاح" شكرًا أنك بلغتني     


ذلك آخر ما قالته "رهف" قبل أن تغلق الخط...زافرة انفاسها دفعة واحدة وهي تدرك كونها تأخرت في  رد ذلك الدين القديم الذي مازال عالق بعنقها ورغم برائة نواياها حينها إلا أن ضميرها لم يكن رحيم بها وظل يؤنبها.

------------------

اخذت تضربه بقبضتها على ظهره لحين وصل بها للغرفة ولكنه كان غير عابئ بها ولا بدفاعها فقد فاض الكيل به ونفذ صبره من استخفافها فقد اغلق الباب خلفه ثم انزلها لتدفعه بصدره قائلة:

-انت عايز مني ايه !    


قبض على يدها التي تضربه بها بقوة هادرًا بنبرة صارمة  وبنظرات يتطاير الغضب منها بطريقة جعلت دواخلها تنتفض:

-كفاية عِند بقى وفوقي انا ليا طاقة... اه غلطت بس مغلطتش لوحدي أنتِ كمان غلطانة وغلطك اكبر مني ومع ذلك دوست على كرامتي و رجعت ليكِ علشان بحبك لكن لو فاكرة أن حبي ليكِ هيخليني ممسحة تحت رجلك تبقي غلطانة انا بتغاضى بمزاجي ومش معنى كده انك تقلي مني وتسوقي فيها و تكلميني بالطريقة دي قدام الناس أنتِ مراتي وغصب عنك لازم تحترميني     


-سيب إيدي يا "يامن" انا مش عايزة ابقى مراتك ومتقدرش تجبرني اعيش معاك بالعافية    


لاح على ثغره بسمة مريبة لطالما تخوفت مما يحل بعدها، وقبل أن تتوقع رد فعله كان يكبل يدها خلف ظهرها بيد وباليد الأخرى يدسها بخصلاتها يعبث بأنامله نزولًا لطول عنقها بحركات حثية اربكتها للغاية وجعلت وتيرة انفاسها تتعالى وكرد فعل اغمضت عينها بترقب حين همس وهو يقترب بوجهه وكأنه سيقاسمها انفاسها:

-أنت بتعاندي نفسك أنا متأكد أنك لسة بتحبيني زي ما عمري ما بطلت أحبك والدليل أنك حاطة دبلتي جنب قلبك    


            


              

                    


قالها بعبثية تامة وهو يبعد وجهه عنها ليخيب آمالها و يسحب حبل سلسالها الذي تخفيه تحت ملابسها ويتدلى منه تلك الحلقة الماسية التي لمحها بالصدفة أثناء معافرتها بين يديه    


تقلصت معالم وجهها وفتحت عيناها تطالعه بغيظ شديد ثم حاولت إفلات يدها من قبضته، وكونه يعلمها تمام المعرفة علم ماذا تنوي لذلك حل قفل السلسال تحت مضضها وإن أفلت يدها حاولت دفعه عنها ولكنه كان يقبض على خصرها بقبضة من حديد ويقبض باليد الأخرى على رسغها وهو يحذرها  بعينه ثم دون مقدمات أخرى كان يلبسها إياه ولكن بيدها اليسرى هادرًا بنبرة قاطعة كحد السكين:    


-لو دبلتي اتقلعت من ايدك تاني متلوميش غير نفسك     


جزت على أسنانها ليستأنف هو بتسلية يتعمد اغاظتها:    


-تصدقي في الشمال شكلها احلى    


ضربت قدميها بالأرض وصرخت بغيظ:      


- بكرهك يا "يامن" بكرهك     


-وانا بحبك وده كفاية بالنسبالي     


قالها بغمزة من عينه جعلتها تكاد تموت غيظًا منه حتى إنها قبضت على خصلاتها وكادت تقتلعهم من رأسها لولا قوله بجدية :    


-سيبي شعرك واتفضلي لمي حاجتك علشان هنرجع القاهرة النهاردة لينا بيت نقدر نتعاتب فيه براحتنا ولا انتِ عاجبك الوضع هنا ومستنية لما امسك في خناق خالك واعمل مصيبة      


-اعمل اللي تعمله برضو مش هرجع    


ثارت ثائرته  وأكد بصوت جهوري منفعل وبنبرة واثقة للغاية وهو يضغط على كل كلمة تخرج من فمه:    


-لأ هترجعي وبلاش تراهني على قوة احتمالي اكتر من كده علشان أنتِ عارفة أني اقدر اخدك غصب عنك وغصب عن عين أي حد هيحاول يتشددلك وحتى لو اضطريت ارتكب جناية     


رغم الخوف الذي دب قلبها من تهديده إلا انها لم تبدي أي ردة فعل تذكر فقط ظلت متجمدة بأرضها تحاول طمئنة ذاتها و نفض تلك الافكار السوداوية عن رأسها في حين هو تناول الحقيبة من فوق خزانة الملابس وقذفها على الفراش قائلًا بنبرة قاطعة كحد السكين لا تقبل التفاوض اجفلتها:    


-نص ساعة وتكونِ جاهزة هستناكِ تحت وبتمنى متتأخريش…علشان انا على اخري من الراجل اللي تحت ده    


قال آخر جملة بنبرة محذرة يقصد ارهابها وكسر عنادها بها كما السابق؛ فيبدو انه ادرك أن تلك الطريقة الوحيدة التي تجدي نفع معها فمنذ حديثها اللاذع له بالأمس وهو يتعمد أن يتركها لهواجس عقلها حتى انه امتنع عن السؤال عنها ليشتت افكارها ولكن لم يستطيع الصمود أكثر، فكيف لعاشق مثله التغاضي عن انين قلبه الممتلئ بها   فقد تركها تتأكل نفسها وخرج من باب الغرفة لتتناول هي أحد الوسائد وتقذفها خلفه ثم تصرخ صرخات متقطعة من شدة غيظها و تشعر بالمهانة من طريقته في الضغط عليها، فكانت تمرر يدها بخصلاتها وكأنها على حافة الجنون ولم يكن أمامها إلا ان  تهاتف "ثريا " تستشيرها وبالفعل قامت بفتح هاتفها وطلبت رقمها لترد" ثريا "متلهفة:    


            


              

                    


-كده يا بنتي قلقتيني عليكِ أنتِ كويسة      


نفت برأسها وهي تعدل من وضع  هاتفها على اُذنها وتجلس على طرف الفراش قائلة:    


-مش كويسة يا ماما     


-اهدي وفهميني ايه اللي حصل     


لتقص عليها كل ما حدث فلم يكن من "ثريا "غير أن تؤنبها وتواجهها بخطئها وتوبخها على ردود أفعالها  و كأي أم تريد الصالح لابنائها حاولت أن تكون على حياد وقد أخبرتها أنه لم يفعل ما فعله سوى كونه يحبها ومازال متمسك بها ولابد أن تقدر  انه تغاضى عن سوء افعالها وقد طمئنتها ايضًا أنها ستظل تساندها عند عودتها وقد أقنعتها أن تنصاع له وتعود من جديد لأحضانها تحسبًا لتهوره ... وبالفعل اقتنعت بحديثها وكأنها لم تكن تتوق للعودة من ذاتها وتتحجج بعنادها.

--------------------

-روح اطلبها منه ومتضيعش وقت    


قالتها "شهد" كي تحفزه بينما هو اجابها بعقلانية شديدة:

-مينفعش يا "شهد "الراجل يقول ايه بستغل الموقف لصالحي...     


اعترضت "شهد":

-وفيها ايه ما انت انقذت حياته ورجعتله بنته وكشفت ألاعيب  الصفرا مراته  ده المفروض يديهالك وهو مغمض ومفروض يكون اتأكد أنك أمين عليها    


-"شهد" بلاش نسبق الأحداث انا هستنى شوية تكون الأمور هدت وهبقى اروح اتقدملها تاني       


لوحت "شهد "برأسها وأخذت تتمتم حانقة:

-خليك كده ماشي بدماغك لغاية ما هتلاقي البت تروح منك     


-"شهد" وبعدين بطلي برطمة وروحي حضري الغدا    


تأففت هي بغيظ تقلد طريقته لتحين منه بسمة عابرة ويضرب كف على أخر قائلًا:    


-والنعمة مجنونة     


طرقات على الباب جعلتها تعود له قائلة وهي تتخصر بجسدها:    


-والنعمة بكرة افكرك و ابقى قول "شهد" البركة قالت     


-طب خشي جوة يا بركة علشان افتح الباب بدل ما هعلقك زي بنتك     


إنصاعت له وظلت تبرطم غير عابئة بتحذيره ليتقدم هو ويفتح باب الشقة ليجد مالكة قلبه أمامه تبتسم بسمة واسعة وتهمس وفيروز عيناها يتوهج بعشقه:    


-وحشتني يا" حمود "    


-"ميرال "بتعملي ايه هنا وليه سبتي ابوكِ     


لملمت خصلاتها وقالت له بعفوية كعادتها كي تفحمه:

-لأ ما انا جبته معايا هو وابيه "كاظم"     


-معاكِ فين! وكاظم مين؟    


اتسعت بسمتها واشارت بيدها نحو الدرج ليجد ابيها يصعد وبرفقته رجل اربعيني وقور للغاية يُسنده، تحمحم يجلي صوته وتساءل بنظراته لتؤشر له أن يصبر في حين رحب هو بإرتباك شديد من موقعه:    


-اهلًا يا "فاضل" بيه اتفضل     


اشرأبت "شهد" برأسها من الباب وقالت بصوت خافت لم يصل إلا ل "محمد":

-يالهوي ايه اللي جاب ابوها ومين اللي معاه ده     


            


              

                    


نكزها "محمد" كي تفوت للداخل وأمرها بصرامة:

-ادخلي حطي حاجة على شعرك و متفتحيش بوقك بكلمة انتِ فاهمة     


هزت" شهد "رأسها وانصاعت له  وحين وصلوا امام باب الشقة رحب "محمد" بهم من جديد ودعاهم ليدخلوا ويجلسوا في غرفة الصالون المتواضعة، تناوب النظرات بينهم وهو يتوق لأن يشرع أي منهم في الحديث،  ليتحمحم "فاضل" اخيرًا  قائلًا:    


-أنا عارف انك مستغرب زيارتي     


اجابه "محمد" بإرتباك:

-بصراحة اه اتفاجئت بيها    


لينطق ذلك الشخص الاربعيني الذي برفقة "فاضل":

-احنا جينا نشكرك على اللي عملته يا "محمد" وبصراحة انا عاجز عن شكرك     


ربت "فاضل" على ساقه ثم استأنف بعده وهو يرى الفضول يقذف من عينه:

-ده "كاظم" ابن اخويا كان عايش برة بقاله سنين ولما سمع اللي حصل نزل  هو وبنته علشان يطمن عليا واصر أنه يجي يشكرك بنفسه    


تهللت أسارير "محمد" واجابه برزانة:

-انا معملتش غير الواجب يا "فاضل" بيه والحمد لله ربنا ستر وجت سليمة    


تحسس "فاضل" ضمادته التي تكسو مؤخرة رأسه وقال:

-مش سليمة اوي يا ابني بس الحمد لله     


وهنا قهقه الجميع تزامنًا مع دخول" شهد "التي ارتدت اسدالها المزركش  و وضعت طرحته على  شعرها كي تخفيه كما أمرها حاملة بيدها صنية محملة بأكواب العصير ترحيبًا بهم:    


-قضى اخف من قضى والله انتو نورتونا وشرفتونا    


لتضع ما بيدها وتجذب "ميرال" تحتضنها قائلة بود حقيقي ادهش "فاضل" ومن معه:    


-وحشتيني يا "ميرال" و وحشني الرغي معاكِ والله كنت هتجن عليكِ وعمالة اقوله روح لابوها بس هو دماغه ناشفة و...    


-شــــــــــــــــــــــــــــهد     


كادت أن تسترسل بإندفاع كعادتها لولا أنه زعق بأسمها و

زجرها كي لا تتمادى في الحديث لتهز رأسها بقوة وتقول بتلقائية كعادتها دون أن ذرة لؤم واحدة:    


-يوه يقطعني يا خويا والنعمة نسيت انك موصيني مفتحش بوقي    


-افصلي وتعالي اقعدي      


قالها و هو يجذبها تجلس بجواره قائلًا بإرتباك:

-"شهد "اختي يا "فاضل" بيه معلش هي عشارية اوي وبتاخد على الناس بسرعة    


-اه والله

قالتها كي تؤيد حديثه وهي تهز رأسها وتمط فمها بوداعة لينكزها "محمد" بكتفها برفق كي تصمت ولكنها عقبت متسرعة:

-يوه والنعمة ما قولت حاجة أنت بتغمزني ليه!    


اغمض "محمد" عينه بقوة وهو يتوعد لها أما عن "ميرال" فكانت تكبت ضحكاتها بصعوبة بالغة كي لا تثير اعصابه هي الأخرى، أما عن "كاظم " فقد كان ترتسم على وجهه بسمةهادئة، ليرحب  "فاضل "بها:    


-اهلًا يا "شهد"     


-اهلًا بيك والله شرفتونا     


قالتها بمجاملة  ليضيف" كاظم" :

-الشرف لينا يا أنسة "شهد"    


            


              

                    


لوت فمها وهمست ساخرة:

-أنسة...طب دي تيجي برضو    


ليعقب "كاظم "بحرج:

-أسف بس شكل حضرتك صغير وعلشان كده توقعت أنك أنسة     


لوهلة ظنت بإندفاعها أنه يتعمد مغازلتها بطريقة متوارية حتى كانت سوف ترد رد لاذع يليق بحديثه  ولكن حين نظرت له نظرة خاطفة استشفت وقاره و رزانته وتداركت كونه ليس بشاب لعوب كما ظنت، لذلك اطرقت رأسها ولم تعقب خوفًا من أخيها الذي أجاب  بالنيابة عنها :    


-لأ" شهد" ارملة من يوم موت جوزها وهي وبنتها عايشين معايا ومالين عليا الدنيا    


تنهد "كاظم" ببسمة رزينة للغاية بينما ابتسم "فاضل" بسمة هادئة وقال وهو يشمل محيط شقتهم بعيناه:    


-قولي يا "محمد "الشقة اللي انتو عايشين فيها  دي بتاعتك     


استغرب" محمد" السؤال ولكنه أجابه:

-لأ دي شقة "شهد" انا شقتي فوق هي كانت شقة ابويا وامي الله يرحمهم وانا غيرت عقدها و وضبت فيها…ودي الشقة اللي كانت "ميرال" وصاحبتها قاعدين فيها    


ليقول "فاضل" بتفهم:

-مفيش داعي تبرر "ميرال" حكتلي كل حاجة وقالتلي كمان انك راجل جدع وبتشتغل شغلانتين    


-اه انا شغال الصبح محاسب في شركة وبليل بطلع بالتاكس    


أومأ "فاضل" بتفهم وتساءل كي يصل بالحديث لتلك النقطة التي أراد التأكد منها من بادئة الأمر:    


-وده مش تعب عليك    


اجابه "محمد" بعزة نفس وبكبرياء شامخ: 

-لازم اتعب علشان احس بقيمة القِرش وبعدين انا عندي اتعب واشتغل بس متحوجش لحد والشغل مش عيب و عمره ما بيعيب صاحبه    


تنهد "فاضل "بعمق ورمقه بنظرات مبهمة لم يستشف" محمد" منها شيء في حين هي كانت تطالعه بفخر وهي لا تعلم للمرة الكام التي وقعت بها في حبه     


لينهض" فاضل" قائلًا:    


-طيب احنا هنمشي دلوقتِ بس هنستناك بكرة أنت واختك في القصر    


تناوب النظرات بينه وبين "شهد" التي هدرت متسرعة :

-ليه خير إن شاء الله بأي مناسبة       


اجابها "فاضل" متهكمًا:

-أنتِ اكيد بتفهمي في الأصول يا "شهد "ولازم تيجوا تطلبو البنت مني جوة بيتها ليوجه نظراته نحو "محمد" الذي كان يقف متسمر  مشدوه بأرضه ويستأنف:    


-ولا ايه يا" محمد" عندك رأي تاني؟    


نفى "محمد" برأسه واتسعت بسمته شيء فشيء بسعادة متناهية بينما 

شهقت "شهد" متفاجئة ثم ضمته لها قائلة بحنو شديد:

-مبروك يا "حمود" الف مبروك ربنا يسعدكم يا خويا    


ربت "محمد" على ظهرها وتساءل بعدم تصديق وهو يخرجها من بين يديه:

-يعني حضرتك موافق    


هز" فاضل" رأسها لتصفق "ميرال" بيدها وترتمي تقبل وجنة أبيها قائلة وقلبها يتراقص بين ضلوعها:    


            


              

                    


-ربنا يخليك ليا يا بابي انا مبسوطة أوي     


حانت من "فاضل" بسمة هادئة وأخبر "محمد" بجدية شديدة:    


-انا وافقت بس ليا شروط ولازم توعدني أنك هتوافق عليها     


-وأنا تحت أمر حضرتك وهعمل المستحيل علشان اثبتلك إني جدير بيها    


نظر له "كاظم" نظرة اعجاب مطولة تنم عن احترامه لشخصيته ثم ربت على كتفه يدعمه بينما ختم" فاضل" حديثه:    


-اتمنى ده يا "محمد"...هستناك ولو اتأخرت ممكن ارجع في كلامي    


ضربت" شهد" صدرها وقالت بخفة:

-يا لهوي ترجع في كلامك ده إيه إحنا مش هنتأخر ولو عايزنا نيجي معاكم من دلوقتي هتلاقينا قبليكم في القصر    


قهقهوا على مزاحها ليؤكد "محمد":

-بإذن الله يا "فاضل" بيه ٨ بالدقيقة هنكون عندك    


وبدون تمهيد او مقدمات كانت "شهد "تطلق زغروتة عالية تصم الآذان من شدة سعادتها لتجلب بها بُشرات عدة لتحقيق الأمنيات وأولها أن يتمم الله فرحتهم على خير. 

----------------

-هتوحشك يا "نادين "    


-وانتِ كمان يا "قمر" هتوحشيني خلي بالك من نفسك     


هزت "قمر" رأسها بعيون غائمة وغمغمت وهي تحضنها وتقبل وجنتها بمحبة خالصة:    


-اللي هيهون عليّ فراجك إني واعية إن الصالح ليكِ انك تبجي مع چوزك رَبنا يهدي سركم ويصلح حالك ويتمم امانتك على خير    


أمنت "نادين "بسرها وحانت منها بسمة مفعمة بالأمل عند ذكر الأمر ثم قالت بود:    


-ابقي كلميني وطمنيني عليكِ  واوعديني لما تنزلي القاهرة تبقي تزوريني    


هزت "قمر" رأسها ودمعاتها تنهمر تأثرًا بفراقها لتحثها "نادين" بنظراتها الدامعة:

-خلاص بقى علشان خاطري من غير عياط     


اومأت لها وجففت دمعاتها ليأتيهم طرق على باب غرفتها وصوت "حامد" الذي صدح من خلفه:

-يا بت عمتي چيت اخد شنطتك    


فتحت "قمر" الباب ليلاحظ هو بكاءها ويقول معاتبًا:

-هتنوحي  وتفرطي في دموعك الغالية ليه يا جمري! البِنية معاودة لبيتها وچوزها المفروض  تفرحلها    


- فرحنالها بس هيعز عليّ فراجها يا "حامد" يعلم ربنا اني حبيتها كيف خيتي تمام    


- اوعدك نزورهم في اجرب وجت انا اتفجت مع "يامن" على إكده علشان هيودينا لحكيم زين     


-صوح يا "حامد"    


-صوح يا حبة "جلب" حامد    


هزت رأسها بسعادة متناهية بينما "نادين" كانت تشاهد ما يدور بينهم ببسمة هادئة وتتمنى لهم السعادة الدائمة التي تليق بصبرهم واحتسابهم، لينشلها قول "حامد" بصدق وطيب نية:    


            


              

                    


-انا كيف اخوكِ تمام لو احتجتي ايتها حاچة أني موچود كلميني وهتلاجيني جصادك انا خدت عهد عليه ما هيزعلكيش واصل ولو حوصل وعملها ومكنش في عوار عليكِ جَسمًا بالله لچيب من الطين واحط على راسه انتِ  وراكِ رچالة    


-أنت طيب اوي يا "حامد" 

انت كمان اوعدني متزعلش "قمر"     


نظر ل "قمر" نظرة عاشقة  تفضح ما يكنه لها ثم قال بصدق:

-جمر دي حبة الجلب يا بت عمتي ومجدرش ازعلها حد يزعل روحه    


توهجت" قمر" من تغزله بها ثم قالت بخجل:

-ربنا يخليكِ ليا يا "حامد"  وربنا ما يجيب زعل واصل     


امنو على دعواتها لتستأنف هي كي تغير سير الحديث قبل أن يخجلها أكثر بمعسول كلامه :

-طب هِم بجى زمان چوزها على نار    


-عندك حج يلا لافيني الشنطة  واسبجوني لتحت عجبال ما اشوف الغفير خرج الزيارة ولا لع    


ناولته" قمر" حقيبة "نادين"  وسبقوه  للأسفل  إلى أن وقفوا على بوابة المنزل من الخارج أمام موقع سيارته التي كان يقف يرتكز عليها لحين خروجها، وما أن رأها اعتدل بوقفته وبداخله يكبت بسمة مفعمة بالسعادة لإنصياعها له، ليخرج" عبد الرحيم" وزوجته كي يودعوها وبعد أن عاتبها "عبد الرحيم" وحاول بث سمه لأخر مرة بعقلها ولكنها لم تهتم وراوغته كونها تعلم اين الصالح لها ليودعوها ولكن ببرود مريب لم يريحها، لتتحاشى هي النظر له وتلتهي بالحديث مع "قمر" في حين أن تركزت نظرات "عبد الرحيم" بنقطة بعيده ونمت على ثغره بسمة مفعمة بالكثير وهو يظن أنه على وشك تحقيق ما خطط له وهو يؤشر بحركة محسوسة  متفق عليها كي  ينفذ ولكن في ذات اللحظة احتل الخوف معالمه وزاغت نظراته حين وجد وَلده يهرول حامل الحقيبة، حاول" يامن" إلتقاطها منه ومال بجزعه عليها ولكن "حامد" اصر والتفت بسرعة متناهية لموقع" يامن" كي يرفعها عن الأرض ويضعها بمؤخرة السيارة وفي غفوة من الزمن وفي لمح البصر كانت 

تنطلق طلقة غادرة تستقر بصدر أخر شخص تمنى ذلك الطامع بنواياه الآثمة ايذائه فقد شلت الصدمة الجميع وجعلتهم يشهقون بفزع في حين خر جسده متهدلًا وسقط طريح غارق بدمائه    


ليصرخ "يامن" بصدمة هائلة وهو يتفقد جسده:    


-"حامد"..."حامد" هتبقى كويس  حد يطلب الاسعـــــــــــــــــــــــاف اسعــــــــــــــــاف بسرعة     


-وَالدي    


قالتها والدته بعويل وهي تولول مهرولة إليه بينما "عبد الرحيم" كان يقف مشدوهاً وعينه تكاد تخرج من محجرها قبل أن يهرع له  صارخًا بقهر على فقدان ولده الوحيد:    


-وَالـــــــــــــــــــــــــــدي    


بينما هي استغرق الأمر منها ثوان حتى تستوعب الأمر وحين فعلت صرخت صرخة قوية شقت بقهرها عنان السماء حين اقتربت من موضع رقدة جسده المدرج بالدماء على الأرض وأخذت تهز بجسده بهستيريا :    


-حـــــــــــــــــــــــــــــامد...يامُري يا مُري حـــــــــــــــــــامد يامُري رد عليّ يا حـــــــــــــــــامد إِياك تهملني    


وهنا تعلقت عيناه الواهنة بها والتوى فمه في شبه بسمة وهو يتلمس بأنامله وجهها الصبوح الغارق بدمعاتها مغمغم بنبرة واهنة للغاية قبل أن يغلق عينه ويستسلم لذلك الظلام الدامس الذي يسحبه معه دون هوادة:    


-على عيني ههملك يا جمر    


سقطت يده عن وجهها وسقط معها ثباتها لتصرخ بأنهيار وهي تهز بجسده راجية:    


-لع...لع متهملنيش يا "حامد"  انا مليش غيرك انت ابوي واخوي وكل دنيتي رد علي يا "حامد" يا مُرك يا جمر ... يا مُرك يا جمر ...حامد رد عليّ يا جلب جمر رد عليّ يا جلب جمر متهملنيش... متهملنيش ...لتنظر للأعلى وتصرخ بقهر من بين نحيبها الحارق الذي يمزق نياط القلب:    


-يا رَب إني مليش غيره هموت بعديه...هموت بعديه    


اعتلى صوت نواحها وصراختها وببكاء الجميع في حين هي كانت تنهمر دمعاتها دون هوادة  وهي تشاهد ما يحدث و لا تصدق ما اصابه ولكن كرد فعل وجدت ذاتها تخرج هاتفها بأيدي مرتعشة تهاتف سيارة الإسعاف    


في حين هو انتابه حالة من الهياج وهو يرى وَلده الوحيد مسجي امام نظراته فما كان منه غير أن يسمح لشيطانه ان يسيطر عليه ويجعل الحقد يغشي على عينه حين نهض مرددًا بجنون تام وبتوعد مقيت  وهو ينقض على بندقية الغفير الذي كان يعلقها بكتفه أثناء حمله لعدة اقفاص ويقف بها بالزاوية فقد نزعها منه بالقوة وصوبها نحو "يامن" قائلًا بجنون تام وبكل حقد وجبروت لامثيل لها:    


-مش والدي المجصود يا غريب أنت اللي لازمنًا تموت مش وَلدي     


ذلك آخر ما تفوه به قبل أن تنطلق رصاصة من بندقيته التي يحملها ودون أن يمهل  أحد أن يأخذ ادنى حذر منه كانت تستقر رصاصته بكل أسف في جسد من أراد الغدر به من بادئة الأمر.

---------------

    

تكملة الرواية من هناااااااا 

 لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

 مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا

تعليقات

التنقل السريع