القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

روايه خطايا بريئه الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم الكاتبه ريم كريم

 روايه خطايا بريئه الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم الكاتبه ريم كريم 








روايه خطايا بريئه الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم الكاتبه ريم كريم 


                                                                        


في ذلك الحي الراقي الذي يتلبس  بثوبه الأخضر والمعتق على أرصفته تلك الأشجار اليافعة التي تستيقظ عليها العصافير صباحًا لتعزف تلك الأنشودة الهادئة التي عكر صفوها صوت تلك الأنغام الغربية التي صدحت من داخل أحد المنازل التي تتباعد عن بعضها حتى يتمتع قابعيها بتلك الخصوصية المميزة 

فكانت هي تتمايل بِجسدها على أنغامها وهي تتطلع لأدائها المثير في  المرآة بِكل غرور  وكأنها لم ترى أنثى أجمل منها على وجه الأرض فهي تتمتع بِبشرة حنطية تشابه لون سنابل القمح وعيون سوداء ساحرة تشبه سماء الليل ولكن ليس النجوم هي ما تسطع بها بل المكر و الفتنة الخالصة  ،  مررت يدها بين خصلاتها الفحمية الهوجاء التي تتعدى خصرها النحيل ومنحنياتها  التي تخفيها تحت كنزتها الواسعة وذلك البنطال الفضفاض ،ثم زفرت بِضيقٍ وهي تتذكر تعليماته الصارمة بشأن ملابسها فهي حقًا سأمت كبته لحريتها ،لطالما طمحت أن تعيش حرية مطلقة كالفراشة  دون قيود ولكنه يتعمد ردعها ، لتواسي ذاتها أنها لابد ان تتقبل منه أي شيء ولكن بِشرط أن  لا تدخل والدته بِقراراته  وعلى ذكرها أتاها صوتها من خلف باب غرفتها :    


                      


-وطي الصوت شوية يا "نادين"

يلا  الفطار جاهز هتتأخري على جامعتك     


                      


نفخت أوداجها بِغيظٍ وصاحت متأفأفة بعدما أطفأت ضجيج جهازها اللوحي  :    


                      


- طيب .....جاية ...جاية    


                      


قلبت عيناها بِملل وأخذت تلملم بكُتبها  ليطرق باب غرفتها بِطرقات تعلم صاحبها ، لتزيح الحنق عن ملامح وجهها وتستبدله بِبسمة واسعة وتهم بفتح الباب قائلة وهي تراه يستند على الحائط أمامها و يربع  يده :    


                      


- صباح العسل.... طب والنعمة وحشتني والبيت كان مضلم من غيرك    


                      


رفع حاجبه بِمكر فهو يعلمها ويعلم تلك الطريقة الملتوية خاصتها كي تؤثر عليه وتفلت من العقاب بعد كل خطأ ترتكبه :    


                      


- صباح الأونطة اللي ما بتدخلش عليا بعد كل مصيبة     


                      


شهقت بِبراءةٍ و عقبت :    


                      


-  أَونطة ليه بس  ده أنا كيوت خالص ومش بعمل حاجة     


                      


هز رأسه وقال في تهكم وناعستيه البُنية تشملها :    


                      


- لأ ما هو باين  راجعة بعد نص الليل و استغليتي سفري يومين وعيشتي حياتك فاكراني مش هعرف     


                      


ابتلعت ريقها وأجابته بِثقة مبالغ بها :    


                      


- كنت بذاكر مع "نغم "والوقت أخدني....  مأجرمتش يعني وبعدين انت عارف "نغم"وعارف إن أحنا أصحاب من زمان وأظن واثق تمامًا في أخلاقها لتستأنف بِتمرد وهي ترفع حاجبيها المنمقين :    


                      


- وبعدين هي أمك لازم تقومك عليا ده بدل ما تقولي وحشتيني يا نادو    


                      


تلاشى هدوءه و جز على نواجزه وهو يقبض على ذراعها  قائلًا بنبرة صارمة يحفها التحذير :    


                                  


              

                    


- عيب كده ....ومش هي اللي بلغتني  .....وأخر مرة أحذرك ملكيش دعوة بيها  و مسمهاش أمك...  كلمة مش لطيفة علشان تطلع من بنت متربية زيك ....فااااااهمة    


هزت رأسها بِقوة  وقالت تدعي الوداعة  :    


- الست الوالدة ارتحت  كده ممكن بقى تسيب إيدي بتوجعني     


قالت أخر كلمة وهي تسبل عيناها بِنظرة عتاب لم يستطيع الصمود أمامها ، ليتركها ثم يزفر بِضيقٍ  و يلعن نفسه و يكوب  وجنتها قائلًا بعدما استعاد هدوءه بعض الشيء :    


- نادين امي خط أحمر وأنتِ عارفة ده  فبلاش طريقتك دي أنا مش بحبها علشان بتطلع أسوء ما  فيا.....    


ابتلعت غصة بِحلقها وأومأت له بِطاعة يعشقها منها ، ليبتسم بسمته البشوشة الدافئة  تلك التي لا تفارق وجهه إلا بسبب حنقه منها:    


- حقك عليا    


أومأت له ليستأنف بِنبرة صادقة :    


-على فكرة بقى  وحشتيني  يا "نادو"     


تنهدت في عمق وهو يشملها بِناعستيه التي تفيض بِمكنونها التي تعلمه جيدًا ،ثم شهقت في خفوت وهو يقترب  يضع قبلة عميقة أعلى وجنتها، يقسم أنه لم يكن بنيته سوى أرضائها ولكن كيف الصمود أمامها وهي بكل تلك الفتنة،  وجد نفسه يحاوط خصرها ويقربها منه و دون أي مقدمات آخرى كان يدفنها بين ضلوعه وكأنه يطمئن ذلك النابض بِصدره انها معه ولن يستطيع أحد نزعها منه ، تصلب جسدها وزادت وتيرة أنفاسها عندما غرس وجهه بين خصلاتها الهوجاء قائلًا بإنتشاء وبِصوتٍ متهدج اربكها  :    


- كنت بَعد الدقايق علشان أرجعلك وأشم ريحتك واطمن انك معايا     


أبتسمت  بسمة ناعمة وهي تدفعه بِرفق  وقالت ووجهها يشتعل خجلًا :     


- "يامن"  هتأخر  على المحاضرة الأولى    


أومأ لها  وتفهم خجلها بِبسمةٍ مريحة بينما هي فرت من أمامه تسبقه إلى طاولة الطعام 

------------------------------

-لسة زعلانة يا بنتي.....؟؟؟    


جملة قالتها "ثريا"والدة "يامن" أثناء تناولهم الطعام لترد هي بِبرود ساخر تعمدته وكأن تحذيره لها قد تبخر  :    


- محدش يعرف يزعلني يا مرات بابا     


زفر "يامن" بِقوةٍ و وضع شوكته من يده بِعصبية  محدث صوتًا قويٍ أجفلها وجعل نظراتها تهتز بتوجس وإن كاد يفقد أعصابه ويوبخها ككل مرة على تطاولها مع والدته ،ولكن والدته ربتت على ساقه من تحت الطاولة كي يهدء بينما هي لاحظت حركتها تلك لتنبسط معالم وجهها وتفتر عن بسمة مفعمة بالانتصار الذي  لم يدوم حين قال بِنبرة آمرة:    


-أعملي حسابك مفيش مذاكرة برة البيت تاني     


أعترضت بِعصبية :    


- بس انا مبعرفش اذاكر لوحدي و"نغم" معاها مراجع وبتشرحلي اللي مش بفهمه     


= خلاص خليها هي تجيلك     


            


              

                    


نفت برأسها وبررت :

- باباها مش هيرضى انت عارف هو مشدد عليها أزاي     


ليزفر أنفاسه  ويقول  بِقرار قاطع :    


- خلاص قوليلي أسماء المراجع دي وبكرة تبقى عندك وأي حاجة مش فهماها هساعدك  أنا فيها     


كادت تعترض مرة آخرى ولكنه صرخ بها بنبرة صارمة تعرف جيدًا أن لا رجعة فيها :    


- من غير اعتراض .....كلامي يتسمع      


أحتدت نظراتها السوداية أكثر  وهي ترمق والدته  بِحقدٍ بائن أحزن"ثريا" كثيرًا عندما كللته بِكلماتها المسمومة :    


-يارب تكونِ أرتحتِ يامرات بابا     


عقبت "ثريا " بِطيبة  مستنكرة :    


- أنا يا بنتي ده انا نفسي أشوفكم أحسن الناس     


رفعت حاجبها المنمق مستنكرة قولها وكادت ان ترد بِعجرفة كعادتها لولآ صوت ارتطام كوبه الزجاجي بلأرض الذي زاحه بغضب أعمى تخشى تبعاته ورغم ذلك تعاند :    


= ناااااااادين ولا كلمة كمان واتفضلي اسبقيني على العربية     


دبت الأرض بِقدمها وتناولت كُتبها ثم انصاعت له تاركته يشرد في آثارها بِضيق فحقًا هو سأم من طباعها تلك وحديثها اللاذع مع والدته وكأنها تتعمد أن تثير غضبه وتخرجه عن طوره ، فهو إلى الآن لا يعلم فيما أجرمت والدته لتعاملها هكذا رغم كل ما كابدته في رعايتها بعد وفاة أمها وجلب أبيها للعيش معهم انتشله من شروده صوت والدته الحنون وهي تربت على يده :    


- معلش يا حبيبي بكرة تعقل وربنا يهديها والله أنا بدعيلها في كل صلاة ، دي بنت الغالي ومعزتها من معزته انا بس صعبان عليا حالها    


أزاح غضبه جانبًا و قبل يدها وقائلًا بِحنوٍ :    


- بالله عليكِ متزعليش منها "نادين" قلبها أبيض هي بس مندفعة وأكيد متقصدش تضايقك     


= مش زعلانة يا حبيبي ربنا يعلم انا بحبها أد ايه     


رفع حاجبه بِمشاكسة وقال بفخر واعتزاز  ليس ابدًا بِموضعه :    


- لازم تكونِ بتحبيها يا ماما دي  مرات أبنك حبيبك وبكرة تبقى أم عياله  ...........

-----------------------

آما على بُعد عدة امتار من ذلك الحي الراقي نفسه وخصةً بتلك الشقة ذات الذوق الرفيع التي أشرفت هي على تصميم كل ركن بها كي تكون كيانها الصغير الذي يجمعها به وبأطفالهم و تكتفي بهم عن العالم أجمع 

فنجدها  تتحرك في رشاقة وبِخطواتٍ مفعمة بالنشاط تحضر طعام الفطور  ،شهقة خافتة صدرت منها عندما شعرت بيده تحاوطها من الخلف وصوته الذي صدر خشن أثر نومه  :    


- يا صباح الجمال    


بادلته تحية الصباح بِبسمة هادئة بعدما التفتت له:    


- صباح الخير ....شكل مزاجك رايق النهادرة يا "حسن  "    


غمز "حسن "بتسلية وقال بِنبرةٍ مشاكسة يعلم انها تخجلها  :    


            


              

                    


- يخربيت "حسن" دي اللي بتطلع من بؤك شبه الرصاص وبترشق في قلبي    


ابتسمت تلك البسمة الرقيقة التي تجعله يظن أن العالم خلى من كل مصائبه ولم يتبقى غير ربيع بسمتها  و سلامها النفسي الذي ينفض دواخله ويعبث بأفكاره ونواياه    


- حسن  سرحت في ايه!!!    


انتشله صوتها الناعم مما جعله يجيبها وهو يقترب من وجهها بِبطءٍ ويشدد أكثر على خصرها لتصبح هي وهو لا شيء يفصلهم وكأنهم جسد واحد :    


- عيون حسن وقلب حسن من جوة     


تنهدت تنهيدة حارة وتساءلت بنبرتها الناعمة تلك وعيناها تغوص بِعينه البُنية القاتمة  بتيه يذهب عقله ويحفز غريزته دائمًا :    


_ بتحبني يا "حسن" ؟؟     


اومأ لها دون تفكير وكأن الأمر اعتيادي بالنسبة له و دون أن يؤكد بِكلمات هي بأمس الحاجة إليها مال يلتقم شفاهها بِقبلة عاصفة كانت كافية ليمنحها جوابها     


- الله ....الله يا سي بابي بقى سيبنا هنموت من الجوع وبتدي مامي سكر     


هتفت بها "شيري" أبنتهم بنزق طفولي وهي تربع يدها وتمط فمها ، فصل هو قبلته بأنفاس لاهثة ونظر لبعثرتها وحرجها الذي أصبح جلياً على وجهها وكأنها تم القبض عليها لتوها بالجرم المشهود ، هز رأسه ساخرًا وقال لأبنته بِعتابٍ طفيف :    


- هو انا معرفش استفرض بمراتي ابدًا واخد منها سكر يا لمضة    


نفت الصغيرة بِرأسها واجابته بِحروفٍ متكسرة  :    


- لأ خد مني انا السكر أنا أحلى منها

قهقه "حسن" بِقوة على طفلته وحملها يقضم وجنتيها الشهية قائلًا في مزاح جعل الصغيرة تقرقر ضاحكة وهو يتوجه بها إلى الخارج :    


- ده انا هموتك يا لمضة وههريكِ سكر لغاية ما تقولي حرمت يا بابي    


أبتسمت" رهف" وهي تشاهد ذلك المشهد الذي لم يتكرر كثيرًا بسبب إنشغال زوجها المستمر ، لتحمل الأطباق وتلحق بهم  

--------------------

أوصلها إلى جامعتها دون ان يتفوه بِبنت شفة تاركها تمارس لعبة التجاهل خاصتها فهو على يقين تام انها غاضبة منه ، يقسم انها تخرج أسوء ما فيه ،وتعلم أنه لا يقبل التجاوز ابدًا بِحق والدته وقد حذرها العديد من المرات ولكن تتعمد ان تعانده وتلقى بِتحذيراته عرض الحائط انتشله من عاصفة افكاره صوتها المتمرد :    


- متجيش تاخدني هاخد أوبر مع "نغم"     


زفر انفاسه دفعة واحدة و اوقف  السيارة ينظر لها نظرات حادة مشتعلة وهي تلملم أشياءها وإن كادت تفتح باب السيارة قال بإصرار وهو يقبض على يدها   :    


- انا هاجي اخدك زي كل يوم     


نفخت اوداجها وصرخت بوجهه بِعناد كعادتها بعدما نفضت يده :    


            


              

                    


- مش عايزة و سبني براحتي محدش هياكل مني حتة وياريت بلاش تعيش الدور اوي كده يا "يامن" انت بتعمل اللي عليك واكتر     


أزاح نظارته الشمسية كاشف عن ناعستيه الثائرة بعدما استفزته بِتمردها المعتاد واعتراضها الدائم ويستطرد بكل ثقة وكأنه يذكرها غافل كون ذلك السبب سبب شقائها :    


- أنا مش عايش الدور يا "نادين" دي وصية ابوكِ ليا و ده حقي اللي الشرع سامحلي بيه طول ما انتِ على ذمتي  ......... وكلمة كمان هاخدك أروحك وهحلف مفيش جامعة تاني    


نفخت أوداجها بِقوة من تهديده الصريح لها وفي أقل من دقيقة واحدة كانت  تترجل من السيارة و تركض بعيد عنه بِخطواتٍ عصبية جعلته يلعن تحت أنفاسه وهو ينظر لآثارها فلمَ تعارضه دائمًا وتجبره على تهديدها في كل مرة ، لمَ لم تتفهم كونه يفعل ذلك لأنه يعشقها ويغشى عليها من تلك النسمات العابرة بِجانبها ترى إن لم يكن والدها فعل ما فعله قبل موته كانت بادلته مشاعره هل كانت ستتفهم خوفه عليها دون وصية أبيها تنهد بِعمقٍ وهو يمسد ذقنه بِحركة ملازمة له ما أن اختفت عن أنظاره وتأكد أنها أصبحت بالداخل  ثم شرع بالقيادة غافل عن ذلك القابع بِسيارته وعينه تطلق شرار يكاد يحرقه بِموضعه

-------------------

أبتسمت بزهو وهي ترى نظراتهم المُسلطة عليها و إن كادت تخطوا نحوهم  اوقفها صوت صديقتها :    


- "نادين" عاملة أيه ؟؟؟    


قالتها فتاه سمراء هادئة الملامح وتزين وجهها بِحجابٍ يتناسب مع ملابسها المُحتشمة     


- أهلًا يا "نغم"    


أجابتها بِعدم تركيز وعيناها عليهم لا تحيد عن موضعهم، لاحظت "نغم" نظراتها وقالت بِتوبيخ:    


- نفسي تسيبك من شلة الفساد دي وتركزي في الدراسة ومع جوزك     


= بس متقوليش جوزك ....    


قالتها بتأفف وبِعدم رضا لترد "نغم" بِعقلانية :    


- ده الواقع اللي لازم تتقبليه وتحترمي قواعده .....    


هزت رأسها بلا مبالاة وأخبرتها :    


- سيبك بقى... مش كل ما تشوفيني تقعدي تسمعيني كلمتين انا هروح أشوف الشلة وهبقى اكلمك علشان أخد منك المحاضرات اللي فايتاني     


= لأ روحي سلمي عليهم  وهستناكِ تحضري معايا المحاضرة الأولى مش هتحرك إلا رجلي على رجلك     


قلبت "نادين" عيناها بسأم من إصرار صديقتها بينما 

تنهدت "نغم" وهزت رأسها بلا فائدة وهي تراها تنضم لهم ليرحبوا بها بِحفاوة كبيرة  وبسماتهم جميعًا  تفيض إعجاب 

فتلك هي" نادين" ولن تتغير بتاتًا منذ أيام الدراسة؛ فطالما كانت تتمرد على كل شيء وتعشق دور القيادية لكي تكون دائمًا محط انظار كل من حولها ،رغم انه يوجد الكثير أجمل منها لكن لا أحد يستطيع يضاهي جاذبيتها وفتنتها وخاصًة عندما تضحك تلك الضحكة الرنانة  التي تطلقها لتوها و تقسم انها تجعل القديس يرتكب أفظع الخطايا من أجلها   

--------------------

بينما عند صاحب البُنيتان القاتمة  لاحظ وجوم أبنه أثناء جلوسه على طاولة الطعام ليتسأل مستفهمًا :    


            


              

                    


- مالك يا استاذ مكشر ليه كده على الصبح     


صدر صوت "شريف" المتذمر  :    


- الباص هيفوتنا  ....وانا جعان    


ليبعثر "حسن" خصلات الصغير ويسأله في عتاب :    


-  طيب حقك علينا أخرنا معاليك مفيش بقى  صباح الخير الأول    


= صباح الخير يا مامي    


قالها الصغير وهو يوجه نظراته لوالدته دون أن يعير ابيه اهمية مما جعل "حسن "يستغرب فعلته ويتسأل من جديد  :    


- انت لسة زعلان علشان مرحناش الساحل     


هز الصغير رأسه بنعم ليبرر" حسن ":    


- بس أنا وعدتك إني.....    


قاطعه الصغير بتذمر :    


- انت بتكدب و مامي قالت الكداب بيروح النار     


نزل قول الصغير عليه كدلو ماء بارد مما جعله يتناوب معها النظرات كي تنوب عنه وتدخل ككل مرة  ،التقطت نظراته و وجهت الصغير  :    


- عيب كده بابا مينفعش يتقاله كده اتأسف فورًا     


= سوري يا بابي    


أومأ له تزامنًا مع رنين هاتفه وكعادته نظر لشاشته بِعيون زائغة وببديهية قام برفض المكالمة و نهض من مقعده قائلًا  :    


- انا لازم  اجهز  عندي اجتماع مهم     


= مش هتفطر يا "حسن" ؟؟    


هز رأسه ب لا وهو ينظر لها نظرة غريبة لم تستنبط منها شيء وتوجه لغرفة النوم  دون ان يتفوه بِبنت شفة وكأن تأثير تلك الجملة التي صدرت بكل براءة من صغيره حركت شيء ما بداخله وجعلت ضميره يتأكله    


نظرت هي لظهره بِضيقٍ واسترسلت  بنبرة حانية معاتبه  وهي تكوب وجه صغيرها :    


- كده برضو يا"شريف" تزعل بابي

ده بيحبك وملوش في الدنيا غيرنا وبعدين هو عنده شغل ولازم نعذره ....بابي اول ما يفضى هياخدنا في المكان اللي تشاوره عليه هو وعدنا بكده وبابي عمره ما وعد وخلف وعده غير لو حاجة غصب عنه     


أومأ لها الصغير في تفهم واعتذر مرة آخرى لتهدر "رهف" بنبرة آمرة غير قابلة للحياد كأي أم  :    


- طب يلا كل واحد يخلص طبقه بسرعة علشان منتأخرش     


إنصاعوا لها لتنظر لهم بعيون ساهمة تفكر به وبذلك التغير الذي طرأ عليه في الآونة الأخيرة  

------------------------

جلست بين أصدقائها بكل زهو منفردة بتلك الأضواء  التي تسلط عليها بِغياب "نادين" تلك المتبجحة من وجهة نظرها التي تستحوذ على  اهتمام كل من حولها     


- أوعوا متجوش يا شباب هزعل منكم ده بابي عامل بارتي تجنن  هيفوتكم نص عمركم لو مجتوش     


قالتها بتفاخر واضح لهؤلاء الذين يجلسون متراصين حولها على الطاولة     


لترد أحد أصدقائها وتدعى"منه" بِمجاملة  :    


            


              

                    


- أكيد يا "ميرال" هنحضر "نادو" قالت انها جاية كمان  والبارتي أكيد هيبقى يجنن     


أبتسمت" ميرال " ببهوت وقالت بِغيظٍ  :    


- "نادو" ....متأكدة انها مش هتيجي أصل بيقولوا خطيبها  راجعي متخلف ومش بيرضى يخرجها لوحدها     


قهقهوا جميعًا على حديثها لتتسأل أخرى ساخرة :    


- ايه الجو القديم ده ...معقول لسه  في رجاله  كده!!    


= مفيش ياقلبي وعلشان كده يستحق يبقى مع "نادين الراوي "    


فاجأتهم جميعًا بعدما قطعت حديثهم بِكل غرور وكأن لا يوجد أنثى على وجه الأرض غيرها     


أبتسمت "ميرال" بسمة مغتاظة وهمهمت بِحقد:    


- متتكسفيش وقولي أنه مش بيثق فيكِ.... عااااادي يعني     


قهقهت بكامل صوتها الأنثوي المفعم بالفتنة واقتربت كأنها تخبرها سر من أسرار الحرب :    


- عذراكِ يا بيبي اصلك معدومة الثقة وفاكرة كل الناس شبهك.....مش كده يا "طارق"     


باغتته بِجملتها ذلك الذي كان يجلس يشاهد ما يحدث بِثبات رغم تلك النيران المستعرة بداخله لينظر لها نظرة قاتلة ثم دون مقدمات نهض تاركهم ومعالم وجهه قد تجهمت بِشكلٍ واضح مما جعل "ميرال" تزوغ نظراتها وتتناوبها بين الجميع الذين كانوا يتهامسون ويعتلي وجوههم بسمة ساخرة تعلم المغزى منها     


بينما هي ابتسمت بأنتصار بعدما وجدت أنها بتلك الجملة أربكتها و اشعلت النيران بقلبها وجعلت عيناها  تقدح لتوها وتهز ساقيها بطريقة هستيرية كي تكبح غضبها لتضيف" نادين " بِمكر وهي تضع يدها على فمها مدعية البراءة :    


- أيه ده هو انا ضايقتك  ...........سوري يا "ميرال" بجد     


جزت "ميرال" على نواجزها وتمنت لو جذبتها من خصلاتها ومرغتها بالأرض ولكن "نادين" دائمًا ما تكون ردود أفعالها أسرع :    


- طب يا جماعة أنا لازم أمشي ومتقلقيش انا هكون اول الحضور في عيد الميلاد لتميل على إذن "ميرال" هامسة بِخبث تجيده :    


-وهجيب الرجعي المتخلف بتاعي معايا علشان أثبتلك العكس

ذلك آخر ما تفوهت به تاركة" ميرال" تلعنها بِسرها و تستشيط غضبًا وتقسم انها سترد لها الصاع صاعين

------------------------------

لحقت به للغرفة لتجده يتحدث بالهاتف بِصوتٍ خفيض للغاية وما أن رآها توتر وبِسرعة البرق كان ينهي محادثته ، اوقفها الأمر لبرهة عاندت فيها أفكارها وسألته  :    


- هتتأخر يا حبيبي    


هز رأسه وهو يرتدي ملابسه وقال بِتبرير  :

- انتِ عارفه انه غصب عني المشروع أخد كل وقتي ولازم يتسلم كمان اسبوعين وخايف ملحقش وادفع الشرط الجزائي     


احتضنت ظهره وقالت داعية كي تخفف عنه :

=  هتلحق يا "حسن " ربنا يقويك معلش هانت بكرة ربنا اكيد هيكافئك على تعبك     


استدار لها وكوب وجنته الممتلئة قائلًا بأمتنان :    


- والله يا قلب "حسن" مش عارف من غيرك ومن غير فلوسك اللي ادتهالي  كنت هعمل ايه ....    


= انا اللي من غيرك ولا حاجة يا "حسن"  ربنا يخليك لينا وبعدين فلوسي هي فلوسك     


تنهد بِعمقٍ ومال على وجنتها يقبلها و وعدها :    


- أدعيلي يا رهف ....وإن شاء الله اول ما اسلم المشروع هرجعلك كل فلوسك وكمان هعملك كل اللي نفسك فيه     


اعترضت هي بكل سلام نفسي :    


- انا مش عايزة حاجة غير إني أشوفك مبسوط  وبتحقق احلامك، انت أهم  عندي من نفسي يا "حسن"     


جعد حاجبيه ورفض :

- بس ده حقك يا "رهف" و ورثك من أهلك     


عارضته هي بِقناعة  وثقة تامة :    


- أنا وأنت واحد و في الأخر كله هيبقى لينا ولمستقبلنا كلنا مش كده يا "حسن "    


أجابها بعدما تهللت اساريره وأحتضنها  بِقوة  :    


- كده يا قلب "حسن "من جوة    


لترفع رماديتاها وتسأله بتيه يذهب عقله ويحفز غريزته نحوها دومًا :    


- بتحبني ؟؟؟؟    


انتظرت رده ولكن هو لم يجيبها بل فضل أن يؤكد لها بِطريقته التي يجيدها  ويظنها أبلغ من الكلام 

----------------------------- 

غادرت من بينهم  بعد حديث تلك المتعجرفة وهي تستشيط تريد أن تنفث غضبها بأي شيء ، لتصعد إلى سيارتها وتقودها بسرعة جنونية إلى ذلك المكان البعيد اعلى تلك الهضبة التي طالما انفردت بنفسها به ، وما ان وصلت لوجهتها تدلت من سيارتها واستندت على مقدمتها وظلت فيروزاتها شاردة في تلك الإطلالة الرائعة للبلد من اعلى ،و ظلت جملة واحدة هي ما تتردد بِعقلها ( أصلك معدومة الثقة وفاكرة كل الناس شبهك )    


لتقول في قهر وبِعيون غائمة وهي تتذكر الأحداث السابقة وتلك الفضيحة  التي اوقعتها "نادين" بها متعمدة  وبسببها خسرته :    


- اقسم بالله لهدفعك تمن كل اللي عملتيه فيا وبنفس طريقتك يا "نادين" 

------------------------

رأيكم  اكيد يهمني ويسعدني جدًا  🌸🌸    


            

🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺        


     بقلم الكاتبه       ♥ ريم كريم ♥                               

        

الفصل الثاني                                  


إذا كان يُمكنني إعطاءك شيء في هذه الحياة، كنت سأمنحك القُدرة على رؤية نفسك بعيني، حينها فقط ستُدرك كم أنت شخص إستثنائي بالنسبة لي .

----------------------

دائمًا ينتصر قلبه على عقله ويأتي به إليها كل صباح كي تكون هي أول شيء يراه قبل أن يبدأ يومه وكم يبتهج عندما يجدها مازالت  نائمة  ك الآن فهي تكون هادئة ، مسالمة لا تعاند ولا تتفوه بشيء يخرجه عن طوره كَصحُوها ، ظل يتأمل ملامحها الآسرة وخصلاتها الفحمية المموجة  التي تفترش الوسادة بشكل يخطف الأنفاس ويجعله يود أن يحظى بقربها ولكن دائمًا يردعه ذلك الأتفاق اللعين

الذي دار بينه وبين والدها قبل عامين تنهد بِعمقٍ وهو يعود بذاكرته لذلك اليوم الذي انفرد به و فاجأه بطلبه وهو قابع على فراش المشفى بعدما ساءت حالته الصحية 

flash back 

- أتجوز بنتي يا "يامن"     


=نعم ازاي مش فاهم حضرتك اكيد بتهزر!!    


أبتسم "عادل "بسمة باهتة  وأردف بكل ثقة رغم أعيائه الشديد  :    


- لأ يا ابني مش بهزر أنا مش هأمن لحد غيرك ولا ينفع أثق في حد غريب.... انت تربية أيدي من يوم ما اتجوزت مامتك وشوفتك بتكبر قصاد عيني اتمنيت أنك تكون أبني من لحمي ودمي     


= انا فعلًا ابنك ....... وربنا يعلم معزتك عندي من معزة ابويا الله يرحمه بس حضرتك كده بتحطني في موقف وِحش انا مستحيل اقبل اني اتجوز واحدة غصب عنها حضرتك عارف  أنها مش بتديني حتى فرصة اتكلم معاها ده لما بقولها صباح الخير بتتخانق معايا     


هز "عادل" رأسه بتفهم رغم هوانه وأخبره بِثقة أكبر بثت بالآخر الأمل :    


- الحب بيجي مع العِشرة و"نادين" مش هتلاقي احسن منك ومتأكد انها هتحبك     


-بس انا........    


= من غير بس أبعت جيب المأذون دلوقتي قبل فوات الأوآن .....    


ليسترسل  "عادل" بنبرة متألمة راجية تقطع نياط القلب أحزنت" يامن " وجعلت عينه تغيم بدمعاته التي كانت تنعي حال ذلك الرجل الحنون الذي قام برعايته وكان بمثابة والده :    


- أنت عارف إن الدكتور مش مطمني وإن عضلة القلب شغالة بنسبة ضئيلة جدًا ده غير ان مستحيل هدخل جراحة نسبة نجاحها معدومة ....."نادين" ملهاش حد غيري وأهل أمها وأكيد أنت عارف هما طماعين أد أيه .........أنا خايف أموت وأسيبها ليهم ويستغلوا انها لسة صغيرة  خايف يشتروا ويبيعوا فيها وياخدو شقى عمري على الجاهز      


ربت "يامن" على يده بمواساة وقال وهو يمرر يده على وجهه كي يزيح دمعاته ويدعي الثبات حتى لا يزيدها عليه :    


- بعد الشر عليك ربنا يخليك لينا      


أبتسم "عادل "ببهوت وأخبره بيأس لأبعد حد :

- أنا عملت حصر لكل أملاكي  وكتبتهم بأسمك  والمحامي قام بكل الإجراءات ....... بس ده هيبقى دين في رقبتك لغاية ما بنتي تتم الواحد والعشرين وساعتها هترد ليها حقها يا "يامن" زي ما وصيتك ....اوعدني يا ابني وقولي انك هتكون أد ثقتي فيك    


                                  


              

                    


أومأ له "يامن" ودمعاته من جديد تأبى الصمود أكثر ولكنه كبحها بأعجوبة وسأل بتوجس  :    


- و هي موافقة ؟؟؟؟    


ليجيبه "عادل ":

- أنا ضغطت عليها و هي وافقت بس ليها شرط     


تأهب لبقية حديثه ليسترسل "عادل" جاعل قلبه يتهاوى بين قدميه :    


- جوازكم يبقى على الورق بس لغاية ما تتم الواحد وعشرين ويرجعلها حقها وساعتها لازم هي اللي تقرر تتمه ولا ....لأ     


أبتسم" يامن "بسمة متألمة لأبعد حد  فماذا كان ينتظر منها ، رأى "عادل" خيبة الأمل تعتلي وجهه ليطمئنه بحنو حقيقي :

- صدقني هتحبك زي ما بتحبها بس أديها وقتها     


تفاجأ" يامن "من حديث "عادل "فكيف علم بِعشقه لها ألهذا الحد هو مفضوح أمامه ليخبره "عادل" :

- متستغربش حبك واضح في كل تصرفاتك  وعلشان كده أنا مطمن ولو موتت هموت وانا مرتاح علشان عارف انك هتحطها في عينك .

ليعقد القران بالمشفى وبعد عدة أيام توفى والدها تارك له مسؤولية كل شيء وأولهم تلك العنيدة المتمردة التي يجاهد كي يرودها 

End Flash back     


عاد بذاكرته للوقت الحالي بعدما تململت هي بفراشها وأخذت ترمش بِعيناها  ليهمس ببحة صوته المميزة  :    


- صباح الخير      


قالها وهو يعتدل بجلسته على ذلك المقعد القريب من فراشها ، تأففت بإنزعاج و لم تستطيع التغلب على الكسل المسيطر عليها وأخبرته دون أي مقدمات  :    


- مش رايحة الجامعة النهاردة  سيبني انام     


زفر أنفاسه ونهض يزيح ستائر الغرفة كي يجعل الشمس تفوت تنير عتمتها وقال بِجدية  :    


-النهاردة عندك محاضرتين مهمين لازم تحضريهم     


زمجرت بِغيظ من تسلطه الزائد عليها ومعرفته بأدق التفاصيل التي تخصها :    


-ما شاء الله حضرتك مركز أوي!!    


= لو مكنتش أركز معاكِ يا مغلباني هركز مع مين !    


قلبت عيناها واعترضت كعادتها بِعناد  :    


-  أنا بعرف أظبط مع أصحابي وباخد المحاضرات اللي مش بحضرها منهم ...ممكن بقى تسبني أنام طلبت بملل وهى تسحب وسادتها وتضعها على رأسها ،تنهد عميقٍ من عنادها واستأنف    :    


- خلاص هسيبك تنامي براحتك بس اعملي حسابك مش هقبل بأي استهتار في دراستك والسنة دي لازم تجيبي تقدير عالي       


انتفخت أوداجها بِغيظ من تحذيراته المتكررة وتلك الكلمة التي طالما خصها أبيها رحمه الله بها وتوارثها هو عنه   ،  فكم كان هو مدلل أبيها  المثالي  ، الناجح ،المتفوق دائمًا  ولذلك أصر انها تدرس نفس مجاله أدارة اعمال كونه قدوة حسنة تقتدي بها هي المستهترة ، الفاشلة  من وجهة نظره ونظر الجميع ،  تناولت نفسٍ عميق قبل أن تهدر بِثقة و هي تلملم خصلاتها فوق رأسها بِعشوائية جمدت نظراته على عنقها البض الناعم الذي يزينه عدة شامات متفرقة جعلته يجفل لوهلة بِحلم يقظة ليس ببريء بالمرة وكم أراد أن يطبقه بالواقع  :    


            


              

                    


- هجيب تقدير بالعند فيك  وهثبتلك إنِ مش مستهترة و إن مش أنت لوحدك اللي كنت بتجيب تقديرات     


رفع حاجبه بعدما تحكم برغبته المُلحة وقال بِتحدي تقصده لكي يحفزها:    


- لما نشوف يا "نادين "......لينظر بساعة يده ويخبرها وهو يتوجه لباب الغرفة :    


- انا لازم امشي اتأخرت على الشغل ....اومأت له بلامبالاه وتمددت من جديد واضعة وسادتها على رأسها ....تنهد هو  وقَبل أن يخرج أقترح بِترقب :    


- تحبي نتعشى مع بعض بره ؟؟     


ازالت الوسادة عن وجهها واعتدلت بنومتها وتلعثمت بِتوجس من ردة فعله :    


- مش هينفع أصل عيد ميلاد" ميرال" النهاردة ووعدتها إنِ هحضر و عايزاك تيجي معايا     


نفى برأسه :

- لأ ......انا قولت ألف مرة" ميرال" دي مش برتحلها ولا الشلة بتاعتها     


- بس انا.....    


= من غير بس ....    


قالها بقطع أغاظها وجعلها تنفجر به حانقة وهي تنهض وتقف مواجهة له :    


-  أنا زهقت من تحكماتك دي   .....انا مش عيلة صغيرة وكلها كام يوم وابقى حرة نفسي ... لتكتف ذراعيها على صدرها وتذكره بِخبثٍ :    


-أظن أنت فاكر الأتفاق اللي بينا !!     


أغمض عينه بِقوة و ولاها  ظهره وهو يلعن تحت أنفاسه الغاضبة فهي لن تكف عن تذكيره بذلك الأتفاق اللعين الذي فرضته عليه قبل أن تقبل  الزواج منه  ليشدد على قبضة يده يكبح غضبه ويرد بنبرة حادة تقصدها كي يرهبها ويجعلها تكف عن تمردها وعنادها المعتاد :    


- عمري ما نسيت.... ومن هنا لوقتها تسمعي كلامي ومتعارضيش وإلا أنتِ عارفة كويس أقدر اعمل أيه ....    


ابتلعت غصة  بِحلقها وهي تلتقط  تهديده الصريح لها ، لتهمهم بتراجع وتدعي البراءة  وهي تنظر لظهره:    


- بلاش تهددني يا" يامن" أنا عارفة إنِ عمري ما ههون عليك     


تحاشى النظر لها فهو يعلم طريقتها الملتوية تلك بالتأثير عليه ،  ولكنها زادتها عليه بلف ذراعيها حول خصره من الخلف وسند وجنتها على ظهره وهمسها بِنبرة ناعمة أربكته :    


- مش هتعمل كده .....صح ؟؟     


لم يجيب فقط اكتفى بِتنهيدة عميقة نابعة من صميم قلبه المولع بها فكم أراد ان يضمها إليه ويدفنها بين ضلوعه كي يطمئنها ،ويخبرها انه لا يستطيع ايذائها بتاتًا  او التخلي عنها   ولكنها من تضطره لأرهابها وتهديدها كي يكبح تمردها ويجعلها تنصاع إليه ،فمجرد ذكرها لذلك الاتفاق اللعين وشعوره بأنها من الممكن ان تبتعد عنه وترفض اتمام زواجهم  يكاد يفقد صوابه ، انتشله من شروده همسها بأسمه بنبرة راجية:    


- "يامن"     


صدر أسمه من بين شفاهها وكأنه لحن عذب أطرب شغاف قلبه  مما جعله يتنهد بِحرارة ويلتف لها وهو يحاوط ذراعيها بِرفق :    


            


              

                    


- يبقى بلاش تضغطي عليا بطريقتك دي وتسمعي الكلام.... أنا عايز مصلحتك     


غامت عيناها بِبريق لم يفهمه يومٍ وهزت رأسها مما جعله لم يتحمل ،جذبها من مأخرة رأسها ودفن وجهها بين ثنايا صدره فكم يعشق ذلك الشعور بقربها وكم يعشق طاعتها له وكأنه عمد أن يرهبها كي يطمئنها ويشعر كونه هو الوحيد التي تلجأ له ليصرخ  داخل عقله    :    


-عمري ما أقدر أأذيكِ يا" نادين" ولو أخر يوم في عمري مش هتخلى عنك     


خرجت من أحضانه الدافئة وهمست بدلال وهي تداعب تلك الشعيرات النامية  بذقنه بحركات ناعمة جعلته يبتلع ريقه ببطئ مميت   :    


= حتى لو قولتلك علشان خاطري نفسي تيجي معايا و اتباهى بيك قدام صحابي 

لتسبل أهدابها وترجوه بدلال :-Please يا "يامن "ده طلب بسيط وانا اول مرة  اطلب طلب زي ده منك    


 لم يجيبها وظل على ثباته يشاهد عرضها الهزلي بحاجب مرفوع  و بملامح جامدة     


لتهمس هي بآخر ما بجعبتها  و تقول بدلال  وبعيون يسطع بهم المكر  ظنٍ منها أنها تستغل نقاط ضعفه  :    


- نفسي كل الرجالة اللي حواليا يعرفه إنِ ملكك لوحدك ومتأكدة أن كل البنات تحسدني عليك لو شافوك معايا     


نعم هي تتمتع بذكاء أنثوي لا يضاهيها أحد به ولكن هو لا ينطلي عليه تلك الأساليب الملتوية خاصتها ، ليبتسم بمكر ويجيبها وهو يبتعد عن هالة فتنتها المهلكة التي تتعمد حصره بها:    


- مش هينفع ........النهاردة الحد وفي كذا طلبية جاية المطعم ولازم استلمها بنفسي     


لتحتد نظراتها الغاضبة نحوه وتضرب الأرض بقدمها  بينما هو لم يكترث 

،فقد قرر ان يفض ذلك الوضع الذي يعبث بثباته ، ليلثم جبينها بِحركة مباغتة  ويغادر دون أضافة المزيد تاركها تستشيط غضبًا

------------------------

- احتمال اتأخر النهاردة 

قالها "حسن" بلامبالاه أثناء تناول طعام الفطور لترد هي مستاءة :    


- ليه بس..... يا" حسن "يعني هقعد طول النهار والليل لوحدي    


= أعملك ايه هو بمزاجي ما انتِ عارفة الشغل والمشروع الجديد اخد كل وقتي     


اومأت له بتفهم وقالت بود :    


- ربنا يقويك يا" حسن "    


ليرد بِحماس غير عادي فذلك المشروع سينقله نقلة أخرى تمامًا في مجاله :    


- هانت يا "رهف" ...... مقدرش اقولك انا مبسوط أد ايه     


أبتسمت و قالت بِمشاكسة :    


- ابقى ادعيلي بقى انا السبب     


أبتسم بهدوء وأخبرها بعرفان :

- بدعيلك يا حبيبتي وعمري ما انسى وقفتك جنبي     


ربتت على يده بِحنان و ابتسمت تلك البسمة الهادئة المليئة بالرضاوباشرت طعامها بينما هو شرد بها لثوانٍ قبل ان تقول بتردد وكأنها مرغمة :    


            


              

                    


_ طيب انا هروح النادي انا والولاد بعد المدرسة علشان  هقابل "سارة"    


لتتنهد بسأم وتسترسل بِتلقائية تخبره  بأدق تفاصيلها كما تعودت :    


- أنا مش بحب اخرج انا والولاد لوحدينا بس هي عمالة تزن عليا بقالها كام يوم وعايزة تقنعني بموضوع الشغل ده     


رفع بُنيتاه لها ورد بِحياد :

- على فكرة انا معنديش مانع والقرار راجع ليكِ     


نفت برأسها وقالت بإخلاص غير عادي :    


- مقدرش انشغل عنك وعن الولاد يا "حسن" .... 

حاول هو إقناعها كي تحيد عن عُزلتها تلك :    


- بس أنتِ موهوبة يا "رهف "وحرام تضيعي تعبك وسنين دراستك على الفاضي ده الكل يشهدلك إنك كُنتِ أشطر مهندسة ديكور في مجالك قبل الجواز     


أبتسمت هي بكل نفسٍ راضية وأخبرته بإعتزاز وهي تتطلع لأركان منزلها  :    


- مين قالك إنه على الفاضي كفاية إني بنيت مملكتي معاك ومع ولادي وده عندي كفاية    


أبتسم بسمة عابرة لم تصل لعينه وهو يفكر كم هي روتينية مملة  بكل شيء ، ليس لها طموح  ، شخصيتها  مسالمة تفتقد للشغف  حتى انه في الكثير من الأوقات يمل من أهتمامها الزائد بأدق التفاصيل وتحفظها التي لا تحيد عنه ، ليرتفع جانب فمه ببسمة ساخرة فهو رغم كل ذلك رغبته بها تظل متأججة وخصةً عندما تشعره بضعفها وحاجتها له و بمدى سُلطته وهيمنته عليها متناقض هو يعلم ذلك تمامًا ولكن ما لا يعلمه أين يكمن الرضا    


- "حسن" ....سرحت في ايه ؟؟    


= هااااا .... لأ ....... ولا حاجة ليتنهد ويقترح كي يكسر ذلك الروتين المميت بالنسبة له :    


- ايه رأيك خليكِ بكرة وانا هاجي معاكم بقالنا مدة مخرجناش مع بعض    


تهللت أساريرها ونهضت تجلس على ساقيه وقالت وهي تتعلق بِعنقه :    


- بجد يا "حسن" ....طب احلف علشان أصدقك     


قهقه على طريقتها وسألها بمشاكسة :

-من غير ما احلف انتِ بتصدقيني .....ليمرغ أنفه بوجهها و يهمس  :    


-مش كده ولا ايه ؟؟    


هزت رأسها بقوة تأكد حديثه وأخبرته بمكنون قلبها  بكل عفوية  وهي تهيم به :

- أيوة بصدقك وعارفة انك عمرك ما تكدب عليا .....علشان انت حبيبي يا "حسن" وكل دنيتي....ربنا يخليك ليا     


ابتلع غصة مريرة في حلقه وهو يشعر ان كلماتها تلك رغم صدقها إلا أنها هوت على قلبه كالسياط وجعلت ضميره ينهش به ، ولكن هيء له شيطانه شيء آخر و جعله يهمهم  :    


-  "رهف" ابقي غيري تسريحة شعرك مش عجباني     


زاغت نظراتها وأخذت تتحسس شعرها المنسدل بعدم ثقة يحاول  زرعها بها وكأنه يتعمد ان  يجعل  ثقتها بأنوثتها معدومة ولذلك تبحث دائمًا عن التغير لأرضاءه .ولكن هو ابعد ما يكون عن تفكيرها فهو فقط يتعمد أحباطها كي لا يستشعر كونها أفضل منه وخطائة مثله ،يبحث عن نواقصها بدقة شديدة حتى يقنع ذاته انها تستحق تلك الخطيئة التي يرتكبها بحقها فهي من وجهة نظره خطيئة بريئة مبررة .    


            


              

                    


ردت هي بطاعة :

-حاضر وهغير لونه كمان    


ربت على وجنتها وانهضها عن ساقه ونهض بدوره كي يغادر لعمله لتذكره  وهي تضرب مقدمة رأسها بخفة  :    


-كُنت هنسى أقولك أصل كلموني من مدرسة الولاد بيفكروك ببقية المصاريف     


قلب عينه في ملل وأخبرها وهو يرتدي سترته :

-نسيت خالص ……. أنتِ عارفة إنِ مش فاضي الفترة دي ومضغوط جدًا 

ليتنهد بيأس ويعاتبها:

-نفسي تتصرفِ لوحدك …..ليه مدفعتهمش انتِ ما كده او كده الحساب مشترك ومفتوح ليكِ في اي وقت  كنتِ سحبتي اللي أنتِ عايزاه وشوفي طلباتهم ايه    


مطت هي فمها وقالت بقلة حيلة :

-انت عارف الكارت اللي بسحب بيه من Atm الولاد ضيعوه و مش بحب زحمة البنوك ولا كمان بحب أخرج لوحدي، لتتنهد وتستأنف بكل طواعية من اجله :    


- بس هعمل كده لو هيريحك بس ياريت تكلم مستر "فهمي"علشان ميعطلنيش كتير    


هز رأسه بتفهم وهو يتناول متعلقاته الشخصية وأخبرها  وهو يتوجه لباب الشقة  :

-هكلمه اول ما اوصل الشركة وهقوله ميرجعش ليا ويعطلك بعد كده    


هزت رأسها ببسمة هادئة ليقبل هو  وجنتها وتودعه هي بتلك الدعوات الصادقة التي تنبع من صميم قلبها    


--------------------------

في المساء استعدت هي كما طلب منها  بعد ان هاتفها وأخبرها أنه انتهى من عمله مبكرًا وقرر ان يعوضها ويأخذها لتناول العشاء معه  وها هي تجلس بِجواره داخل سيارته ويتوجهون لذلك المطعم الصغير الذي يمتلكه و لم يقصد غيره يومٍ متحجج بِخصوصية المكان وكون  أجواءه شاعرية تريح الأعصاب فنعم هو محق تريح الأعصاب لدرجة تشعرك بالملل ويجعلك تود ان تغفى بِموضعك  من رتابته

تنهدت بِضيق ما ان أوقف السيارة وهي تظن أنهم وصلوا لوجهتهم  ولكن جحظت عيناها عندما وجدته يصف سيارته أمام منزل "ميرال "صديقتها 

لتهمس بعدم تصديق :    


- "يامن "جابتنا هنا ليه؟؟    


نظر لها بتلك العيون الدافئة وقال ببعض التهاون :    


-مهانش عليا ازعلك و نص ساعة بس ونمشي     


لاحظ إشراق وجهها بعد أن كانت متجهمة طوال الطريق ليشعر ببعض الراحة  بينما هي قالت في حماس:    


- حاضر .....بس انا مجبتش هدية     


أخرج من جيب سترته علبة مخملية صغيرة وناولها لها قائلًا:    


- عامل حسابي      


هزت رأسها  بِسعادة وهي تطالعه ثم تدلوا من السيارة معًا لتلتف له ودون أي مقدمات كانت تشابك أناملها بخصته وهي تنظر له نظرة ممتنة بينما هو استغرب  فعلتها ونظر لأيديهم المتشابكة بعيون باسمة  تكاد تفضح مكنونها ليتحمحم يجلي صوته ثم أمال  رأسه كي يدعوها للدخول لتبتسم هي بسمتها المهلكة تلك وتسير معه إلى الداخل 

--------------------

أخذت تهز ساقيها بِعصبية مفرطة وهي تشاهد تلك التي خالفت توقعاتها وأتت لأحتفالها لا والأنكى أنها أتت به لتثبت لها أنها صاحبة السُلطة الكبرى ولا أحد يستطيع تحجيمها  ، أبتسمت ساخرة وهي ترى أصدقائها يتجمعون حولها ويرحبون بها وكأنهم ليسوا نفسهم من كانوا يسخرون منها منذ قليل حقًا تبًا لنفاقهم قالتها بداخلها وهي تغتصب بسمة مجاملة على ثغرها كي ترحب بها :    


            


              

                    


- أهلًا نورتي يا "نادو"     


قبلتها" نادين" وعايدتها  بينما "ميرال" أثنت على هديتها عندما أخبرتها "نادين" بكيد انها ذوق "يامن" مما جعلها لم تزيح بنظراتها عنه بطريقة لم تعجبه بالمرة وخاصةً عندما تخابثت وهي تصافحه  :    


- ذوقك يجنن بس مش في كل حاجة ياخسارة !!!    


قالتها بتهكم وهي تنظر ل "نادين" من أعلى لأسفل بطريقة متدنية جعلت "يامن" يضيق عينيه ويتساءل بحدة :    


- أفندم .....تقصدي أيه ؟؟    


رشقتها" نادين" بنظرة نارية مُشتعلة وبررت ببسمة ثابتة استفزت الآخرى أكثر وهي تميل عليه :

- متركزش معاها تلاقيها شربت كتير زي عادتها     


ابتسمت "ميرال" بإصفرار وباشرت حديثها :

- انا لسة مشربتش يا "نادو" وعلشان كده مستغربة خطيبك أصل  شكله كيوت خالص مش زي ما بتحكيلنا عنه .....أنتِ أكيد ظلماه..... لتوجه نظراتها له و تتشدق :    


- أصل نادو بتقول عليك .....وإن كادت تتفوه بالمزيد      


زجرتها "نادين" وقالت كي تغير سير الحديث بِدهاء :

- فستانك يخبل يا "ميرال " وكمان Makeup  بس كنتِ محتاجة تزودي  شوية Concealer  عيونك أصل باين عليكِ مُجهدة من السهر والشرب يا حرااااااااام  .......قالت آخر جملة بتهكم تقصدته والعجيب أن الآخرى تفهمت إلى ماذا ترمي فهي على دراية تامة أن "نادين "تعلم عنها أكثر مما ينبغي  ولكنها لن تشعرها بلذة الأنتصار وإن كادت ترد سبقتها "نادين" كعادتها بسؤالها المبطن بالتحذير :    


- هو فين أونكل عايزة أسلم عليه ؟؟    


أبتلعت "ميرال" ريقها بتوتر عندما وجدت أبيها يقترب منهم ويهتف :    


- أهلًا يا "نادين" يا بنتي     


= أزيك يا اونكل أحب اعرفك "يامن"  خطيبي     


صافحه" يامن" بلباقة  رغم حنقه من تلك الأجواء التي لم تعجبه بتاتًا ولكنه تحامل على ذاته من أجلها ،  لتستأنف هي بِدهاء وهي تحتضن ذراع "ميرال"  :    


-كنت لسه بسأل عليك "ميرال"  علشان أقولك خليها تاخد بالها من صحتها مش عجباني خالص    


عقد حاجبيه وسأل أبنته في قلق بَين :    


- حاسة بحاجة يا بنتي مالك ؟؟    


نفضت يدها ونفت براسها وببسمة بلهاء أخبرته :    


- بابي أنا كويسة بس "نادين" بتحب تهزر... ياريت تروح تشوف ضيوفك وتسبني مع اصحابي     


أومأ لها ببسمة حانية بينما همست "نادين" بجوار أذنها بتحدي سافر :    


- بلاش أنا يا "ميرال" وبلاش تعلني الحرب علشان أنتِ مش قدها     


ذلك ما تفوهت به قبل ان تجذبه من يده متجهة به نحو حلبة الرقص  وتشاركه تلك الرقصة الرومانسية الهادئة التي تعمدت من خلالها  أن تكون محط أنظار الجميع  تاركة "ميرال"  تلعنها وتلعن غبائها في آن واحد 

---------------------------

صباح يومٍ جديد داخل شركة الإنشاءات التي يملكها صاحب البُنيتان القاتمة فقد كان منهمك بِعمله حينما دخلت هي بطلتها الأنثاوية الصارخة وجلست على طرف مكتبه واضعة ساق ٍعلى أخرى كاشفة عن ساقيها وجزء كبير من فخذيها المرمريتان أمام نظراته  التي تأكلها ، أبتسمت بِثقة تفتنه بها ،  ومالت عليه بِجزعها وهمست وهي تلاعب ياقة قميصه :    


            


              

                    


- هديتك وصلت وعجبتني اوي      


ارتفع جانب فمه بزهو وقال  :    


- حبيبتي انتِ تشاوري وانا انفذ 

قال آخر جملة بغمزة من بُنيتاه، لتضحك هي قائلة بدلال  :    


-  قلبي الحنين انت     


ابتسم وبُنيتاه تهيم بها وهمس قائلًا متناسي وعده لزوجته وأطفاله :    


-أيه رأيك نقضي اليوم مع بعض واسهرك سهرة جنان؟؟    


نفت بأصبعها أمام وجهه يمينًا ويسارًا ثم تحججت :

- ماما مش هترضى دي بتبهدلني لما بتأخر بره    


= صعب ماما اوي مش كده ؟؟    


سألها بِعفوية لم يقصدها ولكنها استغلت قوله وأكدت :

- جدًا دي بتخاف عليا موت وعلشان كده مش بخبي عليها حاجة وقولتلها إنِ بكون معاك وقولتلها انك عايز تقابلها     


زاغت نظراته وسألها بريبة :    


- حكيتلها عني ....!!!    


أجابته بترقب  :

- اه هو انت مضايق !!    


=لأ .....بس انا قولتلك رأي في الموضوع ده انا محتاج وقت     


لتزفر هي بِضيق  وتنهض بِعصبية قائلة :    


-  انا زهقت هفضل مستنية لغاية امتى انت بقالك شهور بتوعدني 

هو للدرجة دي انت خايف منها؟؟؟    


أغمض عينه بقوة يحاول أن يلاحق الموقف رغم حدتها وعصبيتها معه :

-" منار "بلاش تستفزيني انا مش بخاف من حد .....كل الموضوع إني عايز أمهد لها ومش لاقي فرصة مناسبة  ......    


= وانا مفكرتش فيا وانت معلقني معاك بقالي شهور ....    


- حبيبتي بفكر والله بس غصب عني اعذريني وصدقيني  انا بقيت مقدرش اعيش من غيرك و نفسي تبقي ليا النهاردة قبل بكرة....انا بس محتاج شوية وقت     


لتهمهم ببراءة لم تكن ابدًا من شيمها وهي تتعلق بعنقه وتلاعب بأناملها أطراف شعره بحركة حثية أرهقته  :    


- انت عارف إنِ مش انانية ومش عايزه اخرب بيتك .... بس انا كمان غصب عني  انا الكل عينه عليا ده غير ان ماما اخدة بالها وكل يوم تسألني    


أومأ لها بتفهم ، وطمئنها بعينه ثم مال نحو وجهها قائلًا بِغريزة رجولية باحتة   :    


-  عارف كل ده واوعدك هتصرف في أقرب وقت بس وافقي و أديني  تصبيرة     


بللت شفاهها مما جعله يبتلع ريقه بترقب  ولكنها كانت ادهى منه وقالت بغنج قبل أن تتركه وتغادر لمكتبها تاركته يلعن تلك الرغبة المُلحة التي تتملكه نحوها  :    


- متستعجلش يا سُونة.....

-------------------

رفعت حاجبها بِمكر  وظلت تلاعب بين اناملها الرفيعة خصلة من شعرها وهي تستمع لصديقتها وهي تقص عليها مدى استياء "ميرال" منها ، لتقهقه هي وتخبرها في غرور :    


            


              

                    


- هي اللي جابته لنفسها وفكرت تلعب معايا وكان لازم اوقفها عند حدها     


ليأتيها الرد من الطرف الآخر :    


- من يوم اللي حصل و"طارق" سابها  وهي مش طيقاكِ فاكرة انك أنتِ السبب    


رفعت جانب فمها هازئة وتشدقت :    


- اللي يشوف كده يا "منة "يقول أنها كانت بتحب "طارق" وفرق معاها ....دي مقضياها وكل يوم بتصاحب واحد جديد     


اجابتها" منه"  :    


- دي بتقول انك أنتِ اللي لفقتي الكلام  عليها مع" إسلام"  وعملتِ كده علشان تفوزي ب "طارق" لنفسك    


قهقهت بكل عنجهية وأخبرتها مدعية البراءة :    


- أنا ....مش معقول دي مجنونة رسمي .....وبعدين "طارق" مين ده اللي انا ابصله ده انا معايا راجل برقبته ولا أنتِ مشفتهوش بعينك وشوفتي أد أيه بيموت فيا     


أجبتها" منه" بإنبهار وبِتنهيدة حالمة  :    


- بصراحة شوفته يا بختك بيه ده مُز اوي يا "نادو" والشلة كلها ملهاش سيرة غيركم دي حتى "ميرال" كانت هتاكله بعنيها وفضلها شوية وتطلع نار من ودانها    


قهقهت "نادين" مُجلجلة ثم أغلقت معها الخط وهي تشعر بلذة الإنتصار 

بعدما طمئنتها صديقتها بِعفوية أن حيلتها قد تمت مبتغاها وأصبحت حديث الساعة بعد حفل أمس التي تعمدت أن تظهر به في قمة سعادتها بفضله، لا تنكر كونه ساعدها كثيرًا بلأمر فهو وسيم لحد كبير  بملامحه الهادئة الرجولية البشوشة وجسده العريض وطوله الفارع و خصلاته البُنية الناعمة و تلك النظرات الدافئة  التي يشملها بها وأكدت للجميع أنه مفتون بها وذلك كان مبتغاها لغرض ما في نفسها 

------------------------

في المساء 

كان يجلس في مكتبه داخل ذلك المطعم الصغير الذي يعتز به كثيرًا كونه يملكه من حر ماله بعيدًا عن ممتلكات "الراوي" التي يديرها فكان

يستند على ظهر مقعده بكل أريحية غير عابئ بكم الملفات المتراكمة أمامه وتحتاج لتدقيقه  ،  فقد كان شارد  ، يبتسم كل حين وآخر بلا سبب مما جعل صديقه  يشاكسه ما ان دخل مكتبه  :

- والله كُنت بعقلك يا صاحبي أيه اللي حصل ؟؟    


= ايه ده إيه الزيارة الحلوة دي اخيرًا افتكرتني     


ابتسم "حسن" بود وشاكسه :

- ياعم متغيرش الموضوع  بقول اللي واخد عقلك يتهنى بيه    


أبتسم "يامن "بِبشاشته المعتادة وأخبره بِخفة :

- قُر يا بن القُرارة ماهي ناقصة     


قهقه "حسن"  وهدر بخفة مماثلة :

- يا عم مش بقُر ......انا بحسد بس حتى شوف عيني مدورة واسأل على بركاتي     


=يا ستاااااااار أعوذ بالله     


قهقه مرة أخرى وسأله :    


- بجد مالك .....حصل جديد ....فضفض انا خِبرة هفيدك     


            


              

                    


هز "يامن" رأسه  بلا فائدة  وقال ساخرًا :    


- بعد التصريح الخطير بتاعك ده أخاف أفتح بوقي ده انا بفكر أقطع علاقتي بيك يا فلاتي     


- بقى كده والله انت اللي خسران وبعدين بطل فلاتي دي هتشبهنا     


قهقه "يامن" و عاتبه :    


- طالما انت جبان كده وبتخاف من مراتك يبقى تحترم نفسك     


نفى برأسه وأخبره ببراءة لا تخص نواياه بشيء:

- مراتي دي ست الناس كلها وعلى راسي  ....بس الموضوع مش بإيدي يا "يامن "انت راجل زي وأكيد هتفهمني    


= أفهم أيه يا "حسن" مراتك بنت ناس  وزي القمر ومش مقصرة معاك في حاجة ده غير انها عندها استعداد تعمل علشانك اي حاجه     


تنهد بعمقٍ وسايره بِنبرة غامضة  :    


- عارف....وعلشان كده مفيش حاجة هتتغير هتفضل هي أم عيالي وعمري ما افرط فيها     


تنهد "يامن" ونصحه بتعقل :

- اتقي الله يا" حسن" وارضى باللي اتقسملك ولو مراتك فيها عيب مش عجبك حاول تصلحه وبلاش دناوة    


لوح "حسن" بيده وأخبره بسخط:    


- ياعم أصلح ايه ولا ايه؟

وبعدين وفر نصايحك انت عارف أن دماغي جازمة ومش هعمل غير اللي انا عايزه     


ليصيح" يامن" بِقلق :  

- والله انا خايف دماغك دي توقعك في شر أعمالك و تخليك تندم  و تقول يارتني     


ليرفع" حسن" حاجبيه بِخبث ويصرح وهو يهندم ياقة قميصه  بغرور :    


- لا متقلقش صاحبك  حويط    


ضرب "يامن" كف على آخر  بعدم رضا من قناعات صديقه البالية وهدر بيأس   :     


= انت غبي أقسم ب الله .....مفيش ست  غبية  ومش بتحس بخيانة جوزها ...انت اللي غبي وفاهم انك حويط هي لو شكها اتملك منها هتحطك في دماغها وساعتها قول على نفسك يا رحمن يا رحيم     


قهقه "حسن "وشاكسه :    


- اه زيك كده ؟    


قذفه "يامن" بالملف الذي أمامه كي يكف عن سخافاته بينما هو  تفاداه و انفجر ضاحكًا  عندما أمره" يامن" بسأم  :    


- غور من هنا يلا  زهقت منك     


لينهض كي ينوي المغادرة وقال بمشاكسة كي يستفز الآخر :    


- انا اصلًا ماشي علشان المُزة بتاعتي مستنياني في العربية  ومش عايز اتأخر عليها أنا بس جيت  أثبت حالة  علشان لو "رهف" اتصلت سألتك عني     


أمتعض وجه "يامن "بعدم رضا و وبخه بِحدة :

= وكتاب الله انت واطي انا بجد مش مصدقك انت ازاي كده ؟؟    


رفع "حسن" منكبيه بلامبالاه وقال وهو يهم بالمغادرة :

- ياعم فكك ويلا سلام .....واه متنساش تسلملي على خالتي والمُزة بتاعتك اللي مطلعة عينك     


- مُزة ......ومطلعه عيني     


قالها "يامن" وهو يضرب كف على آخر ويستغفر بضيق ويدعو له بصلاح  حاله وبعد ثوانٍ معدودة ترددت جملته بعقله 

ليقر بذاته وهو يتنهد بِعمقٍ  ويسند رأسه للخلف على  ظهر مقعده :    


-هي فعلًا مطلعة عيني  ياصاحبي   

وعند ذكرها  ترأى أمام عينه تلك الرقصة الحالمة التي أهدته اياها امس ، ليبتسم بوله تام وهو يتذكر  بسمتها الفاتنة تلك التي تفقده صوابه و لمساتها الناعمة حول عنقه  ، ورأسها الذي توصد صدره مما جعله يخشى ان تفضحه ضربات قلبه وتصرح بِعشقه الدفين لها ،  تنهد بِعمقٍ عندما داعبت انفه رائحتها المسكرة التي تسكر كافة حواسه لتتسع بسمته أكثر  وهو يرفع مقدمة قميصه الأسود الذي يقسم قسمات جسده العريض  ويشتم موضع رأسها   على صدره باستمتاع تام  فهو تعمد أرتداء نفس ملابس أمس لأنها تحمل عبقها آثر  قربه المُهلك منها 

--------------------------

تعدت منتصف الليل حين أوصلها تحت بنايتها بذلك الحي الهادئ المعتم بعض الشيء فبعد سهرة حالمة استمتعوا بها كثيرًا ، نظر هو لها وقال بنبرة لطيفة للغاية :    


- هتوحشيني لبكره    


ابتسمت هي  وردت بتنهيدة حارة :

- أنت هتوحشني أكتر يا سُونة 

تصبح على خير     


وإن همت بأخذ حقيبتها سحب هو يدها ووضع قبلة على ظهر يدها جعلتها تقطم شفاهها وتغوص بعيناها داخل بُنيتاه وهي تحاول أن تتمالك ذاتها ولا تفعل..... ليهمس هو بتلك الكلمة التي يبخل على زوجته بها ويمنحها ببذخ لغيرها :

- بحبك يا "منار"     


زفرت هي ودون أن تعطيه أي فرصة للتفاجئ حتى كانت تطبق بشفاهها على خاصته وتقبله بشغف  وبجرأة لأول مرة يحظى بها من أنثى مما جعله مشدوه من فعلتها لبعض ثوانٍ قبل أن يبادلها تلك القبلة العاصفة التي دامت لعدة دقائق بينهم ………. ولكن حين شعرت بيده تتجرأ قليلًا أوقفته  وانسحبت بأنفاس لاهثة قائلة بتقطع :

- آسفة.... مكنش لازم اعمل كده     


نفى برأسه وهو يحاول أن يتحكم بثورته وقال بتهدج :

- حبيبتي انا عارف انك بتحبيني 

وعمري ما هفهمك غلط    


أومأت تؤيد حديثه وقالت بنبرة راجية قبل أن تغادر السيارة بِخطوات مسرعة من شدة حرجها :

= وعلشان كده لازم تتصرف يا "حسن" انا مش قادرة أبعد عنك أكتر من كده     


نظر هو لآثارها بغيظ بعدما أججت هي تلك النيران بجسده ليحل رابطة عنقه وينزع سترته ثم يزفر  بغضب لأبعد حد ويضرب المقود بقبضة يده عدة ضربات متتالية قبل أن ينطلق بسيارته بسرعة جنونية عائد لمنزله غافل عن تلك البسمة المتخابثة التي تعلوا وجهها الآن وهي تراقبه خِفية  من بعيد

-------------------------



🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺        


     بقلم الكاتبه       ♥ ريم كريم ♥


الفصل التالت                                   


لا تجازف بالكذب على امرأة تؤمن بقوة إحساسها.    


- نجيب محفوظ‏

---------------------------

ظلت تنتظره هي واولادها لعدة ساعات كي يفي بذلك الوعد الذي لم يعيره هو أي أهمية وكأنهم هم أخر أولوياته مما جعلها تشعر بالحنق منه ولكن ليس من اجلها بل من أجل اطفالها الذي لم يبذل أي مجهود ليتقرب منهم أو لتحقيق رغباتهم ، كانت تخطوا ذهابًا وايابًا حين 

دلف لتوه من باب غرفتهم بِخطوات حثيثة ظنٍ منه انها قد غفت ، مما جعله يتحمحم يجلي صوته ويسألها بمزاج عكر :    


- لسة صاحية ليه؟؟    


أجابته بهدوء عكس ثورة دواخلها وتلك الشكوك التي تعصف بِعقلها و تقترب منه بِخطوات أنثوية ناعمة جمدت نظراته عليها :

- اتأخرت اوي يا "حسن" و قلقتني عليك انا والولاد يظهر انك نسيتنا !!    


أغمض عينيه بقوة وقال متحجج كعادته:

- انا آسف اعذريني انا كنت واعدكم نخرج النهارده بس "يامن" كان عنده مشكلة وكان لازم اروحله     


رفعت رماديتاها له بنظرة طويلة تحاول ان تستشف صدقه وعيناها ترسل له شرارات مشككة :    


- متأكد ......أصل الولاد زعلوا منك .....    


ابتلع ريقه عندما ألتقط تلك النظرة المشككة بعيناها ثم جذبها له قائلًا وهو مازال مُصر على كذبته كي يقنعها :    


_هراضيهم وهعوضهم عن النهاردة ..... انا مش بكدب على فكرة و لو مش مصدقاني اتصلي و كلمي "يامن" هيقولك إني كنت معاه    


تنهدت واخبرته بثقة وهي تقاوم احساسها :    


- مصدقاك يا" حسن" وعارفة انك عمرك ما بتكدب عليا     


تهللت اساريره وحاوط خصرها قائلًا وبُنيتاه القاتمة تهيم بها يتخيلها أنثى آخرى أشعلت غريزته بالفعل :

- طب خلاص بقى بلاش تقفشي    


أبتسمت ولكن ببهوت لتسايره ، ليتساءل هو بنبرة عابثة :

-فين الولاد؟؟؟    


=زهقوا من الأنتظار و ناموا    


هز رأسه وابتلع ريقه ببطء مميت وهو يتفرس بها أكثر بعد أن طمئنته فقد كانت ترتدي قميص نوم وردي رقيق للغاية وغير مبهرج ورغم ذلك كان تأثيره مُهلك لرجولته ، لترفع رماديتاها الضائعة له حين همس هو :    


- مسألتنيش النهاردة ؟    


تناوبت نظراتها بين بُنيتاه وتسألت بعدم فهم :    


- مش فاهمة ؟؟    


أبتلع ريقه بعيون جائعة و قال بِحلق جاف مطالب بسؤالها المعتاد الذي يشعره بحيرتها و ضعفها وهشاشتها التي تفقده عقله وتأجج رغبته بها:    


-أسأليني بتحبني يا "حسن "    


عقدت حاجبيها مستغربة ولكنها سايرته :    


- بتحبني يا "حسن" ؟؟    


أومأ لها وسألها سؤال آخر اربكها على الأخير:    


                                  


              

                    


-هو انتِ إزاي حلوة كده النهاردة ؟    


أطرقت رأسها بخجل وسألته بعيون حائرة :    


- النهاردة بس يا "حسن"     


= طول عمرك حلوه     


ليقترب من وجهها و يداعب بيده خصلاتها التي غيرت تسريحاتهم كما أمرها ويقول برضا :    


- شعرك كده أحلى     


أبتسمت برضا كونه أثنى عليها على غير عادته واستندت بكفوفها على صدره المعضل تتفقد ذلك النابض وتأثيرها عليه وهمست بين شفاه المنفرجة من شدة رغبته :    


- عاجبك بجد يا "حسن"؟؟     


لم يجيبها بل فضل ان يعطيها الجواب كما أراد كي يطفئ تلك النيران المستعرة بداخله بفضل الآخرى

------------------------

مكالمة هاتفية اخبروه بها أنه يتوجب عليه الحضور إلى أحد فروع سلسلة مطاعم الراوي بالأسكندرية ، وما ان استعد هدر قائلًا :    


-أنا لازم أمشي يا أمي أشوف وشك بخير     


لترد "ثريا "بِقلق :

- يا ابني الله يخليك متخلي حد تاني هو اللي يسافر بدالك انا قلبي بيوجعني وانت بعيد عني     


أبتسم بِبشاشته المعهودة وأخبرها بود :

- مينفعش يا أمي أنتِ عارفة لازم اباشر كل حاجة بنفسي     


اومأت له بتفهم واسترسلت :

- قولت ل "نادين" على موضوع السفر ده     


= لأ أبقي قوليلها أنتِ وعلشان خاطري يا ماما خلي بالك منها وبلاش تزعليها     


هزت رأسها بقلة حيلة بينما الأخرى تشدقت بنزق ما ان خرجت من غرفتها والتقطت حديثه :    


- محدش يعرف يزعلني متخافش ده انا ازعل بلد     


رمقها بِحدة بينما "ثريا" قالت قبل أن تتوجه لغرفتها :

- ربنا ما يجيب زعل يا بنتي ....    


لتربت على كتفه وتستأنف بحنو :

- تروح وترجع بألف سلامة يا ابني     


أبتسم لها "يامن "وقبل هامتها وإن غادرت قال بنبرة حادة صارمة:    


- مش هتبطلي اسلوبك ده ؟؟    


نفت برأسها و ابتسمت تلك البسمة المهلكة خاصتها التي تجعل القديس يرتكب من أجلها أبشع الخطايا ، ثم أقتربت منه وتعلقت بعنقه قائلة بِمكر أنثوي لا يضاهيها أحد به:    


- انا سمعتك وانت بتوصيها عليا وقولت أطمنك مش اكتر     


أبتسم على طريقتها الملتوية وكيف بإمكانها أن تحول الدفة لها بكل ذكاء ليقول بنبرة آمرة :    


- مش عايز مشاكل مع ماما .......؟؟     


أومأت له في طاعة وهمست :    


- حاضر ........تحب أسمعلك التعليمات التانية وأوفر عليك     


تنهد في عمق وأخبرها وهو يمرر يده بِخصلاتها الفحمية الطويلة بِحنان:    


- يارب تعملي بيها ومجيش ألقيكِ عاملة مصيبة زي كل مرة     


            


              

                    


هزت رأسها في طاعة يعشقها منها ليسألها بلطف :

- تحبي اجبلك حاجة من اسكندرية 

هزت رأسها بنعم واخبرته بإشتهاء :    


- ايوة نفسي في أم الخلول     


قهقه هو بقوة وعقب بملامح منكمشة مستغربة :

- انا مش عارف ازاي بتحبيها بس حاضر هجبلك     


ليقبل جبينها ويحمل حقيبته وإن كاد يغادر هتفت هي بِبسمتها المعهودة :    


- لا إله إلا الله     


= سيدنا محمد رسول الله     


قالها بِنبرة حالمة وهو ينظر لها وكأنه يريد نقش ملامح وجهها وتلك البسمة على جدار قلبه قبل مغادرته ، بينما هي بعدما ابتعد عن انظارها وغادر بالفعل وئدت تلك البسمة التي كانت تجيدها وقد لمعت عيناها بمكر لا مثيل له 

-----------------------

اتفضلي يا مرات بابا عملتلك كوباية عصير انما ايه هتعجبك اوي 

قالتها" نادين" وهي تجلس بجوار "ثريا" التي كانت تشاهد أحد البرامج بالتلفاز بانتباه شديد ، عقدت "ثريا" حاجبيها و سألتها باستغراب :    


- ده من امتى الرضا ده يا بنتي     


ابتسمت هي وأجابتها ببراءة مصطنعة :    


- ابدًا أصلا" يامن "وصاني عليكِ ومش عايزة ازعله مني    


تهللت أسارير "ثريا "وربتت على يدها بحنو داعية بنبرة صادقة :    


- ربنا مايجيب زعل ابدًا يا بنتي ويهديكم لبعض     


= يارب ....ياريت بقى متكسفنيش وتشربي العصير     


قالتها وهي تمد يدها بالكوب ، لتتناوله منه "ثريا "وترتشف منه بعد أن شكرتها واستأنفت متابعة برنامجها بينما هي ألتمع سواد عيناها بمكر لا مثيل له ما إن وجدت "ثريا" تغفى بموضعها بعد عدة دقائق ، لتنهض وتزفر براحة وتنظر لها نظرة متشفية لأبعد حد قائلة :

- ابقى سلميلي بقى على تعليمات أبنك يا مرات بابا 

-----------------------

أصطحبها بِجولة عشق هوجاء أطاح بها عقلها وقلبها والأنكى جسدها ؛فكان متلهف تلك المرة عن غيرها ، مُتطلب لا يكتفي ، يحثها على الجموح والخروج عن المألوف ومبادلته بجرأة أكثر ولكنها لم تستطع تعدي حاجز خجلها وتحفظها التي تعودت عليه ، ربما هو يطلب أمور مباحة لهم و تستهويه بشدة ولكن هي تقسم انها تعجز عنها وحياءها يمنعها ولذلك تبرر دائمًا لنفسها أنه يصل لنشوته بالأخير دون أن تتكبد هي عناء المحاولة أو التخلي عن حياءها ، تنهدت في عمق وهي تعبث بخصلاته الفحمية كما يفضل أثناء نومه وظلت تتمعن بِملامحه الرجولية بعيون تفيض عشقًا ،لتقترب بِحرص من وجهه تتحسس تلك الملامح الحادة بِجاذبيتها فهو ذو بشرة سمراء فاتحة وفك عريض وعيون بُنية قاتمة هي سبب نكبتها ، اغمضت عيناها في ضيق عندما راودتها تلك الشكوك مرة أخرى لتجاهدها بِصعوبة ، فقلبها اللين يخبرها أنه لن يستبدلها بنساء الأرض ربما تلك الشكوك واهية والعطب داخل رأسها وعند تلك الفكرة تنهدت بأرتياح و وضعت قبلة عميقة أعلى فكه ثم دست نفسها بأحضانه وكأنها تهرب من شكوكها غافلة كون تلك الشكوك جميعها بِمحلها 

----------------------------

أما بداخل تلك الشقة المنعزلة التي يجتمعون بها 

رفعت هي كأسها التي لم تعلم عدده إلى الآن وتجرعته دفعة واحدة ثم استندت على ظهر الأريكة دون اي ردة فعل عيناها مثبتة على السقف بشكلٍ مريب مما دفع أحدهم ان يسألها بِقلق :    


            


              

                    


- "ميرال" انتِ كويسة اوعي تكونِ أڤورتي في الشرب زي كل مرة     


ابتسمت ساخرة من اهتمامهم الواهي وهدرت بعدم اتزان :

- والله امنية حياتي أخلص من نفسي بس اعمل ايه لسة في عمري بقية وقاعدة على قلبكم     


لتعقب "منه" :

- يا بنتي بعد الشر عليكِ     


= شر .....هو الموت شر؟؟ 

سألت بتيه وكأنها لا تعلم الأجابة ، ليرد احدهم ساخرًا :

- منعرفش اصلنا ما موتناش قبل كده 

قهقهوا جميعهم بينما زفرت هي ولوحت بيدها بلا مبالاه ونهضت كي تغادر بخطوات متعثرة مما جعل "منه" تصحبها قائلة :    


- انا هوصلك .....    


اومات لها بِضعف واستندت عليها إلى أن وصلوا لسيارتها تحايلت "منه" أن تقودها هي ولكنها اعترضت بشدة وأصرت وما ان انطلقت بالسيارة تجمدت "منه "بمقعدها وظلت ترجوها بذعر:

- "ميرال" ....هدي السُرعة .....اهدي يا "ميرال" ووقفي العربية انا هسوق     


بينما الآخرى لم تستمع لها بل كانت تعاند وتزيد سُرعتها 

- كفاااااااية .........وقفي العربية يا "ميرال" هتموتينا     


ومع الكثير من ألحاحها ضغطت "ميرال" مكابح السيارة بقوة كي توقفها ودون أي مقدمات كانت تجهش ببكاء مرير جعل" منه" تقسم ان اصابها الجنون لا محالة ، ربتت على ساقيها وسألتها بقلق :    


- أيه اللي حصل يا مجنونة    


نفت "ميرال" برأسها هدرت من بين شهقاتها :

- انزلي .....    


أصرت" منه" :

- لأ مش هسيبك لوحدك انتِ غبية وممكن تعملي في نفسك حاجة وانتِ بالحالة دي     


ابتسمت "ميرال" بسمة باهتة لأبعد حد وكأنها فقدت كل شغف الحياة وأجابتها بِنبرة متهكمة :    


-خايفة عليا اوي ما انتِ سبتيني زيهم وبقيتي علطول واخدة صف "نادين"    


= انا مش واخدة صفها بس انتِ ظلماها" نادين" ملهاش علاقة ب "طارق" ولا بالكلام اللي وصله هي ملهاش مصلحة علشان تفرقكم عن بعض واظن انتِ شوفتِ بعنيكِ خطيبها بيحبها اد أيه     


نفت" ميرال" وصرخت بها :

- عرفت تضحك على الكل بس انا الوحيدة اللي فهماها ......    


زفرت" منه" بِضيق وهمهمت بمواساة :

-فوقي بقى يا "ميرال" وشيلي الأوهام دي من راسك .....    


لتصرخ بإنفعال :

- مش اوهام انا مش مجنونة هي اللي فضحت كل حاجة و بوظت حياتي وخليته يسبني     


زفرت "منه" بقوة واخبرتها بوضوح :    


- هو كان هيسيبك كده او كده انتوا الاتنين كنتوا ضايعين مع بعض ...وبعدين دي غلطتك من الأول كان لازم تصارحيه بعلاقتك ب "إسلام" من الأول     


تنهدت "ميرال" بحرقة جثت على صدرها و غمغمت بقهر وهي تنطق :

-كُنت خايفة يسبني ويبعد عني لما يعرف إني كان ليا تجارب قبله    


لتبتسم بسمة متألمة وبعيون غائمة وتستأنف وهي تتذكر تخلي الجميع عنها :    


- كُنت خايفة يسبني زي ما كل اللي حبتهم سابوني واتخلوا عني ..... عارفة انا يمكن أكون أسوء حد في الدنيا بس مستهلش ابقى لوحدي     


تعاطفت" منه" معها بشكل بَين وربتت على يدها تحاول أن تواسيها :

- انا عارفة انتِ مريتي بأيه وصدقيني انا مش بهاجمك    


أبتسمت "ميرال "بسمة متألمة لابعد حد وقالت بنبرة منكسرة :

- أنا عارفة إن كل كلمة اتقالت عليا صح وعارفة إنكم شايفني واحدة منفلتة عديمة الرباية كل يوم بتصاحب واحد شكل بس اللي محدش يعرفه إني بدور على حد يعوضني عن حنية أهلي واهتمامهم يعوضني عن ابويا اللي الشغل خده مني ومعندوش وقت ليا ولو عنده هيديه لمراته اللي يدوب اكبر مني بسنة أو اتنين..... أو يعوضني عن أمي اللي رمتني واتنازلت عني في سبيل انها تعيش مع راجل تاني وتأسس اسرة من اول وجديد ونست أنها خلفتني اساسًا 

لتتنهد بعمق وتسترسل بأسى :    


- عارفة انا لما قابلت "طارق " قولت هبدأ بداية جديدة بعد ما حسيت انه شبهي في كل حاجة حياتي زي حياته محسسنيش إني ضايعة زي الكل بالعكس ده كان متقبلني زي ما انا لتشهق بحرقة وتستأنف بضياع من بين دمعاتها :    


- انا كل ما ربنا يبعتلي حد أقول بعته علشان يعوضني بيه عن حنية اهلي وخوفهم عليا ألاقي نفسي غلطانة وبيطلع زيهم ويسبني     


لتواسيها " منة" :

-صدقيني يا" ميرال" ده مكنش حب ده وهم مش اكتر .....ولو فعلًا كان بيحبك كان سمعك وعطاكِ فرصة تدافعي عن نفسك     


تنهدت "ميرال" ولملمت شتات نفسها قائلة بنبرة تقطر بالوعيد :

- مش هاممني رجوعه ليا انا اتعودت على الخسارة بس كل اللي هاممني إني اكشف "نادين" على حقيقتها قدام الكل 

-----------------------

استعارت ذلك المفتاح القديم من درج مكتبه الذي لم يعطيه اهمية يومٍ ثم تسللت خفية إلى الباب الخلفي للمنزل بعدما تأكدت أن الحارس بِموضعه الذي لا يغادره أمام البوابة الرئيسية ثم بكل حرص ازالت تلك النباتات العالقة و دست المفتاح بذلك الباب الحديدي الذي تأكله الصدأ وفي غضون ثوانٍ كانت تفر هاربة ولم يلحظها أحد ، وبعد عدة خطوات واسعة منها وجدته هناك ينتظرها داخل سيارته الفارهة ، صعدت بِجانبه وهي ترفع حاجبها بفخر لنجاح مخططها بينما هو قال بأنبهار وهو ينفث دخان سيجارته :    


- برافو عليكِ يا نادو كنت عارف انك مش هتغلبي ابدًا     


= عيب عليك دا انا "نادين الراوي" ........    


قهقه هو على غرورها المعتاد وسألها :    


- حطيتلها كام حباية ؟؟    


رفعت اصبعين امام وجهه وهي تكبت ضحكتها ، ليلعنها هو :    


- الله يخرب بيتك .....اوعي تروح فيها كان كفاية واحدة بس هتعمل الواجب    


نفت بِرأسها وتشردقت بنبرة حاقده:    


- مش خسارة في طيبة قلبها .... لتستأنف بِحماس غير عادي وهي تسحب من بين أنامله تلك السيجارة الغير بريئة بالمرة وتدسها بين شفاهها :

- طب يلا أطلع بالعربية قبل ما حد يشوفنا وياريت توديني مكان بعيد ميكنش زحمة احنا مش ناقصين جُرص     


أبتسم وأخبرها بغمزه من عينه العابثة وهو يشرع بالقيادة :

- انتِ تأمري و"طارق" ينفذ يا "نادو" ........

-----------------------------


🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺        


     بقلم الكاتبه       ♥ ريم كريم ♥ 


الفصل الرابع                  


من يشعر برغبة لا تُقاوم في الإنطلاق بقوة، لا يُمكنه أبداً أن يرضى بالزحف!

هيلين كيلر

-------------------

تعدت منتصف الليل عندما وقفت أمام بوابة القصر التي تقطن به مع والدها وزوجته ، فظلت تنتظر من الحارس أن يخرج لها ويفتح تلك البوابة اللعينة التي تعيقها عن الدخول ولكن دون جدوى مما جعلها تزفر بنفاذ صبر وتهمم بعدم اتزان :    


- هو يوم باين من اوله شكلها هي اللي أمرت يقفلوا البوابة     


لتقتد فيروزاتها بغيظ فلا أحد سوف يمنعها من ان تدخل لمنزلها حتى وإن كانت تلك الخبيثة زوجة أبيها تراجعت مسافة ليست ببعيدة ودون أي تركيز كانت تزيد من سرعتها وتتقدم تخترق البوابة الحديدية بسرعة جنونية أدت لتحطيم مقدمة السيارة بالكامل وارتدادها بقوة داخلها وتأذي جبهتها أثر ارتطامها بعجلة القيادة 

أحدث الاصطدام جلبة قوية مما جعل كل من بالقصر يهرولون خارجه لاكتشاف ما حدث واولهم زوجة والدها التي هتفت بترقب :    


-" ميرال" انتِ كويسة.......     


هزت رأسها وهي تدلى من السيارة بخطوات مترنحة وقالت بنبرة غير متزنة بالمرة وهي تتحسس جرح جبهتها :

- أنا تمام ...    


لتضحك ساخرة وهي تتطلع لذلك الحارس الذي خرج لتوه مطرق الرأس وكأنه ينتظر توبيخها ولكنها لن تفعل فهي تعلم أنه مجبور على تنفيذ أوامر الآخرى ،لتتنهد و تحول نظراتها تشاهد فداحة فعلتها وتستأنف :    


- بس العربية مش تمام خالص     


ربعت زوجة أبيها يدها على صدرها وقالت بنبرة مشككة وهي ترمقها شذرًا:

- أنتِ كمان سكرانة     


هزت "ميرال" رأسها وأجابتها بلامبالاة كي تقطع الشك باليقين ولا تدع لها مجال للنقاش :    


- ايوة سكرانة ....ممكن بقى تسبيني اطلع انام علشان مش شايفة قدامي     


ردت "دعاء" زوجة أبيها متهكمة :

- يعني مش كفاية راجعة بعد نص الليل لأ وكمان سكرانة وقلقتي كل اللي في القصر...... ومش عايزة حد يكلمك ده أيه جبروتك ده يا "ميرال" انا اول ما يوصل باباكِ من السفر هقوله ومش هسكت     


تنهدت" ميرال" ولوحت بيدها بلامبالاة فأخر ما ينقصها أن تتجادل معها وخاصةً كونها تعلم نواياها وتعلم مسبقًا أن أبيها دون شيء سيقف بصف زوجته ويأخذ موقف ضدها ككل مرة ولكن لا يهم هي تعودت على ذلك واصبحت تتعامل مع الجميع بلا مبالاه لا مثيل لها 

لتقول قبل أن تدلف للداخل تحت نظرات "دعاء" المغتاظة :    


- بلاش تطلعي عقدك على الحارس بعد ما أطلع ......تصبحي على خير    


زفرت "دعاء "بغيظ وهي تنظر لآثارها بينما بينها وبين ذاتها قد قررت أنها لن تصمت وسوف تخبر زوجها بكل شيء حين عودته في صباح الغد 

-------------------

أما هي فقد استيقظت على صوت هاتفها المزعج الذي لن يكف عن الرنين لتتناوله بتأفأف وترد بِنبرة ناعسة :

- الو    


                                  


              

                    


= "نادين" مش بتردي انتِ وماما ليه قلقت عليكم !    


هدر بها "يامن" من الطرف الآخر ، لتنتفض من فراشها وتتلعثم بعيون زائغة :    


- هااااااااا ....انا ........كُنت نايمة     


= طب و ماما فين ؟؟    


لطمت خدها بخفة وهي تتذكر فعلتها بلأمس لتماطل و تركض لغرفة "ثريا" كي تطمئن ان لم يصيبها مكروه ، لتزفر براحة ما إن وجدتها تجلس تؤدي فرضها    


- نادين روحتي فين ؟    


= هااااا انا معاك .....اطمن هي كويسة بس كانت بتصلي     


- طيب الحمد لله سلميلي عليها ....و خلي بالك من نفسك وانا احتمال كبير أجي النهاردة بليل     


قلبت عيناها ساخطة ولكنها أجابته بوداعة :

- توصل بالسلامة     


لتغلق معه وترتمي على الأريكة تحاول ان تتنفس براحة أكبر ولكن صوت "ثريا" أجفلها ما انتهت من أداء فرضها:    


- معرفش مالي يا بنتي كابس عليا ابو كابوس ليه ده انا قومت بالعافية وعندي صداع هيفرتك دماغي     


أهتزت نظراتها قليلًا وهي تشعر بشيء من تقريع الضمير وقالت بنبرة مهزوزة :    


- لو تعبانة...... أرتاحي     


نفت" ثريا" برأسها وأخبرتها بطيبة:    


- لا يا بنتي هاخد حباية مسكن وهبقى كويسة     


هزت رأسها وكأنها تؤيدها وتطرد ذلك الشعور الذي بدأ يعتريها حين قالت :

- ايوة اكيد هتبقي أحسن ومش هيحصلك حاجة     


أقتربت منها "ثريا" وربتت على ظهرها قائلة في حنان بعدما اسعدها اهتمامها :    


- ربنا يخليكِ ليا يا بنتي ويحفظك من كل شر     


لوهلة تجمدت نظراتها على وجه "ثريا" حين شعرت بتلك الدعوة الصادقة نفذت لصميم قلبها ولكنها فرت بقولها:    


- انا هدخل أوضتي أذاكر شوية ، أصل "يامن" هيجي بليل وعايزة أقعد معاه     


أبتسمت "ثريا" داعية بحنو :

- ربنا ما يحرمكم من بعض ابدًا يا بنتي ...... اعملي اللي يريحك أنا هحضرلك الفطار ولو بقيت أحسن هروح أزور "رهف" ومش هتأخر ساعة وراجعة 

هزت" نادين" رأسها وتوجهت لغرفتها وهي تلعن ذلك الشعور الذي بدأ يعتريها ويهدد ثباتها 

---------------------------

بعد بعض الوقت تمددت على فراشها بعد تفكير مضني بشأن فعلتها و لكنها شعرت براحة غريبة عندما هيئ لها شيطانها وبرر لعقلها أنها لم تخطئ فلولا تحكمات أبنها لم تكن تضطر لذلك ، نفضت افكارها بعيدًا وقررت ان تسترجع أحداث أمس ليعتلي ثغرها بسمة حالمة عندما تذكرت كم كانت ليلة مميزة بكل المقاييس لم تحظى بمثلها ابدًا إلا عند سفره 

انتشلها من شرودها رنين هاتفها التي ألتقطته وأجابت بصوتٍ خافت للغاية :    


            


              

                    


- والنعمة انت مجنون قولتلك متتصلش بيا انت ...افرض "يامن" جنبي ولا أمه انت عايز توديني في داهية     


أتاها الرد من الطرف الآخر :

- أنا عارف إنه لسه مرجعش واعمل ايه وحشتيني     


= وحشتك ازاي وانا لسه سيباك من كام ساعة يا "طارق" انت هتستهبل     


- أنتِ بتوحشيني وأنتِ معايا يا "نادو" 

تنهدت بعمق وبسمتها تكاد تشق وجهها ليستأنف هو :    


- هشوفك النهاردة كمان     


تلاشت بسمتها وأخبرته بِضيق :    


- لأ ......"يامن "راجع النهاردة     


لم يصلها رده فقط صوت انفاسه الغاضبة لتهمهم هي :

- بس ممكن أشوفك بكرة في الجامعة     


= لأ مش هاجي .... و يلا سلام     


قالها بحده مبالغ بها قبل أن يغلق الخط مما جعلها تستشيط غيظًا بسبب سيرة ذلك ال "يامن" الذي عكر صفوهم 

---------------------

أما عند صاحب البنيتان القاتمة فكان يكاد يجن عندما لم تحضر "منار" اليوم للعمل ، حاول محادثتها ربما للمرة المائة ولكن دون جدوى فهاتفها مغلق ولم يتمكن من التواصل معها بأي شكل مماجعله في حالة مزاجية يصعب وصفها فقد دلف لمنزله في المساء بوجه متجهم للغاية ليجدها تستقبله كعادتها في أبهى صورها بذلك القميص الأسود الطويل الذي يناسبها تمامًا ويمنحها جاذبية خاصة بها     


- حمد الله على السلامة يا" حسن"

قالتها "رهف "بنعومة وببسمة هادئة بينما هو هز رأسه و أجابها بإقتضاب :    


- فين الولاد؟؟؟    


أحتل الحزن عيناها عندما لم يعيرها أي اهمية حتى انه لم ينظر لها مما جعلها توضح بهدوء:    


- خالتو "ثريا" كانت هنا وشبطوا فيها وبصراحة قولت اريحك من دوشتهم أكيد جاي تعبان ومحتاج ترتاح     


زفر بقوة واستطرد قائلًا:

- وليه مأخدتيش اذني .......    


= مش مستاهلة يا "حسن" ده البيت جنب البيت وهما مش عند حد غريب    


_ يعني ايه مش مستهلة هو أنتِ متجوزة كيس جوافة ....تتفضلي تنزلي تجبيهم     


= حاضر يا "حسن" الموضوع مش مستاهل .....انا هغديك الأول وأنزل اجيبهم    


صرخ بها بعصبية غير مبررة بالمرة :     


- دلوقتي ومش عايز أطفح انا أكلت في الشغل     


كانت تسايره لأبعد حد لكن عصبيته الغير مبررة معها استفزتها وجعلتها تخرج عن هدوئها وثباتها المعتاد :    


- أنت متعصب عليا ليه ؟ 

انا مش شايفة أن الموضوع يستاهل دي خالتك مش حد غريب     


زفر بقوة و نزع سترته وقذفها بالأرض وقال بسخط أحزنها :    


- المشكلة مش انهم مع خالتي ....المشكلة فيكِ يا هانم مبتعرفيش تتصرفي في اي حاجة في حياتك لوحدك ويوم ما تفكري تشغلي عقلك ،لغيتي وجودي ونزلتي الولاد من غير اذني     


            


              

                    


بررت هي بتلقائية:

- انا عمري ما لغيتك بالعكس أنا مبعرفش اخد أي خطوة غير بعلمك وعمري ما عارضتك     


تأفأف هو وهدر بنفاذ صبر وهو يتوجه لغرفته :

- انا عارف ان مفيش فايدة من الكلام معاكِ و أنا اصلًا مصدع ومش فايق فياريت تنزلي تجيبي الولاد وتقصري     


ذلك آخر ما تفوه به قبل أن يدلف للغرفة تركها خلفه تنظر لآثاره بِضيق شديد ورغبة مُلحة في البكاء تكاد تسيطر عليها ولكنها تمالكت ذاتها ونهضت كي تجلب أطفالها كما أخبرها تجنبًا لتفاقم غضبه 

--------------------------

جلست تطعمهم بِحنان شديد وتقص عليهم أحد قصص الأطفال القديمة في حين هم كانوا يقهقهون تارة ويصرخون تارة آخرى من شدة حماسهم ، شردت لوهلة بوجههم البريئة وكم تمنت ان ترى أبناء ولدها في المستقبل لتتنهد في عمق وهي تدعوا من تصميم قلبها :

- ربنا يريح قلبك يا ابني ويهديهالك ويوعدك بالذرية الصالحة     


- عشم ابليس في الجنة 

قالتها "نادين "بسرها ما أن استمعت لدعوتها ، وهدرت بعدها حانقة من ضوضائهم وتلك الجلبة التي يحدثوها :

= اففففف بقى تنفع الدوشة دي    


ردت "ثريا ":

- معلش يا بنتي دول عيال "حسن" ابن اختي شبطو فيا     


= وانا ذنبي ايه إن شاء الله أنا عايزة انام     


لترد "ثريا "وهي تحتضن "شيري" و"شريف" الذين كانوا يرشقون" نادين" بنظرات مهزوزة :

- حقك عليا خلاص مش هيعملوا دوشة تاني     


لتهتف "شيري" تلك الطفلة التي لم يتعدى عمرها الست سنوات :

- "نادين" وِحشة وشبه الساحرة الشريرة     


ليؤيدها "شريف" توأمها :    


- ايوة وِحشة وانا مش بحبها و هقول لعمو "يامن" كمان مش يحبها     


ربعت يدها وظلت ترشقهم بنظرات متغاظة ، بينما 

شهقت "ثريا" و وجهتهم بصرامة :

- عيب كده يا حبايبي طنط "نادين" حلوة ..... يلا اعتذروا منها    


نفوا برأسهم في حين كانت "نادين" تجز على نواجذها من شدة غيظها وكادت تصرخ بهم وتعيب بأخلاقهم 

لولآ صوت جرس الباب التي ركضت إليه "شيري " وفتحته هاتفة:

- مااااااامي     


= اهلًا يا بنتي اتفضلي     


قالتها" ثريا" بود ل "رهف" التي جاءت لتوها لتجيبها "رهف" :

- أنا جاية أخد الاولاد يا خالتو واسفة اني تعبتك    


- هما لحقوا يا بنتي كنت سبيهم لبليل 

= معلش أصل "حسن" مش بيعرف ياكل غير معاهم 

قالتها بضيق وهي تلعن ذاتها لكذبها على تلك السيدة الحنون، لاحظت "ثريا" توترها وفركها ليدها لتسألها بِقلق:

- أنتِ كويسة يا بنتي     


أومات في ضعف ، لتتنهد "ثريا" وتربت 

على كتفها وسحبتها من يدها كي تجلسها ولكن" نادين" باغتتهم بِعجرفة كعادتها :    


- بتقولك جوزها عايزهم ما تسبيها تروح وتاخد جوز القرود دول معاها وتخلصنا ....دي حتى شكلها مكسوفة تقولك أن ابن اختك مش مأمن على عياله عندك     


            


              

                    


نفت "رهف "برأسها وكادت تدافع عنه كعادتها ولكن سبقتها "ثريا ":

- متدخليش يا "نادين" وروحي كملي نومك     


رفعت حاجبيها بِغيظ وردت كي تستفزها :

- النوم راح خلاص بفضل القرود بتوعكم .....لتوجه حديثها ل "رهف" بنزق :     


- بالله عليكِ ابقي ربي عيالك علشان قرفوني     


لتنهض "رهف" وتقول بدفاع قوي و بشراسة أم لن تظهر سوى من أجل ابنائها :    


- انا ولادي متربين احسن تربية ولو سمحتِ التزمي حدودك معايا انا مش مجبرة اتحمل قلة ذوقك .....عن اذنك يا طنط

ذلك آخر ما تفوهت به قبل أن تأخذ اولادها وتغادر تاركة "ثريا" تنظر ل "نادين" بنظرات معاتبة لأبعد حد

ولكن هي لم تكترث بل لوحت بيدها ودخلت غرفتها واغلقت بابها دون اي لباقة في وجهها 

-------------------------

في المساء جلسوا ثلاثتهم على طاولة الطعام يتناولون العشاء فقدظل يمرر نظراته بين والدته الصامتة وتلك التي تدعي انشغالها بأكل ذلك المحار الفريد الذي جلبه لها، انتظر ان يبادر احد بالحديث ولكن دون جدوى مما جعله يتيقن أنهم اختلفوا من جديد ليسأل بهدوء :

- خيرررررر ايه حصل احكولي كُلي أذان صاغية     


زفرت هي بضيق بينما ردت "ثريا" بِعقلانية :

- محصلش حاجة يا حبيبي احنا زي الفل أهو    


= مش باين !!    


قالها بتوجس وهو ينظر ل "نادين" 

لتستأنف "ثريا "كي تلهيه عن خلافهم :

- خلاص بقى قولتلك مفيش حاجة ويلا احكيلي انت عملت ايه في مطعمك     


حانت من "نادين" بسمة هازئة عندما استمعت لسؤالها التي عدلته هي بِعجرفة :

= قصدك مطعمي يا مرات بابا ......متنسيش أنو بس بيدير أملاكي بصفة مؤقتة     


- وانتِ وهو أيه يا بنتي ما هو جوزك    


ارتفع حاجبيها وقالت بغرور وثقة لا مثيل لها :

- على الورق وبس ومش كل شوية لازم افكركم ان القرار بإيدي ومحدش هيعرف يجبرني على حاجة    


تناوبت "ثريا "النظرات بينهم تنتظر منه أن يتفوه بشيء ولكن هو كان يشعر ببركان ثائر برأسه من تمردها التي لن تكف عنه فما كان منه غير صراخه بها :    


= نااااااادين كفاية كده وقومي نامي اكيد عندك جامعة الصبح     


انتفخت أوداجها وصاحت بعناد :

- وإن مقومتش يا" يامن" هتعمل ايه ؟؟؟    


= متقوميش يا "نادين" هقوم انا ....تصبحوا على خير 

قالها بنفاذ صبر قبل ان تشتد نوبة غضبه أكثر فهو يقسم انها لو فتحت فمها بكلمة آخرى سيفقد لجام نفسه 

------------------

كانت تجلس منفردة كعادتها بغرفتها ، ممددة في فراشها دون حراك فقط شاردة بسقف غرفتها حين انتشلها طرقات منتظمة على باب غرفتها لتعتدل وتأذن للطارق إذا بالخادمة تخبرها :

-البيه وصل من السفر و عايز حضرتك تحت     


هزت رأسها بطاعة ثم أشرت للخادمة لتنصرف وهي تلعن حياتها فمن المؤكد أن زوجة أبيها أخبرته بما حدث ويريد ان يوبخها كعادته ، زفرت بِضيق شديد ثم استبدلت ملابسها كي توافيه مثلما أخبرتها الخادمة ، وما ان وقفت على أعتاب غرفة مكتبه سمعت صوت زوجة ابيها تزيد بالحديث عليها ولكنها لم تبالي ودخلت قائلة بملامح جامدة دون أي تعبير يذكر :    


            


              

                    


- حمد الله على سلامتك .......حضرتك عايزني     


أجابها والدها بحدة :

- انا عرفت اللي حصل أمبارح ومش عاجبني اللي انتِ عملتيه     


تنهدت هي وأخبرته بهدوء وبملامح واهنة :

- آسفة .....    


زفر أبيها أنفاسه دفعة واحدة وعاتبها :

- أنا مش معنى إني سايبك براحتك تنبسطي وتعيشي سنك أنك تتمادى كده أنتِ غلطتي ولازم تتحاسبي     


حانت منها بسمة باهتة وأخبرته بأحترام :

- اللي تشوفه حضرتك    


نظر لزوجته يلتقط نظرتها المحفزة له ضدها وهتف قائلًا :

- مفيش خروج بعد كده غير بعلمي ولازم يكون معاكِ السواق .....ومفيش سهر بعد كده ولا شرب فااااااهمة 

أجابته بطاعة وهي تقاوم رغبتها بالبكاء كي لا تجعل الآخرى تشمت بها :

- حاضر ......عن اذنك 

لتنصرف هي بخطوات واهنة بينما الأخرى ابتسمت وقالت لزوجها :

- ايوة كده يا بيبي لازم تشد عليها شوية علشان ما تخرجش عن طوعك زي أمها     


أومأ لها ببسمة باهتة وبضيق شديد وهو يتذكر تلك التي هجرته سابقًا وما كان منه غير يؤيد رأي زوجته ويستمع لكل نصائحها التي يظنها تصب في مصلحة أبنته

----------------------

صباح يومٍ جديد يخبئ بطياته الكثير فقد أوصلها كعادته كل يوم لجامعتها دون أن يتفوه ببنت شفة عن ما حدث بالأمس ، فقد وئدت تلك اللهفة التي كان يعود بها من أجلها ولكن هي تظل هي لن تتغير     


- هتفضل ساكت كده كتير ؟؟؟    


رفع عينه لها وقال بهدوء مصتنع يخالف ثورة عقله :

- عايزاني اقول ايه بعد اللي قولتيه امبارح !!    


سطع المكر بعيناها وبررت بِثقة :    


- انا مغلطتش في حاجة ..........دي الحقيقة اللي انت مش عايز تستوعبها انت ومامتك     


زفر بضيق واشاح بنظره بعيدًا عنها ، فهو مل من طريقتها المتعجرفة تلك و من كبح تمردها ولكن الأدهى أنها ظلت تضغط عليه وكأنها تتعمد ان تخرجه عن طوره بقولها :    


- يوووووووه بلاش تستفزني بسكوتك ده     


ضرب المقود بِقبضته بنفاذ صبر وهدر بإنفعال :

- عايزة تسمعي ايه ...... عايزاني اقولك صح عندك حق ....تمام عندك حق..... وانا ولا حاجة و وجودي في حياتك ملهوش اي معنى غير على الورق وبس ......ارتحتي كده .....ردي عليااااااا    


كان يهدر بكل كلمة بنبرة منفعلة وبأعصاب تالفة لم يستطيع التحكم بها أكثر مما جعلها ترد بغرور لا مثيل له وحاجبيها تعلو بزهو :

- أيوة ارتحت ....بس ياريت انت متنساش ده     


ذلك آخر ما تفوهت به قبل أن تتدلى من سيارته وتسير بطريق جامعتها مما جعله يشعر بخيبة أمل لا مثيل لها فهل يا ترى حان الوقت لكي ييأس منها أَم سيظل يجاهد دائمًا من أجل قلبه ويحاول ترويدها 

-------------------

جلست داخل المدرج الخاص بِمحاضرتها ليباغتها هو بجلوسه بجانبها وقوله بجانب اذنها :    


- يخربيت حلاوتك ...وحشتيني 

ابتسمت بغرور وارتفع حاجبيها بمكر وسألته بعتاب طفيف:    


- مش قولت مش جاي     


= مقدرتش افوت الفرصة ومشوفكيش يا" نادو "

قالها بغمزة من عينه العابثة وهو يسحب يدها خِفية ويضغط عليها ، لتنتفض هي وتسحبها منه وتوبخه بهمس شرس :    


- هتفضحنا الله يخربيتك ابعد .....المحاضرة هتبتدي     


هز رأسه بتفهم ونظر أمامه وقال هامسًا :    


-ما تيجي نخلع المحاضرة دي علشان محضرلك مفاجأة حلوة    


اومأت له بحركة بسيطة والحماس قد تملك منها ، غافلة عن تلك التي تراقبهم من بعيد ولاحظت ما يدور بينهم لتمر بين زملائها وتهدر بحدة ما ان وصلت لموضع جلستهم :

- ممكن تقعدني جنب "نادين "    


تحمحم ونهض كي تفوت هي :

- طيب براحة يا شيخة "نغم "انا اصلًا كُنت ماشي     


لتهبد كُتبها وتجلس توبخها ما ان انتبهت لها :    


- بتتكلمي مع الزفت ده ليه ؟؟؟؟    


اجابتها "نادين" بعيون زائغة :

= عادي يا "نغم "كان بيسألني على حاجة     


لتعقب" نغم" بعقلانية :

- "نادين" انا مش برتاح للشاب ده ولا للشلة بتاعته كلها علشان خاطري ابعدي عنهم     


لترد "نادين" بسأم :

- يا بنتي ارحميني بقى من الاسطوانة دي ......وفكك مني ....اقولك انا ماشية وهسيبلك المدرج كله سلام    


لتهمهم "نغم" بِنبرة متحسرة على صديقة عمرها :    


= ربنا يهديكِ يا" نادين" ويبعد عنك ولاد الحرام 

------------------

كان يقود سيارته بطريق منزلها مما جعلها تتسأل بتوجس :

- ده طريق بيتي انت بتهرج صح     


نفى برأسه وقال بغمزه من عينه :

- عارف ....ومتقلقيش عايزك تثقي فيا    


زفرت انفاسها بتوتر عندما توقف أمام بناية فاخرة تبتعد بشارع واحد عن موقع منزلها ،و دعاها ببسمة واسعة تفيض بالعبث ان تدلى من السيارة بعدما تدلى هو وفتح بابها :    


- يلا يا "نادو" انزلي     


ابتلعت ريقها بحلق جاف وهي تشرأب برأسها وتتناوب نظراتها بينه وبين البناية بتردد كبير وخاصةً عندما حاول هو طمئنتها :    


- أنتِ بتثقي فيا مش كده ....متخافيش انا...........

تنهدت كي تحفز ذاتها وقاطعته بثقة وبغرور كعادتها وهي تتدلى من السيارة :    


- انا بثق في نفسي أكتر يا" طارق" متخلقش اللي يغصبني على حاجة انا مش عايزاها     


لمع سواد عينه بعبث ماكر و بسط يده كي تتقدم بخطواتها لتبتسم هي بِغرور وتسير أمامه بخطى واثقة رغم التوتر الذي يعتري دواخلها وشعورها أن ما تفعله خطأ لا محالة ولكن شيطانها برر لها وأدعى براءة خطيئتها فهل ياترى يوجد خطايا بريئة كما يدعون أبطالنا ، لا أظن ذلك ولكن دعونا نمهلهم الوقت الكافي لكي يستوعبون بأنفسهم .

----------------------

ڤوت لو سمحتم 🦋


🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺        


     بقلم الكاتبه       ♥ ريم كريم ♥ 


 الفصل الخامس

التدقيق في أتفه التصرفات قد يهوي بك إلى الجنون , لذا تغافل مره وتغابى مرتان. 

وليم شكسبير

---------------

جلست على طاولة الطعام دون ان تنبس ببنت شفة فقط تعبث بطبقها دون ان تمسسه ، اجفلها سؤال والدها ما ان جلس بِجوارها :    


- ما روحتيش الجامعة ليه معندكيش محاضرات ولا ايه ؟؟    


رفعت فيروزتها له وأخبرنه بإقتضاب وبملامح واجمة :

-مش عايزة مليش مزاج ومتفقة مع "منه "هقابلها في النادي     


تنهد "فاضل "بعدما أزعجه بهوتها وأخبرها بحنو وهو يربت على يدها الآخرى المسنودة على الطاولة:

- متزعليش مني إني اتعصبت عليكِ انا عايز مصلحتك وخايف عليكِ يا "ميرال" أنتِ بنتي الوحيدة وحالك مش عاجبني     


حانت منها بسمة هازئة وأخبرته وهي تستند بأريحية أكثر على مقعدها وتربع يدها :

- بأمارة أيه يا بابي !    


جعد أبيها حاجبيه وسألها بعدم فهم :

- يعني ايه ؟    


أجابته بتهكم تقصدته :

- تعرف ايه عني وعن حياتي تعرف أيه عن اللي بيريحني وفعلًا في مصلحتي ........     


أجابها والدها بنفاذ صبر وهو ينظر بساعة يده :    


- حبيبتي ممكن نأجل الكلام ده لبعدين أنا متأخر     


هزت رأسها ببسمة متألمة وأضافت بإحتياج شديد :    


- على فكرة انا اهم من شغلك ومن حقي اتكلم معاك ..... واحس بوجودك في حياتي ......    


تنهد والدها وبرر ببراءة :

- حبيبتي كل اللي بعمله ده ليكِ ولمستقبلك وللأيام الجاية     


نفت برأسها بأعصاب تالفة وصاحت بيأس تملك منها :

- أنا اللي ليا النهاردة وميهمنيش الأيام الجاية .....مش يمكن متجيش و مبقاش موجودة ومفرقش مع حد    


=يالهوي بعد الشر عليكِ ليه بس بتقولي كده ياست البنات!!    


قالتها "مُحبة" رئيسة الخدم وهي تدلف لتوها تحضر لها كوب من عصير الأفوكادو التي تفضله 

ليؤيدها والدها :

- تعالي شوفي الكلام الفارغ ده يا "مُحبة" وعقليها     


لتعقب" مُحبة "بحنو حقيقي وهي تضع الكوب الذي بيدها على الطاولة :

- ربنا يخليكِ ويحفظك بلاش تفولي على نفسك يا ست البنات    


تنهدت" ميرال" وردت :

- لو فعلًا زي ما بتقولي يا دادة يسمع كلامي ويعمل اللي يريحني    


دافعت "مُحبة " بِعشم:

- ده أبوكِ يتمنالك الرضا ترضي يا بنتي مش كده برضو يا "فاضل" بيه    


هز والدها رأسه يؤيد حديثها وتأهب لابنته وهو يحسها بنظراته أن تخبره بما تريد 

لتتلعثم هي بنبرة شبه راجية :    


- انا محتجاك يا بابي ومحتاجة وجودك جنبي .....تعالا نسافر أي حتة ونغير جو سوا     


تحمحم والدها يجلي صوته وقال بنبرة آسفة :    


                                  


              

                    


- حبيبتي أنا مش فاضي حاليًا وكمان "دعاء" عندها شغل واجتماعات في الجمعية ممكن نأجل الموضوع ده شوية أكون استعديت ، بس لو مخنوقة ومش عايزة تصبري ممكن تاخدي صحابك ودادة "مُحبة "علشان تاخد بالها منك وتروحي المكان اللي يريحك ومتقلقيش كل مصاريفكم عليا     


شعرت بالحزن كونه لم يقدر إحتياجها وفضل ان يعوضها بطريقته التي يظنها هو كفيلة أن تعوضها عن كل شيء حتى حاجتها له ولأهتمامه

لتنكس رأسها وتركز نظراتها الحزينة على طبقها مما جعل "مُحبة" تتطلع ل "فاضل " بضيق وبعدم رضا وتعاتبه بصوت خفيض للغاية :

-ياريت هم الدنيا كله فلوس يا بيه

لم يهتم بتمتمتها بل أشار لها ان تنصرف وبالفعل أنسحبت وعادت للمطبخ لتباشر الخدم تزامنًا مع نزول "دعاء "زوجة ابيها والقائها تحية الصباح عليهم وجلوسها على طاولة الطعام بجانب ابيهاوهي تسدد له نظرة ذات مغزى التقطه و قال بتعجل وهو ينهض من مقعده ينوي المغادرة :    


- كلام أمبارح يتنفذ بحذفيره ومش عايز استهتار ............عربيتك خدوها تتصلح الصبح تقدري تاخدي أي عربية من الجراچ عم "مؤنس" عنده ظروف و وأخد أجازة" دعاء" اتصرفت و جابت واحد ينوب عنه عقبال ما يرجع، هو شاب محترم وانا اتأكدت من هويته بنفسي عايزك تعامليه كويس وانا بلغته بكل المطلوب منه     


أومأت له بطاعة دون أي مجادلة وكانها فقدت شغف الحديث من الأساس ليغادر والدها وإن كادت تنهض هي الآخرى كي تغادر باغتتها "دعاء" ببسمة متشفية :    


- برافو يا "ميرال" لازم تسمعي كلام باباكِ هو عايز مصلحتك     


حانت منها بسمة هازئة فتلك ال "دعاء" قد تعدت حدودها معها وتمادت على الأخير ولابد من ردعها :

- اوعي تفتكري إني مش عارفة أنتِ بتحاولي تعملي أيه

ولأخر مرة بحذرك بلاش تتدخلي بيني وبين بابي ، أنا سكوتي ده مش ضعف مني وأنتِ عارفة كده كويس أنا بس بكبر دماغي و بحاول اتغابى علشان بابي شيفاه مبسوط معاكِ لتنحني منها وتضيف بمغزى جعل نظرات الآخرى تزوغ وتتوجس خِيفة منها :    


- أنتِ عارفة إني لو حطيتك في دماغي هتخسري كتير يا "دعاء" فياريت تبطلي تدخلي في اللي ملكيش فيه    


لتعتدل بوقفتها وتسحب حقيبتها وتخرج تاركة "دعاء" تستشيط غضبًا منها فهي تعلم انها ليست هينة ولكن تتغافل ليس أكثر 

------------------

-تجنن يا "طارق" 

هتفت بها في حماس شديد مما جعله يرد بِسعادة :    


= عجبتك يا "نادو"    


أومأت برأسها تؤكد ببسمتها المُهلكة تلك التي تأثر القلوب ، فحقًا اعجبتها تلك الشقة الواسعة ذات الأثاث العصري الراقي وتلك الألوان الهادئة المحاطة بها ، ليستطرد "طارق " :    


- الشقة دي هتشهد على حبنا يا "نادو" 

انا جهزت كل ركن فيها وأتمنيت من قلبي انها تعجبك     


تنهدت في عمق وقالت وهي تنظر لمحيط المكان :

- بس ليه قريبة من البيت كده انا كنت عايزة ابعد     


            


              

                    


أجابها بعيون مسبلة وهو يقترب منها بِحرص ويرفع يده يحاول أن يتلمس وجهها :

- انا قولت كده احسن علشان نعرف نتقابل براحتنا في اي وقت متاح ليكِ    


أزاحت وجهها بعيد عن لمساته ثم أبتعدت عنه عدة خطوات و ضحكت بصخب جعله مشدوه ثم تمتمت بغرور لا مثيل له :    


- نتقابل ....وهنا .....ومين قالك إني هرضى.... يظهر أن دماغك راحت بعيد يا "طارق "    


قلص المسافة التي صنعتها وتمسك بيدها قائلًا بنبرة يحفها الرجاء:    


= "نادو "أنتِ عارفة إني بحبك ونفسي اتأكد أنك انتِ كمان بتحبيني ومفهاش حاجة لما نتقابل هنا بدل ما بنبقى خايفين حد يشوفنا     


حانت منها بسمة ماكرة لأبعد حد وأجابته بدهاء وهي تنفض يده دون أي تهاون :    


- يبقى بلاها خالص...... مش لازم نتقابل من الأساس     


زفر بقوة من فعلتها ثم نفى برأسه برفض وقال بتراجع :

- لأ مقدرش يا "نادو ".....ده انتِ بتوحشيني وانا معاكِ     


مررت يدها بخصلاتها وردت بكل غرور وبنبرة تقطر بالدهاء :    


- يبقى متحاولش .........وبلاش حركات المراهقين دي معايا وأحترم ذكائي ............    


أمتعض وجهه وشعر بالضيق الشديد من حديثها فلم تجرأ أنثى من قبل على ان تراوغه هكذا وتتجاهل مشاعره لذلك الحد فطالما كان هو من يتجاهل ويسخر واحيانًا يترك ،ولكن معها كل شيء مختلف فهي قوية صعبة المنال والأنكى من كل ذلك واثقة حد الجحيم وذلك حقًا ما يآسره بها ، نفض أفكاره سريعًاوسألها بترقب شديد لعلها تبث به الأمل:    


- طيب على الأقل قوليلي حقيقة مشاعرك ليا أنتِ عمرك ما قولتيلي انك بتحبيني     


نظرت له نظرة ساحرة جعلته يظن انها ستجيبه وتريح قلبه ولكنها تشدقت قائلة وهي تتوجه لباب الشقة :

- انا هتأخر .....لازم توصلني للجامعة تاني علشان "يامن" هايجي ياخدني من هناك     


زفر بِضيق ومرر يده في خصلاته بعدما هدمت هي آماله وتجاهلت سؤاله لا والأنكى انها تفوهت بأسم ذلك الغبي امامه مما جعله يشعر ان قلبه يتأكل من شدة غيرته ولكن ماذا يفعل هو ليس بيده شيء سوى الأنتظار ليفوز بها 

-------------------------

وقف ينتظرها أمام الحرم الجامعي بطلته الرجولية المبهرة ، يستند على مقدمة سيارته واضع يده بجيب بنطاله ويخفي حبات قهوته بنظارة شمسية عريضة ذادته جاذبية على جاذبيته ، زفر بنفاذ صبر وهو يتطلع لساعة يده فقد 

تأخرت اليوم على غير عادتها، لمح "نغم" من بعيد ولوح لها ببسمة هادئة، لتقترب منه بتوتر وهي تضم كُتبها لحضنها وتهمهم مُرحبة :    


- اهلًا يا استاذ" يامن" أزي حضرتك     


= تمام الحمد لله .....قوليلي فين "نادين" اتأخرت ليه كده النهاردة ؟؟    


- هاااااا ......أصل ....."نادين" ......

كانت تتلعثم بشكل ملفت جعله يتوجس قائلًا:    


- حصل حاجة يا" نغم" ؟؟    


            


              

                    


نفت برأسها وكادت تخترع له كذبة ملائمة ولكنها حمدت ربها انها وجدت "نادين" تقترب وتقول بثقة أجادتها :

-Sorry

كُنت في المكتبة ومأخدتش بالي من الوقت     


زفرت "نغم "بأرتياح بينما هو أومأ لها بملامح جامدة دون تعبير يذكر وعرض على" نغم "مجاملًا :    


- تعالي هنوصلك     


لترد وهي تتناوب النظرات بينهم :

- لأ انا هاخد تاكس    


ليصر هو :

- انا قولت هنوصلك يلا مش عايز اعتراض متبقيش شبه صاحبتك     


لتتذمر "نادين ":

- ومالها صاحبتها مش عاجباك ولا ايه ؟    


زفر أنفاسه دفعة واحدة وهو ينزع نظارته ورشقها بنظرة حادة قبل أن يصعد للسيارة فأخر ما ينقصه هو الجدال معها مرة آخرى ،لتنكزها "نغم" بذراعها و وبختها بصوت خفيض للغاية :    


- اتكلمي عدل هو مايقصدش حاجة 

ويلا أمري لله هاجي معاكم إلا تقتلوا بعض في السكة ليصعدوا للسيارة ايضًا غافلين عن ذلك الذي يتتبعهم بعينه منذ بادئة الأمر بقلب يتأكله من شدة غيرته 

--------------------------

استقلت السيارة واغلقت بابها بقوة وأمرت السائق بعصبية مفرطة :

- وديني النادي     


أومأ له السائق في طاعة وشرع بالقيادة دون أي حديث فقط صب كافة تركيزه على الطريق تنفيذًا لأوامر رب عمله الصارمة ولكن ماذا يفعل بفضوله الذي جعله يرفع بندقيتاه و يسترق النظرات لها من خلال مرآته الأمامية، لاحظ انها ليست على ما يرام فكانت ملامحها واجمة بشدة وتهز قدميها بتوتر شديد أشعره بالريبة ولكنه لم يهتم فما شأنه هو ليعود من جديد ويصب كافة تركيزه على الطريق ، بينما هي كانت حالتها ترثى لها تفرك جبينها وكأنها تحاول أن تجاهد شيء ما برأسها فحقا سأمت من تجاهل الجميع لها وشعورها الدائم كونها غير مرغوب بها ، زفرت بقوة بعدما شعرت ان كافة مقاومتها قد ذهبت ادراج الرياح وانها حقًا بحاجة ماسة لوسيلة تنتشلها من ذلك الواقع المرير وتوقف ضجيج رأسها، سحبت حقيبتها بأيدي مرتعشة وظلت تبحث بداخلها بعصبية مفرطة ولكن لم تجد ضالتها لتلعن تحت انفاسها بقوة وتصرخ آمرة :    


- لف وارجع ........عايزة اروح الدقي     


جعد حاجبيه الكثيفين مستغرب وسألها بتوجس :

-تحت أمرك ........بس هو حضرتك كويسة    


وضعت خصلة من شعرها خلف اذنها وهدرت منفعلة وبأعصاب تالفة :    


-أنت هتحقق معايا ملكش فيه وتسوق وأنت ساكت     


زفر انفاسه غاضبًا وقد اشتدت عروق يده الممسكة بعجلة القيادة وتمتم بغيظ :

- بداية مشرقة بالتفاءل ....شكلي مش هعمر في الشغلانة دي زي اللي قبلها ...    


ألتقطت حديثه وقبل ان تتفوه بشيء كان هو يضغط على مكابح السيارة بقوة و يعود أدراجه محدث فوضى عارمة بالطريق لتصرخ هي به :

- انت اتجننت بتعمل ايه ؟؟    


            


              

                    


أجابها بكبرياء وبصوت أجش :

- هرجع جنابك للقصر واسلم مفاتيح العربية لوالدك الله الغني عن شغلنتكم    


زفرت بقوة وقالت بنبرة شبه راجية كي تلاحق الأمر لكي لا يغضب ابيها ويمنعها من الخروج كليًا :

- اسمع انا مش قصدي انا بس مضايقة و عمري ما اتعصبت على حد بيشتغل معانا    


أعجبه جملتها الآخيرة وشعر انها ليست متعالية كما يظهر عليها ليلتفت لها يطالع تلك الفيروزتان التي تفيض بحزن بَين جعله يصمت هنيهة قبل ان تهمس هي معتذرة :    


- أنت شكلك ابن بلد وجدع خلاص بقى     


تنهد في عمق وهو يفرك ارنبة انفه وقال بتراجع :    


- حصل خير يا انسة انا تحت أمرك ......    


= شكراً     


اومأ لها برحابة وانطلق بها مرة آخرى بينما هي زفرت بإرتياح واستندت على مقعدها تنتظر أن يوصلها لتجلب ذلك الشيء الذي يساعدها على التحكم في ذمام نفسها 

-------------------------

كانت مغتاظة منه ترشقه بنظرات قاتلة وهو يتجاهلها تمامًا وكأنها غير مرئية بالنسبة له وبالطبع لم يعجبها ذلك ، فقد كان يتبادل مع "نغم" الحديث بكل رحابة دون أي انفعال او عصبية بل كانت بسمته تزين وجهه بشكل جعلها دون قصد تتمعن به بطريقة هي ذاتها تجهل المغزى منها 

لتقول" نغم "وهي تشاكسها كي تتبادل معهم اطراف الحديث عوضًا عن سكوتها المقيت ذلك التي لم تتعود عليه :

- انتِ ايه رأيك يا "نادين "؟؟    


= هاااااا رأي في أيه ....؟    


_ لا ده أنتِ مش معانا خالص !!    


زفرت بنفاذ صبر وهدرت :

- "نغم "اخلصي واتكلمي     


أجابتها "نغم" :

- انا قولت لأستاذ "يامن" انك تقضي اليوم معايا وهو وافق     


نظرت له كي يأكد حديثها ولكنه اكتفى بهز رأسه واخبرها بإقتضاب وبملامح جامدة وهو يركز نظراته على الطريق :

- وبالمرة تجيبي المراجع والكُتب علشان أجبلك زيها     


زفرت بغيظ وحولت نظراتها لنافذة السيارة كي لا تزيد الوضع سوءٍ فهو يتعمد ان يتجاهل حديثها و يذكرها بقراره السابق ويثبت لها أن سُلطته هي الأقوى رغم كل ما تفوهت به سابقًا 

----------------------------

شعر بالريبة من المكان التي طلبت ان يتوقف به وظل يتسأل بسره لماذا اتت لتلك المنطقة الشعبية التي تخالف تمامًا بيئتها ولماذا أصرت ان ينتظرها بعيدًا، تكاثرت الأسئلة برأسه مما جعله يلعن تحت انفاسه ذلك الفضول اللعين فما شأنه هو أنتشله من شروده صعودها للسيارة وقولها :

-تقدر تمشي يا اوسطا 

قالتها وهي تدس ما جلبته بحقيبتها خفية ثم ضمتها لصدرها وكأنها تحوي على سبيل راحتها الوحيد بتلك الحياة وإن كادت تسند ظهرها للخلف وتجلس بأريحية أكثر أجفلها صوته الأجش:    


= "محمد" ...... قالها وهو يلتفت نصف التفاتة جعلها تنتفض بطريقة استغربها بشدة ولكنه كرر موضحًا:    


            


              

                    


-اسمي" محمد "تقدري تناديني بيه     


رمشت عدة مرات ثم هزت رأسها وردت :

-انا "ميرال فاضل"    


= اتشرفت بحضرتك يا انسة "ميرال" تحبي اوصلك فين ؟    


قالها وهو يعتدل في جلسته ويشعل محرك السيارة ، مما جعلها تجيبه بلا أي شغف وبنبرة كئيبة :

-رجعني البيت 

------------------------

لاتعلم لمَ تشعر براحة عارمة بذلك المنزل ربما لأنه يذكرها بأيام طفولتها او ربما لأن "نغم" هي الشخص الوحيد الذي تبقى على طبيعتها معها وتعود تلك القديمة البريئة التي لا يشغلها شيء

فقد جلست تلاعب خصلة من شعرها الطويل بأناملها وعيناها شاردة بنقطة وهمية بالفراغ لتباغتها "نغم "متسائلة :    


- مالك يا "نادين" بتفكري في أيه ؟؟    


تنهدت وأخبرتها بتهكم :

- هيكون فأيه يعني أكيد في الحرباية وابنها     


= عيب كده يا "نادين" ده جوزك وميصحش تقولي على مامته كده     


امتعض وجهها وقلدت طريقتها ساخرة :

-عيب تقولي على مامته كده ....والنبي اتنيلي علشان جبت أخري منه ومن امه    


زفرت "نغم" بلا فائدة من تمرد صديقتها وسألتها من جديد بترقب :    


- طب مش هتقوليلي كنتِ فين ؟    


لتتأفأف هي بعصبية :

- يووووه بقى يا "نغم" قولتلك كنت في المكتبة انسي بقى الله يكرمك دماغي ورمت من أسئلتك مش هيبقى انتِ وهو عليا     


لتتنهد "نغم" وتربت على ساقيها قائلة في محبة خالصة لها :

- خلاص مش هسألك تاني .....بس عايزاكِ تعرفي ان "يامن" بيحبك .....أديله فرصة وحاولي تفهميه    


أعترضت بعصبية من جديد :

- انتِ ليه مش عايزة تفهمي "يامن" ده لو أخر راجل في الدنيا مستحيل أحبه .....    


= ليه بس والله ده حد كويس اوي !!    


هزت رأسها بعدم اقتناع وأخبرتها متهكمة :    


- حد كويس ..... والذُل اللي بيذله ليا ده تسميه أيه وكبته لحريتي ده اسميه ايه؟؟؟    


= هو بيعمل كده علشان خايف عليكِ وصدقيني اللي بيحب بيعمل أكتر من كده     


نفت برأسها واسترسلت بنبرة مختنقة وكأن صديقتها دون قصد دعمت ذلك البركان الخامل بداخلها للأنفجار:    


- هو خايف على الفلوس مش عليا ....خايف على الثروة العظيمة دي تفلت من تحت ايده    


= انتِ بتبصي للأمور من زاوية واحدة يا" نادين" مش يمكن بيحبك بجد ومش عايزك تبعدي عنه     


لوحت بيدها بلا مبالاة وكأن الأمر لا يعنيها وقالت بحنق:    


- عمري ما حبيته ولا عمري هنسى انه مفروض عليا .....وعمري ما هنسى أن امه كانت السبب في موت أمي    


تفوهت بأخر جملة وهي تضع يدها على عيناها وجسدها بدأ ينتابه تلك الرجفة المصاحبة لتلك الذكرى المريرة التي تترأى امامها من جديد الآن ولن تقدر على مواجهتها مرة آخرى     


            


              

                    


أبتلعت "نغم" غصتها وأقتربت منها بينما هي أنكمشت تحاوط نفسها بذراعيها وصرخت بهستيرية ودمعاتها تدفق كالحمم تحرق قلبها قبل وجنتها :    


- مش عايزة أفتكر ............مش عااااااايزة     


أحتضنتها" نغم" و واستها :    


- حقك عليا انا عارفة أنتِ مريتي بأيه وحاسة بيكِ والله مكنش قصدي أفكرك     


نفت برأسها وقالت بنحيب قوي يدمي القلب وهي تدفن وجهها بصدر صديقتها :

- لأ محدش عارف أنا مريت بأيه .........محدش حاسس بيا .......كلكم بتهاجموني وبس     


= انا مش بهاجمك يا "نادين" أنا بنصحك علشان نفسي تسامحي وتنسي وتبدأي صفحة جديدة     


نفت برأسها وهي تشعر انها على حافة الجنون وقالت بنبرة ممزقة لأبعد حد :    


-أنا عمري ما هسامحهم ومش هسيبهم يدمروني زي ما دمرو امي أنا هاخد حقي وحق أمي منهم ولو أخر يوم في عمري .....هفضل أكره الست دي وأكره أبنها ....    


هزت "نغم "رأسها تسايرها وظلت تمسد على ظهرها كي تهدأ ، لتستكين الآخرى بين أحضانها وكأنها بحاجة لذلك التقارب ولكن دمعاتها كانت لا تنضب بعدما ظل يترأى أمام عيناها من جديد شريط ذكرياتها الأليمة ورغم مقاومتها للصمود إلا أن رغبتها في الأنتقام ظلت تتفاقم بداخلها أكثر فأكثر غافلة أن الشيطان هو من يهيئ لها ان كافة أفعالها ويوهمها انها ليست خطايا فادحة بل هي بريئة مبررة بنية الأنتقام غافلة كون لا يوجد خطايا بريئة فالخطيئة تظل خطيئة مهما تعددت مبرراتها 

------------------------

غابت هي لعدة أيام وتركته يتلوى من لوعته عليها ، فمنذ أخر لقاء جمعهم وما حدث داخل سيارته وهو لا يستطيع التواصل معها ، لا يعلم ما اصابه ولا متى احبها لتلك الدرجة هو كل ما يعلمه أن شيء كالمغناطيس يجذبه لها فهي تتمتع بشخصية قوية ، ناجحة، جريئة ، تعرف كيف تجعله مهوس بها ربما كما يقولون الممنوع مرغوب وكان ذلك القول بمحله تمامًا عندما يتعلق الأمر بها ، انتشله من دوامة افكاره وشروده الذي اصبح ملازم له في الآونة الأخيرة صوتها الناعم وهي تبادر كعادتها المهتمة متغاضية عن عصبيته معها بلأمس :    


- هتفضل على الحال ده كتير ؟    


نفى برأسه وأخبرها بإقتضاب :    


- مالو حالي انا كويس    


ابتسمت بسمة باهتة لم تصل لعيناها ثم كوبت وجنته قائلة :

- احكيلي يا "حسن" أيه اللي مضايقك شاركني وبلاش تحمل نفسك فوق طاقتها     


انزل يدها بِضيق وتأفأف قبل ان ينهض ويتوجه للشرفة :    


-يووووووه عايزاني أقول ايه وانا عارف أن عمرك ما هتفهميني     


لحقت به و احاطت خصره من الخلف وطبعت قبلة اعلى ذراعه وهمست بنعومة لا تليق إلا بها :

- والله هفهمك جرب تتكلم مش هتخسر حاجة     


            


              

                    


انزل يدها وابتعد متذمرًا :

- معنديش طاقة للكلام و لو سمحتِ سبيني لوحدي محتاج اراجع شوية تصميمات    


تنهدت بِعمق من حدته الغير مبررة بالمرة بالنسبة لها ولكنها كعادة قلبها اللين ألتمس له الأعزار وهمست بإصرار عجيب لتكسر حالة الكآبة التي هو عليها وتقترح:    


- طيب هعملك قهوة .....وهقعد معاك انا بحب اتفرج عليك وانت بتشتغل ونتكلم شوية بعد ما تخلص    


لم يشغل باله بأهتمامها وكأن أي شيء يصدر منها هو إعتيادي و لن يشكل فارق معه ليزفر في ضيق و يغمض بُنيتاه بقوة ويمرر يده بين خصلاته بنفاذ صبر وهو يظن انها تتعمد ان تضيق عليه الحصار بثرثرتها المعتادة وان تطلعه على أتفه الأمور ليصيح بها بصوت جهوري منفعل ارجفها :    


-مش عايز اتكلم......انا مش طايق نفسي ومعنديش طاقة لرغيك ولا للملل بتاعك ده     


ؤد حماسها بِبراعة وجعل الحزن يحتل عيناها بعد حديثه الطاعن لها مما جعلها تشعر أن الأرض تدور بها وانها تكاد تفقد توازنها ولكنها تماسكت وغمغمت في ضيق شديد وبنبرة مهزوزة :    


- متعصب ليه؟؟؟ انا بحاول أشاركك بس انت بقيت صعب ومش عاطيني فرصة لأي حاجة ومش قادرة افهمك ولا عارفة اراضيك ازاي ........    


قالت جملتها الأخيرة وهي تمسد جبهتها برفق وتستند على طرف مكتبه مغمضة العين ،     


نبرتها تلك جعلته يتراجع عن حدته حتى انه أقترب منها وحاوط ذراعيها قائلًا بنبرة لينة بعض الشيء :    


- أنتِ لازم تعذريني انا مضغوط واعصابي تعبانة الفترة دي    


لمَ هي دائمًا مطالب منها ان تتحمل وتتغاضى وتدعه يستغل لين قلبها في حين هو لم يهتم ولم يشغل باله يومٍ بها حتى انه لم يكلف نفسه واعتذر منها بطريقة لائقة بل استغل كونها لاتملك غيره ويهينها بتلك الطريقة التي تهدم كبريائها ، نفضت أفكارها سريعًا و هزت رأسها بضعف وهي تتزحزح بجسدها كي تفلت يده قائلة بإقتضاب وبِملامح باهتة وهي تتحامل على نفسها :    


- كمل شغلك براحتك انا مش هتطفل عليك تاني ولا هضايقك     


كادت تتعثر ولكنه لحق بها ودعمها بذراعيه وهو يتسأل بقلق :    


- أنتِ كويسة     


= كويسة وهروح انام    


ذلك أخر ما تفوهت به قبل أن تدفعه برفق و تغادر غرفة مكتبه بخطوات ضعيفة واهنة بينما هو نظر لآثارها وهو يلعن تسرعه وحدته معها حتى انه شعر ببعض من تقريع الضمير ، يعلم ان لا ذنب لها ولكن ماذا يفعل هو يكاد يفقد صوابه ويخرج عن طوره بسبب اختفاء الآخرى 

------------------------ 

أشرق صباح يومٍ جديد على تلك التي تململت لتوها بنومها على صوت هاتفها و تناولته وردت بنعاس دون ان ترى رقم المتصل ليصل لها صوته العابث من الطرف الآخر :    


- يا صباح العسل     


= انت اكيد اتجننت انا قولتلك متتصلش بيا غير لما انا اطلبك     


قالتها بذعر حقيقي وهي تنهض من الفراش وتوارب باب غرفتها تتفقد محيطها 

ليرد هو :

- اعمل ايه بتوحشيني يا "نادو "    


ابتسمت في مكر كعادتها وردت عليه بكل غرور وهي تبتعد عدة خطوات عن الباب بعدما أمنت محيطها :    


- مش ذنبي .....وبعدين انت عارف "يامن" هنا ومبعرفش أخرج    


= هتجنن يا" نادو "نفسي تخلصي منه وتبقي ليا لوحدي و وقتها هخليكِ أسعد واحدة في الدنيا بس نفسي تثقي فيا     


تناولت خصلة من شعرها الطويل واخذت تبرمها بين اناملها وهي تجيبة بكل ثقة بصوت خفيض :    


- انا بثق في نفسي اكتر يا "طارق" وأظن انت أكتر حد عارف إني مغصوبة على الوضع ده علشان أرجع حقي     


زفر "طارق" واقترح في ضيق :    


- سيبيه يا "نادو" وانا هعوضك عن فلوس ابوكِ احنا مش هنحتاجها انا كل يوم بيعدي وأنتِ في بيته ببقى هتجن     


حانت منها بسمة مستخفة وأخبرته برفض قاطع :

- مستحيل أعمل كده اللي بيني وبينه مش فلوس وبس     


زفر هو في ضيق من الطرف الآخر وقال بإستماتة :    


- ماشي يا "نادو" وانا معاكِ للأخر .... بس شوفي طريقة تخرجي بيها انا عايز أشوفك     


التمعت عيناها بزهز وهي تستشعر لهفته وتمسكه بها التي لم تحظى بها أنثى قبلها فهو دائمًا من يتهافت الفتيات عليه وكم يحلمون بفرصة معه ذلك الوسيم ذات الجاذبية الطاغية والشخصية المرحة المنفتحة التي تميزه بجانب الثراء الفاحش الذي ينعم به بفضل أبيه ومركزه المرموق ولذلك أعجبها كثيرًا ولكن ظلت "ميرال" عائق في طريقها ليهيء لها شيطانها أن صديقتها ستتخطى الأمر و لن يفرق معها إن تركها وستجد غيره فطالما حقدت عليها بسبب تلك الحرية المُطلقة التي تحظى بها على عكسها تمامًا ، وذلك السبب تحديدًا جعلها تبرر لذاتها انها الأفضل دائمًا وأنها وحدها من تستحقه وستكون جديرة به ولذلك دبرت مكيدتها ببراعة لتكون معه كي ترضي ذلك النقص التي طالما شعرت به كون كل شيء يفرض عليها ومن حقها ان تختار شيء واحد بمحض ارادتها وحقًا لا تكترث كون اختيارها صائب أَم لا هي فقط تريد ان تثبت لذاتها انها متحررة و أفضل بين الجميع ولا أحد يستطيع الفوز عليها وسحب الأضواء منها ، ولذلك لن تخسره و راوغته في مكر :    


- اوعدك .....هحاول     


="نااااااااااااااااادين "    


صرخ هو بها بنبرة جهورية وبعيون يتطاير منها الشرار وهو يقف خلفها مما جعلها تنتفض و يسقط الهاتف من يدها وهي تشعر بقلبها يهوي بين ضلوعها من شدة ذعرها 

------------------------


🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺        


     بقلم الكاتبه       ♥ ريم كريم ♥ 


الفصل السادس                              


لا يمكن أن تصل لليقين دون شك ولا نجاح بدون فشل ولا للسكينة دون اضطراب ولا لأي شيء دون حب

-----------------

"نااااااااااااااااادين "    


                      


صرخ هو بها بِنبرة جهورية، بعيون يتطاير منها الشرار وهو يقف خلفها مما جعلها تنتفض و يسقط الهاتف من يدها وهي تشعر بقلبها يهوي بين ضلوعها من شدة ذعرها ولكنها تماسكت وادعت الثبات قائلة :    


                      


- في ايه ؟؟    


                      


قبض على يدها وتسأل من بين أسنانه :    


                      


- فين مفتاح الباب الوراني .......أنتِ بتخرجي وانا مش هنا صح؟!    


                      


تنفست الصعداء كونه لم ينتبه لمحادثتها واستغرق الأمر منها ثانية واحدة كي تجيبه وهي تدعي البراءة :    


                      


- لأ طبعًا أخرج أيه ....وبعدين مفتاح ايه اللي بتسأل عنه أنا ماخدتش حاجة     


                      


لم يقنعه جوابها وصرخ بوجهها بِغضب قاتل وهو يؤرجحها بقوة بين قبضته  :    


                      


- كداااااااابة .......ومش مصدقك المفتاح مش في مكانه ومحدش بيدخل مكتبي غيرك انتِ وأمي     


                      


نزعت يدها من بين قبضته بقوة وقالت بنبرة متمردة ثابتة  :    


                      


- مش هكدب عليك ومعرفش مفتاح ايه اللي بتسأل عنه     


                      


مرر يده على ذقنه وهو يشعر أنه يكاد يخرج عن طوعه و الشكوك تعصف برأسه مما جعله يهدر بنبرة حادة قاطعة تعلم هي جيدًا ان لا رجعة بها  :    


                      


- قسم بالله يا "نادين" لو اللي في دماغي طلع صح هيكون حسابك عسير معايا وساعتها متلوميش غير نفسك    


                      


ابتلعت غصة بِحلق جاف من تحذيره الصريح لها ولكنها ألتزمت الثبات وتساءلت بدهاء كي تحول الحديث لدفتها كعادتها :    


                      


- أيه اللي في دماغك!!! انت بتشك فيا؟؟    


                      


جز على نواجذه وهز رأسه دون أي تفكير وقال :

- أنا مكنتش بشك فيكِ بس من هنا ورايح هشك يا "نادين" وصدقيني مش هيبقى في مصلحتك ابدًا    


                      


ليغادر غرفتها بِخطوات قاسية يأكلها الغضب بينما هي زاغت نظراتها وارتمت على الفراش وهي تلعن غبائها كون لم يسنح لها الوقت لكي تعيد المفتاح لمكانه، لتنفخ أوداجها عندما سقطت عيناها على هاتفها الملقي على الأرض ولحسن الحظ لم يصيبه ضرر لتنحني تلتقطه وهي تلعن ذلك ال "طارق" هو ايضًا فكاد يفضح أمرها   

---------------------------

بينما في أحد قرى الصعيد كان يجلس رجل في عقده السادس ذات لحية وشارب كث وبنية عريضة وهيئة قاسية لا تعرف اللين،  تجعل كافة أهل 

قريتهم تهابه وتحسب له ألف حساب، فكان يجلس داخل مندرة داره حين دلف إليه أخاه سائلًا بوجل:    


                      


- كيفك يا أخوي  ؟    


                      


نظر له "عبد الرحيم" واجابه بِعجرفة :    


                      


- أحسن منِك يا جلب أخوك خير چاي ليه ؟!    


                                  


              

                    


أجابه "سعيد" شقيقه الأصغر في قلة حيلة :    


- والله يا خوي وشي منِك في الأرض .....بس أعمل ايه الحوچة واعرة و أني محتاج جرشين انت عارف مصاريف الدوا والحُكمة كتير وانا مبقاش حيلتي غير خلجاتي اللي عليا     


زغره" عبد الرحيم "واطلق ضحكة صفراء متشفية قائلاً :

- واه أني مش عارف أيه العشم ده چايبه منين عاد! بعد اللي حُصل  منِك، دلوقت چاي تطلب مساعدتي نسيت إنك عصيتني و وجفت مع چوز خيتك ضدي وغصبتوني اسلمه أرضها    


تأهب "سعيد" وهو يتذكر ذلك الحدث منذ سنوات ورد بِصدق دون ادنى مجاملة  :    


- العشم ده علشان انت اخوي ولا  دي كمان نسيتها يا "عبد الرحيم" وايوة انا وجفت مع "عادل" چوز خيتك علشان ده حج ربنا وأنت كنت عايز تضلله وتقبل تاكل حقها في الأرض    


سطع الحقد بعين الأخر وقال من بين أسنانه  :    


- وأنت كنت مفكر حالك حامي الحمى أنت والبومة مرتك لما وجفتوا جصادي     


احتدت نظرات "سعيد" عند ذكر زوجته وهدر منفعلًا :    


- انا مقدر أنك اخوي الكبير بس ميصُحش تتعدى الأصول وتجيب سيرة مرتي، وبعدين انت عارف ان "هانم"   كانت أجرب واحدة لخيتك وكانت على علم بكل حاچة وعلشان إكده كانت بترد غيبتها     


صدر من فمه صوت ساخر متهكم وأضاف وهو ينهض من جلسته ويربت على منكب أخيه :    


- ياريت تكونوا مرتاحين  بعد ما كل حاچة  ما راحت؛ أهو چوزها خد كل املاكه واملاك اختك وكتبها بأسم واحد غريب عنِنا وكمان چوزه البنية وخلاه يكوش على كل حاچة بأس المره السو اللي اتجوزها     


ضرب "سعيد" كف على أخر وقال بعدم رضا :    


- دع الخلج للخالج ملناش صالح والبت مرتاحة مع جوزها واظن انت كل فترة بتروح تطل عليهم بنفسك     


أومأ له "عبد الرحيم" بِحنق من سذاجة أخيه ثم رفع طرف جلبابه وجلس مرة أخرى على الأريكة بأريحية أكبر قائلًا بمسايرة كي يفض ذلك الحديث الذي لم يروقه بالمره :    


- ربنا يسعدهم يا خوي، وأعذرني مش هعرف افك ضيجتك أنا داخل على انتخابات ومحتاج كل جرش معايا    


أطرق" سعيد" رأسه في حرج وقال وشعور الخذلان يفتك به:    


-عذرك معاك يا خوي .....عن اذنك ألحج صلاة الظهر في الچامع     


= مع السلامة يا خوي والجلب داعيلك    


قالها "عبد الرحيم" بِبسمة مصطنعة وملامح مقتضبة وهو يتتبع أخاه بعينه إلى أن غادر ليهمس بغيظ وبِعيون يسطع بهم المكر :    


- ورحمة "غالية" بنت امي وابوي  لأرجع مالها تحت يدي تاني وأطرد الغريب من العز اللي عايش فيه هو وأمه 

--------------------

ظلت الشكوك تعصف به حين لم يجد المفتاح الذي اكتشف اختفائه بالصدفة، حين اتاه الحارس صباح اليوم وطلبه منه كي يهذب النباتات النامية  عليه ويزيل الحشائش الضارة كيفما يفعل كل فترة وآخرى كي لا تعيق فتح الباب إن لزم الأمر، وحين لم يجده بدرج مكتبه ثارت ثائرته ولم يتحمل تلك الشكوك التي داهمته، و رغم نكرانها إلا أن قلبه  يخبره أنها هي وراء اختفائه، ولكن كيف!؟

هل حقًا تخرج دون علمه!؟

وإن صدق حدسه فإلي أين تذهب ومع من!؟

ظلت الشكوك تتأكل رأسه مما جعله يشعر أنه سيهوي  على حافة الجنون إن لم يجد تفسير منطقي للأمر، انتشله من حالته تلك دخول الحارس له مهرولًا ومنكس الرأس :    


            


              

                    


- لامؤاخذة يا بيه والله ما عارف عقلي خرب ولا ايه؟!    


عقد "يامن" حاجبيه بوجه متجهم للغاية جعل الأخر يبتلع ريقه بتوجس قائلًا وهو يمد يده له :    


- لقيت المفتاح معايا .......والله يا بيه ما فاكر خدته امتى من جنابك بس الحمد لله أننا لقيناه قبل ما الصنايعية يجوا يركبوا الباب الجديد    


تعلقت ناعستيه الثائرة بالمفتاح لثوانٍ معدودة قبل أن يلمح طيف خلف باب مكتبه، ليتنهد في عمق ويقول بنبرة  ثابتة تخالف ضجيج رأسه :    


- حصل خير يا "مُسعد "وملوش لزوم تخليهم يغيروا الباب تقدر تنضف الزرع اللي حوليه وبعدين ترجعلي المفتاح تاني     


وعند سماعها لجملته الأخيرة تسللت لغرفتها وأقفلت بابها بِحرص شديد ثم تنفست بإرتياح وكأنها أزاحت حمل ثقيل عن كاهلها، لتحل رابطة شعرها وتبعثره بيدها وهي ترتمي على الفراش تتذكر كيف حاكت مكيدتها بعد خروجه من غرفتها بالصباح

Flash back

فقد تسللت دون ان يلحظها أحد إلى موضع جلسة الحارس الذي ما أن لمحها هرول مترقب لأوامرها، لتأمره هي بنظرات زائغة وهي تمسد جبهتها مدعية الألم    :

- عم "مسعد" عندي صداع ممكن تجبلي حاجة من الصيدلية     


= تحت أمرك يا هانم ثواني والدوا يكون عندك     


قالها وهو يرفع طرف جلبابه ويهرول خارج بوابة المنزل مسرعًا، بينما هي تقدمت بِخطوات حريصة بعدما أمنت محيطها وتقدمت لغرفته الملاصقة للبوابة تبحث بعينيها عن سلسلة مفاتيحه وما أن وجدتها زفرت بارتياح وهي تتمم ما خططت له كي تغطي على فعلتها 

End flash back

عادت مرة آخرى للوقت الحالي وهي تبتسم بسمة متهكمة منتصرة لأبعد حد وهي تخرج من تحت وسادتها  تلك النسخة المستخرجة حديثًا من ذلك المفتاح المنشود الذي بسببه تأخرت في إعادة النسخة الأصلية منه، لتتسع بسمتها وهي تظن أن لا أحد يضاهي مكرها ولكن مهلًا افعلي ما تشائين وسوف تتأكدي  بنفسك انك أغبى أنثى على وجه الأرض ولا أحد يتمنى ان يكون بموضعك حينها 

----------------------------

مرت بضع ايام عليه منذ عمله معها  يوصلها لجامعتها ويعود بها دون اي جديد تصعد للسيارة ثم تسند رأسها على زجاج النافذه وتظل شاردة وكأنها مغيبة بعالم آخر فقط تتأمل الطريق بعيون خاوية يفيض منها الحزن، حاول مرارًا وتكراًر أن يجذب معها أطراف الحديث ولكنها تجيبه بإقتضاب شديد ولم تلقِ له بال مما جعله يقرر ان يكف عن ذلك الفضول اللعين الذي ينتابه نحوها ولكن كيف وهو يلمح من مرآته الأمامية  الآن دمعاتها تنسل من عيناها وملامحها باهتة بشدة جعلته يتحمحم يجلي صوته الأجش كي يصدر لين ولا يفزعها ككل مرة  :    


- حضرتك فطرتي ؟؟    


لم يريد ان يسألها مباشرةً كي لا تتخذ موضع الهجوم بل فضل أن يراوغها بطريقة أخرى كي يسبر اغوارها وبالفعل حاز على انتباهها حين رفعت فيروزتها تطالع عينه المُسلطة  عليها في المرآة وهزت رأسها ب لا ، ليبتسم هو ويقول في حماس غير عادي  :    


            


              

                    


- ولا انا بصراحه هموت من الجوع 

ممكن نخبط طبقين فول من على العربية لو تحبي......؟! وبيتهيئلي لسة معانا وقت قال جملته الأخيرة وهو يتفقد الوقت بساعة يده    


= فول !!!    


قالتها بِتلقائية وهي تعتدل بجلستها 

مما جعله يشعر بسخريتها ويؤكد بدفاع  :    


- اه فول ........ماله الفول ده هو مسمار البطن زي ما بيقولوا وكله بروتين احسن من اللحمة والفراخ     


نفت برأسها بعدما شعرت انه سيتفهم أنها  تتعالى عليه  :

- مش قصدي والله انا باكله عادي وداده "مُحبة" تعملهولي علطول بس متعودتش أكله من برة وخصوصًا من على عربية يعني     


جعد حاجبيه الكثيفين وأخبرها بِحماس وبنبرة مشاكسة بعض الشيء  كي يحفذها  :    


- لأ لعلمك بقى من على العربية بيكون ليه طعم تاني ويا سلام بقى لو معاه بصلتين كده يااااااه والله جوعتيني قال أخر جملة بإشتهاء وهو يضغط على شفاه السفلية 

فكانت تعبير وجهه المنعكسة بالمرآة ونبرته تلك كافية لتجعلها تبتسم دون وعي مما جعله يأخذها أشارة لموافقتها ويؤكد وهو يسحب عدة محارم ورقية وناولها لها دون أن يلتفت كي لا يخجلها  :    


-لو في دموع تانية أجليها للبصل الله يخليكِ إلا العربية هتغرق بينا     


اتسعت بسمتها وتناولت منه المحارم تمسح وجهها  قائلة :

- ماشي بس على ضمانتك     


أجابها هو ببسمة مشاكسة :    


- متقلقيش لو حصلك تسمم؛ غسيل المعدة عليا

-------------------------

نظرت نظرة مترددة إلى الطعام الموضوع أمامها وهي تراه يأكل بشهية غريبة ويلوك الطعام باستمتاع جعلها تتساءل هل حقًا شهي لذلك الحد، تنهدت وهي تستند على مقعدها الخشبي الذي يتوسط الرصيف أمام عربة الطعام وهي تنوي تذوقه والتأكد بذاتها وإن كادت تشرع بالأكل فانتفضت مذعورة من صوت مذياع أحد البائعين المتجولين وهو يصيح :    


- روبابيكيا    


ابتسم وهو يبتلع ما بفمه وقال كي يطمئنها:    


- متخافيش يا آنسة دي ناس على باب الله وبتسعى على أكل عيشها    


هزت رأسها وهي تتمعن بذلك البائع  وما تحويه عربته الخشبية من قطع متهالكة وإن صح القول خردة بالية لا نفع منها، عقدت حاجبيها مستغربة وهي تلحظ وجه الرجل الذي لفحته الشمس  ويبدو عليه الأرهاق الشديد ورغم ذلك لن ييأس ويظل يهتف بتلك الكلمة الغريبة على مسامعها، بتفاني غريب جعل نظراتها تتبع عربته الخشبية إلى ان اختفى عن ناظريها وحل محله هؤلاء الأطفال بالجانب الآخر من الشارع؛ فكانوا يمررون الطابة لبعضهم والحماس جلي على وجههم لتبتسم بسمة عابرة على سعادتهم وحماسهم البادي عليهم، في حين هتف أحد الصبية على زميله بتعصب:

- تعال العب معانا هيغلبونا    


            


              

                    


رد الآخر عليه وهو يركض نحو فرن الخبز القريب :

- هجيب عيش لأمي الأول، استنوني يا عيال     


كانت تتبع الصبي بعيناها 

حين وجدته يحشر وسط حشد من الناس يقفون بصفوف غير منتظمة   ويجاهدون وهم ينتظروا دورهم في الحصول على ذلك الخبز الذي هو من وجه نظرها لا يستحق العناء للحصول عليه 

لاحظ هو شرودها وتتبع نظراتها قائلًا :

- متركزيش يا انسه ويلا مدي ايدك علشان هنتأخر على جامعتك     


تعلقت عيناها به وتسألت من وجهة نظرها السطحية للأمور :    


- هما ليه بيتعذبوا كده في الشمس ومتحملين الأنتظار  ما يقدرو يشترو عيش من السوبر ماركت ومن غير تعب عادي     


قهقه هو بقوة حتى بانت غمازته مما جعل نظراتها تحتد وهي تشعر انه يهينها بسخريته، بينما هو أجابها مبرر بعدما تهادت ضحكاته :    


- الناس دي غلابة يا انسة وهما هنا علشان الدولة مدعمة العيش ليهم؛ علشان يسد جوعهم، ده في منهم بياكلوه حاف من غير غموص و بيباتوا حامدين شاكرين     


اشرأبت برأسها وسألت بتلقائية لم تتعمدها :    


- ليه هو طعمه حلو اوي كده ؟؟!    


كبت ضحكته بِصعوبة وأجابها متهكمًا وهو يرفع حاجبيه ساخرًا :    


- أمال ايه ده مليان فيتامين     


هزت رأسها مرة أخرى واستندت على ظهر مقعدها وهي تشرع بلأكل حين قال بنبرة راضية مفعمة بالكبرياء :    


- على فكرة انا واحد من الناس الغلابة دي وعلشان كده بقولك أن اللقمة اللي بتيجي بعد  تعب و جوع بيبقى ليها طعم مختلف محدش يعرفه غير اللي عارفين قيمة الصبر والرضا     


أبتسمت من تحليله البسيط للأمور و تلقائيته معها وقالت وهي تغمس طرف المعلقة بطبق الفول وتدسها بفمها :    


- هو انا اكيد مجربتش اللي بتقول عليه ده بس طعمه حلو     


هز رأسه وأخبرها مشاكسًا :

- لا انتِ فاهمة غلط انا مش عازمك عند الخواجة كنتاكي انتِ لازم تواكبي المكان     


عقدت حاجبيها غير مستوعبة شيء من حديثه، بينما هو كان يقطع لقمة كبيرة من رغيفه قائلًا بِحماس ادهشها :

- بصي لازم تعملي مركبة كبيرة وتغطسيها في الطبق  زي كده هتحسي بطعمه احلى     


قالها وهو يدس لقمته بفمه ويحسها بعينه أن تجرب مما جعلها بالفعل تقلده وهي تبتسم بسمة واسعة لا تعرف كيف تسربت من كآبتها المعتادة .

----------------------------

 كانت الأجواء هادئة  بينهم  بعد آخر مشادة  فهي تتصنع الغضب وهو يتجاهلها حتى انه  ينفرد بغرفته طوال الوقت كي لا يتصادم معها وتخرجه عن طوره كعادتها، خرج من شروده على صوت والدته التي انتهت مكالمتها مع "رهف" لتوها :    


- "رهف" صوتها مش عاجبني .......    


انتبه لحديثها وسألها :    


- ليه يا أمي بتقولي كده!! هي قالتلك حاجة 

أجابته بِفطنة :    


            


              

                    


- يظهر أن "حسن" مزعلها  

وهي انا عارفاها طول عمرها كتومة   وعمرها ما هتشتكي     


اجابها بِحسرة على حال صديقه :

- "حسن "غبي وبيستغل ان "رهف" ملهاش حد غيره ومش هتقدر تسيبه    


لتؤيده" ثريا "بِحزن على حال تلك المسكينة  :

- بس ليها طاقة وبني أدمة لازم يراعيها ويحترم نفسه ده لو لف الدنيا ميلقيش حد زيها، أنا مش هسكت انا بعز "رهف "زي بنتي ولازم أبهدله دي ملهاش غيرنا بعد موت أهلها     


تنهد هو وقال في ضيق :

-ياريت يا امي تعرفي تفوقيه قبل فوات الآوان

---------------------------

أما عنها فقد  وضعت الهاتف من يدها  وظلت شاردة بعيون تفيض بالأسى فكم أرادت ان تبوح وتخفف عبء قلبها ولكن دائمًا ما تخشى على  صورته أمام احد حتى ولو كانت لتلك السيدة الحنون التي بمثابة والدته،  تنهدت بعمق بعدما لفت انتباهها صراخ أبنها على شقيقته؛ يؤنبها على كسرها  لأحد ألعابه في حين صغيرتها كانت تبكي بقوة آلمت قلبها وجعلتها تتدخل كي توجهه وهي تحتضنها وتمسد على ظهرها  :    


- حبيبي متزعقش لأختك عيب كده  هتزعلها منك وهي بتحبك .......    


ليرد الصغير بِتلقائية :

- هي غلطت، وانا بزعق زي بابي 


  افحمها حديثه وجعلها تشعر أن الأرض تدور بها، بينما خرجت ابنتها من بين أحضانها وأخبرته بِنبرة باكية :    


-  مش كان قصدي وبلاش تزعقلي علشان مش هكلمك تاني     


ليجيبها الصغير  :

- طب مش تزعلي مني .....واعملي زي مامي    


غامت عيناها تحاول ان تتمالك اعصابها فكم أستطاع ابنها رغم صغر سنه إلا أنه ذكرها انها تقدم كبريائها تحت قدم أبيه، نفضت افكارها بعدما تدخل قلبها اللين كالعادة وقالت معاتبة لأطفالها :    


- احنا مينفعش نقلد الكبار يا "شريف"

وأخر مرة تزعل اختك ....العبوا مع بعض ....واللعبة اللي اتكسرت هجبلك غيرها .....يلا صالحها    


راضى" شريف" شقيقته لتبتسم الآخرى بأسنانها المنقوصة وتخبره في مرح  :    


- تعال نلعب استغماية

= بس انتِ اللي تستخبي وانا هدور عليكِ    


لتشجعهم "رهف "وتقترح :

- طيب ايه رأيكم انا هلعب معاكم وانتو الاتنين تستخبوا

ليهللون بسعادة  ويذهبون من أمامها لتنظر آثارهم بحزن شديد على ما توصل له حال زوجها ويؤثر بالسلب عليها وعلى أطفالها، فقد تفاقم الأمر بينهم حتى انه أصبح غير محتمل .... طوال الوقت شارد، حزين، لا تعلم ما حل به، ينفعل من كلمة صغيرة وتثور ثورته إِن حاولت الأقتراب منه، بل والأنكى من هذا انه  يتصيد لها الأخطاء ويظل يؤنبها مما جعلها  ...بائسة منطفأة طوال الوقت  تدعوا الله ان يفك كربتها 

---------------------

استعدت للذهاب لجامعتها بِحماس كبير على غير عادتها، ربما لكونها طوال الليل تسترجع أحداث أمس المثيرة بالنسبة لها وجعلت الفضول يدفعها نحو كل شيء وقعت عيناها عليه، أبتسمت بسمة عابرة وهي تتذكر أحاديثه العفوية التي تحمل منطق غريب خاص به ورغم أنها لم تستوعب الكثير؛ إلا أن منطقه راقها وكم شعرت بالخزي من سطحية أفكارها مقارنة به هزت رأسها تنفضه عنها كي تستأنف تصفيف شعرها أمام مرآتها كي لا تتأخر ولكن، اجفلها صوت إشعار قادم من هاتفها من ذلك الحساب الوهمي التي انشأته خصيصًا كي تتبع به شخص بعينه دون ان يعلم هويتها، تقلصت ملامحها وهي تطالع  

شاشة هاتفها تنظر إلى تلك الصورة العائلية التي تضم سيدة جميلة ذات فيروزتان تشابه خاصتها، ورجل ذات وجه بشوش للغاية يحاوط خصرها من جهة وصبي وفتاة من جهة أخرى، فكم كانت الصورة مفعمة بالألفة وكم كانت نظرات السيدة لأبنائها وزوجها مفعمة بالفخر والأعتزاز، شهقة قوية خرجت من جوفها تنعي حالها وتبعها صراخها بقوة وقذفها لأنينة العطر خاصتها بالمرآة  تهشمها محدثة ضجة قوية جعلتها تصرخ وتصرخ وهي تضع يدها على اذنها وتنهار جاثية على ركبتيها غير عابئة بقطع الزجاج المتناثرة حولها وهي تنتحب بألم و بحرقة جثت على صدرها فماذا فعلت هي كي تتخلى عنها وتكتفي بهم؟!

 أليس من حقها ان تتمتع بذلك القرب مثل ابنائها؟!

 على ماذا تعاقب هي لاتعلم ولكن كل ما تعلمه أن لا يوجد احد يهتم بها ولا بحياتها لا احد يشعر كم ان شعور التخلي والوحدة قاتل بالنسبة لها، ظلت الأفكار السوداوية تداهمها إلى أن وجدت ذاتها تلتقط أحد قطع الزجاج بين يدها وترفعها أمام نظراتها الضائعة تنوي فعل ما هيأه لها شيطانها، فإذا هم يستطيعون التخلي بتلك البساطة، فالآن حان دورها وحقًا هي غير عابئة حتى لو كان الثمن حياتها   

-----------------


🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺        


     بقلم الكاتبه       ♥ ريم كريم ♥


 الفصل السابع 

هدرت بها "ثريا" ما أن رأتها لتبرر وهي تمرر يدها بِخصلاتها القصيرة :    


-دي الموضة يا مرات يا بابا 

= يا حول الله يارب موضة أيه بس يا بنتي ده زينة البنت شعرها     


نفخت اوداجها ولم تعطي لحديثها أي أهمية ودخلت غرفتها، لتضرب "ثريا" كف على آخر وتقول وهي تلحق ب "يامن" إلى غرفة مكتبه :    


- رجعت ليه يا بني مش عندك شغل     


= آه يا أمي بس نسيت ملف مهم ورجعت علشان اخده     


هزت رأسها بتفهم وأردفت وهي تجلس على أحد المقاعد القريبة :    


- البنت بتعند يا" يامن" .....    


تنهد وأخبرها بقلة حيلة :

- عارف يا أمي وعلشان كده محبتش أبينلها إني أتضايقت من قص شعرها     


لتتنهد والدته وتقترح بِفطنة:    


- أسمع يا بني عايزاك متضغطش عليها .....سيبلها الحبل شوية ..."نادين" متربية وعمرها ما هتغلط ......هي مش مقدرة خوفك وحاسة انك مفروض عليها .....يمكن وقتها يا ابني، تحس أنها مش مجبورة وتقدر حبك 

مرر يده بِخصلاته البُنية وأخبرها ببعض التردد فهو لا يضمن ذاته عندما يتعلق الأمر بها :    


- هحاول يا أمي 

------------------------- 

تردد بدل المرة ألف وهو يتطلع لرقمها المسجل الذي أخذه من والدها سابقًا لكي ينسق معها مواعيد العمل، فظل يجاهد تلك الرغبة التي تلح عليه أن يهاتفها منذ أن أخبرته مربيتها انها ليست على ما يرام ولن تذهب اليوم ايضًا لجامعتها انتابه القلق وأراد حقًا أن يطمئن عليها ولكنه تراجع باللحظة الأخيرة وهو يلعن ذلك الفضول الذي يدفعه نحوها فما شأنه هو! ليقذف الهاتف من يده على الفراش ثم يزفر أنفاسه حانقًا عندما تذكر حديث تلك الصفراء له وظل يتساءل أيعقل! أن يكون حدسه نحوها بغير محله رفض عقله التصديق بتاتًا وظل ساهمًا، يفكر بتروي غافل عن تلك التي كانت تتابعه منذ دقائق وجلست بِجانبه متسائلة وهي تضع كوب من الشاي الساخن على الكومود خاصته :    


- مالك يا "محمد" من ساعة ما جيت الضهر وأنت مش على بعضك    


زفر أنفاسه وأخبرها بنبرة مختنقة :    


- مفيش يا" شهد" مضايق شوية وفي موضوع شاغلني     


=ايه اللي شاغلك هو حد ضايقك في الشغل؟    


تسألت هي بِخوف مترقبة وهي تربت على ساقيه، تعلقت عينه بها بعدما لامس خوفها الجلي على نبرتها وقال مطمئنًا:

- متقلقيش مفيش حاجة كل الموضوع أن صحبتك دي مش نزلالي من زور ومستغرب كنتِ مصحباها ازاي    


ابتسمت "شهد" بعدما أزاحت خوفها جانبًا واخبرته :    


- أحنا كنا في جامعة واحدة وزمايل بس مكناش قريبين من بعض وبالصدفة قابلتها وحكيت لها عن ظروفي وقررت تساعدك    


هز رأسه بتفهم وأخبرها مشاكسًا :    


- طيب طمنتيني انكم مش صحاب اوي علشان بس لو حبيت اجيبها من شعرها متزعليش عليها    


لطمت صدرها وصاحت :

- لأ الله يخليك اوعى تعمل كده وتقطع عيشك بأيدك ده احنا مصدقنا من يوم ما اتخرجت وانت دايخ على شغل وأديك شايف الحال بعد وفاة "فايق"    


تنهد وجذبها يقبل جبينها قائلًا بنبرة حنونة :

- متقلقيش ........مفيش حاجة مخلياني ماسك في الشغل ده بأيدي و سناني غيركم وإذا كان على صاحبتك أمري لله هسايرها بس لغرض معين في دماغي ويا رب أكون غلطان     


وعند لفظه لأخر جملة صدح رنين هاتفه وعندما التقطه اتسعت عيناه مذهولًا عندما وجد رقمها، ليتحمحم يجلي صوته كي يصدر لين ورد وهو يهب واقفًا امام نظرات شقيقته المستغربة :    


- انسه "ميرال" تحت أمرك     


لم يأتيه غير صوت نحيب قوي من الجهة الأخرى وتلاه قولها بنبرة مرتعشة واهنة لا تنبئ بالخير بتاتًا :    


- ألحقني .................

----------------------------------


🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺        


     بقلم الكاتبه       ♥ ريم كريم ♥ 


الفصل  الثامن                            

                                          


كي لا نسمح لِلخُذلان بِالتسرُب إلينا، علينا ألا نَرفع سقف توقعاتنا بأحد.

-------------------------

- انسه "ميرال" تحت أمرك     


لم يأتيه غير صوت نحيب قوي من الجهة الأخرى وتلاه قولها بنبرة مرتعشة واهنة لا تنبئ بالخير بتاتًا :    


- ألحقني .................    


فرت الدماء من عروقه وتسارعت وتيرة أنفاسه وتساءل بوجل :    


-خير حضرتك أنتِ كويسة؟!    


أجابته بِضياع وبنفس النبرة المرتعشة الواهنة :    


-انا مش كويسة....أنا.....كُنت...أصل مش عارفة اسوق .....ارجوك تعالا    


مسد جبهته بإبهامه وسبابته وكأنه يحاول يستوعب شيء من حديثها الغير متزن كي يتدارك الأمر وخاصةً عندما سقطت عينه على ساعة الحائط و وجدها تعدت الواحدة صباحًا:    


-قوليلي أنتِ فين؟دقايق وهبقى عندك     


قالها بِعُجالة شديدة وبكامل صوته الأجش وهو يأخذ حافظة نقوده و يتناول ملابسه يرتديها مهرولًا و يخرج من منزله غير عابئ بتلك الأسئلة التي تنهال عليه من شقيقته، فقط كل ما يشغله هو أن يصل لصاحبة الفيروزتان البائسة ويطمئن عليها 

---------------------

استقل سيارة أجرة كي يصل لها في أقل وقت ممكن وها هو وصل لتوه لتلك المنطقة النائية بعد الشيء التي أوصلها بالقرب منها سابقًا، ولسوء حظه رفض السائق أن يدخل بها متحجج بتأخر الوقت وكونها غير آمنة، تفهم موقفه وهو يلعن تحت انفاسه غاضبًا فماذا تفعل هي بذلك المكان وبذلك الوقت؟ 

تدلى من السيارة بعد ان أعطاه أجرته كاملة ثم خطى خطوات واسعة يبحث عنها وسط ذلك الهدوء المريب و عتمة المكان، ضوء قوي لفت نظره من الخلف ليلتفت يرى موتور يقترب و يجلسون على ظهره أثنان يبدو عليهم عدم الاتزان يرددون كلمات تلك الأغنية الشعبية الركيكة الصادرة من المسجل خاصتهم، مروا من جانبه ولكن شعر بالريبة عندما وجدهم يبطئون سرعتهم بقرب سيارة تصطف بِجانب الطريق وتدلوا يحومون حولها، زفر بقوة وهو يدعوا الله أن تخيب ظنونه ولكن بالفعل صدقت عندما اتضح لون السيارة بفضل الضوء الصادر من الموتور وتأكد انها هي، مما جعله يطلق العنان لقدمه كي يصل لها    


بينما على الجانب الآخر قال أحدهم يخاطب الآخر وعينه مصوبة تخترق زجاج النافذة المغلق على تلك المنكمشة بوهن والذعر يحتل معالم وجهها :    


-دي هتبقى ليلة أخر روقان يا زميلي    


ليؤيده الآخر بنبرة ثقيلة تدل على عدم اتزانه وهو يطرق على زجاج نافذتها المغلق :    


- افتحي العربية يا مُزه أنتِ بتاعتنا الليلة     


نفت "ميرال" برأسها وهي تنتفض من شدة رعبها وهي قاب قوسين أو ادنى من أن تفقد وعيها لولآ صوته الأجش الذي تسربل لمسامعها طمئنها:    


- استهدوا بالله يا شباب العربية تخصني واللي جواها دي تبعي وهاخدها وامشي من غير مشاكل    


                                  


              

                    


قالها بكل رزانة دون ذرة تهور واحدة كي لا يعرضها للخطر ولكن لسوء حظه لم يعجبهم حديثه ودفعه أحدهم بصدره قائلًا :    


- نعم ....انت مين ياض دي منطقتنا والمُزة دي تلزمنا ....غور من هنا     


لم يتزحزح شبر واحد من موضعه وقال بنبرة محذرة قوية وهو بالكاد يتحكم بنفسه كي لا يفتك بهم:    


- مش همشي وقولتلك العربية باللي فيها تبعي خلينا نمشي والطيب أحسن     


حانت من آحدهم بسمة إجرامية يعلمها جيدًا واتخذ حذره منها حين أشهر أحدهم مديته الفضية بوجهه يهدده بها وحينها حقًا لم يشعر بذاته إلا وهو يقبض على رسغ الأول ويلويه خلف ظهره ويضغط عليه بكل قوته حتى سقطت المدية من يده ويعاجل الثاني الذي يكاد يهجم عليه بركلة قوية استهدفت معدته وجعلته يتهاوى على الأرض يتلوى من شدة الألم، ليدفع الأول عنه و يباغته بركلة قوية جعلته يغتاظ ويهجم عليه يسدد له عدة ضربات في أماكن متفرقة جعلت "محمد" يتفاداها قدر المستطاع ولكن مع ذلك نال جسده العديد منها قبل أن تثور ثورة غضبه واصبح اعنف واشد أصرار حين سيطر هو بحركة مباغتة و اعتلاه وظل يكيل له حتى أنهكه على الأخير و أصبح نتيجة الشجار حتمية له ولكن في غفلة منه كان يتناول الثاني المدية ويجرحه بها بذراعه كي يترك زميله وبالفعل ذلك ما حدث عندما زمجر بقوة يلعنهم ونهض عنه يتفقد ذراعه ليستغلوا الأمر وفي لمح البصر كانوا يفرون من أمامه بالموتور الخاص بهم مثل الجذران المذعورة 

لينظر هو لآثارهم بغضب قاتل وهو يلعنهم بصوت جهوري ويتوجه لها صارخًا:    


- افتحي الزفت العربية خلاص مشيوا     


نفت برأسها بطريقة هستيرية وبهيئة مذرية للغاية فكان بؤبؤ عيناها متسع وترتجف بشكل جعله يتفهم ما بها    


ليتناول نفس عميق كي يهدأ ثم قال بعدما أجلى صوته كي يصدر لين كي لا يفزعها أكثر:    


- أنسة "ميرال" أهدي أنا معاكِ وهما خلاص مشيوا ......أفتحي العربية وخلينا نمشي من هنا    


قال آخر جملة وهو يهز رأسه يحفزها بنظرات مطمئنة جعلتها تنصاع له وتفتح بابها بأيدي مرتعشة، ليمد لها يده كي يساعدها على النزول كي تفسح المجال له لقيادة السيارة وتجلس بالجهة الآخرى ولكنها همست بنبرة واهنة ضعيفة للغاية:    


- مش قادرة اتحرك     


ضاقت بندقيتاه يحاول ان يستشف ما بها وكم أراد أن يصرح بتلك الشكوك التي تعصف برأسه نحوها ولكنه اكتفى بسؤالها :    


- حاسة بأيه طيب تحبي نروح مستشفى نطمن عليكِ    


نفت برأسها بطريقة هستيرية وقالت برفض قاطع وهلع ظهر جلياً على ملامحهاولسوء حظها بطريقتها تلك أكدت له ظنونه :    


-لأ ملوش لزوم ...... أنا هبقى احسن بس روحني     


مهلًا الآن تفهم ما بها، هي ليست بكامل وعيها ويبدو أنها تعاطت شيء ما يفقدها السيطرة على جسدها، زفر انفاسه دفعة واحدة واحتل الغضب معالم وجهه وهدر منفعل :

-حاولي تنقلي على الكرسي اللي جنبك    


            


              

                    


أومأت له وبالفعل أزاحت جسدها للجهة الآخرى ، ليتخذ هو موقعه خلف الموقد و بعصبية مفرطة أدار السيارة وباشر بالقيادة غير عابئ بجرح يده فقد كل ما كان يشغله كيف خانه حدسه نحوها وخالفت كافة ظنونه وعند وصوله لتلك الفكرة تذكر حديث زوجة أبيها الذي يبدو أنه صادق ليعلن تحت انفاسه وهو يرمقها شذرًا وهي تسند رأسها وتغمض عيناها ولا يعلم هل سقطت في سبات عميق أم فقدت وعيها

-------------------

بعد عدة ساعات وبعد بزوغ الفجر رمشت بعيناها تحاول جاهدة أن تسترد كامل وعيها لتجد ذاتها مازالت داخل السيارة المصفوفة جانب الطريق قرب منزلها، وتراه هو يستند على مقدمة السيارة وشاخص بنظراته لبعيد 

أعتدلت بِجلستها وهي تمسد جبهتها لعلها تخفف ذلك الألم الذي يفتك برأسها ولكن دون جدوى، ليصدر منها آنه متألمة جعلته ينتبه لها ويعود أمام المقود قائلًا بوجوم شديد دون ان ينظر لها:    


- كويس انك فوقتي علشان معرفتش ادخلك القصر ازاي وانتِ بالحالة دي     


صوته أعادها لرشدها وجعل الأحداث تتوافد أمام عيناها مما جعلها تنظر له بِضياع بأعين متسعة قائلة:    


- أنا آسفة ....اعصابي كانت بايظة و مكنتش عارفة اسوق ومفيش غيرك جه في بالي اكلمه    


هز رأسه بِملامح ثابتة وأخبرها بعملية شديدة:    


- انا تحت امرك بس لازم "فاضل" بيه يعرف باللي حصل     


نفت برأسها بقوة وتمسكت بذراعه ترجوه غافلة عن جرحه الذي آلمه حين فعلت :    


- لأ ارجوك يا" محمد" .....بلاش تقول ل بابا     


جز على نواجذه بقوة ولم يعد يتحمل أكثر ليحتل الألم معالم وجهه ويسحب ذراعه من قبضتها مما جعلها تستغرب فعلته ولكن عندما انتبهت ولاحظت شق قميصه وتلك القطرات الحمراء التي جفت عليه صرخت بهلع :    


- أيدك مالها انت اتعورت؟!    


نفى برأسه واخبرها من بين اسنانه بنفاذ صبر:    


- بسيطة خليني اوصلك واخلص من اليوم ده ......    


قالها وهو يشعل المقود ويشرع بالقيادة ولكنها منعته راجية:    


- استنى ارجوك .....اوعدني متقولش لبابا عن اللي حصل     


زفر انفاسه دفعة واحدة وهو يمسد جبهته بسبابته وابهامه قائلًا :    


- مقدرش اوعدك بحاجة     


أغمضت عيناها بقوة ثم أجهشت بالبكاء وهي تعتدل بِجلستها وتخفي وجهها بكفوفها وكأنه بجملته تلك قطع خيوط أملها، ولكنه باغتها :    


- غير لو قولتيلي كُنت بتعملي ايه في المنطقة دي بعد نص الليل؟!     


هو خمن السبب ويكاد يكون متأكد منه مليون بالمائة، ولكنه أراد أن يستمع لتبريرها التي كانت عاجزة هي عنه الآن ولم يصدر منها شيء غير صوت شهقاتها التي ظلت تتعالى دون انقطاع     


            


              

                    


شعر بالضيق لرؤيتها هكذا ولكن لا يستطيع ان يخالف ضميره وقد أخذ قراره ولن يتراجع، فحقًا هو لا يريد أن يقحم ذاته بشيء لا يعنيه، تفعل ما تفعله ومن المفترض أن والدها هو من يتخذ إجراء معها، أما هو لا يخصه هو فقط مجرد سائق يقوم بعمله لا أكثر :    


- أنا هرجعك القصر و لما يرجع" فاضل" بيه هبلغه بنفسي وهو يتصرف أنتِ خالفتي أوامره وخرجتي لوحدك ده غير انك مكنتيش في وعيك نهائي وانا مينفعش أخالف ضميري واسكت     


أزاحت يدها تطالعه بِضياع وبعيون كلون الدماء قائلة بنبرة مختنقة باكية:    


- بلاش ارجوك واوعدك مش هتتكرر تاني     


نفى برأسه بعدم اقتناع مما جعلها تهمس بنبرة واهنة يائسة لأبعد حد وهي تنظر له نظرات غريبة لم يتفهمها ولكنها زلزلت قاع قلبه :    


- على العموم شكرًا انك ساعدتني ........انا عارفة إني غلطانة واستاهل كل اللي يجرالي     


ذلك آخر ما قالته قبل أن تنكمش تستأنف وصلة نحيبها وهي تستند برأسها على زجاج نافذتها بوهن شديد وبوجه شاحب يحاكي الموتى، أما هو كان يطالع هيئتها بملامح متأثرة متعاطفة وخاصًة بعد أن استشف صدق نبرتها المغلفة بالندم مما جعله يكاد يخرج عن ثباته ويتراجع عندما داهمه ذلك الشعور الغريب تجاهها ولكنه لعن غبائه ولعن كل شيء حوله وتلك الهواجس التي تراوده ويستحيل حدوثها، ليزيح كل شيء جانبًا و ينطلق بها جهة القصر وهو ينوي أن لا يتراجع عن قراره 

-----------------------

أما داخل ذلك المنزل الذي يعج دائمًا بالمشاحنات فقد

كانت هي باهتة ليس ككل يوم تتحرك بحركات متهدلة إلى طاولة الطعام مما جعله يلاحظ ذلك بوضوح ليضيق عينه وكأنه يحاول سبر اغوارها بينما هي جلست بعيون منتفخة قليلًا أزعجته وجعلته يسألها بِقلق حقيقي :    


- كنتِ بتعيطي ليه ؟؟؟    


نفت برأسها وهي تتناول قطعة من الخبز وتباشر فطورها مما جعله يزفر بضيق و يشيح بنظره عنها فرؤيتها هكذا تألمه بل تعتصر قلبه، لتنظر" ثريا "لها وتسألها بِود حقيقي:    


- إيه اللي مزعلك يا بنتي قوليلي انا زي أمك    


نفخت اوداجها وصرخت بها بِعجرفة وقوة تخالف ما تشعر به :    


- مفيش حد زي أمي .....وياريت كفاية تمثيل لغاية كده انا زهقت منك انتِ وابنك     


زمجر لاعنًا ثم صرخ بها كي يردع تمردها :    


- نااااااادين كفاية كده اسكتِ    


لتعترض وهي مازالت محتفظة بتمردها :    


- مش هسكت .....مش هسكت يا "يامن" واعلى ما في خيلك اركبه     


شهقت "ثريا" بينما هو كان يشعر أن كل خلية به تنتفض من فرط عصبيته ليجذبها من ذراعها ويدخلها غرفتها تحت مضضها وتلويها بين يده ومناجاة "ثريا" له كي تمنعه تخوفًا أن يؤذيها، ولكنه طمئنها بنظراته وهو يدفع الآخرى ويغلق الباب، طالعته هي بغيظ وبنظرات مشتعلة حين صرخ بها بنفاذ صبر:    


            


              

                    


- أنتِ عايزة ايه ؟؟؟؟؟

ارحميني انا اعصابي تعبت ومبقتش مستحمل .......قوليلي بتعملي ليه كده؟!    


اجابته منفعلة وهي تلوح بيدها :

- أنت عارف ....وامك كمان عارفة ....انا بكرهكم يا "يامن" ....بكرهكم     


شعر وكأن خنجر مسموم انغرس بقلبه من تصريحها، ولكنه يحفظها عن ظهر قلب ويعلم أن يوجد شيء يعكر صفوها ولذلك تتحامل عليه وعلى والدته، ليحتل الحزن عينه ويقول بثبات اجاده:

- مطلبتش منك تحبينا ......انا وامي كنا بنحاول نواسيكِ مش اكتر     


حانت منها بسمة ساخرة وردت بنبرة ممزقة :    


-اللي يشوف كده يقول إنكم قلبكم عليا .....     


كانت تكبت دمعاتها بصعوبة بالغة ولكنها بطبيعتها القوية هدرت بوجهه دون أي لباقة :    


- اطلع بره وسيبني لوحدي     


لا يعلم لمَ لم ينصاع لها بل وجد نفسه يقترب منها و يجذبها بقوة داخل أحضانه ويقول بحنو حقيقي :    


- عيطي يا "نادين" يمكن ترتاحي     


دفعته وارادت الخروج من بين يده ولكنه لم يعطيها فرصة لذلك وانزلق معها حين نزلت على ركبتيها على الأرض و شدد أكثر على جسدها وهو يهمس بنبرة مطمئنة و يطبع قبلة حنونة على منبت شعرها :    


- اهدي .....علشان خاطري .....انا جنبك انا عارف ان انا أخر واحد في الدنيا عايزاه جنبك بس والله مش هضايقك ........ أهدي ...    


استكانت بين يده وأجهشت ببكاء مرير جعله يمسد على ظهرها صعودًا وهبوطًا بطريقة حانية جعلتها تغمغم من بين دمعاتها :    


- النهاردة ذكرى وفاة ماما .....أنا عايزة اروح ازورها     


زفر بضيق شديد وظل يلعن نفسه ربما للمرة الألف فكيف غفل عن ذلك اليوم وهو يعلم أهميته بالنسبة لها، 

ليخرجها من بين يديه ويمسح دمعاتها بأطراف انامله قائلًا بأسف حقيقي:    


- الله يرحمها .......حقك عليا والله نسيت ....هخدك دلوقتي ونزورها وهعملك كل اللي انتِ عايزاه بس بلاش أشوف دموعك دي تاني     


أومأت له باكية بينما هو لم يتحمل رؤيتها هكذا ليجذبها مرة أخرى لأحضانه ويهمس بنبرة صادقة نابعة من صميم قلبه :    


- دموعك بتقتلني يا "نادين " ..... انا عمري كله فدى دمعة واحدة من عينك .....أهدي و انا والله مش هضغط عليكِ تاني ولا هضايقك .......    


تشبثت به بقوة و دفنت وجهها بين ثنايا عنقه بطريقة أربكته للغاية وجعلت وجيب قلبه يتعالى، بينما هي كانت مأخوذة بتلك الطمأنينة التي تشعر بها الآن، ولكن ازعجها خفقات قلبه المتعالية لتضع يدها على موضعه وكأنها بتلك الحركة البسيطة تريد طمئنته دون قصد لتخرج من بين يديه ببطء مميت لكليهما وخاصًة عندما اشتبك بارود عيناها مع لهيب ناعستيه التي تفيض بمكنون قلبه الذي لم يجرؤ ابدًا عن الإفصاح لها به، بينما هي كانت نظراتها حائرة ، ضائعة، مشتتة، هائمة بوجهه القريب للغاية منها وهي تشعر بنبضة عاصية صادرة من خافقها تشارك صخب قلبه، دام تعانق عيناهم لعدة دقائق مما جعل وتيرة أنفاسه تتعالى شيء فشيء وهو يستغفر بسره فذلك القرب المهلك منها سيجعله يفلت زمام نفسه ويستغل تلك الحالة النادرة التي هي عليها ليزيح بعينه ويقول بتهدج وبثبات بالكاد تقمصه:    


            


              

                    


- أنا مقدر حزنك .....بس صدقيني البكى مش بيرجع اللي راح     


هزت رأسها بحركة بسيطةودمعاتها مازالت تنسل على وجنتها تستغرب ذلك الشعور التي لأول مرة يراودها، ليمرر هو أبهامه على وجنتها يزيح تلك الدمعات النادرة ويقول ببحة صوته المميزة :

- هستناكِ برة عقبال ما تجهزي     


اومأت له بطاعة يعشقها منها، ليبتسم بسمة حانية و ينزل يدها التي مازالت تستقر على موضع خافقه ويلثمها بحنو شديد تحت نظراتها الضائعة و ينهض ويغادر، لتظل هي تنظر لظهره بنظرات هي نفسها لاتعلم مكنونها ولكن كل ما تعلمه انها شعرت براحة غريبة بين يديه وبراحة أكبر من احتوائه لها وتفهمه سبب خروجها عن طورها .

--------------------------

- نورتي يا ماما "ثريا " والله     


قالتها "رهف "مُرحبة بتلك السيدة الحنون التي أتت خصيصًا لكي تطمئن عليها، ولكن "رهف"بطبعها اخبرتها ان كل شيء على ما يرام مما جعل "ثريا" تتسأل مشككة :    


- يا بنتي اتكلمي انا زي أمك وقلبي واكلني عليكِ ده انا ما صدقت "يامن" خد

" نادين "وخرجوا علشان أجيلك    


أبتسمت" رهف" ببهوت وأخبرتها وهي تناولها كوب العصير التي حضرته من أجل ضيافتها قائلة ببعض التردد وعدم ثقة زرعها بها :    


-متحرمش منك يا ماما كل الحكاية بس أن حسن متغير .......    


شهقت "ثريا "وتساءلت بتوجس:    


- شوفتي عليه حاجة؟!    


هزت رأسها كونها لا تملك جواب قاطع، رغم العديد من المواقف التي أثارت ريبتها نحوه ولكن لا يوجد لديها دليل قاطع يدينه، قطع صراع عقلها سؤال "ثريا" من جديد :    


- انا عارفة انك عاقلة يا بنتي ومش عايزة تخربي بيتك بإيدك بس فضفضي يمكن ترتاحي .....ده انتِ خاسة النص و وشك أصفر زي اللمونة     


أبتلعت" رهف" ريقها بحلق جاف وأصرت على موقفها كي لا تضعه بموقف سيء أمام خالته قائلة بثبات مصطنع:    


-لو في حاجة كُنتِ انتِ أول واحدة قولتلها .....انا بس تعبانة شوية وفي دوخة غريبة كده بتجيلي     


شهقت" ثريا" بقلق وقالت معاتبة :    


-طب مستنية ايه؟ لازم تكشفي وتعرفي فيكِ أيه انا بكرة الصبح بعد ما توصلي الولاد هاخدك واخلي الدكتور يطمني عليكِ     


أومأت "رهف" بامتنان حقيقي فكم اسعدها اهتمامها وقلقها الذي لم يخصها أحد به قط منذ وفاة اهلها، لتحتضنها قائلة بعيون غائمة متأثرة :

- ربنا يخليكِ ليا مش عارفة من غيرك كنت عملت ايه     


تنهدت" ثريا "وهي تربت على خصلاتها بحنو قائلة بنصح:    


-اسمعي مني يا بنتي محدش هينفعك هو اه "حسن" ابن اختي بس ميستهلش تهملي نفسك بسببه، لازم تاخدي بالك من صحتك محدش هينفعك     


            


              

                    


هزت "رهف" رأسها بتفهم وهي تخرج من احضانها وتجفف دمعاتها قبل أن يصل هو بمزاج رائق للغاية مرحبًا :    


- اهلًا يا خالتي ايه المفاجأة الحلوة دي والله وحشاني    


زغرته "ثريا" ثم لوت شدقيها وقالت معاتبة :    


- المفروض الصغير هو اللي يسأل على الكبير مش العكس يا ابن اختي     


تحمحم وبرر وهو يجلس بجوار" رهف" يحاوط كتفها بلطف مخالف لحالته السابقة :    


- حقك عليا والله مشغول وعلى أخري المشروع لازم أسلمه كمان كام يوم هي "رهف" مقالتلكيش أن طالع عيني ولا ايه!     


كانت جملته الأخيرة بمثابة معاتبة صريحة لها كونها لم تغطي عليه كعادتها مما جعلها تهدر بدفاع تؤيده وكانها مبرمجة على فعل ذلك:    


- اه فعلًا كان مشغول اوي معلش اعذريه     


أومأت "ثريا "بمسايرة وحستها بعيناها أن تتركهم لحالهم وبالفعل نهضت قائلة وهي تنظر لساعة يدها :    


- انا هنزل استنى الولاد تحت البيت الباص زمانه على وصول    


وإن غادرت قالت "ثريا "بحدة دون أي تهاون :

- اسمع يا ابن اختي من غير لف ولا دوران ............مراتك أصيلة وبتحبك اتقي الله فيها وارجع لعقلك     


ابتلع رمقه بوجل وتسأل بعيون زائغة :

- هي اشتكت ليكِ؟    


نفت "ثريا" وقالت مدافعة :    


- انت عارف انها كتومة ومش بتتكلم بس انا اللي مش عاجبني شكلها مطفية كده على طول سرحانة حتى الكلام بيطلع منها بالعافية     


زفر بارتياح قائلًا بسخط:    


- هي مهملة في كل حاجة حتى صحتها مترميش اللوم عليا يا خالتي    


وضعت "ثريا" يدها على فمها بغير رضا وهدرت منفعلة تنهره :    


- مهملة ازاي يعني ده جزاتها أن بيتك وعيالك زي الفل دي قايدة صوابعها العشرة شمع لجنابك وانت ولا مقدر     


- بلاش تتحاملي عليا يا خالتي الله يخليكِ انا مش ناقص ويعلم ربنا أنا مش مقصر معاها في حاجة واللي بتطلبه بيجلها     


- مش بالمجايب مراتك عمرها ما كانت مادية واظن انت اكتر حد عارف ده، هي محتجاك انت؛ تشاركها وتقرب منها، دي ملهاش غيرك ولازم تكون أحن واحد في الدنيا عليها وتحتويها وتساعدها في مسؤولية عيالك     


تأفف هو وقال بنبرة ساخطة وبفكر رجل شرقي مازال متمسك بعرفية أفكاره:

-والله انا راجل ومش فاضي للملل ده انا كل اللي عليا أجيب فلوس وألبي كل طلباتهم، وبعدين هي مش بتعمل حاجة زيادة لا ليا ولا لعيالها ده واجبها وشغلها المفروض عليها والستات كلهم بتعمل كده المفروض تحمد ربنا     


تنهدت" ثريا" وهي تشعر بالغيظ من تفكير ابن شقيقتها العقيم لتهدر بجدية شديدة:    


-صوابعك مش زي بعض، وأنت مش عارف قيمة النعمة اللي في ايدك مراتك أصيلة و راضية ومفتحتش بؤها بكلمة علشان بتحبك بس يا ابني، الواحدة مننا ليها طاقة و تقدر تغفر كل حاجة في الدنيا إلا الخيانة    


            


              

                    


هب واقفًا بتوتر بالغ ألتقطته" ثريا "فور قولها وجعلها تتيقن أنه مذنب لا محالة خاصةً عندما قال بعيون زائغة:    


- أنا مش بخونها ويوم ما هفكر اعرف واحدة عليها هيبقى بالحلال     


شعرت" ثريا" بوخذة بقلبها من حديثه وترأى أمام عيناها حياتها السابقة ومصير "غالية" الذي إلى الآن تشعر بالأسى عليها لتقول بنبرة حزينة وعيون غائمة على أثر تلك الذكرى البعيدة :    


- وساعتها يبقى ليها حرية الأختيار يا تقبل يا ترفض تكمل معاك، وصدقني حتى لو كان بعلمها وبرضاها في الحالتين هتكون خسرتها ومش هتستحمل تشوفك مع غيرها    


احتدت عينه من حديثها الذي لم يروقه بالمرة ولكنه على اقتناع تام انها لا تستطيع تركه مهما فعل ستتقبل خطيئته التي يظنها بريئة، مبررة، ومباحة له ولا يحق لها الاعتراض ولكن ماذا إن تركته هل سيتقبل هو ذلك، حقًا لم يفكر في ذلك الاحتمال من قبل     


انتشله من شروده قولها بتحذير قبل ان تهم كي تغادر :

- أوعى تفتكر انها ملهاش حد وأنها ضعيفة تقدر تكسرها لأ أنا أول واحدة هقف في وشك وصدقني وقتها هتبقى أنت الخسران    


ذلك آخر ما تفوهت به تاركته متخبط يلعن تحت انفاسه ويجلس وهو يمرر يده بخصلاته الفحمية في عصبية شديدة فهي نجحت وبشدة في أن تسربل شيء من التردد وربما الرهبة في نفسه بعد حديثها 

-----------------------------

كان يطالعها بعيون حزينة وهي تذرف الدمعات أمام قبر والدتها و تشكوا لها بالكثير، تعمد أن يبتعد قليلًا ليترك لها مساحتها الخاصة ولكن رؤيتها منهارة هكذا يفقده صوابه لا يتحمل دمعاتها ولا هوانها ذلك بل تعود عليها متمردة قوية سليطة اللسان، انتشله من شروده صوتها المختنق أثر البكاء :    


- انا خلصت ممكن نمشي     


هز رأسه لها ببسمة دافئة وألتقط يدها برفق تحت نظراتها المشتتة وسار بها للخارج، لتغمغم هي بعد صعودهم للسيارة :    


- أنا عايزة أروح     


نفى برأسه وقال وحبات القهوة خاصته تشملها بدفء واحتواء لا مثيل له:    


- لأ اليوم بتاعك اطلبي اي حاجة وانا انفذها من غير جدال     


حانت منها بسمة عابرة وسألته بترقب :

- أي حاجة.... أي حاجة ؟    


هز رأسه بتأكيد لتسترسل هي بمكر وكأنها تبدلت لتوها لتلك المتمردة من جديد :    


- عايزة عربية انت عارف ان بابا كان معلمني السواقة     


ابتلع غصة بِحلقه وهمهم بعدم اقتناع :    


- بس انا بخاف عليكِ يا "نادين" ومش.......    


قاطعته هي :    


- هاااااا أنت وعدتني من غير جدال    


تنهد بعمقٍ ومرر يده على ذقنه قائلًا بعدما تذكر نصيحة والدته:    


            


              

                    


-مش هخلف وعدي بس ليا شروط     


ضحكت تلك الضحكة الآثرة للقلوب وصفقت بِحماس جعل قلبه يتراقص على صخبها قائلة بمكر وبعيون لامعة :    


- أخيرًااااااااا ....... انا موافقة والله على كل شروطك بس انت نفذ     


هز رأسه وابتسم ببشاشته المعهودة وهو ينطلق بسيارته إلى أقرب معرض للسيارات كي يلبي طلبها، بينما هي ظلت طوال الطريق تسترق النظرات له و تجاهد تلك النبضة العاصية بقلبها التي تنبأها بشيء لطالما تخوفت منه وتكاد تموت قهرًا إن حدث.

------------------------

اسدل الليل ستائره على ذلك الساخط الذي لا يعرف أين يكمن الرضا، فكان مُمدد بفراشه بجوارها يحاول ان يتوقع كافة الاحتمالات الواردة بشأنها فلا ينكر بعد مغادرة "ثريا" وذلك التهديد الصريح منها، شعر بشيء من الرهبة يتملك منه ليجد ذاته يتودد لها على غير عادته في الآونة الأخيرة قائلًا بلطف وهو يقترب منها يداعب وجنتها لتكف عن تصنع النوم:

- "رهف ".........."رهف "أنا عارف إنك سامعاني ومبتعرفيش تنامي قبلي ليتردد قليلًا ثم يقول بتقطع وكأنه يمَن عليها باعتذاره :    


-أنا.........آسف    


رفرفت هي بأهدابها تؤكد له يقينه، وابتسمت بسمتها الناعمة التي رغم بهوتها الآن إلا أنها تجعله يشعر أن العالم خلى من كل مصائبه ولم يتبقى غير ربيعها و سلامها النفسي الذي ينفض دواخله ويعبث دومًا بأفكاره ونواياه.    


لم تعقب هي بل ظلت تعاتبه بنظراتها مما جعله 

يتنهد عميقٍ ويقترب أكثر منها مبررًا :    


-انا عارف اني زودتها بس كنت مخنوق وأنتِ بتضغطي على أعصابي    


ردت بنبرة متألمة تفيض بالعتاب:    


- انا عمري ما قصدت أضغط عليك ..... انا كنت بحاول أشاركك واخفف عنك بس انت مش مديني فرصة     


ليبرر من جديد بذلك السبب الواهي الذي يحاول ان يقنعها به ولا يمل من ذكره:    


- اعصابي مشدودة من الشغل و اعذريني لو كنت بخرج عن شعوري     


ليرفع يدها يلثمها ويستجديها بعينه ان تغفر له، فما كان منها غير أن تتهاون معه ولكن ماذا بشأن مكالمته وادعائه الغير منطقي حقًا لا تريد المجادلة معه ولكن وجدت ذاتها تتساءل من جديد بقلب يكاد يهوي بين ضلوعها :    


-لما كنت بتتكلم وقلتلي "يامن " كان هو فعلًا.....    


ابتلع رمقه بحلق جاف وأخذ يمرر يده بخصلاته الفحمية وكأنه يبحث عن كذبة مناسبة تقنعها ثم قال بكل تبجح وثقة كي يسايرها :    


-بصراحة .......كانت مكالمة شغل من واحدة من اللي بيشرفوا على تنفيذ المشروع بشركتي ومرضتش اريحك لما سألتيني علشان حسيت انك بتشكي فيا و كنت مخنوق منك ومن اسئلتك الكتير    


حقًا كانت تستمع له مذهولة من تبريره ومن كيفية حياكته للأمر، المفترض أنها الآن تكون سعيدة كونه كشف لها حيلته واراح قلبها ولكن وجدت ذاتها مشتتة لا تعلم كيف استطاع أن يتقن كذبته لذلك الحد وكيف هي كانت غافلة عن مهارات التمثيل لديه لتضيف بإصرار وكأنها تود أن تسد كل الثغرات بعقلها حتى لا يثور عليها :    


-بس انت قولت انه "يامن" حتى قولتله "رهف" بتسلم عليك؟!    


تأفف في ضيق من اسئلتها التي تكاد تودي بثباته و تفضح أمره وهدر منفعل وهو ينهض يواليها ظهره :     


-افففففف بقى مش هخلص من أسئلتك دي ....كانت قفلت ساعتها، وقولتلك كنت قاصد أضايقك زي ما ضايقتيني     


أغمضت عيناها بقوة تحاول كبح أفكارها وتقبل الأمر دون جدال أكثر، فلا يوجد لديها خيار آخر على أي حال لتنهض تقترب منه وتقول بقلة حيلة وهي تضع يدها على ذراعه :     


- أنت كل دنيتي يا "حسن" بلاش تعمل كده وتستغل إني مليش غيرك     


التفت لها وهو يشعر بِشيء من تقريع الضمير ثم رفع يدها يلثمها مرة أخرى وقال برهبة بثتها به "ثريا "بجدارة:    


-حقك عليا ......انا مقدرش استغنى عنك......أوعي تسبيني    


كوبت وجهه بين راحتيها بعدما تدخل قلبها اللين كعادته :    


- مقدرش انت روحي يا "حسن" ربنا ما يحرمني منك     


أبتسم وهو يأمن على دعوتها، ثم احتضنها بقوة وكأنه يريد ان يكفر عن خطيئته بحقها، استكانت هي بين احضانه وكأنه هو مخبأها الوحيد وحصن أمانها متغاضية عن كل شيء بلين قلبها .

حمقاء هي بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولكن دائمًا تجد له مبرر لكافة افعاله ولمَ لا وهي ليس لها أحد سواه، فقد نشأت ببيت عمها وربيت مع أبنته بعد وفاة عائلتها بحادث مروع اودى بحياتهم، وحين تزوجت هي توفى عمها وسافرت ابنته مغتربة مع زوجها بأحد بلاد الخليج لتبقى هي وحيدة دون ملجأ او سند غيره 

-------------------------

تبسمت الشمس في كبد السماء معلنة عن يوم جديد يخبئ في طياته الكثير فقد

استعدت هي بنشاط على غير عادتها وقررت انها هي من ستقوم بإيقاظه اليوم، تجهزت مرتدية بنطال أزرق من خامة الجينز ويعتليها كنزة وردية ذات حملات رفيعة وحذاء رياضي يماثل لون كنزتها وقد اجلت سترتها لحين خروجها، لتنظر مرة أخيرة بالمرآة وتبعثر خصلاتها القصيرة كي تبدو هوجاء كما تفضلها ليلفت نظرها أضاءة هاتفها التي تتعمد ان تضعه على وضع الصامت طوال الوقت بسبب غباء "طارق" الذي لن يكف عن إلحاحه الذي حقًا كاد يصيبها بالسأم تجاهلت الهاتف تمامًا و توجهت بخطى واسعة نحو غرفته ودلفت دون حتى أن تطرق بابها، وحينها وجدت ما لم تحسب حسابه قط لتتعالى وتيرة انفاسها وظلت تتراجع للخلف وهي تشعر بأن كل خلية بجسدها تنتفض من شدة ذعرها حين سقطت عيناها عليه هو بطلته القاسية التي لا تعرف اللين وبعيناه التي يسطع بها المكر قائلًا :    


- كيفك يا بنت "غالية" توحشتك؟    


-----------------------

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

 مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا


تعليقات

التنقل السريع