القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

روايه خطايا بريئه الفصل السادس والسابع والثامن بقلم الكاتبه ريم كريم

 روايه خطايا بريئه الفصل السادس والسابع والثامن  بقلم الكاتبه ريم كريم 






روايه خطايا بريئه الفصل السادس والسابع والثامن  بقلم الكاتبه ريم كريم 



🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺        


     بقلم الكاتبه       ♥ ريم كريم ♥ 


الفصل السادس                              


لا يمكن أن تصل لليقين دون شك ولا نجاح بدون فشل ولا للسكينة دون اضطراب ولا لأي شيء دون حب

-----------------

"نااااااااااااااااادين "    


                      


صرخ هو بها بِنبرة جهورية، بعيون يتطاير منها الشرار وهو يقف خلفها مما جعلها تنتفض و يسقط الهاتف من يدها وهي تشعر بقلبها يهوي بين ضلوعها من شدة ذعرها ولكنها تماسكت وادعت الثبات قائلة :    


                      


- في ايه ؟؟    


                      


قبض على يدها وتسأل من بين أسنانه :    


                      


- فين مفتاح الباب الوراني .......أنتِ بتخرجي وانا مش هنا صح؟!    


                      


تنفست الصعداء كونه لم ينتبه لمحادثتها واستغرق الأمر منها ثانية واحدة كي تجيبه وهي تدعي البراءة :    


                      


- لأ طبعًا أخرج أيه ....وبعدين مفتاح ايه اللي بتسأل عنه أنا ماخدتش حاجة     


                      


لم يقنعه جوابها وصرخ بوجهها بِغضب قاتل وهو يؤرجحها بقوة بين قبضته  :    


                      


- كداااااااابة .......ومش مصدقك المفتاح مش في مكانه ومحدش بيدخل مكتبي غيرك انتِ وأمي     


                      


نزعت يدها من بين قبضته بقوة وقالت بنبرة متمردة ثابتة  :    


                      


- مش هكدب عليك ومعرفش مفتاح ايه اللي بتسأل عنه     


                      


مرر يده على ذقنه وهو يشعر أنه يكاد يخرج عن طوعه و الشكوك تعصف برأسه مما جعله يهدر بنبرة حادة قاطعة تعلم هي جيدًا ان لا رجعة بها  :    


                      


- قسم بالله يا "نادين" لو اللي في دماغي طلع صح هيكون حسابك عسير معايا وساعتها متلوميش غير نفسك    


                      


ابتلعت غصة بِحلق جاف من تحذيره الصريح لها ولكنها ألتزمت الثبات وتساءلت بدهاء كي تحول الحديث لدفتها كعادتها :    


                      


- أيه اللي في دماغك!!! انت بتشك فيا؟؟    


                      


جز على نواجذه وهز رأسه دون أي تفكير وقال :

- أنا مكنتش بشك فيكِ بس من هنا ورايح هشك يا "نادين" وصدقيني مش هيبقى في مصلحتك ابدًا    


                      


ليغادر غرفتها بِخطوات قاسية يأكلها الغضب بينما هي زاغت نظراتها وارتمت على الفراش وهي تلعن غبائها كون لم يسنح لها الوقت لكي تعيد المفتاح لمكانه، لتنفخ أوداجها عندما سقطت عيناها على هاتفها الملقي على الأرض ولحسن الحظ لم يصيبه ضرر لتنحني تلتقطه وهي تلعن ذلك ال "طارق" هو ايضًا فكاد يفضح أمرها   

---------------------------

بينما في أحد قرى الصعيد كان يجلس رجل في عقده السادس ذات لحية وشارب كث وبنية عريضة وهيئة قاسية لا تعرف اللين،  تجعل كافة أهل 

قريتهم تهابه وتحسب له ألف حساب، فكان يجلس داخل مندرة داره حين دلف إليه أخاه سائلًا بوجل:    


                      


- كيفك يا أخوي  ؟    


                      


نظر له "عبد الرحيم" واجابه بِعجرفة :    


                      


- أحسن منِك يا جلب أخوك خير چاي ليه ؟!    


                                  


              

                    


أجابه "سعيد" شقيقه الأصغر في قلة حيلة :    


- والله يا خوي وشي منِك في الأرض .....بس أعمل ايه الحوچة واعرة و أني محتاج جرشين انت عارف مصاريف الدوا والحُكمة كتير وانا مبقاش حيلتي غير خلجاتي اللي عليا     


زغره" عبد الرحيم "واطلق ضحكة صفراء متشفية قائلاً :

- واه أني مش عارف أيه العشم ده چايبه منين عاد! بعد اللي حُصل  منِك، دلوقت چاي تطلب مساعدتي نسيت إنك عصيتني و وجفت مع چوز خيتك ضدي وغصبتوني اسلمه أرضها    


تأهب "سعيد" وهو يتذكر ذلك الحدث منذ سنوات ورد بِصدق دون ادنى مجاملة  :    


- العشم ده علشان انت اخوي ولا  دي كمان نسيتها يا "عبد الرحيم" وايوة انا وجفت مع "عادل" چوز خيتك علشان ده حج ربنا وأنت كنت عايز تضلله وتقبل تاكل حقها في الأرض    


سطع الحقد بعين الأخر وقال من بين أسنانه  :    


- وأنت كنت مفكر حالك حامي الحمى أنت والبومة مرتك لما وجفتوا جصادي     


احتدت نظرات "سعيد" عند ذكر زوجته وهدر منفعلًا :    


- انا مقدر أنك اخوي الكبير بس ميصُحش تتعدى الأصول وتجيب سيرة مرتي، وبعدين انت عارف ان "هانم"   كانت أجرب واحدة لخيتك وكانت على علم بكل حاچة وعلشان إكده كانت بترد غيبتها     


صدر من فمه صوت ساخر متهكم وأضاف وهو ينهض من جلسته ويربت على منكب أخيه :    


- ياريت تكونوا مرتاحين  بعد ما كل حاچة  ما راحت؛ أهو چوزها خد كل املاكه واملاك اختك وكتبها بأسم واحد غريب عنِنا وكمان چوزه البنية وخلاه يكوش على كل حاچة بأس المره السو اللي اتجوزها     


ضرب "سعيد" كف على أخر وقال بعدم رضا :    


- دع الخلج للخالج ملناش صالح والبت مرتاحة مع جوزها واظن انت كل فترة بتروح تطل عليهم بنفسك     


أومأ له "عبد الرحيم" بِحنق من سذاجة أخيه ثم رفع طرف جلبابه وجلس مرة أخرى على الأريكة بأريحية أكبر قائلًا بمسايرة كي يفض ذلك الحديث الذي لم يروقه بالمره :    


- ربنا يسعدهم يا خوي، وأعذرني مش هعرف افك ضيجتك أنا داخل على انتخابات ومحتاج كل جرش معايا    


أطرق" سعيد" رأسه في حرج وقال وشعور الخذلان يفتك به:    


-عذرك معاك يا خوي .....عن اذنك ألحج صلاة الظهر في الچامع     


= مع السلامة يا خوي والجلب داعيلك    


قالها "عبد الرحيم" بِبسمة مصطنعة وملامح مقتضبة وهو يتتبع أخاه بعينه إلى أن غادر ليهمس بغيظ وبِعيون يسطع بهم المكر :    


- ورحمة "غالية" بنت امي وابوي  لأرجع مالها تحت يدي تاني وأطرد الغريب من العز اللي عايش فيه هو وأمه 

--------------------

ظلت الشكوك تعصف به حين لم يجد المفتاح الذي اكتشف اختفائه بالصدفة، حين اتاه الحارس صباح اليوم وطلبه منه كي يهذب النباتات النامية  عليه ويزيل الحشائش الضارة كيفما يفعل كل فترة وآخرى كي لا تعيق فتح الباب إن لزم الأمر، وحين لم يجده بدرج مكتبه ثارت ثائرته ولم يتحمل تلك الشكوك التي داهمته، و رغم نكرانها إلا أن قلبه  يخبره أنها هي وراء اختفائه، ولكن كيف!؟

هل حقًا تخرج دون علمه!؟

وإن صدق حدسه فإلي أين تذهب ومع من!؟

ظلت الشكوك تتأكل رأسه مما جعله يشعر أنه سيهوي  على حافة الجنون إن لم يجد تفسير منطقي للأمر، انتشله من حالته تلك دخول الحارس له مهرولًا ومنكس الرأس :    


            


              

                    


- لامؤاخذة يا بيه والله ما عارف عقلي خرب ولا ايه؟!    


عقد "يامن" حاجبيه بوجه متجهم للغاية جعل الأخر يبتلع ريقه بتوجس قائلًا وهو يمد يده له :    


- لقيت المفتاح معايا .......والله يا بيه ما فاكر خدته امتى من جنابك بس الحمد لله أننا لقيناه قبل ما الصنايعية يجوا يركبوا الباب الجديد    


تعلقت ناعستيه الثائرة بالمفتاح لثوانٍ معدودة قبل أن يلمح طيف خلف باب مكتبه، ليتنهد في عمق ويقول بنبرة  ثابتة تخالف ضجيج رأسه :    


- حصل خير يا "مُسعد "وملوش لزوم تخليهم يغيروا الباب تقدر تنضف الزرع اللي حوليه وبعدين ترجعلي المفتاح تاني     


وعند سماعها لجملته الأخيرة تسللت لغرفتها وأقفلت بابها بِحرص شديد ثم تنفست بإرتياح وكأنها أزاحت حمل ثقيل عن كاهلها، لتحل رابطة شعرها وتبعثره بيدها وهي ترتمي على الفراش تتذكر كيف حاكت مكيدتها بعد خروجه من غرفتها بالصباح

Flash back

فقد تسللت دون ان يلحظها أحد إلى موضع جلسة الحارس الذي ما أن لمحها هرول مترقب لأوامرها، لتأمره هي بنظرات زائغة وهي تمسد جبهتها مدعية الألم    :

- عم "مسعد" عندي صداع ممكن تجبلي حاجة من الصيدلية     


= تحت أمرك يا هانم ثواني والدوا يكون عندك     


قالها وهو يرفع طرف جلبابه ويهرول خارج بوابة المنزل مسرعًا، بينما هي تقدمت بِخطوات حريصة بعدما أمنت محيطها وتقدمت لغرفته الملاصقة للبوابة تبحث بعينيها عن سلسلة مفاتيحه وما أن وجدتها زفرت بارتياح وهي تتمم ما خططت له كي تغطي على فعلتها 

End flash back

عادت مرة آخرى للوقت الحالي وهي تبتسم بسمة متهكمة منتصرة لأبعد حد وهي تخرج من تحت وسادتها  تلك النسخة المستخرجة حديثًا من ذلك المفتاح المنشود الذي بسببه تأخرت في إعادة النسخة الأصلية منه، لتتسع بسمتها وهي تظن أن لا أحد يضاهي مكرها ولكن مهلًا افعلي ما تشائين وسوف تتأكدي  بنفسك انك أغبى أنثى على وجه الأرض ولا أحد يتمنى ان يكون بموضعك حينها 

----------------------------

مرت بضع ايام عليه منذ عمله معها  يوصلها لجامعتها ويعود بها دون اي جديد تصعد للسيارة ثم تسند رأسها على زجاج النافذه وتظل شاردة وكأنها مغيبة بعالم آخر فقط تتأمل الطريق بعيون خاوية يفيض منها الحزن، حاول مرارًا وتكراًر أن يجذب معها أطراف الحديث ولكنها تجيبه بإقتضاب شديد ولم تلقِ له بال مما جعله يقرر ان يكف عن ذلك الفضول اللعين الذي ينتابه نحوها ولكن كيف وهو يلمح من مرآته الأمامية  الآن دمعاتها تنسل من عيناها وملامحها باهتة بشدة جعلته يتحمحم يجلي صوته الأجش كي يصدر لين ولا يفزعها ككل مرة  :    


- حضرتك فطرتي ؟؟    


لم يريد ان يسألها مباشرةً كي لا تتخذ موضع الهجوم بل فضل أن يراوغها بطريقة أخرى كي يسبر اغوارها وبالفعل حاز على انتباهها حين رفعت فيروزتها تطالع عينه المُسلطة  عليها في المرآة وهزت رأسها ب لا ، ليبتسم هو ويقول في حماس غير عادي  :    


            


              

                    


- ولا انا بصراحه هموت من الجوع 

ممكن نخبط طبقين فول من على العربية لو تحبي......؟! وبيتهيئلي لسة معانا وقت قال جملته الأخيرة وهو يتفقد الوقت بساعة يده    


= فول !!!    


قالتها بِتلقائية وهي تعتدل بجلستها 

مما جعله يشعر بسخريتها ويؤكد بدفاع  :    


- اه فول ........ماله الفول ده هو مسمار البطن زي ما بيقولوا وكله بروتين احسن من اللحمة والفراخ     


نفت برأسها بعدما شعرت انه سيتفهم أنها  تتعالى عليه  :

- مش قصدي والله انا باكله عادي وداده "مُحبة" تعملهولي علطول بس متعودتش أكله من برة وخصوصًا من على عربية يعني     


جعد حاجبيه الكثيفين وأخبرها بِحماس وبنبرة مشاكسة بعض الشيء  كي يحفذها  :    


- لأ لعلمك بقى من على العربية بيكون ليه طعم تاني ويا سلام بقى لو معاه بصلتين كده يااااااه والله جوعتيني قال أخر جملة بإشتهاء وهو يضغط على شفاه السفلية 

فكانت تعبير وجهه المنعكسة بالمرآة ونبرته تلك كافية لتجعلها تبتسم دون وعي مما جعله يأخذها أشارة لموافقتها ويؤكد وهو يسحب عدة محارم ورقية وناولها لها دون أن يلتفت كي لا يخجلها  :    


-لو في دموع تانية أجليها للبصل الله يخليكِ إلا العربية هتغرق بينا     


اتسعت بسمتها وتناولت منه المحارم تمسح وجهها  قائلة :

- ماشي بس على ضمانتك     


أجابها هو ببسمة مشاكسة :    


- متقلقيش لو حصلك تسمم؛ غسيل المعدة عليا

-------------------------

نظرت نظرة مترددة إلى الطعام الموضوع أمامها وهي تراه يأكل بشهية غريبة ويلوك الطعام باستمتاع جعلها تتساءل هل حقًا شهي لذلك الحد، تنهدت وهي تستند على مقعدها الخشبي الذي يتوسط الرصيف أمام عربة الطعام وهي تنوي تذوقه والتأكد بذاتها وإن كادت تشرع بالأكل فانتفضت مذعورة من صوت مذياع أحد البائعين المتجولين وهو يصيح :    


- روبابيكيا    


ابتسم وهو يبتلع ما بفمه وقال كي يطمئنها:    


- متخافيش يا آنسة دي ناس على باب الله وبتسعى على أكل عيشها    


هزت رأسها وهي تتمعن بذلك البائع  وما تحويه عربته الخشبية من قطع متهالكة وإن صح القول خردة بالية لا نفع منها، عقدت حاجبيها مستغربة وهي تلحظ وجه الرجل الذي لفحته الشمس  ويبدو عليه الأرهاق الشديد ورغم ذلك لن ييأس ويظل يهتف بتلك الكلمة الغريبة على مسامعها، بتفاني غريب جعل نظراتها تتبع عربته الخشبية إلى ان اختفى عن ناظريها وحل محله هؤلاء الأطفال بالجانب الآخر من الشارع؛ فكانوا يمررون الطابة لبعضهم والحماس جلي على وجههم لتبتسم بسمة عابرة على سعادتهم وحماسهم البادي عليهم، في حين هتف أحد الصبية على زميله بتعصب:

- تعال العب معانا هيغلبونا    


            


              

                    


رد الآخر عليه وهو يركض نحو فرن الخبز القريب :

- هجيب عيش لأمي الأول، استنوني يا عيال     


كانت تتبع الصبي بعيناها 

حين وجدته يحشر وسط حشد من الناس يقفون بصفوف غير منتظمة   ويجاهدون وهم ينتظروا دورهم في الحصول على ذلك الخبز الذي هو من وجه نظرها لا يستحق العناء للحصول عليه 

لاحظ هو شرودها وتتبع نظراتها قائلًا :

- متركزيش يا انسه ويلا مدي ايدك علشان هنتأخر على جامعتك     


تعلقت عيناها به وتسألت من وجهة نظرها السطحية للأمور :    


- هما ليه بيتعذبوا كده في الشمس ومتحملين الأنتظار  ما يقدرو يشترو عيش من السوبر ماركت ومن غير تعب عادي     


قهقه هو بقوة حتى بانت غمازته مما جعل نظراتها تحتد وهي تشعر انه يهينها بسخريته، بينما هو أجابها مبرر بعدما تهادت ضحكاته :    


- الناس دي غلابة يا انسة وهما هنا علشان الدولة مدعمة العيش ليهم؛ علشان يسد جوعهم، ده في منهم بياكلوه حاف من غير غموص و بيباتوا حامدين شاكرين     


اشرأبت برأسها وسألت بتلقائية لم تتعمدها :    


- ليه هو طعمه حلو اوي كده ؟؟!    


كبت ضحكته بِصعوبة وأجابها متهكمًا وهو يرفع حاجبيه ساخرًا :    


- أمال ايه ده مليان فيتامين     


هزت رأسها مرة أخرى واستندت على ظهر مقعدها وهي تشرع بلأكل حين قال بنبرة راضية مفعمة بالكبرياء :    


- على فكرة انا واحد من الناس الغلابة دي وعلشان كده بقولك أن اللقمة اللي بتيجي بعد  تعب و جوع بيبقى ليها طعم مختلف محدش يعرفه غير اللي عارفين قيمة الصبر والرضا     


أبتسمت من تحليله البسيط للأمور و تلقائيته معها وقالت وهي تغمس طرف المعلقة بطبق الفول وتدسها بفمها :    


- هو انا اكيد مجربتش اللي بتقول عليه ده بس طعمه حلو     


هز رأسه وأخبرها مشاكسًا :

- لا انتِ فاهمة غلط انا مش عازمك عند الخواجة كنتاكي انتِ لازم تواكبي المكان     


عقدت حاجبيها غير مستوعبة شيء من حديثه، بينما هو كان يقطع لقمة كبيرة من رغيفه قائلًا بِحماس ادهشها :

- بصي لازم تعملي مركبة كبيرة وتغطسيها في الطبق  زي كده هتحسي بطعمه احلى     


قالها وهو يدس لقمته بفمه ويحسها بعينه أن تجرب مما جعلها بالفعل تقلده وهي تبتسم بسمة واسعة لا تعرف كيف تسربت من كآبتها المعتادة .

----------------------------

 كانت الأجواء هادئة  بينهم  بعد آخر مشادة  فهي تتصنع الغضب وهو يتجاهلها حتى انه  ينفرد بغرفته طوال الوقت كي لا يتصادم معها وتخرجه عن طوره كعادتها، خرج من شروده على صوت والدته التي انتهت مكالمتها مع "رهف" لتوها :    


- "رهف" صوتها مش عاجبني .......    


انتبه لحديثها وسألها :    


- ليه يا أمي بتقولي كده!! هي قالتلك حاجة 

أجابته بِفطنة :    


            


              

                    


- يظهر أن "حسن" مزعلها  

وهي انا عارفاها طول عمرها كتومة   وعمرها ما هتشتكي     


اجابها بِحسرة على حال صديقه :

- "حسن "غبي وبيستغل ان "رهف" ملهاش حد غيره ومش هتقدر تسيبه    


لتؤيده" ثريا "بِحزن على حال تلك المسكينة  :

- بس ليها طاقة وبني أدمة لازم يراعيها ويحترم نفسه ده لو لف الدنيا ميلقيش حد زيها، أنا مش هسكت انا بعز "رهف "زي بنتي ولازم أبهدله دي ملهاش غيرنا بعد موت أهلها     


تنهد هو وقال في ضيق :

-ياريت يا امي تعرفي تفوقيه قبل فوات الآوان

---------------------------

أما عنها فقد  وضعت الهاتف من يدها  وظلت شاردة بعيون تفيض بالأسى فكم أرادت ان تبوح وتخفف عبء قلبها ولكن دائمًا ما تخشى على  صورته أمام احد حتى ولو كانت لتلك السيدة الحنون التي بمثابة والدته،  تنهدت بعمق بعدما لفت انتباهها صراخ أبنها على شقيقته؛ يؤنبها على كسرها  لأحد ألعابه في حين صغيرتها كانت تبكي بقوة آلمت قلبها وجعلتها تتدخل كي توجهه وهي تحتضنها وتمسد على ظهرها  :    


- حبيبي متزعقش لأختك عيب كده  هتزعلها منك وهي بتحبك .......    


ليرد الصغير بِتلقائية :

- هي غلطت، وانا بزعق زي بابي 


  افحمها حديثه وجعلها تشعر أن الأرض تدور بها، بينما خرجت ابنتها من بين أحضانها وأخبرته بِنبرة باكية :    


-  مش كان قصدي وبلاش تزعقلي علشان مش هكلمك تاني     


ليجيبها الصغير  :

- طب مش تزعلي مني .....واعملي زي مامي    


غامت عيناها تحاول ان تتمالك اعصابها فكم أستطاع ابنها رغم صغر سنه إلا أنه ذكرها انها تقدم كبريائها تحت قدم أبيه، نفضت افكارها بعدما تدخل قلبها اللين كالعادة وقالت معاتبة لأطفالها :    


- احنا مينفعش نقلد الكبار يا "شريف"

وأخر مرة تزعل اختك ....العبوا مع بعض ....واللعبة اللي اتكسرت هجبلك غيرها .....يلا صالحها    


راضى" شريف" شقيقته لتبتسم الآخرى بأسنانها المنقوصة وتخبره في مرح  :    


- تعال نلعب استغماية

= بس انتِ اللي تستخبي وانا هدور عليكِ    


لتشجعهم "رهف "وتقترح :

- طيب ايه رأيكم انا هلعب معاكم وانتو الاتنين تستخبوا

ليهللون بسعادة  ويذهبون من أمامها لتنظر آثارهم بحزن شديد على ما توصل له حال زوجها ويؤثر بالسلب عليها وعلى أطفالها، فقد تفاقم الأمر بينهم حتى انه أصبح غير محتمل .... طوال الوقت شارد، حزين، لا تعلم ما حل به، ينفعل من كلمة صغيرة وتثور ثورته إِن حاولت الأقتراب منه، بل والأنكى من هذا انه  يتصيد لها الأخطاء ويظل يؤنبها مما جعلها  ...بائسة منطفأة طوال الوقت  تدعوا الله ان يفك كربتها 

---------------------

استعدت للذهاب لجامعتها بِحماس كبير على غير عادتها، ربما لكونها طوال الليل تسترجع أحداث أمس المثيرة بالنسبة لها وجعلت الفضول يدفعها نحو كل شيء وقعت عيناها عليه، أبتسمت بسمة عابرة وهي تتذكر أحاديثه العفوية التي تحمل منطق غريب خاص به ورغم أنها لم تستوعب الكثير؛ إلا أن منطقه راقها وكم شعرت بالخزي من سطحية أفكارها مقارنة به هزت رأسها تنفضه عنها كي تستأنف تصفيف شعرها أمام مرآتها كي لا تتأخر ولكن، اجفلها صوت إشعار قادم من هاتفها من ذلك الحساب الوهمي التي انشأته خصيصًا كي تتبع به شخص بعينه دون ان يعلم هويتها، تقلصت ملامحها وهي تطالع  

شاشة هاتفها تنظر إلى تلك الصورة العائلية التي تضم سيدة جميلة ذات فيروزتان تشابه خاصتها، ورجل ذات وجه بشوش للغاية يحاوط خصرها من جهة وصبي وفتاة من جهة أخرى، فكم كانت الصورة مفعمة بالألفة وكم كانت نظرات السيدة لأبنائها وزوجها مفعمة بالفخر والأعتزاز، شهقة قوية خرجت من جوفها تنعي حالها وتبعها صراخها بقوة وقذفها لأنينة العطر خاصتها بالمرآة  تهشمها محدثة ضجة قوية جعلتها تصرخ وتصرخ وهي تضع يدها على اذنها وتنهار جاثية على ركبتيها غير عابئة بقطع الزجاج المتناثرة حولها وهي تنتحب بألم و بحرقة جثت على صدرها فماذا فعلت هي كي تتخلى عنها وتكتفي بهم؟!

 أليس من حقها ان تتمتع بذلك القرب مثل ابنائها؟!

 على ماذا تعاقب هي لاتعلم ولكن كل ما تعلمه أن لا يوجد احد يهتم بها ولا بحياتها لا احد يشعر كم ان شعور التخلي والوحدة قاتل بالنسبة لها، ظلت الأفكار السوداوية تداهمها إلى أن وجدت ذاتها تلتقط أحد قطع الزجاج بين يدها وترفعها أمام نظراتها الضائعة تنوي فعل ما هيأه لها شيطانها، فإذا هم يستطيعون التخلي بتلك البساطة، فالآن حان دورها وحقًا هي غير عابئة حتى لو كان الثمن حياتها   

-----------------


🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺        


     بقلم الكاتبه       ♥ ريم كريم ♥


 الفصل السابع 

هدرت بها "ثريا" ما أن رأتها لتبرر وهي تمرر يدها بِخصلاتها القصيرة :    


-دي الموضة يا مرات يا بابا 

= يا حول الله يارب موضة أيه بس يا بنتي ده زينة البنت شعرها     


نفخت اوداجها ولم تعطي لحديثها أي أهمية ودخلت غرفتها، لتضرب "ثريا" كف على آخر وتقول وهي تلحق ب "يامن" إلى غرفة مكتبه :    


- رجعت ليه يا بني مش عندك شغل     


= آه يا أمي بس نسيت ملف مهم ورجعت علشان اخده     


هزت رأسها بتفهم وأردفت وهي تجلس على أحد المقاعد القريبة :    


- البنت بتعند يا" يامن" .....    


تنهد وأخبرها بقلة حيلة :

- عارف يا أمي وعلشان كده محبتش أبينلها إني أتضايقت من قص شعرها     


لتتنهد والدته وتقترح بِفطنة:    


- أسمع يا بني عايزاك متضغطش عليها .....سيبلها الحبل شوية ..."نادين" متربية وعمرها ما هتغلط ......هي مش مقدرة خوفك وحاسة انك مفروض عليها .....يمكن وقتها يا ابني، تحس أنها مش مجبورة وتقدر حبك 

مرر يده بِخصلاته البُنية وأخبرها ببعض التردد فهو لا يضمن ذاته عندما يتعلق الأمر بها :    


- هحاول يا أمي 

------------------------- 

تردد بدل المرة ألف وهو يتطلع لرقمها المسجل الذي أخذه من والدها سابقًا لكي ينسق معها مواعيد العمل، فظل يجاهد تلك الرغبة التي تلح عليه أن يهاتفها منذ أن أخبرته مربيتها انها ليست على ما يرام ولن تذهب اليوم ايضًا لجامعتها انتابه القلق وأراد حقًا أن يطمئن عليها ولكنه تراجع باللحظة الأخيرة وهو يلعن ذلك الفضول الذي يدفعه نحوها فما شأنه هو! ليقذف الهاتف من يده على الفراش ثم يزفر أنفاسه حانقًا عندما تذكر حديث تلك الصفراء له وظل يتساءل أيعقل! أن يكون حدسه نحوها بغير محله رفض عقله التصديق بتاتًا وظل ساهمًا، يفكر بتروي غافل عن تلك التي كانت تتابعه منذ دقائق وجلست بِجانبه متسائلة وهي تضع كوب من الشاي الساخن على الكومود خاصته :    


- مالك يا "محمد" من ساعة ما جيت الضهر وأنت مش على بعضك    


زفر أنفاسه وأخبرها بنبرة مختنقة :    


- مفيش يا" شهد" مضايق شوية وفي موضوع شاغلني     


=ايه اللي شاغلك هو حد ضايقك في الشغل؟    


تسألت هي بِخوف مترقبة وهي تربت على ساقيه، تعلقت عينه بها بعدما لامس خوفها الجلي على نبرتها وقال مطمئنًا:

- متقلقيش مفيش حاجة كل الموضوع أن صحبتك دي مش نزلالي من زور ومستغرب كنتِ مصحباها ازاي    


ابتسمت "شهد" بعدما أزاحت خوفها جانبًا واخبرته :    


- أحنا كنا في جامعة واحدة وزمايل بس مكناش قريبين من بعض وبالصدفة قابلتها وحكيت لها عن ظروفي وقررت تساعدك    


هز رأسه بتفهم وأخبرها مشاكسًا :    


- طيب طمنتيني انكم مش صحاب اوي علشان بس لو حبيت اجيبها من شعرها متزعليش عليها    


لطمت صدرها وصاحت :

- لأ الله يخليك اوعى تعمل كده وتقطع عيشك بأيدك ده احنا مصدقنا من يوم ما اتخرجت وانت دايخ على شغل وأديك شايف الحال بعد وفاة "فايق"    


تنهد وجذبها يقبل جبينها قائلًا بنبرة حنونة :

- متقلقيش ........مفيش حاجة مخلياني ماسك في الشغل ده بأيدي و سناني غيركم وإذا كان على صاحبتك أمري لله هسايرها بس لغرض معين في دماغي ويا رب أكون غلطان     


وعند لفظه لأخر جملة صدح رنين هاتفه وعندما التقطه اتسعت عيناه مذهولًا عندما وجد رقمها، ليتحمحم يجلي صوته كي يصدر لين ورد وهو يهب واقفًا امام نظرات شقيقته المستغربة :    


- انسه "ميرال" تحت أمرك     


لم يأتيه غير صوت نحيب قوي من الجهة الأخرى وتلاه قولها بنبرة مرتعشة واهنة لا تنبئ بالخير بتاتًا :    


- ألحقني .................



🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺        


     بقلم الكاتبه       ♥ ريم كريم ♥ 


الفصل  الثامن                            

                                          


كي لا نسمح لِلخُذلان بِالتسرُب إلينا، علينا ألا نَرفع سقف توقعاتنا بأحد.

-------------------------

- انسه "ميرال" تحت أمرك     


لم يأتيه غير صوت نحيب قوي من الجهة الأخرى وتلاه قولها بنبرة مرتعشة واهنة لا تنبئ بالخير بتاتًا :    


- ألحقني .................    


فرت الدماء من عروقه وتسارعت وتيرة أنفاسه وتساءل بوجل :    


-خير حضرتك أنتِ كويسة؟!    


أجابته بِضياع وبنفس النبرة المرتعشة الواهنة :    


-انا مش كويسة....أنا.....كُنت...أصل مش عارفة اسوق .....ارجوك تعالا    


مسد جبهته بإبهامه وسبابته وكأنه يحاول يستوعب شيء من حديثها الغير متزن كي يتدارك الأمر وخاصةً عندما سقطت عينه على ساعة الحائط و وجدها تعدت الواحدة صباحًا:    


-قوليلي أنتِ فين؟دقايق وهبقى عندك     


قالها بِعُجالة شديدة وبكامل صوته الأجش وهو يأخذ حافظة نقوده و يتناول ملابسه يرتديها مهرولًا و يخرج من منزله غير عابئ بتلك الأسئلة التي تنهال عليه من شقيقته، فقط كل ما يشغله هو أن يصل لصاحبة الفيروزتان البائسة ويطمئن عليها 

---------------------

استقل سيارة أجرة كي يصل لها في أقل وقت ممكن وها هو وصل لتوه لتلك المنطقة النائية بعد الشيء التي أوصلها بالقرب منها سابقًا، ولسوء حظه رفض السائق أن يدخل بها متحجج بتأخر الوقت وكونها غير آمنة، تفهم موقفه وهو يلعن تحت انفاسه غاضبًا فماذا تفعل هي بذلك المكان وبذلك الوقت؟ 

تدلى من السيارة بعد ان أعطاه أجرته كاملة ثم خطى خطوات واسعة يبحث عنها وسط ذلك الهدوء المريب و عتمة المكان، ضوء قوي لفت نظره من الخلف ليلتفت يرى موتور يقترب و يجلسون على ظهره أثنان يبدو عليهم عدم الاتزان يرددون كلمات تلك الأغنية الشعبية الركيكة الصادرة من المسجل خاصتهم، مروا من جانبه ولكن شعر بالريبة عندما وجدهم يبطئون سرعتهم بقرب سيارة تصطف بِجانب الطريق وتدلوا يحومون حولها، زفر بقوة وهو يدعوا الله أن تخيب ظنونه ولكن بالفعل صدقت عندما اتضح لون السيارة بفضل الضوء الصادر من الموتور وتأكد انها هي، مما جعله يطلق العنان لقدمه كي يصل لها    


بينما على الجانب الآخر قال أحدهم يخاطب الآخر وعينه مصوبة تخترق زجاج النافذة المغلق على تلك المنكمشة بوهن والذعر يحتل معالم وجهها :    


-دي هتبقى ليلة أخر روقان يا زميلي    


ليؤيده الآخر بنبرة ثقيلة تدل على عدم اتزانه وهو يطرق على زجاج نافذتها المغلق :    


- افتحي العربية يا مُزه أنتِ بتاعتنا الليلة     


نفت "ميرال" برأسها وهي تنتفض من شدة رعبها وهي قاب قوسين أو ادنى من أن تفقد وعيها لولآ صوته الأجش الذي تسربل لمسامعها طمئنها:    


- استهدوا بالله يا شباب العربية تخصني واللي جواها دي تبعي وهاخدها وامشي من غير مشاكل    


                                  


              

                    


قالها بكل رزانة دون ذرة تهور واحدة كي لا يعرضها للخطر ولكن لسوء حظه لم يعجبهم حديثه ودفعه أحدهم بصدره قائلًا :    


- نعم ....انت مين ياض دي منطقتنا والمُزة دي تلزمنا ....غور من هنا     


لم يتزحزح شبر واحد من موضعه وقال بنبرة محذرة قوية وهو بالكاد يتحكم بنفسه كي لا يفتك بهم:    


- مش همشي وقولتلك العربية باللي فيها تبعي خلينا نمشي والطيب أحسن     


حانت من آحدهم بسمة إجرامية يعلمها جيدًا واتخذ حذره منها حين أشهر أحدهم مديته الفضية بوجهه يهدده بها وحينها حقًا لم يشعر بذاته إلا وهو يقبض على رسغ الأول ويلويه خلف ظهره ويضغط عليه بكل قوته حتى سقطت المدية من يده ويعاجل الثاني الذي يكاد يهجم عليه بركلة قوية استهدفت معدته وجعلته يتهاوى على الأرض يتلوى من شدة الألم، ليدفع الأول عنه و يباغته بركلة قوية جعلته يغتاظ ويهجم عليه يسدد له عدة ضربات في أماكن متفرقة جعلت "محمد" يتفاداها قدر المستطاع ولكن مع ذلك نال جسده العديد منها قبل أن تثور ثورة غضبه واصبح اعنف واشد أصرار حين سيطر هو بحركة مباغتة و اعتلاه وظل يكيل له حتى أنهكه على الأخير و أصبح نتيجة الشجار حتمية له ولكن في غفلة منه كان يتناول الثاني المدية ويجرحه بها بذراعه كي يترك زميله وبالفعل ذلك ما حدث عندما زمجر بقوة يلعنهم ونهض عنه يتفقد ذراعه ليستغلوا الأمر وفي لمح البصر كانوا يفرون من أمامه بالموتور الخاص بهم مثل الجذران المذعورة 

لينظر هو لآثارهم بغضب قاتل وهو يلعنهم بصوت جهوري ويتوجه لها صارخًا:    


- افتحي الزفت العربية خلاص مشيوا     


نفت برأسها بطريقة هستيرية وبهيئة مذرية للغاية فكان بؤبؤ عيناها متسع وترتجف بشكل جعله يتفهم ما بها    


ليتناول نفس عميق كي يهدأ ثم قال بعدما أجلى صوته كي يصدر لين كي لا يفزعها أكثر:    


- أنسة "ميرال" أهدي أنا معاكِ وهما خلاص مشيوا ......أفتحي العربية وخلينا نمشي من هنا    


قال آخر جملة وهو يهز رأسه يحفزها بنظرات مطمئنة جعلتها تنصاع له وتفتح بابها بأيدي مرتعشة، ليمد لها يده كي يساعدها على النزول كي تفسح المجال له لقيادة السيارة وتجلس بالجهة الآخرى ولكنها همست بنبرة واهنة ضعيفة للغاية:    


- مش قادرة اتحرك     


ضاقت بندقيتاه يحاول ان يستشف ما بها وكم أراد أن يصرح بتلك الشكوك التي تعصف برأسه نحوها ولكنه اكتفى بسؤالها :    


- حاسة بأيه طيب تحبي نروح مستشفى نطمن عليكِ    


نفت برأسها بطريقة هستيرية وقالت برفض قاطع وهلع ظهر جلياً على ملامحهاولسوء حظها بطريقتها تلك أكدت له ظنونه :    


-لأ ملوش لزوم ...... أنا هبقى احسن بس روحني     


مهلًا الآن تفهم ما بها، هي ليست بكامل وعيها ويبدو أنها تعاطت شيء ما يفقدها السيطرة على جسدها، زفر انفاسه دفعة واحدة واحتل الغضب معالم وجهه وهدر منفعل :

-حاولي تنقلي على الكرسي اللي جنبك    


            


              

                    


أومأت له وبالفعل أزاحت جسدها للجهة الآخرى ، ليتخذ هو موقعه خلف الموقد و بعصبية مفرطة أدار السيارة وباشر بالقيادة غير عابئ بجرح يده فقد كل ما كان يشغله كيف خانه حدسه نحوها وخالفت كافة ظنونه وعند وصوله لتلك الفكرة تذكر حديث زوجة أبيها الذي يبدو أنه صادق ليعلن تحت انفاسه وهو يرمقها شذرًا وهي تسند رأسها وتغمض عيناها ولا يعلم هل سقطت في سبات عميق أم فقدت وعيها

-------------------

بعد عدة ساعات وبعد بزوغ الفجر رمشت بعيناها تحاول جاهدة أن تسترد كامل وعيها لتجد ذاتها مازالت داخل السيارة المصفوفة جانب الطريق قرب منزلها، وتراه هو يستند على مقدمة السيارة وشاخص بنظراته لبعيد 

أعتدلت بِجلستها وهي تمسد جبهتها لعلها تخفف ذلك الألم الذي يفتك برأسها ولكن دون جدوى، ليصدر منها آنه متألمة جعلته ينتبه لها ويعود أمام المقود قائلًا بوجوم شديد دون ان ينظر لها:    


- كويس انك فوقتي علشان معرفتش ادخلك القصر ازاي وانتِ بالحالة دي     


صوته أعادها لرشدها وجعل الأحداث تتوافد أمام عيناها مما جعلها تنظر له بِضياع بأعين متسعة قائلة:    


- أنا آسفة ....اعصابي كانت بايظة و مكنتش عارفة اسوق ومفيش غيرك جه في بالي اكلمه    


هز رأسه بِملامح ثابتة وأخبرها بعملية شديدة:    


- انا تحت امرك بس لازم "فاضل" بيه يعرف باللي حصل     


نفت برأسها بقوة وتمسكت بذراعه ترجوه غافلة عن جرحه الذي آلمه حين فعلت :    


- لأ ارجوك يا" محمد" .....بلاش تقول ل بابا     


جز على نواجذه بقوة ولم يعد يتحمل أكثر ليحتل الألم معالم وجهه ويسحب ذراعه من قبضتها مما جعلها تستغرب فعلته ولكن عندما انتبهت ولاحظت شق قميصه وتلك القطرات الحمراء التي جفت عليه صرخت بهلع :    


- أيدك مالها انت اتعورت؟!    


نفى برأسه واخبرها من بين اسنانه بنفاذ صبر:    


- بسيطة خليني اوصلك واخلص من اليوم ده ......    


قالها وهو يشعل المقود ويشرع بالقيادة ولكنها منعته راجية:    


- استنى ارجوك .....اوعدني متقولش لبابا عن اللي حصل     


زفر انفاسه دفعة واحدة وهو يمسد جبهته بسبابته وابهامه قائلًا :    


- مقدرش اوعدك بحاجة     


أغمضت عيناها بقوة ثم أجهشت بالبكاء وهي تعتدل بِجلستها وتخفي وجهها بكفوفها وكأنه بجملته تلك قطع خيوط أملها، ولكنه باغتها :    


- غير لو قولتيلي كُنت بتعملي ايه في المنطقة دي بعد نص الليل؟!     


هو خمن السبب ويكاد يكون متأكد منه مليون بالمائة، ولكنه أراد أن يستمع لتبريرها التي كانت عاجزة هي عنه الآن ولم يصدر منها شيء غير صوت شهقاتها التي ظلت تتعالى دون انقطاع     


            


              

                    


شعر بالضيق لرؤيتها هكذا ولكن لا يستطيع ان يخالف ضميره وقد أخذ قراره ولن يتراجع، فحقًا هو لا يريد أن يقحم ذاته بشيء لا يعنيه، تفعل ما تفعله ومن المفترض أن والدها هو من يتخذ إجراء معها، أما هو لا يخصه هو فقط مجرد سائق يقوم بعمله لا أكثر :    


- أنا هرجعك القصر و لما يرجع" فاضل" بيه هبلغه بنفسي وهو يتصرف أنتِ خالفتي أوامره وخرجتي لوحدك ده غير انك مكنتيش في وعيك نهائي وانا مينفعش أخالف ضميري واسكت     


أزاحت يدها تطالعه بِضياع وبعيون كلون الدماء قائلة بنبرة مختنقة باكية:    


- بلاش ارجوك واوعدك مش هتتكرر تاني     


نفى برأسه بعدم اقتناع مما جعلها تهمس بنبرة واهنة يائسة لأبعد حد وهي تنظر له نظرات غريبة لم يتفهمها ولكنها زلزلت قاع قلبه :    


- على العموم شكرًا انك ساعدتني ........انا عارفة إني غلطانة واستاهل كل اللي يجرالي     


ذلك آخر ما قالته قبل أن تنكمش تستأنف وصلة نحيبها وهي تستند برأسها على زجاج نافذتها بوهن شديد وبوجه شاحب يحاكي الموتى، أما هو كان يطالع هيئتها بملامح متأثرة متعاطفة وخاصًة بعد أن استشف صدق نبرتها المغلفة بالندم مما جعله يكاد يخرج عن ثباته ويتراجع عندما داهمه ذلك الشعور الغريب تجاهها ولكنه لعن غبائه ولعن كل شيء حوله وتلك الهواجس التي تراوده ويستحيل حدوثها، ليزيح كل شيء جانبًا و ينطلق بها جهة القصر وهو ينوي أن لا يتراجع عن قراره 

-----------------------

أما داخل ذلك المنزل الذي يعج دائمًا بالمشاحنات فقد

كانت هي باهتة ليس ككل يوم تتحرك بحركات متهدلة إلى طاولة الطعام مما جعله يلاحظ ذلك بوضوح ليضيق عينه وكأنه يحاول سبر اغوارها بينما هي جلست بعيون منتفخة قليلًا أزعجته وجعلته يسألها بِقلق حقيقي :    


- كنتِ بتعيطي ليه ؟؟؟    


نفت برأسها وهي تتناول قطعة من الخبز وتباشر فطورها مما جعله يزفر بضيق و يشيح بنظره عنها فرؤيتها هكذا تألمه بل تعتصر قلبه، لتنظر" ثريا "لها وتسألها بِود حقيقي:    


- إيه اللي مزعلك يا بنتي قوليلي انا زي أمك    


نفخت اوداجها وصرخت بها بِعجرفة وقوة تخالف ما تشعر به :    


- مفيش حد زي أمي .....وياريت كفاية تمثيل لغاية كده انا زهقت منك انتِ وابنك     


زمجر لاعنًا ثم صرخ بها كي يردع تمردها :    


- نااااااادين كفاية كده اسكتِ    


لتعترض وهي مازالت محتفظة بتمردها :    


- مش هسكت .....مش هسكت يا "يامن" واعلى ما في خيلك اركبه     


شهقت "ثريا" بينما هو كان يشعر أن كل خلية به تنتفض من فرط عصبيته ليجذبها من ذراعها ويدخلها غرفتها تحت مضضها وتلويها بين يده ومناجاة "ثريا" له كي تمنعه تخوفًا أن يؤذيها، ولكنه طمئنها بنظراته وهو يدفع الآخرى ويغلق الباب، طالعته هي بغيظ وبنظرات مشتعلة حين صرخ بها بنفاذ صبر:    


            


              

                    


- أنتِ عايزة ايه ؟؟؟؟؟

ارحميني انا اعصابي تعبت ومبقتش مستحمل .......قوليلي بتعملي ليه كده؟!    


اجابته منفعلة وهي تلوح بيدها :

- أنت عارف ....وامك كمان عارفة ....انا بكرهكم يا "يامن" ....بكرهكم     


شعر وكأن خنجر مسموم انغرس بقلبه من تصريحها، ولكنه يحفظها عن ظهر قلب ويعلم أن يوجد شيء يعكر صفوها ولذلك تتحامل عليه وعلى والدته، ليحتل الحزن عينه ويقول بثبات اجاده:

- مطلبتش منك تحبينا ......انا وامي كنا بنحاول نواسيكِ مش اكتر     


حانت منها بسمة ساخرة وردت بنبرة ممزقة :    


-اللي يشوف كده يقول إنكم قلبكم عليا .....     


كانت تكبت دمعاتها بصعوبة بالغة ولكنها بطبيعتها القوية هدرت بوجهه دون أي لباقة :    


- اطلع بره وسيبني لوحدي     


لا يعلم لمَ لم ينصاع لها بل وجد نفسه يقترب منها و يجذبها بقوة داخل أحضانه ويقول بحنو حقيقي :    


- عيطي يا "نادين" يمكن ترتاحي     


دفعته وارادت الخروج من بين يده ولكنه لم يعطيها فرصة لذلك وانزلق معها حين نزلت على ركبتيها على الأرض و شدد أكثر على جسدها وهو يهمس بنبرة مطمئنة و يطبع قبلة حنونة على منبت شعرها :    


- اهدي .....علشان خاطري .....انا جنبك انا عارف ان انا أخر واحد في الدنيا عايزاه جنبك بس والله مش هضايقك ........ أهدي ...    


استكانت بين يده وأجهشت ببكاء مرير جعله يمسد على ظهرها صعودًا وهبوطًا بطريقة حانية جعلتها تغمغم من بين دمعاتها :    


- النهاردة ذكرى وفاة ماما .....أنا عايزة اروح ازورها     


زفر بضيق شديد وظل يلعن نفسه ربما للمرة الألف فكيف غفل عن ذلك اليوم وهو يعلم أهميته بالنسبة لها، 

ليخرجها من بين يديه ويمسح دمعاتها بأطراف انامله قائلًا بأسف حقيقي:    


- الله يرحمها .......حقك عليا والله نسيت ....هخدك دلوقتي ونزورها وهعملك كل اللي انتِ عايزاه بس بلاش أشوف دموعك دي تاني     


أومأت له باكية بينما هو لم يتحمل رؤيتها هكذا ليجذبها مرة أخرى لأحضانه ويهمس بنبرة صادقة نابعة من صميم قلبه :    


- دموعك بتقتلني يا "نادين " ..... انا عمري كله فدى دمعة واحدة من عينك .....أهدي و انا والله مش هضغط عليكِ تاني ولا هضايقك .......    


تشبثت به بقوة و دفنت وجهها بين ثنايا عنقه بطريقة أربكته للغاية وجعلت وجيب قلبه يتعالى، بينما هي كانت مأخوذة بتلك الطمأنينة التي تشعر بها الآن، ولكن ازعجها خفقات قلبه المتعالية لتضع يدها على موضعه وكأنها بتلك الحركة البسيطة تريد طمئنته دون قصد لتخرج من بين يديه ببطء مميت لكليهما وخاصًة عندما اشتبك بارود عيناها مع لهيب ناعستيه التي تفيض بمكنون قلبه الذي لم يجرؤ ابدًا عن الإفصاح لها به، بينما هي كانت نظراتها حائرة ، ضائعة، مشتتة، هائمة بوجهه القريب للغاية منها وهي تشعر بنبضة عاصية صادرة من خافقها تشارك صخب قلبه، دام تعانق عيناهم لعدة دقائق مما جعل وتيرة أنفاسه تتعالى شيء فشيء وهو يستغفر بسره فذلك القرب المهلك منها سيجعله يفلت زمام نفسه ويستغل تلك الحالة النادرة التي هي عليها ليزيح بعينه ويقول بتهدج وبثبات بالكاد تقمصه:    


            


              

                    


- أنا مقدر حزنك .....بس صدقيني البكى مش بيرجع اللي راح     


هزت رأسها بحركة بسيطةودمعاتها مازالت تنسل على وجنتها تستغرب ذلك الشعور التي لأول مرة يراودها، ليمرر هو أبهامه على وجنتها يزيح تلك الدمعات النادرة ويقول ببحة صوته المميزة :

- هستناكِ برة عقبال ما تجهزي     


اومأت له بطاعة يعشقها منها، ليبتسم بسمة حانية و ينزل يدها التي مازالت تستقر على موضع خافقه ويلثمها بحنو شديد تحت نظراتها الضائعة و ينهض ويغادر، لتظل هي تنظر لظهره بنظرات هي نفسها لاتعلم مكنونها ولكن كل ما تعلمه انها شعرت براحة غريبة بين يديه وبراحة أكبر من احتوائه لها وتفهمه سبب خروجها عن طورها .

--------------------------

- نورتي يا ماما "ثريا " والله     


قالتها "رهف "مُرحبة بتلك السيدة الحنون التي أتت خصيصًا لكي تطمئن عليها، ولكن "رهف"بطبعها اخبرتها ان كل شيء على ما يرام مما جعل "ثريا" تتسأل مشككة :    


- يا بنتي اتكلمي انا زي أمك وقلبي واكلني عليكِ ده انا ما صدقت "يامن" خد

" نادين "وخرجوا علشان أجيلك    


أبتسمت" رهف" ببهوت وأخبرتها وهي تناولها كوب العصير التي حضرته من أجل ضيافتها قائلة ببعض التردد وعدم ثقة زرعها بها :    


-متحرمش منك يا ماما كل الحكاية بس أن حسن متغير .......    


شهقت "ثريا "وتساءلت بتوجس:    


- شوفتي عليه حاجة؟!    


هزت رأسها كونها لا تملك جواب قاطع، رغم العديد من المواقف التي أثارت ريبتها نحوه ولكن لا يوجد لديها دليل قاطع يدينه، قطع صراع عقلها سؤال "ثريا" من جديد :    


- انا عارفة انك عاقلة يا بنتي ومش عايزة تخربي بيتك بإيدك بس فضفضي يمكن ترتاحي .....ده انتِ خاسة النص و وشك أصفر زي اللمونة     


أبتلعت" رهف" ريقها بحلق جاف وأصرت على موقفها كي لا تضعه بموقف سيء أمام خالته قائلة بثبات مصطنع:    


-لو في حاجة كُنتِ انتِ أول واحدة قولتلها .....انا بس تعبانة شوية وفي دوخة غريبة كده بتجيلي     


شهقت" ثريا" بقلق وقالت معاتبة :    


-طب مستنية ايه؟ لازم تكشفي وتعرفي فيكِ أيه انا بكرة الصبح بعد ما توصلي الولاد هاخدك واخلي الدكتور يطمني عليكِ     


أومأت "رهف" بامتنان حقيقي فكم اسعدها اهتمامها وقلقها الذي لم يخصها أحد به قط منذ وفاة اهلها، لتحتضنها قائلة بعيون غائمة متأثرة :

- ربنا يخليكِ ليا مش عارفة من غيرك كنت عملت ايه     


تنهدت" ثريا "وهي تربت على خصلاتها بحنو قائلة بنصح:    


-اسمعي مني يا بنتي محدش هينفعك هو اه "حسن" ابن اختي بس ميستهلش تهملي نفسك بسببه، لازم تاخدي بالك من صحتك محدش هينفعك     


            


              

                    


هزت "رهف" رأسها بتفهم وهي تخرج من احضانها وتجفف دمعاتها قبل أن يصل هو بمزاج رائق للغاية مرحبًا :    


- اهلًا يا خالتي ايه المفاجأة الحلوة دي والله وحشاني    


زغرته "ثريا" ثم لوت شدقيها وقالت معاتبة :    


- المفروض الصغير هو اللي يسأل على الكبير مش العكس يا ابن اختي     


تحمحم وبرر وهو يجلس بجوار" رهف" يحاوط كتفها بلطف مخالف لحالته السابقة :    


- حقك عليا والله مشغول وعلى أخري المشروع لازم أسلمه كمان كام يوم هي "رهف" مقالتلكيش أن طالع عيني ولا ايه!     


كانت جملته الأخيرة بمثابة معاتبة صريحة لها كونها لم تغطي عليه كعادتها مما جعلها تهدر بدفاع تؤيده وكانها مبرمجة على فعل ذلك:    


- اه فعلًا كان مشغول اوي معلش اعذريه     


أومأت "ثريا "بمسايرة وحستها بعيناها أن تتركهم لحالهم وبالفعل نهضت قائلة وهي تنظر لساعة يدها :    


- انا هنزل استنى الولاد تحت البيت الباص زمانه على وصول    


وإن غادرت قالت "ثريا "بحدة دون أي تهاون :

- اسمع يا ابن اختي من غير لف ولا دوران ............مراتك أصيلة وبتحبك اتقي الله فيها وارجع لعقلك     


ابتلع رمقه بوجل وتسأل بعيون زائغة :

- هي اشتكت ليكِ؟    


نفت "ثريا" وقالت مدافعة :    


- انت عارف انها كتومة ومش بتتكلم بس انا اللي مش عاجبني شكلها مطفية كده على طول سرحانة حتى الكلام بيطلع منها بالعافية     


زفر بارتياح قائلًا بسخط:    


- هي مهملة في كل حاجة حتى صحتها مترميش اللوم عليا يا خالتي    


وضعت "ثريا" يدها على فمها بغير رضا وهدرت منفعلة تنهره :    


- مهملة ازاي يعني ده جزاتها أن بيتك وعيالك زي الفل دي قايدة صوابعها العشرة شمع لجنابك وانت ولا مقدر     


- بلاش تتحاملي عليا يا خالتي الله يخليكِ انا مش ناقص ويعلم ربنا أنا مش مقصر معاها في حاجة واللي بتطلبه بيجلها     


- مش بالمجايب مراتك عمرها ما كانت مادية واظن انت اكتر حد عارف ده، هي محتجاك انت؛ تشاركها وتقرب منها، دي ملهاش غيرك ولازم تكون أحن واحد في الدنيا عليها وتحتويها وتساعدها في مسؤولية عيالك     


تأفف هو وقال بنبرة ساخطة وبفكر رجل شرقي مازال متمسك بعرفية أفكاره:

-والله انا راجل ومش فاضي للملل ده انا كل اللي عليا أجيب فلوس وألبي كل طلباتهم، وبعدين هي مش بتعمل حاجة زيادة لا ليا ولا لعيالها ده واجبها وشغلها المفروض عليها والستات كلهم بتعمل كده المفروض تحمد ربنا     


تنهدت" ثريا" وهي تشعر بالغيظ من تفكير ابن شقيقتها العقيم لتهدر بجدية شديدة:    


-صوابعك مش زي بعض، وأنت مش عارف قيمة النعمة اللي في ايدك مراتك أصيلة و راضية ومفتحتش بؤها بكلمة علشان بتحبك بس يا ابني، الواحدة مننا ليها طاقة و تقدر تغفر كل حاجة في الدنيا إلا الخيانة    


            


              

                    


هب واقفًا بتوتر بالغ ألتقطته" ثريا "فور قولها وجعلها تتيقن أنه مذنب لا محالة خاصةً عندما قال بعيون زائغة:    


- أنا مش بخونها ويوم ما هفكر اعرف واحدة عليها هيبقى بالحلال     


شعرت" ثريا" بوخذة بقلبها من حديثه وترأى أمام عيناها حياتها السابقة ومصير "غالية" الذي إلى الآن تشعر بالأسى عليها لتقول بنبرة حزينة وعيون غائمة على أثر تلك الذكرى البعيدة :    


- وساعتها يبقى ليها حرية الأختيار يا تقبل يا ترفض تكمل معاك، وصدقني حتى لو كان بعلمها وبرضاها في الحالتين هتكون خسرتها ومش هتستحمل تشوفك مع غيرها    


احتدت عينه من حديثها الذي لم يروقه بالمرة ولكنه على اقتناع تام انها لا تستطيع تركه مهما فعل ستتقبل خطيئته التي يظنها بريئة، مبررة، ومباحة له ولا يحق لها الاعتراض ولكن ماذا إن تركته هل سيتقبل هو ذلك، حقًا لم يفكر في ذلك الاحتمال من قبل     


انتشله من شروده قولها بتحذير قبل ان تهم كي تغادر :

- أوعى تفتكر انها ملهاش حد وأنها ضعيفة تقدر تكسرها لأ أنا أول واحدة هقف في وشك وصدقني وقتها هتبقى أنت الخسران    


ذلك آخر ما تفوهت به تاركته متخبط يلعن تحت انفاسه ويجلس وهو يمرر يده بخصلاته الفحمية في عصبية شديدة فهي نجحت وبشدة في أن تسربل شيء من التردد وربما الرهبة في نفسه بعد حديثها 

-----------------------------

كان يطالعها بعيون حزينة وهي تذرف الدمعات أمام قبر والدتها و تشكوا لها بالكثير، تعمد أن يبتعد قليلًا ليترك لها مساحتها الخاصة ولكن رؤيتها منهارة هكذا يفقده صوابه لا يتحمل دمعاتها ولا هوانها ذلك بل تعود عليها متمردة قوية سليطة اللسان، انتشله من شروده صوتها المختنق أثر البكاء :    


- انا خلصت ممكن نمشي     


هز رأسه لها ببسمة دافئة وألتقط يدها برفق تحت نظراتها المشتتة وسار بها للخارج، لتغمغم هي بعد صعودهم للسيارة :    


- أنا عايزة أروح     


نفى برأسه وقال وحبات القهوة خاصته تشملها بدفء واحتواء لا مثيل له:    


- لأ اليوم بتاعك اطلبي اي حاجة وانا انفذها من غير جدال     


حانت منها بسمة عابرة وسألته بترقب :

- أي حاجة.... أي حاجة ؟    


هز رأسه بتأكيد لتسترسل هي بمكر وكأنها تبدلت لتوها لتلك المتمردة من جديد :    


- عايزة عربية انت عارف ان بابا كان معلمني السواقة     


ابتلع غصة بِحلقه وهمهم بعدم اقتناع :    


- بس انا بخاف عليكِ يا "نادين" ومش.......    


قاطعته هي :    


- هاااااا أنت وعدتني من غير جدال    


تنهد بعمقٍ ومرر يده على ذقنه قائلًا بعدما تذكر نصيحة والدته:    


            


              

                    


-مش هخلف وعدي بس ليا شروط     


ضحكت تلك الضحكة الآثرة للقلوب وصفقت بِحماس جعل قلبه يتراقص على صخبها قائلة بمكر وبعيون لامعة :    


- أخيرًااااااااا ....... انا موافقة والله على كل شروطك بس انت نفذ     


هز رأسه وابتسم ببشاشته المعهودة وهو ينطلق بسيارته إلى أقرب معرض للسيارات كي يلبي طلبها، بينما هي ظلت طوال الطريق تسترق النظرات له و تجاهد تلك النبضة العاصية بقلبها التي تنبأها بشيء لطالما تخوفت منه وتكاد تموت قهرًا إن حدث.

------------------------

اسدل الليل ستائره على ذلك الساخط الذي لا يعرف أين يكمن الرضا، فكان مُمدد بفراشه بجوارها يحاول ان يتوقع كافة الاحتمالات الواردة بشأنها فلا ينكر بعد مغادرة "ثريا" وذلك التهديد الصريح منها، شعر بشيء من الرهبة يتملك منه ليجد ذاته يتودد لها على غير عادته في الآونة الأخيرة قائلًا بلطف وهو يقترب منها يداعب وجنتها لتكف عن تصنع النوم:

- "رهف ".........."رهف "أنا عارف إنك سامعاني ومبتعرفيش تنامي قبلي ليتردد قليلًا ثم يقول بتقطع وكأنه يمَن عليها باعتذاره :    


-أنا.........آسف    


رفرفت هي بأهدابها تؤكد له يقينه، وابتسمت بسمتها الناعمة التي رغم بهوتها الآن إلا أنها تجعله يشعر أن العالم خلى من كل مصائبه ولم يتبقى غير ربيعها و سلامها النفسي الذي ينفض دواخله ويعبث دومًا بأفكاره ونواياه.    


لم تعقب هي بل ظلت تعاتبه بنظراتها مما جعله 

يتنهد عميقٍ ويقترب أكثر منها مبررًا :    


-انا عارف اني زودتها بس كنت مخنوق وأنتِ بتضغطي على أعصابي    


ردت بنبرة متألمة تفيض بالعتاب:    


- انا عمري ما قصدت أضغط عليك ..... انا كنت بحاول أشاركك واخفف عنك بس انت مش مديني فرصة     


ليبرر من جديد بذلك السبب الواهي الذي يحاول ان يقنعها به ولا يمل من ذكره:    


- اعصابي مشدودة من الشغل و اعذريني لو كنت بخرج عن شعوري     


ليرفع يدها يلثمها ويستجديها بعينه ان تغفر له، فما كان منها غير أن تتهاون معه ولكن ماذا بشأن مكالمته وادعائه الغير منطقي حقًا لا تريد المجادلة معه ولكن وجدت ذاتها تتساءل من جديد بقلب يكاد يهوي بين ضلوعها :    


-لما كنت بتتكلم وقلتلي "يامن " كان هو فعلًا.....    


ابتلع رمقه بحلق جاف وأخذ يمرر يده بخصلاته الفحمية وكأنه يبحث عن كذبة مناسبة تقنعها ثم قال بكل تبجح وثقة كي يسايرها :    


-بصراحة .......كانت مكالمة شغل من واحدة من اللي بيشرفوا على تنفيذ المشروع بشركتي ومرضتش اريحك لما سألتيني علشان حسيت انك بتشكي فيا و كنت مخنوق منك ومن اسئلتك الكتير    


حقًا كانت تستمع له مذهولة من تبريره ومن كيفية حياكته للأمر، المفترض أنها الآن تكون سعيدة كونه كشف لها حيلته واراح قلبها ولكن وجدت ذاتها مشتتة لا تعلم كيف استطاع أن يتقن كذبته لذلك الحد وكيف هي كانت غافلة عن مهارات التمثيل لديه لتضيف بإصرار وكأنها تود أن تسد كل الثغرات بعقلها حتى لا يثور عليها :    


-بس انت قولت انه "يامن" حتى قولتله "رهف" بتسلم عليك؟!    


تأفف في ضيق من اسئلتها التي تكاد تودي بثباته و تفضح أمره وهدر منفعل وهو ينهض يواليها ظهره :     


-افففففف بقى مش هخلص من أسئلتك دي ....كانت قفلت ساعتها، وقولتلك كنت قاصد أضايقك زي ما ضايقتيني     


أغمضت عيناها بقوة تحاول كبح أفكارها وتقبل الأمر دون جدال أكثر، فلا يوجد لديها خيار آخر على أي حال لتنهض تقترب منه وتقول بقلة حيلة وهي تضع يدها على ذراعه :     


- أنت كل دنيتي يا "حسن" بلاش تعمل كده وتستغل إني مليش غيرك     


التفت لها وهو يشعر بِشيء من تقريع الضمير ثم رفع يدها يلثمها مرة أخرى وقال برهبة بثتها به "ثريا "بجدارة:    


-حقك عليا ......انا مقدرش استغنى عنك......أوعي تسبيني    


كوبت وجهه بين راحتيها بعدما تدخل قلبها اللين كعادته :    


- مقدرش انت روحي يا "حسن" ربنا ما يحرمني منك     


أبتسم وهو يأمن على دعوتها، ثم احتضنها بقوة وكأنه يريد ان يكفر عن خطيئته بحقها، استكانت هي بين احضانه وكأنه هو مخبأها الوحيد وحصن أمانها متغاضية عن كل شيء بلين قلبها .

حمقاء هي بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولكن دائمًا تجد له مبرر لكافة افعاله ولمَ لا وهي ليس لها أحد سواه، فقد نشأت ببيت عمها وربيت مع أبنته بعد وفاة عائلتها بحادث مروع اودى بحياتهم، وحين تزوجت هي توفى عمها وسافرت ابنته مغتربة مع زوجها بأحد بلاد الخليج لتبقى هي وحيدة دون ملجأ او سند غيره 

-------------------------

تبسمت الشمس في كبد السماء معلنة عن يوم جديد يخبئ في طياته الكثير فقد

استعدت هي بنشاط على غير عادتها وقررت انها هي من ستقوم بإيقاظه اليوم، تجهزت مرتدية بنطال أزرق من خامة الجينز ويعتليها كنزة وردية ذات حملات رفيعة وحذاء رياضي يماثل لون كنزتها وقد اجلت سترتها لحين خروجها، لتنظر مرة أخيرة بالمرآة وتبعثر خصلاتها القصيرة كي تبدو هوجاء كما تفضلها ليلفت نظرها أضاءة هاتفها التي تتعمد ان تضعه على وضع الصامت طوال الوقت بسبب غباء "طارق" الذي لن يكف عن إلحاحه الذي حقًا كاد يصيبها بالسأم تجاهلت الهاتف تمامًا و توجهت بخطى واسعة نحو غرفته ودلفت دون حتى أن تطرق بابها، وحينها وجدت ما لم تحسب حسابه قط لتتعالى وتيرة انفاسها وظلت تتراجع للخلف وهي تشعر بأن كل خلية بجسدها تنتفض من شدة ذعرها حين سقطت عيناها عليه هو بطلته القاسية التي لا تعرف اللين وبعيناه التي يسطع بها المكر قائلًا :    


- كيفك يا بنت "غالية" توحشتك؟    


-----------------------


تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

 مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا

تعليقات

التنقل السريع